الاثنين، 23 يوليو 2007

في ذكرى الإحتفال بثورة 23 يوليو 2007

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
محاولات تفريغ مصر من الأرثوذكسية وتهميش دور كنيسة الإسكندرية هو أمر قديم يرجع إلى عام1769م حيث بدأ التنصير في مصر في هذه المرحلة تنصيرًا داخليًا، فقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية بروما ضمَّ الكنيسة الأرثوذكسية بمصر إليها !
نًحذر من ضياع الكنيسة المصرية كما ضاعت السودان

البرلمان المصري يجب أن يعود لسمعته القديمة

نحتفل هذه الأيام بمرور 55 عاماً على ثورة يوليو 52، وسواء كان منا من يتفق معها أو يختلف، فإن مرور 55 عاماً على حدوثها يعد أمراً واقعاً نحياه بالفعل ونحيا نتائجه وتداعياته ونتحمل جميعاً بحتمية تاريخية مسئوليته تماماً، لكونها ثورة قامت بمباركة الشعب المصري وليس بمباركة شعب المريخ، وكل من بارك أحداثها وشارك فيها بل وحكم مصر من خلالها هم أيضاً المصريين وليس جنود الاحتلال الإنجليزي، لذا فإن طرح إيجابيات الثورة أو سلبياتها هو في واقع الأمر طرح لإيجابيات وسلبيات الشعب المصري نفسه. أن مرور نصف قرن أو يزيد بقليل على الثورة يجعل من الضروري أن نلتفت للماضي نظرة قصيرة خاطفة لننقذ - ربما -  مستقبلنا كأمة لها تاريخ من السقوط مرة أخرى في مستنقع التحجيم والحروب والتهميش الحضاري بل والعزلة التي فرضت قهراً علينا بعدما أصبحنا شعوباً – من وجهة نظر الغرب – تصدر الإرهاب. وأول نظرة خاطفة هي التنازل عن السودان 1954مقابل مباركة الغرب لثورة يوليو وهو الأمر الذي فقدت به مصر حوالي 70% من مساحتها الفعلية حيث كانت حدود مصر هي مصر الحالية والسودان ودارفور وكردفان وما حولهم وكان علم مصر يرتفع فوق منابع النيل جنوباً وحتى مدينة الإسكندرية شمالاً ومن حدود تشاد غرباً حتى شواطئ اليمن شرقاً، حتى أن نهر النيل كان 90% من طوله يجري في أراضي مصر أما البحر الأحمر فقد كان بحيرة مصرية تماماً 100% لا يشاركه في الهيمنة عليه احد، ولكن يضيع ذلك كله بقرار واحد عام 1954 ليتقوقع الشعب المصري بعدها في هذه الشرنقة الصغيرة التي رسم حدودها شرقا وغربا الاستعمار الأوروبي ونغرق في حروب لا مثيل لها وتتحول أغلى عملة في العالم وهي الجنية المصري والذي كان يساوي 6 دولارات ونصف إلى عملة لا تساوى اليوم سوى بضع سنتات لا تتجاوز 14 سنتاً أو أقل بقليل ويصبح الشعب المصري الذي كانت تسمى باسمه عملات بعض الدول ( مصاري ) من شعب يعطي منحاً لا ترد لبلدان كثيرة في العالم كالفلبين والسعودية وغالب بلدان جنوب شرق أسيا إلى شعب يحيا اليوم تحت خط الفقر بل وتهدده بعض الدول العظمى بحجب منحة السلام عنه إن لم يمتثل لأوامرها وغطرستها الأمبريالية.
اليوم تعاد المحاولة القديمة مرة أخرى ولكن هذه المرة ليست في ضياع السودان ولكنها في ضياع الكنيسة المصرية، وربما لا يعلم الكثير من المصريين  وحتى كثير من الأقباط أنفسهم، أن محاولات تفريغ مصر من الأرثوذكسية وتهميش دور كنيسة الإسكندرية هو أمر قديم يرجع إلى عام1769م حيث بدأ التنصير في مصر في هذه المرحلة تنصيرًا داخليًا، فقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية بروما ضمَّ الكنيسة الأرثوذكسية بمصر إليها، والضغط عليها لإتباع مذهبها، كما حاول "البروتستانت" في إنجلترا وأمريكا فعل نفس الشيء مع مسيحيِّي مصر؛ ولذا بعث بابا روما مندوبًا عنه إلى البطريرك القبطي "بولس الثامن عشر"، لتولى رئاسة الكنيسة المصرية في 1769م بدعوة، ولكن البطريرك القبطي رفض هذه الدعوة؛ لأن الكنيسة المصرية لم تنسَ الحقبة الأولى من تاريخها التي عانت فيها من اضطهاد الكنيسة البيزنطية وهو الأمر الذي يتكرر في أيامنا هذه على يد البابا بندكت بابا الفاتيكان وما يفعله اليوم ضد كنيسة الإسكندرية من قذف وتشهير في محاولة يائسة أخرى لضم الكنيسة المصرية لكنيسة روما وهو أمر ليس مجالنا الخوض فيه الآن، ونجد أنه بالرغم من رفض الكنيسة القبطية لدعوة بابا روما آنذاك إلا أن بابا روما وفي أواخر هذا القرن – الثامن عشر - يرسل جماعةً من الرهبان لبث المذهب الكاثوليكي بين الأقباط، ثم ازداد عدد هؤلاء الرهبان الذين استوطن بعضهم الصعيد، ونشطوا في جذب شعب كبير من عموم الأقباط، - تماما كما يحدث في يومنا هذا في صعيد مصر تحت مرأى ومسمع من الجميع ولا يحركون ساكناً - وفي القرن التاسع عشر أضيف نشاط الإرساليات البروتستانتية إلى جانب الكاثوليك، ووفدوا إلى مصر من إنجلترا وأمريكا عن طريق الشام، وارتبط نشاط هذه الإرساليات بسعي الدول الأوروبية والغربية إلى غزو بلاد المشرق، بغية خلق أقليات ترتبط بها وتؤيدها، خاصةً في عهد الوالي "محمد سعيد" باشا، مستفيدةً من حماية الامتيازات الأجنبية، واستقلال مصر عن الدولة العثمانية، حيث كان هذا الاستقلال يمكنها من عدم تطبيق القوانين العرفية بعد الحرب العثمانية الروسية وخاصة الخط الهمايوني ومعناه بالتركية _ قانون شريف _ والتي ربما دفعت بمسيحيي الشام للهروب إلى مصر كما تحدثنا الوثائق اللبنانية نفسها: " ..... أنه مع تمادي السلطان "عبد الحميد" في طغيانه، تعاقبت الكثير من الأحداث بعد العام 1860، سواءً أكان في لبنان أم في مصر، ودفعت بالعديد من اللبنانيين للهجرة إلى مصر. ومن أبرز هذه الأحداث: أحداث 1860، وانعكاسها على الوضع المادي كما على الوضع الفكري. وانعكاسات الحرب التركية الروسية سنة 1877، وما تبعها من فرض للأحكام العرفية، ومن رقابة وضرائب ثقيلة على كافة مقاطعات الإمبراطورية. أما في مصر، فقد برزت عدة عوامل وتهيأت الكثير من الظروف لتجذب اللبنانيين والصحافة اللبنانية إليها، منها:  تمتّع مصر بنوع من الاستقلالية الذاتية في عهد "محمد علي باشا" إزاء السلطنة العثمانية. بحيث أصبحت مصر أكثر حرية إذ تغيرت فيها القوانين على نحو غير مسبوق في عهد الخديوي سعيد (1822-1863 م) بما سنته من قوانين إلغاء للجزية، ومساواة النصارى بالمسلمين في قواعد الجندية سنة 1855 م.. إلى جانب عدم تطبيق قوانين الباب العالي العرفية وخاصة ( قانون شريف ) أو الخط الهمايوني .... "، وربما هذا الاستقلال هو ما سال له لعاب الكنائس الغربية أيضاً مرة أخرى لسحب البساط من تحت الكنيسة المصرية ( كنيسة الإسكندرية ) وتقليص هيمنتها في العالم المسيحي في أنحاء الكرة الأرضية وعلية استغلت الكنيسة الكاثوليكية ( روما – فرنسا ) والكنيسة الإنجيلية ( انجلترا - أميركا ) تولى " إسماعيل باشا " حكم مصر في 18 يناير سنة 1863 م ورغبته العارمة في النهوض بمصر وميله الشديد للأوربيين والأجانب لتحقيق هذه الرغبة بأعطاءهم سلطات واسعة في بناء المدارس والمعاهد والكنائس التي تتمتع بحماية القانون والدستور المصري وهو الأمر الذي  أدى إلى إحداث أضراراً بالغة على الكنيسة القبطية المصرية الفقيرة آنذاك حيث انضم إلى الإنجيليين والكاثوليك الكثير من الأقباط الفقراء الذين تعلموا في مدارسهم الأجنبية التي انتشرت في المدن والقرى تحت مظلة حرية العقيدة وبناء دور العبادة لكل الملل والنحل من المصريين وغير المصريين, وطبقاً للتخطيط الأجنبي المدروس المتبع في بلادهم والذي جاء في تقرير مجموعة من المبشرين: " ..... إن القاهرة تعتبر نقطة مهمة وهي المدينة الثانية في الإمبراطورية التركي....". فقد بدأت الإرسالية الأمريكية العمل في مصر مع بداية عام 1850م تحت مسمى ( الرسالة المشيخية الاتحادية الأمريكية )، ومنذ اليوم الأول ترافق النشاط التعليمي مع النشاط التبشيري. وقد أنشأ الأمريكيون تحت لواء الهيئة المشيخية المتحدة عدداً من المدارس على طول نهر النيل، كان من أشهرها كلية للرجال في مدينة أسيوط التي تعد عاصمة إقليم الصعيد، وكلية للبنات في القاهرة كان لها دور تعليمي بين نساء مصر عامة والقاهرة خاصة، وقد كان نشاط المدارس الأمريكية يتركز في عدد من الأهداف: نشر المذهب البروتستانتي بين الأقباط ، حيث كان لنشر المذهب دوافع استعمارية كشف عنها " وليم هل " حيث قال: «إن مصر مستودع للثروات التي لا تعد ولا تحصى». وكان التركيز في تلك الفترة على الطبقة الفقيرة من أقباط مصر ومن خلال تبني أفرادها واحتوائهم وتقديم التعليم المجاني لهم، ثم إيجاد فرص عمل مناسبة ضمن نشاطها، وكان الشرط الأساسي لذلك هو عضوية الشخص للكنيسة الإنجيلية وانتماؤه إليها، والدعوة إلى مذهبها بين أقرانه وذويه وأصدقائه – كما يحدث تماما اليوم - ، وفي نفس الوقت اتخذت الإرسالية من الطبقة الغنية سنداً لها بتقديمهم الدعم المادي والمعنوي لأنشطتها. حتى صارت هذه المدارس تتغلغل في نفسية المصريين الأقباط , وحل الأمان لدى المصريين مسلميناً وأقباطا محل الخوف من الغريب, بعد أن رأوا تقدم أولادهم في العلم والأخلاق والعادات التي دخلت إليهم عن طريق الغرب وتقول المؤرخة " أيريس حبيب المصري " معلقة على رؤية هذه المدارس في عيون المصريين: ".... وبكل هذه الوسائل المثلي تصبح المدرسة الأجنبية في أعين المصريين أشبه بالواحة المثمرة وسط الصحراء القاحلة , وأخذت هذه المدارس الفرنسية والإيطالية الكاثوليكية , والإنجليزية والأمريكية البروتستاتينة تنتشر في أنحاء مصر وخاصة الصعيد ...." ويقول السوري " مصطفى الخالدى " وكأنه يتحدث عما نحياه اليوم: " .....قامت فئة دينية في سوريا أدت إلى تمكين السيادة الغربية هناك " ولما نجحت خطة المرسلين الأمريكان ذهبوا إلى مصر ومعهم مجموعة من السوريين الذين استمالوهم إليهم , فكان هؤلاء السوريين التكأة التي أستند عليها الأمريكيين في عملهم بين المصريين فإنهم اختطوا خطة مماثلة في بلادنا لتلك التي حدثت في سوريا فجعلوا " فارس حكيم " وهو أحد الوافدين السوريين  يثير فتنه كبيرة في أسيوط اتخذتها السلطات في واشنطن ذريعة لتطلب إلى " إسماعيل باشا " تعزيز مركز المبشرين الإنجيليين وأعوانهم داخل مصر وخاصة بين الأقباط , ومن هنا سرى شعور في مختلف الجهات بان المرسلين إنما جاءوا لنشر النفوذ الأجنبي....."  والمدهش أن " إسماعيل باشا " استشعر أن هناك خطة ما لتفريغ أقباط مصر من ملتهم الأرثوذكسية بل ومحو كنيسة الإسكندرية ودورها الديني في العالم المسيحي فمنح الأقباط  بعض الأراضي الزراعية ثم استصدر أمره إلى وزارة المعارف العمومية بإجراء امتحان لتلاميذ المدارس القبطية بعد امتحان تلاميذ المدارس الأميرية  على أن يقام احتفال عظيم يدعى إليه علماء الأزهر والأمراء وكبار القوم يتقدمهم مفتى الديار المصرية نفسه ، وبالرغم من كل تلك الإحتياطات التي احتاط لها " إسماعيل باشا " لحماية الكنيسة المصرية إلا أنه قد تفشى أمر الإرساليات الأجنبية وأضعفت الروح الوطنية في مصر وأصبح دخول أقباط مصر في ملل الإنجيليين والكاثوليك عظيماً ومؤشر خطر وتهديد فاضح لزوال أمر الكنيسة الأرثوذكسية في مصر وضياعها وضياع هيمنتها وهيبتها في العالم المسيحي وهو الأمر الذي أدى إلى أن أصغى أخيرا " عباس باشا " إلى البابا " ديمتريوس " بابا الإسكندرية ليقوم البابا برحله رعوية ليهيب بشعبه أن يتمسك بعقيدته الأرثوذكسية التي تسلمها من ألاباء وقام " إسماعيل باشا " بتهيئة باخرة حكومية عظيمة  ليسافر عليها البابا المرقسى ورجاله , واستقلها البابا وبصحبته اللاهوتي الشهير " الإيغومانس فيلوثيؤوس عوض " خادم الكنيسة المرقصية بالأزبكية وعدداً من ألاباء والشمامسة , وحينما تهادت الباخرة كان البابا ومن معه يتنقلون بين مدن الصعيد وقراها حتى وصلوا إلى آخر حدود مصر الجنوبية, واستغرقت رحلتهم ثلاثة شهور, ونجحوا في خطتهم فاستردوا أبناءهم الأقباط من يد الغرباء الروم والإنجليز والأمريكان ودخلوا ثانية إلى بيت أبيهم السمائى – هكذا كما تقول الوثائق - وقد امتلأت كتب المرسلين الأجانب أنفسهم تصف جهود البابا " ديمتريوس الثانى " التي أدت إلى تجميد نشاط الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية في وادي النيل كله، ولعل من أعظم الأحداث التي لا يذكرها المصريين اليوم مدفوعين بما يفعله الغرب فينا من فتن هي زيارة السلطان " عبد العزيز " لمصر ومنحة السخية للمدارس القبطية حيث أرسل " إسماعيل باشا " دعوة إليه لزيارة مصر وفى هذه الزيارة أنعم عليه بلقب خديوي , وحدث أن دعا الخديوي " إسماعيل " كبار رجال الدولة وأغنياء مصر لتحية الضيف الكبير سلطان ألأستانة وكان التقليد السلطاني يتمثل في أن أي إنسان يمثل بين يدي السلطان عليه أن يقبل هدب ثوبه , وعندما ذهب البابا المرقسى الأنبا " ديمتريوس " إلى السلطان ولما وصل إلى حيث يجلس السلطان " عبد العزيز " قام بتقبيل صدره من ناحية القلب , فأصيب الحاضرون من هذا المسلك الغير متبع في استقبال السلطان بالذهول واعتبره الكثير إهانة للسلطان الذي سأل لماذا فعل البطريرك هذا؟ وكان القمص " سلامة " وكيل البطريركية في صحبة البابا في هذه الزيارة وكان يجيد التحدث باللغة التركية كأنه أحد أبناءها فترجم ما قاله البابا مجيباً على استفهام السلطان فقال : " في كتابنا المقدس آية تقول أن قلب الملك في يد الرب وأنا بتقبيلي صدركم إنما قبلت يد ملك الملوك وسلطان السلاطين " , فسعد السلطان وابتهج وأبتسم سروراً, ولما رأى الخديوي رضا السلطان من هذا التصرف المحب من أحد رعاياه منح الخديوي " إسماعيل " بطريركية الأقباط 1500 فدان من أملاك الحكومة للصرف منها على المدارس القبطية وغيرها من المرافق القبطية وبناء الكنائس هذا بخلاف العطاءات التي كانت يده  تمتد بها إليهم من وقت لآخر، هذه هي مصر التي بحثنا في تاريخها الحديث كله فلم نجد أثراً لأي خط همايوني أو اضطهادا من فئة ضد فئة كما يروج البعض ممن يأكلون على موائد تريد النيل من مصر وشعبها، ولكن لعل السبب جاء بعد ثورة 23 يوليو وكما فسره الدكتور " رفعت السعيد " والذي اطمئن إلى تفسيره هذا كثيراً حيث قال: أرى أنه من أسباب ومسببات الجرح المصري الذي يأبى أن يندمل هو جرح الفتنة الطائفية، وهو الحكم بالإعدام السري لنصوص قانونية سارية وواجبة النفاذ، وكيف أن ذلك قد فتح الباب علي مصراعيه أمام بواعث الفتنة ودعاتها. ولا يقتصر الأمر علي تجاهل القوانين دائما بل يتعداه أيضا إلي التراث القضائي الذي يتضمن أحكاما لو التزمنا بها أو بمنهجها أو بروحها لتلافينا كثيرا من الشطط الذي يعشش في مناخنا الكئيب. ثم يحيطنا دكتور " رفعت السعيد " بقوله: لا يختلف أحد علي أن الدكتور " عبد الرازق السنهوري " هو أستاذ القانونيين المصريين، ولهذا فإننا نعود إليه كي نستند إلي أحد أحكامه عندما كان رئيسا لمجلس الدولة في زمن كان المجلس يلعب فيه إلي حد كبير دورا يشبه دور المحكمة الدستورية. ولنقرأ في نصوص الحكم الصادر في القضية رقم 538 سنة 5 قضائية المقامة من " حنا سليمان جرجس " والذي قال في صحيفة دعواه إنه أقام بناءً خصصه فيما بعد للصلاة مع إخوانه الأقباط الأرثوذكس وأطلق عليه اسم كنيسة " القصاصين "، وصدر قرار إداري بإيقاف الشعائر الدينية بالكنيسة حتى يصدر مرسوم ملكي، ويطلب الشاكي إبطال القرار الإداري المشار إليه، وحول هذه الدعوى أصدر الدكتور " السنهوري " حكماً تاريخياً جاء فيه: «من حيث إن المدعي نعي علي الأمر المطعون فيه فأن وزارة الداخلية لا يدخل في اختصاصها منع الاجتماعات الدينية وتعطيل الشعائر، لمنافاة ذلك للحرية الفردية، ولحرية العقيدة، وحرية العبادة وكل هذه الأمور كفلها الدستور، وليس في القوانين واللوائح ما يمنع حرية الاجتماع لممارسة الطقوس الدينية وشئون العبادة في مكان مملوك للمدعي وأطلق عليه اسم كنيسة " القصاصين "، وتري المحكمة أن الدستور يحمي هذه الحريات ما دامت لا تخل بالنظام العام ولا تنافي الآداب، ومن ثم يكون الأمر بتعطيل الاجتماع الديني قد وقع باطلا مما يتعين معه إلغاء الأمر المطعون فيه». ولأن محامي الحكومة كان قد أسند قرار وزارة الداخلية إلي تنفيذ «الخط الهمايوني»، وبرغم أن مجلس الدولة لم يكن منوطاً به الحكم علي مدي دستورية الالتزام بهذا الخط أطلاقا، إلا أن الدكتور " السنهوري " نبه وبشدة في حكمه «إلي ضرورة ألا يؤدي إعماله إلي حرمان مواطنين من حقهم في إنشاء دور للعبادة، وقال في نص الحكم:«ومن حيث إنه مما يجب مراعاته فوق ذلك أن اشتراط الحصول علي ترخيص لإنشاء دور العبادة، علي نحو ما جاء في الخط الهمايوني لا يجوز أن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات لا مبرر لها تحول دون إنشاء هذه الدور مما لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية، إذ إن الترخيص المنصوص عليه في هذا الخط الهمايوني لم يقصد به أطلاقا عرقلة إقامة الشعائر الدينية، بل أريد به أن يراعي في إنشاء دور العبادة الشروط اللازمة التي تكفل أن تكون هذه الدور قائمة في بيئة محترمة تتفق مع وقار وقداسة الشعائر الدينية وطهارتها». بل إن الدكتور " السنهوري " يطالب في الحكم بإصدار تشريع «يحدد الإجراءات اللازم مراعاتها في إنشاء دور العبادة، والشروط الواجب توافرها حتى إذا ما استوفيت هذه الشروط وروعيت هذه الإجراءات تعين صدور الترخيص في مدة يعينها التشريع، فإذا لم يصدر في هذه المدة كان الطالب في حل من إقامة دور العبادة التي طلب الترخيص لإنشائها». ثم يقرر في حسم « ولذلك حكمت المحكمة بإلغاء الأمر الإداري الصادر من وزارة الداخلية بوقف الاجتماعات الدينية التي تقام بالمكان الذي خصصه لها المدعي بناحية " القصاصين"، وألزمت الحكومة بالمصروفات». ثم ينهي حديثة بالقول: ولعل من حقنا ومن واجبنا أن نستدعي الضمير المصري كي يستعيد الأحكام السابقة ويستعيد معها نصوص الدستور ونصوص القانون ويتخذ قرارات وإجراءات ومواقف تلتزم بها...." إن ما نراه في ظاهر الأمر اليوم من فتنة طائفية هو باطن غير معلن يساهم في تأجج نيرانه طابور خامس ربما يحملون الجنسية المصرية لكن ليس لهم أي انتماء لمصر بالحد الأدنى الذي يدفعهم للدفاع عن ضياع الدين ممثلاً في ضياع الأزهر وكنيسة الإسكندرية التي تهيمن على قلوب كثير من ملايين المؤمنين بها في أصقاع العالم المسيحي ويتجهون بأفئدتهم أليها وإلى مصر، وفي ظل هذه الفوضى كان حرياً بالأقباط أن يعتبروا عصر  محمد علي وأبنائه (1805-1952) هو العصر الذهبي لهم ، لان هذا العهد هو الذي فطن لقوة الكنيسة المصرية وهيمنتها على ملايين كثيرة في العالم مما يعد مصدر قوة لمصر في العالم المسيحي تعادل قوة الأزهر تماماً في العالم الإسلامي وهو العهد الذي انتهى في نظرهم بقيام ثورة يوليو واعتلاء جمال عبد الناصر السلطة حيث يرى المؤرخون الأقباط أن إجراءات التأميم التي قام بها عبد الناصر في يوليو 60/1961 كادت تقضي على نسبة وعدد كبير من الأعمال والصناعات والوظائف المهنية والفنية التي كان يتواجد بها الأقباط  بنسب عالية كقطاع النقل والصناعة والبنوك ليعين بدلاً من  المديرين الأقباط مديرين مسلمين، ضارباً عرض الحائط نص القانون والدستور خاصة دستور 1923 الوفدي الذي كفل  الحرية للمصريين جميعا والمساواة في الحقوق بصرف النظر عن الدين والجنس واللغة بالإضافة إلى حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية الأمر الذي كان من شأنه أن ينتخب " ويصا واصف " رئيسا لمجلس النواب (البرلمان) وكذلك قيام حكومة الوفد حينئذ بإدخال تعليم الديانة المسيحية في المدارس ليقوم بتدريسها المدرسون الأقباط في كل مدرسة وليضاف هذا المنهج أيضا في مدارس المعلمين العليا حتى أصبح في عام 1949 من بين مواد الدراسة الرئيسة وذلك للمساواة بين التلاميذ المسلمين والمسيحيين في تعلم الدين وكلها امور قامت ثورة يوليو بعد ذلك بإلغائها تماماً. ويضيف المؤرخون الأقباط أن انتزاع والاستيلاء على الأراضي الزراعية بعد ثورة يوليو بموجب قانون الإصلاح الزراعي كانت خسارة الأقباط  فيها بنسبة 75% هذا ويلاحظ أنه عند توزيع هذه الأراضي على الفقراء الفلاحين لم يتم توزيعها إلا على الفلاحين المسلمين فقط، إذن فالأمر لا يتعلق بدستور أو قانون ولكن يتعلق الأمر بسقطة تاريخية لابد من تصحيحها فوراً للحفاظ على الكنيسة المصرية التي هي مصدر قوة دينية وسياسية مؤثرة لمصر في جميع أنحاء العالم المسيحي كقوة الأزهر الدينية والسياسية المؤثرة في كل أنحاء العالم الإسلامي لكون  أغلب علماء الدين الإسلامي ومشايخ الفتوى الإسلاميين في غالب أنحاء العالم هم من أبناء الأزهر وغالبية القساوسة والآباء الأرثوذكس في العالم هم أيضاً من أبناء الكنيسة المصرية أو تلاميذها وهو ما يجعل مصر ذات ثقل في غاية القوة لكونها تمتلك رعايا لها من المسلمين والمسيحيين يعدوا بالملايين في أرجاء العالم ليسوا من المصريين أصلا ولكنهم ينتمون للمدارس الدينية المصرية سواء كانت الإسلامية أو المسيحية وهو ما يضاعف حجم التعاطف والانتماء لمصر لكونها قبلتهم الفقهية جميعاً. علينا أن نبذل كل جهد لكي لا تضيع الكنيسة كما ضاعت السودان وأن ندرك أن كل ما يحدث حولنا في مصر اليوم هو سبيل استعماري قديم جداً ليس للمصريين دخل فيه أطلاقا وغايته إضاعة الكنيسة والأزهر معاً وتفريغ مصر من قوتها وهيمنتها الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية بحيث أصبحنا اليوم نسمع ونرى من يكفرون شيخ الأزهر ومشايخنا الأجلاء الذين عرف عنهم الاعتدال منذ العصور الأولى للإسلام وكذلك تكفير بابا الأقباط وقساوسة الكنيسة المصرية وهم المشهورون بأفكار السلام والمحبة والاعتدال بين كل الطوائف المسيحية في العالم كله، إن ما يحدث اليوم ونراه ونسمعه ونعيشه هو تماماً ما أسمته الولايات المتحدة بالفوضى الخلاقة التي وإن حدثت بالفعل ونحن في غيبوبة عنها لن يرحمنا بعد حدوثها أحد حتى الله نفسه ولن يتبقى لنا بعدها ولو دقائق نبكي فيها على اللبن المسكوب.

في ذكرى الإحتفال بثورة 23 يوليو 2007

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
محاولات تفريغ مصر من الأرثوذكسية وتهميش دور كنيسة الإسكندرية هو أمر قديم يرجع إلى عام1769م حيث بدأ التنصير في مصر في هذه المرحلة تنصيرًا داخليًا، فقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية بروما ضمَّ الكنيسة الأرثوذكسية بمصر إليها !
نًحذر من ضياع الكنيسة المصرية كما ضاعت السودان

البرلمان المصري يجب أن يعود لسمعته القديمة

نحتفل هذه الأيام بمرور 55 عاماً على ثورة يوليو 52، وسواء كان منا من يتفق معها أو يختلف، فإن مرور 55 عاماً على حدوثها يعد أمراً واقعاً نحياه بالفعل ونحيا نتائجه وتداعياته ونتحمل جميعاً بحتمية تاريخية مسئوليته تماماً، لكونها ثورة قامت بمباركة الشعب المصري وليس بمباركة شعب المريخ، وكل من بارك أحداثها وشارك فيها بل وحكم مصر من خلالها هم أيضاً المصريين وليس جنود الاحتلال الإنجليزي، لذا فإن طرح إيجابيات الثورة أو سلبياتها هو في واقع الأمر طرح لإيجابيات وسلبيات الشعب المصري نفسه. أن مرور نصف قرن أو يزيد بقليل على الثورة يجعل من الضروري أن نلتفت للماضي نظرة قصيرة خاطفة لننقذ - ربما -  مستقبلنا كأمة لها تاريخ من السقوط مرة أخرى في مستنقع التحجيم والحروب والتهميش الحضاري بل والعزلة التي فرضت قهراً علينا بعدما أصبحنا شعوباً – من وجهة نظر الغرب – تصدر الإرهاب. وأول نظرة خاطفة هي التنازل عن السودان 1954مقابل مباركة الغرب لثورة يوليو وهو الأمر الذي فقدت به مصر حوالي 70% من مساحتها الفعلية حيث كانت حدود مصر هي مصر الحالية والسودان ودارفور وكردفان وما حولهم وكان علم مصر يرتفع فوق منابع النيل جنوباً وحتى مدينة الإسكندرية شمالاً ومن حدود تشاد غرباً حتى شواطئ اليمن شرقاً، حتى أن نهر النيل كان 90% من طوله يجري في أراضي مصر أما البحر الأحمر فقد كان بحيرة مصرية تماماً 100% لا يشاركه في الهيمنة عليه احد، ولكن يضيع ذلك كله بقرار واحد عام 1954 ليتقوقع الشعب المصري بعدها في هذه الشرنقة الصغيرة التي رسم حدودها شرقا وغربا الاستعمار الأوروبي ونغرق في حروب لا مثيل لها وتتحول أغلى عملة في العالم وهي الجنية المصري والذي كان يساوي 6 دولارات ونصف إلى عملة لا تساوى اليوم سوى بضع سنتات لا تتجاوز 14 سنتاً أو أقل بقليل ويصبح الشعب المصري الذي كانت تسمى باسمه عملات بعض الدول ( مصاري ) من شعب يعطي منحاً لا ترد لبلدان كثيرة في العالم كالفلبين والسعودية وغالب بلدان جنوب شرق أسيا إلى شعب يحيا اليوم تحت خط الفقر بل وتهدده بعض الدول العظمى بحجب منحة السلام عنه إن لم يمتثل لأوامرها وغطرستها الأمبريالية.
اليوم تعاد المحاولة القديمة مرة أخرى ولكن هذه المرة ليست في ضياع السودان ولكنها في ضياع الكنيسة المصرية، وربما لا يعلم الكثير من المصريين  وحتى كثير من الأقباط أنفسهم، أن محاولات تفريغ مصر من الأرثوذكسية وتهميش دور كنيسة الإسكندرية هو أمر قديم يرجع إلى عام1769م حيث بدأ التنصير في مصر في هذه المرحلة تنصيرًا داخليًا، فقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية بروما ضمَّ الكنيسة الأرثوذكسية بمصر إليها، والضغط عليها لإتباع مذهبها، كما حاول "البروتستانت" في إنجلترا وأمريكا فعل نفس الشيء مع مسيحيِّي مصر؛ ولذا بعث بابا روما مندوبًا عنه إلى البطريرك القبطي "بولس الثامن عشر"، لتولى رئاسة الكنيسة المصرية في 1769م بدعوة، ولكن البطريرك القبطي رفض هذه الدعوة؛ لأن الكنيسة المصرية لم تنسَ الحقبة الأولى من تاريخها التي عانت فيها من اضطهاد الكنيسة البيزنطية وهو الأمر الذي يتكرر في أيامنا هذه على يد البابا بندكت بابا الفاتيكان وما يفعله اليوم ضد كنيسة الإسكندرية من قذف وتشهير في محاولة يائسة أخرى لضم الكنيسة المصرية لكنيسة روما وهو أمر ليس مجالنا الخوض فيه الآن، ونجد أنه بالرغم من رفض الكنيسة القبطية لدعوة بابا روما آنذاك إلا أن بابا روما وفي أواخر هذا القرن – الثامن عشر - يرسل جماعةً من الرهبان لبث المذهب الكاثوليكي بين الأقباط، ثم ازداد عدد هؤلاء الرهبان الذين استوطن بعضهم الصعيد، ونشطوا في جذب شعب كبير من عموم الأقباط، - تماما كما يحدث في يومنا هذا في صعيد مصر تحت مرأى ومسمع من الجميع ولا يحركون ساكناً - وفي القرن التاسع عشر أضيف نشاط الإرساليات البروتستانتية إلى جانب الكاثوليك، ووفدوا إلى مصر من إنجلترا وأمريكا عن طريق الشام، وارتبط نشاط هذه الإرساليات بسعي الدول الأوروبية والغربية إلى غزو بلاد المشرق، بغية خلق أقليات ترتبط بها وتؤيدها، خاصةً في عهد الوالي "محمد سعيد" باشا، مستفيدةً من حماية الامتيازات الأجنبية، واستقلال مصر عن الدولة العثمانية، حيث كان هذا الاستقلال يمكنها من عدم تطبيق القوانين العرفية بعد الحرب العثمانية الروسية وخاصة الخط الهمايوني ومعناه بالتركية _ قانون شريف _ والتي ربما دفعت بمسيحيي الشام للهروب إلى مصر كما تحدثنا الوثائق اللبنانية نفسها: " ..... أنه مع تمادي السلطان "عبد الحميد" في طغيانه، تعاقبت الكثير من الأحداث بعد العام 1860، سواءً أكان في لبنان أم في مصر، ودفعت بالعديد من اللبنانيين للهجرة إلى مصر. ومن أبرز هذه الأحداث: أحداث 1860، وانعكاسها على الوضع المادي كما على الوضع الفكري. وانعكاسات الحرب التركية الروسية سنة 1877، وما تبعها من فرض للأحكام العرفية، ومن رقابة وضرائب ثقيلة على كافة مقاطعات الإمبراطورية. أما في مصر، فقد برزت عدة عوامل وتهيأت الكثير من الظروف لتجذب اللبنانيين والصحافة اللبنانية إليها، منها:  تمتّع مصر بنوع من الاستقلالية الذاتية في عهد "محمد علي باشا" إزاء السلطنة العثمانية. بحيث أصبحت مصر أكثر حرية إذ تغيرت فيها القوانين على نحو غير مسبوق في عهد الخديوي سعيد (1822-1863 م) بما سنته من قوانين إلغاء للجزية، ومساواة النصارى بالمسلمين في قواعد الجندية سنة 1855 م.. إلى جانب عدم تطبيق قوانين الباب العالي العرفية وخاصة ( قانون شريف ) أو الخط الهمايوني .... "، وربما هذا الاستقلال هو ما سال له لعاب الكنائس الغربية أيضاً مرة أخرى لسحب البساط من تحت الكنيسة المصرية ( كنيسة الإسكندرية ) وتقليص هيمنتها في العالم المسيحي في أنحاء الكرة الأرضية وعلية استغلت الكنيسة الكاثوليكية ( روما – فرنسا ) والكنيسة الإنجيلية ( انجلترا - أميركا ) تولى " إسماعيل باشا " حكم مصر في 18 يناير سنة 1863 م ورغبته العارمة في النهوض بمصر وميله الشديد للأوربيين والأجانب لتحقيق هذه الرغبة بأعطاءهم سلطات واسعة في بناء المدارس والمعاهد والكنائس التي تتمتع بحماية القانون والدستور المصري وهو الأمر الذي  أدى إلى إحداث أضراراً بالغة على الكنيسة القبطية المصرية الفقيرة آنذاك حيث انضم إلى الإنجيليين والكاثوليك الكثير من الأقباط الفقراء الذين تعلموا في مدارسهم الأجنبية التي انتشرت في المدن والقرى تحت مظلة حرية العقيدة وبناء دور العبادة لكل الملل والنحل من المصريين وغير المصريين, وطبقاً للتخطيط الأجنبي المدروس المتبع في بلادهم والذي جاء في تقرير مجموعة من المبشرين: " ..... إن القاهرة تعتبر نقطة مهمة وهي المدينة الثانية في الإمبراطورية التركي....". فقد بدأت الإرسالية الأمريكية العمل في مصر مع بداية عام 1850م تحت مسمى ( الرسالة المشيخية الاتحادية الأمريكية )، ومنذ اليوم الأول ترافق النشاط التعليمي مع النشاط التبشيري. وقد أنشأ الأمريكيون تحت لواء الهيئة المشيخية المتحدة عدداً من المدارس على طول نهر النيل، كان من أشهرها كلية للرجال في مدينة أسيوط التي تعد عاصمة إقليم الصعيد، وكلية للبنات في القاهرة كان لها دور تعليمي بين نساء مصر عامة والقاهرة خاصة، وقد كان نشاط المدارس الأمريكية يتركز في عدد من الأهداف: نشر المذهب البروتستانتي بين الأقباط ، حيث كان لنشر المذهب دوافع استعمارية كشف عنها " وليم هل " حيث قال: «إن مصر مستودع للثروات التي لا تعد ولا تحصى». وكان التركيز في تلك الفترة على الطبقة الفقيرة من أقباط مصر ومن خلال تبني أفرادها واحتوائهم وتقديم التعليم المجاني لهم، ثم إيجاد فرص عمل مناسبة ضمن نشاطها، وكان الشرط الأساسي لذلك هو عضوية الشخص للكنيسة الإنجيلية وانتماؤه إليها، والدعوة إلى مذهبها بين أقرانه وذويه وأصدقائه – كما يحدث تماما اليوم - ، وفي نفس الوقت اتخذت الإرسالية من الطبقة الغنية سنداً لها بتقديمهم الدعم المادي والمعنوي لأنشطتها. حتى صارت هذه المدارس تتغلغل في نفسية المصريين الأقباط , وحل الأمان لدى المصريين مسلميناً وأقباطا محل الخوف من الغريب, بعد أن رأوا تقدم أولادهم في العلم والأخلاق والعادات التي دخلت إليهم عن طريق الغرب وتقول المؤرخة " أيريس حبيب المصري " معلقة على رؤية هذه المدارس في عيون المصريين: ".... وبكل هذه الوسائل المثلي تصبح المدرسة الأجنبية في أعين المصريين أشبه بالواحة المثمرة وسط الصحراء القاحلة , وأخذت هذه المدارس الفرنسية والإيطالية الكاثوليكية , والإنجليزية والأمريكية البروتستاتينة تنتشر في أنحاء مصر وخاصة الصعيد ...." ويقول السوري " مصطفى الخالدى " وكأنه يتحدث عما نحياه اليوم: " .....قامت فئة دينية في سوريا أدت إلى تمكين السيادة الغربية هناك " ولما نجحت خطة المرسلين الأمريكان ذهبوا إلى مصر ومعهم مجموعة من السوريين الذين استمالوهم إليهم , فكان هؤلاء السوريين التكأة التي أستند عليها الأمريكيين في عملهم بين المصريين فإنهم اختطوا خطة مماثلة في بلادنا لتلك التي حدثت في سوريا فجعلوا " فارس حكيم " وهو أحد الوافدين السوريين  يثير فتنه كبيرة في أسيوط اتخذتها السلطات في واشنطن ذريعة لتطلب إلى " إسماعيل باشا " تعزيز مركز المبشرين الإنجيليين وأعوانهم داخل مصر وخاصة بين الأقباط , ومن هنا سرى شعور في مختلف الجهات بان المرسلين إنما جاءوا لنشر النفوذ الأجنبي....."  والمدهش أن " إسماعيل باشا " استشعر أن هناك خطة ما لتفريغ أقباط مصر من ملتهم الأرثوذكسية بل ومحو كنيسة الإسكندرية ودورها الديني في العالم المسيحي فمنح الأقباط  بعض الأراضي الزراعية ثم استصدر أمره إلى وزارة المعارف العمومية بإجراء امتحان لتلاميذ المدارس القبطية بعد امتحان تلاميذ المدارس الأميرية  على أن يقام احتفال عظيم يدعى إليه علماء الأزهر والأمراء وكبار القوم يتقدمهم مفتى الديار المصرية نفسه ، وبالرغم من كل تلك الإحتياطات التي احتاط لها " إسماعيل باشا " لحماية الكنيسة المصرية إلا أنه قد تفشى أمر الإرساليات الأجنبية وأضعفت الروح الوطنية في مصر وأصبح دخول أقباط مصر في ملل الإنجيليين والكاثوليك عظيماً ومؤشر خطر وتهديد فاضح لزوال أمر الكنيسة الأرثوذكسية في مصر وضياعها وضياع هيمنتها وهيبتها في العالم المسيحي وهو الأمر الذي أدى إلى أن أصغى أخيرا " عباس باشا " إلى البابا " ديمتريوس " بابا الإسكندرية ليقوم البابا برحله رعوية ليهيب بشعبه أن يتمسك بعقيدته الأرثوذكسية التي تسلمها من ألاباء وقام " إسماعيل باشا " بتهيئة باخرة حكومية عظيمة  ليسافر عليها البابا المرقسى ورجاله , واستقلها البابا وبصحبته اللاهوتي الشهير " الإيغومانس فيلوثيؤوس عوض " خادم الكنيسة المرقصية بالأزبكية وعدداً من ألاباء والشمامسة , وحينما تهادت الباخرة كان البابا ومن معه يتنقلون بين مدن الصعيد وقراها حتى وصلوا إلى آخر حدود مصر الجنوبية, واستغرقت رحلتهم ثلاثة شهور, ونجحوا في خطتهم فاستردوا أبناءهم الأقباط من يد الغرباء الروم والإنجليز والأمريكان ودخلوا ثانية إلى بيت أبيهم السمائى – هكذا كما تقول الوثائق - وقد امتلأت كتب المرسلين الأجانب أنفسهم تصف جهود البابا " ديمتريوس الثانى " التي أدت إلى تجميد نشاط الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية في وادي النيل كله، ولعل من أعظم الأحداث التي لا يذكرها المصريين اليوم مدفوعين بما يفعله الغرب فينا من فتن هي زيارة السلطان " عبد العزيز " لمصر ومنحة السخية للمدارس القبطية حيث أرسل " إسماعيل باشا " دعوة إليه لزيارة مصر وفى هذه الزيارة أنعم عليه بلقب خديوي , وحدث أن دعا الخديوي " إسماعيل " كبار رجال الدولة وأغنياء مصر لتحية الضيف الكبير سلطان ألأستانة وكان التقليد السلطاني يتمثل في أن أي إنسان يمثل بين يدي السلطان عليه أن يقبل هدب ثوبه , وعندما ذهب البابا المرقسى الأنبا " ديمتريوس " إلى السلطان ولما وصل إلى حيث يجلس السلطان " عبد العزيز " قام بتقبيل صدره من ناحية القلب , فأصيب الحاضرون من هذا المسلك الغير متبع في استقبال السلطان بالذهول واعتبره الكثير إهانة للسلطان الذي سأل لماذا فعل البطريرك هذا؟ وكان القمص " سلامة " وكيل البطريركية في صحبة البابا في هذه الزيارة وكان يجيد التحدث باللغة التركية كأنه أحد أبناءها فترجم ما قاله البابا مجيباً على استفهام السلطان فقال : " في كتابنا المقدس آية تقول أن قلب الملك في يد الرب وأنا بتقبيلي صدركم إنما قبلت يد ملك الملوك وسلطان السلاطين " , فسعد السلطان وابتهج وأبتسم سروراً, ولما رأى الخديوي رضا السلطان من هذا التصرف المحب من أحد رعاياه منح الخديوي " إسماعيل " بطريركية الأقباط 1500 فدان من أملاك الحكومة للصرف منها على المدارس القبطية وغيرها من المرافق القبطية وبناء الكنائس هذا بخلاف العطاءات التي كانت يده  تمتد بها إليهم من وقت لآخر، هذه هي مصر التي بحثنا في تاريخها الحديث كله فلم نجد أثراً لأي خط همايوني أو اضطهادا من فئة ضد فئة كما يروج البعض ممن يأكلون على موائد تريد النيل من مصر وشعبها، ولكن لعل السبب جاء بعد ثورة 23 يوليو وكما فسره الدكتور " رفعت السعيد " والذي اطمئن إلى تفسيره هذا كثيراً حيث قال: أرى أنه من أسباب ومسببات الجرح المصري الذي يأبى أن يندمل هو جرح الفتنة الطائفية، وهو الحكم بالإعدام السري لنصوص قانونية سارية وواجبة النفاذ، وكيف أن ذلك قد فتح الباب علي مصراعيه أمام بواعث الفتنة ودعاتها. ولا يقتصر الأمر علي تجاهل القوانين دائما بل يتعداه أيضا إلي التراث القضائي الذي يتضمن أحكاما لو التزمنا بها أو بمنهجها أو بروحها لتلافينا كثيرا من الشطط الذي يعشش في مناخنا الكئيب. ثم يحيطنا دكتور " رفعت السعيد " بقوله: لا يختلف أحد علي أن الدكتور " عبد الرازق السنهوري " هو أستاذ القانونيين المصريين، ولهذا فإننا نعود إليه كي نستند إلي أحد أحكامه عندما كان رئيسا لمجلس الدولة في زمن كان المجلس يلعب فيه إلي حد كبير دورا يشبه دور المحكمة الدستورية. ولنقرأ في نصوص الحكم الصادر في القضية رقم 538 سنة 5 قضائية المقامة من " حنا سليمان جرجس " والذي قال في صحيفة دعواه إنه أقام بناءً خصصه فيما بعد للصلاة مع إخوانه الأقباط الأرثوذكس وأطلق عليه اسم كنيسة " القصاصين "، وصدر قرار إداري بإيقاف الشعائر الدينية بالكنيسة حتى يصدر مرسوم ملكي، ويطلب الشاكي إبطال القرار الإداري المشار إليه، وحول هذه الدعوى أصدر الدكتور " السنهوري " حكماً تاريخياً جاء فيه: «من حيث إن المدعي نعي علي الأمر المطعون فيه فأن وزارة الداخلية لا يدخل في اختصاصها منع الاجتماعات الدينية وتعطيل الشعائر، لمنافاة ذلك للحرية الفردية، ولحرية العقيدة، وحرية العبادة وكل هذه الأمور كفلها الدستور، وليس في القوانين واللوائح ما يمنع حرية الاجتماع لممارسة الطقوس الدينية وشئون العبادة في مكان مملوك للمدعي وأطلق عليه اسم كنيسة " القصاصين "، وتري المحكمة أن الدستور يحمي هذه الحريات ما دامت لا تخل بالنظام العام ولا تنافي الآداب، ومن ثم يكون الأمر بتعطيل الاجتماع الديني قد وقع باطلا مما يتعين معه إلغاء الأمر المطعون فيه». ولأن محامي الحكومة كان قد أسند قرار وزارة الداخلية إلي تنفيذ «الخط الهمايوني»، وبرغم أن مجلس الدولة لم يكن منوطاً به الحكم علي مدي دستورية الالتزام بهذا الخط أطلاقا، إلا أن الدكتور " السنهوري " نبه وبشدة في حكمه «إلي ضرورة ألا يؤدي إعماله إلي حرمان مواطنين من حقهم في إنشاء دور للعبادة، وقال في نص الحكم:«ومن حيث إنه مما يجب مراعاته فوق ذلك أن اشتراط الحصول علي ترخيص لإنشاء دور العبادة، علي نحو ما جاء في الخط الهمايوني لا يجوز أن يتخذ ذريعة لإقامة عقبات لا مبرر لها تحول دون إنشاء هذه الدور مما لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية، إذ إن الترخيص المنصوص عليه في هذا الخط الهمايوني لم يقصد به أطلاقا عرقلة إقامة الشعائر الدينية، بل أريد به أن يراعي في إنشاء دور العبادة الشروط اللازمة التي تكفل أن تكون هذه الدور قائمة في بيئة محترمة تتفق مع وقار وقداسة الشعائر الدينية وطهارتها». بل إن الدكتور " السنهوري " يطالب في الحكم بإصدار تشريع «يحدد الإجراءات اللازم مراعاتها في إنشاء دور العبادة، والشروط الواجب توافرها حتى إذا ما استوفيت هذه الشروط وروعيت هذه الإجراءات تعين صدور الترخيص في مدة يعينها التشريع، فإذا لم يصدر في هذه المدة كان الطالب في حل من إقامة دور العبادة التي طلب الترخيص لإنشائها». ثم يقرر في حسم « ولذلك حكمت المحكمة بإلغاء الأمر الإداري الصادر من وزارة الداخلية بوقف الاجتماعات الدينية التي تقام بالمكان الذي خصصه لها المدعي بناحية " القصاصين"، وألزمت الحكومة بالمصروفات». ثم ينهي حديثة بالقول: ولعل من حقنا ومن واجبنا أن نستدعي الضمير المصري كي يستعيد الأحكام السابقة ويستعيد معها نصوص الدستور ونصوص القانون ويتخذ قرارات وإجراءات ومواقف تلتزم بها...." إن ما نراه في ظاهر الأمر اليوم من فتنة طائفية هو باطن غير معلن يساهم في تأجج نيرانه طابور خامس ربما يحملون الجنسية المصرية لكن ليس لهم أي انتماء لمصر بالحد الأدنى الذي يدفعهم للدفاع عن ضياع الدين ممثلاً في ضياع الأزهر وكنيسة الإسكندرية التي تهيمن على قلوب كثير من ملايين المؤمنين بها في أصقاع العالم المسيحي ويتجهون بأفئدتهم أليها وإلى مصر، وفي ظل هذه الفوضى كان حرياً بالأقباط أن يعتبروا عصر  محمد علي وأبنائه (1805-1952) هو العصر الذهبي لهم ، لان هذا العهد هو الذي فطن لقوة الكنيسة المصرية وهيمنتها على ملايين كثيرة في العالم مما يعد مصدر قوة لمصر في العالم المسيحي تعادل قوة الأزهر تماماً في العالم الإسلامي وهو العهد الذي انتهى في نظرهم بقيام ثورة يوليو واعتلاء جمال عبد الناصر السلطة حيث يرى المؤرخون الأقباط أن إجراءات التأميم التي قام بها عبد الناصر في يوليو 60/1961 كادت تقضي على نسبة وعدد كبير من الأعمال والصناعات والوظائف المهنية والفنية التي كان يتواجد بها الأقباط  بنسب عالية كقطاع النقل والصناعة والبنوك ليعين بدلاً من  المديرين الأقباط مديرين مسلمين، ضارباً عرض الحائط نص القانون والدستور خاصة دستور 1923 الوفدي الذي كفل  الحرية للمصريين جميعا والمساواة في الحقوق بصرف النظر عن الدين والجنس واللغة بالإضافة إلى حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية الأمر الذي كان من شأنه أن ينتخب " ويصا واصف " رئيسا لمجلس النواب (البرلمان) وكذلك قيام حكومة الوفد حينئذ بإدخال تعليم الديانة المسيحية في المدارس ليقوم بتدريسها المدرسون الأقباط في كل مدرسة وليضاف هذا المنهج أيضا في مدارس المعلمين العليا حتى أصبح في عام 1949 من بين مواد الدراسة الرئيسة وذلك للمساواة بين التلاميذ المسلمين والمسيحيين في تعلم الدين وكلها امور قامت ثورة يوليو بعد ذلك بإلغائها تماماً. ويضيف المؤرخون الأقباط أن انتزاع والاستيلاء على الأراضي الزراعية بعد ثورة يوليو بموجب قانون الإصلاح الزراعي كانت خسارة الأقباط  فيها بنسبة 75% هذا ويلاحظ أنه عند توزيع هذه الأراضي على الفقراء الفلاحين لم يتم توزيعها إلا على الفلاحين المسلمين فقط، إذن فالأمر لا يتعلق بدستور أو قانون ولكن يتعلق الأمر بسقطة تاريخية لابد من تصحيحها فوراً للحفاظ على الكنيسة المصرية التي هي مصدر قوة دينية وسياسية مؤثرة لمصر في جميع أنحاء العالم المسيحي كقوة الأزهر الدينية والسياسية المؤثرة في كل أنحاء العالم الإسلامي لكون  أغلب علماء الدين الإسلامي ومشايخ الفتوى الإسلاميين في غالب أنحاء العالم هم من أبناء الأزهر وغالبية القساوسة والآباء الأرثوذكس في العالم هم أيضاً من أبناء الكنيسة المصرية أو تلاميذها وهو ما يجعل مصر ذات ثقل في غاية القوة لكونها تمتلك رعايا لها من المسلمين والمسيحيين يعدوا بالملايين في أرجاء العالم ليسوا من المصريين أصلا ولكنهم ينتمون للمدارس الدينية المصرية سواء كانت الإسلامية أو المسيحية وهو ما يضاعف حجم التعاطف والانتماء لمصر لكونها قبلتهم الفقهية جميعاً. علينا أن نبذل كل جهد لكي لا تضيع الكنيسة كما ضاعت السودان وأن ندرك أن كل ما يحدث حولنا في مصر اليوم هو سبيل استعماري قديم جداً ليس للمصريين دخل فيه أطلاقا وغايته إضاعة الكنيسة والأزهر معاً وتفريغ مصر من قوتها وهيمنتها الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية بحيث أصبحنا اليوم نسمع ونرى من يكفرون شيخ الأزهر ومشايخنا الأجلاء الذين عرف عنهم الاعتدال منذ العصور الأولى للإسلام وكذلك تكفير بابا الأقباط وقساوسة الكنيسة المصرية وهم المشهورون بأفكار السلام والمحبة والاعتدال بين كل الطوائف المسيحية في العالم كله، إن ما يحدث اليوم ونراه ونسمعه ونعيشه هو تماماً ما أسمته الولايات المتحدة بالفوضى الخلاقة التي وإن حدثت بالفعل ونحن في غيبوبة عنها لن يرحمنا بعد حدوثها أحد حتى الله نفسه ولن يتبقى لنا بعدها ولو دقائق نبكي فيها على اللبن المسكوب.