الخميس، 14 نوفمبر 2002

كتاب بوش يخوض الحرب - تأليف: بوب وودوارد، عرض ومناقشة: محمد الخولي

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
في الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في أدائه ما يبعث على الاطمئنان، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه !
هذا الكتاب.. صدر منذ أسابيع وما زال يحدث ضجة في أوساط السياسة ودوائر الاعلام في أميركا، وقد راجع بوب وودوارد محاضر ومذكرات أكثر من 50 اجتماعا لمجلس الأمن القومي، ويعد مؤلف الكتاب بوب وودوارد في طليعة الكتاب، المحققين ، الباحثين في الصحافة الأميركية، يرتبط اسمه بعدد من أهم الكتب السياسية التي قام بتأليفها أو شارك في اعدادها ابتداء من كتاب «كل رجال الرئيس» حول فضيحة ووترجيت (1974) الى كتاب «الحجاب» حول نشاط المخابرات المركزية الأميركية (1987) الى كتاب «القادة» (1991) حول ملابسات حرب الخليج الثانية. 
صباح الثلاثاء، الحادي عشر من سبتمبر، تناول السيناتور السابق رشفة من فنجان الشاي وسأل صديقه مدير المخابرات المركزية: ـ ترى ماذا يشغلك هذه الأيام؟ أجاب تينيت في كلمة واحدة: ـ ابن لادن. 
كان تينيت مشغولا بصاحب هذا الاسم على مدى العامين اللذين مضيا، ولدرجة أن تصور المحيطون به أن ابن لادن أصبح هاجسا كأنه وسواس تقمص عقل وفكر مدير المخابرات في واشنطن، وكان المدير يتوقع هجوما ارهابيا في كل لحظة يدبره ابن لادن، وقد خلص من واقع تجسسه على اتصالات دارت في صيف عام 2001 ـ وكان عدد الاتصالات بالتحديد هو 34 مخابرة ـ الى أن شيئا خطيرا في طريقه الى الحدوث، وكان المتوقع أن يحدث يوم 4 يوليو 2001 ـ يوم احتفالات أميركا السنوية بعيد استقلالها، لكن انقضت الاحتفالات وتوالت الأيام ولم يحدث شيء ولا بدت أخطار تلوح في الأفق ولا استطاعت دوائر الاستخبارات أن تحدد ماهية الخطر المتوقع ولا ظروف وقوعه لا من حيث المكان ولا من حيث الزمان. 
فجأة، شق عدد من حراس تينيت ـ بشكل غير مألوف ـ طريقهم الى مائدة مدير المخابرات المركزية ثم وقف أحدهم جامدا كتمثال ليقول: ـ سيادة المدير، ثمة مشكلة خطيرة. 
ـ تكلم. 
ـ مركز التجارة العالمي تعرض للهجوم. 
فيما طار تينيت بسيارته الى مقر وكالة المخابرات المركزية في ضاحية لانغلي قرب واشنطن، كان طبيعيا أن تستعرض ذاكرته شريط السنوات الخمس السابقة التي انشغلت فيها دوائر الاستخبارات والمباحث الأميركية بحكاية «أسامة بن لادن» وتنظيم «القاعدة»، ارتفعت حرارة هذا الانشغال بالذات في عام 1998 الذي شهد حادثة تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا، في ذلك الوقت أمر الرئيس كلينتون باطلاق 66 صاروخا لقصف معسكرات التدريب في أفغانستان حيث كان المعتقد أن ابن لادن يعقد اجتماعا فائق الأهمية، وجاء القصف بغير جدوى. 
وفي عام 1999 بدأت المخابرات الأميركية عملية سرية شملت تدريب 60 من أفراد الكوماندوز الذين اختيروا من المخابرات الباكستانية لتكليفهم بدخول أفغانستان والقبض على ابن لادن أسيرا، وطرحت عملية أخرى تهدف الى توقيفه على يد قوة أميركية خاصة محمولة على متن طائرات هليكوبتر قوامها 40 رجلا. 
اقترحوا أيضا عمليات أخرى ولكنها لم تصل الى نهايتها بسبب محاذير شتى من الفشل ومن الانكشاف وخاصة اذا ما وقعت خسائر بشرية في صفوف الأميركيين. 
ومن الأسرار التي ظلت حبيسة الصدور والملفات ذلك السر المتعلق بتجنيد 40 عميلا أفغانيا يشكلون مجموعة عمل تحمل اسم «سنيور» ويتكلفون عشرة آلاف دولار شهريا ويكلفون بتقصي آثار ابن لادن في أراضي أفغانستان وهم مزودون بما يلزم من سيارات ودراجات بخارية ـ والمدهش أن المجموعة المذكورة كانت تنجح في تحديد موقع وجود «المذكور» ولكنها لم تكن تنجح في تقديم معلومات حول فترة هذا الوجود بحيث يتم على أساسها التخطيط للقصف أو الهجوم. 
مع هذا كله فقد فشلت الاستخبارات المركزية في تجنيد عنصر بشري ـ جاسوس موثوق ضمن الدائرة المحيطة بابن لادن يمكن من خلاله التزويد بالمعلومات المطلوبة لمثل هذا القصف أو المداهمة أو الهجوم. 
لورا وتوكواز وتوينكل كان الرئيس بوش جالسا يقرأ سطورا من كتاب على مسامع أطفال في الصف الثاني بمدرسة ساروسوتا الابتدائية في فلوريدا حين أبلغه مستشاره كارل روف باصطدام طائرة مدنية بالمركز التجاري، ظن الرئيس أنها غلطة طيار، لكن ها هو رئيس ديوان البيت الأبيض أندرو كارد يقاطع رئيس الدولة ويهمس في أذنه قائلا: ـ طائرة ثانية صدمت البرج الثاني، أميركا تتعرض للهجوم. 
لقطة الكاميرا التي سجلت هذه اللحظة صورت رئيس أكبر دولة في العالم، شبك يديه في حجره، اكتسى وجهه بسحابة قاتمة كادت ملامحه تتجمد، وتشي بقدر ملحوظ من الارتباك وفي هذا يقول بوش (في تصريح سجله مؤلف الكتاب): ـ كان تفكيري هو: أنهم أعلنوا الحرب علينا وكان عزمي في تلك اللحظة أننا سوف نخوض غمار الحرب. 
في عصبية ظاهرة حرص رجال أمن البيت الأبيض على أن يتخذ الرئيس مكانه بأسرع ما يمكن على متن طائرة السلاح الجوي رقم واحد، وكان أول أوامره هو تأمين زوجته وابنتيه وبعد أن تحفظوا على لورا بوش في مكان أمين كانت مشكلتهم تتمثل في توكواز وتوينكل ـ وهما الاسمان الوهميان ـ الرمزيان لابنتي الرئيس بوش التوأم وحين حددوا مكان كل منهما وضعوا الأولى بربارا في مكتب المخابرات في نيوهافن شمالي ولاية نيويورك وتحفظوا على شقيقتها جينا في فندق ديرسكيل في أوستن ـ تكساس، وهي الولاية الأساسية لعائلة بوش بأكملها. 
تعكس وثائق تلك الساعات العصيبة ـ وبعضها تم اعلانه وبعضها مازال قيد السرية ـ قدرا واضحا من الفوضى والخلط والارتباك، كانت قد انقضت ثلاث ساعات ويزيد دون أن يسمع الناس خطابا أو تصريحا من الرئيس أو من أي مسئول كبير في الادارة بواشنطن. 
وفي الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في ادائه ما يبعث على الاطمئنان (كانت طائرة ثالثة قد ضربت مباني وزارة الدفاع ـ البنتاغون)، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه ختام البيان المؤلف من 219 كلمة من البيان الذي كان يلقيه على مسامع الأمة والعالم وكان الختام بعبارة قال فيها: ـ سيرى العالم أننا سوف نجتاز الامتحان. 

في الثالثة والنصف عصرا انعقد أول اجتماع لمجلس الأمن القومي لبحث الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة، لم يعقد الاجتماع كما هي العادة في قاعة البيت الأبيض، بل عقد في قاعدة جوية نائية بولاية نبراسكا، من جانبه أكد مدير المخابرات المركزية أنه يعتقد ـ بما يشبه اليقين ـ أن ابن لادن وراء الهجوم وأضاف أن راصدي الاتصالات بين أركان «القاعدة» أفادوا بأن عددا منهم، من المعروفين لدى دوائر الاستخبارات، تبادلوا التهاني بعد الهجوم، مع ذلك فقد ساد الاجتماع شعور بأن لا المخابرات المركزية ولا مكتب المباحث الفيدرالية كانا على مستوى الموقف، لا من حيث التوقعات ولا التحذيرات ولا موثوقية المعلومات، وربما لهذا السبب فقد بدأت المخابرات المركزية تموج بنشاط محموم وخاصة في مكتب مكافحة الارهاب ويتولى رئاسته جيمس بافيت الذي بعث الى مرؤوسيه المنتشرين في مكاتب الوكالة في أنحاء شتى من خريطة العالم برسالة سرية تحثهم على «مضاعفة جهودهم في جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه المأساة»، واختتم رسالته بدعوة ضباط مخابراته الى أن يشاركوه في «صلاة صامتة من أجل الآلاف الذين لقوا حتفهم اليوم ومن أجل أحبائهم الذين باتوا وحيدين من بعدهم» (يلاحظ تكرار لجوء المسئولين الأميركيين الذين يعرض لهم هذا الكتاب الى الصلوات والأدعية في مناسبات متعددة وخاصة في مستهل ما يعقدونه من لقاءات واجتماعات). 
ميلاد مبدأ بوش في المساء قرر الرئيس بوش أن يلقي بياناً على الأمة، جاءه كبير كاتبي خُطبه، مايكل كارسون بمسودة البيان وكانت تحوي عبارات تقول: ـ «ليس هذا عملا من أعمال الارهاب بل عمل من أعمال الحرب». 
وكانت العبارات ـ كما توخى كاتبها المحترف ـ تعكس المزاج النفسي للرئيس بوش على نحو ما شهدته ساعات النهار ـ لكنه استدعى مستشارته الأقدم كارين هيوز قائلا: ـ احذفوا هذه العبارات من البيان. 
لماذا؟ لأنه يريد ألا يزيد الناس غمّا بل يود أن يبعث في أفئدتهم بشعور من الطمأنينة ثم كان هناك تغيير آخر، وكان تغييرا جذريا وخطيرا أيضا، مشروع البيان كان يحوي عبارات تقول: ـ إن الولايات المتحدة لن تميز بين الذين خططوا لتلك الأعمال (الارهابية) وبين الذين تسامحوا مع الارهابيين أو شجعوهم. 
كان جورج دبليو بوش قد استقر أخيرا في مكتب الرئاسة البيضاوي وحين راجع مشروع البيان، علق على هذه العبارات قائلا: ـ إنها شديدة الغموض. 
ثم اقترح استخدام تعبير «يؤوي» وهكذا أصبحت سطور البيان الرسمي الذي سمعه العالم تفيد بأن أميركا لن تفّرق بين الذين خططوا وبين الذين يؤوون الارهابيين. 
وجاءت تلك العبارة لتجسد ما أصبح يعرف بعد ذلك باسم «مبدأ بوش» وجاءت أيضا ـ في رأي مؤلف الكتاب ـ لتشكل «إلتزاما عميقا بشكل لا يصدق بملاحقة الارهابيين ومن يحتضنونهم ومن يحمونهم، وقد تم اتخاذ هذا القرار دون مشاورة تشيني نائب الرئيس ولا باول وزير الخارجية ولا رامسفيلد وزير الدفاع». 
المسئول الوحيد الذي تمت مراجعته كانت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي وهي ـ كما يصفها المؤلف ـ تتبع أسلوب عدم الزام نفسها بشئ إلا إذا تعرضت لضغط من جانب الرئيس، وقد بدأت بأن قالت له: ـ تستطيع أن تقول ذلك الآن، ولكن أمامك فرص أخرى لكي تقوله. 
لكنها عادت لتحّبذ اعلان «المبدأ» في المساء ذاته على أساس أن أول ما يقال هو الأنجع والأهم من حيث الفعالية وعمق التأثير. 
في أول اجتماع لكبار الوزراء بعد أحداث سبتمبر ثارت تساؤلات عديدة، وكان أغلبها من جانب وزير الدفاع رامسفيلد الذي جاء الى البيت الأبيض وفي جيبه قائمة من ورقة واحدة تحوي أسئلة محورية تطلب اجابات شافية من قبيل: من نستهدف؟، كم من القرائن نمتلك لكي نخوض حربا ضد «القاعدة»؟ ضمن أي فترة زمنية؟ هل سيشارك في ذلك حلفاء أميركا؟، الخ. 
قال مدير المخابرات: أن طالبان والقاعدة هما شيء واحد. 
قال وزير الحربية: علينا ألا نقتصر على استخدام أدوات الحرب بل نستخدم كل قدراتنا القومية القانونية والمالية والدبلوماسية والمخابراتية. 
عاد مدير المخابرات المركزية يقول: ـ على الرغم من أن تنظيم القاعدة يتخذ مقره في أفغانستان إلا أنه يعمل على مستوى العالم كله، وفي جميع القارات ومن ثم فأمامنا مشكلة 60 بلدا. 
قال الرئيس بوش: فلنلتقط كل بلد منها مرة على حدة. 
قال وزير الحربية إن المشكلة ليست ابن لادن أو القاعدة وحسب بل هي أيضا في الأقطار التي دعمت الارهاب. 
قال الرئيس: علينا أن نجبر الأقطار على الاختيار. 
وحين انفض الاجتماع، كان الرئيس الذي لم يجرب ولا تدرب في مضمار الأمن القومي على وشك أن يبدأ السير على طريق الحرب المعقد الطويل من دون أن يمتلك خريطة يعتد بها توضح معالم هذا الطريق. 
خطط أوسع نطاقاً في الحادية عشرة وثماني دقائق بالضبط من الليلة نفسها، اقتحم رجال الأمن مخدع الرئيس بوش في البيت الأبيض، أيقظوه مع قرينته وهرعوا لاصطحابهما الى الملجأ الآمن في المقر الرئاسي، السبب هو ان طائرة مجهولة بدت في تلك اللحظات المشحونة بالتوتر وكأنها تقصد تحديدا البيت الأبيض، كان الرئيس يرتدي شورت الركض وعليه قميص بسيط، وكانت السيدة بوش ترتدي الروب المنزلي وتتحرك بغير عدساتها اللاصقة وقد هرع في أثرهما كلباهما سبوت وبارني، وفي الممر الطويل المفضي الى الملجأ، التقيا بالمستشارة رايس وعدد من كبار موظفي الرئاسة، كان الجميع في سباق الى حيث مخبأ الأمان، ورغم أن الطائرة أمكن تحديد شخصيتها بعد أن أخطأ قائدها بغير قصد مساره الجوي، فقد أراد رجال الخدمة السرية أن يقضي الرئيس ليلته في الملجأ، ألقى الرئيس نظرة على السرير الصغير البسيط ثم أعلن أنه عائد الى السكن الرئاسي، وما أن بلغ جناحه حتى آثر أن يملي عبارات من مذكراته التي يحرص على تسجيلها أسوة بوالده الرئيس الأسبق، يومها أملى جورج دبليو بوش العبارة التالية على جهاز التسجيل: ـ اليوم، وقعت «بيرل هاربور» القرن الحادي والعشرين. 
الثامنة تماما من صباح اليوم التالي، 12 سبتمبر وصل جورج تينيت كعادته الى المكتب البيضاوي لتقديم موجز الاستخبارات اليومي الى الرئيس، كان الموجز يحوي استعراضا للمعلومات السرية المتاحة بشأن متابعة ابن لادن وكبار معاونيه، من هذه المعلومات تقرير من قندهار أوضح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت محصلة تخطيط دام عامين ومن هذه التقارير أيضا ما أفاد بأن أركان القاعدة قدموا شكرهم على الانفجار الذي أصاب مبنى الكونغرس، ولم يكن هذا صحيحا بطبيعة الحال. كان الرئيس بوش ينفذ تدريجيا داخل زوايا الصورة، كانت ادارة كلينتون السابقة قد بدأت عمليات سرية داخل أفغانستان وقدمت عدة ملايين من الدولارات لقوات التحالف الشمالي المعارض ـ وقتها ـ لنظام طالبان في العاصمة كابل، وكانت المخابرات المركزية تحتفظ بصلات أيضا مع زعماء القبائل في جنوبي أفغانستان وكان لها كذلك عدة فرق شبه عسكرية تدخل أفغانستان وتخرج منها لادارة هذا النوع من الاتصالات. 
لكن بعد الأحداث الجديدة، ها هو مدير المخابرات المركزية يطلب الى رئيسه أن يوافق على خطط أوسع نطاقا وأبعد مدى وأفدح من حيث التكاليف وها هو مؤلف الكتاب يختتم الفصل الثالث بعبارات تقول: من ناحية هذه التكاليف الباهظة فإن مدير المخابرات المركزية الأميركية لم يحدد رقما بعينه، فالعملية تكاد تصل من حيث الكلفة الى نحو مليار دولار. 
وهنا قال الرئيس بوش: لا عليك، نفّذ مهما كانت التكاليف!

كتاب بوش يخوض الحرب - تأليف: بوب وودوارد، عرض ومناقشة: محمد الخولي

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
في الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في أدائه ما يبعث على الاطمئنان، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه !
هذا الكتاب.. صدر منذ أسابيع وما زال يحدث ضجة في أوساط السياسة ودوائر الاعلام في أميركا، وقد راجع بوب وودوارد محاضر ومذكرات أكثر من 50 اجتماعا لمجلس الأمن القومي، ويعد مؤلف الكتاب بوب وودوارد في طليعة الكتاب، المحققين ، الباحثين في الصحافة الأميركية، يرتبط اسمه بعدد من أهم الكتب السياسية التي قام بتأليفها أو شارك في اعدادها ابتداء من كتاب «كل رجال الرئيس» حول فضيحة ووترجيت (1974) الى كتاب «الحجاب» حول نشاط المخابرات المركزية الأميركية (1987) الى كتاب «القادة» (1991) حول ملابسات حرب الخليج الثانية. 
صباح الثلاثاء، الحادي عشر من سبتمبر، تناول السيناتور السابق رشفة من فنجان الشاي وسأل صديقه مدير المخابرات المركزية: ـ ترى ماذا يشغلك هذه الأيام؟ أجاب تينيت في كلمة واحدة: ـ ابن لادن. 
كان تينيت مشغولا بصاحب هذا الاسم على مدى العامين اللذين مضيا، ولدرجة أن تصور المحيطون به أن ابن لادن أصبح هاجسا كأنه وسواس تقمص عقل وفكر مدير المخابرات في واشنطن، وكان المدير يتوقع هجوما ارهابيا في كل لحظة يدبره ابن لادن، وقد خلص من واقع تجسسه على اتصالات دارت في صيف عام 2001 ـ وكان عدد الاتصالات بالتحديد هو 34 مخابرة ـ الى أن شيئا خطيرا في طريقه الى الحدوث، وكان المتوقع أن يحدث يوم 4 يوليو 2001 ـ يوم احتفالات أميركا السنوية بعيد استقلالها، لكن انقضت الاحتفالات وتوالت الأيام ولم يحدث شيء ولا بدت أخطار تلوح في الأفق ولا استطاعت دوائر الاستخبارات أن تحدد ماهية الخطر المتوقع ولا ظروف وقوعه لا من حيث المكان ولا من حيث الزمان. 
فجأة، شق عدد من حراس تينيت ـ بشكل غير مألوف ـ طريقهم الى مائدة مدير المخابرات المركزية ثم وقف أحدهم جامدا كتمثال ليقول: ـ سيادة المدير، ثمة مشكلة خطيرة. 
ـ تكلم. 
ـ مركز التجارة العالمي تعرض للهجوم. 
فيما طار تينيت بسيارته الى مقر وكالة المخابرات المركزية في ضاحية لانغلي قرب واشنطن، كان طبيعيا أن تستعرض ذاكرته شريط السنوات الخمس السابقة التي انشغلت فيها دوائر الاستخبارات والمباحث الأميركية بحكاية «أسامة بن لادن» وتنظيم «القاعدة»، ارتفعت حرارة هذا الانشغال بالذات في عام 1998 الذي شهد حادثة تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا، في ذلك الوقت أمر الرئيس كلينتون باطلاق 66 صاروخا لقصف معسكرات التدريب في أفغانستان حيث كان المعتقد أن ابن لادن يعقد اجتماعا فائق الأهمية، وجاء القصف بغير جدوى. 
وفي عام 1999 بدأت المخابرات الأميركية عملية سرية شملت تدريب 60 من أفراد الكوماندوز الذين اختيروا من المخابرات الباكستانية لتكليفهم بدخول أفغانستان والقبض على ابن لادن أسيرا، وطرحت عملية أخرى تهدف الى توقيفه على يد قوة أميركية خاصة محمولة على متن طائرات هليكوبتر قوامها 40 رجلا. 
اقترحوا أيضا عمليات أخرى ولكنها لم تصل الى نهايتها بسبب محاذير شتى من الفشل ومن الانكشاف وخاصة اذا ما وقعت خسائر بشرية في صفوف الأميركيين. 
ومن الأسرار التي ظلت حبيسة الصدور والملفات ذلك السر المتعلق بتجنيد 40 عميلا أفغانيا يشكلون مجموعة عمل تحمل اسم «سنيور» ويتكلفون عشرة آلاف دولار شهريا ويكلفون بتقصي آثار ابن لادن في أراضي أفغانستان وهم مزودون بما يلزم من سيارات ودراجات بخارية ـ والمدهش أن المجموعة المذكورة كانت تنجح في تحديد موقع وجود «المذكور» ولكنها لم تكن تنجح في تقديم معلومات حول فترة هذا الوجود بحيث يتم على أساسها التخطيط للقصف أو الهجوم. 
مع هذا كله فقد فشلت الاستخبارات المركزية في تجنيد عنصر بشري ـ جاسوس موثوق ضمن الدائرة المحيطة بابن لادن يمكن من خلاله التزويد بالمعلومات المطلوبة لمثل هذا القصف أو المداهمة أو الهجوم. 
لورا وتوكواز وتوينكل كان الرئيس بوش جالسا يقرأ سطورا من كتاب على مسامع أطفال في الصف الثاني بمدرسة ساروسوتا الابتدائية في فلوريدا حين أبلغه مستشاره كارل روف باصطدام طائرة مدنية بالمركز التجاري، ظن الرئيس أنها غلطة طيار، لكن ها هو رئيس ديوان البيت الأبيض أندرو كارد يقاطع رئيس الدولة ويهمس في أذنه قائلا: ـ طائرة ثانية صدمت البرج الثاني، أميركا تتعرض للهجوم. 
لقطة الكاميرا التي سجلت هذه اللحظة صورت رئيس أكبر دولة في العالم، شبك يديه في حجره، اكتسى وجهه بسحابة قاتمة كادت ملامحه تتجمد، وتشي بقدر ملحوظ من الارتباك وفي هذا يقول بوش (في تصريح سجله مؤلف الكتاب): ـ كان تفكيري هو: أنهم أعلنوا الحرب علينا وكان عزمي في تلك اللحظة أننا سوف نخوض غمار الحرب. 
في عصبية ظاهرة حرص رجال أمن البيت الأبيض على أن يتخذ الرئيس مكانه بأسرع ما يمكن على متن طائرة السلاح الجوي رقم واحد، وكان أول أوامره هو تأمين زوجته وابنتيه وبعد أن تحفظوا على لورا بوش في مكان أمين كانت مشكلتهم تتمثل في توكواز وتوينكل ـ وهما الاسمان الوهميان ـ الرمزيان لابنتي الرئيس بوش التوأم وحين حددوا مكان كل منهما وضعوا الأولى بربارا في مكتب المخابرات في نيوهافن شمالي ولاية نيويورك وتحفظوا على شقيقتها جينا في فندق ديرسكيل في أوستن ـ تكساس، وهي الولاية الأساسية لعائلة بوش بأكملها. 
تعكس وثائق تلك الساعات العصيبة ـ وبعضها تم اعلانه وبعضها مازال قيد السرية ـ قدرا واضحا من الفوضى والخلط والارتباك، كانت قد انقضت ثلاث ساعات ويزيد دون أن يسمع الناس خطابا أو تصريحا من الرئيس أو من أي مسئول كبير في الادارة بواشنطن. 
وفي الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في ادائه ما يبعث على الاطمئنان (كانت طائرة ثالثة قد ضربت مباني وزارة الدفاع ـ البنتاغون)، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه ختام البيان المؤلف من 219 كلمة من البيان الذي كان يلقيه على مسامع الأمة والعالم وكان الختام بعبارة قال فيها: ـ سيرى العالم أننا سوف نجتاز الامتحان. 

في الثالثة والنصف عصرا انعقد أول اجتماع لمجلس الأمن القومي لبحث الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة، لم يعقد الاجتماع كما هي العادة في قاعة البيت الأبيض، بل عقد في قاعدة جوية نائية بولاية نبراسكا، من جانبه أكد مدير المخابرات المركزية أنه يعتقد ـ بما يشبه اليقين ـ أن ابن لادن وراء الهجوم وأضاف أن راصدي الاتصالات بين أركان «القاعدة» أفادوا بأن عددا منهم، من المعروفين لدى دوائر الاستخبارات، تبادلوا التهاني بعد الهجوم، مع ذلك فقد ساد الاجتماع شعور بأن لا المخابرات المركزية ولا مكتب المباحث الفيدرالية كانا على مستوى الموقف، لا من حيث التوقعات ولا التحذيرات ولا موثوقية المعلومات، وربما لهذا السبب فقد بدأت المخابرات المركزية تموج بنشاط محموم وخاصة في مكتب مكافحة الارهاب ويتولى رئاسته جيمس بافيت الذي بعث الى مرؤوسيه المنتشرين في مكاتب الوكالة في أنحاء شتى من خريطة العالم برسالة سرية تحثهم على «مضاعفة جهودهم في جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه المأساة»، واختتم رسالته بدعوة ضباط مخابراته الى أن يشاركوه في «صلاة صامتة من أجل الآلاف الذين لقوا حتفهم اليوم ومن أجل أحبائهم الذين باتوا وحيدين من بعدهم» (يلاحظ تكرار لجوء المسئولين الأميركيين الذين يعرض لهم هذا الكتاب الى الصلوات والأدعية في مناسبات متعددة وخاصة في مستهل ما يعقدونه من لقاءات واجتماعات). 
ميلاد مبدأ بوش في المساء قرر الرئيس بوش أن يلقي بياناً على الأمة، جاءه كبير كاتبي خُطبه، مايكل كارسون بمسودة البيان وكانت تحوي عبارات تقول: ـ «ليس هذا عملا من أعمال الارهاب بل عمل من أعمال الحرب». 
وكانت العبارات ـ كما توخى كاتبها المحترف ـ تعكس المزاج النفسي للرئيس بوش على نحو ما شهدته ساعات النهار ـ لكنه استدعى مستشارته الأقدم كارين هيوز قائلا: ـ احذفوا هذه العبارات من البيان. 
لماذا؟ لأنه يريد ألا يزيد الناس غمّا بل يود أن يبعث في أفئدتهم بشعور من الطمأنينة ثم كان هناك تغيير آخر، وكان تغييرا جذريا وخطيرا أيضا، مشروع البيان كان يحوي عبارات تقول: ـ إن الولايات المتحدة لن تميز بين الذين خططوا لتلك الأعمال (الارهابية) وبين الذين تسامحوا مع الارهابيين أو شجعوهم. 
كان جورج دبليو بوش قد استقر أخيرا في مكتب الرئاسة البيضاوي وحين راجع مشروع البيان، علق على هذه العبارات قائلا: ـ إنها شديدة الغموض. 
ثم اقترح استخدام تعبير «يؤوي» وهكذا أصبحت سطور البيان الرسمي الذي سمعه العالم تفيد بأن أميركا لن تفّرق بين الذين خططوا وبين الذين يؤوون الارهابيين. 
وجاءت تلك العبارة لتجسد ما أصبح يعرف بعد ذلك باسم «مبدأ بوش» وجاءت أيضا ـ في رأي مؤلف الكتاب ـ لتشكل «إلتزاما عميقا بشكل لا يصدق بملاحقة الارهابيين ومن يحتضنونهم ومن يحمونهم، وقد تم اتخاذ هذا القرار دون مشاورة تشيني نائب الرئيس ولا باول وزير الخارجية ولا رامسفيلد وزير الدفاع». 
المسئول الوحيد الذي تمت مراجعته كانت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي وهي ـ كما يصفها المؤلف ـ تتبع أسلوب عدم الزام نفسها بشئ إلا إذا تعرضت لضغط من جانب الرئيس، وقد بدأت بأن قالت له: ـ تستطيع أن تقول ذلك الآن، ولكن أمامك فرص أخرى لكي تقوله. 
لكنها عادت لتحّبذ اعلان «المبدأ» في المساء ذاته على أساس أن أول ما يقال هو الأنجع والأهم من حيث الفعالية وعمق التأثير. 
في أول اجتماع لكبار الوزراء بعد أحداث سبتمبر ثارت تساؤلات عديدة، وكان أغلبها من جانب وزير الدفاع رامسفيلد الذي جاء الى البيت الأبيض وفي جيبه قائمة من ورقة واحدة تحوي أسئلة محورية تطلب اجابات شافية من قبيل: من نستهدف؟، كم من القرائن نمتلك لكي نخوض حربا ضد «القاعدة»؟ ضمن أي فترة زمنية؟ هل سيشارك في ذلك حلفاء أميركا؟، الخ. 
قال مدير المخابرات: أن طالبان والقاعدة هما شيء واحد. 
قال وزير الحربية: علينا ألا نقتصر على استخدام أدوات الحرب بل نستخدم كل قدراتنا القومية القانونية والمالية والدبلوماسية والمخابراتية. 
عاد مدير المخابرات المركزية يقول: ـ على الرغم من أن تنظيم القاعدة يتخذ مقره في أفغانستان إلا أنه يعمل على مستوى العالم كله، وفي جميع القارات ومن ثم فأمامنا مشكلة 60 بلدا. 
قال الرئيس بوش: فلنلتقط كل بلد منها مرة على حدة. 
قال وزير الحربية إن المشكلة ليست ابن لادن أو القاعدة وحسب بل هي أيضا في الأقطار التي دعمت الارهاب. 
قال الرئيس: علينا أن نجبر الأقطار على الاختيار. 
وحين انفض الاجتماع، كان الرئيس الذي لم يجرب ولا تدرب في مضمار الأمن القومي على وشك أن يبدأ السير على طريق الحرب المعقد الطويل من دون أن يمتلك خريطة يعتد بها توضح معالم هذا الطريق. 
خطط أوسع نطاقاً في الحادية عشرة وثماني دقائق بالضبط من الليلة نفسها، اقتحم رجال الأمن مخدع الرئيس بوش في البيت الأبيض، أيقظوه مع قرينته وهرعوا لاصطحابهما الى الملجأ الآمن في المقر الرئاسي، السبب هو ان طائرة مجهولة بدت في تلك اللحظات المشحونة بالتوتر وكأنها تقصد تحديدا البيت الأبيض، كان الرئيس يرتدي شورت الركض وعليه قميص بسيط، وكانت السيدة بوش ترتدي الروب المنزلي وتتحرك بغير عدساتها اللاصقة وقد هرع في أثرهما كلباهما سبوت وبارني، وفي الممر الطويل المفضي الى الملجأ، التقيا بالمستشارة رايس وعدد من كبار موظفي الرئاسة، كان الجميع في سباق الى حيث مخبأ الأمان، ورغم أن الطائرة أمكن تحديد شخصيتها بعد أن أخطأ قائدها بغير قصد مساره الجوي، فقد أراد رجال الخدمة السرية أن يقضي الرئيس ليلته في الملجأ، ألقى الرئيس نظرة على السرير الصغير البسيط ثم أعلن أنه عائد الى السكن الرئاسي، وما أن بلغ جناحه حتى آثر أن يملي عبارات من مذكراته التي يحرص على تسجيلها أسوة بوالده الرئيس الأسبق، يومها أملى جورج دبليو بوش العبارة التالية على جهاز التسجيل: ـ اليوم، وقعت «بيرل هاربور» القرن الحادي والعشرين. 
الثامنة تماما من صباح اليوم التالي، 12 سبتمبر وصل جورج تينيت كعادته الى المكتب البيضاوي لتقديم موجز الاستخبارات اليومي الى الرئيس، كان الموجز يحوي استعراضا للمعلومات السرية المتاحة بشأن متابعة ابن لادن وكبار معاونيه، من هذه المعلومات تقرير من قندهار أوضح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت محصلة تخطيط دام عامين ومن هذه التقارير أيضا ما أفاد بأن أركان القاعدة قدموا شكرهم على الانفجار الذي أصاب مبنى الكونغرس، ولم يكن هذا صحيحا بطبيعة الحال. كان الرئيس بوش ينفذ تدريجيا داخل زوايا الصورة، كانت ادارة كلينتون السابقة قد بدأت عمليات سرية داخل أفغانستان وقدمت عدة ملايين من الدولارات لقوات التحالف الشمالي المعارض ـ وقتها ـ لنظام طالبان في العاصمة كابل، وكانت المخابرات المركزية تحتفظ بصلات أيضا مع زعماء القبائل في جنوبي أفغانستان وكان لها كذلك عدة فرق شبه عسكرية تدخل أفغانستان وتخرج منها لادارة هذا النوع من الاتصالات. 
لكن بعد الأحداث الجديدة، ها هو مدير المخابرات المركزية يطلب الى رئيسه أن يوافق على خطط أوسع نطاقا وأبعد مدى وأفدح من حيث التكاليف وها هو مؤلف الكتاب يختتم الفصل الثالث بعبارات تقول: من ناحية هذه التكاليف الباهظة فإن مدير المخابرات المركزية الأميركية لم يحدد رقما بعينه، فالعملية تكاد تصل من حيث الكلفة الى نحو مليار دولار. 
وهنا قال الرئيس بوش: لا عليك، نفّذ مهما كانت التكاليف!

السبت، 9 نوفمبر 2002

فارس الأحلام .... والكرش

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

كلما كان الرجل صاحب كرش ممتلئ وزوائد لحمية منتشرة في سائر الجسد هنا وهناك كلما كان هذا الرجل غنياً مترفاً شبعاً، وهو بهذا الكرش وهذا الشبع يضع قانوناً جديداً لفارس الأحلام الذي لن يقوى بالطبع على اختطاف حبيبته على حمار او ربما كلب ولكن سيحتويها كالجردل للخيشة. 
قديما قالوا أن الأنسان يستحيل عليه أن يحلم بماليس موجوداً، بمعني ان الانسان عندما حلم ان يطير كان هناك العصفور ولما اراد ان يغوص في اعماق البحار كانت هناك السمكة، وهذا يدل على ان الحلم اي حلم لابد له من دافع موجود او معطى يدخل في تكوين الحلم فاما ان يصبح واقع محسن اويفقد الحالم به حياته ورحمة الله على عباس بن فرناس ضحية حلم الطيران في الاندلس. 
ومن هذا التمهيد القصير نستطيع ببساطة ان نترحم ( الف رحمة ونور ) على احلام بنات الشرق في فارس الأحلام الذي صار له كرشاً ذا جاة ولغداً ( مدلدلاً ) ذو سطوة يمتد من خلف الاذن وحتى اخمص الرقبة وجسماً مكعبراً روتينياً لاتكاد تعثر فيه على ذراع حتى تكتشف انه ليس ذراعاً ولكنه زائدة لحمية من زوائد الجسم المترهل والذي فقد رياضته منذ ان تكوم في روتينيات العمل والحياة. 
والرجل الشرفي بطبعة واضع قوانين، هذه هي طبيعته، وان لم يجد من يطبق عليه هذه القوانين تزوج امراة ليطبق عليها هذه القوانين ثم اجبرها جبر السيد للعبد على الخلفة ليجند لهذه القوانين من ابناءه اتباع ومريدين وخلصاء ( واللي مش عاجبه ياخد بالجزمة تحت دعوى ولادي وانا حر فيهم ). 
والكرش الشرقي تحديداً هو كرش يدل دلالة قطعية على بحبوحة العيش ورغد الحال فكلما كان الرجل صاحب كرش ممتلئ وزوائد لحمية منتشرة في سائر الجسد هنا وهناك انتشاراً عشوائياً لاتدري لها بداية من نهاية كلما كان هذا الرجل غنياً مترفاً شبعاً، وهو بهذا الكرش وهذا الشبع يضع قانوناً جديداً لفارس الاحلام الذي لن يقوى بالطبع على اختطاف حبيبته على حمار او ربما كلب ولكن سيحتويها كالجردل للخيشة. 
اما اللغد فحدث ولا حرج، يذكرني فيه بعض الرجال ( اصدقائي ) بترهلات الجاموس الوحشي حينما يهرول قطيعة مخافة ذئب فيترجرج اللغد يمنة ويسرة باتجاة الاذنين في حرية كاملة وعنف فطري مما يؤثر على طبيعة صيوان الاذن الخارجي فيتفلطح كورقة شجرة الخروع المشهورة التي تذكرك بالام المعدة وجرايانها. 
والفتاه في مجتمعنا الشرقي اصبحت لاتتوقع فارساً للأحلام على النمط الغربي اطلاقاً واعني بالنمط الغربي ان يكون رياضياً طويلاً تتناسب رأسه الدقيق مع نحالة جسمة وليست كالكرة التي يتراقص حولها لاعبي السلة تختفي في كثافة لحمها الذقن والانف وربما العين ايضاً فيبدو الفارس المتكور صاحب الزوائد وكأن راسه كبيضة الديناصور وقد علقت فوقها بعض اشياء من قش ( يسمى شعر ). 
ان الرجل الشرقي بعد ان يدخل في روتينيات الحياة يسارع في اهمال نفسه حتى انك تندهش من اتفاق غالبية الرجال على اختيار نمط شجرة الجميز كنمط مثالي يتم الاقتداء به والتلذذ بمحاكاته. 
ومن هذا المنطلق اصبح كل شئ مختلف الطبيعة في عالمنا الشرقي فالكرش ترف واللغد بحبوحة وكذلك الأجرام دلالة على حرية الرأي عند الرجل وربما عناده ايضاً. 
واختلاف المفاهيم والمعطيات العامة الى هذه المرحلة المؤلمة أدت بطبيعة الحال لفقد بعض المعاني الجميلة لدى المرأة الشرقية في نظرتها نحو الرجل ( فارس الاحلام ) فهي ترى أن الرجل قليل الادب ابو كرش ولغد صاحب السلطة والقهر والتسيد داخل المنزل هو رجل بمعنى الكلمة، وربما تجد امرأة في غاية الجمال والرقة ثم فجأة تتحول وكأن على رأسها الطير تفقد اتزانها وتهذي بكلمات غير مفهومة وربما تعتريها حركات مجنونة ايضاً وتجدها مهرولة غائبة عن الوعي تغادر محل عملها فورا لان عظيم اشاوس العرب والروم ( جوزها ) حلف عليها يمين طلاق لو اتأخرت خمس دقايق ماهي شايفة منه خير ولانها ان لم تمشي على العجين ماتلخبطوش كما اوحي لها هذا العنتر بن شداد فهي ستصير من وجهه نظره العنترية ام كرش امرأة ناشذ تستحق الصلب على احد اعمدة النور في ميدان سيدي عبد الواحد الدمهوجي بنجع سيدي جلال. 
ورجال الثورة في وطننا قديماً لم يكن الواحد فيهم مجرماً ابداً بل كنت تراة وكانه عصفور دقيق يقبع بين خلصاءة من رجال يعرفون بسيماهم، ولاتتوقع ان يكون هذا الدمث الخلق ثورياً اطلاقاً الا بعد ان تسمع عن افعاله وغزواته كعز الدين القسام ومصطفى كامل والشيخ عمر المختار بل اني اتذكر ان القادة المسلمين كانوا يعجبون من هدوء صلاح الدين ورقة افعاله حتى ان احد قادة الصليبين ويدعى ( أرمان ) قال له لاأصدق ان ماسمعته من حكايات تنطبق على واحد مثلك ثم قال واللهي لو لم يعرفك رجالي حق المعرفة لشككت ان تكون انت صلاح الدين. 
والناس تظن ان الثوري لابد أن يكون مجرماً أو رجل عصابات محترف ولن يكون الرجل رجلاً حتى يربي لغداً وكرشاً وكلما كثرت زوائدة اللحمية كلما كان ذلك أدعى لأحترامه كرجل في بلادنا واحترام مايحويه جيبه من مال، بل وربما ايضاً اذا اطل الرجل الشرقي علينا يوماً بشعر كثيف يغطي بدنه ورائحة كرائحة الدببة كان ذلك أدعى لأحترامة كرجل ستتمنى المرأة أي امرأة ان تكون احدى محظياته التى تقوم بتفليته. 

فارس الأحلام .... والكرش

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

كلما كان الرجل صاحب كرش ممتلئ وزوائد لحمية منتشرة في سائر الجسد هنا وهناك كلما كان هذا الرجل غنياً مترفاً شبعاً، وهو بهذا الكرش وهذا الشبع يضع قانوناً جديداً لفارس الأحلام الذي لن يقوى بالطبع على اختطاف حبيبته على حمار او ربما كلب ولكن سيحتويها كالجردل للخيشة. 
قديما قالوا أن الأنسان يستحيل عليه أن يحلم بماليس موجوداً، بمعني ان الانسان عندما حلم ان يطير كان هناك العصفور ولما اراد ان يغوص في اعماق البحار كانت هناك السمكة، وهذا يدل على ان الحلم اي حلم لابد له من دافع موجود او معطى يدخل في تكوين الحلم فاما ان يصبح واقع محسن اويفقد الحالم به حياته ورحمة الله على عباس بن فرناس ضحية حلم الطيران في الاندلس. 
ومن هذا التمهيد القصير نستطيع ببساطة ان نترحم ( الف رحمة ونور ) على احلام بنات الشرق في فارس الأحلام الذي صار له كرشاً ذا جاة ولغداً ( مدلدلاً ) ذو سطوة يمتد من خلف الاذن وحتى اخمص الرقبة وجسماً مكعبراً روتينياً لاتكاد تعثر فيه على ذراع حتى تكتشف انه ليس ذراعاً ولكنه زائدة لحمية من زوائد الجسم المترهل والذي فقد رياضته منذ ان تكوم في روتينيات العمل والحياة. 
والرجل الشرفي بطبعة واضع قوانين، هذه هي طبيعته، وان لم يجد من يطبق عليه هذه القوانين تزوج امراة ليطبق عليها هذه القوانين ثم اجبرها جبر السيد للعبد على الخلفة ليجند لهذه القوانين من ابناءه اتباع ومريدين وخلصاء ( واللي مش عاجبه ياخد بالجزمة تحت دعوى ولادي وانا حر فيهم ). 
والكرش الشرقي تحديداً هو كرش يدل دلالة قطعية على بحبوحة العيش ورغد الحال فكلما كان الرجل صاحب كرش ممتلئ وزوائد لحمية منتشرة في سائر الجسد هنا وهناك انتشاراً عشوائياً لاتدري لها بداية من نهاية كلما كان هذا الرجل غنياً مترفاً شبعاً، وهو بهذا الكرش وهذا الشبع يضع قانوناً جديداً لفارس الاحلام الذي لن يقوى بالطبع على اختطاف حبيبته على حمار او ربما كلب ولكن سيحتويها كالجردل للخيشة. 
اما اللغد فحدث ولا حرج، يذكرني فيه بعض الرجال ( اصدقائي ) بترهلات الجاموس الوحشي حينما يهرول قطيعة مخافة ذئب فيترجرج اللغد يمنة ويسرة باتجاة الاذنين في حرية كاملة وعنف فطري مما يؤثر على طبيعة صيوان الاذن الخارجي فيتفلطح كورقة شجرة الخروع المشهورة التي تذكرك بالام المعدة وجرايانها. 
والفتاه في مجتمعنا الشرقي اصبحت لاتتوقع فارساً للأحلام على النمط الغربي اطلاقاً واعني بالنمط الغربي ان يكون رياضياً طويلاً تتناسب رأسه الدقيق مع نحالة جسمة وليست كالكرة التي يتراقص حولها لاعبي السلة تختفي في كثافة لحمها الذقن والانف وربما العين ايضاً فيبدو الفارس المتكور صاحب الزوائد وكأن راسه كبيضة الديناصور وقد علقت فوقها بعض اشياء من قش ( يسمى شعر ). 
ان الرجل الشرقي بعد ان يدخل في روتينيات الحياة يسارع في اهمال نفسه حتى انك تندهش من اتفاق غالبية الرجال على اختيار نمط شجرة الجميز كنمط مثالي يتم الاقتداء به والتلذذ بمحاكاته. 
ومن هذا المنطلق اصبح كل شئ مختلف الطبيعة في عالمنا الشرقي فالكرش ترف واللغد بحبوحة وكذلك الأجرام دلالة على حرية الرأي عند الرجل وربما عناده ايضاً. 
واختلاف المفاهيم والمعطيات العامة الى هذه المرحلة المؤلمة أدت بطبيعة الحال لفقد بعض المعاني الجميلة لدى المرأة الشرقية في نظرتها نحو الرجل ( فارس الاحلام ) فهي ترى أن الرجل قليل الادب ابو كرش ولغد صاحب السلطة والقهر والتسيد داخل المنزل هو رجل بمعنى الكلمة، وربما تجد امرأة في غاية الجمال والرقة ثم فجأة تتحول وكأن على رأسها الطير تفقد اتزانها وتهذي بكلمات غير مفهومة وربما تعتريها حركات مجنونة ايضاً وتجدها مهرولة غائبة عن الوعي تغادر محل عملها فورا لان عظيم اشاوس العرب والروم ( جوزها ) حلف عليها يمين طلاق لو اتأخرت خمس دقايق ماهي شايفة منه خير ولانها ان لم تمشي على العجين ماتلخبطوش كما اوحي لها هذا العنتر بن شداد فهي ستصير من وجهه نظره العنترية ام كرش امرأة ناشذ تستحق الصلب على احد اعمدة النور في ميدان سيدي عبد الواحد الدمهوجي بنجع سيدي جلال. 
ورجال الثورة في وطننا قديماً لم يكن الواحد فيهم مجرماً ابداً بل كنت تراة وكانه عصفور دقيق يقبع بين خلصاءة من رجال يعرفون بسيماهم، ولاتتوقع ان يكون هذا الدمث الخلق ثورياً اطلاقاً الا بعد ان تسمع عن افعاله وغزواته كعز الدين القسام ومصطفى كامل والشيخ عمر المختار بل اني اتذكر ان القادة المسلمين كانوا يعجبون من هدوء صلاح الدين ورقة افعاله حتى ان احد قادة الصليبين ويدعى ( أرمان ) قال له لاأصدق ان ماسمعته من حكايات تنطبق على واحد مثلك ثم قال واللهي لو لم يعرفك رجالي حق المعرفة لشككت ان تكون انت صلاح الدين. 
والناس تظن ان الثوري لابد أن يكون مجرماً أو رجل عصابات محترف ولن يكون الرجل رجلاً حتى يربي لغداً وكرشاً وكلما كثرت زوائدة اللحمية كلما كان ذلك أدعى لأحترامه كرجل في بلادنا واحترام مايحويه جيبه من مال، بل وربما ايضاً اذا اطل الرجل الشرقي علينا يوماً بشعر كثيف يغطي بدنه ورائحة كرائحة الدببة كان ذلك أدعى لأحترامة كرجل ستتمنى المرأة أي امرأة ان تكون احدى محظياته التى تقوم بتفليته. 

الأحد، 21 أبريل 2002

وطن يضيع !

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
من هنا يتحول المغالون في الدين إلى أرباب صغيرة متشاحنة متطاحنة متنابذة لكل رب منهم فريق يأتمر بأمره ويقتدي بمنهجه ومسلكه في محاولة دءوبة للسيطرة على البسطاء بزخرف الكلام لاقتناص مراكز العلا والسلطان بالنصب والاحتيال وربما القتل!
ليس بين الطائع والآثم سوى غلالة رقيقة من ستر الله سبحانه وتعالى ان زالت تساوى كل منهما في السلوك.
وقد انبأنا الشرع في غير موضع ان الرضا لايأتي بعمل الانسان ولكن يأتي برحمة الله والاحاديث على ذلك كثيرة.
وعليه فإن التصورات الهائلة التي تسيطر على اي دين جعلت كثير من الناس تحصر اهتمام الدين ( في هذا العصر الذي نحياه ) في ذات الله فقط ومن ثم فهم يندفعون من خلال هذا التصور ليصيروا آلهه في محاولة ظنية للتشبث بكينونته سبحانة وتعالى رغم تنزيهه وكون ذاته كما قال عن نفسه ( ليس كمثله شئ ) وهنا يتحول هؤلاء المغالون - من خلال هذا التصور الى ارباب صغيرة متشاحنة متطاحنة متنابذة لكل رب منهم فريق يأتمر بأمرة ويقتدى بمنهجة ومسلكة في محاولة دؤوبة للسيطرة على البسطاء بزخرف الكلام لأقتناص مراكز العلا والسلطان بالنصب والاحتيال وربما القتل أو كما قال " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام" ومن هنا تمارس الرزائل بأسم الدين فيقابلوا الشر بالشر نفسه أو ربما بأعظم منه شراً وتنكيلاً فتزل الاقدام ( حكاما ومحكومين ) في مستنقع الطغيان البعيد كل البعد عن اخلاق الله فيفقدوا انفسهم ومرتبة ان يكونوا ربانيين.
يقول السيد المسيح"لاتقاوموا الشر"
ويقول الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والسلام " تخلقوا بأخلاق الله ان ربي على صراط مستقيم" لكن بعض المغالين يريدون ان يقنعونا بأنهم اكثر ألوهية من الله نفسه - حاشا لله - ومن ثم يقسموا مهام الفضيلة والتزماتها من فوق منابرهم بينهم وبين الناس قسمة ظالمة جائرة ليختاروا لأنفسهم مهمة التبليغ فقط وعلى بقية البشر مهمة التنفيذ فعم الكرة والهرج بعد ان ضغطوا على الناس وأرهقوهم فسئم الغالب منهم العمل الصالح وتراخت العقول عن الفضيلة وبيعت اوطاننا في سوق النخاسة ومازال الخونة فوق منابرهم يستقتلون باستبسال للحفاظ على استئثارهم بمهمة التبليغ حتى ولو فنى العالم كله.
ولعلي اتذكر قصة نقلها لنا الاستاذ المبدع خالد محمد خالد عن ماوتسي تونج حينما تم القبض على احد رجاله الخونة حيث باع اسرار قومه لغريمهم شيانج كاي شيك وبتفتيش هذا الخائن تم العثور معه على بعض الدولارات الامريكية فقال يعتذر عن فعلته وقد اصفر وجهه وامتقع: لقد أغواني الشيطان فأجابه ماو تسي تونج وقد استل دولارا من الدولارات التي ضبطت معه: اذا كنت تقصد هذا الشيطان ( يقصد الدولار ) فقد صدقت بالفعل أما ان كنت تعني شيطانا آخر فدلنا عليه في جسمك لنريحك منه ونستريح.
ان الخبثاء الخونة الذين اعتلوا منابرنا واوطاننا مثل هذا الخائن السابق امروا الناس بالدفاع والجهاد والفضيلة وجيوبهم ملطخة بالاموال التي باعوا بها الوطن وابناء الوطن.
والمتأمل لواقعنا العربي بشكل خاص وليس الواقع الاممي الاسلامي بمشموله العام يجد اننا امة لم تقدم للعالم الذي نحياه على مدار الخمسين عاما الماضية الا كل صراع وكل فتنة، حتى لنجد حين نتأمل خارطة هذا الوطن المبتلى بفقهاؤه وحكامه ان هذا الوطن قد اضحى في غيبوبة التنابذ والتناحر حتى لاتستطيع ان تستثني قطرا واحدا من اقطاره الا وتجده قطرا مبعثرا اضنته الحروب الاهليه أو القبلية أو الطائفية لتهلك في هذه الخمسين سنه مالا يقل عن أربعة ملايين انسان كانوا ضحية التجبر الذاتي والطغيان السياسي وغيبوبة الفقهاء الدينيين الذين اضاعوا على الوطن لذة الايمان وهم المكلفون بتوجيهة.
فالفتنة الطائفية في لبنان ومجازر سورية للمسلمين السنة على يد العلويين وحروب العراق وايران وغزو الكويت ومحاولة الابادة الجماعية للأكراد والشيعة في الشمال والجنوب وحروب اليمن والانتحار الذاتي للجزائر ومستنقع السودان واشكالية المغرب وجبهة البوليساريو وابادة الابرياء في تشاد في غزو ليبيا لها والتصفية الجسدية للقبائل الصومالية وارهابيوا مصر والاقباط والكثير الكثير الذي صار مفضوحا يبرر الجميع دوافعة لمرضاة الله وماهي لمرضاته ولم يكلف فقهاء الوطن انفسهم عناء ان يضعوا الله حكما في الصراع حيث اصبحت كل دوله لها فقهها الخاص ورجال دينها الخاص فخسرنا الله والحضارة وضحينا بشعوبنا حتى اصبحنا متلحفين برداء العار والهزيمة ترتفع فوق معابدنا الاعلام الامريكية بتبريكات الخونة وفقهاؤهم الذين اصبحوا هم المنتصرين الفعليين في هذه الحرب بعد ان خسرها التحالف والمواطن العربي بل والعالم كله على حد سواء.

وطن يضيع !

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
من هنا يتحول المغالون في الدين إلى أرباب صغيرة متشاحنة متطاحنة متنابذة لكل رب منهم فريق يأتمر بأمره ويقتدي بمنهجه ومسلكه في محاولة دءوبة للسيطرة على البسطاء بزخرف الكلام لاقتناص مراكز العلا والسلطان بالنصب والاحتيال وربما القتل!
ليس بين الطائع والآثم سوى غلالة رقيقة من ستر الله سبحانه وتعالى ان زالت تساوى كل منهما في السلوك.
وقد انبأنا الشرع في غير موضع ان الرضا لايأتي بعمل الانسان ولكن يأتي برحمة الله والاحاديث على ذلك كثيرة.
وعليه فإن التصورات الهائلة التي تسيطر على اي دين جعلت كثير من الناس تحصر اهتمام الدين ( في هذا العصر الذي نحياه ) في ذات الله فقط ومن ثم فهم يندفعون من خلال هذا التصور ليصيروا آلهه في محاولة ظنية للتشبث بكينونته سبحانة وتعالى رغم تنزيهه وكون ذاته كما قال عن نفسه ( ليس كمثله شئ ) وهنا يتحول هؤلاء المغالون - من خلال هذا التصور الى ارباب صغيرة متشاحنة متطاحنة متنابذة لكل رب منهم فريق يأتمر بأمرة ويقتدى بمنهجة ومسلكة في محاولة دؤوبة للسيطرة على البسطاء بزخرف الكلام لأقتناص مراكز العلا والسلطان بالنصب والاحتيال وربما القتل أو كما قال " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام" ومن هنا تمارس الرزائل بأسم الدين فيقابلوا الشر بالشر نفسه أو ربما بأعظم منه شراً وتنكيلاً فتزل الاقدام ( حكاما ومحكومين ) في مستنقع الطغيان البعيد كل البعد عن اخلاق الله فيفقدوا انفسهم ومرتبة ان يكونوا ربانيين.
يقول السيد المسيح"لاتقاوموا الشر"
ويقول الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والسلام " تخلقوا بأخلاق الله ان ربي على صراط مستقيم" لكن بعض المغالين يريدون ان يقنعونا بأنهم اكثر ألوهية من الله نفسه - حاشا لله - ومن ثم يقسموا مهام الفضيلة والتزماتها من فوق منابرهم بينهم وبين الناس قسمة ظالمة جائرة ليختاروا لأنفسهم مهمة التبليغ فقط وعلى بقية البشر مهمة التنفيذ فعم الكرة والهرج بعد ان ضغطوا على الناس وأرهقوهم فسئم الغالب منهم العمل الصالح وتراخت العقول عن الفضيلة وبيعت اوطاننا في سوق النخاسة ومازال الخونة فوق منابرهم يستقتلون باستبسال للحفاظ على استئثارهم بمهمة التبليغ حتى ولو فنى العالم كله.
ولعلي اتذكر قصة نقلها لنا الاستاذ المبدع خالد محمد خالد عن ماوتسي تونج حينما تم القبض على احد رجاله الخونة حيث باع اسرار قومه لغريمهم شيانج كاي شيك وبتفتيش هذا الخائن تم العثور معه على بعض الدولارات الامريكية فقال يعتذر عن فعلته وقد اصفر وجهه وامتقع: لقد أغواني الشيطان فأجابه ماو تسي تونج وقد استل دولارا من الدولارات التي ضبطت معه: اذا كنت تقصد هذا الشيطان ( يقصد الدولار ) فقد صدقت بالفعل أما ان كنت تعني شيطانا آخر فدلنا عليه في جسمك لنريحك منه ونستريح.
ان الخبثاء الخونة الذين اعتلوا منابرنا واوطاننا مثل هذا الخائن السابق امروا الناس بالدفاع والجهاد والفضيلة وجيوبهم ملطخة بالاموال التي باعوا بها الوطن وابناء الوطن.
والمتأمل لواقعنا العربي بشكل خاص وليس الواقع الاممي الاسلامي بمشموله العام يجد اننا امة لم تقدم للعالم الذي نحياه على مدار الخمسين عاما الماضية الا كل صراع وكل فتنة، حتى لنجد حين نتأمل خارطة هذا الوطن المبتلى بفقهاؤه وحكامه ان هذا الوطن قد اضحى في غيبوبة التنابذ والتناحر حتى لاتستطيع ان تستثني قطرا واحدا من اقطاره الا وتجده قطرا مبعثرا اضنته الحروب الاهليه أو القبلية أو الطائفية لتهلك في هذه الخمسين سنه مالا يقل عن أربعة ملايين انسان كانوا ضحية التجبر الذاتي والطغيان السياسي وغيبوبة الفقهاء الدينيين الذين اضاعوا على الوطن لذة الايمان وهم المكلفون بتوجيهة.
فالفتنة الطائفية في لبنان ومجازر سورية للمسلمين السنة على يد العلويين وحروب العراق وايران وغزو الكويت ومحاولة الابادة الجماعية للأكراد والشيعة في الشمال والجنوب وحروب اليمن والانتحار الذاتي للجزائر ومستنقع السودان واشكالية المغرب وجبهة البوليساريو وابادة الابرياء في تشاد في غزو ليبيا لها والتصفية الجسدية للقبائل الصومالية وارهابيوا مصر والاقباط والكثير الكثير الذي صار مفضوحا يبرر الجميع دوافعة لمرضاة الله وماهي لمرضاته ولم يكلف فقهاء الوطن انفسهم عناء ان يضعوا الله حكما في الصراع حيث اصبحت كل دوله لها فقهها الخاص ورجال دينها الخاص فخسرنا الله والحضارة وضحينا بشعوبنا حتى اصبحنا متلحفين برداء العار والهزيمة ترتفع فوق معابدنا الاعلام الامريكية بتبريكات الخونة وفقهاؤهم الذين اصبحوا هم المنتصرين الفعليين في هذه الحرب بعد ان خسرها التحالف والمواطن العربي بل والعالم كله على حد سواء.

الخميس، 11 أبريل 2002

مسرحية سيدتي الجميلة ( المصرية ) أفضل من التي قدمها مسرح البردواي

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
وجدت نفسي اصفق في نهاية العرض ليس للنجم " تشارلز شوجانسي " ولكن للفنان القدير فؤاد المهندس وأدين بالأبداع ليس للنجمة " جلوري كرامبتون " ولكن للفنانة القديرة شويكار التي لو كان هناك عدل لكانت تستحق عن دورها في شخصية "صدفة بعضشي" التي قامت بادائه منذ ثلاثين عاما جائزة الاوسكارعن جدارة لتميز ادائها ووصوله في هذا الدور تحديدا الى مستويات تتفوق في العطاء على المستويات العالمية.


حينما علمت بتقديم عرض سيدتي الجميلة لفرقة أوبرا بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا لم استطع مقاومة نفسي وذهبت لمشاهدة ذلك العرض الذي مازلت أتذكر كل مشاهد نسخته المصرية التي قدمها لنا الفنان فؤاد المهندس والكاتب بهجت قمر رحمهما الله. وعرض سيدتي الجميلة " النسخة الأمريكية " قدمته لأول مرة في الولايات المتحدة فرقة برودواي نفسها عام 1956 على مسرح "برودواي" واستمر عرضه بعدها عدة مرات في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة أما هذه المرة فتقدمه فرقة أوبرا بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا على مسرح " بيندوم" وهو اكبر واعرق مسارح مدينة بيتسبيرج. ويقوم ببطولة العرض المسرحي نجم المسرح الاميركي " تشارلز شوجانسي " وتشاركه البطولة الفنانة " جلوري كرامبتون" والعرض قام بكتابة نصه المسرحي الكاتب المسرحي الاميريكي "آلان جاي ليرنر" ووضع موسيقاه " فريدريك لو- وي" وقام باخراجه مخرج فرقة اوبرا بيتسبيرج الفنان المخرج " جلن كاسال". ولكي نجعل القارئ كأنه رآى العرض يجب ان نقسم العمل الى عوامله الرئيسة بترتيب افضلها من حيث الابهار ومن حيث انجاح العرض، وعليه فأن اول ملامح الابهار والنجاح في هذا العرض هو الديكور لمصمم الديكور " ميشيل حنانيا " وتليه الموسيقى ثم الاخراج ثم أداء الممثلين وبعدها – تحريك الكومبارس والمجاميع – والتي كان مخصص لها مخرجا خاصا هو الفنان المخرج " دان موجيكا " ثم النص المقتيس لآلان ليرنر واخيراً الاضاءة المسرحية للمخرج ومصمم الاضاءة المسرحية الاميركي " اندرو ديفيد استرو- وسكي ". وللحديث عن الديكور على اساس انه العامل الاول في انجاح هذا العرض – من وجهة نظري – استطيع ان احكم باطمئنان شديد انه – اي الديكور – كان له العامل الرئيس في الابهار والجذب بل ويعتبر البطل الرئيس للعرض وقد استطاع ميشيل حنانيا ان يستغل كل زوايا المسرح الافقية والراسية وان يكثف من عدد اللوحات بحيث يختلف كل مشهد عن الآخر رغم كثرة عدد المشاهد وبقليل من التكنولوجيا الحديثة - للتحريك والتغيير – ونجح في ابراز البيئة الانجليزية حتى انك كمشاهد قد تنسى تماما انك امام عرض مسرحي من شدة ايمانك لفترة – يتداخل فيها الواقع بالخيال لصدق الديكور وروعته - بأنك تتجول بالفعل في شوارع مدينة لندن الانجليزية عام 1912 ولست مجرد مشاهدا يجلس على مقعد تحت قبة احد المسارح وسط عشرات اخرين من المشاهدين يشاركونه نفس الاحساس. والعرض المسرحي من فصلين، يتكون فيهما الفصل الاول من ثمانية مشاهد ويتكون الفصل الثاني من سبعة مشاهد وبين الخمسة عشرة مشهدا في الفصل الاول والثاني تتغير المناظر لأثني عشرة منظرا مختلفا تعبر عن مدينة لندن بكل احياءها الفقيرة والغنية والسفارات والقصور وحدائق القصور وحتى الكنائس والخمارات القديمة، والمدهش في الامر هو تغيير المنظر من حي الفقراء لقصر النبيل مثلاً في مدة لاتتجاوز مدة اطفاء خشبة المسرح للانتقال الى المشهد التالي وهو زمن لايتجاوز 90 ثانية في اطول تغيير مابين المشهد الرابع والخامس بالفصل الاول مما يجعلك لاتشعر اطلاقا بهذا القطع الزمني بين المشاهد وبعضها البعض كما لو كنت تشاهد فيلما سينمائيا وليس مسرحاً. ومااعتبره جديدا في ورشة العمل التي اطمئن الى وقوعها بين المخرج ومصمم الديكور، هو اخراج مشهد كامل في الطابق الثاني لقصر النبيل الانجليزي، حيث صعدت البطلة "جلوري كرامبتون " مع حاشية القصر الي الطابق العلوي ثم قام الجميع بفتح باب غرفة النوم الخاصة بالبطلة والتي تصورنا مع فتحها ودخلوهم اليها ان المشهد قد انتهى ولكننا فوجئنا بان الاضاءة تنحصر داخل الغرفة لتظهر لنا جدران الغرفة من البلاستيك الشفاف المدعم ببصيص من الزخارف الهادئة التي لاتمنع ظهور اداء الممثلين داخل الغرفة والتي تقوم فيها البطلة بتغيير ملابسها بمعاونة النساء وتهذيب شعرها الي اخر تلك المسائل التي تنتهي بخلودها للنوم فوق سريرها لتطفأ انوار المسرح كلها بانتهاء هذا المشهد الرائع والجديد في آن واحد والذي تم اخراجه بالكامل داخل غرفة مغلقة بالطابق العلوي للقصر وشاهدناه كاملاً دون اي عناء او ملل. 


بطلا العرض
الفنان " تشارلز شوجانسي " 
والفنانة " جلوري كرامبتون"

والحديث عن الديكور – الذي تكلف مايقرب من مليون دولار – هو حديث لاينتهي اذ ان مدرسة الديكور المسرحي الاميركي قد استطاعت ان تكسر حاجز المكان التي كان المسرح بشكل عام اسيرا لها وتحررت منه حتى دخلت اعماق المحيط كما حدث في مشهد كامل بمسرحية " دكتور صوص " بكل مافي المحيط من كائنات بحرية وكذلك تحررت منه في مشهد الطيران حول مدينة نيويورك بمسرحية " الرجل العنكبوت " والذي كنا نتصور بالفعل اننا نشاهد خدعا سينمائية وليست مسرحا خاصة وان الرجل العنكبوت كان احيانا يطير فوق رؤسنا. اما الموسيقى داخل العمل فقد كانت من نوع موسيقى الاوبرا الخفيفة حيث تمتعت بالجمل الموسيقية القصيرة سريعة الايقاع ربما بمايتناسب مع الذوق الامريكي الشعبي خاصة وان العمل يحكي عن بيئة تختلف اختلافا بيئياً كلياً وهي البيئة الانجليزية عن البيئة الامريكية التى تتمتع بايقاعاتها السريعة والمتدفقة, وربما كان تجنيب الموسيقى في العرض من ان تأخذ القالب الانجليزي – من وجهة نظري - هو من الذكاء بحيث اجبرت المتفرج على الاحساس بعدم الغربة وهو يشاهد نصا مسرحيا غريبا عن بيئته ومناخه. والملفت للنظر ان الاداء الغنائي لكل الممثلين كان اداءاً حيا رغم المجهود الاوبرالى في الغناء والذي يتطلب سمات خاصة في الصوت وقوته وانتظام النفس واطمئنانه في كل المقاطع الغنائية الامر الذي يجعلك تستشعر مدى الجهد العنيف الذي يبذله الممثل فوق خشبة المسرح من حيث الاداء التمثيلي والحركي والغنائي وهو امر يبدو عسيرا ومن ثم فأنت في كل لحظة داخل العرض تبدو مطمئنا الي اي مدى ذلك الذي تحترم فيه الفرق الامريكية الخاضعة للدولة جمهورها وتبذل في سبيل اسعادة وامتاعة كل جهد ممكن ومتاح وهي مسألة تفوق فيها المسرح الاميريكي جدا من خلال فنانيه الذين سلطت عليهم الاضواء بعد ان اجتازوا بنجاح كل الاختبارات الفنية الشديدة القسوة والتزموا فيها بكل قواعد الفن الجادة والصارمة بعيدا عن المجاملات او ضغوط العائلات الفنية في دفع من لايملك الموهبة أوالالتزام باعتلاء سدة الفن للإيمان بان ذلك ان حدث فهو يعني السقوط الكامل حيث ان الفن عند الشعوب المتقدمة هو بحق الواجهة الوحيدة التي تعبر عن الأمة بجلاء واخلاص وعليه فقد لزم خضوعها لمراحل واختبارات عنيفة لايخرج منها إلا المؤهلين للتعبير عن وطنهم بجدية والتزام ومسئولية. ولكن بالرغم من اداء النجوم والممثلين الرفيع والجيد وخاصة النجم " تشارلز شوجانسي " واداءة الفريد الا انني لم استطع ان امنع نفسي من المقارنة بين مااشاهده من اداء على مسرح بيندوم بمدينة بيتسبيرج وبين ماشاهدته من اداء على مسرح فرقة الفنانين المتحدين بالقاهرة إذ وجدت نفسي اصفق في نهاية العرض ليس للنجم " تشارلز شوجانسي " ولكن للفنان القدير فؤاد المهندس وأدين بالأبداع ليس للنجمة " جلوري كرامبتون " ولكن للفنانة القديرة شويكار التي اجدها لو كان هناك بصيص من عدل فإنها تستحق عن دورها في شخصية "صدفة بعض إشي" التي قامت بادائه منذ ثلاثين عاما جائزة الاوسكار عن جدارة لتميز ادائها ووصوله في هذا الدور تحديدا الى مستويات تتفوق في العطاء على المستويات العالمية، وهو امر لم يصدقه النجم " تشارلز شوجانسي " للأسف بل ولم يصدق معه ايضا اننا قد قدمناه في مصر و منذ ثلاثين عاما مضت وبتفوق في الاداء يصل بالفعل الى حد العالمية ولما حاوطته باصرار اجاب بنبرة يتملكها الشك بأن النص يمكن ان تكون فيه كثير من الرؤى المختلفة خاصة ان تم تقديمه بلهجات ولغات مختلفة، ولما بادرني بسؤالة عن امكانية رؤيته للنسخة المصرية فيديو او شركة توزيع هذا العمل في امريكا ليتسنى له الحصول عليه فلم اجد سوى الوعد بأن ارسل له نسخة جيدة من القاهرة ليحتفظ بها في مكتبته ولتكون على الاقل شاهد عيان على اننا لسنا اقل منهم فنا في مصر ولكن ينقصنا فقط اعلاما جريئا وديناميكيا يعبر عنا وعن وطننا بشكل صحيح في الخارج وبحضور عالمي يساوي عظمة مصر وتاريخها الفني الطويل في مجال المسرح والسينما والذي لايصدقنا فيه احد هنا في امريكا. اما بالنسبة للنص فقد كانت به اختصارات شديدة والى جانب الاختصارات كانت الرؤية للعمل هي رؤية كلاسيكية جدا اذ لم لم يخرج مؤلف العرض عن الاطر الاساسية والدرامية للعمل الاصلي بعكس كاتب النص المصري الكاتب الاستاذ بهجت قمر رحمه الله الذي اضاف للنص الاصلي مشاهداً جديدة زائدة اعطت بعدا اخر للعمل ومن منظور مصري رفيع المستوى مثل مشهد الحارة المصرية التي كانت تقطن فيها البطلة " صدفة بعطشي " والتي ابرز فيها عظمة اداء الفنان القدير جمال اسماعيل وكذلك مشهد التحدي في منزل بروفسير الاتيكيت التي قامت بأداؤه الفنانة شويكار وكلا من الفنان سيد زيان والفنان فاروق فلوكس وهما مشهدان كانا بلا جدال نقطة تفوق للنص المصري عن النص الاميريكي. وتبقى كلمة النهاية التي قدمها العرض وهي حدود العلاقة بين الرجل والمرأة والى اي مدى يجب ان تكون، وهي علامة استفهام سقط فيها النص الاميركي اذ انتهى المشهد الاخير بمالم نتوقعه اطلاقا حيث يرى بطل العرض محبوبته ماثلة امامه فيعتريه الكبرياء ويظل جامدا صلدا لايحرك ساكنا حتى تأتي " المحبوبة " التي صنعها منذ بداية العرض لتبحث عن حذاؤه تحت ارجل المقاعد الى ان تجده فتحمله بين يديها ثم تقف في منتصف المسافة بينها وبينه لتضع الحذاء على الارض في تأكيد منها على انها قبلت الارتباط به من خلال مفهوم الرجل عن المرأة في كونها خادمة زوجها وفي المستوى الادنى منه – في رمزية حمل الحذاء - مما سبب نوع من الاستنكار والاستفهام لدى بعض جمهور المتفرجين وخاصة النساء الذين اعتبروا النهاية هي امتهان لكرامة المرأة ورأي بعضهم انه كان يكفي ان يري البطل محبوبته في نهاية العرض ليتعانقا ويسدل الستار على بداية قصة حب وزواج متكافئ بين الطرفين، وهو ماجعلني اشيد بعبقرية بهجت قمر امام كثير ممن حاورني في مشهد النهاية وينتابني امامهم الفخر لان النص المصري قد عالج هذه القضية داخل هذا النص منذ ثلاثين عاما بنفس الاسلوب الذي كان يتمناه المشاهد الاميركي اليوم بل وبسمو فكري راق ورفيع مما يعد بالفعل انتصاراً حقيقياً للإبداع المصري الذي – للأسف – لاتعلم عنه غالب شعوب العالم المتحضر شيئاً ومن ثم يجعلنا في اوج احساسنا بالفخر نشعر بالاشفاق على الفن في بلادنا الذى لايجد من يقدمه الان للعالم رغم انتشار ممثلينا الاعلاميين في كل بقاع الارض.

مسرحية سيدتي الجميلة ( المصرية ) أفضل من التي قدمها مسرح البردواي

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
وجدت نفسي اصفق في نهاية العرض ليس للنجم " تشارلز شوجانسي " ولكن للفنان القدير فؤاد المهندس وأدين بالأبداع ليس للنجمة " جلوري كرامبتون " ولكن للفنانة القديرة شويكار التي لو كان هناك عدل لكانت تستحق عن دورها في شخصية "صدفة بعضشي" التي قامت بادائه منذ ثلاثين عاما جائزة الاوسكارعن جدارة لتميز ادائها ووصوله في هذا الدور تحديدا الى مستويات تتفوق في العطاء على المستويات العالمية.


حينما علمت بتقديم عرض سيدتي الجميلة لفرقة أوبرا بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا لم استطع مقاومة نفسي وذهبت لمشاهدة ذلك العرض الذي مازلت أتذكر كل مشاهد نسخته المصرية التي قدمها لنا الفنان فؤاد المهندس والكاتب بهجت قمر رحمهما الله. وعرض سيدتي الجميلة " النسخة الأمريكية " قدمته لأول مرة في الولايات المتحدة فرقة برودواي نفسها عام 1956 على مسرح "برودواي" واستمر عرضه بعدها عدة مرات في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة أما هذه المرة فتقدمه فرقة أوبرا بيتسبيرج بولاية بنسلفانيا على مسرح " بيندوم" وهو اكبر واعرق مسارح مدينة بيتسبيرج. ويقوم ببطولة العرض المسرحي نجم المسرح الاميركي " تشارلز شوجانسي " وتشاركه البطولة الفنانة " جلوري كرامبتون" والعرض قام بكتابة نصه المسرحي الكاتب المسرحي الاميريكي "آلان جاي ليرنر" ووضع موسيقاه " فريدريك لو- وي" وقام باخراجه مخرج فرقة اوبرا بيتسبيرج الفنان المخرج " جلن كاسال". ولكي نجعل القارئ كأنه رآى العرض يجب ان نقسم العمل الى عوامله الرئيسة بترتيب افضلها من حيث الابهار ومن حيث انجاح العرض، وعليه فأن اول ملامح الابهار والنجاح في هذا العرض هو الديكور لمصمم الديكور " ميشيل حنانيا " وتليه الموسيقى ثم الاخراج ثم أداء الممثلين وبعدها – تحريك الكومبارس والمجاميع – والتي كان مخصص لها مخرجا خاصا هو الفنان المخرج " دان موجيكا " ثم النص المقتيس لآلان ليرنر واخيراً الاضاءة المسرحية للمخرج ومصمم الاضاءة المسرحية الاميركي " اندرو ديفيد استرو- وسكي ". وللحديث عن الديكور على اساس انه العامل الاول في انجاح هذا العرض – من وجهة نظري – استطيع ان احكم باطمئنان شديد انه – اي الديكور – كان له العامل الرئيس في الابهار والجذب بل ويعتبر البطل الرئيس للعرض وقد استطاع ميشيل حنانيا ان يستغل كل زوايا المسرح الافقية والراسية وان يكثف من عدد اللوحات بحيث يختلف كل مشهد عن الآخر رغم كثرة عدد المشاهد وبقليل من التكنولوجيا الحديثة - للتحريك والتغيير – ونجح في ابراز البيئة الانجليزية حتى انك كمشاهد قد تنسى تماما انك امام عرض مسرحي من شدة ايمانك لفترة – يتداخل فيها الواقع بالخيال لصدق الديكور وروعته - بأنك تتجول بالفعل في شوارع مدينة لندن الانجليزية عام 1912 ولست مجرد مشاهدا يجلس على مقعد تحت قبة احد المسارح وسط عشرات اخرين من المشاهدين يشاركونه نفس الاحساس. والعرض المسرحي من فصلين، يتكون فيهما الفصل الاول من ثمانية مشاهد ويتكون الفصل الثاني من سبعة مشاهد وبين الخمسة عشرة مشهدا في الفصل الاول والثاني تتغير المناظر لأثني عشرة منظرا مختلفا تعبر عن مدينة لندن بكل احياءها الفقيرة والغنية والسفارات والقصور وحدائق القصور وحتى الكنائس والخمارات القديمة، والمدهش في الامر هو تغيير المنظر من حي الفقراء لقصر النبيل مثلاً في مدة لاتتجاوز مدة اطفاء خشبة المسرح للانتقال الى المشهد التالي وهو زمن لايتجاوز 90 ثانية في اطول تغيير مابين المشهد الرابع والخامس بالفصل الاول مما يجعلك لاتشعر اطلاقا بهذا القطع الزمني بين المشاهد وبعضها البعض كما لو كنت تشاهد فيلما سينمائيا وليس مسرحاً. ومااعتبره جديدا في ورشة العمل التي اطمئن الى وقوعها بين المخرج ومصمم الديكور، هو اخراج مشهد كامل في الطابق الثاني لقصر النبيل الانجليزي، حيث صعدت البطلة "جلوري كرامبتون " مع حاشية القصر الي الطابق العلوي ثم قام الجميع بفتح باب غرفة النوم الخاصة بالبطلة والتي تصورنا مع فتحها ودخلوهم اليها ان المشهد قد انتهى ولكننا فوجئنا بان الاضاءة تنحصر داخل الغرفة لتظهر لنا جدران الغرفة من البلاستيك الشفاف المدعم ببصيص من الزخارف الهادئة التي لاتمنع ظهور اداء الممثلين داخل الغرفة والتي تقوم فيها البطلة بتغيير ملابسها بمعاونة النساء وتهذيب شعرها الي اخر تلك المسائل التي تنتهي بخلودها للنوم فوق سريرها لتطفأ انوار المسرح كلها بانتهاء هذا المشهد الرائع والجديد في آن واحد والذي تم اخراجه بالكامل داخل غرفة مغلقة بالطابق العلوي للقصر وشاهدناه كاملاً دون اي عناء او ملل. 


بطلا العرض
الفنان " تشارلز شوجانسي " 
والفنانة " جلوري كرامبتون"

والحديث عن الديكور – الذي تكلف مايقرب من مليون دولار – هو حديث لاينتهي اذ ان مدرسة الديكور المسرحي الاميركي قد استطاعت ان تكسر حاجز المكان التي كان المسرح بشكل عام اسيرا لها وتحررت منه حتى دخلت اعماق المحيط كما حدث في مشهد كامل بمسرحية " دكتور صوص " بكل مافي المحيط من كائنات بحرية وكذلك تحررت منه في مشهد الطيران حول مدينة نيويورك بمسرحية " الرجل العنكبوت " والذي كنا نتصور بالفعل اننا نشاهد خدعا سينمائية وليست مسرحا خاصة وان الرجل العنكبوت كان احيانا يطير فوق رؤسنا. اما الموسيقى داخل العمل فقد كانت من نوع موسيقى الاوبرا الخفيفة حيث تمتعت بالجمل الموسيقية القصيرة سريعة الايقاع ربما بمايتناسب مع الذوق الامريكي الشعبي خاصة وان العمل يحكي عن بيئة تختلف اختلافا بيئياً كلياً وهي البيئة الانجليزية عن البيئة الامريكية التى تتمتع بايقاعاتها السريعة والمتدفقة, وربما كان تجنيب الموسيقى في العرض من ان تأخذ القالب الانجليزي – من وجهة نظري - هو من الذكاء بحيث اجبرت المتفرج على الاحساس بعدم الغربة وهو يشاهد نصا مسرحيا غريبا عن بيئته ومناخه. والملفت للنظر ان الاداء الغنائي لكل الممثلين كان اداءاً حيا رغم المجهود الاوبرالى في الغناء والذي يتطلب سمات خاصة في الصوت وقوته وانتظام النفس واطمئنانه في كل المقاطع الغنائية الامر الذي يجعلك تستشعر مدى الجهد العنيف الذي يبذله الممثل فوق خشبة المسرح من حيث الاداء التمثيلي والحركي والغنائي وهو امر يبدو عسيرا ومن ثم فأنت في كل لحظة داخل العرض تبدو مطمئنا الي اي مدى ذلك الذي تحترم فيه الفرق الامريكية الخاضعة للدولة جمهورها وتبذل في سبيل اسعادة وامتاعة كل جهد ممكن ومتاح وهي مسألة تفوق فيها المسرح الاميريكي جدا من خلال فنانيه الذين سلطت عليهم الاضواء بعد ان اجتازوا بنجاح كل الاختبارات الفنية الشديدة القسوة والتزموا فيها بكل قواعد الفن الجادة والصارمة بعيدا عن المجاملات او ضغوط العائلات الفنية في دفع من لايملك الموهبة أوالالتزام باعتلاء سدة الفن للإيمان بان ذلك ان حدث فهو يعني السقوط الكامل حيث ان الفن عند الشعوب المتقدمة هو بحق الواجهة الوحيدة التي تعبر عن الأمة بجلاء واخلاص وعليه فقد لزم خضوعها لمراحل واختبارات عنيفة لايخرج منها إلا المؤهلين للتعبير عن وطنهم بجدية والتزام ومسئولية. ولكن بالرغم من اداء النجوم والممثلين الرفيع والجيد وخاصة النجم " تشارلز شوجانسي " واداءة الفريد الا انني لم استطع ان امنع نفسي من المقارنة بين مااشاهده من اداء على مسرح بيندوم بمدينة بيتسبيرج وبين ماشاهدته من اداء على مسرح فرقة الفنانين المتحدين بالقاهرة إذ وجدت نفسي اصفق في نهاية العرض ليس للنجم " تشارلز شوجانسي " ولكن للفنان القدير فؤاد المهندس وأدين بالأبداع ليس للنجمة " جلوري كرامبتون " ولكن للفنانة القديرة شويكار التي اجدها لو كان هناك بصيص من عدل فإنها تستحق عن دورها في شخصية "صدفة بعض إشي" التي قامت بادائه منذ ثلاثين عاما جائزة الاوسكار عن جدارة لتميز ادائها ووصوله في هذا الدور تحديدا الى مستويات تتفوق في العطاء على المستويات العالمية، وهو امر لم يصدقه النجم " تشارلز شوجانسي " للأسف بل ولم يصدق معه ايضا اننا قد قدمناه في مصر و منذ ثلاثين عاما مضت وبتفوق في الاداء يصل بالفعل الى حد العالمية ولما حاوطته باصرار اجاب بنبرة يتملكها الشك بأن النص يمكن ان تكون فيه كثير من الرؤى المختلفة خاصة ان تم تقديمه بلهجات ولغات مختلفة، ولما بادرني بسؤالة عن امكانية رؤيته للنسخة المصرية فيديو او شركة توزيع هذا العمل في امريكا ليتسنى له الحصول عليه فلم اجد سوى الوعد بأن ارسل له نسخة جيدة من القاهرة ليحتفظ بها في مكتبته ولتكون على الاقل شاهد عيان على اننا لسنا اقل منهم فنا في مصر ولكن ينقصنا فقط اعلاما جريئا وديناميكيا يعبر عنا وعن وطننا بشكل صحيح في الخارج وبحضور عالمي يساوي عظمة مصر وتاريخها الفني الطويل في مجال المسرح والسينما والذي لايصدقنا فيه احد هنا في امريكا. اما بالنسبة للنص فقد كانت به اختصارات شديدة والى جانب الاختصارات كانت الرؤية للعمل هي رؤية كلاسيكية جدا اذ لم لم يخرج مؤلف العرض عن الاطر الاساسية والدرامية للعمل الاصلي بعكس كاتب النص المصري الكاتب الاستاذ بهجت قمر رحمه الله الذي اضاف للنص الاصلي مشاهداً جديدة زائدة اعطت بعدا اخر للعمل ومن منظور مصري رفيع المستوى مثل مشهد الحارة المصرية التي كانت تقطن فيها البطلة " صدفة بعطشي " والتي ابرز فيها عظمة اداء الفنان القدير جمال اسماعيل وكذلك مشهد التحدي في منزل بروفسير الاتيكيت التي قامت بأداؤه الفنانة شويكار وكلا من الفنان سيد زيان والفنان فاروق فلوكس وهما مشهدان كانا بلا جدال نقطة تفوق للنص المصري عن النص الاميريكي. وتبقى كلمة النهاية التي قدمها العرض وهي حدود العلاقة بين الرجل والمرأة والى اي مدى يجب ان تكون، وهي علامة استفهام سقط فيها النص الاميركي اذ انتهى المشهد الاخير بمالم نتوقعه اطلاقا حيث يرى بطل العرض محبوبته ماثلة امامه فيعتريه الكبرياء ويظل جامدا صلدا لايحرك ساكنا حتى تأتي " المحبوبة " التي صنعها منذ بداية العرض لتبحث عن حذاؤه تحت ارجل المقاعد الى ان تجده فتحمله بين يديها ثم تقف في منتصف المسافة بينها وبينه لتضع الحذاء على الارض في تأكيد منها على انها قبلت الارتباط به من خلال مفهوم الرجل عن المرأة في كونها خادمة زوجها وفي المستوى الادنى منه – في رمزية حمل الحذاء - مما سبب نوع من الاستنكار والاستفهام لدى بعض جمهور المتفرجين وخاصة النساء الذين اعتبروا النهاية هي امتهان لكرامة المرأة ورأي بعضهم انه كان يكفي ان يري البطل محبوبته في نهاية العرض ليتعانقا ويسدل الستار على بداية قصة حب وزواج متكافئ بين الطرفين، وهو ماجعلني اشيد بعبقرية بهجت قمر امام كثير ممن حاورني في مشهد النهاية وينتابني امامهم الفخر لان النص المصري قد عالج هذه القضية داخل هذا النص منذ ثلاثين عاما بنفس الاسلوب الذي كان يتمناه المشاهد الاميركي اليوم بل وبسمو فكري راق ورفيع مما يعد بالفعل انتصاراً حقيقياً للإبداع المصري الذي – للأسف – لاتعلم عنه غالب شعوب العالم المتحضر شيئاً ومن ثم يجعلنا في اوج احساسنا بالفخر نشعر بالاشفاق على الفن في بلادنا الذى لايجد من يقدمه الان للعالم رغم انتشار ممثلينا الاعلاميين في كل بقاع الارض.

الأربعاء، 13 مارس 2002

تلقيح الكلام المصري

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
مصري عبقري .. قد يتغاضى عن سوءات حاكم .. وأثنين .. وثلاثة .. وعشرة .. فقط لأنه يعلم أن رحم هذا البلد سيأتي بالقائد .. وغالباً مايكون ( عسكرياً ) ..

 
حين لا يجد ( المصري ) زعيماً في مرحلة ما من تاريخه وفي نفس الوقت يعاني من إحتلال أو حاكم ظالم أو حاكم ليس على ( مزاجه ) فإنه يمارس سلوكاً ليس له مثيلاً في كل الأمم .. يمارس سلوكاً غريباً أسمه ( تلقيح الكلام ) ليس نقداً للسياسة ولا عتاباً ولا استبداع حلول للخروج من الأزمة فالمصري ليس لديه حلول بدون ( قائد ) يطمئن إليه ويثق فيه .. فقط يمارس المصري ( تلقيح الكلام ) !! .. وهذا الصنف من السلوك يبرزه المصري في أشكال عدة أهمها السخرية ( النكتة ) ويليها ( اللامبالاة ) السياسية ويليها ( الشكوى ( من كل شئ حتى لو أمتلك الواحد منهم كل شئ .. ببساطة خلق مناخ سلبي حول الحاكم ليموت كل يوم من أيام حكمه 24 مرة .. لقد قتلوا السادات قبل أغتياله وقتلوا مبارك قبل الثورة عليه وضحوا بمرسي في سويعات قليلة ولم تشفع له ذقنه وزبيبة صلاته عندهم ولا صلاة ( الملاك جبريل ) ورائه ! .. المصريون حينما يغضبون على حاكم أو يزهدوا في حاكم ( بيجننوه ) .. شعب عبقري .. مصري عبقري .. قد يتغاضى عن سوءات حاكم .. وأثنين .. وثلاثة .. وعشرة .. فقط لأنه يعلم أن رحم هذا البلد سيأتي بالقائد .. وغالباً مايكون ( عسكرياً ) .. فيلتفوا من حوله فإذا أخذ بثأرهم ممن ظلموهم توجوه ملكاً عليهم .. فالخمسة فدادين المجانية التي وهبها ( عبد الناصر ) للمعدمين والتعليم ( المجاني ) بمراحله المختلفة الذي جعل به جهلاء الأمة على رأس محركيها .. والعلاج المجاني الذي ذهب به لأقاصي القري والنجوع والصحاري .. جعل المصريين يضعونه في أعلى هرم ( الأرباب ) المعاصرين .. ولن يتخلص المصريين من مسألة ( تلقيح الكلام ) هذه حتى يجدوا بينهم .. واحداً منهم .. في ( جرأة ) محمد علي وجمال عبد الناصر.
  

تلقيح الكلام المصري

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
مصري عبقري .. قد يتغاضى عن سوءات حاكم .. وأثنين .. وثلاثة .. وعشرة .. فقط لأنه يعلم أن رحم هذا البلد سيأتي بالقائد .. وغالباً مايكون ( عسكرياً ) ..

 
حين لا يجد ( المصري ) زعيماً في مرحلة ما من تاريخه وفي نفس الوقت يعاني من إحتلال أو حاكم ظالم أو حاكم ليس على ( مزاجه ) فإنه يمارس سلوكاً ليس له مثيلاً في كل الأمم .. يمارس سلوكاً غريباً أسمه ( تلقيح الكلام ) ليس نقداً للسياسة ولا عتاباً ولا استبداع حلول للخروج من الأزمة فالمصري ليس لديه حلول بدون ( قائد ) يطمئن إليه ويثق فيه .. فقط يمارس المصري ( تلقيح الكلام ) !! .. وهذا الصنف من السلوك يبرزه المصري في أشكال عدة أهمها السخرية ( النكتة ) ويليها ( اللامبالاة ) السياسية ويليها ( الشكوى ( من كل شئ حتى لو أمتلك الواحد منهم كل شئ .. ببساطة خلق مناخ سلبي حول الحاكم ليموت كل يوم من أيام حكمه 24 مرة .. لقد قتلوا السادات قبل أغتياله وقتلوا مبارك قبل الثورة عليه وضحوا بمرسي في سويعات قليلة ولم تشفع له ذقنه وزبيبة صلاته عندهم ولا صلاة ( الملاك جبريل ) ورائه ! .. المصريون حينما يغضبون على حاكم أو يزهدوا في حاكم ( بيجننوه ) .. شعب عبقري .. مصري عبقري .. قد يتغاضى عن سوءات حاكم .. وأثنين .. وثلاثة .. وعشرة .. فقط لأنه يعلم أن رحم هذا البلد سيأتي بالقائد .. وغالباً مايكون ( عسكرياً ) .. فيلتفوا من حوله فإذا أخذ بثأرهم ممن ظلموهم توجوه ملكاً عليهم .. فالخمسة فدادين المجانية التي وهبها ( عبد الناصر ) للمعدمين والتعليم ( المجاني ) بمراحله المختلفة الذي جعل به جهلاء الأمة على رأس محركيها .. والعلاج المجاني الذي ذهب به لأقاصي القري والنجوع والصحاري .. جعل المصريين يضعونه في أعلى هرم ( الأرباب ) المعاصرين .. ولن يتخلص المصريين من مسألة ( تلقيح الكلام ) هذه حتى يجدوا بينهم .. واحداً منهم .. في ( جرأة ) محمد علي وجمال عبد الناصر.