‏إظهار الرسائل ذات التسميات لقاءات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لقاءات. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 4 مايو 2015

ورحل الأبنودي .. رحل ( خال ) المصريين

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
تحدثت مع الأستاذ والناقد الكبير توفيق حنا وأقنعته بنشر كتاب شرط أن يقدم الكتاب شخصية مشهورة جداً واقترحت الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي .. حينها لمعت الفكرة في عقل الأستاذ توفيق حنا وقال لي: انت اخترت تلميذي .. عبد الرحمن الأبنودي تلميذي ولن يرفض .. أنا هكلمه فوراً
رحم الله الخال الذي وجه رسالة بمثابة وصيته للمصريين، حين قال: أنا عبد الرحمن
الأستاذ وتلميذه .. ا.توفيق حنا مع تلميذه عبد الرحمن الأبنودي بالإسماعيلية
الأبنودي، عشت حياتي طفلاً، أكلوا ذراعي عملت بالذراع الآخر، ظلموني فرفضت أن أظلم، من أحبوني كان رد فعلي هو غرامي بهم، أنا أحببت هذا الوطن وأحببت هذه الأرض، وأحببت الناس وأنا ابن ناس فقراء للغاية، وعملت في الأرض بيدي”. ثم أكمل الأبنودي قائلاً “اسمحوا لي أن أحيي الشعب المصري وأقول لهم (لا تنسوني)”، مشيراً إلى كونه يعيش في قرية بعيدة، في إشارة إلى منزله بمحافظة الإسماعيلية، كما أن مقبرته شيدها في مكان بعيد، لا يريد أن يتم لفه بالعلم أو حتى بـ “ملايه” وقت دفنه. كما تحدث عمن يدين لهم بالمال “في ناس ليهم عندي فلوس، فاللي ليه عندي فلوس يسامحني، واللي ليا عنده فلوس، بناتي لسن أقل غلاوة من بناته”. وفي ختام كلماته تحدث الأبنودي عن الوضع السياسي “إحنا في زمن السيسي، نحن تلوثنا بما فيه الكفاية، وهذا الرجل جاء قطعة طيبة من عند الله، في زمن سيء بمصر”، داعيا الله أن يحسن أحواله وظروفه، لأنه جاء ومصر بحالة غير جيدة، وطالما أن الجيش المصري موجود ستظل مصر موجودة.

ولد الأبنودي عام 1939 في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذونا شرعيا وهو الشيخ محمود الأبنودي، وانتقل إلى مدينة قنا وتحديداً في شارع بني علي، حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها، وهو متزوج من المذيعة المصرية نهال كمال وله منها ابنتان آية ونور. من أشهر أعماله السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها، ومن أشهر كتبه كتاب أيامي الحلوة الذي نشره في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، وفيه يحكي الأبنودي قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر. يذكر أن الأبنودي قدم العديد من الأعمال الغنائية الدرامية لعدد من المسلسلات التي عرضت خلال السنوات الأخيرة، ومنها مسلسل “الرحايا”، وكتب أول قصيدة بعد ثورة 25 يناير اسمها “الميدان”، والتي كانت من تمائم الثورة في تلك الفترة، ثم كتب العديد من الأعمال في ثورة 30 يونيو. وحصل الأبنودي على لقب تميمة الثورات المصرية، فهو مغني الشعب بعد نكسة 67 بأغنية “وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها”، وصاحب صرخة “مسيح”، إضافة إلى العديد من الأعمال الإبداعية منذ منتصف الخمسينيات، وحتى الآن مروراً “بالسيرة الهلالية” و”الأحزان العادية” و”المشروع الممنوع” و”صمت الجرس”، و”عمليات” و”أحمد سماعين”، وأعمال كثيرة أثرى بها الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي.

حين قررت أنشاء دار نشر وإعلام في مصر كان من المهم أن يكون أول عمل يتم نشره لكاتب كبير .. تحدثت مع الأستاذ والناقد الكبير توفيق حنا – أطال الله لنا في عمره – وأقنعته بنشر كتاب له ولكن شرط أن يقدم الكتاب شخصية مصرية مشهورة جداً وليكن على سبيل المثال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي .. حينها لمعت الفكرة في عقل الأستاذ توفيق حنا وقال لي: يامحيي ياابراهيم انت اخترت تلميذي .. عبد الرحمن الأبنودي تلميذي ولن يرفض .. أنا هكلمه فوراً .. فقلت:  ولكن يااستاذ توفيق أخشى أن يطلب مبلغاً كبيراً مقابل أن يكتب مقدمة الكتاب .. فقال الاستاذ توفيق حنا كلمة واحدة هي: مستحيل.
مر اسبوع واحد وكنت حينها في الولايات المتحدة بولاية مسيسيبي وفوجئت بمكالمة تليفونية .. آلو مين معايا .. أنا عبد الرحمن الأبنودي .. عبد الرحمن الأبنودي؟؟؟؟ .. عبد الرحمن الأبنودي مين؟؟ .. عبد الرحمن الأبنودي  بتاعنا؟؟ .. أيوة ياوليدي أنا خالك عبد الرحمن وعمك توفيق حنا هو اللي كتب لي رقم تليفونك وقال لي اتصل بيك .. لم اتمالك نفسي من السعادة .. قيمة كبيرة تساندك حتى تقف على قدميك .. قيمة كبيرة تدفعك للأمام دون مقابل .. قيمة كبيرة كان شرطها الوحيد للعمل أن تصبح دار النشر في زمن قصير دار كبيرة ومحترمة .. قيمة كبيرة لم يكتف بالدعم المعنوي والإبداعي بل ودعانا جميعاً لزيارته في منزله بقرية الضبعية بمحافظة الإسماعيلية لنقضي معه يوماً كاملاً من أروع أيام العمر حكى لنا فيها كثير من مواقفه وحياته ولحظاته الحرجة وربما أهمها علاقته بأم كلثوم وعبد الحليم ونجيب محفوظ بل واستاذه توفيق حنا الذي أكتشفه وهو مازال ( عود أخضر ) وقدمه للأضواء في القاهرة حيث قال الأبنودي عن استاذه توفيق حنا بعرفان حي ورد جميل واضح وروح مبدع عملاق واثق في نفسه:
الأستاذ “توفيق حنا” هو الكتاب الأهم الذي قرأناه فى تلك الفترة – منذ نصف قرن.
الأستاذ توفيق حنا سلط علينا ضوءه العبقري فأشرقت فى أرواحنا البكر آهات رائعة خضراء جديدة وكأنه استصلح أرضا لم تُزرع من قبل.
أستاذنا “توفيق حنا” هو الذي تسبب فى بداية شهرتنا. هو الذي أطلق الشرارة الأولى.
ولكنه اليوم يصر دائما على أن هذا لم يحدث … لاشك .. فمثل الأستاذ توفيق حنا المتصالح المصالح بصوره مطلقه يمكن له أن يطرد تلميذا مشاغبا من فصله.
على الرغم من ذلك أؤكد له دائما انه طردني من حصته الأولى بعد أن تطاولت عليه كعادتي فى استقبال المدرسين الجدد.
كان الأستاذ توفيق حنا نحيلا بصورة ملفتة، لم يختلف كثيراً عما هو عليه الآن. بهذا استقويت ولهذا طردت من الفصل الى الفناء كعادتي.
هو يصر دائما على أن هذا لم يحدث.
واظننى لم أر ذلك فى مشهد سينمائي كنت بطله .. فتشت فى ذاكرتي ربما حدث ذلك لي مع معلم آخر فاشتبكا فى ذاكرتي.
ماهى إلا أيام حتى اكتشفنا أن مدرسنا ليس مدرسا وإنما هو عاشق رومانسي لا يرى فى الحياة سوى خيرها وفى البشر سوى الجوانب الطيبة التي لم يلتفتوا إليها.
كنا فى الجنوب المصرى الأعلى، فى مدينة قنا. كنا نعانى فقرا حياتيا وثقافيا إذ كانت الكتب تنهك شديدا قبل أن تصل إلينا، ولم يكن يصل الى أيدينا منها سوى ما يفرّط فيه أصحابه.
كان الأستاذ “توفيق حنا” هو الكتاب الأهم الذي قرأناه فى تلك الفترة – منذ نصف قرن.

هبط بيننا كالمبشر الذي قرر أن يهدى شعب الغابة الى النور الذي لا ينطفئ.
كنا مجموعة من نابهين موهوبين فقيري الثقافة. الواقع يحاصر بلا رحمة، الحياة الاجتماعية، بُعد المكان الذي كان يبدو كالمنفى، ندرة الكتب أو المال الذي يأتي بها صاغرة الى عالمنا البعيد البعيد.
أبو الوفا القاضي الشاعر والمخرج المسرحي، أمل دنقل الشاعر الفذ المضئ الذي انتشر شعره فى الأمة العربية كلها. محمد سلامه آدم، أنا، لقد رحلوا جميعا الآن عداي.
فجأة اكتشفنا ذلك الأستاذ المختلف، أو اكتشفنا هو ليلتقطنا كلا على حده فتتحقق أخّوة ما سعى إليها معلم من قبل فى حياتنا الدراسية. راح يحدثنا عن القرية المصرية – كان يعرف عددها وكم أهْوّلنا الرقم فى زمن لم نكن رأينا فيه حتى قرى بعضنا البعض رغم صداقة أهالينا”.
أشبه بقطع الحلوى راح يخرج من جيوبه مواويل وأغنيات وكلمات نور من حولها ويرينا ما غفلت أعيننا عن التقاط جمالياته المختبئة في استعمالاتنا اليومية لها. لنكتشف أننا نملك كنوزا حقيقية نتجاهلها بحثا عن غير الجوهري.

المواويل التي كانت تنزلق على الأذن اليومية، سلط الأستاذ توفيق حنا عليها ضوءه العبقري فأشرقت فى أرواحنا البكر آهات رائعة خضراء جديدة وكأنه استصلح أرضا لم تُزرع من قبل.
جرى “محمد سلامة آدم” ليكتب عن قريته (البارود)، وكتب “أبو الوفا القاضي” ملحمته الشعبية بلغة المحكية فى بلدته (فرشوط) أما شاعرنا العظيم “أمل دنقل” فراح يكتب قاموسا متواضعا للألفاظ اليومية المغايرة للسان المصرى من قريته (القلعة).
أما أنا فقد عدت من مدينة “قنا” الى قريتي (أبنود) أحاول أن أستمع الى أغنيات السواقي ونوارج درس السنابل والصراخ في الشواديف التي تنقل الماء الى الأرض العطشى. اغانى الرعاة ومواويل الشباب وحكايات الكهول وأغنيات الحياة فرحا وحزنا وحياة وموتا.
بل لا أبالغ أن أستاذ المدرسة الثانوية هو الذي دفع بى دون أن يدرى أن أطارد شعراء الرباب والسير الشعبية لثلاثين عاما وأكثر لجمع “السيرة الهلالية”.
وقبل كل ذلك وبعده، فإن أستاذنا “توفيق حنا” هو الذي تسبب فى بداية شهرتنا. هو الذي أطلق الشرارة الأولى.

هو أول من اعترف بنا – بخلاف أصدقائنا- ورأى أننا نستحق أن نُسمع فى القاهرة، فأتفق – بعد انتهاء فترة انتدابه وعودته الى العاصمة – مع مركز الفنون الشعبية وكان مؤسسة جديدة النشأة لكي نقيم أمسية شعرية: أمل دنقل وأنا كنا قد بدأنا وضع أقدامنا على أعتاب نضج، ونجحت الأمسية بعد أن قدمنا الأستاذ الى حضور كثيف لأدباء ومثقفي مصر من أحباب الأستاذ توفيق ليصير معظمهم أصدقاء لنا بعد ذلك وعدنا وقد وهبتنا تلك الأمسية ثقة لا حدود لها فيما نفعل.

ورحل الأبنودي .. رحل ( خال ) المصريين

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
تحدثت مع الأستاذ والناقد الكبير توفيق حنا وأقنعته بنشر كتاب شرط أن يقدم الكتاب شخصية مشهورة جداً واقترحت الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي .. حينها لمعت الفكرة في عقل الأستاذ توفيق حنا وقال لي: انت اخترت تلميذي .. عبد الرحمن الأبنودي تلميذي ولن يرفض .. أنا هكلمه فوراً
رحم الله الخال الذي وجه رسالة بمثابة وصيته للمصريين، حين قال: أنا عبد الرحمن
الأستاذ وتلميذه .. ا.توفيق حنا مع تلميذه عبد الرحمن الأبنودي بالإسماعيلية
الأبنودي، عشت حياتي طفلاً، أكلوا ذراعي عملت بالذراع الآخر، ظلموني فرفضت أن أظلم، من أحبوني كان رد فعلي هو غرامي بهم، أنا أحببت هذا الوطن وأحببت هذه الأرض، وأحببت الناس وأنا ابن ناس فقراء للغاية، وعملت في الأرض بيدي”. ثم أكمل الأبنودي قائلاً “اسمحوا لي أن أحيي الشعب المصري وأقول لهم (لا تنسوني)”، مشيراً إلى كونه يعيش في قرية بعيدة، في إشارة إلى منزله بمحافظة الإسماعيلية، كما أن مقبرته شيدها في مكان بعيد، لا يريد أن يتم لفه بالعلم أو حتى بـ “ملايه” وقت دفنه. كما تحدث عمن يدين لهم بالمال “في ناس ليهم عندي فلوس، فاللي ليه عندي فلوس يسامحني، واللي ليا عنده فلوس، بناتي لسن أقل غلاوة من بناته”. وفي ختام كلماته تحدث الأبنودي عن الوضع السياسي “إحنا في زمن السيسي، نحن تلوثنا بما فيه الكفاية، وهذا الرجل جاء قطعة طيبة من عند الله، في زمن سيء بمصر”، داعيا الله أن يحسن أحواله وظروفه، لأنه جاء ومصر بحالة غير جيدة، وطالما أن الجيش المصري موجود ستظل مصر موجودة.

ولد الأبنودي عام 1939 في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذونا شرعيا وهو الشيخ محمود الأبنودي، وانتقل إلى مدينة قنا وتحديداً في شارع بني علي، حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها، وهو متزوج من المذيعة المصرية نهال كمال وله منها ابنتان آية ونور. من أشهر أعماله السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها، ومن أشهر كتبه كتاب أيامي الحلوة الذي نشره في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، وفيه يحكي الأبنودي قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر. يذكر أن الأبنودي قدم العديد من الأعمال الغنائية الدرامية لعدد من المسلسلات التي عرضت خلال السنوات الأخيرة، ومنها مسلسل “الرحايا”، وكتب أول قصيدة بعد ثورة 25 يناير اسمها “الميدان”، والتي كانت من تمائم الثورة في تلك الفترة، ثم كتب العديد من الأعمال في ثورة 30 يونيو. وحصل الأبنودي على لقب تميمة الثورات المصرية، فهو مغني الشعب بعد نكسة 67 بأغنية “وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها”، وصاحب صرخة “مسيح”، إضافة إلى العديد من الأعمال الإبداعية منذ منتصف الخمسينيات، وحتى الآن مروراً “بالسيرة الهلالية” و”الأحزان العادية” و”المشروع الممنوع” و”صمت الجرس”، و”عمليات” و”أحمد سماعين”، وأعمال كثيرة أثرى بها الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي.

حين قررت أنشاء دار نشر وإعلام في مصر كان من المهم أن يكون أول عمل يتم نشره لكاتب كبير .. تحدثت مع الأستاذ والناقد الكبير توفيق حنا – أطال الله لنا في عمره – وأقنعته بنشر كتاب له ولكن شرط أن يقدم الكتاب شخصية مصرية مشهورة جداً وليكن على سبيل المثال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي .. حينها لمعت الفكرة في عقل الأستاذ توفيق حنا وقال لي: يامحيي ياابراهيم انت اخترت تلميذي .. عبد الرحمن الأبنودي تلميذي ولن يرفض .. أنا هكلمه فوراً .. فقلت:  ولكن يااستاذ توفيق أخشى أن يطلب مبلغاً كبيراً مقابل أن يكتب مقدمة الكتاب .. فقال الاستاذ توفيق حنا كلمة واحدة هي: مستحيل.
مر اسبوع واحد وكنت حينها في الولايات المتحدة بولاية مسيسيبي وفوجئت بمكالمة تليفونية .. آلو مين معايا .. أنا عبد الرحمن الأبنودي .. عبد الرحمن الأبنودي؟؟؟؟ .. عبد الرحمن الأبنودي مين؟؟ .. عبد الرحمن الأبنودي  بتاعنا؟؟ .. أيوة ياوليدي أنا خالك عبد الرحمن وعمك توفيق حنا هو اللي كتب لي رقم تليفونك وقال لي اتصل بيك .. لم اتمالك نفسي من السعادة .. قيمة كبيرة تساندك حتى تقف على قدميك .. قيمة كبيرة تدفعك للأمام دون مقابل .. قيمة كبيرة كان شرطها الوحيد للعمل أن تصبح دار النشر في زمن قصير دار كبيرة ومحترمة .. قيمة كبيرة لم يكتف بالدعم المعنوي والإبداعي بل ودعانا جميعاً لزيارته في منزله بقرية الضبعية بمحافظة الإسماعيلية لنقضي معه يوماً كاملاً من أروع أيام العمر حكى لنا فيها كثير من مواقفه وحياته ولحظاته الحرجة وربما أهمها علاقته بأم كلثوم وعبد الحليم ونجيب محفوظ بل واستاذه توفيق حنا الذي أكتشفه وهو مازال ( عود أخضر ) وقدمه للأضواء في القاهرة حيث قال الأبنودي عن استاذه توفيق حنا بعرفان حي ورد جميل واضح وروح مبدع عملاق واثق في نفسه:
الأستاذ “توفيق حنا” هو الكتاب الأهم الذي قرأناه فى تلك الفترة – منذ نصف قرن.
الأستاذ توفيق حنا سلط علينا ضوءه العبقري فأشرقت فى أرواحنا البكر آهات رائعة خضراء جديدة وكأنه استصلح أرضا لم تُزرع من قبل.
أستاذنا “توفيق حنا” هو الذي تسبب فى بداية شهرتنا. هو الذي أطلق الشرارة الأولى.
ولكنه اليوم يصر دائما على أن هذا لم يحدث … لاشك .. فمثل الأستاذ توفيق حنا المتصالح المصالح بصوره مطلقه يمكن له أن يطرد تلميذا مشاغبا من فصله.
على الرغم من ذلك أؤكد له دائما انه طردني من حصته الأولى بعد أن تطاولت عليه كعادتي فى استقبال المدرسين الجدد.
كان الأستاذ توفيق حنا نحيلا بصورة ملفتة، لم يختلف كثيراً عما هو عليه الآن. بهذا استقويت ولهذا طردت من الفصل الى الفناء كعادتي.
هو يصر دائما على أن هذا لم يحدث.
واظننى لم أر ذلك فى مشهد سينمائي كنت بطله .. فتشت فى ذاكرتي ربما حدث ذلك لي مع معلم آخر فاشتبكا فى ذاكرتي.
ماهى إلا أيام حتى اكتشفنا أن مدرسنا ليس مدرسا وإنما هو عاشق رومانسي لا يرى فى الحياة سوى خيرها وفى البشر سوى الجوانب الطيبة التي لم يلتفتوا إليها.
كنا فى الجنوب المصرى الأعلى، فى مدينة قنا. كنا نعانى فقرا حياتيا وثقافيا إذ كانت الكتب تنهك شديدا قبل أن تصل إلينا، ولم يكن يصل الى أيدينا منها سوى ما يفرّط فيه أصحابه.
كان الأستاذ “توفيق حنا” هو الكتاب الأهم الذي قرأناه فى تلك الفترة – منذ نصف قرن.

هبط بيننا كالمبشر الذي قرر أن يهدى شعب الغابة الى النور الذي لا ينطفئ.
كنا مجموعة من نابهين موهوبين فقيري الثقافة. الواقع يحاصر بلا رحمة، الحياة الاجتماعية، بُعد المكان الذي كان يبدو كالمنفى، ندرة الكتب أو المال الذي يأتي بها صاغرة الى عالمنا البعيد البعيد.
أبو الوفا القاضي الشاعر والمخرج المسرحي، أمل دنقل الشاعر الفذ المضئ الذي انتشر شعره فى الأمة العربية كلها. محمد سلامه آدم، أنا، لقد رحلوا جميعا الآن عداي.
فجأة اكتشفنا ذلك الأستاذ المختلف، أو اكتشفنا هو ليلتقطنا كلا على حده فتتحقق أخّوة ما سعى إليها معلم من قبل فى حياتنا الدراسية. راح يحدثنا عن القرية المصرية – كان يعرف عددها وكم أهْوّلنا الرقم فى زمن لم نكن رأينا فيه حتى قرى بعضنا البعض رغم صداقة أهالينا”.
أشبه بقطع الحلوى راح يخرج من جيوبه مواويل وأغنيات وكلمات نور من حولها ويرينا ما غفلت أعيننا عن التقاط جمالياته المختبئة في استعمالاتنا اليومية لها. لنكتشف أننا نملك كنوزا حقيقية نتجاهلها بحثا عن غير الجوهري.

المواويل التي كانت تنزلق على الأذن اليومية، سلط الأستاذ توفيق حنا عليها ضوءه العبقري فأشرقت فى أرواحنا البكر آهات رائعة خضراء جديدة وكأنه استصلح أرضا لم تُزرع من قبل.
جرى “محمد سلامة آدم” ليكتب عن قريته (البارود)، وكتب “أبو الوفا القاضي” ملحمته الشعبية بلغة المحكية فى بلدته (فرشوط) أما شاعرنا العظيم “أمل دنقل” فراح يكتب قاموسا متواضعا للألفاظ اليومية المغايرة للسان المصرى من قريته (القلعة).
أما أنا فقد عدت من مدينة “قنا” الى قريتي (أبنود) أحاول أن أستمع الى أغنيات السواقي ونوارج درس السنابل والصراخ في الشواديف التي تنقل الماء الى الأرض العطشى. اغانى الرعاة ومواويل الشباب وحكايات الكهول وأغنيات الحياة فرحا وحزنا وحياة وموتا.
بل لا أبالغ أن أستاذ المدرسة الثانوية هو الذي دفع بى دون أن يدرى أن أطارد شعراء الرباب والسير الشعبية لثلاثين عاما وأكثر لجمع “السيرة الهلالية”.
وقبل كل ذلك وبعده، فإن أستاذنا “توفيق حنا” هو الذي تسبب فى بداية شهرتنا. هو الذي أطلق الشرارة الأولى.

هو أول من اعترف بنا – بخلاف أصدقائنا- ورأى أننا نستحق أن نُسمع فى القاهرة، فأتفق – بعد انتهاء فترة انتدابه وعودته الى العاصمة – مع مركز الفنون الشعبية وكان مؤسسة جديدة النشأة لكي نقيم أمسية شعرية: أمل دنقل وأنا كنا قد بدأنا وضع أقدامنا على أعتاب نضج، ونجحت الأمسية بعد أن قدمنا الأستاذ الى حضور كثيف لأدباء ومثقفي مصر من أحباب الأستاذ توفيق ليصير معظمهم أصدقاء لنا بعد ذلك وعدنا وقد وهبتنا تلك الأمسية ثقة لا حدود لها فيما نفعل.

الخميس، 10 يوليو 2014

السياسة والوطن في أعمال المخرج مجدي مجاهد المسرحية (3)

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

منذ أن قدمت اوبريت العشرة الطيبة عام 1983 وحتى الآن أي مايقرب من ثلاثين عاماً ولم يتم تقديم اوبريت يوازيه فنياً وربما هذا مادفعه لأن يكون أحد أهم الأعمال الفنية في الخمسين سنة الأخيرة،
  

الشباب المصري طاقة منتجة عبقرية ولكنها بحاجة دوماً لمن يثق فيها ويضعها في مقدمة الصفوف

المتلقي شديد الذكاء وعلى المبدع أن يكون في درجة أعلى ليستطيع اقناع المتلقي بفكرته

الإرهاب في مجتمعاتنا نابع من ضعف العملية التعليمية وتجاهل منهج الدين ومناهج الرياضة والفنون


مازلنا في حديث الذكريات مع أهم المخرجين المسرحيين في مصر وعالمنا العربي، مازلنا مع المخرج القدير مجدي مجاهد الذي استطاع بإيمانه بوطنه وفنه أن يكون أيضاً مكتشف النجوم وربما على رأسهم اليوم على سبيل المثال لا الحصر الفنان القدير يحيي الفخراني الذي تخرج من مدرسة مجدي مجاهد، هذا المخرج الذي آمن بالشباب وبأنهم مستقبل هذه الأمة فكان مسرحة يعج دوماً بطاقة الشباب اللامتناهية والتي تعلمت منه الكثير وخرجت لتبدع في شتى المجالات الفنية من تحت عباءة الفنان القدير مجدي مجاهد:

مجدي مجاهد:
لقد تعلمت على يد جيل رائع مؤمن بالشباب، جيل أمثال عبد الرحيم الزرقاني ونور الدمرداش والسيد بدير وغيرهم كثير، جيل كان يعطي الفرصة للشباب بكل حب واستاذية، جيل كان يؤمن بأنه سيأتي يوما سيحمل فيه الشباب راية العطاء لمصر، ولذلك حين جاء دوري كان الشباب همي الأول، كنت استعين بهم وبنسبة لا تقل عن 75% من حجم الفريق، في الاضاءة، مساعدي اخراج، فنيين، ممثلين، كنت في كل عمل جديد اجد عندي اصرار على تقديم نجم جديد أو نجمين من الشباب، حينما استشعر أن هذا الشباب يمتلك روح النجومية كنت اقرر فوراً أن يكون هو بطل العرض القادم، بل لقد جازفت وكونت فريقاً كاملاً كنت أراه فريقاً عبقرياً وصنعت منه فرقة مسرحية أطلقت عليها ( فرقة أنغام الشباب ) وهي فرقة لاقت نجاحاً جماهيريا واسعاً وكان من أهم نجومها اليوم من أعتبره أبنا لي وهو الفنان القدير والجميل سامح الصريطي، الشباب المصري طاقة منتجة عبقرية ولكنها بحاجة دوماً لمن يثق فيها ويضعها في مقدمة الصفوف.

مجدي مجاهد:
لم أصرف من جيبي على عرض ” العشرة الطيبة ” ولكن المسألة كانت كالتالي: كنت وقتها عام 1983 مديراً للمسرح الغنائي وحينها تم انتدابي كمشرف عام على فرقة المسرح الكوميدي مع “السيد راضي” أثناء قيامي بالتحضير للعشرة الطيبة، وفوجئت بالمسرح الكوميدي يحرر لي عقداً مالياً كمشرف عام بجانب مرتبي كمدير للمسرح الغنائي، وبمجرد معرفتي بأمر هذا العقد جلست مع ” منار أبو هيف” وقلت لها أني أتنازل عن قيمة عقدي هذا لكل فريق ” العشرة الطيبة ” ووسط دهشة الجميع واصراري على التنازل عن قيمة العقد كان رد الفعل أكثر مماتوقعت من فريق العمل، إذ كان الجميع يتفانى حسب طاقة كل واحد منهم في بذل أقسى ما يمكن بذله لإنجاح العرض وتقديمه بالصورة المثلى، كانت الروح الجماعية هي المنهج الذي يضمنا جميعاً وكان العمل ونجاح العمل هو هدف الكل.

مجدي مجاهد:
هذا صحيح، منذ أن قدمت اوبريت العشرة الطيبة عام 1983 وحتى الآن أي مايقرب من ثلاثين عاماً ولم يتم تقديم اوبريت يوازيه فنياً وربما هذا مادفعه لأن يكون أحد أهم الأعمال الفنية في الخمسين سنة الأخيرة، وأقول لك بصراحة، أوبريت في قيمة العشرة الطيبة لو تم انتاجه هذه الأيام لن تقل تكلفته عن 10 ملايين جنيه، ولن يخرج بنفس قيمته الفنيه، لماذا؟ .. لأن مظلة الحب لم تعد موجودة مثلما كانت في الماضي بين الفريق الواحد، الجميع يريد أن يكون بطلاً، كما أن المتلقي في ظل الغزو الدرامي التليفزيوني – الرهيب – لم يعد يقبل على مشاهدة المسرح كما كان في السابق، المسرح اليوم، أو الفن بشكل عام يحتاج إلى إعادة صياغة، يحتاج إلى إعادة لملمة الأشلاء ودراسة ماذا يريد المشاهد وكيف نقدم له مسرحاً راقياً بأدوات تحاكي العصر، النهاردة الدنيا إتغيرت ومستحيل في زمن ( الهليوجرام) نقدم مسرحاً فقيراً وبأدوات فقيرة، لن يعيرك أحد انتباهه، فالمتلقي شديد الذكاء ولابد للمبدع أن يكون على درجة أعلى ليستطيع اقناع المتلقي بفكرته.

مجدي مجاهد:
بالفعل يامحيي، كل أغلب أعمالي إن لم يكن كلها تعتمد على المنحى الأخلاقي، ليس معنى أننا نقدم عملاً كوميدياً أن يكون عملاً مسفاً أو غير أخلاقي، أنظر لنجيب الريحاني، اسماعيل يس، عبد المنعم مدبولي، أمين الهنيدي، تقريباً كل جيل الكوميديانات القدامى، كانت الكوميديا موقف وتعتمد على الإضحاك وبعنف لكن بدون كلمة واحدة خارجة، وكذلك كانت تعتمد على علاج خلل مجتمعي حادث بالفعل دون خدش للحياء العام، وعليه كانت أغلب أعمالي لعلاج بعض مانراه من خلل داخل المجتمع، مثل التعصب الكروي على سبيل المثال، رغم أني زملكاوي واشجع الزمالك بكل مشاعري إلا أن أغلب اصدقائي ( أهلاوية ) وصداقة ( ماحصلتش ) وعليه هل لو الأهلي فاز على الزمالك أو فاز الزمالك على الأهلي نقاطع بعض!!؟؟ .. كانت مسألة التعصب بشكل عام تستفزني، مصر ليست بحاجة للتعصب، مصر بشعبها المعتدل الحضاري لايجب ان يكون من أحد خصاله التعصب، ولهذا قمت بعمل مسرحي نال اعجاب الناس حينها وهو مسرحية ( عالم كورة كورة )، مسرحية سخرنا فيها جميعا من التعصب بكل صوره وقدمنا فيها علاجاً لكل أمراض التعصب الإجتماعية بداخلنا.

السياسة والوطن في أعمال المخرج مجدي مجاهد المسرحية (3)

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

منذ أن قدمت اوبريت العشرة الطيبة عام 1983 وحتى الآن أي مايقرب من ثلاثين عاماً ولم يتم تقديم اوبريت يوازيه فنياً وربما هذا مادفعه لأن يكون أحد أهم الأعمال الفنية في الخمسين سنة الأخيرة،
  

الشباب المصري طاقة منتجة عبقرية ولكنها بحاجة دوماً لمن يثق فيها ويضعها في مقدمة الصفوف

المتلقي شديد الذكاء وعلى المبدع أن يكون في درجة أعلى ليستطيع اقناع المتلقي بفكرته

الإرهاب في مجتمعاتنا نابع من ضعف العملية التعليمية وتجاهل منهج الدين ومناهج الرياضة والفنون


مازلنا في حديث الذكريات مع أهم المخرجين المسرحيين في مصر وعالمنا العربي، مازلنا مع المخرج القدير مجدي مجاهد الذي استطاع بإيمانه بوطنه وفنه أن يكون أيضاً مكتشف النجوم وربما على رأسهم اليوم على سبيل المثال لا الحصر الفنان القدير يحيي الفخراني الذي تخرج من مدرسة مجدي مجاهد، هذا المخرج الذي آمن بالشباب وبأنهم مستقبل هذه الأمة فكان مسرحة يعج دوماً بطاقة الشباب اللامتناهية والتي تعلمت منه الكثير وخرجت لتبدع في شتى المجالات الفنية من تحت عباءة الفنان القدير مجدي مجاهد:

مجدي مجاهد:
لقد تعلمت على يد جيل رائع مؤمن بالشباب، جيل أمثال عبد الرحيم الزرقاني ونور الدمرداش والسيد بدير وغيرهم كثير، جيل كان يعطي الفرصة للشباب بكل حب واستاذية، جيل كان يؤمن بأنه سيأتي يوما سيحمل فيه الشباب راية العطاء لمصر، ولذلك حين جاء دوري كان الشباب همي الأول، كنت استعين بهم وبنسبة لا تقل عن 75% من حجم الفريق، في الاضاءة، مساعدي اخراج، فنيين، ممثلين، كنت في كل عمل جديد اجد عندي اصرار على تقديم نجم جديد أو نجمين من الشباب، حينما استشعر أن هذا الشباب يمتلك روح النجومية كنت اقرر فوراً أن يكون هو بطل العرض القادم، بل لقد جازفت وكونت فريقاً كاملاً كنت أراه فريقاً عبقرياً وصنعت منه فرقة مسرحية أطلقت عليها ( فرقة أنغام الشباب ) وهي فرقة لاقت نجاحاً جماهيريا واسعاً وكان من أهم نجومها اليوم من أعتبره أبنا لي وهو الفنان القدير والجميل سامح الصريطي، الشباب المصري طاقة منتجة عبقرية ولكنها بحاجة دوماً لمن يثق فيها ويضعها في مقدمة الصفوف.

مجدي مجاهد:
لم أصرف من جيبي على عرض ” العشرة الطيبة ” ولكن المسألة كانت كالتالي: كنت وقتها عام 1983 مديراً للمسرح الغنائي وحينها تم انتدابي كمشرف عام على فرقة المسرح الكوميدي مع “السيد راضي” أثناء قيامي بالتحضير للعشرة الطيبة، وفوجئت بالمسرح الكوميدي يحرر لي عقداً مالياً كمشرف عام بجانب مرتبي كمدير للمسرح الغنائي، وبمجرد معرفتي بأمر هذا العقد جلست مع ” منار أبو هيف” وقلت لها أني أتنازل عن قيمة عقدي هذا لكل فريق ” العشرة الطيبة ” ووسط دهشة الجميع واصراري على التنازل عن قيمة العقد كان رد الفعل أكثر مماتوقعت من فريق العمل، إذ كان الجميع يتفانى حسب طاقة كل واحد منهم في بذل أقسى ما يمكن بذله لإنجاح العرض وتقديمه بالصورة المثلى، كانت الروح الجماعية هي المنهج الذي يضمنا جميعاً وكان العمل ونجاح العمل هو هدف الكل.

مجدي مجاهد:
هذا صحيح، منذ أن قدمت اوبريت العشرة الطيبة عام 1983 وحتى الآن أي مايقرب من ثلاثين عاماً ولم يتم تقديم اوبريت يوازيه فنياً وربما هذا مادفعه لأن يكون أحد أهم الأعمال الفنية في الخمسين سنة الأخيرة، وأقول لك بصراحة، أوبريت في قيمة العشرة الطيبة لو تم انتاجه هذه الأيام لن تقل تكلفته عن 10 ملايين جنيه، ولن يخرج بنفس قيمته الفنيه، لماذا؟ .. لأن مظلة الحب لم تعد موجودة مثلما كانت في الماضي بين الفريق الواحد، الجميع يريد أن يكون بطلاً، كما أن المتلقي في ظل الغزو الدرامي التليفزيوني – الرهيب – لم يعد يقبل على مشاهدة المسرح كما كان في السابق، المسرح اليوم، أو الفن بشكل عام يحتاج إلى إعادة صياغة، يحتاج إلى إعادة لملمة الأشلاء ودراسة ماذا يريد المشاهد وكيف نقدم له مسرحاً راقياً بأدوات تحاكي العصر، النهاردة الدنيا إتغيرت ومستحيل في زمن ( الهليوجرام) نقدم مسرحاً فقيراً وبأدوات فقيرة، لن يعيرك أحد انتباهه، فالمتلقي شديد الذكاء ولابد للمبدع أن يكون على درجة أعلى ليستطيع اقناع المتلقي بفكرته.

مجدي مجاهد:
بالفعل يامحيي، كل أغلب أعمالي إن لم يكن كلها تعتمد على المنحى الأخلاقي، ليس معنى أننا نقدم عملاً كوميدياً أن يكون عملاً مسفاً أو غير أخلاقي، أنظر لنجيب الريحاني، اسماعيل يس، عبد المنعم مدبولي، أمين الهنيدي، تقريباً كل جيل الكوميديانات القدامى، كانت الكوميديا موقف وتعتمد على الإضحاك وبعنف لكن بدون كلمة واحدة خارجة، وكذلك كانت تعتمد على علاج خلل مجتمعي حادث بالفعل دون خدش للحياء العام، وعليه كانت أغلب أعمالي لعلاج بعض مانراه من خلل داخل المجتمع، مثل التعصب الكروي على سبيل المثال، رغم أني زملكاوي واشجع الزمالك بكل مشاعري إلا أن أغلب اصدقائي ( أهلاوية ) وصداقة ( ماحصلتش ) وعليه هل لو الأهلي فاز على الزمالك أو فاز الزمالك على الأهلي نقاطع بعض!!؟؟ .. كانت مسألة التعصب بشكل عام تستفزني، مصر ليست بحاجة للتعصب، مصر بشعبها المعتدل الحضاري لايجب ان يكون من أحد خصاله التعصب، ولهذا قمت بعمل مسرحي نال اعجاب الناس حينها وهو مسرحية ( عالم كورة كورة )، مسرحية سخرنا فيها جميعا من التعصب بكل صوره وقدمنا فيها علاجاً لكل أمراض التعصب الإجتماعية بداخلنا.

الأربعاء، 14 مايو 2014

السياسة والوطن في أعمال المخرج مجدي مجاهد المسرحية (1)


mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

اوبريت "العشرة الطيبة" في سيرته الأولى عام 1920 كان عملاً نقديا للنظام الذي يعتليه السلطان فؤاد الأول قبل ان يصير الملك فؤاد الأول صاحب الانجليز على حساب الوطن وحيث تبرع للمحتل الانجليزي بمبلغ 300 مليون جنية مصري ( 630 مليار جنيه مصري بسعر عام 2014 ) كمنحة لا ترد مساهمة من مصر لدعم انجلترا في اقتصاد الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1919، على حساب الفلاح المصري ورغم أنف شعب مصر كله !
الفنان القدير مجدي مجاهد أحد أهم المخرجيين المسرحيين المصريين حتى يومنا هذا وهو واحد من الذين جادت بهم مصر التي لا ينضب رحمها أبداً من أن يجود بهكذا عمالقة وهكذا مخلصين.
كانت رحلة معرفتي به أو بعبارة اكثر دقة رحلة معرفتي بفنه وشخصيته الوطنية في عام 1983 وتحديداً من خلال عرض الأوبريت الغنائي "العشرة الطيبة" رائعة الكاتب محمد تيمور وألحان فنان الشعب سيد درويش على مسرح البالون في قلب العاصمة المصرية.
كان السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين آنذاك لماذا اختار مجدي مجاهد هذا الأوبريت بالذات لتقديمه في هذا الوقت تحديداً، بعضهم كانت له وجهة نظر وجيهة وهي أن الاختيار جاء تزامناً مع الذكرى الخمسين لرحيل الكاتب المصري الفذ محمد تيمور وربما هذا الرأي – ظاهرياً – يبدو منطقياً لكن بعد مشاهدتي للعرض – حينها – أدركت أن مجدي مجاهد كانت له دوافع اخرى أكثر وطنية من مجرد الاحتفال بكاتب مصري في ذكرى وفاته رغم أن الاحتفال بذكرى كاتب في وزن وقامة محمد تيمور هو في حد ذاته انفعال وطني ومحمود وغاية في الانتماء.
المخرجين ثلاثة أنواع، مخرج مُفسر ومخرج مُنفذ ومخرج مُبدع، والنوع الأول هو ذلك المخرج الذي يحاول تفسير الحالة العامة للنص المسرحي من حيث كونه اجتماعياً او سياسياً او ربما تعليمياً هذا على سبيل المثال ليستطيع هذا المخرج تأكيد تلك الحالة التي فسرها لتنعكس من وجهة نظره في حركات ابطال العمل وانفعالاتهم وردود أفعالهم مع حرصه الدائم في الإبقاء على طبيعة النص الدرامي مع تلافي بعض الأخطاء الدرامية إن وُجدت دون التدخل فيه بالضبط الزمني أو التعديل أو حتى مجرد التدخل في طبيعة الشخصيات ذاتها، أما المخرج المنفذ فهو الذي يقوم بإخراج العمل دون بذل اي جهد في تفسيره أو حتى تلافي بعض الأخطاء الدرامية إن كانت موجودة فيه ليظهر لنا العمل بلا روح، أما المخرج المبدع فهو ذلك الصانع الذي يفسر النص ثم يسقطه على الواقع والزمن الحالي ليتوافق حال تنفيذه مع هموم المشاهد الآن وثقافته وأدواته وطبيعته وبذلك يستطيع المخرج المبدع أن يستثمر فكرة النص وهدفه لتوصيل الأفكار المعاصرة وتصورات الحل للخروج من ازمة معينه يراها المخرج في وطنه الآن وبذلك يستطيع أن يحول عمل قديم بروح قديمة وزمن غابر وأزمات لاوجود لها إلى عمل معاصر بروح شابة وزمن حالي وأزمات آنية وطنية تبحث عن حلول مبتكرة مع الحفاظ على التركيب الدرامي للعمل الاصلي حتى لو قام هذا المخرج بتقليص ابطال العمل بحذف شخصيات بعينها يجدها عالة على العمل في شكله المعاصر أو اضافة شخصيات جديدة لم تكن موجودة على الإطلاق حتى في ذهن المؤلف الأصلي ولكن يجدها المخرج ضرورة لتوصيل الفكرة بعمق أكبر، لقد كان المخرج مجدي مجاهد من هذا النوع الثالث المبدع الذي تحركه نوازعه الوطنية ومصريته الأصيلة في توجيه أعماله لتصحيح وضع يراه خاطئاً في مجتمعه الآن، ولكن كيف فعلها الفنان والمخرج المبدع مجدي مجاهد في رؤيتي الأولى له من خلال اوبريت العشرة الطيبة ذلك هو بيت القصيد.
اوبريت "العشرة الطيبة" في سيرته الأولى عام 1920 كان عملاً نقديا للنظام الذي يعتليه السلطان فؤاد الأول قبل ان يصير الملك فؤاد الأول صاحب الانجليز على حساب الوطن وحيث تبرع للمحتل الانجليزي بمبلغ 300 مليون جنية مصري ( 630 مليار جنيه مصري بسعر عام 2014 ) كمنحة لا ترد مساهمة من مصر لدعم انجلترا في اقتصاد الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1919، على حساب الفلاح المصري ورغم أنف شعب مصر كله، هذا إلى جانب ارتمائه في احضان ثلة صغيرة من الارستقراطية التركية أو طبقة المنتفعين ضارباً عرض الحائط بهموم المصريين وفقرهم وذل احتلال الأرض والوطن، مما جعله رغم كونه ديكتاتوراً بامتياز أن يحظى بسخرية المصريين وسخطهم وهو ما ترجمه محمد تيمور وشاركه بديع خيري في الاشعار وشاركهما سيد درويش بالتلحين واستقر الثلاثة على اطلاق اسم " ابو زعيزع" على الملك داخل الأوبريت تيمنا بما كان يطلقه عليه العامة من المصريين الذين سئموا حكمه الذي لم يكمل عامه الرابع ولينبهوه من خلال هذا العمل الفني لخطورة انعزاله عن الشعب وارتمائه في احضان الانجليز و( شلل ) المنتفعين الغير وطنيين، وربما كان لهذا العرض جزء من اثر وجزء من ضغط سياسي على تغيير دفة السياسة في مصر بإقرار دستور 1923 لما كان لهذا العرض من دور رئيس في تثقيف الوعي السياسي لدى المصريين بعدما لمسوا بأنفسهم رعاية شخصية واهتمام ودعم شخصي من سعد باشا زغلول لهذا العرض المسرحي وأهمية الابقاء على عرضه بالمسرح وحضوره شخصيا لمشاهدته أكثر من مرة رغم المحاولات الجبارة من قبل الارستقراطية الغير الوطنية في ذلك الوقت لغلق المسرح واعتقال القائمين عليه، هذه الحالة السياسية الحرجة التي كانت تحياها مصر عام 1920 كانت هي نفسها التي تحياها مصر باختلافات بسيطة عام 1983 وأدركها الفنان المبدع مجدي مجاهد بضميره الوطني ودفعته كما دفعت خلفيته الثورية التي اصقلتها ثورة 1952 وتوجتها مرحلة نضاله في الفترة الناصرية التي تربى فيها وجدانه على الحريات والعدالة الاجتماعية من أن يقرر عرض هذا الأوبريت بل وتخليده أيضاً فقد كانت مصر في ذلك الوقت – 1983 – تعيش لحظات ذكرى اغتيال الرئيس محمد أنور السادات الثانية تماماً كما كانت الذكرى الثانية لوفاة السلطان حسين كامل وحكم رئيس جديد لا يعرفه المصريون جيداً تماماً كالملك فؤاد وطبقة ارستقراطية متوحشة تكونت في زمن الانفتاح منذ بضع سنوات تزامناً مع معاهدة كامب ديفيد وازدادت توحشاً بعد اغتيال السادات على حساب فقراء المصريين والشعب المصري كله مثلما كما كانت طبقة المنتفعين الاتراك في عهد فؤاد عام 1920 هذا إلى جانب طبعاً أن مصر كانت تحتفل في هذا العام بفرح ولكن على استحياء باستعادة آخر جزء من سيناء لينضم هذا الجزء بموجب السلام المصري الاسرائيلي لحضن الوطن الأم، وضع سياسي مبهم ويحمل صورة ضبابية في الأفق وكأنه مطرقة ضاغطة على المواطن المصري بعنف لتصنع من الألم دافعاً حقيقياً لأن يختار مجدي مجاهد بحسه الوطني ومصريته الصافية إعادة عرض اوبريت العشرة الطيبة أو ربما يُعيد الأوبريت نفسه للحياة على يد المخرج الثائر والمبدع مجدي مجاهد وكأنه القدر يريد اعادة الوعي للمصريين عام 1983 كما أعاده لهم قبل ذلك عام 1920 على يد المخرج العبقري عزيز عيد.
كل أعمال سيد درويش الموسيقية قبل عام 1983 هي اعمال يتم تناقلها ودراستها عبر الأجيال من خلال الحفظ والسمع، وهذه الكارثة الفنية هي ما استوقفت المخرج مجدي مجاهد في تصوراته الاولى للعرض المسرحي، إذ كيف يمكنه أن يقوم بإخراج اوبريت مسرحي في عظمة اوبريت " العشرة الطيبة" لقامات أمثال تيمور وبديع خيري وسيد درويش وهو لا يمتلك مرجعية موثقة لموسيقى الأغاني والألحان التي من خلالها يستطيع استخدامها في تنفيذ واخراج الاوبريت، كيف يحدث هذا في مصر أم الفنون؟ وهل يعقل أن تكون ألحان الفنان خالد الذكر سيد درويش غير مكتوبة في نوتة موسيقية ونعتمد فقط في اظهارها للوجود على من نعتمد عليهم ممن حفظوها أو يحفظونها؟ وماذا لو جاء زمن لم يعد فيه هؤلاء موجودون؟ وحاول المخرج مجدي مجاهد أن يستعين بأوراق ونوتات أوبريت العشرة الطيبة الذي قدمته الإذاعة المصرية وأخرجه الفنان القدير "السيد بدير" لكنه تلقى صدمة كبيرة من الفنان الكبير "السيد بدير" حيث قال له أن الموزع الموسيقي "عبد الحليم علي" اعتمد في توزيعه على السماعي ولم يقم بتدوين اي نوته موسيقية لهذا الاوبريت لما يتطلبه ذلك من جهد ووقت ومال لم يكن متوفراً وقتها، وهنا قرر المخرج المبدع مجدي مجاهد العمل على تخليد هذا العمل الكبير، قرر ان يبدأ خطة العمل بكتابة نوتة موسيقية للأوبريت كاملاً حتى لو كلفه ذلك نصف ميزانية العرض ككل وكانت عبقرية ابداعه حين عهد بهذه المهمة للفنان الكبير والموزع الموسيقي النابغة "عزيز الشوان" الذي عكف على ألحان وموسيقى الاوبريت ليوثقها في نوته موسيقية كاملة في مدة استغرقت اكثر من ثمانية اشهر كاملة واصبح اوبريت العشرة الطيبة لأول مرة في تاريخه يحمل نوته موسيقية علمية رفيعة يستطيع اي موسيقي أن يعزفها في اي مكان بالعالم وفي اي زمان بالمستقبل بإصرار وضمير وطني وفني مخلص لواحد من أعظم رواد المسرح الغنائي في مصر الفنان الكبير مجدي مجاهد الذي لولا اصراره على كتابة النوتة الموسيقية ما استطعنا أن نستمع لأغاني هذا الاوبريت بينما تعزفها على الآلات أنامل غير عربية في عواصم مختلفة في العالم كنيويورك وموسكو وباريس، انها عبقرية الرجل حين ينتمي بإخلاص لوطنه ويصبح جل طموحه أن يبذل قصارى جهده في تخليد كل ما يمت بصله لهذا الوطن، لكن كيف استثمر مجدي مجاهد ذلك الاوبريت القديم ليسقطه على الواقع الوطني المعاصر هذا ما سنفرد له المقال القادم بإذن الله.

السياسة والوطن في أعمال المخرج مجدي مجاهد المسرحية (1)


mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

اوبريت "العشرة الطيبة" في سيرته الأولى عام 1920 كان عملاً نقديا للنظام الذي يعتليه السلطان فؤاد الأول قبل ان يصير الملك فؤاد الأول صاحب الانجليز على حساب الوطن وحيث تبرع للمحتل الانجليزي بمبلغ 300 مليون جنية مصري ( 630 مليار جنيه مصري بسعر عام 2014 ) كمنحة لا ترد مساهمة من مصر لدعم انجلترا في اقتصاد الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1919، على حساب الفلاح المصري ورغم أنف شعب مصر كله !
الفنان القدير مجدي مجاهد أحد أهم المخرجيين المسرحيين المصريين حتى يومنا هذا وهو واحد من الذين جادت بهم مصر التي لا ينضب رحمها أبداً من أن يجود بهكذا عمالقة وهكذا مخلصين.
كانت رحلة معرفتي به أو بعبارة اكثر دقة رحلة معرفتي بفنه وشخصيته الوطنية في عام 1983 وتحديداً من خلال عرض الأوبريت الغنائي "العشرة الطيبة" رائعة الكاتب محمد تيمور وألحان فنان الشعب سيد درويش على مسرح البالون في قلب العاصمة المصرية.
كان السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين آنذاك لماذا اختار مجدي مجاهد هذا الأوبريت بالذات لتقديمه في هذا الوقت تحديداً، بعضهم كانت له وجهة نظر وجيهة وهي أن الاختيار جاء تزامناً مع الذكرى الخمسين لرحيل الكاتب المصري الفذ محمد تيمور وربما هذا الرأي – ظاهرياً – يبدو منطقياً لكن بعد مشاهدتي للعرض – حينها – أدركت أن مجدي مجاهد كانت له دوافع اخرى أكثر وطنية من مجرد الاحتفال بكاتب مصري في ذكرى وفاته رغم أن الاحتفال بذكرى كاتب في وزن وقامة محمد تيمور هو في حد ذاته انفعال وطني ومحمود وغاية في الانتماء.
المخرجين ثلاثة أنواع، مخرج مُفسر ومخرج مُنفذ ومخرج مُبدع، والنوع الأول هو ذلك المخرج الذي يحاول تفسير الحالة العامة للنص المسرحي من حيث كونه اجتماعياً او سياسياً او ربما تعليمياً هذا على سبيل المثال ليستطيع هذا المخرج تأكيد تلك الحالة التي فسرها لتنعكس من وجهة نظره في حركات ابطال العمل وانفعالاتهم وردود أفعالهم مع حرصه الدائم في الإبقاء على طبيعة النص الدرامي مع تلافي بعض الأخطاء الدرامية إن وُجدت دون التدخل فيه بالضبط الزمني أو التعديل أو حتى مجرد التدخل في طبيعة الشخصيات ذاتها، أما المخرج المنفذ فهو الذي يقوم بإخراج العمل دون بذل اي جهد في تفسيره أو حتى تلافي بعض الأخطاء الدرامية إن كانت موجودة فيه ليظهر لنا العمل بلا روح، أما المخرج المبدع فهو ذلك الصانع الذي يفسر النص ثم يسقطه على الواقع والزمن الحالي ليتوافق حال تنفيذه مع هموم المشاهد الآن وثقافته وأدواته وطبيعته وبذلك يستطيع المخرج المبدع أن يستثمر فكرة النص وهدفه لتوصيل الأفكار المعاصرة وتصورات الحل للخروج من ازمة معينه يراها المخرج في وطنه الآن وبذلك يستطيع أن يحول عمل قديم بروح قديمة وزمن غابر وأزمات لاوجود لها إلى عمل معاصر بروح شابة وزمن حالي وأزمات آنية وطنية تبحث عن حلول مبتكرة مع الحفاظ على التركيب الدرامي للعمل الاصلي حتى لو قام هذا المخرج بتقليص ابطال العمل بحذف شخصيات بعينها يجدها عالة على العمل في شكله المعاصر أو اضافة شخصيات جديدة لم تكن موجودة على الإطلاق حتى في ذهن المؤلف الأصلي ولكن يجدها المخرج ضرورة لتوصيل الفكرة بعمق أكبر، لقد كان المخرج مجدي مجاهد من هذا النوع الثالث المبدع الذي تحركه نوازعه الوطنية ومصريته الأصيلة في توجيه أعماله لتصحيح وضع يراه خاطئاً في مجتمعه الآن، ولكن كيف فعلها الفنان والمخرج المبدع مجدي مجاهد في رؤيتي الأولى له من خلال اوبريت العشرة الطيبة ذلك هو بيت القصيد.
اوبريت "العشرة الطيبة" في سيرته الأولى عام 1920 كان عملاً نقديا للنظام الذي يعتليه السلطان فؤاد الأول قبل ان يصير الملك فؤاد الأول صاحب الانجليز على حساب الوطن وحيث تبرع للمحتل الانجليزي بمبلغ 300 مليون جنية مصري ( 630 مليار جنيه مصري بسعر عام 2014 ) كمنحة لا ترد مساهمة من مصر لدعم انجلترا في اقتصاد الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1919، على حساب الفلاح المصري ورغم أنف شعب مصر كله، هذا إلى جانب ارتمائه في احضان ثلة صغيرة من الارستقراطية التركية أو طبقة المنتفعين ضارباً عرض الحائط بهموم المصريين وفقرهم وذل احتلال الأرض والوطن، مما جعله رغم كونه ديكتاتوراً بامتياز أن يحظى بسخرية المصريين وسخطهم وهو ما ترجمه محمد تيمور وشاركه بديع خيري في الاشعار وشاركهما سيد درويش بالتلحين واستقر الثلاثة على اطلاق اسم " ابو زعيزع" على الملك داخل الأوبريت تيمنا بما كان يطلقه عليه العامة من المصريين الذين سئموا حكمه الذي لم يكمل عامه الرابع ولينبهوه من خلال هذا العمل الفني لخطورة انعزاله عن الشعب وارتمائه في احضان الانجليز و( شلل ) المنتفعين الغير وطنيين، وربما كان لهذا العرض جزء من اثر وجزء من ضغط سياسي على تغيير دفة السياسة في مصر بإقرار دستور 1923 لما كان لهذا العرض من دور رئيس في تثقيف الوعي السياسي لدى المصريين بعدما لمسوا بأنفسهم رعاية شخصية واهتمام ودعم شخصي من سعد باشا زغلول لهذا العرض المسرحي وأهمية الابقاء على عرضه بالمسرح وحضوره شخصيا لمشاهدته أكثر من مرة رغم المحاولات الجبارة من قبل الارستقراطية الغير الوطنية في ذلك الوقت لغلق المسرح واعتقال القائمين عليه، هذه الحالة السياسية الحرجة التي كانت تحياها مصر عام 1920 كانت هي نفسها التي تحياها مصر باختلافات بسيطة عام 1983 وأدركها الفنان المبدع مجدي مجاهد بضميره الوطني ودفعته كما دفعت خلفيته الثورية التي اصقلتها ثورة 1952 وتوجتها مرحلة نضاله في الفترة الناصرية التي تربى فيها وجدانه على الحريات والعدالة الاجتماعية من أن يقرر عرض هذا الأوبريت بل وتخليده أيضاً فقد كانت مصر في ذلك الوقت – 1983 – تعيش لحظات ذكرى اغتيال الرئيس محمد أنور السادات الثانية تماماً كما كانت الذكرى الثانية لوفاة السلطان حسين كامل وحكم رئيس جديد لا يعرفه المصريون جيداً تماماً كالملك فؤاد وطبقة ارستقراطية متوحشة تكونت في زمن الانفتاح منذ بضع سنوات تزامناً مع معاهدة كامب ديفيد وازدادت توحشاً بعد اغتيال السادات على حساب فقراء المصريين والشعب المصري كله مثلما كما كانت طبقة المنتفعين الاتراك في عهد فؤاد عام 1920 هذا إلى جانب طبعاً أن مصر كانت تحتفل في هذا العام بفرح ولكن على استحياء باستعادة آخر جزء من سيناء لينضم هذا الجزء بموجب السلام المصري الاسرائيلي لحضن الوطن الأم، وضع سياسي مبهم ويحمل صورة ضبابية في الأفق وكأنه مطرقة ضاغطة على المواطن المصري بعنف لتصنع من الألم دافعاً حقيقياً لأن يختار مجدي مجاهد بحسه الوطني ومصريته الصافية إعادة عرض اوبريت العشرة الطيبة أو ربما يُعيد الأوبريت نفسه للحياة على يد المخرج الثائر والمبدع مجدي مجاهد وكأنه القدر يريد اعادة الوعي للمصريين عام 1983 كما أعاده لهم قبل ذلك عام 1920 على يد المخرج العبقري عزيز عيد.
كل أعمال سيد درويش الموسيقية قبل عام 1983 هي اعمال يتم تناقلها ودراستها عبر الأجيال من خلال الحفظ والسمع، وهذه الكارثة الفنية هي ما استوقفت المخرج مجدي مجاهد في تصوراته الاولى للعرض المسرحي، إذ كيف يمكنه أن يقوم بإخراج اوبريت مسرحي في عظمة اوبريت " العشرة الطيبة" لقامات أمثال تيمور وبديع خيري وسيد درويش وهو لا يمتلك مرجعية موثقة لموسيقى الأغاني والألحان التي من خلالها يستطيع استخدامها في تنفيذ واخراج الاوبريت، كيف يحدث هذا في مصر أم الفنون؟ وهل يعقل أن تكون ألحان الفنان خالد الذكر سيد درويش غير مكتوبة في نوتة موسيقية ونعتمد فقط في اظهارها للوجود على من نعتمد عليهم ممن حفظوها أو يحفظونها؟ وماذا لو جاء زمن لم يعد فيه هؤلاء موجودون؟ وحاول المخرج مجدي مجاهد أن يستعين بأوراق ونوتات أوبريت العشرة الطيبة الذي قدمته الإذاعة المصرية وأخرجه الفنان القدير "السيد بدير" لكنه تلقى صدمة كبيرة من الفنان الكبير "السيد بدير" حيث قال له أن الموزع الموسيقي "عبد الحليم علي" اعتمد في توزيعه على السماعي ولم يقم بتدوين اي نوته موسيقية لهذا الاوبريت لما يتطلبه ذلك من جهد ووقت ومال لم يكن متوفراً وقتها، وهنا قرر المخرج المبدع مجدي مجاهد العمل على تخليد هذا العمل الكبير، قرر ان يبدأ خطة العمل بكتابة نوتة موسيقية للأوبريت كاملاً حتى لو كلفه ذلك نصف ميزانية العرض ككل وكانت عبقرية ابداعه حين عهد بهذه المهمة للفنان الكبير والموزع الموسيقي النابغة "عزيز الشوان" الذي عكف على ألحان وموسيقى الاوبريت ليوثقها في نوته موسيقية كاملة في مدة استغرقت اكثر من ثمانية اشهر كاملة واصبح اوبريت العشرة الطيبة لأول مرة في تاريخه يحمل نوته موسيقية علمية رفيعة يستطيع اي موسيقي أن يعزفها في اي مكان بالعالم وفي اي زمان بالمستقبل بإصرار وضمير وطني وفني مخلص لواحد من أعظم رواد المسرح الغنائي في مصر الفنان الكبير مجدي مجاهد الذي لولا اصراره على كتابة النوتة الموسيقية ما استطعنا أن نستمع لأغاني هذا الاوبريت بينما تعزفها على الآلات أنامل غير عربية في عواصم مختلفة في العالم كنيويورك وموسكو وباريس، انها عبقرية الرجل حين ينتمي بإخلاص لوطنه ويصبح جل طموحه أن يبذل قصارى جهده في تخليد كل ما يمت بصله لهذا الوطن، لكن كيف استثمر مجدي مجاهد ذلك الاوبريت القديم ليسقطه على الواقع الوطني المعاصر هذا ما سنفرد له المقال القادم بإذن الله.

الأحد، 13 أبريل 2014

السياسة والوطن في أعمال المخرج مجدي مجاهد ( 2 )

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

لم أتدخل في اغاني بديع خيري على الإطلاق أو ألحان سيد درويش، انما رأيت أن المدخل الموسيقي بطئ جداً فقمت بشرح وجهة نظري للموزع الموسيقي عزيز الشوان في أن يقوم بتسريع الحركة الموسيقية درجة تتناسب مع ذوق العصر وأنا أعلم أن هذا التسريع لا علاقة له اطلاقاً بالتدخل في اللحن،
في المقال السابق عرضنا الدافع الوطني الذي دفع الفنان القدير مجدي مجاهد في اختيار أعماله، وعرضنا اختيار هذا الفنان الوطني لرائعة سيد درويش اوبريت العشرة الطيبة وإعادة أنتاجها عام 1983 في مناخ سياسي يكاد يتطابق مع المناخ السياسي الذي تم عرضها فيه لأول مرة1920، وكأنه بإعادة العرض يريد توصيل رسالة هامة للشعب المصري مما دفعني اليوم أن أقوم بلقاء هذا الفنان القدير ومحاورته والوقوف معه عند أهم المحطات الفنية التي توقف عندها وقدم فيها فنه ووطنيته وانتمائه.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
البداية كانت مجرد فكرة طرحتها على الفنان كرم مطاوع .. فكرة إعادة تقديم أهم الأعمال الدرامية الغنائية في المسرح المصري، كنا بحاجة وقتها عام 1982 بعد شهور من اغتيال الرئيس السادات، كنا بحاجة لتنبيه الوعي المصري لقيمته ووجوده وتضحياته، واخترنا بالفعل أنا والصديق الأستاذ كرم مطاوع مسرحية ليلة من ألف ليلة، ثم وقبل الشروع في التحضير إليها فكرت في اوبريت العشرة الطيبة، شعرت أنه زمن إعادة عرضها، شعرت أننا بحاجة للتواصل مع سيد درويش ومحمد تيمور والتنبه معهما لقيمة كفاح المصري وصموده وصبره وتضحياته وانتصاره ، وراقت الفكرة لنا جميعاً وبدأنا في تنفيذها.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
اختياري لهذا الأوبريت تحديداً جاء لعدة أسباب أولها أن الأوبريت قالب مسرحي قريب من وجدان المصريين إذ تقوم صناعته على القالب الغنائي المسرحي الكوميدي وأنا دائماً ما أميل للكوميديا في توصيل رسائلي المسرحية للمصريين بحكم أن المصريين شعب يميل للضحكة ويميل لاستقبال المعلومة السياسية تحديداً والتعامل معها في قالب ساخر، إلى جانب أن هذا الأوبريت يجمع كل الصفات التي كنت أريدها، فهو يبرز قيمة المواطن المصري في كفاحه ضد الحاكم الظالم وانتصاره عليه في قالب ساخر كوميدي وفي نفس الوقت يصل بنا مع المشاهد إلى ما نريد توصيله من رسائل هي في أغلبها رسائل وطنية تدفع المشاهد لأن يعيد شحن وجدانه الوطني من جديد.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
طبعاً الأوبريت له رسالة، ورسالة قوية جداً، رسالة في محتواها استغلال الحاكم الظالم للشعب الصابر، ومن يرفض هذا الاستغلال يتم التخلص منه فوراً، فالحاكم الظالم سواء كان محتل او ديكتاتور لايريد أن يراجعه أحد ويعتبر أن المحكومين هم مجرد عبيد يفعل بهم مايشاء ومن يرفض من الشعب أن يكون عبداً يستحل الديكتاتور ماله ونفسه وعرضه فجزاءه الموت ولكن ينسى الديكتاتور أن الشعوب الحرة حتى وإن صبرت على ظلم الحاكم فإنها حتماً تنتصر في النهاية بإنتمائها الوطني حتى ولو كان احدهم يعمل في بلاط الديكتاتور نفسه فهو حتماً سيكون ولائه للوطن في النهاية وسيعمل لصالح وطنه وشعبه.

بالفعل، شخصية حسن عرنوس هي شخصية وطنية كانت تعمل في بلاط الديكتاتور ( الوالي )، كانت مهمته الوحيدة هي قتل المواطنين الرافضين للإستغلال بأوامر الوالي، ولكننا نكتشف أنه وبوطنية كبيرة يخفيها عن الوالي وعيونه يرفض قتل هؤلاء الناس ويخفيهم بعيدا عن عيون الوالي ويقنع الوالي أنه قتلهم وتخلص منهم لنكتشف في نهاية الأوبريت أن هؤلاء الصابرين الأحرار وبفضل وطنية عرنوس مازالوا على قيد الحياة ويواجهون ظلم الوالي الديكتاتور، وربما كما تقول يامحيي: أعجبتني هذه الشخصية جداً وأعجبتني وطنيتها ونقائها فلم استطع مقاومة أن أقوم بتأديتها على المسرح، ولك أن تتخيل وأنا مخرج العرض أقف على خشبة المسرح لأقوم بدور حسن عرنوس وبعدما أنتهي منه وأدخل لكواليس المسرح أقوم بالإسراع لتفقد حال الإضاءة والأوركسترا والتحقق من نجوم العرض كل ليلة، كان مجهوداً كبيراً جداً لكنه بالنسبة لي كان أروع ماعايشته.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
نظراً لضخامة الأوبريت وكثافة الدراما التمثيلية والغنائية وتخلل الكثير من الإستعراضات التي يقوم بها الفنانون وجدت أن ذلك سيشكل ارهاقاً على الممثل في حال قام بتقديم دوره كل ليلة ولذلك قمت ولأول مرة في المسرح بعمل فريقين لتقديم الأوبريت، فريق يقدم عرض ليلة بينما الآخر يستريح ليقدم العرض مرة أخرى في الليلة التي تليها، وإيمانا مني بدور الشباب وتقديم جيل جديد من النجوم قمت بتشكيل الفريق البديل أو الفريق الثاني وكانوا جميعاً من الشباب، كلهم من الشباب أصبحوا نجوماً كباراً الآن، أنا مؤمن أن دور المسرح هو أن يقدم كل يوم نجوماً شابة لشعبه وهذا كان دوماً هدفي، وكان أحد سيناريوهاتي الرئيسة في تقديم اوبريت العشرة الطيبة، وأتمنى أن يكون هذا ردي على سؤالك في كيف كان يقوم بتقديم الأوبريت فريقين مختلفين في ليالي عرض مختلفة.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
أظهرت الشخصية المصرية من أول دقيقة على خشبة المسرح، لم يكن تدخل مني في الدراما ولكن تقدر تقول تفسير للدراما، فقد رأيت أن من الضروري ظهور الفلاح والعامل ورجل الشارع والمرأة من أول لحظة وفي الخلفية لأن هؤلاء هم من سيقفون في وجه الديكتاتور في نهاية العرض ومن غير المنطقي ان يظهروا اثناء تجسيد أدوارهم فقط، كان لابد من وجود الصبر المصري الكفاح المصري الغضب المصري الفلاح المصري طوال العرض في صور متزامنة مع العرض نفسه ولاتؤثر في الدراما وانما ئوثر بايجابية في انفعال المشاهد ولذلك لم اغلق الستار مرة واحدة بل ظل الستار مفتوحاً لمدة ثلاث ساعات كاملة هي كل مدة العرض.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
لم أتدخل في اغاني بديع خيري على الإطلاق أو ألحان سيد درويش، انما رأيت أن المدخل الموسيقي بطئ جداً فقمت بشرح وجهة نظري للموزع الموسيقي عزيز الشوان في أن يقوم بتسريع الحركة الموسيقية درجة تتناسب مع ذوق العصر وأنا أعلم أن هذا التسريع لا علاقة له اطلاقاً بالتدخل في اللحن، وقد عرضت وجهة نظري على قائد الكورال حينئذ وكانت الفنانة القديرة منار ابو هيف لأنها المعنية بتسريع أداء الكورال تبعاً لتسريع حركة الجملة الموسيقية، وأنا مؤمن بأن تسريع " مازورة " المدخل لايعد تدخلاً في اللحن، كما أني قمت باستشارة كبار اساتذة الموسيقى ( الشوان / ابو هيف) واستحسنوا التغيير واعتبروه ضرورياً، أما بالنسبة للأغاني فقد غيرت في جملة أو جملتين وجدتهما لايناسبان زمن وثقافة المتلقي عام 1983، ربما كانت تتوافق مع ثقافة المتلقي عام 1920، لكنها لن تكون ذات تأثير مع مشاهد عام 1983، فالمشاهد تتغير درجة تلقيه من زمن لزمن ومن ثقافة لثقافة، بمعنى اني لو قمت بأخراج هذا الأوبريت مرة أخرى اليوم بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو من المؤكد ستكون لي رؤية أخرى مختلفة تماماً عن رؤيتي عام 1983 ومن ثم كانت بعض جمل الأغاني في العمل الأصلي – جملة أو جملتين –بالنسبة لي واجبة التبديل لما قد يكون لها من تأثير سلبي على المشاهد لذا قمت بتبديل الكلمة دون المساس بتغيير معناها، مجرد تبديل يفهمه المشاهد.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
لم يكن لي أي قصد أو تعمد من السخرية من الحاكم كحاكم في اوبريت العشرة الطيبة .. إنما كان القصد والتعمد بالسخرية من الحاكم كونه ظالماً ديكتاتوراً، فالخصومة مع الحاكم لمجرد أنه حاكم نوع من العبث الذي يدفع للفوضى أما السخرية من الحاكم الديكتاتور بدافع الثورة عليه أو كف ظلمه عن الناس والشعب هو نوع من الوعي الوطني، لذا تأكيدي على السخرية من شخصية الوالي في العشرة الطيبة كان تأكيداً على انتزاع الحس الوطني لدى المشاهد ضد الديكتاتور، أي ديكتاتور، حتى ولو كان حاكماً.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
أنا ملتزم بنص مكتوب منذ 60 عاماً بمعنى أن تدخلي في النص لإضافة موقف ساخر ضد مسألة بعينها غير وارد، ولكني استطيع تسليط الضوء على موقف وحدث مكتوب بالفعل ثم افسره حركياً واخراجياً بما يدفع بالتلميح لحدث نعيشه الآن ويحمل نفس المضمون لتحفيز وعي المشاهد لما يدور حوله من احداث آنية، أما أن اصطنع حدثاً دخيلاً أو مايمكن أن نطلق عليه ( فرد عضلات ) فهذا أمر بعيد كل البعد عن الإبداع ولايعد تفسيراً للنص ولكن إن جاز التعبير يمكن أعتباره تشويهاً للنص.

البقية العدد القادم

السياسة والوطن في أعمال المخرج مجدي مجاهد ( 2 )

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

لم أتدخل في اغاني بديع خيري على الإطلاق أو ألحان سيد درويش، انما رأيت أن المدخل الموسيقي بطئ جداً فقمت بشرح وجهة نظري للموزع الموسيقي عزيز الشوان في أن يقوم بتسريع الحركة الموسيقية درجة تتناسب مع ذوق العصر وأنا أعلم أن هذا التسريع لا علاقة له اطلاقاً بالتدخل في اللحن،
في المقال السابق عرضنا الدافع الوطني الذي دفع الفنان القدير مجدي مجاهد في اختيار أعماله، وعرضنا اختيار هذا الفنان الوطني لرائعة سيد درويش اوبريت العشرة الطيبة وإعادة أنتاجها عام 1983 في مناخ سياسي يكاد يتطابق مع المناخ السياسي الذي تم عرضها فيه لأول مرة1920، وكأنه بإعادة العرض يريد توصيل رسالة هامة للشعب المصري مما دفعني اليوم أن أقوم بلقاء هذا الفنان القدير ومحاورته والوقوف معه عند أهم المحطات الفنية التي توقف عندها وقدم فيها فنه ووطنيته وانتمائه.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
البداية كانت مجرد فكرة طرحتها على الفنان كرم مطاوع .. فكرة إعادة تقديم أهم الأعمال الدرامية الغنائية في المسرح المصري، كنا بحاجة وقتها عام 1982 بعد شهور من اغتيال الرئيس السادات، كنا بحاجة لتنبيه الوعي المصري لقيمته ووجوده وتضحياته، واخترنا بالفعل أنا والصديق الأستاذ كرم مطاوع مسرحية ليلة من ألف ليلة، ثم وقبل الشروع في التحضير إليها فكرت في اوبريت العشرة الطيبة، شعرت أنه زمن إعادة عرضها، شعرت أننا بحاجة للتواصل مع سيد درويش ومحمد تيمور والتنبه معهما لقيمة كفاح المصري وصموده وصبره وتضحياته وانتصاره ، وراقت الفكرة لنا جميعاً وبدأنا في تنفيذها.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
اختياري لهذا الأوبريت تحديداً جاء لعدة أسباب أولها أن الأوبريت قالب مسرحي قريب من وجدان المصريين إذ تقوم صناعته على القالب الغنائي المسرحي الكوميدي وأنا دائماً ما أميل للكوميديا في توصيل رسائلي المسرحية للمصريين بحكم أن المصريين شعب يميل للضحكة ويميل لاستقبال المعلومة السياسية تحديداً والتعامل معها في قالب ساخر، إلى جانب أن هذا الأوبريت يجمع كل الصفات التي كنت أريدها، فهو يبرز قيمة المواطن المصري في كفاحه ضد الحاكم الظالم وانتصاره عليه في قالب ساخر كوميدي وفي نفس الوقت يصل بنا مع المشاهد إلى ما نريد توصيله من رسائل هي في أغلبها رسائل وطنية تدفع المشاهد لأن يعيد شحن وجدانه الوطني من جديد.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
طبعاً الأوبريت له رسالة، ورسالة قوية جداً، رسالة في محتواها استغلال الحاكم الظالم للشعب الصابر، ومن يرفض هذا الاستغلال يتم التخلص منه فوراً، فالحاكم الظالم سواء كان محتل او ديكتاتور لايريد أن يراجعه أحد ويعتبر أن المحكومين هم مجرد عبيد يفعل بهم مايشاء ومن يرفض من الشعب أن يكون عبداً يستحل الديكتاتور ماله ونفسه وعرضه فجزاءه الموت ولكن ينسى الديكتاتور أن الشعوب الحرة حتى وإن صبرت على ظلم الحاكم فإنها حتماً تنتصر في النهاية بإنتمائها الوطني حتى ولو كان احدهم يعمل في بلاط الديكتاتور نفسه فهو حتماً سيكون ولائه للوطن في النهاية وسيعمل لصالح وطنه وشعبه.

بالفعل، شخصية حسن عرنوس هي شخصية وطنية كانت تعمل في بلاط الديكتاتور ( الوالي )، كانت مهمته الوحيدة هي قتل المواطنين الرافضين للإستغلال بأوامر الوالي، ولكننا نكتشف أنه وبوطنية كبيرة يخفيها عن الوالي وعيونه يرفض قتل هؤلاء الناس ويخفيهم بعيدا عن عيون الوالي ويقنع الوالي أنه قتلهم وتخلص منهم لنكتشف في نهاية الأوبريت أن هؤلاء الصابرين الأحرار وبفضل وطنية عرنوس مازالوا على قيد الحياة ويواجهون ظلم الوالي الديكتاتور، وربما كما تقول يامحيي: أعجبتني هذه الشخصية جداً وأعجبتني وطنيتها ونقائها فلم استطع مقاومة أن أقوم بتأديتها على المسرح، ولك أن تتخيل وأنا مخرج العرض أقف على خشبة المسرح لأقوم بدور حسن عرنوس وبعدما أنتهي منه وأدخل لكواليس المسرح أقوم بالإسراع لتفقد حال الإضاءة والأوركسترا والتحقق من نجوم العرض كل ليلة، كان مجهوداً كبيراً جداً لكنه بالنسبة لي كان أروع ماعايشته.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
نظراً لضخامة الأوبريت وكثافة الدراما التمثيلية والغنائية وتخلل الكثير من الإستعراضات التي يقوم بها الفنانون وجدت أن ذلك سيشكل ارهاقاً على الممثل في حال قام بتقديم دوره كل ليلة ولذلك قمت ولأول مرة في المسرح بعمل فريقين لتقديم الأوبريت، فريق يقدم عرض ليلة بينما الآخر يستريح ليقدم العرض مرة أخرى في الليلة التي تليها، وإيمانا مني بدور الشباب وتقديم جيل جديد من النجوم قمت بتشكيل الفريق البديل أو الفريق الثاني وكانوا جميعاً من الشباب، كلهم من الشباب أصبحوا نجوماً كباراً الآن، أنا مؤمن أن دور المسرح هو أن يقدم كل يوم نجوماً شابة لشعبه وهذا كان دوماً هدفي، وكان أحد سيناريوهاتي الرئيسة في تقديم اوبريت العشرة الطيبة، وأتمنى أن يكون هذا ردي على سؤالك في كيف كان يقوم بتقديم الأوبريت فريقين مختلفين في ليالي عرض مختلفة.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
أظهرت الشخصية المصرية من أول دقيقة على خشبة المسرح، لم يكن تدخل مني في الدراما ولكن تقدر تقول تفسير للدراما، فقد رأيت أن من الضروري ظهور الفلاح والعامل ورجل الشارع والمرأة من أول لحظة وفي الخلفية لأن هؤلاء هم من سيقفون في وجه الديكتاتور في نهاية العرض ومن غير المنطقي ان يظهروا اثناء تجسيد أدوارهم فقط، كان لابد من وجود الصبر المصري الكفاح المصري الغضب المصري الفلاح المصري طوال العرض في صور متزامنة مع العرض نفسه ولاتؤثر في الدراما وانما ئوثر بايجابية في انفعال المشاهد ولذلك لم اغلق الستار مرة واحدة بل ظل الستار مفتوحاً لمدة ثلاث ساعات كاملة هي كل مدة العرض.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
لم أتدخل في اغاني بديع خيري على الإطلاق أو ألحان سيد درويش، انما رأيت أن المدخل الموسيقي بطئ جداً فقمت بشرح وجهة نظري للموزع الموسيقي عزيز الشوان في أن يقوم بتسريع الحركة الموسيقية درجة تتناسب مع ذوق العصر وأنا أعلم أن هذا التسريع لا علاقة له اطلاقاً بالتدخل في اللحن، وقد عرضت وجهة نظري على قائد الكورال حينئذ وكانت الفنانة القديرة منار ابو هيف لأنها المعنية بتسريع أداء الكورال تبعاً لتسريع حركة الجملة الموسيقية، وأنا مؤمن بأن تسريع " مازورة " المدخل لايعد تدخلاً في اللحن، كما أني قمت باستشارة كبار اساتذة الموسيقى ( الشوان / ابو هيف) واستحسنوا التغيير واعتبروه ضرورياً، أما بالنسبة للأغاني فقد غيرت في جملة أو جملتين وجدتهما لايناسبان زمن وثقافة المتلقي عام 1983، ربما كانت تتوافق مع ثقافة المتلقي عام 1920، لكنها لن تكون ذات تأثير مع مشاهد عام 1983، فالمشاهد تتغير درجة تلقيه من زمن لزمن ومن ثقافة لثقافة، بمعنى اني لو قمت بأخراج هذا الأوبريت مرة أخرى اليوم بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو من المؤكد ستكون لي رؤية أخرى مختلفة تماماً عن رؤيتي عام 1983 ومن ثم كانت بعض جمل الأغاني في العمل الأصلي – جملة أو جملتين –بالنسبة لي واجبة التبديل لما قد يكون لها من تأثير سلبي على المشاهد لذا قمت بتبديل الكلمة دون المساس بتغيير معناها، مجرد تبديل يفهمه المشاهد.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
لم يكن لي أي قصد أو تعمد من السخرية من الحاكم كحاكم في اوبريت العشرة الطيبة .. إنما كان القصد والتعمد بالسخرية من الحاكم كونه ظالماً ديكتاتوراً، فالخصومة مع الحاكم لمجرد أنه حاكم نوع من العبث الذي يدفع للفوضى أما السخرية من الحاكم الديكتاتور بدافع الثورة عليه أو كف ظلمه عن الناس والشعب هو نوع من الوعي الوطني، لذا تأكيدي على السخرية من شخصية الوالي في العشرة الطيبة كان تأكيداً على انتزاع الحس الوطني لدى المشاهد ضد الديكتاتور، أي ديكتاتور، حتى ولو كان حاكماً.

الفنان القدير مجدي مجاهد:
أنا ملتزم بنص مكتوب منذ 60 عاماً بمعنى أن تدخلي في النص لإضافة موقف ساخر ضد مسألة بعينها غير وارد، ولكني استطيع تسليط الضوء على موقف وحدث مكتوب بالفعل ثم افسره حركياً واخراجياً بما يدفع بالتلميح لحدث نعيشه الآن ويحمل نفس المضمون لتحفيز وعي المشاهد لما يدور حوله من احداث آنية، أما أن اصطنع حدثاً دخيلاً أو مايمكن أن نطلق عليه ( فرد عضلات ) فهذا أمر بعيد كل البعد عن الإبداع ولايعد تفسيراً للنص ولكن إن جاز التعبير يمكن أعتباره تشويهاً للنص.

البقية العدد القادم

السبت، 10 مارس 2012

حوار مع اللواء ( من الضباط الأحرار ) بدر حميد

حوار مع اللواء ( من الضباط الأحرار ) بدر حميد
أجراه: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
لقد أعطانا الشعب الأميركي درساً في كونه يبحث عن الصالح العام بما يخدم وطنه بعيداً عن العرق أواللون أوالطائفية بعدما تعامل مع الدنيا لأكثر من مائتين سنه فقط، وأملي في الشعب المصري والشعب العربي أن يتفهموا ما حدث اليوم في اميركا، أن يتفهموا أن الأساس في الوطن هو المواطنة وليس العرق أو الدين، إنني أؤمن بهذا تماماً .


الأمريكيون يبحثون فقط عن مصلحة اميركا.



اطالب مبارك ان ينظر بجدية في تولي الأقباط قيادة الجامعة والوزارة والمحافظة.



إذا فكرنا ان اوباما سيجاملنا على حساب وطنه وشعبه فنحن اغبياء.

ومؤمن ايضاً أن اخي في الوطن سواء كان مصرياً مسلما أو مسيحيا هو شريك رئيسي في الأرض والوطن، وليس احداً سواه في أي مكان أو أي ارض خارج مصر، وربما نجد أن اوباما وهو الرئيس المنتخب للولايات المتحدة له اشقاء من ابيه يعيشون في " كينيا " فهل يعقل ان يبيع باراك اوباما وطنه أميركا لصالح أي شخص آخر غير اميركي حتى ولو كان اخيه؟ بالقطع مستحيل، وإلا الشعب الأمريكي سيحاسبه ولن يتركه يفعل ما يحلو له، وعليه فأنا مستبشر خيراً بما حدث وليس استبشاراً بأوباما نفسه، لأن اوباما ذاته هو عنصر اخرجته الخلطة الأمريكية، ولم تخرجه قدراته أو قدرات شعب كينيا أو قدرات الأفارقة، وانما هي قدرات الشعب الأمريكي الذي سيحاسبه عما يفعله، وبناء عليه يجب ان يكون راسخا في الأذهان استحالة أن نطلب منه مجاملة مصر أو العرب أو المسلمين أو النصارى أو اليهود على حساب أميركا، وكذلك لا أنتظر هذا منه.
ان عمليه انتخاب اوباما في حد ذاتها بداية لنظرة عالمية تدعو لتعيين البشر المميزين لشعوبهم مهما كانت ألوانهم وطوائفهم ومهما كانوا ينتمون لمجتمع الأقلية داخل الوطن، وقد أعجبني تعليق لوزير خارجية أميركا الأسبق " كولن باول " حينما قال: وماذا حتى لو كان مسلماً .. أليس امريكياً محبا لوطنه!!، إن مقولة " كولن باول " تلك تدل على ان الأمريكيين إنما يبحثون عن مصلحة اميركا، وهذه نقطة هامة تدفعنا نحن هنا على الشاطئ الآخر من الأطلنطي ان نراجع حساباتنا من جديد.
فاختيار اوباما هو بمثابة رأس حربة لموجة تحررية تبحث عن المصلحة الوطنية وليس عن العرقية القبلية التي تأخذ الوطن الى مستقبل اسود وتخلف وضياع، وارجو من اخواننا العرب أن يفكروا كما يفكر الأمريكان بل وبنفس طريقة الأمريكان تلك في الانتخابات الأخيرة، لا أن يتمسك كل حاكم عربي بكرسي الحكم وكل منهم يتمسك بالعرق والقبلية، أمير ابن أمير، من قبيلة كذا وعائلة كذا، وان يتعصب للعنصرية الضيقة هو العامل الخطير الذي يعوقنا من أن نعطي كل امكاناتنا الحقيقية وكفاحنا الإنساني الطبيعي للوطن لان هذه الامكانات وهذا الكفاح مبعثر في العرق والقبلية واللون والنوع والدين، وهو أمر خطر يؤدي بنا حاليا للفوضى ماديا ومعنويا وعسكريا وعلميا بل واجتماعيا وروحياً أيضا، لاننا اليوم في وطننا العربي نتعامل مع بعضنا البعض على أساس هذا شيعي وهذا سني وهذا نصراني كاثوليكي وهذا نصراني قبطي، بشكل أشبه بمن لديه سيارة وبدلاً من ان يوجهها لإدارة العجلة حتى تسير للأمام يوجهها كي يكسر بعضها بعضاً!!، ومن ثم فنحن مهما كنا نحمل من قدرات جبارة وخلاقة تظل دوما ضعيفة لأننا نستخدمها في تكسير بعضنا بعضاً.

* منهج الحزب الديموقراطي
انا احترم منهج الحزب الديموقراطي سواء كان عن عقيدة وايمان او كان لكسب جوله، احترم كونه رشح امرأة ورشح رجلاً اسود، لكون امريكا لم تحكمها امرأة فبل ذلك او حكمها اسود، وعليه تفتق عقل الديموقراطيين في انه لو نجح اسود فهو مبادرة ولو نجحت امرأة فهي مبادرة ايضاً.

* مستقبل الشرق الأوسط اثناء حكم اوباما
خذها حكمة .. اذا لم نكن نحن نفكر تفكير سليم كيف تكون لنا قيمة فأعتقد اننا اذا تصورنا أن باراك اوباما سيجاملنا على حساب وطنه وشعبه لكونه شابا اسمر ولونه قريب من لوننا أو لكون جذوره اسلامية فاسمح لي سنكون في هذا الوضع في قمة الغباء، بل اغبياء بالفعل، إذ لابد أن نبحث عن مصلحتنا ونقيم انفسنا بالعقل والمنطق وننسى التشبث بالكرسي ومنطق القبلية والطائفية والجاهلية، وربما اذكرك ببيت شعر الذي القيته عليك في احدى لقاءاتنا:

نسينا الله في أيام يسر
فأنسانا النفوس وما درينا
وألقينا المبادئ خلف ظهر
وأحببناه كرسياً لعيناً
فإنا ميتون بلا جدال
إذا كنا بأسهمنا رُمينا

وعليه لا تنتظر من اخوك ان يبحث عنك ثم بعد عناء البحث عنك يعلم انك جائع فيذهب في طلب الطعام لك، ويتخير ما يعلم انك تحبه وتستسيغه، في حين انك تتعاطى المخدرات ومسطول ونائم في قارعة الطريق وسط السيارات – سيارات الطائفية وعدم قبول الآخر وعشق الكرسي - التي حتما ستدهسك، وتنتظر أخاك ليحملك فوق ظهره ليعبر بك الطريق لرصيف الأمان، أي تفكير هذا؟؟ ، اننا بكل أسف نفكر بهذه الطريقة الشاذة، ومن ثم فنتيجة هذا التفكير الشاذ معروفة وهي الهلاك حتما.

* اوباما ودعم اسرائيل
فليدعم اوباما اسرائيل، ومن منهم قبله لم يدعم اسرائيل؟؟ بل عليك ان تسأل من الذي زرع إسرائيل؟؟ اسرائيل يامحيي محكوم عليها بالنهاية.. ليس بعد اسبوع او شهر او سنة ولكن ( ولو ) بعد مائة عام، اوروبا حكمت هذه المنطقة، حكمت نفس المنطقة التي تحكمها اسرائيل الآن لمدة مائتين سنة وأين هي أوروبا الآن؟؟ انتهت، ان نهاية اوروبا في القرن الحادي عشر على يد المصريين تارة بقيادة صلاح الدين وتارة اخرى بقيادة بيبرس ستكرر حتماً مع اسرائيل وعلى ايدي المصريين ايضاً سواء دعمها اوباما أو دعمها من سيأتي بعد اوباما لكون ذلك حتمية، لذلك فليدعم اوباما إسرائيل، انها منتهية منتهية سواء غداً او بعد مائة عام.

* التغير في السياسة الأمريكية
لن تتغير السياسة الأمريكية تغير جذري، ولكن سيتغير الأسلوب وسيتغير الرداء حسب استراتيجية المرحلة، أما مسألة ان تورط إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية ان تخوض حرب جديدة في الشرق الأوسط أو ضد إيران فانا لا أعتقد لكوني استشعر ان الإدارة الأمريكية الجديدة لن تكون غبية بل ستكون قائمة ليس لتكمله ما فعله بوش بشعبه ولكن لخدمة مصالح هذا الشعب الأمريكي الذي عانى من الحرب ثماني سنوات وخرج منها بخفي حنين بل وبأزمة اقتصادية عالمية طاحنة بل ولا استبعد أن تكون هناك لقاءات سرية بين الأمريكان وايران لتسوية الامور لكون العالم كله حاليا في مأزق حضاري حقيقي لا يتحمل أي صراع جديد بل يبحث عن لملمة صراعات موجودة بالفعل.

* اختيار اوباما لأيمانويل
التصور الشرقي لكون اوباما اختار ايمانويل كبير رجالات البيت الأبيض رغم كون ابيه اسرائليا هو تصور قاصر، لان اوباما حينما اختار هذا الرجل لم يختاره لكونه يهودياً أو من جذور اسرائلية ولكن اختاره لسابقة اعماله في البيت الأبيض ويقينه في ان ايمانويل هذا اكفأ من يصلح لهذا المنصب، اوباما يبحث عن اجنحة قوية مميزة وقادرة لتساعده على خدمة اميركا، هذا هو تصوري بجانب طبعاً تعزيز الفكر السائد والموضة المنتشرة في الولايات المتحدة والغرب لكسب ود اسرائيل، اوباما برضه مش غبي.

* موضة اعتلاء الاقليات لكرسي الحكم
مافيش شك ان اعتلاء اوباما وهو من الأقلية السوداء لكرسي اكبر دولة في العالم سيدفع بالأقليات في العالم كله ان تتعامل بالمثل، لقد دفع بالأمل داخل شرايين الأقليات، حتما سيطالب السفارديم بحقهم في قيادة اسرائيل مثلهم مثل الأشكيناز، هذا بالنسبة لاسرائيل، وسيطالب الأكراد بحقهم وسيطالب الأقباط ايضا بحقهم في شراكة حكم الوطن، العالم تغير بالفعل بعد نجاح اوباما، أنا أرى أنه لابد للأقليات في الوطن والمصير أن يشاركوا في حكم الوطن ويبقوا مسئولين مسئولية كاملة مع الأغلبية عن مستقبله ومصيره، أنا مش فاهم واحد ابن بلدي وحاربنا مع بعض وجعنا مع بعض وانتصرنا مع بعض ايدنا في ايد بعض ووقت شراكة الحكم لمجرد ان دينه مختلف عن دين الأغلبية ابعده واقول له ماتنفعش، دي كارثة، طب ماهو حارب ومات وجاع وهو بيدافع عن مصر ومؤمن بمصر جنب اخوه المسلم!! بقي ده اسمه كلام؟؟؟؟ انا سأكرر عليك بيت الشعر تاني

ألقينا المبادئ خلف ظهر
وأحببناه كرسياً لعيناً

وعليه اطالب حسني مبارك شخصيا ان ينظر بجدية في امر تولي الأقباط قيادة الجامعة والوزارات والمحافظات جنبا الى جنب مع اخوانهم المسلمين لكوننا جميعا مصريون وطننا واحد ومصيرنا واحد وكلنا لنا حقوق المواطنة كاملة وأؤكد أننا في هذا الوطن العظيم لسنا اغلبية واقلية بل كلنا مصريون.