الأحد، 15 مايو 2011

اسطفان باسيلي .. فارس مصري لايعرفه أحد

بقلم: محيي الدين إبراهيم
يقول محمود سليمان باشا غنام: عندما عهد الملك فاروق إلى النحاس باشا تأليف الوزارة في 13 يناير 1950 كان أول ما فعلته الحكومة هو الغاء الأحكام العرفية، وكذلك الغاء الرقابة على الصحف، وشهدت البلاد حرية لم تشهدها في تاريخها، ومن ثم بدأت البلاد تندد بالفعل على صفحات الجرائد الحرة بتصرفات الملك والسراي.

اسطفان باسيلي .. من منا يعرفه؟ .. لا أحد .. حتى الكثير ممن عاصروه – ومازال منهم من هو على قيد الحياة - لا يعرفوه !!.. ولماذا لا نعرفه؟ .. لأننا شعب كل شيء فيه يُنسى بعد حين، ومن ثم نردد: ما أتعس أن نحيا في وطن يفقد الذاكرة عن عمد.
لن اتحدث عن شخصية هذا المجاهد المصري بشكل شامل، فالمجاهدين الشرفاء ليسوا بحاجة لمن يتحدث عنهم، وعساهم فقط أنهم قدموا لأوطانهم أغلى ما يمتلكوه، قدموا النضال والشرف الانساني والأرواح التي كانوا يضعونها دوماً على أكفهم، ولكني سأضع بعض ملامح ليتعرف القارئ عمن نتحدث، أضع ملامح رمزٍ من رموز الكفاح الوطني في مصر أمام أعين هؤلاء المحسوبين على أقباط مصر ممن يتظاهرون اليوم امام السفارات الأمريكية حول العالم كي تحتل أميركا مصر دفاعاً عن الأقليات وحيث بفعلتهم تلك يبولون علينا جميعا وعلى رأس مصر نفسها بجوار شاهد قبر هذا المجاهد النبيل!.
اسطفان بك باسيلي من مواليد عام 1900 عضو مجلس النواب في الخمسينات وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد ووكيل نقابة المحامين وعضو ومؤسس اتحاد المحامين العرب عام ١٩٤٩، وهو ابن شقيقة المحامي والسياسي الكبير مرقص باشا فهمي الذي تعلم على يديه مهنة المحاماة بعد تخرجه من الحقوق وتوفى باسيلي عام ١٩٩٠ ومن اشهر ابنائه المرحوم المستشار انطون اسطفان باسيلي رئيس محكمة استئناف بني سويف واشهر احفاده المرحوم الدكتور اشرف انطون اسطفان باسيلي استشاري جراحة العظام بلندن والذي توفى في اواخر مارس 2011، هذه لمحة صغيرة عن شخص هذا الرجل الذي كان ابن من ابناء الفلاحين المصريين وأحد أعيان مصر الذين شاركوا في الدفاع عنها ضد الإنجليز في القنال بعد الحرب العالمية الثانية بعد الغاء معاهدة 36 وكان وقتها عضوا في البرلمان تحت راية الوفد، ولن اتحدث عن كفاحه ضد الانجليز، ولكني سأقص حكاية هامة من حكايا الوطن ومن اهم قضايا الوطن شارك فيها اسطفان بك باسيلي لحماية الحرية والديموقراطية والدستور في مصر حينئذ وربما لولا مشاركته تلك ( كلاعب رئيس ) لوقعت مصر في براثن الرجعية والتخلف وهو مالم يكن يؤمن به الشرفاء من مجاهدي مصر الاحرار وقتذاك، وهذه الحكاية يتناقلها المؤرخين من الناحية السلبية، ويدرجونها كونها من سلبيات هذا المناضل الشريف، ولا يبحثوا في الدوافع التي من المؤكد تحول السالب إلى موجب، أعود وأقول أنه شارك في سيناريو ضد وأد الحرية وعلى خلاف ذلك اعتبره بعض هواة التاريخ عكس ذلك، اعتبروه سيناريو لوأد الحرية لجهلهم وعدم تتبع الجذور، وقد قام باسيلي بتحريك هذا السيناريو رغم علمه ويقينه أن تحريكه هذا ربما ينال من سمعته ومن تاريخه الوطني، ولكن هي مصر دائما بأبنائها الشرفاء التي تتضاءل أمامهم وامام الدفاع عنها ومحبتها كل ما يعنيهم من غال امتلكوه في هذه الحياة حتى ولو كان هذا الغالي هو ابنائهم، لقد كان باسيلي من هذا الطراز الوطني الشريف، يؤمن بأن مصر أو لاشئ.
يقول بعض المؤرخين ( دون تتبع منهم للأصل والجذر والدافع ) أن اسطفان بك باسيلي قدم للبرلمان سنه1951 ثلاثة مشروعات قوانين تسمح للسراي والحكومة بمعاقبة الصحف بالإلغاء والتعطيل الإداري وتسريع إجراءات محاكمة الصحفيين وكذلك تشديد أقصى العقوبات لكل من يقوم بالنشر بدون مستند رسمي ولكن الصحفيون - وعلى رأسهم رئيس تحرير جريدة المصري احمد بك أبو الفتح - اعتبروا هذه المشروعات تقييد لحرية الصحافة وعودة بمصر لعصور الرجعية والتخلف، وحيث وقف حينها أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ كالجدار الناري يعارضون تلك القوانين حتى لو أدى الأمر لإسقاط حكومة الوفد نفسها رغم انهم كانوا وفديين!!، وهوجم وقتها باسيلي هجوما عنيفاً ولم يدافع الرجل عن نفسه اطلاقاً !!، واعتبر المؤرخون أن تلك المشروعات المهينة كانت احدى سلبيات باسيلي وكادت تودي بتاريخه الوطني كله، ولولا معرفة المصريين بهذا التاريخ ونزاهة هذا الرجل ونضاله لضاع باسيلي للأبد، لكن لأن الشرفاء لا يموتون، فقد تم الإفصاح عن سر هذا السيناريو وتم انصاف هذا الرجل في حياته في اواسط سبعينيات القرن الماضي عام 1976م رغم أنه لا يحتاج لإنصاف لكون تاريخه يشهد له، وكانت جلسة الانصاف تلك غير مقصودة وربما الذي قصدها هنا هو قدر الله نفسه لإزاحة الستار عن تلك الجذور التي تلقي الضوء على عظمة المصرين المجاهدين في صمت والذين أبدا ما دفعوا بأنفسهم إلى دولة عظمى سواء انجلترا أو فرنسا أو ألمانيا أو أميركا وقتئذ وتظاهروا أمام سفارتها بالقاهرة لاحتلال مصر تحت اي ذريعة حتى ولو كانت حماية الأقليات وفضلوا الموت على أن يوصموا بالخيانة وبيع الأوطان، وحيث لا تبرير ابداً للخيانة وبيع الوطن، أقول: كانت تضم جلسة الإنصاف هذه عام 1976م صانعوا السيناريو الأصليين أنفسهم وهم محمود سليمان باشا غنام سكرتير حزب الوفد المساعد قبل الثورة واسطفان بك باسيلي وكان يحضرها مستمعاً المناضل الكبير ابراهيم بك طلعت عضو الهيئة الوفدية والمناضل الكبير احمد بك شوقي المحامي ومجموعة من عمالقة حزب الوفد الكبار الذين كانوا فاغري أفواههم مما يسمعوه لأول مرة حيث كان سراً لأكثر من ربع قرن ( 1951 – 1976 )، وسوف انقلها من وحي رواية ابراهيم بك طلعت المحامي.
فما هي الحكاية وما هو السر؟ .. يقول الثائر الوطني ابراهيم طلعت المحامي ( أكرر انني انقل هنا من وحي حديث ابراهيم طلعت وليس نقلاً حرفياً ): كنت من ألد أعداء تلك التشريعات الثلاثة المشئومة التي تقيد الحريات والتي قدمها اسطفان بك باسيلي للبرلمان، وكنت أنا واحمد أبو الفتح، نجلس في حديقة جريدة المصري يوميا ونتحدث عن مقالاتنا النارية التي سنهاجم بها المشروعات على صفحات الجريدة، وبحكم صداقتي بإسطفان باسيلي، سألته أكثر من مرة عمن وراء تلك المشروعات؟ فكان يلوذ بالصمت!، أصرخ في وجهه أنه لا يمكن أن يدفعنا لتصديق أن كريم ثابت مستشار الملك فاروق استطاع بخبثه أن يضحك على باسيلي وأن يمرر من خلاله تلك المشروعات العار للبرلمان؟ لكن دون جدوى، كان باسيلي لا يجيب!، كنت استشعر أن وراء الأمر لغزاً عظيماً، لكن لا أنا ولا مصطفى النحاس باشا ولا حتى فؤاد باشا سراج الدين ولا مخلوق كان يدري عنها شيئا حتى اعتقدنا بالفعل انها سقطة باسيلي التي سيغفرها له تاريخ نضاله وكفاحه الوطني وأن لكل جواد كبوة، لكن اللغز استمر عالقاً في رأسي دوماً، وتمر الأيام والسنين وبعد اكثر من ربع قرن ما زلت ألتقي بإسطفان باسيلي ومازلت اذكره بفعلته القديمة واطلب منه أن يفصح لي عن الدافع وراء تقديمه للمشروعات المشئومة للبرلمان سنة 1951 وفي لقاءنا في صيف 1976م وبعد الحاح يقول لي: اسأل غنام باشا، وقلت ولكن ما شأن غنام باشا؟ فقال: اسأل غنام باشا يا ابراهيم يا طلعت، وأدركت وقتها أنه طيلة أكثر من ربع قرن كان ظني في محله وأنه بالفعل وراء الأمر لغزاً، ذلك اللغز الذي فك عنه لثام السر ولثام الزمن محمود سليمان باشا غنام، سر اختزنه باسيلي في جوفه عمراً كاملاً ولم يفصح عنه رغم كل ما كابده من ألم كاد يطيح بتاريخه الوطني كله، فماهو ذلك السر؟.
يقول محمود سليمان باشا غنام: عندما عهد الملك فاروق إلى النحاس باشا تأليف الوزارة في 13 يناير 1950 كان أول ما فعلته الحكومة هو الغاء الأحكام العرفية، وكذلك الغاء الرقابة على الصحف، وشهدت البلاد حرية لم تشهدها في تاريخها، وفي هذه الأثناء كانت البلاد تضيق بتصرفات الملك وفضائح اسرته، وبدأت البلاد تندد بالفعل على صفحات الجرائد الحرة بتصرفات الملك والسراي، وقد كان من اهم تلك الصحف، اللواء الجديد، لسان حال الحزب الوطني الجديد، وجريدة الاشتراكية، التي كان يصدرها احمد حسين رئيس الحزب الاشتراكي، وجريدة الجمهور المصري التي كان يصدرها ابو الخير نجيب، وكان هجوم هذه الصحف من الشدة بحيث أفقدت الملك فاروق صوابه، ولم تكن حكومة الوفد تتخذ اي اجراء تجاه تلك الصحف، وذات يوم بعد أن فاض الكيل بالملك استدعى النحاس باشا للقصر وعرض عليه الصحف والمجلات التي تهاجمه، وأخذ النحاس باشا يقرأها في دهشة مصطنعة، ثم وعد الملك باتخاذ اجراء صارم، فتهلل وجه فاروق وقال له: ماذا ستفعل؟ فقال النحاس باشا: سأبلغ النيابة!، وهنا صاح الملك فاروق في وجه النحاس باشا: تبلغ النيابة؟ أمال السجون فين؟ فأجابه النحاس: يا مولاي .. لا أستطيع ادخال احد السجن كده بدون اجراءات .. لابد من امر النيابة والقضاء، وهنا راح الملك فاروق يمشي في عصبية وهو يردد: النيابة!! .. جميل خالص .. النيابة قال!!.
ويقول المجاهد الكبير ابراهيم طلعت أن الحوار السابق بين الملك والنحاس باشا استمع إليه منقولاً على لسان عبد الفتاح باشا الطويل وزير العدل في حكومة الوفد الذي نقله بدوره عن النحاس باشا شخصياً.
ولما وجد الملك فاروق أن النحاس باشا لن يفعل شيئاً قرر استدعاء مستشاره الصحفي كريم ثابت ربما يدله على مشوره تنقذه من الصحافة والصحفيين.
أقترح كريم ثابت مشروع بتعديل قانون العقوبات تعديلا من شأنه فرض الرقابة على انباء القصر وكذلك تعديل الدستور بحيث لا تستطيع الصحافة القذف في عرض أو سمعة الافراد والعائلات، وأكد كريم ثابت على الملك أن النحاس باشا رجل يتمسك بقواعد الأخلاق ولن يرضيه الطعن في أعراض الناس، ومن ثم سيرحب بتقديم هذا المشروع، وبما للنحاس باشا من سلطة ابوية على اعضاء المجلسين – البرلمان والشورى -، فسيوافق الأعضاء على الفور على اصدار هذه التشريعات، وهنا ارتاح الملك واطمأن، وعهد لكريم ثابت بتنفيذ تلك المشورة فوراً.
ويقفز القدر ليقرر ما يجب أن يكون رغما عن الحاكم والمحكوم، حيث يرسل كريم ثابت للسكرتارية مسودة قوانين ثلاثة من شأنها ذبح الحرية لطباعتها على الآلة الكاتبة، تمهيداً لتسليمها للنحاس باشا، وهنا يظهر على سطح السيناريو أحد السعاة ( الفراشين ) الذين عهدت إليهم السكرتارية بنقل مسودة القوانين الثلاثة، وتشاء الصدف أن يكون ذلك الساعي أحد أنصار غنام باشا، فيلتقط صورة من القوانين ويذهب بها إلى منزل غنام باشا ويسلمها له، ويقرأها غنام باشا وينزعج من هول الكارثة، الملك فاروق يريد الرجوع بمصر للوراء، الملك يريد تكميم مصر.
ويسترسل محمود سليمان باشا غنام: كان لابد من البحث عن رجل فدائي يسبق الملك في تقديم نفس القوانين للبرلمان والشورى، ويكون من القوة والبأس والوطنية ما يجعله يتحمل مواجهة المعارضة والنواب، ويتحمل اي اتهام حتى لو وصلت حدود الاتهام للعمالة لحساب الملك والسراي، كل ذلك دون أن ينبت بكلمة لأي مخلوق مهما كان حتى ولو كانت زوجته، وهداني تفكيري بل قل انها منحة الله في ان ذلك الفدائي الذي يجب أن يكون نائبا في احد المجلسين، هو اسطفان باسيلي، المجاهد الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجه العاصفة، ويؤدي دوره الوطني دون أي تقصير.
يصرخ اسطفان باسيلي في وجه غنام باشا: يا نهار اسود .. ايه ده ياباشا .. معاليك متأكد إن صحتك كويسة، فيرد غنام باشا: يا باسيلي يا خويا انا صحتي زي الرصاص، فيصرخ اسطفان: تقوم تضربني انا بالرصاص ياباشا!!.. اشمعنى أنا ياباشا .. كدة الوفديين هيقتلوني .. حرام عليك .. أنا عملت فيك حاجة؟.
ويشرح غنام باشا لباسيلي السر بهدوء اعصاب: شوف يا صديقي العزيز .. المقصود انك تقدم المشاريع دي قبل الملك فاروق ودلوقتي، ولما تقدمها هيثور اعضاء البرلمان والشورى معارضة ووفديين، ويهاجموك ويتهموك ويهاجموا الدنيا كلها، والصحافة تكتب عن المشاريع السودا دي وعن كبت الحريات والدنيا تنقلب، وهنا نبقى قدمنا كارت ارهاب للملك ولا يمكن يجرؤ بعدها في العدوان على الحريات العامة أو حرية الصحافة.
ويمتثل اسطفان باسيلي لغنام باشا، فقد هبط عليه غنام هبوط القضاء والقدر، ويقول اسطفان وهو يتصنع المرح وحيث كان مشهورا بالدعابة وخفة الروح ومن أكثر السياسيين مرحا في مصر كلها: حاضر يا باشا، بس وحياة والدك وصيتك العيال.
ويتقدم اسطفان باسيلي بالمشاريع للبرلمان والشورى على وجه الاستعجال، وقامت حملة ضارية عنيفة ضد المشاريع وضد باسيلي وضد من أوحى بها لباسيلي واتهمته الصحف وعلى رأسها المصري بالعمل لحساب السراي، ثم سارت الإشاعات بسب أن الناس لا تصدق أمام تاريخ باسيلي ونضاله ما حدث، فأخذت تهمس فيما بينها أن باسيلي ربما يكون ضحية مؤامرة، وهو ربما يكون مجرد مخلب قط لبعض زعماء الوفد الذين يريدون ممالأة الملك لبقاء الوفد في الحكم ولم ينجو حتى فؤاد باشا سراج الدين من هذا الاتهام رغم ثقة كل الوفدين فيه، الموضوع بكل المقاييس كان فضيحه، تماماً كما تخيله غنام باشا واسطفان بك، فضيحة أقامت الدنيا ولم تقعدها، لدرجة أنه اشيع أن الذي قدم المشروع هو اسطفان باسيلي بالاشتراك مع عبد الفتاح باشا الطويل وزير العدل، وظن الناس وقتها أن رفعة النحاس باشا كان على علم مسبق بها وانه يوافق عليها من ناحية المبدأ، وهو ما دفع الدكتور عبد العزيز فهمي بك المحامي لأن يخطب في اجتماع الهيئة البرلمانية بالنادي السعدي: لا يا رفعة النحاس باشا .. نحن لسنا معك في هذا إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كل ذلك وأكثر سيل المصائب كان ينهال على رأس اسطفان باسيلي وحده، وما يتبقى من سيل تلك المصائب كان من نصيب من يقع عليه دور الشائعة في الاشتراك مع باسيلي في تقديم تلك المشاريع، ولما كان باسيلي قد قبل العملية الفدائية، وقد أتت اكلها بالفعل ولم يجرؤ الملك بعدها على التقدم بمشاريعه للبرلمان، كان لسان حاله يقول: واللهي حتى لو وصل الهجوم لقتلي ما كنت افرط ابداً فيما قمت به لصالح الوطن، ولو كنت تفوهت وقتها بأن المسألة كلها كانت مناورة بيني وبين غنام باشا للضغط على السراي لربما كانت دفعت الملك أن يتجرأ على حريات مصر العامة كلها وفرض الأحكام العرفية من جديد، نظر غنام باشا لصديقة القديم وقال: انت عارف يا باسيلي ان النحاس باشا مات وما يعرفش الحكاية دي لا هو ولا الملك .. احنا كنا رجالة بحق وحقيق ، ويغرقان في الضحك، بينما الحضور جميعا في دهشة من أمرهم لسماع ذلك السر لأول مرة بعد حدوثة منذ اكثر من ربع قرن.
هكذا كان، وهكذا كانوا، رحم الله الشرفاء، ورحم الله مصر وأمتنا العربية، والأبرار الشباب الذين سقطوا ضحايا الثورات ضد طغاة الوطن سواء كان هؤلاء الطغاة ممن ينتسبوا للوطن أو كانوا من أعدائه.

اسطفان باسيلي .. فارس مصري لايعرفه أحد

بقلم: محيي الدين إبراهيم
يقول محمود سليمان باشا غنام: عندما عهد الملك فاروق إلى النحاس باشا تأليف الوزارة في 13 يناير 1950 كان أول ما فعلته الحكومة هو الغاء الأحكام العرفية، وكذلك الغاء الرقابة على الصحف، وشهدت البلاد حرية لم تشهدها في تاريخها، ومن ثم بدأت البلاد تندد بالفعل على صفحات الجرائد الحرة بتصرفات الملك والسراي.

اسطفان باسيلي .. من منا يعرفه؟ .. لا أحد .. حتى الكثير ممن عاصروه – ومازال منهم من هو على قيد الحياة - لا يعرفوه !!.. ولماذا لا نعرفه؟ .. لأننا شعب كل شيء فيه يُنسى بعد حين، ومن ثم نردد: ما أتعس أن نحيا في وطن يفقد الذاكرة عن عمد.
لن اتحدث عن شخصية هذا المجاهد المصري بشكل شامل، فالمجاهدين الشرفاء ليسوا بحاجة لمن يتحدث عنهم، وعساهم فقط أنهم قدموا لأوطانهم أغلى ما يمتلكوه، قدموا النضال والشرف الانساني والأرواح التي كانوا يضعونها دوماً على أكفهم، ولكني سأضع بعض ملامح ليتعرف القارئ عمن نتحدث، أضع ملامح رمزٍ من رموز الكفاح الوطني في مصر أمام أعين هؤلاء المحسوبين على أقباط مصر ممن يتظاهرون اليوم امام السفارات الأمريكية حول العالم كي تحتل أميركا مصر دفاعاً عن الأقليات وحيث بفعلتهم تلك يبولون علينا جميعا وعلى رأس مصر نفسها بجوار شاهد قبر هذا المجاهد النبيل!.
اسطفان بك باسيلي من مواليد عام 1900 عضو مجلس النواب في الخمسينات وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد ووكيل نقابة المحامين وعضو ومؤسس اتحاد المحامين العرب عام ١٩٤٩، وهو ابن شقيقة المحامي والسياسي الكبير مرقص باشا فهمي الذي تعلم على يديه مهنة المحاماة بعد تخرجه من الحقوق وتوفى باسيلي عام ١٩٩٠ ومن اشهر ابنائه المرحوم المستشار انطون اسطفان باسيلي رئيس محكمة استئناف بني سويف واشهر احفاده المرحوم الدكتور اشرف انطون اسطفان باسيلي استشاري جراحة العظام بلندن والذي توفى في اواخر مارس 2011، هذه لمحة صغيرة عن شخص هذا الرجل الذي كان ابن من ابناء الفلاحين المصريين وأحد أعيان مصر الذين شاركوا في الدفاع عنها ضد الإنجليز في القنال بعد الحرب العالمية الثانية بعد الغاء معاهدة 36 وكان وقتها عضوا في البرلمان تحت راية الوفد، ولن اتحدث عن كفاحه ضد الانجليز، ولكني سأقص حكاية هامة من حكايا الوطن ومن اهم قضايا الوطن شارك فيها اسطفان بك باسيلي لحماية الحرية والديموقراطية والدستور في مصر حينئذ وربما لولا مشاركته تلك ( كلاعب رئيس ) لوقعت مصر في براثن الرجعية والتخلف وهو مالم يكن يؤمن به الشرفاء من مجاهدي مصر الاحرار وقتذاك، وهذه الحكاية يتناقلها المؤرخين من الناحية السلبية، ويدرجونها كونها من سلبيات هذا المناضل الشريف، ولا يبحثوا في الدوافع التي من المؤكد تحول السالب إلى موجب، أعود وأقول أنه شارك في سيناريو ضد وأد الحرية وعلى خلاف ذلك اعتبره بعض هواة التاريخ عكس ذلك، اعتبروه سيناريو لوأد الحرية لجهلهم وعدم تتبع الجذور، وقد قام باسيلي بتحريك هذا السيناريو رغم علمه ويقينه أن تحريكه هذا ربما ينال من سمعته ومن تاريخه الوطني، ولكن هي مصر دائما بأبنائها الشرفاء التي تتضاءل أمامهم وامام الدفاع عنها ومحبتها كل ما يعنيهم من غال امتلكوه في هذه الحياة حتى ولو كان هذا الغالي هو ابنائهم، لقد كان باسيلي من هذا الطراز الوطني الشريف، يؤمن بأن مصر أو لاشئ.
يقول بعض المؤرخين ( دون تتبع منهم للأصل والجذر والدافع ) أن اسطفان بك باسيلي قدم للبرلمان سنه1951 ثلاثة مشروعات قوانين تسمح للسراي والحكومة بمعاقبة الصحف بالإلغاء والتعطيل الإداري وتسريع إجراءات محاكمة الصحفيين وكذلك تشديد أقصى العقوبات لكل من يقوم بالنشر بدون مستند رسمي ولكن الصحفيون - وعلى رأسهم رئيس تحرير جريدة المصري احمد بك أبو الفتح - اعتبروا هذه المشروعات تقييد لحرية الصحافة وعودة بمصر لعصور الرجعية والتخلف، وحيث وقف حينها أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ كالجدار الناري يعارضون تلك القوانين حتى لو أدى الأمر لإسقاط حكومة الوفد نفسها رغم انهم كانوا وفديين!!، وهوجم وقتها باسيلي هجوما عنيفاً ولم يدافع الرجل عن نفسه اطلاقاً !!، واعتبر المؤرخون أن تلك المشروعات المهينة كانت احدى سلبيات باسيلي وكادت تودي بتاريخه الوطني كله، ولولا معرفة المصريين بهذا التاريخ ونزاهة هذا الرجل ونضاله لضاع باسيلي للأبد، لكن لأن الشرفاء لا يموتون، فقد تم الإفصاح عن سر هذا السيناريو وتم انصاف هذا الرجل في حياته في اواسط سبعينيات القرن الماضي عام 1976م رغم أنه لا يحتاج لإنصاف لكون تاريخه يشهد له، وكانت جلسة الانصاف تلك غير مقصودة وربما الذي قصدها هنا هو قدر الله نفسه لإزاحة الستار عن تلك الجذور التي تلقي الضوء على عظمة المصرين المجاهدين في صمت والذين أبدا ما دفعوا بأنفسهم إلى دولة عظمى سواء انجلترا أو فرنسا أو ألمانيا أو أميركا وقتئذ وتظاهروا أمام سفارتها بالقاهرة لاحتلال مصر تحت اي ذريعة حتى ولو كانت حماية الأقليات وفضلوا الموت على أن يوصموا بالخيانة وبيع الأوطان، وحيث لا تبرير ابداً للخيانة وبيع الوطن، أقول: كانت تضم جلسة الإنصاف هذه عام 1976م صانعوا السيناريو الأصليين أنفسهم وهم محمود سليمان باشا غنام سكرتير حزب الوفد المساعد قبل الثورة واسطفان بك باسيلي وكان يحضرها مستمعاً المناضل الكبير ابراهيم بك طلعت عضو الهيئة الوفدية والمناضل الكبير احمد بك شوقي المحامي ومجموعة من عمالقة حزب الوفد الكبار الذين كانوا فاغري أفواههم مما يسمعوه لأول مرة حيث كان سراً لأكثر من ربع قرن ( 1951 – 1976 )، وسوف انقلها من وحي رواية ابراهيم بك طلعت المحامي.
فما هي الحكاية وما هو السر؟ .. يقول الثائر الوطني ابراهيم طلعت المحامي ( أكرر انني انقل هنا من وحي حديث ابراهيم طلعت وليس نقلاً حرفياً ): كنت من ألد أعداء تلك التشريعات الثلاثة المشئومة التي تقيد الحريات والتي قدمها اسطفان بك باسيلي للبرلمان، وكنت أنا واحمد أبو الفتح، نجلس في حديقة جريدة المصري يوميا ونتحدث عن مقالاتنا النارية التي سنهاجم بها المشروعات على صفحات الجريدة، وبحكم صداقتي بإسطفان باسيلي، سألته أكثر من مرة عمن وراء تلك المشروعات؟ فكان يلوذ بالصمت!، أصرخ في وجهه أنه لا يمكن أن يدفعنا لتصديق أن كريم ثابت مستشار الملك فاروق استطاع بخبثه أن يضحك على باسيلي وأن يمرر من خلاله تلك المشروعات العار للبرلمان؟ لكن دون جدوى، كان باسيلي لا يجيب!، كنت استشعر أن وراء الأمر لغزاً عظيماً، لكن لا أنا ولا مصطفى النحاس باشا ولا حتى فؤاد باشا سراج الدين ولا مخلوق كان يدري عنها شيئا حتى اعتقدنا بالفعل انها سقطة باسيلي التي سيغفرها له تاريخ نضاله وكفاحه الوطني وأن لكل جواد كبوة، لكن اللغز استمر عالقاً في رأسي دوماً، وتمر الأيام والسنين وبعد اكثر من ربع قرن ما زلت ألتقي بإسطفان باسيلي ومازلت اذكره بفعلته القديمة واطلب منه أن يفصح لي عن الدافع وراء تقديمه للمشروعات المشئومة للبرلمان سنة 1951 وفي لقاءنا في صيف 1976م وبعد الحاح يقول لي: اسأل غنام باشا، وقلت ولكن ما شأن غنام باشا؟ فقال: اسأل غنام باشا يا ابراهيم يا طلعت، وأدركت وقتها أنه طيلة أكثر من ربع قرن كان ظني في محله وأنه بالفعل وراء الأمر لغزاً، ذلك اللغز الذي فك عنه لثام السر ولثام الزمن محمود سليمان باشا غنام، سر اختزنه باسيلي في جوفه عمراً كاملاً ولم يفصح عنه رغم كل ما كابده من ألم كاد يطيح بتاريخه الوطني كله، فماهو ذلك السر؟.
يقول محمود سليمان باشا غنام: عندما عهد الملك فاروق إلى النحاس باشا تأليف الوزارة في 13 يناير 1950 كان أول ما فعلته الحكومة هو الغاء الأحكام العرفية، وكذلك الغاء الرقابة على الصحف، وشهدت البلاد حرية لم تشهدها في تاريخها، وفي هذه الأثناء كانت البلاد تضيق بتصرفات الملك وفضائح اسرته، وبدأت البلاد تندد بالفعل على صفحات الجرائد الحرة بتصرفات الملك والسراي، وقد كان من اهم تلك الصحف، اللواء الجديد، لسان حال الحزب الوطني الجديد، وجريدة الاشتراكية، التي كان يصدرها احمد حسين رئيس الحزب الاشتراكي، وجريدة الجمهور المصري التي كان يصدرها ابو الخير نجيب، وكان هجوم هذه الصحف من الشدة بحيث أفقدت الملك فاروق صوابه، ولم تكن حكومة الوفد تتخذ اي اجراء تجاه تلك الصحف، وذات يوم بعد أن فاض الكيل بالملك استدعى النحاس باشا للقصر وعرض عليه الصحف والمجلات التي تهاجمه، وأخذ النحاس باشا يقرأها في دهشة مصطنعة، ثم وعد الملك باتخاذ اجراء صارم، فتهلل وجه فاروق وقال له: ماذا ستفعل؟ فقال النحاس باشا: سأبلغ النيابة!، وهنا صاح الملك فاروق في وجه النحاس باشا: تبلغ النيابة؟ أمال السجون فين؟ فأجابه النحاس: يا مولاي .. لا أستطيع ادخال احد السجن كده بدون اجراءات .. لابد من امر النيابة والقضاء، وهنا راح الملك فاروق يمشي في عصبية وهو يردد: النيابة!! .. جميل خالص .. النيابة قال!!.
ويقول المجاهد الكبير ابراهيم طلعت أن الحوار السابق بين الملك والنحاس باشا استمع إليه منقولاً على لسان عبد الفتاح باشا الطويل وزير العدل في حكومة الوفد الذي نقله بدوره عن النحاس باشا شخصياً.
ولما وجد الملك فاروق أن النحاس باشا لن يفعل شيئاً قرر استدعاء مستشاره الصحفي كريم ثابت ربما يدله على مشوره تنقذه من الصحافة والصحفيين.
أقترح كريم ثابت مشروع بتعديل قانون العقوبات تعديلا من شأنه فرض الرقابة على انباء القصر وكذلك تعديل الدستور بحيث لا تستطيع الصحافة القذف في عرض أو سمعة الافراد والعائلات، وأكد كريم ثابت على الملك أن النحاس باشا رجل يتمسك بقواعد الأخلاق ولن يرضيه الطعن في أعراض الناس، ومن ثم سيرحب بتقديم هذا المشروع، وبما للنحاس باشا من سلطة ابوية على اعضاء المجلسين – البرلمان والشورى -، فسيوافق الأعضاء على الفور على اصدار هذه التشريعات، وهنا ارتاح الملك واطمأن، وعهد لكريم ثابت بتنفيذ تلك المشورة فوراً.
ويقفز القدر ليقرر ما يجب أن يكون رغما عن الحاكم والمحكوم، حيث يرسل كريم ثابت للسكرتارية مسودة قوانين ثلاثة من شأنها ذبح الحرية لطباعتها على الآلة الكاتبة، تمهيداً لتسليمها للنحاس باشا، وهنا يظهر على سطح السيناريو أحد السعاة ( الفراشين ) الذين عهدت إليهم السكرتارية بنقل مسودة القوانين الثلاثة، وتشاء الصدف أن يكون ذلك الساعي أحد أنصار غنام باشا، فيلتقط صورة من القوانين ويذهب بها إلى منزل غنام باشا ويسلمها له، ويقرأها غنام باشا وينزعج من هول الكارثة، الملك فاروق يريد الرجوع بمصر للوراء، الملك يريد تكميم مصر.
ويسترسل محمود سليمان باشا غنام: كان لابد من البحث عن رجل فدائي يسبق الملك في تقديم نفس القوانين للبرلمان والشورى، ويكون من القوة والبأس والوطنية ما يجعله يتحمل مواجهة المعارضة والنواب، ويتحمل اي اتهام حتى لو وصلت حدود الاتهام للعمالة لحساب الملك والسراي، كل ذلك دون أن ينبت بكلمة لأي مخلوق مهما كان حتى ولو كانت زوجته، وهداني تفكيري بل قل انها منحة الله في ان ذلك الفدائي الذي يجب أن يكون نائبا في احد المجلسين، هو اسطفان باسيلي، المجاهد الوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجه العاصفة، ويؤدي دوره الوطني دون أي تقصير.
يصرخ اسطفان باسيلي في وجه غنام باشا: يا نهار اسود .. ايه ده ياباشا .. معاليك متأكد إن صحتك كويسة، فيرد غنام باشا: يا باسيلي يا خويا انا صحتي زي الرصاص، فيصرخ اسطفان: تقوم تضربني انا بالرصاص ياباشا!!.. اشمعنى أنا ياباشا .. كدة الوفديين هيقتلوني .. حرام عليك .. أنا عملت فيك حاجة؟.
ويشرح غنام باشا لباسيلي السر بهدوء اعصاب: شوف يا صديقي العزيز .. المقصود انك تقدم المشاريع دي قبل الملك فاروق ودلوقتي، ولما تقدمها هيثور اعضاء البرلمان والشورى معارضة ووفديين، ويهاجموك ويتهموك ويهاجموا الدنيا كلها، والصحافة تكتب عن المشاريع السودا دي وعن كبت الحريات والدنيا تنقلب، وهنا نبقى قدمنا كارت ارهاب للملك ولا يمكن يجرؤ بعدها في العدوان على الحريات العامة أو حرية الصحافة.
ويمتثل اسطفان باسيلي لغنام باشا، فقد هبط عليه غنام هبوط القضاء والقدر، ويقول اسطفان وهو يتصنع المرح وحيث كان مشهورا بالدعابة وخفة الروح ومن أكثر السياسيين مرحا في مصر كلها: حاضر يا باشا، بس وحياة والدك وصيتك العيال.
ويتقدم اسطفان باسيلي بالمشاريع للبرلمان والشورى على وجه الاستعجال، وقامت حملة ضارية عنيفة ضد المشاريع وضد باسيلي وضد من أوحى بها لباسيلي واتهمته الصحف وعلى رأسها المصري بالعمل لحساب السراي، ثم سارت الإشاعات بسب أن الناس لا تصدق أمام تاريخ باسيلي ونضاله ما حدث، فأخذت تهمس فيما بينها أن باسيلي ربما يكون ضحية مؤامرة، وهو ربما يكون مجرد مخلب قط لبعض زعماء الوفد الذين يريدون ممالأة الملك لبقاء الوفد في الحكم ولم ينجو حتى فؤاد باشا سراج الدين من هذا الاتهام رغم ثقة كل الوفدين فيه، الموضوع بكل المقاييس كان فضيحه، تماماً كما تخيله غنام باشا واسطفان بك، فضيحة أقامت الدنيا ولم تقعدها، لدرجة أنه اشيع أن الذي قدم المشروع هو اسطفان باسيلي بالاشتراك مع عبد الفتاح باشا الطويل وزير العدل، وظن الناس وقتها أن رفعة النحاس باشا كان على علم مسبق بها وانه يوافق عليها من ناحية المبدأ، وهو ما دفع الدكتور عبد العزيز فهمي بك المحامي لأن يخطب في اجتماع الهيئة البرلمانية بالنادي السعدي: لا يا رفعة النحاس باشا .. نحن لسنا معك في هذا إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كل ذلك وأكثر سيل المصائب كان ينهال على رأس اسطفان باسيلي وحده، وما يتبقى من سيل تلك المصائب كان من نصيب من يقع عليه دور الشائعة في الاشتراك مع باسيلي في تقديم تلك المشاريع، ولما كان باسيلي قد قبل العملية الفدائية، وقد أتت اكلها بالفعل ولم يجرؤ الملك بعدها على التقدم بمشاريعه للبرلمان، كان لسان حاله يقول: واللهي حتى لو وصل الهجوم لقتلي ما كنت افرط ابداً فيما قمت به لصالح الوطن، ولو كنت تفوهت وقتها بأن المسألة كلها كانت مناورة بيني وبين غنام باشا للضغط على السراي لربما كانت دفعت الملك أن يتجرأ على حريات مصر العامة كلها وفرض الأحكام العرفية من جديد، نظر غنام باشا لصديقة القديم وقال: انت عارف يا باسيلي ان النحاس باشا مات وما يعرفش الحكاية دي لا هو ولا الملك .. احنا كنا رجالة بحق وحقيق ، ويغرقان في الضحك، بينما الحضور جميعا في دهشة من أمرهم لسماع ذلك السر لأول مرة بعد حدوثة منذ اكثر من ربع قرن.
هكذا كان، وهكذا كانوا، رحم الله الشرفاء، ورحم الله مصر وأمتنا العربية، والأبرار الشباب الذين سقطوا ضحايا الثورات ضد طغاة الوطن سواء كان هؤلاء الطغاة ممن ينتسبوا للوطن أو كانوا من أعدائه.

السبت، 7 مايو 2011

قالوا له بمطار ألماظة: مصر بنت الجيش يا ريس

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صور جمال مبارك وحملته الشعبية للترشح الرئاسي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها خديعة مبارك الضوء الأخضر للانقلاب العسكري الداخلي المحدود، ويجب ان يكون الانقلاب شعبيا حتى لا ينقسم الشارع المصري على نفسه، لقد انتهت رئاسة مبارك لمصر بالفعل بعد خطاب ديسمبر بالحزب الوطني 2010، وجمال مبارك لن يكون رئيسا ، كانت الساعة زيرو للتغيير هي الأزمة الحقيقية، متى تكون ساعة الصفر؟
"الوطن ابن الجيش" شعار مقدس في كل دول العالم شئنا هذا ( نحن الشعوب المحكومين ) أم أبينا، حتى أكبر الديموقراطيات في هذا العالم يحكمها هذا الشعار، فالظاهر فيها يبدو ديموقراطيا ( متفق عليه ) للتمكن من قيادة جموع الرعاع أما الباطن فدائماً ما يكون حكماً عسكرياً للنخاع، من أمام الستار أو من ورائه سيان، ولا فرق في ذلك بين أمريكا وفرنسا مثلاً وبين دولة في قاع العالم الثالث المتخلف، فالجميع تحكمهم البندقية، الجميع تحت سيطرة الجيش، الكل تحت سيطرة المدفع والدبابة، وحيث لاوجود لشعب في العالم كله يستمع إليه حكامه أو ينصاع وراء ارادته سلطان إلا برغبة الحاكم صاحب البدلة الصفراء وارادته كسلطان عسكري.
منذ ثلاثة قرون والمنطقة العربية تتغير ( كل قرن ) وبشكل حتمي تغيراً جذريا عنيفاً وتتغير معه خارطة التاريخ والجغرافيا في العالم كله، والمدهش الذي يدعو للعجب هو تواريخ حدوث هذا التغير الثوري، بل وتكرار نفس السيناريو في تسلسل مذهل وكأنه تكرار ممل للأحداث بنفس تسلسلها مع تغير بسيط جداً في السيناريو يكمن في اختلاف الوجوه!، اختلاف الممثلين والكومبارس عن الذين سبقوهم ويقومون بنفس الدور كل مائة عام.
في عام 1811 كان العالم يمر بنفس السيناريو الذي نمر به اليوم .. قوات تحالف غربية، ارهاب، صراع بين قوى عظمي وصغرى، احتلال الأمم للأمم، فوضى عارمة في وطننا العربي، تمزق داخلي، طائفي، عنصري، ظلمة حالكة حتى قامت مذابح محمد علي بداية من عام 1811 م ضد كل الأنظمة السابقة سواء كانت سياسية ( مذبحة القلعة ) أو دينية ( مذبحة السلفيين في الجزيرة العربية والقضاء على زعيم المذهب آنذاك الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، تخلص محمد علي حينها من الكل نهائياً وفرض المد الثوري على كل بلاد الشام والعراق وحتى منابع النيل في السودان واثيوبيا جنوبا وكانت 1811 هي بداية الحتمية القدرية، بداية التغيير الثوري في عالمنا العربي وفي غضون عشر سنوات فقط كانت مصر دولة عظمى وتغيرت خارطة المنطقة كلها وتحولت بفعل أقرب لفعل كن فيكون من النقيض للنقيض، من صفر إلى واحد.
بعد مائة عام كاملة أخرى وفي عام 1911 كان العالم يمر من جديد بنفس الفوضى، حروب اقليمية، نزاعات طائفية في اوروبا واسيا وشمال أفريقيا، العالم كله على سطح صفيح ساخن إلى حد الانصهار، والوطن العربي يعاني كبوة شديدة يريد القيام منها لتثور مرة أخرى المنطقة العربية في 1911 وتقوم الثورة العربية الأولى ضد حكم العثمانيين ويتم تدمير خطوط السكة الحديد العثمانية وتنتفض الجموع، ويثأر المسحوقين من طغاتهم، وتتغير معالم المنطقة ويدخل العالم بعد ذلك حربه العالمية الأولى وتبدأ بواكير النهضة في ثورة 1919 وقيام أعظم دستور مدني في العالم ( دستور 1923 ) في مصر ثم خروج الاحتلال بعد فوضى الحرب العالمية الثانية وقيادة المنطقة العربية وعلى رأسها مصر ( جمال عبد الناصر ) لكل ثورات التحرر في العالم لتتحرر أفريقيا كلها ودول جنوب شرق اسيا من نير الاستعمار للأبد وتتغير خارطة العالم من جديد.
وتمر مائة عام أخرى وفي عام 2011 م نرى العالم في نفس سيناريو الفوضى الذي يمر به كل قرن، احتلال امم لأمم، ارهاب، فتن طائفية، فساد، بيع أوطان، هيمنة شركات عابرة قارات زيادة أعداد المسحوقين تحت فساد طغاة الحكم فيهم داخل العالم الثالث وخاصة في المنطقة العربية حيث تفشت النزاعات الايدولوجية والأثنية والعنصرية بشكل كارثي أقرب إلى المأساة، ويشعل ( بو عزيزي ) في تونس شعلة الحتمية القدرية للتغيير والثورة في تونس وتلتقطها مصر ليبدأ المد الثوري دورته البيولوجية في التكوين والتي تحدث كل مائة عام بصورة عبقرية وتتسع معه دائرة نقطة نور التغيير من جديد وتعم الثورات كما نرى اليوم جميع بلدان المنطقة بما فيها البلدان الافريقية والاسيوية الغير عربية في انتظار تغير خارطة العالم لتدوين التاريخ الانساني مرة أخرى.
مصر بنت الجيش يا ريس، قالها قادة الجيش بلهجة آمرة حاسمة عام 2009 لحسني مبارك في مطار ألماظة بعدما استدعوه على وجه السرعة لرفضهم مسألة التوريث التي يطبخها البعض ويطبل ويزمر لها البعض من شماشرجية السيدة الأولى سوزان مبارك، حيث كان مبارك في سنين حكمه الأخيرة أشبه بالبارفان الذي تقف من ورائه سيده القصر، التي فاقت في جبروتها السيدة الأرمنية شجر الدر التي حكمت مصر من وراء بارفان الملك الصالح نجم الدين أيوب وضاع بسبب حكمها شرف زوجها العسكري وتاريخه بل وضاعت معه ومعها أركان الدولة بكل رموزها وكانت هي آخر من قتلها الشعب بالقباقيب، بإيعاز من القادة العسكريين وقتذاك، فالعسكر لا يقبلون المساومة، العسكر في مصر لا يقبلون الحكم أبداً انطلاقاً من أحضان النساء.
يعلم حسني مبارك أنه واحد من الجيش، الجيش في أي بلد في العالم مدرسة واحدة لا يقبل المراوغة أو التلاعب، خطأ صغير يعني الهزيمة، التردد في التنفيذ يعني الخيانة العظمى، الجيش من أهم مناهجه، الأمر والطاعة ولا تعنيه التضحيات، فالزي العسكري ما دمت قد ارتديته فهذا يعني أنك قبلت فكرة الموت قبل فكرة الانتصار، التضحية والموت في قاموس الجيش والعسكرتاريا لا يعني سوى الشرف العسكري، وأومأ حسني مبارك بأنه يعي ذلك تماما وأن التوريث مسألة ليست محل نقاش أو مسألة قابلة للتداول في المستقبل لكونها مستحيلة، وخرج حسني مبارك من الاجتماع في مطار ألماظة عام 2009 وهو يردد: مصر بنت الجيش، أخذ يرددها لعلمه أن اعتلاء ابنه جمال مبارك كرسي الرئاسة في مصر يعني انقلابا داخليا على حكمه وسيكون آخر الاختيارات على الطاولة للمؤسسة العسكرية وهو الاختيار الذي دائما ما يكون على مضض تحت دعوى "مكره أخاك لا بطل"، لكون المؤسسة العسكرية تدين دوما بالولاء لبعضها البعض من اكبر قائد فيها وحتى أصغر جندي، فالشرف العسكري قدس الأقداس، لذا فالانقلاب الداخلي دائما ما يكون مبرره الخديعة، والخديعة هي رأس حربة الاستفزاز حيث يفقد من وخزتها العسكريين حلمهم وينقلبوا على من خدعهم غاضبين، سيفقد مبارك شرفه وتاريخه العسكري للأبد إن لجأ للخديعة، مرة أخرى ظل يردد: مصر بنت الجيش .. مصر بنت الجيش يا حسني.
بعد أقل من خمسة شهور وقبل شهر رمضان أواخر يوليو 2010 امتلأت شوارع القاهرة بملصقات وصور جمال مبارك رئيسا لمصر، لقد خدع حسني مبارك القادة العسكريين إذن، انصاع لأوامر السيدة الأولى ظنا منه أن هناك شخوصاً كالعادلي مثلاً يمكنه أن يحميه بمليون ونصف مليون جندي امن مركزي من قصاص المؤسسة العسكرية التي لا تملك سوى 800 ألف جندي، وربما هذا ما دفعه لأن يلقي خطابه في احتفالات اكتوبر 2010 بعيدا عن رفقاء السلاح وخوفاً من أن يتكرر سيناريو مقتل السادات، واكتفى بكلمة متلفزة من مقر اقامته محاطاً فقط بعدسات التليفزيون عكس مؤتمر الحزب الوطني ديسمبر 2010 الذي ألقى فيه خطابه تحت حماية العادلي أمام ثلاثة ملايين من اتباعه اعضاء الحزب الوطني على الهواء مباشرة، مسألة أقرب إلى غباء النهاية حينما يقترب الناس من حتمية القدر حينما يعلن القدر قرار النهاية فيختلط في عقول المحكوم عليهم بالإعدام من هو العدو من الصديق.
صور جمال مبارك وحملته الشعبية للترشح الرئاسي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها خديعة مبارك الضوء الأخضر للانقلاب العسكري الداخلي المحدود، ويجب ان يكون الانقلاب شعبيا حتى لا ينقسم الشارع المصري على نفسه فتحدث كارثة الانشقاق الوطني، لقد انتهت رئاسة حسني مبارك لمصر بالفعل بعد خطاب ديسمبر الحزب الوطني 2010، وجمال مبارك لن يكون رئيسا لمصر، كانت الساعة زيرو للتغيير هي الأزمة الحقيقية، متى تكون ساعة الصفر؟
ساعة الصفر ان كانت في اغتيال جمال مبارك بعدما يصبح رئيسا لمصر ستجعل الأمر كارثيا ومأساويا خاصة ونحن شعب رومانسي عاطفي نحكم دوماً على الامور بقلوبنا ومشاعرنا ونبكي ولا نفكر بعقولنا إلا في المراحل الأخيرة قبل الهلاك بلحظات ، وعليه فأن الفوضى التي ستخلف ذلك السيناريو ربما يمتد أثرها السلبي سنينا طويلة، مصر في غنى عنها، مصر في غنى دوماً عن سيناريو الاغتيالات، كما أن اقتصاد مصر كله اصبح في يد جمال مبارك ورجاله وهذا يعني أن اغتيال جمال مبارك سيهوي بمصر اقتصاديا للأبد، سيهرب اللصوص بأموال مصر ولا يعودون، لذا – في تقديري – تم استبعاد نظرية الاغتيال، خاصة أن السيناريو الأكثر شعبية يكاد يكون جاهزاً، فالشعب كله يحمل في ضميره غضب لا حدود له ولا يحتاج إلا لمحرك موثوق فيه شعبياً ليستثمر هذا الغضب فتتحرك معه الملايين لتنتهي نظرية التوريث لصالح الجيش – الغاضب ايضاً - ومن ثم لصالح الوطن والتي حتماً سيدعمها الجيش ويقف وراءها وقفة صادقة مخلصة لتتحقق نظرية " الشعب والجيش ايد واحدة" تحت مظلة " مصر بنت الجيش".
تكمن المشكلة في أن الشعب لا يثق في احد بعد استبداد وفساد حكم طيلة ثلاثين عاماً، بل ويظن أن المؤسسة العسكرية متواطئة أيضاً مع مبارك فيما آل إليه حال البلاد والعباد، من إذن سيعيد تلك الثقة بين الشعب والجيش؟ من سيحرك تلك الجموع المليونية من العمال والفلاحين وبائعي الكبدة والبطاطا ومرتادي الموالد الشعبية وعمال المقاهي والباعة الجائلين في حواري وأزقة القاهرة والمحافظات؟، من هؤلاء الذين يملكون تلك القدرة ؟ تنحي مبارك عن السلطة لن يكون مشروعا وملف التوريث لن يغلق للأبد لمجرد خروج بضعة آلاف مخلصة وصادقة من مثقفي الأنترنت! فمن هؤلاء بعدما يتم تحديد ساعة الصفر؟ ومتى ستكون ساعة الصفر الحقيقية؟ سؤالان في غاية الأهمية!.
حينما يقرر الله تغيير أمة فأنه يمنح ساعة الصفر للقائمين على التغيير، وكان " بو عزيزي" في تونس هو الإشارة القدرية التي التقطها المصريون واستثمروها.
كان غالب قادة الجيش خارج مصر فيما يسمى بالزيارات الروتينية التشاورية بين قادة الجيش في العالم وبعضهم البعض، حينما قامت ثورة تونس، كان لابد من عودة القادة الآن إلى مصر، فقد حانت ساعة الصفر القدرية.
لا يمكن انكار دور من قاموا بإشعال الشرارة الثورية الأولى في شوارع القاهرة والمدن الكبرى في مصر، لقد كانوا شباب مصر الرائع، شباب مصر الذي اطلق عليه الناس شباب الفيس بوك، ذلك الشباب الذي كان منه ضحايا الثورة الفعليين ( أكثر من 800 شاب وشابه قتلتهم مدفعية العادلي وزير الداخلية في كل محافظات مصر)، كان هؤلاء الشباب – شباب الفيس بوك - هم أنبياء الثورة الحقيقيين، ولكن الانبياء لا تنجو دعوتهم إلا بالأتباع، ولا تنتشر إلا باعتناق الملايين من هذه الأتباع لذلك المذهب الثوري، ونزل الجيش إلى شوارع مصر، منذ اللحظة الأولى أظهر انضمامه لجموع المسحوقين، كنت ترى وتندهش وانت تقرأ عبارات " يسقط مبارك" التي كتبها الشباب الغاضب على جدار الدبابات دون اي مقاومة من العسكريين وهي مسألة عجيبة أبدى فيها الجيش بما لا يدع مجالا لشك انه مع التغيير وان ساعة الصفر الآن.
أدرك مبارك أن الجيش رفض خدعته، أدرك نبرة حسم المؤسسة العسكرية في رفض ملف التوريث، أدرك في أول خطاب له للناس أن شرفه العسكري قد انتهى وان الحل الوحيد يكمن في رجل سوزان مبارك القوي، يكمن في حبيب العادلى، وان الجيش لن يقبل التورط، وكانت المجزرة التي راح ضحيتها المئات.
كان مبارك يعلم أنه ميت لا محاله، إذن لا سبيل سوى المراوغة ( حلاوة الروح ) والتلاعب مع رفقاء السلاح الذين يعلم أنهم لن يرتكبوا حماقة ويتورطون في ابادة الناس اكثر من ذلك وأنهم سيرضخون في النهاية تحت زيادة عدد الضحايا خاصة بعدما أوحي زكريا عزمي لمبارك بذلك.
ذكرنا سابقا أن الجيش لا ينظر للتضحيات إلا بكونها الشرف الوطني، لذا فقد كان سقوط الضحايا يمثل ثمنا للحرية، يمثل شرفا وطنيا رفيعاً، لكن الجيش لا يقبل المساومة أو المراوغة، ولن تسقط ضحايا أخرى، اللعبة انتهت، انتهى حسني مبارك لا محالة، انتهى حسني مبارك للأبد، وكانت أول طلقة رصاص تلقاها لتعلن بدء كتابة شهادة وفاته، هي انسحاب وزير داخلية السيدة الأولى حبيب العادلي من شوارع القاهرة والمحافظات بأكثر من مليون جندي أمن مركزي وفتح السجون واشاعة الفوضى لإجبار المؤسسة العسكرية على الرضوخ.
وجاء دور محرك الملايين الشعبية ليعلن مع الجيش وبإرادته نهاية السيناريو، خرجت جماعة الأخوان المسلمين، أعلنت عن دورها في اول مليونيه حقيقية يشهدها العالم منذ الثورة الفرنسية، وربما يظن قارئ أني اعطي قدرا للإخوان أو ابرز لهم دورا ولكني اتعامل هنا مع مصريون بغض النظر عن مسماهم، فهم كانوا بالفعل ورقة الجوكر التي في استطاعتها تحريك الملايين من عمال وفلاحين مصر، كانت هي الجماعة الوحيدة - لا شك - التي تستطيع تحريك هذه الملايين في كل عموم مصر، فصلاة جمعة واحدة كانت كفيلة لأن يخرج أكثر من مليوني مصري في ميدان التحرير فقط بخلاف ميادين مصر الأخرى في غالب المحافظات، وظلت الأخوان تعبئ وتخرج الملايين كل جمعة، وتقود ما يسمى بجماعات الدفاع الشعبي عن الممتلكات بالتنسيق مع الجيش بعد اختفاء الشرطة، بل أنها تولت الدفاع عن كنائس الأقباط وقتها وهو الأمر الذي دفع بعشرات الآلاف من الأقباط أن يكسروا حاجز صمتهم منذ أن كان يقودهم سياسيا المجاهد الكبير مكرم باشا عبيد، ويخرجوا ليردوا الجميل بالجميل ويحموا جيرانهم المسلمين من القتل اثناء صلاة الفجر وفي سرعة أقرب للمعجزة تلاحم شعب مصر كله، ولأول مرة منذ ثورة 1919 يخرج المصريين بالملايين مسلمين واقباط ليقيموا في الميادين صلاة وقداس، ولم تنجح ( غزوة الجمل ) أمام هذا التلاحم الغير مسبوق من منع مبارك أن يتنحى في 11 فبراير 2011.
ان الجماعات التي تظن اليوم أنها تستطيع أن تفوز بمصر وتلوي ذراع الجيش هي جماعات واهمة، وأقول أن من أهم استراتيجيات الجيش في اي بلد في العالم هي استراتيجية الارض المحروقة، وعليه فمن يحاول القول أو الايمان باستراتيجية " امتلاك الأرض" خارج المؤسسة العسكرية فهو كمن قرر الانتحار الذاتي بإطلاق الرصاص على نفسه قبل أن تحرق جثته، وعليه فإن ما تفعله بعض الجموع الدينية سواء اسلامية أو مسيحية، من مظاهرات وفوضى وضغط، هو بمثابة اعلان عن رؤوس فساد المستقبل، أنهم يطلقون الرصاص على أنفسهم، فكل ما يحدث اليوم، محسوبا عليهم غداً، ومن يتصور أنه سيعتلي كرسي رئاسة مصر رغماً عن الجيش فهو كمدخن المخدرات يحلم بواقع غير قابل للتحقق، ويهذي بكلمات غير مفهومة أهمها ( انا جدع ) قبل أن يسقط مغشياً عليه.
لن يحكم السلفيين مصر، ولن يحكم الأقباط مصر، ولن يحكم الليبراليين مصر، سيحكم مصر الجيش، وربما اشفق على شخص مثل حمدين صباحي وشخص مثل البرادعي، فهما لا يحملان عصا ( موسى ) التي ستطلق لمصر ( العنان ) في المستقبل القريب، الجيش يحكم بالفعل الآن، اتخذ قرارات مستقبلية بالفعل في قضايا كثيرة، المصالحة الفلسطينية، ملف المياه مع دول حوض النيل، احترامه لمعاهدة السلام وكل المعاهدات المصرية، علاقة الشراكة الاقتصادية المستقبلية مع الصين، فتح باب التعاون مع السودان الجنوبي والشمالي وفتح فرع لجامعة الاسكندرية في جوبا عاصمة السودان الجنوبي، ومسائل كثيرة، تدفعنا للإيمان أن الجيش يحكم بالفعل ولا ينتظر القادم، القادم يدرك من الآن أن " مصر بنت الجيش".

قالوا له بمطار ألماظة: مصر بنت الجيش يا ريس

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صور جمال مبارك وحملته الشعبية للترشح الرئاسي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها خديعة مبارك الضوء الأخضر للانقلاب العسكري الداخلي المحدود، ويجب ان يكون الانقلاب شعبيا حتى لا ينقسم الشارع المصري على نفسه، لقد انتهت رئاسة مبارك لمصر بالفعل بعد خطاب ديسمبر بالحزب الوطني 2010، وجمال مبارك لن يكون رئيسا ، كانت الساعة زيرو للتغيير هي الأزمة الحقيقية، متى تكون ساعة الصفر؟
"الوطن ابن الجيش" شعار مقدس في كل دول العالم شئنا هذا ( نحن الشعوب المحكومين ) أم أبينا، حتى أكبر الديموقراطيات في هذا العالم يحكمها هذا الشعار، فالظاهر فيها يبدو ديموقراطيا ( متفق عليه ) للتمكن من قيادة جموع الرعاع أما الباطن فدائماً ما يكون حكماً عسكرياً للنخاع، من أمام الستار أو من ورائه سيان، ولا فرق في ذلك بين أمريكا وفرنسا مثلاً وبين دولة في قاع العالم الثالث المتخلف، فالجميع تحكمهم البندقية، الجميع تحت سيطرة الجيش، الكل تحت سيطرة المدفع والدبابة، وحيث لاوجود لشعب في العالم كله يستمع إليه حكامه أو ينصاع وراء ارادته سلطان إلا برغبة الحاكم صاحب البدلة الصفراء وارادته كسلطان عسكري.
منذ ثلاثة قرون والمنطقة العربية تتغير ( كل قرن ) وبشكل حتمي تغيراً جذريا عنيفاً وتتغير معه خارطة التاريخ والجغرافيا في العالم كله، والمدهش الذي يدعو للعجب هو تواريخ حدوث هذا التغير الثوري، بل وتكرار نفس السيناريو في تسلسل مذهل وكأنه تكرار ممل للأحداث بنفس تسلسلها مع تغير بسيط جداً في السيناريو يكمن في اختلاف الوجوه!، اختلاف الممثلين والكومبارس عن الذين سبقوهم ويقومون بنفس الدور كل مائة عام.
في عام 1811 كان العالم يمر بنفس السيناريو الذي نمر به اليوم .. قوات تحالف غربية، ارهاب، صراع بين قوى عظمي وصغرى، احتلال الأمم للأمم، فوضى عارمة في وطننا العربي، تمزق داخلي، طائفي، عنصري، ظلمة حالكة حتى قامت مذابح محمد علي بداية من عام 1811 م ضد كل الأنظمة السابقة سواء كانت سياسية ( مذبحة القلعة ) أو دينية ( مذبحة السلفيين في الجزيرة العربية والقضاء على زعيم المذهب آنذاك الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، تخلص محمد علي حينها من الكل نهائياً وفرض المد الثوري على كل بلاد الشام والعراق وحتى منابع النيل في السودان واثيوبيا جنوبا وكانت 1811 هي بداية الحتمية القدرية، بداية التغيير الثوري في عالمنا العربي وفي غضون عشر سنوات فقط كانت مصر دولة عظمى وتغيرت خارطة المنطقة كلها وتحولت بفعل أقرب لفعل كن فيكون من النقيض للنقيض، من صفر إلى واحد.
بعد مائة عام كاملة أخرى وفي عام 1911 كان العالم يمر من جديد بنفس الفوضى، حروب اقليمية، نزاعات طائفية في اوروبا واسيا وشمال أفريقيا، العالم كله على سطح صفيح ساخن إلى حد الانصهار، والوطن العربي يعاني كبوة شديدة يريد القيام منها لتثور مرة أخرى المنطقة العربية في 1911 وتقوم الثورة العربية الأولى ضد حكم العثمانيين ويتم تدمير خطوط السكة الحديد العثمانية وتنتفض الجموع، ويثأر المسحوقين من طغاتهم، وتتغير معالم المنطقة ويدخل العالم بعد ذلك حربه العالمية الأولى وتبدأ بواكير النهضة في ثورة 1919 وقيام أعظم دستور مدني في العالم ( دستور 1923 ) في مصر ثم خروج الاحتلال بعد فوضى الحرب العالمية الثانية وقيادة المنطقة العربية وعلى رأسها مصر ( جمال عبد الناصر ) لكل ثورات التحرر في العالم لتتحرر أفريقيا كلها ودول جنوب شرق اسيا من نير الاستعمار للأبد وتتغير خارطة العالم من جديد.
وتمر مائة عام أخرى وفي عام 2011 م نرى العالم في نفس سيناريو الفوضى الذي يمر به كل قرن، احتلال امم لأمم، ارهاب، فتن طائفية، فساد، بيع أوطان، هيمنة شركات عابرة قارات زيادة أعداد المسحوقين تحت فساد طغاة الحكم فيهم داخل العالم الثالث وخاصة في المنطقة العربية حيث تفشت النزاعات الايدولوجية والأثنية والعنصرية بشكل كارثي أقرب إلى المأساة، ويشعل ( بو عزيزي ) في تونس شعلة الحتمية القدرية للتغيير والثورة في تونس وتلتقطها مصر ليبدأ المد الثوري دورته البيولوجية في التكوين والتي تحدث كل مائة عام بصورة عبقرية وتتسع معه دائرة نقطة نور التغيير من جديد وتعم الثورات كما نرى اليوم جميع بلدان المنطقة بما فيها البلدان الافريقية والاسيوية الغير عربية في انتظار تغير خارطة العالم لتدوين التاريخ الانساني مرة أخرى.
مصر بنت الجيش يا ريس، قالها قادة الجيش بلهجة آمرة حاسمة عام 2009 لحسني مبارك في مطار ألماظة بعدما استدعوه على وجه السرعة لرفضهم مسألة التوريث التي يطبخها البعض ويطبل ويزمر لها البعض من شماشرجية السيدة الأولى سوزان مبارك، حيث كان مبارك في سنين حكمه الأخيرة أشبه بالبارفان الذي تقف من ورائه سيده القصر، التي فاقت في جبروتها السيدة الأرمنية شجر الدر التي حكمت مصر من وراء بارفان الملك الصالح نجم الدين أيوب وضاع بسبب حكمها شرف زوجها العسكري وتاريخه بل وضاعت معه ومعها أركان الدولة بكل رموزها وكانت هي آخر من قتلها الشعب بالقباقيب، بإيعاز من القادة العسكريين وقتذاك، فالعسكر لا يقبلون المساومة، العسكر في مصر لا يقبلون الحكم أبداً انطلاقاً من أحضان النساء.
يعلم حسني مبارك أنه واحد من الجيش، الجيش في أي بلد في العالم مدرسة واحدة لا يقبل المراوغة أو التلاعب، خطأ صغير يعني الهزيمة، التردد في التنفيذ يعني الخيانة العظمى، الجيش من أهم مناهجه، الأمر والطاعة ولا تعنيه التضحيات، فالزي العسكري ما دمت قد ارتديته فهذا يعني أنك قبلت فكرة الموت قبل فكرة الانتصار، التضحية والموت في قاموس الجيش والعسكرتاريا لا يعني سوى الشرف العسكري، وأومأ حسني مبارك بأنه يعي ذلك تماما وأن التوريث مسألة ليست محل نقاش أو مسألة قابلة للتداول في المستقبل لكونها مستحيلة، وخرج حسني مبارك من الاجتماع في مطار ألماظة عام 2009 وهو يردد: مصر بنت الجيش، أخذ يرددها لعلمه أن اعتلاء ابنه جمال مبارك كرسي الرئاسة في مصر يعني انقلابا داخليا على حكمه وسيكون آخر الاختيارات على الطاولة للمؤسسة العسكرية وهو الاختيار الذي دائما ما يكون على مضض تحت دعوى "مكره أخاك لا بطل"، لكون المؤسسة العسكرية تدين دوما بالولاء لبعضها البعض من اكبر قائد فيها وحتى أصغر جندي، فالشرف العسكري قدس الأقداس، لذا فالانقلاب الداخلي دائما ما يكون مبرره الخديعة، والخديعة هي رأس حربة الاستفزاز حيث يفقد من وخزتها العسكريين حلمهم وينقلبوا على من خدعهم غاضبين، سيفقد مبارك شرفه وتاريخه العسكري للأبد إن لجأ للخديعة، مرة أخرى ظل يردد: مصر بنت الجيش .. مصر بنت الجيش يا حسني.
بعد أقل من خمسة شهور وقبل شهر رمضان أواخر يوليو 2010 امتلأت شوارع القاهرة بملصقات وصور جمال مبارك رئيسا لمصر، لقد خدع حسني مبارك القادة العسكريين إذن، انصاع لأوامر السيدة الأولى ظنا منه أن هناك شخوصاً كالعادلي مثلاً يمكنه أن يحميه بمليون ونصف مليون جندي امن مركزي من قصاص المؤسسة العسكرية التي لا تملك سوى 800 ألف جندي، وربما هذا ما دفعه لأن يلقي خطابه في احتفالات اكتوبر 2010 بعيدا عن رفقاء السلاح وخوفاً من أن يتكرر سيناريو مقتل السادات، واكتفى بكلمة متلفزة من مقر اقامته محاطاً فقط بعدسات التليفزيون عكس مؤتمر الحزب الوطني ديسمبر 2010 الذي ألقى فيه خطابه تحت حماية العادلي أمام ثلاثة ملايين من اتباعه اعضاء الحزب الوطني على الهواء مباشرة، مسألة أقرب إلى غباء النهاية حينما يقترب الناس من حتمية القدر حينما يعلن القدر قرار النهاية فيختلط في عقول المحكوم عليهم بالإعدام من هو العدو من الصديق.
صور جمال مبارك وحملته الشعبية للترشح الرئاسي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها خديعة مبارك الضوء الأخضر للانقلاب العسكري الداخلي المحدود، ويجب ان يكون الانقلاب شعبيا حتى لا ينقسم الشارع المصري على نفسه فتحدث كارثة الانشقاق الوطني، لقد انتهت رئاسة حسني مبارك لمصر بالفعل بعد خطاب ديسمبر الحزب الوطني 2010، وجمال مبارك لن يكون رئيسا لمصر، كانت الساعة زيرو للتغيير هي الأزمة الحقيقية، متى تكون ساعة الصفر؟
ساعة الصفر ان كانت في اغتيال جمال مبارك بعدما يصبح رئيسا لمصر ستجعل الأمر كارثيا ومأساويا خاصة ونحن شعب رومانسي عاطفي نحكم دوماً على الامور بقلوبنا ومشاعرنا ونبكي ولا نفكر بعقولنا إلا في المراحل الأخيرة قبل الهلاك بلحظات ، وعليه فأن الفوضى التي ستخلف ذلك السيناريو ربما يمتد أثرها السلبي سنينا طويلة، مصر في غنى عنها، مصر في غنى دوماً عن سيناريو الاغتيالات، كما أن اقتصاد مصر كله اصبح في يد جمال مبارك ورجاله وهذا يعني أن اغتيال جمال مبارك سيهوي بمصر اقتصاديا للأبد، سيهرب اللصوص بأموال مصر ولا يعودون، لذا – في تقديري – تم استبعاد نظرية الاغتيال، خاصة أن السيناريو الأكثر شعبية يكاد يكون جاهزاً، فالشعب كله يحمل في ضميره غضب لا حدود له ولا يحتاج إلا لمحرك موثوق فيه شعبياً ليستثمر هذا الغضب فتتحرك معه الملايين لتنتهي نظرية التوريث لصالح الجيش – الغاضب ايضاً - ومن ثم لصالح الوطن والتي حتماً سيدعمها الجيش ويقف وراءها وقفة صادقة مخلصة لتتحقق نظرية " الشعب والجيش ايد واحدة" تحت مظلة " مصر بنت الجيش".
تكمن المشكلة في أن الشعب لا يثق في احد بعد استبداد وفساد حكم طيلة ثلاثين عاماً، بل ويظن أن المؤسسة العسكرية متواطئة أيضاً مع مبارك فيما آل إليه حال البلاد والعباد، من إذن سيعيد تلك الثقة بين الشعب والجيش؟ من سيحرك تلك الجموع المليونية من العمال والفلاحين وبائعي الكبدة والبطاطا ومرتادي الموالد الشعبية وعمال المقاهي والباعة الجائلين في حواري وأزقة القاهرة والمحافظات؟، من هؤلاء الذين يملكون تلك القدرة ؟ تنحي مبارك عن السلطة لن يكون مشروعا وملف التوريث لن يغلق للأبد لمجرد خروج بضعة آلاف مخلصة وصادقة من مثقفي الأنترنت! فمن هؤلاء بعدما يتم تحديد ساعة الصفر؟ ومتى ستكون ساعة الصفر الحقيقية؟ سؤالان في غاية الأهمية!.
حينما يقرر الله تغيير أمة فأنه يمنح ساعة الصفر للقائمين على التغيير، وكان " بو عزيزي" في تونس هو الإشارة القدرية التي التقطها المصريون واستثمروها.
كان غالب قادة الجيش خارج مصر فيما يسمى بالزيارات الروتينية التشاورية بين قادة الجيش في العالم وبعضهم البعض، حينما قامت ثورة تونس، كان لابد من عودة القادة الآن إلى مصر، فقد حانت ساعة الصفر القدرية.
لا يمكن انكار دور من قاموا بإشعال الشرارة الثورية الأولى في شوارع القاهرة والمدن الكبرى في مصر، لقد كانوا شباب مصر الرائع، شباب مصر الذي اطلق عليه الناس شباب الفيس بوك، ذلك الشباب الذي كان منه ضحايا الثورة الفعليين ( أكثر من 800 شاب وشابه قتلتهم مدفعية العادلي وزير الداخلية في كل محافظات مصر)، كان هؤلاء الشباب – شباب الفيس بوك - هم أنبياء الثورة الحقيقيين، ولكن الانبياء لا تنجو دعوتهم إلا بالأتباع، ولا تنتشر إلا باعتناق الملايين من هذه الأتباع لذلك المذهب الثوري، ونزل الجيش إلى شوارع مصر، منذ اللحظة الأولى أظهر انضمامه لجموع المسحوقين، كنت ترى وتندهش وانت تقرأ عبارات " يسقط مبارك" التي كتبها الشباب الغاضب على جدار الدبابات دون اي مقاومة من العسكريين وهي مسألة عجيبة أبدى فيها الجيش بما لا يدع مجالا لشك انه مع التغيير وان ساعة الصفر الآن.
أدرك مبارك أن الجيش رفض خدعته، أدرك نبرة حسم المؤسسة العسكرية في رفض ملف التوريث، أدرك في أول خطاب له للناس أن شرفه العسكري قد انتهى وان الحل الوحيد يكمن في رجل سوزان مبارك القوي، يكمن في حبيب العادلى، وان الجيش لن يقبل التورط، وكانت المجزرة التي راح ضحيتها المئات.
كان مبارك يعلم أنه ميت لا محاله، إذن لا سبيل سوى المراوغة ( حلاوة الروح ) والتلاعب مع رفقاء السلاح الذين يعلم أنهم لن يرتكبوا حماقة ويتورطون في ابادة الناس اكثر من ذلك وأنهم سيرضخون في النهاية تحت زيادة عدد الضحايا خاصة بعدما أوحي زكريا عزمي لمبارك بذلك.
ذكرنا سابقا أن الجيش لا ينظر للتضحيات إلا بكونها الشرف الوطني، لذا فقد كان سقوط الضحايا يمثل ثمنا للحرية، يمثل شرفا وطنيا رفيعاً، لكن الجيش لا يقبل المساومة أو المراوغة، ولن تسقط ضحايا أخرى، اللعبة انتهت، انتهى حسني مبارك لا محالة، انتهى حسني مبارك للأبد، وكانت أول طلقة رصاص تلقاها لتعلن بدء كتابة شهادة وفاته، هي انسحاب وزير داخلية السيدة الأولى حبيب العادلي من شوارع القاهرة والمحافظات بأكثر من مليون جندي أمن مركزي وفتح السجون واشاعة الفوضى لإجبار المؤسسة العسكرية على الرضوخ.
وجاء دور محرك الملايين الشعبية ليعلن مع الجيش وبإرادته نهاية السيناريو، خرجت جماعة الأخوان المسلمين، أعلنت عن دورها في اول مليونيه حقيقية يشهدها العالم منذ الثورة الفرنسية، وربما يظن قارئ أني اعطي قدرا للإخوان أو ابرز لهم دورا ولكني اتعامل هنا مع مصريون بغض النظر عن مسماهم، فهم كانوا بالفعل ورقة الجوكر التي في استطاعتها تحريك الملايين من عمال وفلاحين مصر، كانت هي الجماعة الوحيدة - لا شك - التي تستطيع تحريك هذه الملايين في كل عموم مصر، فصلاة جمعة واحدة كانت كفيلة لأن يخرج أكثر من مليوني مصري في ميدان التحرير فقط بخلاف ميادين مصر الأخرى في غالب المحافظات، وظلت الأخوان تعبئ وتخرج الملايين كل جمعة، وتقود ما يسمى بجماعات الدفاع الشعبي عن الممتلكات بالتنسيق مع الجيش بعد اختفاء الشرطة، بل أنها تولت الدفاع عن كنائس الأقباط وقتها وهو الأمر الذي دفع بعشرات الآلاف من الأقباط أن يكسروا حاجز صمتهم منذ أن كان يقودهم سياسيا المجاهد الكبير مكرم باشا عبيد، ويخرجوا ليردوا الجميل بالجميل ويحموا جيرانهم المسلمين من القتل اثناء صلاة الفجر وفي سرعة أقرب للمعجزة تلاحم شعب مصر كله، ولأول مرة منذ ثورة 1919 يخرج المصريين بالملايين مسلمين واقباط ليقيموا في الميادين صلاة وقداس، ولم تنجح ( غزوة الجمل ) أمام هذا التلاحم الغير مسبوق من منع مبارك أن يتنحى في 11 فبراير 2011.
ان الجماعات التي تظن اليوم أنها تستطيع أن تفوز بمصر وتلوي ذراع الجيش هي جماعات واهمة، وأقول أن من أهم استراتيجيات الجيش في اي بلد في العالم هي استراتيجية الارض المحروقة، وعليه فمن يحاول القول أو الايمان باستراتيجية " امتلاك الأرض" خارج المؤسسة العسكرية فهو كمن قرر الانتحار الذاتي بإطلاق الرصاص على نفسه قبل أن تحرق جثته، وعليه فإن ما تفعله بعض الجموع الدينية سواء اسلامية أو مسيحية، من مظاهرات وفوضى وضغط، هو بمثابة اعلان عن رؤوس فساد المستقبل، أنهم يطلقون الرصاص على أنفسهم، فكل ما يحدث اليوم، محسوبا عليهم غداً، ومن يتصور أنه سيعتلي كرسي رئاسة مصر رغماً عن الجيش فهو كمدخن المخدرات يحلم بواقع غير قابل للتحقق، ويهذي بكلمات غير مفهومة أهمها ( انا جدع ) قبل أن يسقط مغشياً عليه.
لن يحكم السلفيين مصر، ولن يحكم الأقباط مصر، ولن يحكم الليبراليين مصر، سيحكم مصر الجيش، وربما اشفق على شخص مثل حمدين صباحي وشخص مثل البرادعي، فهما لا يحملان عصا ( موسى ) التي ستطلق لمصر ( العنان ) في المستقبل القريب، الجيش يحكم بالفعل الآن، اتخذ قرارات مستقبلية بالفعل في قضايا كثيرة، المصالحة الفلسطينية، ملف المياه مع دول حوض النيل، احترامه لمعاهدة السلام وكل المعاهدات المصرية، علاقة الشراكة الاقتصادية المستقبلية مع الصين، فتح باب التعاون مع السودان الجنوبي والشمالي وفتح فرع لجامعة الاسكندرية في جوبا عاصمة السودان الجنوبي، ومسائل كثيرة، تدفعنا للإيمان أن الجيش يحكم بالفعل ولا ينتظر القادم، القادم يدرك من الآن أن " مصر بنت الجيش".

الأربعاء، 4 مايو 2011

الولايات المتحدة الأمريكية: أنا ربكم الأعلى !!

بقلم: محيي الدين إبراهيم
يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء المؤمنين صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

رب الأسرة يفقد هيبته حينما يفقد منهج الربوبية الذي من ادق تفاصيله الصدق وتحقيق العدل، ومن ثم يفقد الحكمة لينقلب ايمان رعاياه إلى كفر، وإذا كفر الناس بكبيرهم تفشت بينهم الفوضى، وتحول اطمئنان ضمائرهم إلى خراب، ومن الخراب ينتج الصراع وتتوالد الحروب ويعم الإرهاب والإفلاس.


أنا ربكم الأعلى .. هكذا اطلقها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية على الولايات المتحدة الأمريكية التي أنقذتهم من عار الهزيمة التي كادوا أن يفقدوا من خلالها أوطانهم بالاحتلال الألماني لولا تدخل اميركا – تلك الدولة الحديثة الفتية - بإلقائها القنابل الذرية فوق نجازاكي وهيروشيما وانهت بذلك الحرب لصالح حلفاءها الجدد، وأطلت على العالم بقوتها الجديدة مثل ( فتوات ) قصص نجيب محفوظ امام البسطاء من أهل الحارة الذين لا يملكون أمام ( الفتوات ) سوى الاستسلام.

يشير السياسيون الى ان الولايات المتحدة خاضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد أن صارت ربة هذا العالم ثلاث حروب لم تنتصر في ولا واحدة منهم، اثنتان في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية انتهيتا بهزائم قاسية بينما الثالثة ( الحرب ضد الإرهاب ) يعرف نتائجها اليوم الجنين في رحم أمه، ومدى التورط الذي تلاقيه الولايات المتحدة في افغانستان والعراق وبحثها عن مخرج سريع آمن منهما يحقق لها الحد الأدنى من الكرامة بعدما كادت أن تفلس ولم تحقق من حربها على الإرهاب أي نتائج توحي بالنصر حتى الآن سوى الفوضى الخلاقة.

يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل من الناس هم الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء الذين يؤمنون بذلك صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

ويؤكد ايمانويل وولريستين أن العناصر الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أدت إلى نمو وازدهار السيطرة الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية هي نفس العناصر التي سوف تؤدي إلى عرقلتها كقوة عظمى إذا استمرت في هذه السياسات الرعناء.

لقد شعرت الولايات المتحدة بالدهشة من انهيار الاتحاد السوفيتي المفاجئ والسريع ودون طلقة رصاص واحدة!.
إن انهيار الشيوعية بالفعل يمكن أن يؤدي إلى تسريع انهيار الليبرالية لأنه يزيل من الوجود المبرر الأيديولوجي الوحيد الذي كانت تستخدمه أمريكا لتبرر به سيطرتها على العالم، أي أن أمريكا فقدت شرعية سيطرتها على العالم بعد انهيار امبراطورية الشر، هذا الفقدان للشرعية هو الذي قاد بشكل مباشر إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990 بعد أن أدرك الرئيس العراقي أن معاهدات " يالطا " لم يعد لها وجود، وقد استخدمت أمريكا حرب الخليج الثانية لإخراج العراق من الكويت بهدف تأسيس شرعيتها الجديدة للسيطرة على العالم، ( تأسيس إمبراطورية شر جديدة ومضمونة ).

وجاءت فرصة صناعة امبراطورية الشر الجديدة لتحل محل الاتحاد السوفياتي والامبراطورية الشيوعية، جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وجاء معها رد الفعل العصبي عليها، وهنا اعلن بوش الابن الحرب على الإرهاب ( امبراطورية الشر الجديدة ) وأكد للشعب الأمريكي أن نتائج هذه الحرب مضمونة مائة في المائة، خاصة بعد أن نصحه مستشاريه بأنها الحل الوحيد لاستعادة أميركا لهيبتها وسيطرتها على العالم من جديد، ومن هذا المنطلق أخبر بوش العالم أنه إما أن يكون مع أمريكا أو مع الإرهاب، وأخيرا وجد الصقور الأمريكيون أنفسهم يسيطرون مرة أخرى على السياسة الأمريكية بعد سنوات طويلة من الشعور بالإحباط حتى في ظل أشد الحكومات الأمريكية محافظة مثل حكومة ريجان خلال الثمانينيات.

القوة العسكرية إذن هي أقوى ورقة في يد الولايات المتحدة اليوم، وفي الواقع هي الورقة الوحيدة لديها الآن بعد استنزاف حربها على الارهاب معظم الاقتصاد العالمي الذي بدأ يعاني من أزمات قاسية .. هذا هو كلام ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي» وأقول أن هذا الاقتصاد لن يسترد عافيته باستباحة ثروات الدول الصغيرة، ولكن بفرض منهج العدل لا منهج القوة، واحترام كرامة الشعوب بدلاً من التهديد بغزوها واستباحتها واشاعة الفتن فيها.

لقد نصح الصحفي سيمون تيسدول في جريدة «الجارديان» البريطانية أميركا بالفعل قبل خوضها حرباً ضد العراق حيث قال: بغض النظر عن الرأي العام العالمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية يجب ألا تغزو العراق لكونها ستتعرض لخسائر جسيمة ليس فقط على صعيد المصالح الاقتصادية وإمدادات البترول ولكن على كل المستويات، لأنها إذا قامت بغزو العراق واضطرت إلى الانسحاب منه دون نتائج ملموسة فسوف يبدو الأمر هزيمة كبيرة، وفي هذه الحالة ستكون الخيارات أمام الولايات المتحدة محدودة جدا ومن ثم سوف تواصل انهيارها كقوة عالمية مسيطرة على العالم خلال العقد القادم؛ فليس احتلال الأمم للأمم تحت دعوى الحرب على الإرهاب هو عصا موسى لخلاص العالم واستقرار القوى العظمى فيه.

الولايات المتحدة الأمريكية أمامها فرصة وحيدة فقط لاستعادة هيبتها من جديد أمام العالم، عليها أن تنسحب من دور الفتوة وشرطي العالم، عليها أن تعيد برنامج ربوبيتها للعالم إذا أرادت أن تكون ربة الأسرة العالمية على اسس شعبية، فقانون حماية الأقلية على سبيل المثال الذي استبدعته ( لحماية اسرائيل ) يحمل في مضمونه قانون استفزاز الأغلبية ، وقانون مكافحة الإرهاب أعطى الضوء الأخضر لطغاة العالم أن يسحقوا شعوبهم، العالم يتغير، الشعوب تنهض من كبوتها، الشباب يثور، ينتصر، يتغير العالم بشباب الثورة الآن وبالفعل، ولا تلقى الولايات المتحدة وسط هذا التغيير من هؤلاء الثوريين تعاطفاً معها على الإطلاق ربما لإيمانهم بأنها الوحيدة التي دعمت طغاتهم لأكثر من نصف قرن كما حدث مع مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي.

علي أميركا أن تنظر للقضايا العالمية وللشعوب بعين المساواة لا بعين العقاب، بعين الحكمة لا بعين الاستباحة، ولعل تمثيلية قتل بن لادن تكون هي الخروج الآمن – نأمل ذلك وندعمه - للولايات المتحدة الأمريكية من بلادنا وانقاذ هيبتها وكبريائها مما هي فيه الآن من مأزق نريده أن ينتهي كما تريده هي أيضاً أن ينتهي ليبدأ العالم استقراراً يشتهيه منذ زمن.

سنقبل وسنمثل طواعية دور ( الكومبارس ) الأغبياء في مسرحية قتل بن لادن الأمريكية للمرة الرابعة إن كان ذلك هو الحل الوحيد لبداية عهد عالمي جديد بلا حروب أو استباحة، سيقبل العالم تلك المحاولة الامريكية إن كانت مخلصة بالفعل وفي طياتها وبين سطورها اشارة لإغلاق ملف القوة والإرهاب وان يكون ذلك بداية التغيير في منهج الولايات المتحدة تجاه قضايا عالمية كثيرة أهمها قضية شعبنا في فلسطين ( أم القضايا ) والتحكم قليلاً في شذوذ ابنتها اسرائيل بما يحفظ استقرار العالم وخاصة أفريقيا وملف المياه في حوض النيل في مرحلة من أدق واحرج لحظات العالم الحضارية اليوم، يجب أن تعيد أميركا ثقة الشعوب المكافحة حول العالم فيها من جديد بانحيازها لحرية واستقرار الأغلبية وخاصة في العالم العربي الذي عانى ومازال يعاني من الفتن، العالم العربي الذي تثور الأغلبية فيه اليوم ضد حكامها الطغاة الذين ساندتهم أمريكا طويلاً باختيارها أو دون وعي سيان، نقول: لن يحافظ على الاستقرار العالمي سواء كان فيه صالح أميركا أو غيرها سوى الشعوب والأغلبية المسحوقة من شعوب العالم بعدما تستشعر مباشرة قيمة حريتها دون تدخل في ارادتها واستعادة ميزان العدل فيها واحترام الدول العظمى والكبرى لرغبتها في النهوض والكرامة بعدما استباحهم الطغاة سنوات تزلفا وتقربا لربهم الأعلى تحت مسمى الحرب على الإرهاب. 

أخرجوا من بلادنا كغزاة فبلادنا غير قابلة للاستباحة أو الغزو .. أخرجوا وسنستقبلكم في أوطاننا من جديد أصدقاء تؤمنون معنا بحريتنا وكرامتنا كما تؤمنوا ونؤمن معكم بحريتكم وكرامتكم، هذا هو الحل الوحيد.

الولايات المتحدة الأمريكية: أنا ربكم الأعلى !!

بقلم: محيي الدين إبراهيم
يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء المؤمنين صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

رب الأسرة يفقد هيبته حينما يفقد منهج الربوبية الذي من ادق تفاصيله الصدق وتحقيق العدل، ومن ثم يفقد الحكمة لينقلب ايمان رعاياه إلى كفر، وإذا كفر الناس بكبيرهم تفشت بينهم الفوضى، وتحول اطمئنان ضمائرهم إلى خراب، ومن الخراب ينتج الصراع وتتوالد الحروب ويعم الإرهاب والإفلاس.


أنا ربكم الأعلى .. هكذا اطلقها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية على الولايات المتحدة الأمريكية التي أنقذتهم من عار الهزيمة التي كادوا أن يفقدوا من خلالها أوطانهم بالاحتلال الألماني لولا تدخل اميركا – تلك الدولة الحديثة الفتية - بإلقائها القنابل الذرية فوق نجازاكي وهيروشيما وانهت بذلك الحرب لصالح حلفاءها الجدد، وأطلت على العالم بقوتها الجديدة مثل ( فتوات ) قصص نجيب محفوظ امام البسطاء من أهل الحارة الذين لا يملكون أمام ( الفتوات ) سوى الاستسلام.

يشير السياسيون الى ان الولايات المتحدة خاضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد أن صارت ربة هذا العالم ثلاث حروب لم تنتصر في ولا واحدة منهم، اثنتان في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية انتهيتا بهزائم قاسية بينما الثالثة ( الحرب ضد الإرهاب ) يعرف نتائجها اليوم الجنين في رحم أمه، ومدى التورط الذي تلاقيه الولايات المتحدة في افغانستان والعراق وبحثها عن مخرج سريع آمن منهما يحقق لها الحد الأدنى من الكرامة بعدما كادت أن تفلس ولم تحقق من حربها على الإرهاب أي نتائج توحي بالنصر حتى الآن سوى الفوضى الخلاقة.

يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل من الناس هم الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء الذين يؤمنون بذلك صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

ويؤكد ايمانويل وولريستين أن العناصر الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أدت إلى نمو وازدهار السيطرة الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية هي نفس العناصر التي سوف تؤدي إلى عرقلتها كقوة عظمى إذا استمرت في هذه السياسات الرعناء.

لقد شعرت الولايات المتحدة بالدهشة من انهيار الاتحاد السوفيتي المفاجئ والسريع ودون طلقة رصاص واحدة!.
إن انهيار الشيوعية بالفعل يمكن أن يؤدي إلى تسريع انهيار الليبرالية لأنه يزيل من الوجود المبرر الأيديولوجي الوحيد الذي كانت تستخدمه أمريكا لتبرر به سيطرتها على العالم، أي أن أمريكا فقدت شرعية سيطرتها على العالم بعد انهيار امبراطورية الشر، هذا الفقدان للشرعية هو الذي قاد بشكل مباشر إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990 بعد أن أدرك الرئيس العراقي أن معاهدات " يالطا " لم يعد لها وجود، وقد استخدمت أمريكا حرب الخليج الثانية لإخراج العراق من الكويت بهدف تأسيس شرعيتها الجديدة للسيطرة على العالم، ( تأسيس إمبراطورية شر جديدة ومضمونة ).

وجاءت فرصة صناعة امبراطورية الشر الجديدة لتحل محل الاتحاد السوفياتي والامبراطورية الشيوعية، جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وجاء معها رد الفعل العصبي عليها، وهنا اعلن بوش الابن الحرب على الإرهاب ( امبراطورية الشر الجديدة ) وأكد للشعب الأمريكي أن نتائج هذه الحرب مضمونة مائة في المائة، خاصة بعد أن نصحه مستشاريه بأنها الحل الوحيد لاستعادة أميركا لهيبتها وسيطرتها على العالم من جديد، ومن هذا المنطلق أخبر بوش العالم أنه إما أن يكون مع أمريكا أو مع الإرهاب، وأخيرا وجد الصقور الأمريكيون أنفسهم يسيطرون مرة أخرى على السياسة الأمريكية بعد سنوات طويلة من الشعور بالإحباط حتى في ظل أشد الحكومات الأمريكية محافظة مثل حكومة ريجان خلال الثمانينيات.

القوة العسكرية إذن هي أقوى ورقة في يد الولايات المتحدة اليوم، وفي الواقع هي الورقة الوحيدة لديها الآن بعد استنزاف حربها على الارهاب معظم الاقتصاد العالمي الذي بدأ يعاني من أزمات قاسية .. هذا هو كلام ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي» وأقول أن هذا الاقتصاد لن يسترد عافيته باستباحة ثروات الدول الصغيرة، ولكن بفرض منهج العدل لا منهج القوة، واحترام كرامة الشعوب بدلاً من التهديد بغزوها واستباحتها واشاعة الفتن فيها.

لقد نصح الصحفي سيمون تيسدول في جريدة «الجارديان» البريطانية أميركا بالفعل قبل خوضها حرباً ضد العراق حيث قال: بغض النظر عن الرأي العام العالمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية يجب ألا تغزو العراق لكونها ستتعرض لخسائر جسيمة ليس فقط على صعيد المصالح الاقتصادية وإمدادات البترول ولكن على كل المستويات، لأنها إذا قامت بغزو العراق واضطرت إلى الانسحاب منه دون نتائج ملموسة فسوف يبدو الأمر هزيمة كبيرة، وفي هذه الحالة ستكون الخيارات أمام الولايات المتحدة محدودة جدا ومن ثم سوف تواصل انهيارها كقوة عالمية مسيطرة على العالم خلال العقد القادم؛ فليس احتلال الأمم للأمم تحت دعوى الحرب على الإرهاب هو عصا موسى لخلاص العالم واستقرار القوى العظمى فيه.

الولايات المتحدة الأمريكية أمامها فرصة وحيدة فقط لاستعادة هيبتها من جديد أمام العالم، عليها أن تنسحب من دور الفتوة وشرطي العالم، عليها أن تعيد برنامج ربوبيتها للعالم إذا أرادت أن تكون ربة الأسرة العالمية على اسس شعبية، فقانون حماية الأقلية على سبيل المثال الذي استبدعته ( لحماية اسرائيل ) يحمل في مضمونه قانون استفزاز الأغلبية ، وقانون مكافحة الإرهاب أعطى الضوء الأخضر لطغاة العالم أن يسحقوا شعوبهم، العالم يتغير، الشعوب تنهض من كبوتها، الشباب يثور، ينتصر، يتغير العالم بشباب الثورة الآن وبالفعل، ولا تلقى الولايات المتحدة وسط هذا التغيير من هؤلاء الثوريين تعاطفاً معها على الإطلاق ربما لإيمانهم بأنها الوحيدة التي دعمت طغاتهم لأكثر من نصف قرن كما حدث مع مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي.

علي أميركا أن تنظر للقضايا العالمية وللشعوب بعين المساواة لا بعين العقاب، بعين الحكمة لا بعين الاستباحة، ولعل تمثيلية قتل بن لادن تكون هي الخروج الآمن – نأمل ذلك وندعمه - للولايات المتحدة الأمريكية من بلادنا وانقاذ هيبتها وكبريائها مما هي فيه الآن من مأزق نريده أن ينتهي كما تريده هي أيضاً أن ينتهي ليبدأ العالم استقراراً يشتهيه منذ زمن.

سنقبل وسنمثل طواعية دور ( الكومبارس ) الأغبياء في مسرحية قتل بن لادن الأمريكية للمرة الرابعة إن كان ذلك هو الحل الوحيد لبداية عهد عالمي جديد بلا حروب أو استباحة، سيقبل العالم تلك المحاولة الامريكية إن كانت مخلصة بالفعل وفي طياتها وبين سطورها اشارة لإغلاق ملف القوة والإرهاب وان يكون ذلك بداية التغيير في منهج الولايات المتحدة تجاه قضايا عالمية كثيرة أهمها قضية شعبنا في فلسطين ( أم القضايا ) والتحكم قليلاً في شذوذ ابنتها اسرائيل بما يحفظ استقرار العالم وخاصة أفريقيا وملف المياه في حوض النيل في مرحلة من أدق واحرج لحظات العالم الحضارية اليوم، يجب أن تعيد أميركا ثقة الشعوب المكافحة حول العالم فيها من جديد بانحيازها لحرية واستقرار الأغلبية وخاصة في العالم العربي الذي عانى ومازال يعاني من الفتن، العالم العربي الذي تثور الأغلبية فيه اليوم ضد حكامها الطغاة الذين ساندتهم أمريكا طويلاً باختيارها أو دون وعي سيان، نقول: لن يحافظ على الاستقرار العالمي سواء كان فيه صالح أميركا أو غيرها سوى الشعوب والأغلبية المسحوقة من شعوب العالم بعدما تستشعر مباشرة قيمة حريتها دون تدخل في ارادتها واستعادة ميزان العدل فيها واحترام الدول العظمى والكبرى لرغبتها في النهوض والكرامة بعدما استباحهم الطغاة سنوات تزلفا وتقربا لربهم الأعلى تحت مسمى الحرب على الإرهاب. 

أخرجوا من بلادنا كغزاة فبلادنا غير قابلة للاستباحة أو الغزو .. أخرجوا وسنستقبلكم في أوطاننا من جديد أصدقاء تؤمنون معنا بحريتنا وكرامتنا كما تؤمنوا ونؤمن معكم بحريتكم وكرامتكم، هذا هو الحل الوحيد.

الاثنين، 2 مايو 2011

أي -بن لادن- اليوم الذي يخدعنا الأمريكان بأنهم قتلوه في 2011 ؟؟



بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
في كانون الأول 2001، أجرت محطة «فوكس نيوز» مقابلة مع مصدر «طالباني» ادعى فيها بما لا يدع مجالاً لشك أنه حضر جنازة بن لادن بمشاركة نحو 30 من معاونيه. وأن سبب الوفاة كان نتيجة لالتهاب رئوي. وهي نفس القصة التي روّجتها «نيويورك تايمز» في 2002 استناداً إلى روايات شهود عيان بأن «بن لادن» مات نتيجة التهاب كلويّ
قتلت الولايات المتحدة الأمريكية اسامة بن لادن اكثر من أربعة مرات حقيقية وأعلنت عن مقتله في كل مرة اعلاميا وعالمياً خلال الإحدى عشرة سنة الماضية!!، وفي كل مرة يقتلوا فيها بن لادن تكون عملية الاغتيال متزامنة تماماً مع انتخابات الرئاسة!!، وفي كل مرة يقتلوه يخرج الأمريكان الى ميدان تايم اسكوير بولاية نيويورك وهو شبيه بميدان التحرير في مصر ويصرخ الشباب فيه هاتفين حتى الساعات الأولى من الصباح : ارفع راسك فوق إنت أميركي، ويصرخون ايضا :أميركا هي أمي، في كل مرة وبنفس الحماس وبنفس الصدق يهتفون ويصرخون، أليس ذلك عجيباً؟ إنها مسألة تدعو فعلاً للعجب من شعب المفروض أنه شعب أعظم دولة في العالم!، مسألة عجيبة ومحرجة في آن واحد، فليس البشر مخلوقين بهذا الحجم من الغباء! لكن يبدو أن اليأس والإفلاس الذي يخيم على الشارع الأمريكي اليوم يدفع أحيانا الأمم - التي كانت عظيمة - إلى أن تصدق أي شيء حتى ولو كان مخالف للمنطق، تماما كمدمني المخدرات الذين يهربون من واقع يعتبرونه قاسيا لغيبوبة يعتقلون أنفسهم فيها ظنا منهم أنهم ناجون.
هذا خبر نقلته مصادر أفغانية وباكستانية في ديسمبر 2001، وتناقله العالم وهاجت الناس خاصة حينما أكد الخبر الرئيس الباكستاني برويز مشرف وهو ان بن لادن توفي يوم 13 ديسمبر 2001، ودفن في نفس اليوم بمنطقة الجبال الواقعة جنوب شرقي افغانستان. ثم شعر العالم بالارتياح حينما أكد النبأ في شهر يوليو 2002 اعضاء تنظيم «القاعدة» أنفسهم ، المعتقلين لدى السلطات الاميركية في جوانتنامو، وحيث تمت حينها مقابلات صحفية وتليفزيونية مع أهالي ضحايا البرجين الذين بكوا أمام الشاشات من فرط سعادتهم بموت بن لادن!، فأي بن لادن اليوم ذلك الذي صرح اوباما بأن أمريكا قتلته عشية عيد العمال 2011، نريد أن نعرف فقط، خاصة ونحن على مشارف انتخابات الرئاسة الأمريكية.
تقول الصحفية " سو ريد " بجريدة ديلي ميل في 11 ايلول 2009 : كتب ضابط المخابرات الامريكية السابق "انجيلو كوديفلا " وهو ايضا استاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن : إن كل الاختراقات التي يقوم بها الغرب للاتصالات التي يقوم بها قائد القاعدة اسامة بن لادن توقفت فجأة في اواخر 2001، ويؤكد كوديفلا "ان افلام الفيديو التي تزعم انها لبن لادن لا يمكن ان تقنع المراقب المحايد. الرجل لا يبدو شبيها بأسامة. بعض الفيديوهات تبينه بأنف مقوس مثل الساميين في حين افلام اخرى تبينه بأنف اقصر وأعرض. اضافة الى ذلك الاختلافات في لون وشكل اللحية، اسامة بن لادن مات .. فلماذا يصرون على اعادته للحياة؟
وفي كتاب بعنوان (اسامة بن لادن : حي أم ميت؟) للفيلسوف والمحلل السياسي بروفيسور ديفد راي غريفن ، الاستاذ السابق في كلية كليرمونت للاهوت في كاليفورنيا يدرج تفاصيل اكثر حول موت بن لادن ويرى الكاتب ان الغرب يغطي على هذه الحقيقة، حيث يقول بروفيسور ديفد راي غريفن ان بن لادن توفي من فشل كلوي او من آثار جانبية متصلة بهذا المرض في 13 كانون الاول 2001 حين كان يعيش في جبال تورا بورا القريبة من الحدود مع وزيرستان وانه دفن بالفعل في خلال 24 ساعة حسب الطقوس الاسلامية في قبر غير معلم حسب المذهب الوهابي وقد أعلن ذلك رئيس الباكستان حينها بيرفيز مشرف في السي ان ان وقال: "أؤمن الان وبصدق انه ميت لأنه مريض بالفشل الكلوي وكان في غاية الضعف"، ويؤكد البروفيسور ديفد راي غريفن ان الكثير من اشرطة بن لادن التي عرضت منذ ذلك التاريخ ملفقة من قبل الغرب من اجل الايحاء بأنه مازال حيا وربما الهدف هو شحذ الدعم الدولي الذي بدأ يتلاشى للحرب على الارهاب في العراق وافغانستان. أما صحيفة الوفد المصرية في 26 كانون الاول 2001 – ويمكن الرجوع إليها – فقد أفادت بأن مسؤولا بارزا في طالبان اعلن ان اسامة بن لادن قد مات بالفعل ودفن حيث يقول الخبر :"كان يعاني من مضاعفات خطيرة ومات ميتة طبيعية هادئة ودفن في تورا بورا وقد حضر جنازته 30 من مقاتلي القاعدة وافراد من عائلته واصدقائه من طالبان. وحسب المذهب الوهابي لا توضع علامات على القبر" وعقبت الجريدة في ذات الخبر بقولها أن المسؤول الطالباني الذي لم يذكر اسمه رأى وجه بن لادن في قبره حيث كان شاحبا ولكنه وجهاً هادئا، ومرتاحا وواثقا"!!.
ربما أيضاً ما يدفعنا للتساؤل: أي بن لادن اليوم ذلك الذي صرح اوباما بأن أمريكا قتلته عشية عيد العمال 2011؟ ما ذكرته «واشنطن بوست» في أن الوحدة التابعة للاستخبارات والمكلّفة بملاحقة بن لادن أُوقفت عن العمل بالملاحقة في أواخر 2005. وفي منتصف آب 2007، قامت قوات مشتركة أميركية وأفغانية باجتياح كهوف تورا بورا، بعد معلومات استخبارية تفيد أن قادة «القاعدة» عقدوا اجتماعاً فيه قبل شهر رمضان وقتلت يومها عشرات المقاتلين من «طالبان»، ثم بعد هذا القتل العنيف بحثوا وأجادوا وأخلصوا في البحث فلم يجدوا لا بن لادن ولا نائبه أيمن الظواهري!!. ووقتها كانت أميركا وكأنها تريد أثبات شيئا مستحيلا وتعلم يقينا أنه مستحيلا بالفعل رغم أنه في كانون الأول 2001، أجرت محطة «فوكس نيوز» مقابلة مع مصدر «طالباني» ادعى فيها بما لا يدع مجالاً لشك أنه حضر جنازة بن لادن بمشاركة نحو 30 من معاونيه. وأن سبب الوفاة كان نتيجة لالتهاب رئوي. وهي نفس القصة التي روّجتها «نيويورك تايمز» في 2002 استناداً إلى روايات شهود عيان بأن «بن لادن» مات نتيجة التهاب كلويّ، وكذلك ما نقلته صحيفة «سيدني مورنينغ هيرالد» الأسترالية في نيسان 2005 عن مدير الدراسات الإرهابية في جامعة أستراليا الوطنية، كليف وليامز، قوله، إن وثائق قدمها إليه زميل هندي تؤكد أن بن لادن توفي إثر فشل كلوي في نيسان 2004. ثم أوردت بعدها صحيفة «لا ريبوبليك» الفرنسية في مفاجأة تنم عن الفوضى أو ربما التواطئ مع سيناريو المعارك الانتخابية الذي يصب في صالح الجمهوريين في أمريكا والاشتراكيين في اوروبا كمحاولة منها في التقارب الفرنسي الامريكي الذي كان يعاني وقتها فتورا قاسياً، أوردت فرنسا تقريراً من الاستخبارات الفرنسية يقول إن «بن لادن مات بالفعل في باكستان في 23 أغسطس 2006، إثر إصابته بحمّى التيفوئيد التي شلّت مفاصله السفلى، وكانت الاستخبارات السعودية أول العالمين بهذا الأمر، وأطلعت حكومتها عليه، وهي بدورها نقلت الخبر إلى الحكومة الفرنسية». وأعربت وزيرة الدفاع الفرنسية آنذاك، ميشيل آليوت ماري، عن أسفها بسبب نشر هذا التقرير، خاصة بعد زلّة اللسان الشهيرة لرئيسة الحكومة الباكستانية الراحلة، بنازير بوتو، خلال مقابلة على شبكة «سي أن أن» مع دايفيد فروست في تشرين الثاني 2007، حيث أكدت أن زعيم «القاعدة» قُتل على يد أحد معاونيه، المدعو عمر الشيخ، وذلك في ردّها على من تتهمهم بمحاولات اغتيالها، حيث قالت حينها إن «عمر الشيخ هو الرجل الذي قتل بن لادن»، زلة لسان حاول البعض التقليل من أهميتها على اعتبار ان بوتو أخطأت في التعبير لكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت الزلة التي أودت بحياتها حيث اغتيلت بعد هذا التصريح بشهور. 
موت "بن لادن" أو حياته لم تعد هي الأهم والأخطر اليوم، ولكن الأهم، هو أن تنظيم القاعدة الذي تحول إلى فكرة وإلهام، جعلت الأجهزة الأمنية العربية على مدار عشرة سنوات كاملة تنسب أي عمل ضد مصالحها أو مصالح اسرائيل أو الغرب في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية تحديداً إلى تنظيم القاعدة حتى وان كانت احتمالات قيام القاعدة به صفرا أو مخالفا للمنطق، لكسب الثقة الأمريكية في دعم تلك الأنظمة الفاسدة، أنظمة ثارت عليها شعوبها اليوم وانتصرت ومازالت تنتصر حتى صارت تلك الأنظمة تتلاشى الآن يوما بعد يوم، بدءا من نظام بن على في تونس ثم مبارك في مصر فعلي عبدالله صالح اليمن فمعمر القذافي في ليبيا وقريبا ستتحرر باقي الشعوب من كل طغاتها وبائعيها وملوك ورؤساء الفساد فيها الذين كانت تربطهم علاقات مشبوهة مع الأنظمة الغربية لصالح اسرائيل وأمن أسرائيل ومصالح الغرب على حساب ابناء الوطن المطحونين وهو ما جعل الغرب ينتبه الآن إلى أنه ربما يفقد كل شيء حتى غلالة البساط الذي يسير فوقه داخل أوطاننا، في ظل تنامي هذا المد الثوري الحقيقي الذي كانت من أهم بشائره التقارب المصري الأفريقي وخاصة اثيوبيا والكونغو وهو ما يؤشر إلى انفراج في ملف المياه ورأب الصدوع المستحدثة ( بسبب تدخل اسرائيل في أفريقيا ) بين بلدان القارة الواحدة والتي تحمل في ضمائرها علاقات أزلية، هذا إلى جانب ملف المصالحة الفلسطيني الذي ظهر فجأة بوساطة مصر ما بعد ثورة 25 يناير حيث كان مبارك يدعم حركات الانشقاق بين الفرقاء الفلسطينيين لصالح اسرائيل وهو ما جعلته ثورة مصر ماضيا عارا لا يمكن الاستمرار فيه لتصبح المصالحة الفلسطينية والاعتراف بالدولة هي الواقع الحتمي الذي يهدد اسرائيل بالفعل اليوم حسب ما تدعيه من خلال وسائل إعلامها.
الأمريكان يريدون الخروج إذن من البلدان التي استباحوها وكادوا أن يفلسوا بسبب غباء استباحتهم لها، اكتشفوا أن الشرق الأوسط قادم على ديموقراطيات من صناعة شعوبه وليس من صناعة لها صلة بأمريكا، ومن ثم فأمريكا مهددة بالخروج من تلك المنطقة بعد استقرارها الثوري كما يقول المثل المصري " من المولد بلا حمص" خاصة أنها دعمت سابقاً وطيلة اكثر من ثلاثة وأربعين عاماً كل الأنظمة القمعية في كل مكان فيه، ولهذا كان عليهم للمرة الألف أن ينهوا "دور" بن لادن، وسريعاً قبل الانتخابات الأمريكية وبعد الثورات العربية حتى وإن بدت عملية انهاء دوره بصورة غير منطقية كما يحدث اليوم، ليتفرغوا في إصلاح ما أفسدته رعونتهم وسياستهم الطفولية مع دول المنطقة العربية طيلة أكثر من عشرة سنوات هي حربهم على الإرهاب والتي افلسوا فيها تماماً وأفلس معهم العالم، إنهم يريدون أن يلملموا اشلائهم ليؤكدوا حرصهم على التعاون وربما دعم شباب التغيير أصحاب الثورات القائمة اليوم في الوطن العربي والتي حتماً ستغير خارطته من النقيض للنقيض، أميركا تريد أن تلملم أشلائها للحفاظ على الثروة العربية قبل أن تتسرب من يدها، وتريد أيضا الحفاظ على أمن اسرائيل الذي أصبح في خطر حقيقي قبل أن يفلت زمام المنطقة الاقتصادي للأبد ويصبح في يد دولة اخرى كالصين مثلاً، إنهم يريدون أن ينقذوا خيط الكرامة الوحيد المتبقي لديهم كدولة عظمى قبل أن ينقطع ويتآكل بفعل حتمية تغير الأمم والتاريخ، فهل سينجحون في ذلك؟ وإن نجحوا فهل نجاحهم هذا سيصب في مصلحة المواطن الأمريكي المطحون حاليا وانهكته حروب العشرة سنوات، أم سيصب في صالح اسرائيل، لأنه لاشك لن يصب في صالح العرب!!.
سؤال أخير برئ نوجهه للإدارة الأمريكية: هل ستكون هذا المرة هي المرة الأخيرة التي تقتلون فيها بن لادن وتغتالوه أم أن لكم تصورات متجددة لاغتياله مرات أخرى في المستقبل؟ مجرد سؤال برئ!!