الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

هكذا قالت لي حليمة !!

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه،
  
الجيش – في عالمنا الثالث:
هو صاحب المدفع، صاحب الدبابة والطائرة، صاحب النظام، هو مالك الوطن.
هو صاحب التغيير، صاحب الثورة، صاحب السلطة، هو مالك الدستور.
هو من تعارضت معه المصالح كان خائناً ومن تلازمت معه المنافع صار قائداً.

ومن هذا المنظور الذي أصبح يراه كثير من المقهورين برؤى أغلبها غاضب ومشوش ظهرت الميليشيات الشعبية للدفاع عن مصلحة القبيلة أو الجماعة – عرقية كانت أم دينية - والتي يري اصحابها ان الجيش اما منفصل عن تحقيق طموحات الشعب وتطلعات فئاته كبشر من حقهم أن يحصلوا على ابسط حقوق الشعوب المحترمة في العالم، أو أن الجيش والنظام ينكروا وجودهم الوطني ويعتبرونهم أقليات مهمشة أو مواطنين من الدرجة الثالثة، ومن هنا ظهر قرنق وحزب الله وحماس والجنجويد والحوثيين والكثير الكثير من الجماعات الراديكالية بمختلف المسميات والهويات؛ حتى امتلأت بهم شوارع الوطن وحواري الوطن وقراه ومدنه، معارضين للنظم رافضين للجيوش التي أصبحت – من منظور الراديكاليين الفقراء – جيوشا لا تملك القدرة على تحريك الثابت الآسن إلى متحرك متجدد، جيوشا لا تحقق – كما كانت بالأمس - أمل الملايين في الحد الأدنى المتكامن في صدورهم من الحرية الإنسانية وسطوع الهدف والرضا عن النتائج ليستشعر – المواطن - في قرارة نفسه انه مازال موجوداً يأخذ ويعطي ويتفاعل متزامنا مع الشعوب من حوله في جغرافية الكون الذي يحياه وليس كمن يحيا في مجموعة شمسية أخرى بزمن آخر يسير عكس عقارب الساعة؛ تلك المسألة تسببت فيما نحياه اليوم ونطلق عليه " الفلتان الأمنى " داخل المجتمعات العربية، خاصة بعد تعاطف معظم سكان الشارع العربي مع هذه الجماعات، هذا الشارع الذي إن لم يجد تعاطفا بالمد والعون لهم فإنه يستبدع تعاطفا معهم بالصمت وغفران الخطيئة لكون خطيئة المتمرد الغاضب بالسلاح عندهم أعظم وأطهر من حسنات النظام وكل من يعتلي كراسيه، فخطيئة المتمرد من وجهة نظر المقهورين تشفي غليل اليائس المقهور بينما حسنات النظام لا تزيده إلا فقراً يتوسل به فتات القوم في الغرب ويدين لهم مدى الحياة بقوت يومه وأحفاده وربما حتى أجيال زمن ظهور دابة الأرض من بعده.
هذه وجة نظر الناس بالفعل وليست محض سيناريو خيالي أتيته عن علم من عندي، لأن المتأمل المهموم بردود أفعال الناس في الشارع العربي يجد أن الأنظمة في الوقت الذي أدارت فيه ظهورها لشعوبها ولمطالب الجماعات داخلها، وجه المواطن البسيط في الشارع العربي وجهه لتلك الجماعات الثورية بل واعتبر أن رموز هذه الجماعات ما هم إلا قاده مخلصين ومصلحين وزعماء جاءوا ليأخذوا بثأر المستضعفين في الأرض فالتفوا حولهم ودعوا لهم بالنصر وعلقوا صورهم رغم أنف النظم في غرف نومهم استبشاراً بهم وهي مسألة انتبهت لها الأنظمة بالفعل متأخرة لكنها – رغم الإنتباهه - لم تجد أو تقدم ولو حلاً واحداً سريعاً لعلاجها لان غالبية هذه النظم كانت وربما مازالت – تحت وطأة الظرف السياسي الفوضوي والتدخل الأجنبي بالمنطقة - تبحث عن كل وسيلة تحافظ بها على حكم البلاد أو ما ندعوه مجازاً صراع أمراء السلطنة كما كان في عهد حكم المماليك؛ ومن منطلق ديكتاتوري ولكبت مشاعر الناس تجاه هذه الجماعات ظهرت وسائل قمعية تجاه الشعوب رغم أنه كان من الأحرى أن يظهر بصيص من حسن النوايا في تحقيق متدرج لأحلام الناس ليستشعر هؤلاء الناس أنه وطن لا يأكل أبناؤه.
إن جيوش المنطقة في ورطة حقيقية فبعد أن تعافت من كونها في الماضي الضحية الأولى لنتائج الحرب العالمية الثانية وتفككها بعد أن كانت جيشاً واحداً تحت راية تركيا، أصبح لكل بلد جيش يأتمر بأمر المستعمر المحتل؛ ثم تأتي محاولاتها في النهوض من جديد ولملمة أشلاءها بعد الثورات التحررية وأهمها ثورة 1952 في مصر، تلك الثورة التي بدأت في ستينيات القرن الماضي بالانجذاب نحو الاتحاد السوفيتي السابق سياسيا وعسكريا وصناعيا إلى حد لم تمض معه سنوات قليلة إلا وكانت كل قيادات الجيش في الوطن العربي من أقصاه لأقصاه زملاء دراسة في الأكاديميات العسكرية السوفيتية تجمعهم مصالح مشتركة وصداقة مشتركة وصلت بأن أصبح رموز الحكم في الوطن العربي كله، فيما عدا المغرب والسعودية والأردن، خريجي نفس المدرسة تقريباً ويحملون نفس الطموح في الهم والحكم والقيادة؛ حتى ظن الرائي أننا بالفعل في تلك الحقبة جيشا واحدا يملك هم الدفاع المشترك والنظم المشتركة والمصالح المشتركة أو ما أطلق عليه وهما " القومية العربية ".
و جاءت معاهدة السلام التي اختلفت معها كل تلك المصالح والمناهج واختلف عليها الأمراء وقادة الماضي فاعتزلوا مصر وعزلوها وصار لكل أمير – في كل أرجاء الوطن - وجهته التي يستمد منها قوته واستتباب حكمه فظهر بجلاء وجه أميركا ووجه فرنسا وانجلترا وحتى وجه الصين بجانب وجه روسيا الذي بدا شاحباً بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق لتتحدد الأدوار والصفقات في مد الجيوش بالسلاح والعتاد والشراكة في المناورات وإعادة بناء الدولة وهيكلة المنهج وخصخصة الفقراء؛ وانفرط عقد الصداقة والأصدقاء القدامى، وانعزل كل أمير في وطنه بعيدا عن أوطان الآخرين من حوله ولم يدروا قبل الانعزال أنهم صنعوا وجدانا شعوبيا يؤمن قبل العزلة بالوطن الواحد والقومية الواحدة والدفاع المشترك؛ وهنا رفضت الشعوب العزلة وقاومتها ثم حل فيها اليأس الذي دفعها بإحباط إلى أن ترفض كل شئ من حولها حتى نفسها بل والانتقام من ذاتها بمنطق الانتحار الشعوبي الذاتي فصار الفساد عدلا والعدل جريمة واختلاف المذهب أو الدين كفر وكونك لست من ذوي الدماء الزرقاء الملكية فأنت خائن.
ورفضت الشعوب بكل ما تملكه من يأس الاختلاف فيها ولم تجد في لحظة الخلاف قوة ردع من قادتها بل وجدت أنظمة غائبة أو مستفيدة من الشقاق بين أصحاب الوطن الواحد لدرجة وصلت معها حسابات المصلحة والاستفادة لتثبيت كراسي الحكم أن أفرجت عن معارضيها القدامى أعداء الأمس ليكونوا رأس حربة ضد معارضيها الجدد أعداء اليوم، ولتظهر بشائر هذا الشقاق والحسابات وفوضى المصلحة في الضحية الأولى الرئيس المصري محمد أنور السادات واغتياله ونفر كثير من معاونيه.
لقد صار واضحا جليا مدى ما تملكه هذه الجماعات الراديكالية الغاضبة الجديدة من دعم معنوي شعوبي ودعم مادي عسكري تخلل حتى صفوف الجيوش نفسها وأصبح جزءاً من نسيجها يعرفوا بعضهم البعض ولا يعرفهم أحد وهو ما سبب ويسبب – حتى اليوم - كابوساً للأنظمة التي لم يخطر ببالها على الإطلاق ان تستأسد بعض تلك الجماعات ويصبح لها من القوة ما يمكنها من اغتيال رأس النظام!، وهو أمر تباهت به تلك الجماعات واستشعر الناس وسط هذا التباهي بعجز الأنظمة والجيوش في سائر الوطن العربي، خاصة بعد صناعة الأسوار والسياج والبوابات الفولاذية بين الناس وبين الأمن والجيش والداخلية وكلها مسائل تستقر في الوعي الجمعي الخفي لدى الناس ليسوقهم في النهاية إلى الإيمان بضعف النظم التي تحكمهم ومن ثم يبحث هؤلاء عن نظم أخرى بديلة لتحميهم فلا يجدوا بديلاً إلا رموز الجماعات الثورية المنشقة على النظام.
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه، يصارعون بعضهم البعض أحيانا وسط شماتة النظم فيهم ثم لايلبثوا أن يتحدوا ضد النظم فتشمت الشعوب في رؤوس الحكم، شماته تدفع أحيانا بهذه الرؤوس لأن تعقد مع تلك الجماعات صفقة قد تصل إلى الشراكة الرمزية في حكم البلاد اتقاءً لخطرهم الكامن في أعماق من يؤمنوا بهم من الناس كمثال حزب الله ومشاركته في حكم لبنان والإخوان المسلمين ومشاركتهم للبرلمان في مصر. 
والمتأمل للصراع في وطننا اليوم يجد أعظمه نوعين، النوع الأول والأخطر هو الصراع الديني بغية حكم ثيوقراطي أو شبه ثيوقراطي كصراع المسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة والأرذوكس والبروتستانت وهو صراع لا تندمل جراحه بسهوله ويستمر سنيناً طوالاً وضحاياه بالملايين؛ والثاني صراع قبلي عنصري يحاول فيه عنصر ما ان تكون له الغلبة داخل الوطن على عنصر آخر حتى ولو كان من نفس الدين وذات الملة، كل ذلك والجيوش تقف مكتوفة الأيدي لا لشئ سوي كونها عاجزة عن فك شفرة اللغز وهو نصرة من ضد من؟ وتركوا الأمر والشفرة لقادة الأمن الداخلي فتحول الوطن بهم إلى سجن كبير، البقاء فيه للأقوى، حتى صارت غالب الناس تعيش زمن ما يمكن تسميته مجازاً بزمن المفسدة العظمى، فلا قانون ولا عدل ولا رموز وطنية وأصبح الكل أشبه بدوائر صغيرة عنصرية منغلقة على نفسها يضغط بعضها على بعض ويفتت بعضها بعضا في أحلك فترات شعوبنا العربية سواداً وظلمة.
لاحل لكل هذا السواد والهم سوي الجيش، لم يفقد المواطن العربي ثقته الكاملة بعد في الجيش، لان عناصر الجيش من الشعب، كل الجيش من الشعب، ربما يكونون غضبى من الجيش، تتملكهم الفوضى لغيابه لكنهم يعلمون ان الجيوش -بعد تجربة انهيار الجيش العراقي وتشتته - يستعدون بينهم وربما يعدون منهم قيادة جديدة قادرة على الوقوف بحزم أمام طعنات الواقع الراهن، قيادة لها خبرة في عبور الأزمات، قيادة تحمل من الخبرة العسكرية والسياسية مايؤهلها إنقاذ الوطن ليعود له كبريائه القديم.

هكذا قالت لي حليمة !!

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه،
  
الجيش – في عالمنا الثالث:
هو صاحب المدفع، صاحب الدبابة والطائرة، صاحب النظام، هو مالك الوطن.
هو صاحب التغيير، صاحب الثورة، صاحب السلطة، هو مالك الدستور.
هو من تعارضت معه المصالح كان خائناً ومن تلازمت معه المنافع صار قائداً.

ومن هذا المنظور الذي أصبح يراه كثير من المقهورين برؤى أغلبها غاضب ومشوش ظهرت الميليشيات الشعبية للدفاع عن مصلحة القبيلة أو الجماعة – عرقية كانت أم دينية - والتي يري اصحابها ان الجيش اما منفصل عن تحقيق طموحات الشعب وتطلعات فئاته كبشر من حقهم أن يحصلوا على ابسط حقوق الشعوب المحترمة في العالم، أو أن الجيش والنظام ينكروا وجودهم الوطني ويعتبرونهم أقليات مهمشة أو مواطنين من الدرجة الثالثة، ومن هنا ظهر قرنق وحزب الله وحماس والجنجويد والحوثيين والكثير الكثير من الجماعات الراديكالية بمختلف المسميات والهويات؛ حتى امتلأت بهم شوارع الوطن وحواري الوطن وقراه ومدنه، معارضين للنظم رافضين للجيوش التي أصبحت – من منظور الراديكاليين الفقراء – جيوشا لا تملك القدرة على تحريك الثابت الآسن إلى متحرك متجدد، جيوشا لا تحقق – كما كانت بالأمس - أمل الملايين في الحد الأدنى المتكامن في صدورهم من الحرية الإنسانية وسطوع الهدف والرضا عن النتائج ليستشعر – المواطن - في قرارة نفسه انه مازال موجوداً يأخذ ويعطي ويتفاعل متزامنا مع الشعوب من حوله في جغرافية الكون الذي يحياه وليس كمن يحيا في مجموعة شمسية أخرى بزمن آخر يسير عكس عقارب الساعة؛ تلك المسألة تسببت فيما نحياه اليوم ونطلق عليه " الفلتان الأمنى " داخل المجتمعات العربية، خاصة بعد تعاطف معظم سكان الشارع العربي مع هذه الجماعات، هذا الشارع الذي إن لم يجد تعاطفا بالمد والعون لهم فإنه يستبدع تعاطفا معهم بالصمت وغفران الخطيئة لكون خطيئة المتمرد الغاضب بالسلاح عندهم أعظم وأطهر من حسنات النظام وكل من يعتلي كراسيه، فخطيئة المتمرد من وجهة نظر المقهورين تشفي غليل اليائس المقهور بينما حسنات النظام لا تزيده إلا فقراً يتوسل به فتات القوم في الغرب ويدين لهم مدى الحياة بقوت يومه وأحفاده وربما حتى أجيال زمن ظهور دابة الأرض من بعده.
هذه وجة نظر الناس بالفعل وليست محض سيناريو خيالي أتيته عن علم من عندي، لأن المتأمل المهموم بردود أفعال الناس في الشارع العربي يجد أن الأنظمة في الوقت الذي أدارت فيه ظهورها لشعوبها ولمطالب الجماعات داخلها، وجه المواطن البسيط في الشارع العربي وجهه لتلك الجماعات الثورية بل واعتبر أن رموز هذه الجماعات ما هم إلا قاده مخلصين ومصلحين وزعماء جاءوا ليأخذوا بثأر المستضعفين في الأرض فالتفوا حولهم ودعوا لهم بالنصر وعلقوا صورهم رغم أنف النظم في غرف نومهم استبشاراً بهم وهي مسألة انتبهت لها الأنظمة بالفعل متأخرة لكنها – رغم الإنتباهه - لم تجد أو تقدم ولو حلاً واحداً سريعاً لعلاجها لان غالبية هذه النظم كانت وربما مازالت – تحت وطأة الظرف السياسي الفوضوي والتدخل الأجنبي بالمنطقة - تبحث عن كل وسيلة تحافظ بها على حكم البلاد أو ما ندعوه مجازاً صراع أمراء السلطنة كما كان في عهد حكم المماليك؛ ومن منطلق ديكتاتوري ولكبت مشاعر الناس تجاه هذه الجماعات ظهرت وسائل قمعية تجاه الشعوب رغم أنه كان من الأحرى أن يظهر بصيص من حسن النوايا في تحقيق متدرج لأحلام الناس ليستشعر هؤلاء الناس أنه وطن لا يأكل أبناؤه.
إن جيوش المنطقة في ورطة حقيقية فبعد أن تعافت من كونها في الماضي الضحية الأولى لنتائج الحرب العالمية الثانية وتفككها بعد أن كانت جيشاً واحداً تحت راية تركيا، أصبح لكل بلد جيش يأتمر بأمر المستعمر المحتل؛ ثم تأتي محاولاتها في النهوض من جديد ولملمة أشلاءها بعد الثورات التحررية وأهمها ثورة 1952 في مصر، تلك الثورة التي بدأت في ستينيات القرن الماضي بالانجذاب نحو الاتحاد السوفيتي السابق سياسيا وعسكريا وصناعيا إلى حد لم تمض معه سنوات قليلة إلا وكانت كل قيادات الجيش في الوطن العربي من أقصاه لأقصاه زملاء دراسة في الأكاديميات العسكرية السوفيتية تجمعهم مصالح مشتركة وصداقة مشتركة وصلت بأن أصبح رموز الحكم في الوطن العربي كله، فيما عدا المغرب والسعودية والأردن، خريجي نفس المدرسة تقريباً ويحملون نفس الطموح في الهم والحكم والقيادة؛ حتى ظن الرائي أننا بالفعل في تلك الحقبة جيشا واحدا يملك هم الدفاع المشترك والنظم المشتركة والمصالح المشتركة أو ما أطلق عليه وهما " القومية العربية ".
و جاءت معاهدة السلام التي اختلفت معها كل تلك المصالح والمناهج واختلف عليها الأمراء وقادة الماضي فاعتزلوا مصر وعزلوها وصار لكل أمير – في كل أرجاء الوطن - وجهته التي يستمد منها قوته واستتباب حكمه فظهر بجلاء وجه أميركا ووجه فرنسا وانجلترا وحتى وجه الصين بجانب وجه روسيا الذي بدا شاحباً بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق لتتحدد الأدوار والصفقات في مد الجيوش بالسلاح والعتاد والشراكة في المناورات وإعادة بناء الدولة وهيكلة المنهج وخصخصة الفقراء؛ وانفرط عقد الصداقة والأصدقاء القدامى، وانعزل كل أمير في وطنه بعيدا عن أوطان الآخرين من حوله ولم يدروا قبل الانعزال أنهم صنعوا وجدانا شعوبيا يؤمن قبل العزلة بالوطن الواحد والقومية الواحدة والدفاع المشترك؛ وهنا رفضت الشعوب العزلة وقاومتها ثم حل فيها اليأس الذي دفعها بإحباط إلى أن ترفض كل شئ من حولها حتى نفسها بل والانتقام من ذاتها بمنطق الانتحار الشعوبي الذاتي فصار الفساد عدلا والعدل جريمة واختلاف المذهب أو الدين كفر وكونك لست من ذوي الدماء الزرقاء الملكية فأنت خائن.
ورفضت الشعوب بكل ما تملكه من يأس الاختلاف فيها ولم تجد في لحظة الخلاف قوة ردع من قادتها بل وجدت أنظمة غائبة أو مستفيدة من الشقاق بين أصحاب الوطن الواحد لدرجة وصلت معها حسابات المصلحة والاستفادة لتثبيت كراسي الحكم أن أفرجت عن معارضيها القدامى أعداء الأمس ليكونوا رأس حربة ضد معارضيها الجدد أعداء اليوم، ولتظهر بشائر هذا الشقاق والحسابات وفوضى المصلحة في الضحية الأولى الرئيس المصري محمد أنور السادات واغتياله ونفر كثير من معاونيه.
لقد صار واضحا جليا مدى ما تملكه هذه الجماعات الراديكالية الغاضبة الجديدة من دعم معنوي شعوبي ودعم مادي عسكري تخلل حتى صفوف الجيوش نفسها وأصبح جزءاً من نسيجها يعرفوا بعضهم البعض ولا يعرفهم أحد وهو ما سبب ويسبب – حتى اليوم - كابوساً للأنظمة التي لم يخطر ببالها على الإطلاق ان تستأسد بعض تلك الجماعات ويصبح لها من القوة ما يمكنها من اغتيال رأس النظام!، وهو أمر تباهت به تلك الجماعات واستشعر الناس وسط هذا التباهي بعجز الأنظمة والجيوش في سائر الوطن العربي، خاصة بعد صناعة الأسوار والسياج والبوابات الفولاذية بين الناس وبين الأمن والجيش والداخلية وكلها مسائل تستقر في الوعي الجمعي الخفي لدى الناس ليسوقهم في النهاية إلى الإيمان بضعف النظم التي تحكمهم ومن ثم يبحث هؤلاء عن نظم أخرى بديلة لتحميهم فلا يجدوا بديلاً إلا رموز الجماعات الثورية المنشقة على النظام.
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه، يصارعون بعضهم البعض أحيانا وسط شماتة النظم فيهم ثم لايلبثوا أن يتحدوا ضد النظم فتشمت الشعوب في رؤوس الحكم، شماته تدفع أحيانا بهذه الرؤوس لأن تعقد مع تلك الجماعات صفقة قد تصل إلى الشراكة الرمزية في حكم البلاد اتقاءً لخطرهم الكامن في أعماق من يؤمنوا بهم من الناس كمثال حزب الله ومشاركته في حكم لبنان والإخوان المسلمين ومشاركتهم للبرلمان في مصر. 
والمتأمل للصراع في وطننا اليوم يجد أعظمه نوعين، النوع الأول والأخطر هو الصراع الديني بغية حكم ثيوقراطي أو شبه ثيوقراطي كصراع المسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة والأرذوكس والبروتستانت وهو صراع لا تندمل جراحه بسهوله ويستمر سنيناً طوالاً وضحاياه بالملايين؛ والثاني صراع قبلي عنصري يحاول فيه عنصر ما ان تكون له الغلبة داخل الوطن على عنصر آخر حتى ولو كان من نفس الدين وذات الملة، كل ذلك والجيوش تقف مكتوفة الأيدي لا لشئ سوي كونها عاجزة عن فك شفرة اللغز وهو نصرة من ضد من؟ وتركوا الأمر والشفرة لقادة الأمن الداخلي فتحول الوطن بهم إلى سجن كبير، البقاء فيه للأقوى، حتى صارت غالب الناس تعيش زمن ما يمكن تسميته مجازاً بزمن المفسدة العظمى، فلا قانون ولا عدل ولا رموز وطنية وأصبح الكل أشبه بدوائر صغيرة عنصرية منغلقة على نفسها يضغط بعضها على بعض ويفتت بعضها بعضا في أحلك فترات شعوبنا العربية سواداً وظلمة.
لاحل لكل هذا السواد والهم سوي الجيش، لم يفقد المواطن العربي ثقته الكاملة بعد في الجيش، لان عناصر الجيش من الشعب، كل الجيش من الشعب، ربما يكونون غضبى من الجيش، تتملكهم الفوضى لغيابه لكنهم يعلمون ان الجيوش -بعد تجربة انهيار الجيش العراقي وتشتته - يستعدون بينهم وربما يعدون منهم قيادة جديدة قادرة على الوقوف بحزم أمام طعنات الواقع الراهن، قيادة لها خبرة في عبور الأزمات، قيادة تحمل من الخبرة العسكرية والسياسية مايؤهلها إنقاذ الوطن ليعود له كبريائه القديم.