الجمعة، 22 يونيو 2007

راسك يا وطن

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
تعجبني بعض كلمات الشاعر المصري فاروق جويدة حين قال: زواج عصر القهر بالشرفاء باطل ... والفجر يهرب كلما لاحت على الأفق السلاسل... والقهر حين يطيش في زمن الخطايا... لن يفرق بين مقتول وقاتل.
«هل سينهار الوطن؟ هل ستضيع ملامحة بسبب مايعترية من فساد؟ أم أنه صار وطناً يترجم كل ما جاء به  تشارلز ديكنز حين وصف حال انهيار فرنسا في روايته الشهيرة قصة مدينتين إذ يقول في مطلع روايته موضحاً سبب سقوط فرنسا " كنا في عصر الحكمة وعصر الجهالة، عصر اليقين والإيمان، عصر الحيرة والشكوك، بين أيدينا كل شيء وليس بأيدينا شيء على الإطلاق. 
إن طبقة الجياع - عند " ديكنز " -  كانت وقتها تمثل أكثر من 45% من حجم الشعب أما طبقة حكام السلطة وسلاطين رأس المال فهي لا تشكل سوى نسبة النصف في المائة بينما الطبقة الوسطي المثقفة صارت كمن رقصت على السلالم، فهي منقسمة على نفسها مابين صراعها ضد السقوط  في طبقة الفقراء مرة أخرى وبين صراعها في أن تكون على حدود تماس مع الطبقة الحاكمة وسلاطين المال والأعمال، حتى انهارت في صراعاتها ثقافة المجتمع وقيمه وقيمته ليصبح مجتمعاً لا تحكمه إلا " البلطجة " ، ومن ثم وبسبب هذا الصراع الذي يحدث فراغاً اجتماعياً عظيماً وضعفاً قاتلاً في الإنتماء الوطني تطغى طبقة الجياع بثقافتها في انذار واضح بانهيار المجتمع وسقوطه وظهور عصر الفوضى التي يبرز فيه " ديكنز " أهمية التضحية تحت تأثير غليان الجوع والبطالة والحقد الطبقي، حيث يضحي الثوار من عامة الشعب في روايته - الذين يستشعرون الظلم والتجاهل والاضطهاد والجباية- بكل ما يرونه غال وثمين في سبيل الحرية التي يدركون صعوبتها إذ أصبحوا لا يملكون شيئاً أمام حكام ونبلاء انفصلوا بالكلية عن الشعب ويملكون كل شئ، والثمن الضخم - في رواية ديكنز- والذي يرى ضرورة ان يدفعه هؤلاء الثوار - أي ثوار- من أجل تحقيق ثورتهم سيكون حتماً من دماء الثوار انفسهم وهو ماأظهره بالتفصيل حتى صار وصفه لمشاهد القتل والتصفيات الجسدية والإغتيالات بل وانتحار بعض رجالات القصر من اقسى التراجيديات التي صاغها اديب منذ ميلاد ديكنز نفسه عام 1812 في مدينة بورتسماوث البريطانية، أو ربما منذ اندلاع الثورة الفرنسية ذاتها في قصته عام 1789 وحتى يومنا هذا إذ كان الخراب عاماً والقتل شريعة والحقد وسيلة لكسب العيش والوطن لاتحكمه إلا الفوضى. 
و" ديكنز" يرى أن الثورة تميل حتماً إلى القمع والعنف، ورغم دعمه للقضية الشعبية التي استوجبت الثورة إلا أنه يشير إلى ما ارتكبه الثوار من شرور، فهو من جهة يدين قمع الفلاحين وعامة الشعب والفقراء الذي كان يحدث، ومن جهة أخرى يدين طريقتهم في الثورة والقضاء علي هذا القمع وهذا الاستعباد الذي نالهم، وكذلك أدانته محاربة العنف بالعنف والقهر بالقهر، حيث يتحول كل من كان يعاني الاضطهاد بالأمس إلى أن يضطهد الآخرين بنفسه اليوم وبمنتهى اللذة وبنفس مطمئنة! إذ كان الثوار يهاجمون قصور النبلاء والنبيلات ويعيثون فيها اعمال الحرق والهدم والنهب والقتل والابادة .. بل وكانوا يهاجمون السجون التي وضع بها افراد طبقة النبلاء وخطفهم للإطاحة برؤسهم وقتلهم بشكل جماعي تحت نصل المقصلة رجالاً ونساءً وأطفالا حتى سالت الدماء انهارا فى كل مكان تحت شعار.. الحرية .. الإخاء . 
إن قصة مدينتين ببساطة هي ثورة الجياع في كل زمان ومكان، ثورة  ضد كل من يسلب الشعوب حق أن تعيش بكرامة ولو بالحدود الدنيا من الإنسانية، وهي قصة درامية مكررة، كررها التاريخ في غير موضع منذ ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس مرورا بالثورة الفرنسية التي صاغها ديكنز في قصة مدينتين وربما انتهاءً بالحركات الراديكالية التي تمتلئ بها شوارع وطننا اليوم - وأضحت كثيرة جداً- تهدد أمان الوطن واستقراره وتنتمي جميعها لدافع مشترك وهو الجوع واليأس والبطالة وهدفها واحد هو سقوط العروش التي تعتلي كراسي الحكم بالوطن. 
نحن لسنا أربابا حتى نرى ما سيكشف عنه مستقبل هذا الوطن، بل ربما نكون مجرد رواه عجزة لما يحدث داخله ونعيشه، وتعجبني بعض كلمات الشاعر المصري فاروق جويدة حين قال: زواج عصر القهر بالشرفاء باطل ...  والفجر يهرب كلما لاحت على الأفق السلاسل...  والقهر حين يطيش في زمن الخطايا...  لن يفرق بين مقتول وقاتل.

راسك يا وطن

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
تعجبني بعض كلمات الشاعر المصري فاروق جويدة حين قال: زواج عصر القهر بالشرفاء باطل ... والفجر يهرب كلما لاحت على الأفق السلاسل... والقهر حين يطيش في زمن الخطايا... لن يفرق بين مقتول وقاتل.
«هل سينهار الوطن؟ هل ستضيع ملامحة بسبب مايعترية من فساد؟ أم أنه صار وطناً يترجم كل ما جاء به  تشارلز ديكنز حين وصف حال انهيار فرنسا في روايته الشهيرة قصة مدينتين إذ يقول في مطلع روايته موضحاً سبب سقوط فرنسا " كنا في عصر الحكمة وعصر الجهالة، عصر اليقين والإيمان، عصر الحيرة والشكوك، بين أيدينا كل شيء وليس بأيدينا شيء على الإطلاق. 
إن طبقة الجياع - عند " ديكنز " -  كانت وقتها تمثل أكثر من 45% من حجم الشعب أما طبقة حكام السلطة وسلاطين رأس المال فهي لا تشكل سوى نسبة النصف في المائة بينما الطبقة الوسطي المثقفة صارت كمن رقصت على السلالم، فهي منقسمة على نفسها مابين صراعها ضد السقوط  في طبقة الفقراء مرة أخرى وبين صراعها في أن تكون على حدود تماس مع الطبقة الحاكمة وسلاطين المال والأعمال، حتى انهارت في صراعاتها ثقافة المجتمع وقيمه وقيمته ليصبح مجتمعاً لا تحكمه إلا " البلطجة " ، ومن ثم وبسبب هذا الصراع الذي يحدث فراغاً اجتماعياً عظيماً وضعفاً قاتلاً في الإنتماء الوطني تطغى طبقة الجياع بثقافتها في انذار واضح بانهيار المجتمع وسقوطه وظهور عصر الفوضى التي يبرز فيه " ديكنز " أهمية التضحية تحت تأثير غليان الجوع والبطالة والحقد الطبقي، حيث يضحي الثوار من عامة الشعب في روايته - الذين يستشعرون الظلم والتجاهل والاضطهاد والجباية- بكل ما يرونه غال وثمين في سبيل الحرية التي يدركون صعوبتها إذ أصبحوا لا يملكون شيئاً أمام حكام ونبلاء انفصلوا بالكلية عن الشعب ويملكون كل شئ، والثمن الضخم - في رواية ديكنز- والذي يرى ضرورة ان يدفعه هؤلاء الثوار - أي ثوار- من أجل تحقيق ثورتهم سيكون حتماً من دماء الثوار انفسهم وهو ماأظهره بالتفصيل حتى صار وصفه لمشاهد القتل والتصفيات الجسدية والإغتيالات بل وانتحار بعض رجالات القصر من اقسى التراجيديات التي صاغها اديب منذ ميلاد ديكنز نفسه عام 1812 في مدينة بورتسماوث البريطانية، أو ربما منذ اندلاع الثورة الفرنسية ذاتها في قصته عام 1789 وحتى يومنا هذا إذ كان الخراب عاماً والقتل شريعة والحقد وسيلة لكسب العيش والوطن لاتحكمه إلا الفوضى. 
و" ديكنز" يرى أن الثورة تميل حتماً إلى القمع والعنف، ورغم دعمه للقضية الشعبية التي استوجبت الثورة إلا أنه يشير إلى ما ارتكبه الثوار من شرور، فهو من جهة يدين قمع الفلاحين وعامة الشعب والفقراء الذي كان يحدث، ومن جهة أخرى يدين طريقتهم في الثورة والقضاء علي هذا القمع وهذا الاستعباد الذي نالهم، وكذلك أدانته محاربة العنف بالعنف والقهر بالقهر، حيث يتحول كل من كان يعاني الاضطهاد بالأمس إلى أن يضطهد الآخرين بنفسه اليوم وبمنتهى اللذة وبنفس مطمئنة! إذ كان الثوار يهاجمون قصور النبلاء والنبيلات ويعيثون فيها اعمال الحرق والهدم والنهب والقتل والابادة .. بل وكانوا يهاجمون السجون التي وضع بها افراد طبقة النبلاء وخطفهم للإطاحة برؤسهم وقتلهم بشكل جماعي تحت نصل المقصلة رجالاً ونساءً وأطفالا حتى سالت الدماء انهارا فى كل مكان تحت شعار.. الحرية .. الإخاء . 
إن قصة مدينتين ببساطة هي ثورة الجياع في كل زمان ومكان، ثورة  ضد كل من يسلب الشعوب حق أن تعيش بكرامة ولو بالحدود الدنيا من الإنسانية، وهي قصة درامية مكررة، كررها التاريخ في غير موضع منذ ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس مرورا بالثورة الفرنسية التي صاغها ديكنز في قصة مدينتين وربما انتهاءً بالحركات الراديكالية التي تمتلئ بها شوارع وطننا اليوم - وأضحت كثيرة جداً- تهدد أمان الوطن واستقراره وتنتمي جميعها لدافع مشترك وهو الجوع واليأس والبطالة وهدفها واحد هو سقوط العروش التي تعتلي كراسي الحكم بالوطن. 
نحن لسنا أربابا حتى نرى ما سيكشف عنه مستقبل هذا الوطن، بل ربما نكون مجرد رواه عجزة لما يحدث داخله ونعيشه، وتعجبني بعض كلمات الشاعر المصري فاروق جويدة حين قال: زواج عصر القهر بالشرفاء باطل ...  والفجر يهرب كلما لاحت على الأفق السلاسل...  والقهر حين يطيش في زمن الخطايا...  لن يفرق بين مقتول وقاتل.