الاثنين، 26 ديسمبر 2011

محروس سليمان ومصريون أضاءوا وجه مصر

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
أردف قائلا: الأهم من ذلك يا محيي محروس نفسه، محروس في الخطاب يحكي لي عن معاناته الإبداعية في ترجمة كتاب بالفرنسية عن شيخ الأزهر الشيخ حسن العطار أستاذ رفاعة الطهطاوي، ويتخلل الخطاب عدة شخصيات مصرية كثيرة شاركت بالفعل في صناعة فجر مصر.

لم يكن يتوقع الكاتب والمترجم المصري الكبير محروس سليمان صاحب أهم الترجمات العربية للكتب الأجنبية التي تلقي بكثير من الضوء على مجتمعاتنا العربية وجذورها وتاريخها، وعلى رأسها كتاب الجذور الإسلامية للرأسمالية للكاتب الأميركي بيتر جران، أكرر انه لم يكن يتوقع أن خطاباً يكتبه لصديق عمره الكاتب والناقد المصري الكبير توفيق حنا في نوفمبر عام 1996 بأنه سوف يتم نشره في عام 2011 ، ولكن هي الأقدار دوما حين تمنحنا بصيص نور فتدفعنا من خلاله ودون عناء للعثور على مثل هكذا خطاب شخصي بين صديقين شاركا بالفعل في صناعة فجر مصر الجديد لنجد فيه ومن خلال عفوية الكتابة بداخله لكونها عفوية الحب بين صديق وصديق، إثبات حالة تاريخية على مصريين انتموا بكل ما يمتلكونه من طاقة لمصر، فأحبوها وأحبتهم، بحثوا في كنوزها فأعطتهم من بهائها، آمنوا بها ومن ثم لم يولوا وجوههم شطر طائفة أو قبيلة أو مذهب، بل ولوا وجوههم شطرها، شطر وجه مصر، مصر درة تاج الكون، مصر التي إن أحبها أحد كتبت له الشهرة وكتب له الخلود، مصر الوطن، أم العجائب وحيث أهم عجائبها الكونية أنها إذا تغيرت تغير العالم وإذا أضاءت، تضئ الدنيا وتلمع.
كان ذلك في احد أيام شهر مايو 2011 حينما كنت أتحدث مع الأستاذ توفيق حنا عبر التليفون، والأستاذ توفيق حنا لمن لا يعرفه هو أحد أعمدة النقد في مصر وهو أول من قام بنقد أعمال نجيب محفوظ حيث كان صديقه الحميم وكذا هو أستاذ عمالقة كبار على رأسهم الشاعر الكبير "أمل دنقل" والشاعر الكبير " عبد الرحمن الأبنودي" وغيرهم وهو أول من قدمهما لساحة الثقافة العربية وهم في حداثة أعمارهم، منذ أن كانوا صغارا في مدارس محافظة قنا الابتدائية هذا على سبيل المثال لا الحصر، أقول أنه حينما كنت أتحدث مع الأستاذ توفيق حنا عبر التليفون دائما ما يجمعنا الحوار حول حب مصر، ولا أدري كيف صار بيننا هذا الدستور القوي الذي يحكم علاقتنا منذ زمن بحيث تهيمن علينا وعلى أحاديثنا .. مصر، فنذهب سويا ( هو وأنا ) في غيبوبة عشق مصرية بين حواريها وموالدها ومقاهيها وفدادين قراها ونجوعها.
قال لي: تصدق يا محيي!! .. عثرت اليوم على خطاب قديم أرسله لي صديقي محروس سليمان عام 96، خطاب ذكرني بمصر، مصر الأخرى، ذكرني بشوارعها وناسها الطيبين، ذكرني أيضا ( بقهوة الزلع ) في باب الخلق حينما كان يأتي الكاتب الكبير صلاح عبد الصبور – وكان وقتها مدرسا للغة العربية في إحدى مدارس القاهرة - ليقرأ لنا ملحمته الرائعة الفتى زهران، ثم انتبه الأستاذ توفيق وأردف قائلا: الأهم من ذلك يا محيي محروس نفسه، محروس في الخطاب يحكي لي عن معاناته الإبداعية في ترجمة كتاب بالفرنسية عن شيخ الأزهر الشيخ حسن العطار أستاذ رفاعة الطهطاوي، ويتخلل الخطاب عدة شخصيات مصرية كثيرة شاركت بالفعل في صناعة فجر مصر منهم على سبيل المثال ما ورد في الخطاب، صبحي شكري مدير تحرير جريدة وطني و الحسيني عطا، وغيرهم، وهنا وجدت نفسي مدفوعا لأن اطلب من الأستاذ توفيق إرسال هذا الخطاب لي، ليس لقراءته فحسب بل لأشارك في تعميمه لإيماني بأنه عينة عشوائية صالحة تبرهن على مدى إخلاص أبناء مصريون مبدعون في حب مصر بصمت جاد معطاء وحيث لم يكن حوار هؤلاء عبث، أو أحاديثهم أو حتى مشاغباتهم فارغة، بل كانوا قامات عالية تدفعنا لان نتأملهم وننصت ونتعلم كيف يكون الحب لمصر والوطن، وكأنهم في صلاه بقدس أقداس هذا البلد الطيب. ولنقرأ الخطاب.
عزيزي توفيق: سعدت كثيرا بقراءة خطابك مرات ، لقد التقيت بصديقنا العزيز صبحي شكري إلا ""وهرينا فروتك" بكل الخير طبعا فأنت الصديق الوفي والمصري المثالي في كرم أخلاقك وودك في علاقاتك مع الجميع. ولازلت أحس واشعر كيف كنت في جلساتك معنا تخص جميع الأصدقاء بأحاسيس الود والحب في صدق وبساطه، وهذه سجيتك كمصري أصيل. هل تذكر لقاءات باب الخلق في قهوة "الزلع" في الخمسينات عندما كان يتجمع عدد كبير من الأصدقاء، وكنا ننتقل فى الشتاء وخصوصا فى رمضان إلى الفيشاوي. أنها ايام ولت ولكنها لا تنسى وأصبحت من ذكريات الماضي الجميل. هل تذكر الشاب الهادئ الرقيق المشاعر صلاح عبد الصبور الذى امتعنا بزيارتنا فى قهوة الزلع وقرأ علينا قصيدته الخالدة "الفتى زهران" وكان لايزال مدرسا واظنه كان زميلا للشيخ كامل ابو العينين فى مدرسته ولم يعرف بعد على النطاق العام كشاعر مرموق؟ إنها الذكريات الجميلة التي تختزنها الذاكرة.
أما حبك للخريف حتى في أمريكا لعل ذلك راجع لحبك لخريف مصر فى الاصل فهو امتع فصول السنة كما تعلم، ولكن اين الرفقه من الأحباب والأصدقاء؟ فقد انفرط العقد. هل نطمع ان نراك هذا الشتاء اذا سنحت ظروفك فأديب ديميتري عازم على النزول من فرنسا لزيارة مصر خلال ديسمبر القادم او يناير، واذا سمحت ظروفك فسوف نسعد بلقائك كثيرا.
شكرا لاهتمامك بقلقى بشأن هجرة الابناء وللعلم انا متفق تماما مع رأيك فقط اطلب من الابناء قبل الهجرة ان يفكروا كثيرا وبأناه وعن ابنى وسيم فهو يريد الهجرة الى نيوزيلاندا وهى بلد صغيره سكانه نحو ثلاثة ملايين امكانياتها الاقتصاديه محدوده. استراليا اكثر تطورا منها. وهذه الظروف يمكن ان تكون ميزة لمجتمع هادئ ولكن هل هذا المجتمع يوفر فرص عمل مناسبه له كمهندس علما ايضا ان زوجته موفقه فى عملها كمقدمة برامج بـ N.T.V ولن تجد مثل هذا العمل هناك وهى لاتستطيع ان تكف عن العمل وهذه فى حد ذاتها مشكله. على اية حال هذه حياتهم والقرار لهم اولا واخيرا ونرجوا التوفيق لجميع الشباب وكما تعلم الظروف في مصر صعبه إلى حد ما.
اما عنى فأنا مثلك فلولا القراءه لأصبت بالامراض وقراءاتى متنوعه مع التركيز على الاجتماع السياسى والسياسة ومتابعة السياسة العالميه.
وقد اعجبنى خلال قراءاتى كتاب لأستاذ اكاديمى امريكى هو "بيتر جران" واسم الكتاب "الجذور الاسلاميه فى الرأسماليه – مصر 1760- 1840" وللمؤلف وجهة نظر جديدة الى حد كبير فهو يرى ان بداية النهضة المصرية ليست بمجيء الحمله الفرنسيه او حكم محمد على بل يرجع ذلك الى فترة اسبق فى القرن الثامن عشر "عهد على بك الكبير" ثم تعرضت لفترة جمود حتى مجئ الحمله التى لاينكر المؤلف اثرها لكنها ليست المؤثر الاساسى ثم تعود حركة النهضه تتابع تقدمها فى عهد محمد على. والكتاب مرجع كبير الحجم ورجع المؤلف للبرهنه على نظريته الى كيف التراث فى تلك الفتره بل قرأ المخطوطات وعاش فى القاهره خمس سنوات لجمع الماده واستغرق الكتاب نحو عشر سنوات او اكثر. وقد درس الفتره التى تناولها من جميع الزوايا الثقافية والعملية بكل فروعها تفصيليا وجوانبها الماديه والاقتصاديه والاجتماعيه. وتناول بالدراسه التفصيليه شخصية الشيخ حسن العطار استاذ رفاعه الطهطاوى لان هذا الشيخ عاصر حركة النهوض فى القرن الثامن عشر وامتد به العمر الى عصر محمد على (توفى 1830) وشارك فى النهضه فى مرحلتها الاولى ومرحلتها الثانيه وهذا هو سبب اختيار المؤلف له.
على اية حال لقد ترجمت هذا العمل الهام فى تقديرى بكل استمتاع واهتمام فمثلا سافرت الى سوهاج للحصول على مخطوط من مكتبة رفاعه الطهطاوى.
اما الآن فقد اقتربت من الانتهاء من ترجمة كتاب من تأليف عدد من الاكاديميين الامريكيين واسمه "الاسلام والسياسه والحركات الاجتماعيه" والملفت للنظر ان اكثر من 90% من مؤلفات علماء الاجتماع والاجتماع السياسي والتاريخ فى امريكا تتناول بشكل مباشر او غير مباشر الحركات الاسلاميه. ويتناول هذا الكتاب الفترة الاخيره من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين فى مصر والشمال الافريقى مع التركيز على الجزائر وشمال نيجيريا والسودان والثورة الفلسطينية والثورة الايراينة والمسلمون فى الهند وباكستان. ولكن المشكلة تكمن في اين نجد الناشر الذى يهتم بنشر مثل هذه الاعمال الجاده والاكاديميه لأن الأربح للأسف هذه الأيام هي الكتب الساقطة السوقيه الضاره وكتب الجنس ويلى ذلك الكتب الاخرى. على اى حال اننى اشغل وقتى بطريقه مفيده واستمتع بهذا النشاط كما احاول افادة الاخرين قد طاقتى.
اشكرك ياصيدقى العزيز من كل القلب على ردك الفورى ويسعدنى دائما ان احظى بقراءة خطاباتك بانتظام.
الصديق صبحى شكرى بخير والصديق الحسينى عطا يبعث لك بتحياته وسلامه.
ختاما لك حبى وودى من كل القلب.
والى اللقاء فى خطاب قادم.
3 / 11 / 1996
أخوك محروس سليمان

محروس سليمان ومصريون أضاءوا وجه مصر

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
أردف قائلا: الأهم من ذلك يا محيي محروس نفسه، محروس في الخطاب يحكي لي عن معاناته الإبداعية في ترجمة كتاب بالفرنسية عن شيخ الأزهر الشيخ حسن العطار أستاذ رفاعة الطهطاوي، ويتخلل الخطاب عدة شخصيات مصرية كثيرة شاركت بالفعل في صناعة فجر مصر.

لم يكن يتوقع الكاتب والمترجم المصري الكبير محروس سليمان صاحب أهم الترجمات العربية للكتب الأجنبية التي تلقي بكثير من الضوء على مجتمعاتنا العربية وجذورها وتاريخها، وعلى رأسها كتاب الجذور الإسلامية للرأسمالية للكاتب الأميركي بيتر جران، أكرر انه لم يكن يتوقع أن خطاباً يكتبه لصديق عمره الكاتب والناقد المصري الكبير توفيق حنا في نوفمبر عام 1996 بأنه سوف يتم نشره في عام 2011 ، ولكن هي الأقدار دوما حين تمنحنا بصيص نور فتدفعنا من خلاله ودون عناء للعثور على مثل هكذا خطاب شخصي بين صديقين شاركا بالفعل في صناعة فجر مصر الجديد لنجد فيه ومن خلال عفوية الكتابة بداخله لكونها عفوية الحب بين صديق وصديق، إثبات حالة تاريخية على مصريين انتموا بكل ما يمتلكونه من طاقة لمصر، فأحبوها وأحبتهم، بحثوا في كنوزها فأعطتهم من بهائها، آمنوا بها ومن ثم لم يولوا وجوههم شطر طائفة أو قبيلة أو مذهب، بل ولوا وجوههم شطرها، شطر وجه مصر، مصر درة تاج الكون، مصر التي إن أحبها أحد كتبت له الشهرة وكتب له الخلود، مصر الوطن، أم العجائب وحيث أهم عجائبها الكونية أنها إذا تغيرت تغير العالم وإذا أضاءت، تضئ الدنيا وتلمع.
كان ذلك في احد أيام شهر مايو 2011 حينما كنت أتحدث مع الأستاذ توفيق حنا عبر التليفون، والأستاذ توفيق حنا لمن لا يعرفه هو أحد أعمدة النقد في مصر وهو أول من قام بنقد أعمال نجيب محفوظ حيث كان صديقه الحميم وكذا هو أستاذ عمالقة كبار على رأسهم الشاعر الكبير "أمل دنقل" والشاعر الكبير " عبد الرحمن الأبنودي" وغيرهم وهو أول من قدمهما لساحة الثقافة العربية وهم في حداثة أعمارهم، منذ أن كانوا صغارا في مدارس محافظة قنا الابتدائية هذا على سبيل المثال لا الحصر، أقول أنه حينما كنت أتحدث مع الأستاذ توفيق حنا عبر التليفون دائما ما يجمعنا الحوار حول حب مصر، ولا أدري كيف صار بيننا هذا الدستور القوي الذي يحكم علاقتنا منذ زمن بحيث تهيمن علينا وعلى أحاديثنا .. مصر، فنذهب سويا ( هو وأنا ) في غيبوبة عشق مصرية بين حواريها وموالدها ومقاهيها وفدادين قراها ونجوعها.
قال لي: تصدق يا محيي!! .. عثرت اليوم على خطاب قديم أرسله لي صديقي محروس سليمان عام 96، خطاب ذكرني بمصر، مصر الأخرى، ذكرني بشوارعها وناسها الطيبين، ذكرني أيضا ( بقهوة الزلع ) في باب الخلق حينما كان يأتي الكاتب الكبير صلاح عبد الصبور – وكان وقتها مدرسا للغة العربية في إحدى مدارس القاهرة - ليقرأ لنا ملحمته الرائعة الفتى زهران، ثم انتبه الأستاذ توفيق وأردف قائلا: الأهم من ذلك يا محيي محروس نفسه، محروس في الخطاب يحكي لي عن معاناته الإبداعية في ترجمة كتاب بالفرنسية عن شيخ الأزهر الشيخ حسن العطار أستاذ رفاعة الطهطاوي، ويتخلل الخطاب عدة شخصيات مصرية كثيرة شاركت بالفعل في صناعة فجر مصر منهم على سبيل المثال ما ورد في الخطاب، صبحي شكري مدير تحرير جريدة وطني و الحسيني عطا، وغيرهم، وهنا وجدت نفسي مدفوعا لأن اطلب من الأستاذ توفيق إرسال هذا الخطاب لي، ليس لقراءته فحسب بل لأشارك في تعميمه لإيماني بأنه عينة عشوائية صالحة تبرهن على مدى إخلاص أبناء مصريون مبدعون في حب مصر بصمت جاد معطاء وحيث لم يكن حوار هؤلاء عبث، أو أحاديثهم أو حتى مشاغباتهم فارغة، بل كانوا قامات عالية تدفعنا لان نتأملهم وننصت ونتعلم كيف يكون الحب لمصر والوطن، وكأنهم في صلاه بقدس أقداس هذا البلد الطيب. ولنقرأ الخطاب.
عزيزي توفيق: سعدت كثيرا بقراءة خطابك مرات ، لقد التقيت بصديقنا العزيز صبحي شكري إلا ""وهرينا فروتك" بكل الخير طبعا فأنت الصديق الوفي والمصري المثالي في كرم أخلاقك وودك في علاقاتك مع الجميع. ولازلت أحس واشعر كيف كنت في جلساتك معنا تخص جميع الأصدقاء بأحاسيس الود والحب في صدق وبساطه، وهذه سجيتك كمصري أصيل. هل تذكر لقاءات باب الخلق في قهوة "الزلع" في الخمسينات عندما كان يتجمع عدد كبير من الأصدقاء، وكنا ننتقل فى الشتاء وخصوصا فى رمضان إلى الفيشاوي. أنها ايام ولت ولكنها لا تنسى وأصبحت من ذكريات الماضي الجميل. هل تذكر الشاب الهادئ الرقيق المشاعر صلاح عبد الصبور الذى امتعنا بزيارتنا فى قهوة الزلع وقرأ علينا قصيدته الخالدة "الفتى زهران" وكان لايزال مدرسا واظنه كان زميلا للشيخ كامل ابو العينين فى مدرسته ولم يعرف بعد على النطاق العام كشاعر مرموق؟ إنها الذكريات الجميلة التي تختزنها الذاكرة.
أما حبك للخريف حتى في أمريكا لعل ذلك راجع لحبك لخريف مصر فى الاصل فهو امتع فصول السنة كما تعلم، ولكن اين الرفقه من الأحباب والأصدقاء؟ فقد انفرط العقد. هل نطمع ان نراك هذا الشتاء اذا سنحت ظروفك فأديب ديميتري عازم على النزول من فرنسا لزيارة مصر خلال ديسمبر القادم او يناير، واذا سمحت ظروفك فسوف نسعد بلقائك كثيرا.
شكرا لاهتمامك بقلقى بشأن هجرة الابناء وللعلم انا متفق تماما مع رأيك فقط اطلب من الابناء قبل الهجرة ان يفكروا كثيرا وبأناه وعن ابنى وسيم فهو يريد الهجرة الى نيوزيلاندا وهى بلد صغيره سكانه نحو ثلاثة ملايين امكانياتها الاقتصاديه محدوده. استراليا اكثر تطورا منها. وهذه الظروف يمكن ان تكون ميزة لمجتمع هادئ ولكن هل هذا المجتمع يوفر فرص عمل مناسبه له كمهندس علما ايضا ان زوجته موفقه فى عملها كمقدمة برامج بـ N.T.V ولن تجد مثل هذا العمل هناك وهى لاتستطيع ان تكف عن العمل وهذه فى حد ذاتها مشكله. على اية حال هذه حياتهم والقرار لهم اولا واخيرا ونرجوا التوفيق لجميع الشباب وكما تعلم الظروف في مصر صعبه إلى حد ما.
اما عنى فأنا مثلك فلولا القراءه لأصبت بالامراض وقراءاتى متنوعه مع التركيز على الاجتماع السياسى والسياسة ومتابعة السياسة العالميه.
وقد اعجبنى خلال قراءاتى كتاب لأستاذ اكاديمى امريكى هو "بيتر جران" واسم الكتاب "الجذور الاسلاميه فى الرأسماليه – مصر 1760- 1840" وللمؤلف وجهة نظر جديدة الى حد كبير فهو يرى ان بداية النهضة المصرية ليست بمجيء الحمله الفرنسيه او حكم محمد على بل يرجع ذلك الى فترة اسبق فى القرن الثامن عشر "عهد على بك الكبير" ثم تعرضت لفترة جمود حتى مجئ الحمله التى لاينكر المؤلف اثرها لكنها ليست المؤثر الاساسى ثم تعود حركة النهضه تتابع تقدمها فى عهد محمد على. والكتاب مرجع كبير الحجم ورجع المؤلف للبرهنه على نظريته الى كيف التراث فى تلك الفتره بل قرأ المخطوطات وعاش فى القاهره خمس سنوات لجمع الماده واستغرق الكتاب نحو عشر سنوات او اكثر. وقد درس الفتره التى تناولها من جميع الزوايا الثقافية والعملية بكل فروعها تفصيليا وجوانبها الماديه والاقتصاديه والاجتماعيه. وتناول بالدراسه التفصيليه شخصية الشيخ حسن العطار استاذ رفاعه الطهطاوى لان هذا الشيخ عاصر حركة النهوض فى القرن الثامن عشر وامتد به العمر الى عصر محمد على (توفى 1830) وشارك فى النهضه فى مرحلتها الاولى ومرحلتها الثانيه وهذا هو سبب اختيار المؤلف له.
على اية حال لقد ترجمت هذا العمل الهام فى تقديرى بكل استمتاع واهتمام فمثلا سافرت الى سوهاج للحصول على مخطوط من مكتبة رفاعه الطهطاوى.
اما الآن فقد اقتربت من الانتهاء من ترجمة كتاب من تأليف عدد من الاكاديميين الامريكيين واسمه "الاسلام والسياسه والحركات الاجتماعيه" والملفت للنظر ان اكثر من 90% من مؤلفات علماء الاجتماع والاجتماع السياسي والتاريخ فى امريكا تتناول بشكل مباشر او غير مباشر الحركات الاسلاميه. ويتناول هذا الكتاب الفترة الاخيره من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين فى مصر والشمال الافريقى مع التركيز على الجزائر وشمال نيجيريا والسودان والثورة الفلسطينية والثورة الايراينة والمسلمون فى الهند وباكستان. ولكن المشكلة تكمن في اين نجد الناشر الذى يهتم بنشر مثل هذه الاعمال الجاده والاكاديميه لأن الأربح للأسف هذه الأيام هي الكتب الساقطة السوقيه الضاره وكتب الجنس ويلى ذلك الكتب الاخرى. على اى حال اننى اشغل وقتى بطريقه مفيده واستمتع بهذا النشاط كما احاول افادة الاخرين قد طاقتى.
اشكرك ياصيدقى العزيز من كل القلب على ردك الفورى ويسعدنى دائما ان احظى بقراءة خطاباتك بانتظام.
الصديق صبحى شكرى بخير والصديق الحسينى عطا يبعث لك بتحياته وسلامه.
ختاما لك حبى وودى من كل القلب.
والى اللقاء فى خطاب قادم.
3 / 11 / 1996
أخوك محروس سليمان

الخميس، 22 ديسمبر 2011

مجزرة ماسبيرو والقصر العيني ومحمد محمود هل كانت لتبرئة مبارك؟


بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
إنه لمن الغريب حقاً أن يأتي وفد المحامين الكويتيين الآن وبعد مرور ثلاثة أشهر على تأجيل محاكمة مبارك وحدث بها ما حدث من مجازر ودهس أبرياء ليصرح "فيصل العتيدى" رئيس فريق المحامين الكويتي قائلا: "جينا ومعانا براءة مبارك" "إحنا مش محامين شلط" بمعنى ( أي كلام ).


الحقوق لا تؤخذ بالإثم.
هجاني الكثير من مؤيدي مبارك على مقالي السابق " ماذا لو حكموا على مبارك بالبراءة؟".
ليست بيني وبين حسني مبارك خصومة شخصية وحتى أن كانت بيني وبينه خصومة شخصية فأنا متنازل عنها لا لشئ إلا لأني لا أمتلك أدوات الحصول على هذا الحق فقد استلب منا هو ونظامه كل ماكنا نمتلكه من كرامة، وهو الآن في يد القضاء الذي سيبرئه حتما من جريمة قتل المتظاهرين لكون القضاء يحتكم إلى دلائل مادية يحكم بها وهي دلائل اقرب للشفرات والألغاز تحتاج على سبيل المثال وكما قال قاضي مبارك إلى أكثر من ستة آلاف شاهد لابد أن يقف كل منهم أمامه ليدلي بشهادته وهو أمر ليس صعبا بل مستحيلاً. 
ليبرئوا ساحة مبارك إذن من قتل المتظاهرين!، وسيبرئونه!، صدقوني سيبرئونه!، سيبرئونه ليس لأن مؤيدي مبارك يضغطون أو يتظاهرون بقوة، بالعكس، خاصة وأن أعدادهم في تناقص حاد ومستمر ولا يشكلون ضغطاً كما يظنون، بل سيبرئونه لأن عصابته تجيد اللعب القذر كما أجادها " راتكو ملاديتش" القائد الأعلى للقوات المسلحة الصربية بيوغسلافيا السابقة منذ عشرين عاما ولم يتم اعتقاله إلا في أكتوبر 2011 تحت ضغوط دولية وسيبرئونه حتماً هو الآخر بتحليل حمضه النووي DNA ليثبتوا أن من تم اعتقاله هو شخص آخر وليس " راتكو ملاديتش" وان الأحماض النووية مختلفة. 
فليعلنوا براءة مبارك أمام الناس فهي لن تبرئه أمام التاريخ، فليعلنوا براءته التي أصبحت لا تعنينا مادمنا نحيا الباطل على أيدي عصابات مازلت تحكم من " سجن طره"، ولكن كيف سيبرئونه من ثلاثين عاماً قضاها في حكم مصر كانت هي خصومة مبارك الحقيقية مع نفسه، لقد وعد الشعب حين تولى زمام أمر البلاد بأن يحكمها لمدة واحدة فقط وان الكفن ليس له جيوب، وليته فعل ذلك قبل أن يترك زمام الأمور لزوجته وأبنه جمال الذي جاء من انجلترا عام 1993 بعد فترة قضاها في مصح نفسي، ليلقاه عاطف عبيد ( مهندس التوريث ) ويقنع أمه بوراثة جمال للعرش وليتحول مبارك بعد هذا اللقاء من رئيس دولة قوي أحبته الناس طيلة مدتين للرئاسة ( 1981 – 1991 ) إلى دمية من الخشب في يد زوجته دفعت الناس لأن يكرهوه هو وزوجته وكل عائلته ونظامه.
أنا لا أتكلم بلسان 90 مليون مصري، ومن منا يستطيع اليوم أن يتكلم بلسان عائلته حتى لو مكونة من أربعة أفراد مختلفة ليدعي أن يتحدث بلسان 90 مليون مصري! ولكننا كشعب نحمل ضميرا يكاد يكون واحداً، أي أن كل واحد منا يستطيع أن يستشعر حال الناس من حوله من حال الأحداث التي مر ويمر بها الجميع، فخصخصة أملاك الشعب وطرد مئات الآلاف من العمال وإذلال الشباب الذي يبحث عن عمل حتى كاد أن يفضل البطالة عن العمل بأبخس الأجور، وقمع الحريات المدنية في إغلاق النقابات العامة وسيطرة الأمن على الجامعات وتوظيف جواسيس أمن الدولة في مخابز العيش ومقاهي الأحياء الشعبية وأصحاب بعض عربات الكبدة وأكشاك السجائر للسيطرة بكل جبروت على أنفاس الناس وقمع أحلامهم قبل أن تولد، وبيع مصر لأمراء الخليج وعلى رأسها مشروع "توشكي" الذي أقرت بفشله غالب العلماء واستشهد في إنشاء بنيته التحتية أكثر من عشرة آلاف عامل وفلاح مصري وأذهبوا إلى هناك وانظروا، أذهبوا إلى " توشكي " وشاهدوا مقابر هؤلاء المصريين الطيبين الذين قتلتهم الصحراء كما فعل بهم الخديوي سابقاً في حفر قناة السويس قبل أن يبيعها لانجلترا، كل ذلك تم فعله من أجل سيناريو التوريث، توريث مصر لشاب لا تبدو على وجهه أي ملامح من ذكاء سوى أنه حبيب أمه وأبيه، فمن يدافع عن من؟، عن ماذا تدافعون؟ مصر ليست مبارك وليست جمال عبد الناصر وليست السادات ولا المشير طنطاوي ولا حتى المشير سامي عنان بل وليست التحرير ولا العباسية ولا مصطفى محمود، مصر هي جماعة هذا الشعب، شعب مصر من رأس الدولة وحتى آخر مولود تمت ولادته الآن، فكيف نختزل الكل في شخص واحد ثم ندعي أنما نحيا الحرية ونحن نغوص في لحم الذل ونزداد انحطاطاً.
لقد تم تأجيل قضية مبارك في سبتمبر الماضي لمدة ثلاثة أشهر حتى يوم 28 ديسمبر 2011 لماذا؟
كان عدد القتلى في 28 يناير 2011 والمتهم بقتلهم وإصابتهم مبارك لا تتعدى مئات فكيف إذن يبحثون عن مخرج يخرجون به مبارك من هذا المأزق؟ 
كيف يبرئونه من تهمة القتل؟ 
كيف يخلون ساحته أمام الناس حتى لو كانت ملطخة بالدماء أمام الله؟ بعد أن أصبح الناس من فرط الحاجة لا يفرقون بين الله والديكتاتور!، وكانت الخطيئة التي ظنوا أنها ستمحو الخطيئة، خطيئة الإسراف في قتل أبرياء جدد حتى ولو كانو بالمئات ليبرهنوا أن هؤلاء الأبرياء ما قتلوا إلا بأيدي خارجية ليس لمبارك دخل فيها ومن ثم فمبارك برئ من خطيئة قتل المتظاهرين وليبحث شعب مصر عن القاتل الحقيقي إن استطاع لذلك سبيلا!.
كانت الجلسة الثالثة لمحاكمة مبارك في 5 سبتمبر، 2011 واستغرقت ما يقرب من 10 ساعات ثم حدث ما يسمى بالاستئناف ثم توقفت ثلاثة أشهر حدث فيها أن طغت خلالها التوترات الدامية بين الجيش والمتظاهرين بشكل يبدو يقينا مدبراً ومخططاً له.
ثلاثة أشهر حدثت بها مجازر إنسانية تشيب من هولها الولدان، أهمها مجزرة ماسبيرو ومحمد محمود والقصر العيني فلماذا لم تحدث هذه المجازر قبل الإعلان عن تأجيل محاكمة مبارك؟ 
ومن هم التسعة عشرة جثة لأجانب لم يستدل على هوياتهم ومازلوا في مشرحة زينهم وكانوا من ضمن من يطلق الرصاص على الناس من أعلى أسطح المنازل؟
وهل هم مرتزقة استجلبهم حكام " سجن طره" من أوكرانيا كما ثبت هذا الأسبوع 22 ديسمبر 2011 وتم القبض على بعضهما ( أوكراني وإسرائيلي) يهربان أسلحة من إسرائيل على شاكلة تلك التي تستخدمها الشرطة المصرية وتبين من التحقيقات الأولية أنهما يعملان لصالح أحد رجالات "الطرف الثالث" مثلهم مثل بلطجية التحرير ومحمد محمود وماسبيرو المندسة والذين كانوا يتقاضوا 150 جنيها عن كل رأس قتيل يقتلونه، وحيث كان من ضمن من قتلوهم الشيخ الجليل "عماد عفت" مدير إدارة الحساب الشرعي بالأزهر وأمين دار الإفتاء.
إنه لمن الغريب حقاً أن يأتي وفد المحامين الكويتيين الآن وبعد مرور ثلاثة أشهر على تأجيل محاكمة مبارك وحدث بها ما حدث من مجازر ودهس أبرياء ليصرح "فيصل العتيدى" رئيس فريق المحامين الكويتي قائلا: "جينا ومعانا براءة مبارك" "إحنا مش محامين شلط" بمعنى ( أي كلام ) ثم قال: "إحنا أساتذة في القانون واللي ما أتعلم نعلمه" وأن فريق الدفاع سيحضر جميع جلسات محاكمة مبارك حتى إثبات براءته من خلال الأدلة التي سيتقدم بها والتي تفيد وجود عناصر مخربة قتلت المتظاهرين في ( 25 – 28 ) يناير 2011 وأحداث شارع محمد محمود وماسبيرو والقصر العيني وحادثة سفارة إسرائيل، بل لماذا لم تتعرض الجامعة الأمريكية لخدش واحد بينما تم حرق المجمع العلمي وهيئة الطرق والكباري بالكامل؟.
فهل كانت أحداث ماسبيرو ومحمد محمود والقصر العيني مدبرة ليقتل فيها ( الطرف الثالث ) العشرات من الأبرياء ويصيب المئات من أجل إثبات براءة مبارك؟
هل صارت دماء المصريين رخيصة إلى هذا الحد؟ 
ولماذا لم يتم قتل فرد واحد من مؤيدي مبارك أثناء الكثير من الاشتباكات التي حدثت بينهم وبين اسر الشهداء رغم أنها كانت شبه دموية؟ 
ومن أين أتي مؤيدي مبارك بكل هذه اللافتات الخمسة نجوم والتيشرتات المرصعة بصورته والعربات المكيفة التي كانت تنقلهم من والى مبنى المحاكمة؟
لاشك أن الذي يحكم مصر اليوم في مرحلتها الانتقالية يعلم الطرف الثالث ولا شك أن مؤيدي مبارك يعلمون الطرف الثالث ولا شك أن أشخاص بعينها تحكم بلدانا بعينها وتخشى من تهديد سوزان مبارك بكشف فضائحهم الجنسية أمام شعوبهم يعلمون أيضا الطرف الثالث بل ويشاركون في تمويل الخراب ضد مصر وشعبها.
أقول لقد مات الكثير من شبابنا في فترة تأجيل محاكمة مبارك لثلاثة أشهر عن عمد وأصيب الكثير لإثبات براءة مبارك وطغمتة الفاسدة مما فعلوه من جرائم، وأن المدافعين عن الباطل لن يمهلهم القدر حتى يستمتعوا بما اقترفت أيديهم وضمائرهم من فعل الزور والانتصار لدولة الظلم، الغد قادم لا شك في ذلك، قادم ويحمل في رحم وجوده الكثير من النور لشعب مصر ولكن بعد أن ينتهي من دفن جثث الذين نادوا ببراءة الفرعون وملائه. 

مجزرة ماسبيرو والقصر العيني ومحمد محمود هل كانت لتبرئة مبارك؟


بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
إنه لمن الغريب حقاً أن يأتي وفد المحامين الكويتيين الآن وبعد مرور ثلاثة أشهر على تأجيل محاكمة مبارك وحدث بها ما حدث من مجازر ودهس أبرياء ليصرح "فيصل العتيدى" رئيس فريق المحامين الكويتي قائلا: "جينا ومعانا براءة مبارك" "إحنا مش محامين شلط" بمعنى ( أي كلام ).


الحقوق لا تؤخذ بالإثم.
هجاني الكثير من مؤيدي مبارك على مقالي السابق " ماذا لو حكموا على مبارك بالبراءة؟".
ليست بيني وبين حسني مبارك خصومة شخصية وحتى أن كانت بيني وبينه خصومة شخصية فأنا متنازل عنها لا لشئ إلا لأني لا أمتلك أدوات الحصول على هذا الحق فقد استلب منا هو ونظامه كل ماكنا نمتلكه من كرامة، وهو الآن في يد القضاء الذي سيبرئه حتما من جريمة قتل المتظاهرين لكون القضاء يحتكم إلى دلائل مادية يحكم بها وهي دلائل اقرب للشفرات والألغاز تحتاج على سبيل المثال وكما قال قاضي مبارك إلى أكثر من ستة آلاف شاهد لابد أن يقف كل منهم أمامه ليدلي بشهادته وهو أمر ليس صعبا بل مستحيلاً. 
ليبرئوا ساحة مبارك إذن من قتل المتظاهرين!، وسيبرئونه!، صدقوني سيبرئونه!، سيبرئونه ليس لأن مؤيدي مبارك يضغطون أو يتظاهرون بقوة، بالعكس، خاصة وأن أعدادهم في تناقص حاد ومستمر ولا يشكلون ضغطاً كما يظنون، بل سيبرئونه لأن عصابته تجيد اللعب القذر كما أجادها " راتكو ملاديتش" القائد الأعلى للقوات المسلحة الصربية بيوغسلافيا السابقة منذ عشرين عاما ولم يتم اعتقاله إلا في أكتوبر 2011 تحت ضغوط دولية وسيبرئونه حتماً هو الآخر بتحليل حمضه النووي DNA ليثبتوا أن من تم اعتقاله هو شخص آخر وليس " راتكو ملاديتش" وان الأحماض النووية مختلفة. 
فليعلنوا براءة مبارك أمام الناس فهي لن تبرئه أمام التاريخ، فليعلنوا براءته التي أصبحت لا تعنينا مادمنا نحيا الباطل على أيدي عصابات مازلت تحكم من " سجن طره"، ولكن كيف سيبرئونه من ثلاثين عاماً قضاها في حكم مصر كانت هي خصومة مبارك الحقيقية مع نفسه، لقد وعد الشعب حين تولى زمام أمر البلاد بأن يحكمها لمدة واحدة فقط وان الكفن ليس له جيوب، وليته فعل ذلك قبل أن يترك زمام الأمور لزوجته وأبنه جمال الذي جاء من انجلترا عام 1993 بعد فترة قضاها في مصح نفسي، ليلقاه عاطف عبيد ( مهندس التوريث ) ويقنع أمه بوراثة جمال للعرش وليتحول مبارك بعد هذا اللقاء من رئيس دولة قوي أحبته الناس طيلة مدتين للرئاسة ( 1981 – 1991 ) إلى دمية من الخشب في يد زوجته دفعت الناس لأن يكرهوه هو وزوجته وكل عائلته ونظامه.
أنا لا أتكلم بلسان 90 مليون مصري، ومن منا يستطيع اليوم أن يتكلم بلسان عائلته حتى لو مكونة من أربعة أفراد مختلفة ليدعي أن يتحدث بلسان 90 مليون مصري! ولكننا كشعب نحمل ضميرا يكاد يكون واحداً، أي أن كل واحد منا يستطيع أن يستشعر حال الناس من حوله من حال الأحداث التي مر ويمر بها الجميع، فخصخصة أملاك الشعب وطرد مئات الآلاف من العمال وإذلال الشباب الذي يبحث عن عمل حتى كاد أن يفضل البطالة عن العمل بأبخس الأجور، وقمع الحريات المدنية في إغلاق النقابات العامة وسيطرة الأمن على الجامعات وتوظيف جواسيس أمن الدولة في مخابز العيش ومقاهي الأحياء الشعبية وأصحاب بعض عربات الكبدة وأكشاك السجائر للسيطرة بكل جبروت على أنفاس الناس وقمع أحلامهم قبل أن تولد، وبيع مصر لأمراء الخليج وعلى رأسها مشروع "توشكي" الذي أقرت بفشله غالب العلماء واستشهد في إنشاء بنيته التحتية أكثر من عشرة آلاف عامل وفلاح مصري وأذهبوا إلى هناك وانظروا، أذهبوا إلى " توشكي " وشاهدوا مقابر هؤلاء المصريين الطيبين الذين قتلتهم الصحراء كما فعل بهم الخديوي سابقاً في حفر قناة السويس قبل أن يبيعها لانجلترا، كل ذلك تم فعله من أجل سيناريو التوريث، توريث مصر لشاب لا تبدو على وجهه أي ملامح من ذكاء سوى أنه حبيب أمه وأبيه، فمن يدافع عن من؟، عن ماذا تدافعون؟ مصر ليست مبارك وليست جمال عبد الناصر وليست السادات ولا المشير طنطاوي ولا حتى المشير سامي عنان بل وليست التحرير ولا العباسية ولا مصطفى محمود، مصر هي جماعة هذا الشعب، شعب مصر من رأس الدولة وحتى آخر مولود تمت ولادته الآن، فكيف نختزل الكل في شخص واحد ثم ندعي أنما نحيا الحرية ونحن نغوص في لحم الذل ونزداد انحطاطاً.
لقد تم تأجيل قضية مبارك في سبتمبر الماضي لمدة ثلاثة أشهر حتى يوم 28 ديسمبر 2011 لماذا؟
كان عدد القتلى في 28 يناير 2011 والمتهم بقتلهم وإصابتهم مبارك لا تتعدى مئات فكيف إذن يبحثون عن مخرج يخرجون به مبارك من هذا المأزق؟ 
كيف يبرئونه من تهمة القتل؟ 
كيف يخلون ساحته أمام الناس حتى لو كانت ملطخة بالدماء أمام الله؟ بعد أن أصبح الناس من فرط الحاجة لا يفرقون بين الله والديكتاتور!، وكانت الخطيئة التي ظنوا أنها ستمحو الخطيئة، خطيئة الإسراف في قتل أبرياء جدد حتى ولو كانو بالمئات ليبرهنوا أن هؤلاء الأبرياء ما قتلوا إلا بأيدي خارجية ليس لمبارك دخل فيها ومن ثم فمبارك برئ من خطيئة قتل المتظاهرين وليبحث شعب مصر عن القاتل الحقيقي إن استطاع لذلك سبيلا!.
كانت الجلسة الثالثة لمحاكمة مبارك في 5 سبتمبر، 2011 واستغرقت ما يقرب من 10 ساعات ثم حدث ما يسمى بالاستئناف ثم توقفت ثلاثة أشهر حدث فيها أن طغت خلالها التوترات الدامية بين الجيش والمتظاهرين بشكل يبدو يقينا مدبراً ومخططاً له.
ثلاثة أشهر حدثت بها مجازر إنسانية تشيب من هولها الولدان، أهمها مجزرة ماسبيرو ومحمد محمود والقصر العيني فلماذا لم تحدث هذه المجازر قبل الإعلان عن تأجيل محاكمة مبارك؟ 
ومن هم التسعة عشرة جثة لأجانب لم يستدل على هوياتهم ومازلوا في مشرحة زينهم وكانوا من ضمن من يطلق الرصاص على الناس من أعلى أسطح المنازل؟
وهل هم مرتزقة استجلبهم حكام " سجن طره" من أوكرانيا كما ثبت هذا الأسبوع 22 ديسمبر 2011 وتم القبض على بعضهما ( أوكراني وإسرائيلي) يهربان أسلحة من إسرائيل على شاكلة تلك التي تستخدمها الشرطة المصرية وتبين من التحقيقات الأولية أنهما يعملان لصالح أحد رجالات "الطرف الثالث" مثلهم مثل بلطجية التحرير ومحمد محمود وماسبيرو المندسة والذين كانوا يتقاضوا 150 جنيها عن كل رأس قتيل يقتلونه، وحيث كان من ضمن من قتلوهم الشيخ الجليل "عماد عفت" مدير إدارة الحساب الشرعي بالأزهر وأمين دار الإفتاء.
إنه لمن الغريب حقاً أن يأتي وفد المحامين الكويتيين الآن وبعد مرور ثلاثة أشهر على تأجيل محاكمة مبارك وحدث بها ما حدث من مجازر ودهس أبرياء ليصرح "فيصل العتيدى" رئيس فريق المحامين الكويتي قائلا: "جينا ومعانا براءة مبارك" "إحنا مش محامين شلط" بمعنى ( أي كلام ) ثم قال: "إحنا أساتذة في القانون واللي ما أتعلم نعلمه" وأن فريق الدفاع سيحضر جميع جلسات محاكمة مبارك حتى إثبات براءته من خلال الأدلة التي سيتقدم بها والتي تفيد وجود عناصر مخربة قتلت المتظاهرين في ( 25 – 28 ) يناير 2011 وأحداث شارع محمد محمود وماسبيرو والقصر العيني وحادثة سفارة إسرائيل، بل لماذا لم تتعرض الجامعة الأمريكية لخدش واحد بينما تم حرق المجمع العلمي وهيئة الطرق والكباري بالكامل؟.
فهل كانت أحداث ماسبيرو ومحمد محمود والقصر العيني مدبرة ليقتل فيها ( الطرف الثالث ) العشرات من الأبرياء ويصيب المئات من أجل إثبات براءة مبارك؟
هل صارت دماء المصريين رخيصة إلى هذا الحد؟ 
ولماذا لم يتم قتل فرد واحد من مؤيدي مبارك أثناء الكثير من الاشتباكات التي حدثت بينهم وبين اسر الشهداء رغم أنها كانت شبه دموية؟ 
ومن أين أتي مؤيدي مبارك بكل هذه اللافتات الخمسة نجوم والتيشرتات المرصعة بصورته والعربات المكيفة التي كانت تنقلهم من والى مبنى المحاكمة؟
لاشك أن الذي يحكم مصر اليوم في مرحلتها الانتقالية يعلم الطرف الثالث ولا شك أن مؤيدي مبارك يعلمون الطرف الثالث ولا شك أن أشخاص بعينها تحكم بلدانا بعينها وتخشى من تهديد سوزان مبارك بكشف فضائحهم الجنسية أمام شعوبهم يعلمون أيضا الطرف الثالث بل ويشاركون في تمويل الخراب ضد مصر وشعبها.
أقول لقد مات الكثير من شبابنا في فترة تأجيل محاكمة مبارك لثلاثة أشهر عن عمد وأصيب الكثير لإثبات براءة مبارك وطغمتة الفاسدة مما فعلوه من جرائم، وأن المدافعين عن الباطل لن يمهلهم القدر حتى يستمتعوا بما اقترفت أيديهم وضمائرهم من فعل الزور والانتصار لدولة الظلم، الغد قادم لا شك في ذلك، قادم ويحمل في رحم وجوده الكثير من النور لشعب مصر ولكن بعد أن ينتهي من دفن جثث الذين نادوا ببراءة الفرعون وملائه. 

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

شيزلونج صرخة ثورية للشباب على مسرح الشباب

mohi_ibraheem

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
الممثلون الشباب كانوا في غاية التوهج والتألق والحماس، كانت خشبة المسرح أشبه بميدان التحرير يوم 25 يناير، كان الفنانين الشباب يصرخون بإخلاص لحتمية التغيير، يخرجون فرادى فيعلن كل فرد منهم ببراعة عن أحد سلبيات هذا الوطن فيبدع في إعلانه منفرداً، ولا فرق هنا في الإخلاص والإبداع بين شاب أو شابة ممن يقف على خشبة المسرح.
يقول الفنان شادي سرور مدير مسرح الشباب المصري في كلمته القصيرة التي تصدرت النشرة الإعلانية -flyer - لهذا العرض:
منذ أن شرفت بتولي إدارة مسرح الشباب وأنا يراودني حلم إقامة ورشة للشباب المولع بالمسرح ليصبحوا نواة حقيقية، وبالفعل أصبح هناك هذا الكيان الذي أطلقنا عليه أسم "ورشة حلم الشباب" لتفريغ طاقات الشباب في كل مجالات الفن المسرحي، ومن ثم تقديمهم للوسط الفني نجوما مصريين للمستقبل.
هذه هي رؤية الفنان المصري الجاد شادي سرور، وهي رؤية متميزة ينظر فيها شادي سرور إلى غد هذا الوطن ونهضته بمنظار إيمانه بقيمة الشباب المصري، هؤلاء الذين استطاعوا التغيير ويصرون على وثبة مصر لأفاق المستقبل كأعظم ما تكون الأمم، رؤية جادة ومسئولة من فنان مصري مخلص تحمل مسئولية مسرح الشباب في أدق لحظات مصر الحضارية هذه الأيام.
نحن إذن أمام شباب موهوبين لورشة فنية طموحة ولسنا أمام فنانين محترفين، وبالرغم من ذلك فقد أثبت هؤلاء الشباب أنهم على قدر من الوعي والفن تضعهم – لاشك - في صفوف الفنانين المحترفين. 
ومسرحية شيزلونج هي أقرب لفن الكوريغرافيا choreography منها إلى الارتجال المسرحي لكونها عملاً فنياً إبداعياً استطاع فيه المخرج الشاب ( محمد الصغير) أن يبرز الدراما التي يريد أن يبثها في عقل المتلقي من خلال كثير من التابلوهات أو التشكيلات الجماعية الراقصة بالجسد رسمها بعناية بواسطة الممثلين الشباب على خشبة المسرح ليعطي بذلك بعداً تعبيرياً أقرب إلى لوحة تضم الموروث الثقافي والحضاري وكذا ملامح واقعنا المعاش وما يحمله من تغيير ثوري تحياه مصر اليوم بعد ثورة 25 يناير 2011 ، فالمخرج أحيانا يستعيض عن النص المكتوب بالكلمة إلى نص تشكيلي يصل به إلى ما هو أعمق من تأثير الحوار المكتوب في وجدان المشاهد وأعتقد - في تقديري - أنه نجح في ذلك، بل وأعطانا من خلال هذه المحاولة الجادة شكلا جديدا من أشكال المسرح، يجمع بين التعبيرية والواقعية، الأساليب التقليدية والحديثة، بحيث لم يفقد معها المسرح جزءا من منهجه بل أضاف عليه – دون شك - ملمح نور يزيد من وهجه وتألقه.
البطولة هنا في مسرحية "شيزلونج" جماعية وليست فردية وهي لمجموعة من الشباب، يتقدمهم الشاب الفنان "أحمد مجدي" في دور الطبيب النفسي الذي يؤمن بعلاج مرضاه النفسيين بطريقة "السايكودراما" وتعني – أكاديمياً - مسرحية درامية جماعية تحاول إخراج الشخص من عزلته النفسية، بل وتقدم له أسلوباً عملياً للعلاج بدلاً من الأسلوب الشفهي المتبع في وسائل العلاج النفسي التقليدية وحيث يكون الشخص المكبوت نفسياً هو بطل العرض المسرحي، والمعالج يقوم بدور مخرج العرض أما الأشخاص الآخرين فيقومون بتقديم الأدوار المساعدة التي تتصل بالبطل مثل أدوار الابن أو الابنة أو الزوجة .. الخ، وهو ما يتفق تماماً مع عرض مسرحية " شيزلونج" الذي تفوق فيه أبطاله الشباب: وليد الهندي. محمد خطاب. بلال علي. محمد أنور. بسام عبد الله. ريهام سامي. مصطفي أحمد. لقاء الصيرفي. حمدي أحمد. حمدي التايه. سارة درزاوي. مصطفي خاطر. رانيا عبد المنصف. ياسمين فهمي . إسماعيل السيد . عمرو بهي. رامز سامي.
يتضح مما سبق أن العرض عبارة عن تابلوهات منفصلة يترجم كل تابلوه فيها أزمة معينة عاشها أو يعيشها بعض أفراد المجتمع وتأثروا بها حتى عجزوا بمفردهم عن حلها ليؤدي بهم هذا العجز إلى العيادة النفسية، ويجب التركيز هنا على كونها عيادة نفسية لعلاج المرضى النفسيين وليست مستشفى مجانين، فالمجنون فاقدٌ للوعي أما المريض النفسي فهو عاقل ولكن تحت ضغط عصبي حاد لا يقوى بمفرده على الخروج من أزمته النفسية، ومن ثم فالمشكلات هنا مدركة ويبحث لها المريض عن حل بعكس المجنون الذي لا يدرك مرضه بل ولا يعيه ويتصور أنه سيد العقلاء.
من هذه النقطة يبرز ذكاء المخرج " محمد الصغير" الذي مزج " فن الكوريغرافيا" بالسايكودراما واستثمرهما معاً في إطار ثوري مسرحي بغلاف كوميدي مُتقن لا يخلو من الارتجال ليسخر – عن عمد - من قضايا معقدة داخل مجتمعنا وتحيط بنا وتكاد تأكلنا وتمتص أحلامنا في محاولة منه لحلها أو استئصالها من جذورها لينجو بخسارته لها المجتمع ومستقبل هذا البلد. لقد سخر محمد الصغير مع أبطاله بالفعل وبرعوا في سخريتهم الواعية والنظيفة الخالية من الإسفاف أو القذف وسخرنا معه وضحكنا جميعا في هذا العرض ضحكاً أشبه بالبكاء، وسط مشاعر امتلأ بها الضمير بحتمية التغيير، وضرورة الانتماء، قبل أن يغرق الكل.
الديكور بسيط يتمثل في صور معلقات مع صور لشخصيات مثل إنسان يرفع رجليه إلي أعلي وآخر في وضع يتسم بالغرابة أو ربما غير مفهوم مع ملابس وأزياء متواضعة إلى جانب بعض الإكسسوارات التي ترمز لكل مرحلة من مراحل الوطن قديمة وحديثه: خرز، شال، طرحة، سبحة، طربوش، وبعضها افتراضي كالكومبيوتر والموبايل والمترو والميكروباس وخلافه وهي مسألة ربما كان القصد منها التحايل ليظهر العرض وكأن به ديكوراً ولكني أجد – في تقديري – أن هذا الأمر - الديكور والملابس - هو أفقر ما في العمل المسرحي، ولا يحمل أي نوع من أنواع الإبهار أو حتى بصيص من وهج ولولا براعة أداء الممثلين وتجاوبهم الجماعي الذي تغلبت عليه روح الحب والتفاهم والتعاون لفقد العرض قيمته رغم ما يحويه من أخلاص.
الممثلون الشباب كانوا في غاية التوهج والتألق والحماس، كانت خشبة المسرح أشبه بميدان التحرير يوم 25 يناير، كان الفنانين الشباب يصرخون بإخلاص لحتمية التغيير، يخرجون فرادى فيعلن كل فرد منهم ببراعة عن أحد سلبيات هذا الوطن فيبدع في إعلانه منفرداً، ولا فرق هنا في الإخلاص والإبداع بين شاب أو شابة ممن يقف على خشبة المسرح، ثم يخرجون جماعة فيقدمون تشكيلا فنيا متقناً بالصورة والجسد ليعلنون من خلالها عن أزمة اجتماعية حادة داخل المجتمع المصري، وقد أعجبتني جدا تلك التشكيلات الجسدية التي عبرت عن الميكروباس والمترو وأيضا عن مصير الثورة المصرية وما آلت إليه، وكذلك تلك الجملة الاستعراضية الرائعة التي قدمها الشباب على خشبة المسرح عن قضية النوبة ومصريتها وقيمتها وحضورها وحضارتها والتي كادت تغيب عن وعي المصريين المعاصرين وكأن النوبة خارج النسيج المصري رغم كونها جزءاً أصيلاً من نسيج القلب والشريان، كان التفاهم والتزامن بين الممثلين في تقديم هذه التشكيلات رفيعاً وحرفياً إلى أبعد الحدود.
من أهم مشاهد هذا العرض ( ماستر سين ) هو مشهد النهاية، مشهد التلاعب بتمثال نهضة مصر وهو مشهد عبقري جسدت مصر فيه تلك الشابة المصرية النوبية ريهام سامي التي تمتلك قدرات راقصة بالية، فصار تبديل وتغيير تمثال نهضة مصر من حال إلى حال يبدو انسيابياً وسلساً، وقد أراد المخرج أن يصور لنا من خلال هذا المشهد عمليات التحول الفوضوي الذي يعيشه المجتمع المصري، فتارة غربيا وتارة يساريا وتارة إسلاميا ثم ماجنا فعروبياً أو لا شئ على الإطلاق، وفي النهاية يوضح المخرج أنه لا يصح إلا الصحيح فيعيد تمثال نهضة مصر إلى ما كان عليه أسداً قوياً رابضاً في استسلام لمصر التي تقف جواره مرفوعة الرأس وكأنها تقول في كبرياء أنه لا سبيل للنهوض إلا بالتشبث بالأصالة، بكل ما هو مصري، التشبث بكوننا مصريين.
يبقى لنا كلمة وهي أن هذا العرض يحمل وجوها سيكون منها نجوما مصرية تملأ سماء المستقبل، لاشك أن الجميع أبدع وأخلص ولا فروق فنية بين واحد وآخر، ولكن هكذا هو قدر الله في خلقة، فيمنح هذا قبولاً عند الناس فيصير نجماً لامعاً ويحرم آخر من ذلك القبول رغم قيمته الفنية فلا يحظى بالنجومية، وعليه فقد كان وسط هؤلاء الشباب الرائع من يحمل هذه المنحة الربانية، أحس به الكثير من المشاهدين، أحسها المشاهد تجاه شباب بعينه ليس متميزاً إطلاقاً عن بقية أقرانه من الناحية الفنية أو الإبداعية ولكنه ممنوحاً وهذا أمر لا نملكه، ومن ثم سنرى حتماً في المستقبل القريب أن هذا العرض قد جسد طموح الفنان شادي سرور من خلال ورشته الفنية الجادة " أحلام الشباب" في أن يقدم اليوم لمصر نجوم الغد بكل تأكيد.

شيزلونج صرخة ثورية للشباب على مسرح الشباب

mohi_ibraheem

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
الممثلون الشباب كانوا في غاية التوهج والتألق والحماس، كانت خشبة المسرح أشبه بميدان التحرير يوم 25 يناير، كان الفنانين الشباب يصرخون بإخلاص لحتمية التغيير، يخرجون فرادى فيعلن كل فرد منهم ببراعة عن أحد سلبيات هذا الوطن فيبدع في إعلانه منفرداً، ولا فرق هنا في الإخلاص والإبداع بين شاب أو شابة ممن يقف على خشبة المسرح.
يقول الفنان شادي سرور مدير مسرح الشباب المصري في كلمته القصيرة التي تصدرت النشرة الإعلانية -flyer - لهذا العرض:
منذ أن شرفت بتولي إدارة مسرح الشباب وأنا يراودني حلم إقامة ورشة للشباب المولع بالمسرح ليصبحوا نواة حقيقية، وبالفعل أصبح هناك هذا الكيان الذي أطلقنا عليه أسم "ورشة حلم الشباب" لتفريغ طاقات الشباب في كل مجالات الفن المسرحي، ومن ثم تقديمهم للوسط الفني نجوما مصريين للمستقبل.
هذه هي رؤية الفنان المصري الجاد شادي سرور، وهي رؤية متميزة ينظر فيها شادي سرور إلى غد هذا الوطن ونهضته بمنظار إيمانه بقيمة الشباب المصري، هؤلاء الذين استطاعوا التغيير ويصرون على وثبة مصر لأفاق المستقبل كأعظم ما تكون الأمم، رؤية جادة ومسئولة من فنان مصري مخلص تحمل مسئولية مسرح الشباب في أدق لحظات مصر الحضارية هذه الأيام.
نحن إذن أمام شباب موهوبين لورشة فنية طموحة ولسنا أمام فنانين محترفين، وبالرغم من ذلك فقد أثبت هؤلاء الشباب أنهم على قدر من الوعي والفن تضعهم – لاشك - في صفوف الفنانين المحترفين. 
ومسرحية شيزلونج هي أقرب لفن الكوريغرافيا choreography منها إلى الارتجال المسرحي لكونها عملاً فنياً إبداعياً استطاع فيه المخرج الشاب ( محمد الصغير) أن يبرز الدراما التي يريد أن يبثها في عقل المتلقي من خلال كثير من التابلوهات أو التشكيلات الجماعية الراقصة بالجسد رسمها بعناية بواسطة الممثلين الشباب على خشبة المسرح ليعطي بذلك بعداً تعبيرياً أقرب إلى لوحة تضم الموروث الثقافي والحضاري وكذا ملامح واقعنا المعاش وما يحمله من تغيير ثوري تحياه مصر اليوم بعد ثورة 25 يناير 2011 ، فالمخرج أحيانا يستعيض عن النص المكتوب بالكلمة إلى نص تشكيلي يصل به إلى ما هو أعمق من تأثير الحوار المكتوب في وجدان المشاهد وأعتقد - في تقديري - أنه نجح في ذلك، بل وأعطانا من خلال هذه المحاولة الجادة شكلا جديدا من أشكال المسرح، يجمع بين التعبيرية والواقعية، الأساليب التقليدية والحديثة، بحيث لم يفقد معها المسرح جزءا من منهجه بل أضاف عليه – دون شك - ملمح نور يزيد من وهجه وتألقه.
البطولة هنا في مسرحية "شيزلونج" جماعية وليست فردية وهي لمجموعة من الشباب، يتقدمهم الشاب الفنان "أحمد مجدي" في دور الطبيب النفسي الذي يؤمن بعلاج مرضاه النفسيين بطريقة "السايكودراما" وتعني – أكاديمياً - مسرحية درامية جماعية تحاول إخراج الشخص من عزلته النفسية، بل وتقدم له أسلوباً عملياً للعلاج بدلاً من الأسلوب الشفهي المتبع في وسائل العلاج النفسي التقليدية وحيث يكون الشخص المكبوت نفسياً هو بطل العرض المسرحي، والمعالج يقوم بدور مخرج العرض أما الأشخاص الآخرين فيقومون بتقديم الأدوار المساعدة التي تتصل بالبطل مثل أدوار الابن أو الابنة أو الزوجة .. الخ، وهو ما يتفق تماماً مع عرض مسرحية " شيزلونج" الذي تفوق فيه أبطاله الشباب: وليد الهندي. محمد خطاب. بلال علي. محمد أنور. بسام عبد الله. ريهام سامي. مصطفي أحمد. لقاء الصيرفي. حمدي أحمد. حمدي التايه. سارة درزاوي. مصطفي خاطر. رانيا عبد المنصف. ياسمين فهمي . إسماعيل السيد . عمرو بهي. رامز سامي.
يتضح مما سبق أن العرض عبارة عن تابلوهات منفصلة يترجم كل تابلوه فيها أزمة معينة عاشها أو يعيشها بعض أفراد المجتمع وتأثروا بها حتى عجزوا بمفردهم عن حلها ليؤدي بهم هذا العجز إلى العيادة النفسية، ويجب التركيز هنا على كونها عيادة نفسية لعلاج المرضى النفسيين وليست مستشفى مجانين، فالمجنون فاقدٌ للوعي أما المريض النفسي فهو عاقل ولكن تحت ضغط عصبي حاد لا يقوى بمفرده على الخروج من أزمته النفسية، ومن ثم فالمشكلات هنا مدركة ويبحث لها المريض عن حل بعكس المجنون الذي لا يدرك مرضه بل ولا يعيه ويتصور أنه سيد العقلاء.
من هذه النقطة يبرز ذكاء المخرج " محمد الصغير" الذي مزج " فن الكوريغرافيا" بالسايكودراما واستثمرهما معاً في إطار ثوري مسرحي بغلاف كوميدي مُتقن لا يخلو من الارتجال ليسخر – عن عمد - من قضايا معقدة داخل مجتمعنا وتحيط بنا وتكاد تأكلنا وتمتص أحلامنا في محاولة منه لحلها أو استئصالها من جذورها لينجو بخسارته لها المجتمع ومستقبل هذا البلد. لقد سخر محمد الصغير مع أبطاله بالفعل وبرعوا في سخريتهم الواعية والنظيفة الخالية من الإسفاف أو القذف وسخرنا معه وضحكنا جميعا في هذا العرض ضحكاً أشبه بالبكاء، وسط مشاعر امتلأ بها الضمير بحتمية التغيير، وضرورة الانتماء، قبل أن يغرق الكل.
الديكور بسيط يتمثل في صور معلقات مع صور لشخصيات مثل إنسان يرفع رجليه إلي أعلي وآخر في وضع يتسم بالغرابة أو ربما غير مفهوم مع ملابس وأزياء متواضعة إلى جانب بعض الإكسسوارات التي ترمز لكل مرحلة من مراحل الوطن قديمة وحديثه: خرز، شال، طرحة، سبحة، طربوش، وبعضها افتراضي كالكومبيوتر والموبايل والمترو والميكروباس وخلافه وهي مسألة ربما كان القصد منها التحايل ليظهر العرض وكأن به ديكوراً ولكني أجد – في تقديري – أن هذا الأمر - الديكور والملابس - هو أفقر ما في العمل المسرحي، ولا يحمل أي نوع من أنواع الإبهار أو حتى بصيص من وهج ولولا براعة أداء الممثلين وتجاوبهم الجماعي الذي تغلبت عليه روح الحب والتفاهم والتعاون لفقد العرض قيمته رغم ما يحويه من أخلاص.
الممثلون الشباب كانوا في غاية التوهج والتألق والحماس، كانت خشبة المسرح أشبه بميدان التحرير يوم 25 يناير، كان الفنانين الشباب يصرخون بإخلاص لحتمية التغيير، يخرجون فرادى فيعلن كل فرد منهم ببراعة عن أحد سلبيات هذا الوطن فيبدع في إعلانه منفرداً، ولا فرق هنا في الإخلاص والإبداع بين شاب أو شابة ممن يقف على خشبة المسرح، ثم يخرجون جماعة فيقدمون تشكيلا فنيا متقناً بالصورة والجسد ليعلنون من خلالها عن أزمة اجتماعية حادة داخل المجتمع المصري، وقد أعجبتني جدا تلك التشكيلات الجسدية التي عبرت عن الميكروباس والمترو وأيضا عن مصير الثورة المصرية وما آلت إليه، وكذلك تلك الجملة الاستعراضية الرائعة التي قدمها الشباب على خشبة المسرح عن قضية النوبة ومصريتها وقيمتها وحضورها وحضارتها والتي كادت تغيب عن وعي المصريين المعاصرين وكأن النوبة خارج النسيج المصري رغم كونها جزءاً أصيلاً من نسيج القلب والشريان، كان التفاهم والتزامن بين الممثلين في تقديم هذه التشكيلات رفيعاً وحرفياً إلى أبعد الحدود.
من أهم مشاهد هذا العرض ( ماستر سين ) هو مشهد النهاية، مشهد التلاعب بتمثال نهضة مصر وهو مشهد عبقري جسدت مصر فيه تلك الشابة المصرية النوبية ريهام سامي التي تمتلك قدرات راقصة بالية، فصار تبديل وتغيير تمثال نهضة مصر من حال إلى حال يبدو انسيابياً وسلساً، وقد أراد المخرج أن يصور لنا من خلال هذا المشهد عمليات التحول الفوضوي الذي يعيشه المجتمع المصري، فتارة غربيا وتارة يساريا وتارة إسلاميا ثم ماجنا فعروبياً أو لا شئ على الإطلاق، وفي النهاية يوضح المخرج أنه لا يصح إلا الصحيح فيعيد تمثال نهضة مصر إلى ما كان عليه أسداً قوياً رابضاً في استسلام لمصر التي تقف جواره مرفوعة الرأس وكأنها تقول في كبرياء أنه لا سبيل للنهوض إلا بالتشبث بالأصالة، بكل ما هو مصري، التشبث بكوننا مصريين.
يبقى لنا كلمة وهي أن هذا العرض يحمل وجوها سيكون منها نجوما مصرية تملأ سماء المستقبل، لاشك أن الجميع أبدع وأخلص ولا فروق فنية بين واحد وآخر، ولكن هكذا هو قدر الله في خلقة، فيمنح هذا قبولاً عند الناس فيصير نجماً لامعاً ويحرم آخر من ذلك القبول رغم قيمته الفنية فلا يحظى بالنجومية، وعليه فقد كان وسط هؤلاء الشباب الرائع من يحمل هذه المنحة الربانية، أحس به الكثير من المشاهدين، أحسها المشاهد تجاه شباب بعينه ليس متميزاً إطلاقاً عن بقية أقرانه من الناحية الفنية أو الإبداعية ولكنه ممنوحاً وهذا أمر لا نملكه، ومن ثم سنرى حتماً في المستقبل القريب أن هذا العرض قد جسد طموح الفنان شادي سرور من خلال ورشته الفنية الجادة " أحلام الشباب" في أن يقدم اليوم لمصر نجوم الغد بكل تأكيد.

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

مصر تنتحر

بقلم: محيي الدين إبراهيم

noonptm@gmail.com
لاشك أن هناك قوى سياسية كثيرة في مصر تلتزم الصمت وهو صمت غير وطني تجاه ما يحدث من عنف وعنف مضاد على الساحة السياسية وآخرها ما جرى في شارع القصر العيني وكان من نتيجتها تدمير جزء هام من تاريخ مصر بحرق المجمع العلمي وسقوط قتلى ومئات الضحايا والمصابين.



التسامح مع الفوضى أسهل الأمور التي تقود الأمة إلى طريق الزوال.
نحترم الجيش المصري ونؤمن به ونقف ورائه فهو صمام أمان هذه الأمة، الذراع القوى الذي نتكئ عليه كمصريين ونفخر به أمام العالم، كبرياء هذا الوطن ورأسه التي نطمح أن تظل مرفوعة دوما دون أن تنحني أو تتوارى خجلا عن أعين الشعب كما توارت صبيحة نكسة يونيو 1967 بل أن يظل بيننا رمزا للكرامة الوطنية نفخر ونفاخر به مرفوع الرأس يحمي عرض الوطن والناس من الانتهاك كما في صبيحة 6 أكتوبر 1973 وحتى الآن، رغم ما تفرزه الأحداث في مصر اليوم من سلبيات عارٌ على المؤسسة العسكرية المصرية صاحبة الشرف الوطني أن تكون طرفاً فيها مهما كانت الظروف أو الضغوط الملقاة على عاتقها.
لاشك أن هناك قوى سياسية كثيرة في مصر تلتزم الصمت وهو صمت غير وطني تجاه ما يحدث من عنف وعنف مضاد على الساحة السياسية وآخرها ما جرى في شارع القصر العيني وكان من نتيجتها تدمير جزء هام من تاريخ مصر بحرق المجمع العلمي وسقوط قتلى ومئات الضحايا والمصابين، لتوريط الجيش وسمعة الجيش وفقدان الثقة في الجيش المصري أمام الشعب حتى يصل الحال بالناس في مصر أن تقول: هل هذا هو الجيش المصري الذي لا يستطيع حماية مبنى صغير في وسط البلد ولا يستطيع أن يكشف عن الطرف الثالث الذي يخرب ويقتل هو من نأتمنه في الدفاع عن البلاد؟، هذا هو المخطط الخفي للطرف الثالث الذي لا يريد أن يعلن عنه قادة الجيش ممثلين في المجلس العسكري، وللأسف المجلس العسكري نفسه يساهم في تلطيخ سمعته بالاستعلاء على الناس وعدم سرعته في إنهاء ملف مبارك وعصابته وهو الأمر الذي يصيبنا جميعا منذ 11 فبراير 2011 وحتى اليوم بحالة من الدهشة كادت أن تفقدنا الوعي من شدة غموضها، هذا إلى جانب خطاب معظمهم المستفز لجموع المصريين وحتى الجنزورى رئيس الوزراء الذين عينوه بلفظة: "أبنائي المواطنين" وكأننا فاقدي الأهلية نعيش في "حضانة مصر العربية" تحت وصاية أولياء أمورنا وليس "جمهورية مصر العربية" بلد الرجال والثوار وأرض الحضارة التي تجاهد اليوم في أن تصنع لها حضوراً بمواطنين هم أنداداً متساوين في الحقوق والواجبات وليس بين آباء وأبناء تحكمهم قوانين روضة من رياض الأطفال وحضانات العالم الثالث. 
نشاهد المجلس العسكري اليوم في مصر يتبع نفس المنهج الإسرائيلي في صناعة الجدار العازل بين المتظاهرين المقاومين وقوات الجيش تحت مسميات أقواها يتسم بالسذاجة، جدار عازل خسرت به إسرائيل منذ أن ابتدعته على قناة السويس قبل حرب 1973 وحتى إقامته بينها وبين قطاع غزة حالياً غالب قيمتها وسمعتها أمام العالم أجمع الذي كان يظن أنها قوة لا تقهر، بل وخسرت مع سمعتها وهيبتها العسكرية ثقتها في نفسها كدولة يمكن لها أن تستمر في المستقبل أيضا، فهي لم تنتصر بسببه في أي موقعة حربية حتى الآن وحتى الولايات المتحدة التي استعانت في العراق بمستشارين إسرائيليين وأشاروا عليها ببناء جدار عازل حول المنطقة الخضراء يعزل قوات الأمريكان عن المدنيين العراقيين كان له أبلغ الأثر في صناعة الاستفزاز المضاد وميلاد أجيال جديدة من المقاومين الوطنيين سببوا خسائر فادحة لجيش الاحتلال الأميركي دفعته لأن يرضخ بسببها وأن ينهزم ويفر من العراق قبل أن تقطع المقاومة الوطنية العرق الأخير المتبقي في رقبة أمريكا وتنهار بانقطاعه للأبد.
جدار عازل في ماسبيرو وجدار عازل أمام السفارة الإسرائيلية وجدار عازل في شارع محمد محمود وجدار عازل في شارع القصر العيني والشيخ ريحان وكل جدار عازل يتم بناءه يولد مقاومين جدد وضحايا جدد وثوار جدد وخسارة جديدة وهزيمة جديدة تضاف لهيبة وسمعة المجلس العسكري الذي لا يفرق بينه وبين الجيش المواطن المصري البسيط.
لقد شعر الكثير من المصريين بالخجل من تصريحات المتحدث باسم المجلس العسكري الذي قال فيها أن ما حدث في شارع القصر العيني وكان من بعض نتائجه حرق المجمع العلمي هو قيام البعض بنشاط إرهابي ممنهج يتلخص في استخدام الدراجات البخارية لجلب البنزين من محطات الوقود ثم تعبئتها في زجاجات داخل خيام مخصصة بميدان التحرير ثم نقلها عبر الدارجات البخارية لإرهابيين آخرين في شارع القصر العيني ليلقوها على المنشئات العامة، تصريحات دفعت الكثير من بسطاء الشارع المصري أن يسخروا منها وكأنها مشاجرة بين عائلتين لا يملك أيا منهما ردع الآخر، وليست بين طرفين احدهما إرهابي كما جاء في التصريح والآخر الجيش المصري بطائراته المروحية ومدرعاته وآلياته التي كان يمكن لها أن تغلق بأمر حاسم كل محطات البنزين وتؤمنها وكذلك تحيط خيام التحرير التي يتم فيها تعبئة زجاجات المولوتوف بالبنزين بل واستخدام الطيران المروحي في تهديد البلطجية كما جاء في التصريحات والذين يعتلون أسطح المباني العامة لحمايتها، والدفع بقوات الصاعقة والمظلات في دخول مبنى المجمع المصري وحمايته بدلاً من قمع المتظاهرين وتعرية النساء في قارعة الطريق وكأنهم رجال العادلي قبل ثورة 25 يناير.
لقد تعامل الجيش ( مدنيا ) للأسف كما تتعامل عائلات الآخذ بالثأر في صعيد مصر وكأن العقل المصري تعطل تماماً وفقد كل أسباب الحكمة ولو كانت قوات الصاعقة والمظلات العسكرية تعاملت مع المتظاهرين - حتى لو سلمنا جدلاً بأن غالبهم بلطجية وقطاع طرق - كما تعاملوا بقوانين الحرب مع اسري معركة أكتوبر من الصهاينة 1973 لربما لم تحترق منشئات ولم تراق نقطة دم واحدة، لكن يبدو أن هناك من المستشارين ممن يستشيرهم المجلس العسكري يضمرون شرا لرجال القوات المسلحة ويريدون أن يلصقوا به عاراً تاريخيا لن تنمحي سطوره أبدا من صفحة التاريخ.
الجيش منوط بتسليم السلطة المدنية فوراً ولابد أن يتذكر الكل أن ما حدث يوم 25 يناير هو انقلاب عسكري محدود بغطاء شعبي قوي راح ضحاياه مدنيين وليس عسكريين ولاستمرار هذا الغطاء الشعبي ولاستمرار قوته لابد أن يؤمن الجيش أن نظام التوريث الذي كان عبئاً على المؤسسة العسكرية قد انتهى وأن الشعب هو الذي ساند الجيش وليس العكس في غلق هذا الملف للأبد وصناعة مصر جديدة قوية، ومن ثم فليحاكم الجيش مبارك وحزبه وعائلته وملائه لأنهم كانوا قوما فاسقين وأن يصادر الجيش أموال هؤلاء جميعاً لصالح الشعب كما فعل في ثورة 1952 لقد تجاوز ثوار مصر وشباب مصر وشعب مصر فساد النظام السابق بتضحياتهم وشهدائهم محاولين الخلاص إلى نظام جديد يطمحون فيه إلى روح العدل والحرية والكرامة لا تهيمن عليه عقول أيتام مبارك وفلول نظامه السابق الذين يفعلوا بمصر كما فعل فرعون موسى وقال: { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء: 54- 68] .
إما أن ننتهي الآن وحالاً من مبارك وزوجته وعصابته ونغرقهم فوراً في بحر القصاص من جرائمهم في حق الوطن أو نغرق نحن وتنتحر مصر.

مصر تنتحر

بقلم: محيي الدين إبراهيم

noonptm@gmail.com
لاشك أن هناك قوى سياسية كثيرة في مصر تلتزم الصمت وهو صمت غير وطني تجاه ما يحدث من عنف وعنف مضاد على الساحة السياسية وآخرها ما جرى في شارع القصر العيني وكان من نتيجتها تدمير جزء هام من تاريخ مصر بحرق المجمع العلمي وسقوط قتلى ومئات الضحايا والمصابين.



التسامح مع الفوضى أسهل الأمور التي تقود الأمة إلى طريق الزوال.
نحترم الجيش المصري ونؤمن به ونقف ورائه فهو صمام أمان هذه الأمة، الذراع القوى الذي نتكئ عليه كمصريين ونفخر به أمام العالم، كبرياء هذا الوطن ورأسه التي نطمح أن تظل مرفوعة دوما دون أن تنحني أو تتوارى خجلا عن أعين الشعب كما توارت صبيحة نكسة يونيو 1967 بل أن يظل بيننا رمزا للكرامة الوطنية نفخر ونفاخر به مرفوع الرأس يحمي عرض الوطن والناس من الانتهاك كما في صبيحة 6 أكتوبر 1973 وحتى الآن، رغم ما تفرزه الأحداث في مصر اليوم من سلبيات عارٌ على المؤسسة العسكرية المصرية صاحبة الشرف الوطني أن تكون طرفاً فيها مهما كانت الظروف أو الضغوط الملقاة على عاتقها.
لاشك أن هناك قوى سياسية كثيرة في مصر تلتزم الصمت وهو صمت غير وطني تجاه ما يحدث من عنف وعنف مضاد على الساحة السياسية وآخرها ما جرى في شارع القصر العيني وكان من نتيجتها تدمير جزء هام من تاريخ مصر بحرق المجمع العلمي وسقوط قتلى ومئات الضحايا والمصابين، لتوريط الجيش وسمعة الجيش وفقدان الثقة في الجيش المصري أمام الشعب حتى يصل الحال بالناس في مصر أن تقول: هل هذا هو الجيش المصري الذي لا يستطيع حماية مبنى صغير في وسط البلد ولا يستطيع أن يكشف عن الطرف الثالث الذي يخرب ويقتل هو من نأتمنه في الدفاع عن البلاد؟، هذا هو المخطط الخفي للطرف الثالث الذي لا يريد أن يعلن عنه قادة الجيش ممثلين في المجلس العسكري، وللأسف المجلس العسكري نفسه يساهم في تلطيخ سمعته بالاستعلاء على الناس وعدم سرعته في إنهاء ملف مبارك وعصابته وهو الأمر الذي يصيبنا جميعا منذ 11 فبراير 2011 وحتى اليوم بحالة من الدهشة كادت أن تفقدنا الوعي من شدة غموضها، هذا إلى جانب خطاب معظمهم المستفز لجموع المصريين وحتى الجنزورى رئيس الوزراء الذين عينوه بلفظة: "أبنائي المواطنين" وكأننا فاقدي الأهلية نعيش في "حضانة مصر العربية" تحت وصاية أولياء أمورنا وليس "جمهورية مصر العربية" بلد الرجال والثوار وأرض الحضارة التي تجاهد اليوم في أن تصنع لها حضوراً بمواطنين هم أنداداً متساوين في الحقوق والواجبات وليس بين آباء وأبناء تحكمهم قوانين روضة من رياض الأطفال وحضانات العالم الثالث. 
نشاهد المجلس العسكري اليوم في مصر يتبع نفس المنهج الإسرائيلي في صناعة الجدار العازل بين المتظاهرين المقاومين وقوات الجيش تحت مسميات أقواها يتسم بالسذاجة، جدار عازل خسرت به إسرائيل منذ أن ابتدعته على قناة السويس قبل حرب 1973 وحتى إقامته بينها وبين قطاع غزة حالياً غالب قيمتها وسمعتها أمام العالم أجمع الذي كان يظن أنها قوة لا تقهر، بل وخسرت مع سمعتها وهيبتها العسكرية ثقتها في نفسها كدولة يمكن لها أن تستمر في المستقبل أيضا، فهي لم تنتصر بسببه في أي موقعة حربية حتى الآن وحتى الولايات المتحدة التي استعانت في العراق بمستشارين إسرائيليين وأشاروا عليها ببناء جدار عازل حول المنطقة الخضراء يعزل قوات الأمريكان عن المدنيين العراقيين كان له أبلغ الأثر في صناعة الاستفزاز المضاد وميلاد أجيال جديدة من المقاومين الوطنيين سببوا خسائر فادحة لجيش الاحتلال الأميركي دفعته لأن يرضخ بسببها وأن ينهزم ويفر من العراق قبل أن تقطع المقاومة الوطنية العرق الأخير المتبقي في رقبة أمريكا وتنهار بانقطاعه للأبد.
جدار عازل في ماسبيرو وجدار عازل أمام السفارة الإسرائيلية وجدار عازل في شارع محمد محمود وجدار عازل في شارع القصر العيني والشيخ ريحان وكل جدار عازل يتم بناءه يولد مقاومين جدد وضحايا جدد وثوار جدد وخسارة جديدة وهزيمة جديدة تضاف لهيبة وسمعة المجلس العسكري الذي لا يفرق بينه وبين الجيش المواطن المصري البسيط.
لقد شعر الكثير من المصريين بالخجل من تصريحات المتحدث باسم المجلس العسكري الذي قال فيها أن ما حدث في شارع القصر العيني وكان من بعض نتائجه حرق المجمع العلمي هو قيام البعض بنشاط إرهابي ممنهج يتلخص في استخدام الدراجات البخارية لجلب البنزين من محطات الوقود ثم تعبئتها في زجاجات داخل خيام مخصصة بميدان التحرير ثم نقلها عبر الدارجات البخارية لإرهابيين آخرين في شارع القصر العيني ليلقوها على المنشئات العامة، تصريحات دفعت الكثير من بسطاء الشارع المصري أن يسخروا منها وكأنها مشاجرة بين عائلتين لا يملك أيا منهما ردع الآخر، وليست بين طرفين احدهما إرهابي كما جاء في التصريح والآخر الجيش المصري بطائراته المروحية ومدرعاته وآلياته التي كان يمكن لها أن تغلق بأمر حاسم كل محطات البنزين وتؤمنها وكذلك تحيط خيام التحرير التي يتم فيها تعبئة زجاجات المولوتوف بالبنزين بل واستخدام الطيران المروحي في تهديد البلطجية كما جاء في التصريحات والذين يعتلون أسطح المباني العامة لحمايتها، والدفع بقوات الصاعقة والمظلات في دخول مبنى المجمع المصري وحمايته بدلاً من قمع المتظاهرين وتعرية النساء في قارعة الطريق وكأنهم رجال العادلي قبل ثورة 25 يناير.
لقد تعامل الجيش ( مدنيا ) للأسف كما تتعامل عائلات الآخذ بالثأر في صعيد مصر وكأن العقل المصري تعطل تماماً وفقد كل أسباب الحكمة ولو كانت قوات الصاعقة والمظلات العسكرية تعاملت مع المتظاهرين - حتى لو سلمنا جدلاً بأن غالبهم بلطجية وقطاع طرق - كما تعاملوا بقوانين الحرب مع اسري معركة أكتوبر من الصهاينة 1973 لربما لم تحترق منشئات ولم تراق نقطة دم واحدة، لكن يبدو أن هناك من المستشارين ممن يستشيرهم المجلس العسكري يضمرون شرا لرجال القوات المسلحة ويريدون أن يلصقوا به عاراً تاريخيا لن تنمحي سطوره أبدا من صفحة التاريخ.
الجيش منوط بتسليم السلطة المدنية فوراً ولابد أن يتذكر الكل أن ما حدث يوم 25 يناير هو انقلاب عسكري محدود بغطاء شعبي قوي راح ضحاياه مدنيين وليس عسكريين ولاستمرار هذا الغطاء الشعبي ولاستمرار قوته لابد أن يؤمن الجيش أن نظام التوريث الذي كان عبئاً على المؤسسة العسكرية قد انتهى وأن الشعب هو الذي ساند الجيش وليس العكس في غلق هذا الملف للأبد وصناعة مصر جديدة قوية، ومن ثم فليحاكم الجيش مبارك وحزبه وعائلته وملائه لأنهم كانوا قوما فاسقين وأن يصادر الجيش أموال هؤلاء جميعاً لصالح الشعب كما فعل في ثورة 1952 لقد تجاوز ثوار مصر وشباب مصر وشعب مصر فساد النظام السابق بتضحياتهم وشهدائهم محاولين الخلاص إلى نظام جديد يطمحون فيه إلى روح العدل والحرية والكرامة لا تهيمن عليه عقول أيتام مبارك وفلول نظامه السابق الذين يفعلوا بمصر كما فعل فرعون موسى وقال: { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء: 54- 68] .
إما أن ننتهي الآن وحالاً من مبارك وزوجته وعصابته ونغرقهم فوراً في بحر القصاص من جرائمهم في حق الوطن أو نغرق نحن وتنتحر مصر.

نجيب محفوظ في ذكراه .. مبدع لا يعرف الرذيلة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
لقد كان نجيب محفوظ ثائرا، كان أفضل من دافع عن ثورة 1919، وكان يعجب كثيرا بشخصية زعيم الأمة سعد زغلول. أما بالنسبة لثورة 1952، فرغم ترحيبه بها في البداية، إلا أنه انتقدها بشدة حين انحرفت التجربة الثورية عن الشعارات التي أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية الثورية التي آمن بها الثوار وبين تطبيقهم لهذه النظرية على أرض الواقع.
يبدو أننا أمة تأكل أبناءها، تدرك قيمتنا كل الأمم التي وصلت من العلم قمته أما نحن فكما يقول المثل ( مزمار الحي لا يُطرب) أو كما قال الشيخ تاج الدين الحسني أحد علماء دمشق المشهورين: أزهد الناس بالعلماء أهلهم وجيرانهم.
هذا ما يحدث لنا الآن في مصر تجاه غالب رموزنا التي ملأت العقل الإنساني عامة والعربي خاصة بنور المعرفة، لدرجة أصبحت فيها الفوضى لا تفرق بين ما هو أبيض وبين ما هو أسود، لا تفرق بين الطيب والخبيث، من يضئ النفس بالجمال وبين ما يجرحها بالقبح، هذا ما يحدث اليوم مع نجيب محفوظ الذي اتهمه بعض الرموز الهامة في مصر بأن أدبه يحث على الرذيلة! .. لماذا يحث على الرذيلة؟ فكان الجواب لأنه لا يهتم إلا بالعاهرات!.
نجيب محفوظ الذي خالط الصعاليك والحرافيش وغالب المطحونين والمستضعفين، وكتب عن الفقراء وسكان العشش والحواري، ودافع عن كرامة المصري ضد كل ظلم وقع عليه سواء كان واقعا من محتل انجليزي أو من حاكم مستبد!، نجيب محفوظ الذي وقف ضد قتل أحلام البسطاء وقهر الشباب وتجبر الدولة الأمنية في كل رواياته 33 رواية و19 مجموعة قصصية ابتداء من رواية كفاح طيبة (1944)، والقاهرة 30 (1945)، مروراً بالثلاثية العبقرية بين القصرين (1956)، قصر الشوق (1957)، السكرية (1957)، واللص والكلاب (1961)، وثرثرة فوق النيل (1966)، وميرامار (1967)، و الكرنك (1974)، وانتهاءً بأحلام فترة النقاهة (2004).
روايات أقرب للوثيقة التاريخية التي توثق ظرف المكان وظرف الزمان للمجتمع المصري، روايات لن تسع عقول النقاد تفنيد وطنيتها ومصريتها وانتمائها للأرض والنيل، وأذكر قديما وكنت طالباً بالمرحلة الإعدادية ولا أمتلك سوى بساطة الإدراك وطفولة العقل أن شاهدت فيلم الكرنك مع والدي في سينما "ريفولي" بالقاهرة عام 1975، وقد كان والدي – رحمه الله وهو من علماء الأزهر ودكتور في الشريعة - يحترم نجيب محفوظ ويحافظ بقدر الإمكان على متابعة كل أعماله وحتى مقالاته في جريدة الأهرام، يومها وداخل صالة العرض لاحظت تأثر أبي الشديد، كان الفيلم صدمة شديدة لجرأته السياسية والاجتماعية، ففي ظل تكميم الأفواه يخرج علينا نجيب محفوظ ليسرد لنا صارخاً وقائع الظلم والتعذيب وقهر الحاكم لشعب لا يستحق إلا كل احترام وتوقير، يسرد لنا صارخا وقائع ما كنا نحياه من غيبوبة تحت وهم الحرية والكرامة وأرفع رأسك يا أخي، كان يحكي لنا نجيب محفوظ ظلم الحاكم والدولة على المحكومين من أهل الوطن في فترة لم يجرؤ فيها غيره على التفوه بها، كان جريئا وعنيداً، وهنا يقول لي والدي رحمه الله: لولا نجيب محفوظ ومن هم مثله من كتابنا العظام لعاش الناس في وطننا عيشة البهائم، لا يملكون من أمر دنياهم إلا ما يأكلونه ويشربونه ولا إدراك لهم عن معنى الحرية والكرامة والعدل، فقلت لوالدي محاولاً قنص تعاطفه تجاهي وأنا ألمح مدى التأثر البادي عليه ولا أفهمه: أنا أيضا أحب نجيب محفوظ، وبينما نحن سائران لميدان العتبة لنستقل الأوتوبيس عائدين للمنزل بعد خروجنا من السينما التي كنا نراعي الذهاب إليها أول كل جمعة في أول كل شهر، وجدت أبي يصدق على كلامي متمتماً: محفوظ راجل عظيم.
ينتابني إيمان بأن من قرأ أولاد حارتنا قرأها وهو يحمل ضغينة مسبقاً لنجيب محفوظ ولم يفهم إشارته الأدبية والإنسانية بها وكأنه لم يكتب سواها ففهمها بحجم وعيه لا بحجم وعيها ومن ثم حكم عليها وعليه بالكفر، رغم أن هذه الرواية وكما يقول الدكتور جابر عصفور, وزير الثقافة الأسبق: "إن دار الشروق أعلنت في مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية بمقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد. ونشرت بالفعل مقدمة أحمد كمال أبو المجد التي أطلق عليها "شهادة" في بعض الصحف لكن الرواية نفسها لم تصدر إلى الآن"، وربما تذكرني حادثة التكفير تلك بحادثة أخرى مثيرة للاهتمام حدثت في أواخر السبعينيات وكنا طلبة بالمرحلة الثانوية أو ربما في أوائل المراحل الجامعية حينما اصدر مجلس الشعب المصري قرارا بحظر بيع ونشر وتداول كتب العلاّمة " محيي الدين بن عربي" لأن مؤلفاته تدفع بقارئها إلى الكفر و صاحبها كافر، كنت وقتها لم أقرأ لمحيي الدين بن عربي، ولكني كنت أعرف أنه من عباقرة عصره بل ومن أكابر المفكرين الإسلاميين، ورجعت إلى والدي أسأله لكونه حجة في ذلك: هل محيي الدين بن عربي كافر؟، فأجاب إجابة عجيبة قال فيها: مشكلتنا أننا نظن أنه مادمنا نستطيع القراءة فأنه باستطاعتنا الفهم، ومن قرأ لأبن عربي واتهمه بالكفر هو رجل محدود الوعي، ولا يؤمن أن وعيه وفهمه محدود، بل يرى أنه مبعوث العناية الإلهية للحكمة والمعرفة، ومن ثم يظن بوعيه المحدود هذا أنه القاضي العدل في الحكم على العلماء الكبار، هذا مؤمن وهذا كافر، ثم أردف قائلا: مصيبتنا يا بني أننا مجتمع جاهل، يلتهم علمائه كما تلتهم النار في لحظات فدادين القمح، فيحترق كل شئ ومن بقى بعد الحريق على قيد الحياة لن ينجو من الموت جوعاً بعد أن احترقت سنابل الخير.
لقد كان محفوظ ثائرا، كان أفضل من دافع عن ثورة 1919، وكان يعجب كثيرا بشخصية زعيم الأمة سعد زغلول. أما بالنسبة لثورة 1952، فرغم ترحيبه بها في البداية، إلا أنه انتقدها بشدة حين انحرفت التجربة الثورية عن الشعارات التي أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية الثورية التي آمن بها الثوار وبين تطبيقهم لهذه النظرية على أرض الواقع والتي انتهت بمراكز القوى والسحل وانتهاك الأعراض والقتل والسجون، وهنا كتب محفوظ رواية "أولاد حارتنا" وهي الرواية التي عاد بها إلى الكتابة في 1959، وكأنه كان يحذر فيها رجالات ثورة يوليو وأعوانهم بل ويحذر فيها الشعب نفسه، ولكن هذه الرواية "أولاد حارتنا" شكلت محطة ومنعطفا مثيراً في أعمال محفوظ لكثر ما أثير حولها من لغط، وبعد بدء نشر الرواية مسلسلة في صحيفة الأهرام الحكومية ابتداء من 21 سبتمبر/أيلول حتى 25 ديسمبر/كانون الأول 1959 حث بعض رموز التيار الديني المحافظ على وقف النشر استنادا إلى تأويل الرواية تأويلا دينيا يتماس مع قصص بعض الأنبياء. . ومنذ ذلك الحين وقصة التكفير والاتهام بالإلحاد لا تتوقف".
وربما أتعجب من هؤلاء الناس الذين يقذفون أدب نجيب محفوظ بأنه فقط أدب يدور حول العاهرات من النساء رغم أن المرأة لم تكن أبداً في كل رواياته جسدا للمتعة أو للغواية بل كانت جزءا من المجتمع وشريكا في الثورة كما حدث في ثورة 1919، وحيث تعددت رؤية نجيب محفوظ لها حسب المراحل السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد فهي في الثلاثية تختلف عنها في ميرامار أو ثرثرة فوق النيل أو الكرنك وزقاق المدق. 
إنني أتفق مع ما قاله الكاتب المصري يوسف القعيد في أن ثورة 25 يناير ظلمت نجيب محفوظ، لأن وزارة الثقافة قررت البدء في الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ، وكانت هناك خطط ومشروعات وأحلام كثيرة للاحتفال بهذه المناسبة، ولكنها لم تنفذ، هناك مشروعات كثيرة قابلة للتنفيذ، أولها متحف نجيب محفوظ ويقام في وكالة محمد بك أبو الدهب، وهناك إجراءات تخصيص المكان قائمة، ومدير المتحف المخرج الكبير توفيق صالح يعمل، والمهم أن يتم افتتاحه، على أن يصبح متحفا لنجيب محفوظ ومختبرا للسرديات العربية تصدر عنه دورية تبدأ من الاهتمام بنجيب محفوظ وتصل إلى كل أشكال السرد المصري والعربي والعالمي. والثاني مشروع المزارات المحفوظية الذي تحمس له محافظ القاهرة السابق الدكتور عبد العظيم وزير، وخرائط ورسومات الأماكن التي عاش فيها محفوظ وكتب عنها موجودة لدى المحافظة منذ أن أعدها الصديق جمال الغيطاني للبدء في العمل الذي مازال حتى الآن حبرا على ورق"، ورحم الله نجيب محفوظ.

نجيب محفوظ في ذكراه .. مبدع لا يعرف الرذيلة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
لقد كان نجيب محفوظ ثائرا، كان أفضل من دافع عن ثورة 1919، وكان يعجب كثيرا بشخصية زعيم الأمة سعد زغلول. أما بالنسبة لثورة 1952، فرغم ترحيبه بها في البداية، إلا أنه انتقدها بشدة حين انحرفت التجربة الثورية عن الشعارات التي أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية الثورية التي آمن بها الثوار وبين تطبيقهم لهذه النظرية على أرض الواقع.
يبدو أننا أمة تأكل أبناءها، تدرك قيمتنا كل الأمم التي وصلت من العلم قمته أما نحن فكما يقول المثل ( مزمار الحي لا يُطرب) أو كما قال الشيخ تاج الدين الحسني أحد علماء دمشق المشهورين: أزهد الناس بالعلماء أهلهم وجيرانهم.
هذا ما يحدث لنا الآن في مصر تجاه غالب رموزنا التي ملأت العقل الإنساني عامة والعربي خاصة بنور المعرفة، لدرجة أصبحت فيها الفوضى لا تفرق بين ما هو أبيض وبين ما هو أسود، لا تفرق بين الطيب والخبيث، من يضئ النفس بالجمال وبين ما يجرحها بالقبح، هذا ما يحدث اليوم مع نجيب محفوظ الذي اتهمه بعض الرموز الهامة في مصر بأن أدبه يحث على الرذيلة! .. لماذا يحث على الرذيلة؟ فكان الجواب لأنه لا يهتم إلا بالعاهرات!.
نجيب محفوظ الذي خالط الصعاليك والحرافيش وغالب المطحونين والمستضعفين، وكتب عن الفقراء وسكان العشش والحواري، ودافع عن كرامة المصري ضد كل ظلم وقع عليه سواء كان واقعا من محتل انجليزي أو من حاكم مستبد!، نجيب محفوظ الذي وقف ضد قتل أحلام البسطاء وقهر الشباب وتجبر الدولة الأمنية في كل رواياته 33 رواية و19 مجموعة قصصية ابتداء من رواية كفاح طيبة (1944)، والقاهرة 30 (1945)، مروراً بالثلاثية العبقرية بين القصرين (1956)، قصر الشوق (1957)، السكرية (1957)، واللص والكلاب (1961)، وثرثرة فوق النيل (1966)، وميرامار (1967)، و الكرنك (1974)، وانتهاءً بأحلام فترة النقاهة (2004).
روايات أقرب للوثيقة التاريخية التي توثق ظرف المكان وظرف الزمان للمجتمع المصري، روايات لن تسع عقول النقاد تفنيد وطنيتها ومصريتها وانتمائها للأرض والنيل، وأذكر قديما وكنت طالباً بالمرحلة الإعدادية ولا أمتلك سوى بساطة الإدراك وطفولة العقل أن شاهدت فيلم الكرنك مع والدي في سينما "ريفولي" بالقاهرة عام 1975، وقد كان والدي – رحمه الله وهو من علماء الأزهر ودكتور في الشريعة - يحترم نجيب محفوظ ويحافظ بقدر الإمكان على متابعة كل أعماله وحتى مقالاته في جريدة الأهرام، يومها وداخل صالة العرض لاحظت تأثر أبي الشديد، كان الفيلم صدمة شديدة لجرأته السياسية والاجتماعية، ففي ظل تكميم الأفواه يخرج علينا نجيب محفوظ ليسرد لنا صارخاً وقائع الظلم والتعذيب وقهر الحاكم لشعب لا يستحق إلا كل احترام وتوقير، يسرد لنا صارخا وقائع ما كنا نحياه من غيبوبة تحت وهم الحرية والكرامة وأرفع رأسك يا أخي، كان يحكي لنا نجيب محفوظ ظلم الحاكم والدولة على المحكومين من أهل الوطن في فترة لم يجرؤ فيها غيره على التفوه بها، كان جريئا وعنيداً، وهنا يقول لي والدي رحمه الله: لولا نجيب محفوظ ومن هم مثله من كتابنا العظام لعاش الناس في وطننا عيشة البهائم، لا يملكون من أمر دنياهم إلا ما يأكلونه ويشربونه ولا إدراك لهم عن معنى الحرية والكرامة والعدل، فقلت لوالدي محاولاً قنص تعاطفه تجاهي وأنا ألمح مدى التأثر البادي عليه ولا أفهمه: أنا أيضا أحب نجيب محفوظ، وبينما نحن سائران لميدان العتبة لنستقل الأوتوبيس عائدين للمنزل بعد خروجنا من السينما التي كنا نراعي الذهاب إليها أول كل جمعة في أول كل شهر، وجدت أبي يصدق على كلامي متمتماً: محفوظ راجل عظيم.
ينتابني إيمان بأن من قرأ أولاد حارتنا قرأها وهو يحمل ضغينة مسبقاً لنجيب محفوظ ولم يفهم إشارته الأدبية والإنسانية بها وكأنه لم يكتب سواها ففهمها بحجم وعيه لا بحجم وعيها ومن ثم حكم عليها وعليه بالكفر، رغم أن هذه الرواية وكما يقول الدكتور جابر عصفور, وزير الثقافة الأسبق: "إن دار الشروق أعلنت في مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية بمقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد. ونشرت بالفعل مقدمة أحمد كمال أبو المجد التي أطلق عليها "شهادة" في بعض الصحف لكن الرواية نفسها لم تصدر إلى الآن"، وربما تذكرني حادثة التكفير تلك بحادثة أخرى مثيرة للاهتمام حدثت في أواخر السبعينيات وكنا طلبة بالمرحلة الثانوية أو ربما في أوائل المراحل الجامعية حينما اصدر مجلس الشعب المصري قرارا بحظر بيع ونشر وتداول كتب العلاّمة " محيي الدين بن عربي" لأن مؤلفاته تدفع بقارئها إلى الكفر و صاحبها كافر، كنت وقتها لم أقرأ لمحيي الدين بن عربي، ولكني كنت أعرف أنه من عباقرة عصره بل ومن أكابر المفكرين الإسلاميين، ورجعت إلى والدي أسأله لكونه حجة في ذلك: هل محيي الدين بن عربي كافر؟، فأجاب إجابة عجيبة قال فيها: مشكلتنا أننا نظن أنه مادمنا نستطيع القراءة فأنه باستطاعتنا الفهم، ومن قرأ لأبن عربي واتهمه بالكفر هو رجل محدود الوعي، ولا يؤمن أن وعيه وفهمه محدود، بل يرى أنه مبعوث العناية الإلهية للحكمة والمعرفة، ومن ثم يظن بوعيه المحدود هذا أنه القاضي العدل في الحكم على العلماء الكبار، هذا مؤمن وهذا كافر، ثم أردف قائلا: مصيبتنا يا بني أننا مجتمع جاهل، يلتهم علمائه كما تلتهم النار في لحظات فدادين القمح، فيحترق كل شئ ومن بقى بعد الحريق على قيد الحياة لن ينجو من الموت جوعاً بعد أن احترقت سنابل الخير.
لقد كان محفوظ ثائرا، كان أفضل من دافع عن ثورة 1919، وكان يعجب كثيرا بشخصية زعيم الأمة سعد زغلول. أما بالنسبة لثورة 1952، فرغم ترحيبه بها في البداية، إلا أنه انتقدها بشدة حين انحرفت التجربة الثورية عن الشعارات التي أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية الثورية التي آمن بها الثوار وبين تطبيقهم لهذه النظرية على أرض الواقع والتي انتهت بمراكز القوى والسحل وانتهاك الأعراض والقتل والسجون، وهنا كتب محفوظ رواية "أولاد حارتنا" وهي الرواية التي عاد بها إلى الكتابة في 1959، وكأنه كان يحذر فيها رجالات ثورة يوليو وأعوانهم بل ويحذر فيها الشعب نفسه، ولكن هذه الرواية "أولاد حارتنا" شكلت محطة ومنعطفا مثيراً في أعمال محفوظ لكثر ما أثير حولها من لغط، وبعد بدء نشر الرواية مسلسلة في صحيفة الأهرام الحكومية ابتداء من 21 سبتمبر/أيلول حتى 25 ديسمبر/كانون الأول 1959 حث بعض رموز التيار الديني المحافظ على وقف النشر استنادا إلى تأويل الرواية تأويلا دينيا يتماس مع قصص بعض الأنبياء. . ومنذ ذلك الحين وقصة التكفير والاتهام بالإلحاد لا تتوقف".
وربما أتعجب من هؤلاء الناس الذين يقذفون أدب نجيب محفوظ بأنه فقط أدب يدور حول العاهرات من النساء رغم أن المرأة لم تكن أبداً في كل رواياته جسدا للمتعة أو للغواية بل كانت جزءا من المجتمع وشريكا في الثورة كما حدث في ثورة 1919، وحيث تعددت رؤية نجيب محفوظ لها حسب المراحل السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد فهي في الثلاثية تختلف عنها في ميرامار أو ثرثرة فوق النيل أو الكرنك وزقاق المدق. 
إنني أتفق مع ما قاله الكاتب المصري يوسف القعيد في أن ثورة 25 يناير ظلمت نجيب محفوظ، لأن وزارة الثقافة قررت البدء في الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ، وكانت هناك خطط ومشروعات وأحلام كثيرة للاحتفال بهذه المناسبة، ولكنها لم تنفذ، هناك مشروعات كثيرة قابلة للتنفيذ، أولها متحف نجيب محفوظ ويقام في وكالة محمد بك أبو الدهب، وهناك إجراءات تخصيص المكان قائمة، ومدير المتحف المخرج الكبير توفيق صالح يعمل، والمهم أن يتم افتتاحه، على أن يصبح متحفا لنجيب محفوظ ومختبرا للسرديات العربية تصدر عنه دورية تبدأ من الاهتمام بنجيب محفوظ وتصل إلى كل أشكال السرد المصري والعربي والعالمي. والثاني مشروع المزارات المحفوظية الذي تحمس له محافظ القاهرة السابق الدكتور عبد العظيم وزير، وخرائط ورسومات الأماكن التي عاش فيها محفوظ وكتب عنها موجودة لدى المحافظة منذ أن أعدها الصديق جمال الغيطاني للبدء في العمل الذي مازال حتى الآن حبرا على ورق"، ورحم الله نجيب محفوظ.

الخميس، 22 سبتمبر 2011

طغاة .. وطغاة !!

لا تثق في الثوار .. فأنت بين الطغاة لا حيلة لك .. الثورات عبر التاريخ تقوم بين طغاة وطغاة .. ثوار وثوار .. أحدهما حتماً سيستولي على عرش أخيه .. أما أنت .. فستعيش تحت حكم من ينتصر .. ستظل أنت كما أنت .. فالثورات وقودها أنت والحجارة .. أنت في كل ثورة .. هامش .. منسحق .. ضال .. وسيشعروك بأبواق إعلامهم المنتصرة منذ ألف عام أنك تعيش ( من خلال حكمهم الرشيد ) هامش من حرية !!

طغاة .. وطغاة !!

لا تثق في الثوار .. فأنت بين الطغاة لا حيلة لك .. الثورات عبر التاريخ تقوم بين طغاة وطغاة .. ثوار وثوار .. أحدهما حتماً سيستولي على عرش أخيه .. أما أنت .. فستعيش تحت حكم من ينتصر .. ستظل أنت كما أنت .. فالثورات وقودها أنت والحجارة .. أنت في كل ثورة .. هامش .. منسحق .. ضال .. وسيشعروك بأبواق إعلامهم المنتصرة منذ ألف عام أنك تعيش ( من خلال حكمهم الرشيد ) هامش من حرية !!