الأربعاء، 3 مارس 2010

في حضرة نجيب محفوظ .. فول وطعمية وبصارة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول:

في عام 2005 كنا نحتفل بعيد ميلاد نجيب محفوظ وكنت وقتها من احدث الاعضاء الذين يجلسون في صالونه الذي ربطني به الاستاذ توفيق حنا أحد أهم أصدقاء نجيب محفوظ.
يبتسم نجيب محفوظ وهو يقول: لو كانت جائزة نوبل في حياة طه حسين ما كنت خرجت من بيتي ولا كنت تسلمتها، ثم يتذكر مداعباً: حين تقدمت في عام 1930م للدراسة في كلية الآداب، اخترت قسم الفلسفة، كان الدكتور طه حسين هو عميد الكلية، كان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه، ليتأكد هل أحسنوا الاختيار بدخولهم الأقسام التي اختاروها في الكلية أم لا ؟ وجاء دوري وسألني طه حسين عن سبب اختياري لقسم الفلسفة ، فأخذت أعبر له عن رأيي في أسباب اختياري لقسم الفلسفة وأهميته و.. و.. و.. ، عندئذ قال لي د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك كثير وغير مفهوم، ثم يضحك نجيب وكأنه يشير لشلة الحرافيش التي تحيط به أن يبدؤون بالمشاغبة وبالفعل بدأوا المشاغبة حتى حان وقت العشاء، فول، بصارة، طحينة، زيتون مخلل، عيش، باذنجان مخلل، طعمية، شوربة عدس، هكذا كان يعشق نجيب محفوظ هذا الجو الشعبي ، كان لا يأكل إلا بأمر الطبيب، ومن ثم لم يأكل معنا ولكنه كان يستمتع كثيراً بمشاهدة تلك الأطعمة الشعبية المصرية أمامه وأن يستنشق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه الحكيمة المقدسة، فيذهب عنك الاكتئاب، لم أكن أتخيل أن ينتاب هذا الإحساس الرفيع أي إنسان من رائحة الفول والطعمية والبصارة فما بالي وقد انتابت هذه الأحاسيس نجيب محفوظ !! ، مسألة مدهشة حقاً.
قال له " الغيطاني" وهو يداعبه: إذن فهي الشيخوخة التي تمنعك من الطعام يا أستاذ نجيب، وليست حجة الطبيب، فرد محفوظ : الشيخوخة تنشد السلامة يا "جمال" وهنا دفعتني كلمته إلى جملة قالها في أحدى رواياته فصحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول: "ما جدوى الندم بعد الثمانين.."، وكأنه بهذه الجملة يرثي حاله وربما يلخص رواية ميرامار بأكملها، لحظتها ساورني الفضول مرة أخرى بسؤاله: قرأنا كثيرا أن بسبب رواية ميرامار كان سيعتقلك عبد الناصر فهل هذا صحيح؟ انتابته لحظة تأمل كأنه ينبش في الماضي تلاها بضحكة مشاغبة ثم قال: لم تكن ميرامار ولكنها ثرثرة فوق النيل، قرأها المشير عبد الحكيم عامر فقرر اتخاذ شيء ضدي، لقد تصور انها رواية ضد الحكومة والنظام وعبد الناصر، ولكن الدكتور ثروت عكاشة – ربنا يحميه – جلس مع عبد الناصر ونبهه أننا لو أعتقلنا نجيب فلن تسكت الناس وربما تحدث مصيبة وهنا فوجئ بالسيارة التي جاءت لتعتقلني تعود من حيث أتت، ربنا يحميه ثروت عكاشة.

في حضرة نجيب محفوظ .. فول وطعمية وبصارة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول:

في عام 2005 كنا نحتفل بعيد ميلاد نجيب محفوظ وكنت وقتها من احدث الاعضاء الذين يجلسون في صالونه الذي ربطني به الاستاذ توفيق حنا أحد أهم أصدقاء نجيب محفوظ.
يبتسم نجيب محفوظ وهو يقول: لو كانت جائزة نوبل في حياة طه حسين ما كنت خرجت من بيتي ولا كنت تسلمتها، ثم يتذكر مداعباً: حين تقدمت في عام 1930م للدراسة في كلية الآداب، اخترت قسم الفلسفة، كان الدكتور طه حسين هو عميد الكلية، كان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه، ليتأكد هل أحسنوا الاختيار بدخولهم الأقسام التي اختاروها في الكلية أم لا ؟ وجاء دوري وسألني طه حسين عن سبب اختياري لقسم الفلسفة ، فأخذت أعبر له عن رأيي في أسباب اختياري لقسم الفلسفة وأهميته و.. و.. و.. ، عندئذ قال لي د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك كثير وغير مفهوم، ثم يضحك نجيب وكأنه يشير لشلة الحرافيش التي تحيط به أن يبدؤون بالمشاغبة وبالفعل بدأوا المشاغبة حتى حان وقت العشاء، فول، بصارة، طحينة، زيتون مخلل، عيش، باذنجان مخلل، طعمية، شوربة عدس، هكذا كان يعشق نجيب محفوظ هذا الجو الشعبي ، كان لا يأكل إلا بأمر الطبيب، ومن ثم لم يأكل معنا ولكنه كان يستمتع كثيراً بمشاهدة تلك الأطعمة الشعبية المصرية أمامه وأن يستنشق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه الحكيمة المقدسة، فيذهب عنك الاكتئاب، لم أكن أتخيل أن ينتاب هذا الإحساس الرفيع أي إنسان من رائحة الفول والطعمية والبصارة فما بالي وقد انتابت هذه الأحاسيس نجيب محفوظ !! ، مسألة مدهشة حقاً.
قال له " الغيطاني" وهو يداعبه: إذن فهي الشيخوخة التي تمنعك من الطعام يا أستاذ نجيب، وليست حجة الطبيب، فرد محفوظ : الشيخوخة تنشد السلامة يا "جمال" وهنا دفعتني كلمته إلى جملة قالها في أحدى رواياته فصحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول: "ما جدوى الندم بعد الثمانين.."، وكأنه بهذه الجملة يرثي حاله وربما يلخص رواية ميرامار بأكملها، لحظتها ساورني الفضول مرة أخرى بسؤاله: قرأنا كثيرا أن بسبب رواية ميرامار كان سيعتقلك عبد الناصر فهل هذا صحيح؟ انتابته لحظة تأمل كأنه ينبش في الماضي تلاها بضحكة مشاغبة ثم قال: لم تكن ميرامار ولكنها ثرثرة فوق النيل، قرأها المشير عبد الحكيم عامر فقرر اتخاذ شيء ضدي، لقد تصور انها رواية ضد الحكومة والنظام وعبد الناصر، ولكن الدكتور ثروت عكاشة – ربنا يحميه – جلس مع عبد الناصر ونبهه أننا لو أعتقلنا نجيب فلن تسكت الناس وربما تحدث مصيبة وهنا فوجئ بالسيارة التي جاءت لتعتقلني تعود من حيث أتت، ربنا يحميه ثروت عكاشة.