الثلاثاء، 22 فبراير 2011

ماذا يحدث في مصر؟


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
الشرف الوطني أعظم من الشرف العسكري، اكرر .. انحازوا للأمة واستبعدوا حكومة شفيق بكل وجوهها ووزرائها وخفرائها، فهم ذيول الطغمة الفاسدة ومساحيق تجميل عهد الثلاثين عاماً الذين زادوا من وجهه قبحا ومن آلام الناس تعذيباً، لا لحكومة شفيق .. لا لأحمد أبو الغيط وسفراؤه ومحاسيبه .. لا لكل وجوه العهد السابق حتى ولو كانوا أنبياء.
أفلس العالم ( الحر) وهذه حقيقة، فدخول أميركا حرب العشرة سنوات 2001 – 2011 ، وانضمام معظم بلدان العالم معها فيما سمي وقتذاك بالحرب على الإرهاب قد أفلس الجميع وأجبر الكل تحت وطأة غضبة الشعوب على تغيير الأنظمة المتخلفة واستبدالها بأنظمة شعوبية اشتراكية أو ذات مسحة اشتراكية كما حدث في استراليا واسبانيا وانجلترا وفرنسا وكثير من الدول الأخرى لدرجة جعلت تغيير الأنظمة يتحول من النقيض إلى النقيض ليتغير وجه العالم في محاولة للتصدي لما أسموه غول الإفلاس العالمي 2009 – الذي يلتهم فينا أمعائنا حتى اليوم - ودخول تلك الأنظمة في مشاكل داخلية مع شعوبهم تتمحور في البطالة وغلاء المعيشة وهي ما جعلها تنكفئ على الذات وتنغلق قدر إمكانها على أمعائها التي خرجت غالب أحشائها في صحراء العرب وصحراء أفغانستان وأصبحت بهذه الكارثة لاهي قادرة على إعادة الحد الادني من الترف الذي كان موجودا قبل عام 2001 ولا هي قادرة على اللعب – كما كانت – في تنضيد الأحداث العالمية، بل ولا تجرؤ على ذلك لأن عملية التنضيد تحتاج إلى أموال والأموال التهمتها حرب ضروس طيلة عشرة أعوام لم تسفر سوى عن إلقاء معدات عسكرية ( انترناشيونال ) بتريليونات الدولارات في رمال الصحراء وأعماق الخلجان العربية دون أن تجني من دوران عجلات تلك الآلة العسكرية شئ سوى تغيير وجهة العالم من النقيض الليبرالي إلى النقيض الطائفي، أصبحت تلك الدول ( خيال مآته ) فاقدة كل ما كنا نختزنه لها من احترام بل وفاقدة هي أيضا ما كانت تختزنه لذاتها من احترام واعتداد بالنفس.

تحدثت في مقال سابق عام 2003 كان عنوانه " الحرب واللعنة وأوطان تتهاوى " تحدثت فيه عن ما سيؤول إليه شكل العالم في المستقبل القريب بعد عشرة سنوات أي في عام 2013 وذكرت أنه في حال دخول القوات العالمية للصحراء العربية فأن اللعنة ستحل على الكل وسيفلس الكل، وحذرت من أن الصحراء العربية التي وطأتها أقدام الأنبياء من آدم وحتى محمد هي صحراء تلعن أي قوة تفتح باب الصراع فيها واستشهدت بالتاريخ منذ حروب أحمس ورمسيس وحتى حرب الخليج الأولى وذكرت 27 حربا بشكل موجز وما أسفرت عنه من نتائج كارثية غيرت وجه العالم من النقيض للنقيض على مدار أكثر من أربعة آلاف عام، وقلت أن كل من شارك أو سيشارك في هذه الحرب سيخسر، وسنجد أن هناك دولا ستقوم ودولا ستختفي، وقوى ستستيقظ وقوى ستنهار، وكذلك حذرت من اتكال بعض الأقليات في العالم على قوى مثل الأمم المتحدة أو أمريكا أو الغرب لان اتكالها على مثل هذه القوى لن يزيدها إلا تحطيما ولن تجني من ورائها إلا ذبحا وسحقا وربما إبادة جماعية دون أن تحرك تلك القوى ساكنا لكونها ستصبح عاجزة عن فعل أي شئ إلا التنديد والدعوة لعدم الإفراط في القوة بشكل مضحك ورخيص كما نراه الآن منهم على شاشات التليفزيون والذي مرجعه الإفلاس والإحساس بالعجز، لكن لا أحد يقرأ في زمن تحكمت فيه غرائز الغضب.
ما لذي يحدث في مصر؟ .. هل هي ثورة؟ أم انتفاضة شعبية؟ أم ماذا؟ .. أتصور في تقديري أن ما يحدث في مصر هي عملية تجميل لوجه قبيح عن طريق إزالة الجلد المتقيح في الوجه بجلد آخر شبه سليم من أسفل ( الفخذ ) لنفس الجسد العجوز المحتضر، والمنطق يقول أن لحظة الاحتضار لا تنفع معها عمليات التجميل ولكن تنفع معها فقط لحظات الانتظار لتشييع جثمان المحتضر الذي حتما هو الآن في عداد الأموات، وأن عمليات ترقيع الوجه وتجميل ترهلات الجسد المحتضر ماهي إلا ضرب من ضروب التخلف العقلي والحضاري ومعاندة ما يسمى بالحتمية القدرية. 
لابد أن يصدق الجميع أن الماضي قد انتهى وأن كل الوجوه التي تعبر عنه هي في محل ( الميت ) والميت لا يستطيع مزاولة الحياة أو ترتيب شئون الحياة لكونه ميتا ولو كنا نحمل بصيصا من حكمة لجهزنا للنظام كله كفنا ونعشا ورتبنا جنازة تليق به وأن لا نناطح القدر، حتى لا تتهمنا الأجيال القادمة بأننا جيل ما يسمى بجيل ( بلاط البُلهاء ) الذين حرقوا الوطن من اجل الحفاظ على كرامة ( لص ميت ) كان في يوم من الأيام شريفا ثم حينما تمكن من قيادة الناس سرق الوطن بأرضه ونيله وسمائه.
حكومة أحمد شفيق هي جلد شبه سليم مأخوذ من أسفل ( فخذ ) الجسد المسجى على طاولة الوطن والذي يحتضر في انتظار إعلان وفاته، حكومة أحمد شفيق مرفوضة قلبا وقالبا، ومحبتنا واحترامنا وتقديرنا للجيش المصري وعلى موقفه الوطني دوما تجاه حماية الوطن وحياده الأخير الذي انحنى له التاريخ في موقفه أثناء غضبة المصريين يمنعنا من أن نوجه له هذا السؤال: لماذا تصر وأنت الحاكم الوحيد الآن في مصر على إجراء عملية تجميل تكلف الوطن كل هذه الثروات لجسد يحتضر والذي حتى إن فاق من أزمة احتضاره لفترة فهو فواق ما يسميه المصريون ( حلاوة الروح ) ثم سيموت بعدها حتما، سيشرب كوب من الماء أو يبلع لقمة من الوطن ثم سيموت حتما مخلفا ورائه عارا في كتب التاريخ يلحق بكل من شارك في عمليات التجميل عن عمد أو عن حسن نية، لقد كتبت مقالا يوم 28 يناير للسيد عمر سليمان كان عنوانه ( انحاز للأمة وكن بطلا شعبيا ) ووجهت له الإنذار الأخير ونبهته أنها فرصته الأخيرة في أن يكون بطلا شعبيا في انحيازه للأمة ضد عنت ( مبارك ) أو أن يظل على موقفه فيقذفه التاريخ في صفحاته السوداء، قلت له أن هناك فرقا شديدا بين الشرف العسكري والشرف الوطني وان شرفك العسكري حتم عليك في يوم ما حماية رأس النظام من عملية اغتيال في أديس أبابا أما الآن فليس اليوم كالبارحة، وليست انتفاضة الأمة ضد رأس النظام اليوم كعملية اغتيال مبارك في إثيوبيا بالأمس، اليوم يفرض عليك الشرف الوطني الانحياز للشعب وتغليب الشرف الوطني على الشرف العسكري لكون الشرف العسكري جزءاً أما الشرف الوطني فهو كلٌ لا يتجزأ لكنه استمع لشيطان نفسه وخرج يوم 11 فبراير بعد التنحي مجرد ( نفر ) سيذكره التاريخ في صفحات غضبة المصريين السوداء ولن يكون أبدا في صفحات التاريخ البيضاء التي تحوي أسماء الضحايا الشباب – وهم بالمئات - الذين قتلتهم يد الطغمة الفاسدة في محاولة يائسة للحفاظ على الكرسي.
الشرف الوطني أعظم وأنبل من الشرف العسكري، اكرر .. انحازوا للأمة واستبعدوا حكومة شفيق بكل وجوهها ووزرائها وسفرائها وخفرائها، فهم ذيول الطغمة الفاسدة ومساحيق تجميل العهد البائد الذين زادوا من وجهه قبحا ومن آلام الناس تعذيباً، لا لحكومة شفيق .. لا لأحمد أبو الغيط وسفراؤه وخفرائه ومحاسيبه .. لا لكل وجوه العهد السابق حتى ولو كانوا أنبياء.

أما بالنسبة لنتائج ما سيحدث في مصر – من وجهة نظري - بعد فتره ( ستة أشهر أو سنة أو أي زمن يقررها الجيش أو الناس ) فهو دولة إسلامية، حاولت أن أنكر ذلك عدة مرات ولكني أتصور أن كل ما يحدث الآن لا يؤدي إلا لتلك النتيجة ولكن على الطريقة المصرية وليس كما كنا نظن على طريقة تركيا أو ماليزيا، وأقول أيضاً أن غضبة الشعب التي خرجت فيها النساء والبنات قبل الشباب والرجال كيف لها أن تؤدي في يوم من الأيام إلى وضع سياسي إسلامي في مصر بل على العكس من ذلك فالمفروض أن تؤدي تلك الصورة إلى وضع آخر يصنعه مصريون متدينون - ربما - ولا تصنعه حكومة متدينة، لكن الأحداث في مصر وما حولها تدور سراعاً وتؤكد تصور الوضع الإسلامي ليس في مصر فقط بل في كل ما يحيطها من دول ودساتير ستكون قريباً ملكا للشعب لا للملوك والرؤساء ويقرر فيها الشعب – ديمقراطيا – وضع الدولة حسب ما ستقرره الأغلبية فيها، اكرر، حسب ما ستقرره الأغلبية فيها.
المسألة أكبر من كونها انتفاضة شعوب تحدث هكذا عفواً، فلا يمكن أن تنتفض أمه هكذا عفوا أبداً من تلقاء نفسها من أقصى الجنوب لأقصى الشمال، لأنه ليس هناك ما يسمى حدثا عفويا إطلاقا، فكل فعل لابد له من فاعل، وإذا نظرنا لمصر وحدها سيقول البسطاء منا أن الفاعل حركة الإخوان المسلمين، لكن إذا نظرنا خارج مصر ونفس سيناريو الأحداث التي حدثت في مصر وتونس سنجد أن الفاعل مجهول الاسم لكنه معلوم الهوية، وأن الإخوان المسلمين لكونهم إخوان مسلمين صنعت منهم الأنظمة الفاسدة بالهالة الإعلامية قوة ليست فيهم ليخيفوا بهم الناس ظن الناس أنهم الفاعلين، رغم يقيني أنهم ليسوا بهذا الحجم من الضخامة ولكنهم تحت تأثير الآلة الإعلامية ( العبيطة ) دخلوا في وعي الناس ( المغسول إعلاميا ) في سيناريو الفاعل الذي لا نراه لكن نستشعره والذي أؤمن بأنه أعظم بكثير - كمارد - مقارنة بطفولة ما يسمى الإخوان المحدودة بفكرها القديم في بضع دول ستدخل حتما في أتون الفوضى أو ربما التغيير ( والتفعيل ) قريباً.
و أتصور أن الهدف من سيناريو المارد القادم هو تحقيق ما يسمى بالحرب المقدسة الكونية التي ستبتلع ما لا يقل عن 40% من سكان العالم، إنها قادمة لا شك والمسألة فقط هي مسألة وقت.
إن مارد الشعوب الذي نتوهمه لم ينطلق من ( القمقم ) كما تصور لنا بعض الآلات الإعلامية، إن من خرج و انتفض وأخرج رأسه من ( القمقم )، مارد آخر لا أعرف ملامحه بالضبط حتى الآن لكني استشعر وجوده بقوة، مارد سيغلق البحار لتأمين الثروة، ثم يكرر سيناريو أحداثة في نصف بلدان الكرة الأرضية وخاصة أسيا وإفريقيا، ثم يضع ابتداءً دساتيرا تحترم الشعوب، وسيحافظ ويحترم في أول بسط إرادته على الأقليات من أي طائفة وأي دين وأي ملة ولن يدخل في حرب مع إسرائيل، بغرض الحفاظ على البني التحتية للبلدان التي سينطلق منها مستقبلاً لتحقيق سيناريو الحرب الكبرى، سنرى قريبا نفس السيناريو في مالي والنيجر وربما جنوب أفريقيا وتشاد والسعودية وسوريا وإيران وباكستان ودول الكومنولث الروسي القديم وبلدان كثيرة على شكل ( طوق ) يحمل في بطنه ثلاثة أرباع كنوز العالم على شكل نجمة، لقد اختار المارد بداية تحقيق السيناريو في زمن إفلاس العالم وعجزه عن تحقيق شئ سوى التنديد والدعوة لنبذ العنف بأسلوب عفن ورخيص، وستكون بشائر أنابيب الاختبار التي تم تجهيزها منذ سنوات هي منع الوقود عن بعض دول جنوب أوروبا في محاولة تمهيدية لسيناريو تأمين البحر المتوسط وكذلك لدراسة رد الفعل الذي حتما سيخرج عنيفا كما فعل العادلي في الثلاثة أيام الأولى لغضبة المصريين واخرج للناس كل طاقته وآلته القمعية التي ما أن ألفها الناس حتى انتصروا عليه، كما سيكرر – في تقديري – نموذج قراصنة الصومال في بوابة الحكمة ( هرمز ) مدخل الخليج الفارسي وكذلك بوابة ( جبل طارق ) على المتوسط بعد أن نجحت أنبوبة الاختبار عند بوابة ( المندب ) على البحر الأحمر، وأتصور أننا في بداية السيناريو الذي ربما يأخذ عشرين عاما قبل حدوث الكارثة الكونية المتمثلة في الحرب المقدسة والتي سيدخلها الكل للدفاع عن المقدس في ضمائرهم مسلمون ومسيحيون ويهود وهندوس وبوذيون وكل ألوان وأطياف أصحاب الديانات المختلفة في العالم.
ما يحدث في مصر هو جزء صغير جداً من السيناريو الكبير جداً لكنه جزء مهم من القادم في المستقبل القريب، هذا ظني، وغدا ستتكشف أمورا جديدة أكثر حدة، نأمل أن لا يدخل فيها الجيش المصري أو يتورط من خلالها في صراع مع الشعب والعامة لأن هذا الصراع ربما يكون وارد، أو ربما محتمل وعليه أن ينحاز للناس، و في نهاية مقالي أود أن أقدم التحية والتقدير وانحناءة شرف لضحايا الثورة على الطغمة الفاسدة سواء من راح منهم في 25 يناير أو من سبقهم أمثال شباب كنيسة القديسين، وخالد سعيد وغيرهم من خيرة شباب مصر، وكل من كان بريئا وراح ضحية النظام السابق طيلة 40 عاماً، وعاشت مصر حرة و تحيا مصر.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق