السبت، 11 فبراير 2012

إذن ستبتلع الإخوان المسلمون الطُعم!!

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
أهم الدروس التي أدركناها بعد ( مجزرة بور سعيد ) هو خروج رئيس الوزراء أمام الشعب ليعلن أنه غير مسئول عن فرض الأمن أو تفعيل الملف الاقتصادي وهو الذي اشترط قبل قبوله منصب رئاسة الوزراء أن تكون له صلاحية رئيس جمهورية ليتبين لنا بعد ذلك وعلى لسانه أن حتى صلاحيات رئيس الجمهورية هي قبض ريح، نقش على ماء تلك المرحلة الانتقالية التي تسعى فيها قوى اقليمية وعالمية وداخلية في اسقاط مصر.

في مقال سابق اشرت إلى أن هناك محاولات غير مباشرة لتتورط الإخوان وذراعها السياسي ( حزب الحرية والعدالة ) في تفعيل ما يمكن تسميته مجازاً " ميليشيا أمنية " لتأمين الحفاظ على مكاسب بعضها يصب في مصلحة الوطن وبعضها يصب في صالح الجماعة نفسها لتظل موجودة في الحكم بعد أكثر من ثمانين عاما ( 1927 – 2012 ) في الشارع السياسي المصري دون المشاركة أبداً في الحكم ولو يوما واحداً حتى رغم كون غالب الضباط الأحرار أصحاب 1952 كانوا من تلاميذهم وربما منهم ولكن أداروا لهم الظهور، وذكرت مثال على تفعيل الميليشيا – وإن كان سلميا – لحظة تأمين مجلس الشعب وحصاره بشباب الإخوان لتأمينه من الشباب الغاضب في أول جلسة لانعقاده بعد فوز الإخوان بنسبة 45% من مقاعده.
الآن – اليوم - هناك شبه إجماع لكثير من القوى السياسية – حتى المناوئة للإخوان – تريد دفع حزبها صاحب الأغلبية البرلمانية لتكوين حكومة ائتلاف وطني تحل فوراً محل حكومة الجنزوري الحالية لسببين أهمهما: 
1- تقصير حكومة الجنزوري في الملف الأمني وهو أهم الملفات بالنسبة للشعب المصري حالياً.
وربما تحضرني حادثة قديمة حيث كنت صديقا مقربا للأستاذ فؤاد عبد الشافي ابن أخت فؤاد باشا سراج الدين زعيم الوفد – رحمهما الله - حيث ذكر لي الاستاذ عبد الشافي واقعة حدثت بين فؤاد باشا سراج الدين وبين الرئيس الراحل أنور السادات، إذ تم بينهما لقاءً اتسم بالودية بعد خصومة دامت كثيراً واعتقل فيها الأخوين سراج الدين طويلاً حيث دعا الرئيس أنور السادات فؤاد سراج الدين لتشكيل حكومة وفدية للخروج من أزمة انعدام الثقة في الحكومة الموجودة والتي كشف عن عورتها نواب الوفد المعارضين في البرلمان وقتها، وحينها وعد فؤاد باشا سراج الدين الرئيس السادات بأن يجمع اللجنة العليا لحزب الوفد للنظر في هذا الموضوع إذ لا يمكنه أن يتخذ قرارا منفردا سواء بالقبول أو الرفض دون الرجوع للحزب، وكان الرد بالرفض طبعاً وهو ما أستغربه حتى أقرب أصدقاء فؤاد سراج الدين وأقربائه السياسيين، فالرفض معناه ان يدير الوفد ظهره لأعظم فرصة يمكن أن يغتنمها الوفد بعد أكثر من ثلاثين عاما عاشها الوفد والوفديون في حالة إقصاء كامل واعتقال تعسفي منذ ثورة 1952، والغريب أن فؤاد سراج الدين كان هو صاحب اقتراح الرفض على اعضاء الوفد رغم أنه وعد الرئيس انور السادات بالنظر في المسألة، أما السبب الرئيسي الذي ساقه رئيس الوفد آنذاك لتبرير هذا الرفض هو محاولة ذكية من أنور السادات لتوريط الوفد في حكومة سينظر لها المصريون على أنها حكومة انقاذ وطني لتاريخ الوفد العريق ولكنها في الأصل ستكون حكومة أراجوزات الغرض منها تشويه صورة الوفد أمام الشعب لكون أخطاء النظام سياسيا واقتصاديا تحتاج لعقد من الزمان على الأقل ( عشرة سنوات ) وهو ما لن يصبر عليه الشعب المصري وهو أمر سيعتبره الشعب اخفاقاً للوفد وستضيع سمعته للأبد، بعد أن يقيلها السادات بالطبع ويرد كشف العورة بعورة مثلها أمام الشعب ويخرج منها المنتصر الوحيد، وهنا قال فؤاد باشا سراج الدين كلمته الشهيرة: أكرم لنا أن نظل في صف المعارضة نقوم بتقويم أداء الحكومة على أن نقوم بتشكيل حكومة تداوي اخطاء نظام فشل بالفعل، ولن تداويها وسنسقط أمام الشعب على ذنب لم نرتكبه، ثم اردف عبد الشافي قائلاً: الخلاصة يا محيي هي المثل المصري اللي بيقول: ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه، واحنا هدومنا طول عمرها بيضا، أما النظام فمحتاج حرب عالمية تالتة عشان يخلص من ذنوبه.
هذه الحكاية أسوقها لكونها ذكرتني بحكمة فؤاد باشا في رؤية الفخ قبل أن يقع فيه ولا شك انه كان داهية سياسي، يدرك أن مصر تعاني من ملفين في غاية الأهمية منذ ثورة 1952 وخاصة منذ ما أشيع عن محاولة اغتيال جمال عبد الناصر 1954 ثم حرب 1956، وهما الملف الاقتصادي الذي تفاقم بقوة بعد توريط الجيش المصري في اليمن وما أعقبته الأحداث من نكسة 67 وكذلك الملف الأمني الذي تحولت بسببه مصر إلى شيع وطوائف أغلبها يحمل صبغات أيدولوجية، فكيف سيتم علاج ذلك – وهو ما فطن له فؤاد سراج الدين - في حكومة مدتها أربعة سنوات فقط لن تستطيع حل المشكلة الأمنية ولا الاقتصادية حتى لو كانت تملك عصا موسى.
أن تقبل الأغلبية البرلمانية إذن تشكيل حكومة انتقالية الآن وقبل انتخاب رئيس الجمهورية أو عمل الدستور فهذا معناه تورط الإخوان سياسيا وتلويث سمعتها الشعبية في مرحلة من ادق مراحل الأمة حرجاً إذ لن تسطع أي حكومة مهما كانت قوتها أن تنجح في رأب صدع أي ملف هام من ملفات الدولة خاصة الأمن والاقتصاد لكونها حكومة لا تملك حق اتخاذ القرار إذ أن القرار الآن – لعدم وجود رئيس ودستور – بموجب الإعلان الدستوري في يد ( المجلس العسكري )، ومن ثم سيكونون – شاءوا أم أبوا – مجرد عرائس تحركها الظروف تارة والمجلس العسكري تارة أخرى ولعل من أهم الدروس التي أدركناها بعد ( مجزرة بور سعيد ) هو خروج رئيس الوزراء أمام الشعب ونواب الشعب وتحت قبة مجلس الشعب ليعلن أنه غير مسئول عن فرض الأمن أو التعجيل بتفعيل الملف الاقتصادي وهو الذي اشترط قبل قبوله منصب رئاسة الوزراء أن تكون له صلاحية رئيس جمهورية وتم قبول هذا الشرط وصار رئيساً للوزراء بصلاحيات رئيس جمهورية ليتبين لنا بعد ذلك وعلى لسانه – تحت قبة البرلمان - أن حتى صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الجمهورية نفسه هي قبض ريح، لا شيء، نقش على ماء تلك المرحلة الانتقالية التي تسعى فيها قوى كثيرة اقليمية وعالمية وداخلية في اسقاط مصر.
الحل الوحيد لعدم سقوط الأقنعة هي استعادة الملف الأمني، هو أول شروط اللعبة، أول شروط الشعب، أول شروط الشارع للحكومة القادمة، ولكن في ظل تفكك مؤسسة الشرطة وانقسام قادتها بين من يدينون بالولاء لنزلاء طره وبين من يحاول ارتداء ثوب العهد الجديد، وصراع البلطجية على حكم الشارع، يجعل من المستحيل الثقة إطلاقاً في جهاز الشرطة الحالي نظراً لفوضى الولاء داخله، ومن ثم مستحيل أن تثق حكومة الإخوان في فرض الأمن على الشارع من خلال جهاز انعدمت ثقتهم في كثير من قياداته التي اغتالت وزيرها سياسياً في موقعة بور سعيد وكما قال هو بلسانه لأحد أصدقائه بأحد الاجتماعات بعد أن صار وزيراً: هناك لواءات كبار في الداخلية أصحاب سطوة وانا مش عايز انتحر، وهذا التصريح العفوي وغيره مما تؤكده الأحداث المأساوية تجعل أي قادم لرئاسة حكومة قادمة عليه أن يضحي بجهاز الشرطة بأكمله من أعلى رأس وحتى أصغر جندي لضمان بقائه في الحكم وضمان انحياز الشارع له أكبر فترة ممكنه، ولكن كيف يكون ذلك؟ كيف يتم التضحية بأكثر من نصف مليون شرطي هكذا مرة واحدة؟ ما هو الحل؟
الميليشيا هي الحل.
اذا رجعنا للخلف قليلا نجد أن مليونيات الثورة كانت تحسب كونها مليونيات بسبب تواجد كثير من القوى الإخوانية الكثيفة بها، والتي تقوم بتأمين مداخل ومخارج الميادين والمنشئات العامة واهمها مجلس الشعب الذي قام بحمايته المئات من شباب الإخوان، حتى اللجان الشعبية وقادتها اثناء اختفاء الشرطة بعد يوم 28 يناير وقبل تنحي المخلوع كانت بخبرة إخوانية واثبتت التجربة أنهم اكثر حكمة من جهاز الشرطة نفسه، ومن ثم فالتضحية بجهاز الشرطة وقادة الداخلية أمر سهل سياسيا وان كان مرفوض عند كثير من القوى التي ترفض انفراد الاخوان بالحكم بعد صبر ثمانين عاماً، ولكن رغم سهولة السيناريو سياسياً إلا أنه يحتاج لتنفيذ معقد على ارض الواقع وتدرجي وربما أتصور تصوراً يبدو خيالياً لبعض من أجزاءه مستعيناً بما طرأت بعض أحداثه السياسية على مصر في السابق:
1- تفعيل ( متدرج ) لدور العُمد والمشايخ في القرى والنجوع وشيخ الحارة في المدن. 
2- امداد العمدة بجيل جديد قوي من خفراء شباب مسلحين من أصحاب الثقة والولاء.
3- اعادة سيناريو ( 1943 – 1945 ) في دعم القرى والنجوع بقوى دفاع ذاتية مسلحة تحت إمارة قائد شعبي شاب – وقد كان جدي لأمي أحد هؤلاء القادة الشعبيين والعسكريين في قريته إحدى قرى محافظة الجيزة عام 1943 وحتى عام 1954 بعد الثورة وكان يتمتع بصلاحيات وزير حربية داخل 14 قرية أو ما يُطلق عليه زمام – ولكن إعادة هذا السيناريو سيتطلب تغييراً بسيطاً في المنهج اذ كانت في الأربعينيات تعاوناً بين الاخوان المسلمين والجيش المصري وتحت إمرة الجيش وبسلاح الجيش ضد الألمان والإنجليز بعدما هددوا بإغراق مصر في الحرب العالمية الثانية لتصبح اليوم ضد البلطجية والخارجين عن القانون وبشرعية شعبية وعلى الأقل برضا الجيش وهو التعاون الذي كان قديما أهم ثمرة من ثمراته ولادة تنظيم الضباط الأحرار.
4- احلال جيل القادة الحالي في البوليس المصري بجيل قيادي جديد وقوي من رجال الجيش ( جيل الوسط ) من ذوي الميول الإخوانية.
5- جعل سنوات الدراسة في كلية الشرطة 6 اشهر بدلا من اربعة سنوات وقبول دفعات الالتحاق من خريجي الكليات والمعاهد العليا على أن تكون الدراسة مقصورة على دراسة العلوم الشرطية فقط وإدارة أقسام البوليس ومديريات الأمن، تماماً كما كان عليه الحال قبل ثورة 1952.
6- تفعيل دور اللجان الشعبية المسلحة في أحياء مصر كلها من شباب الثقة والولاء.
7- تكون مدة تفعيل هذا السيناريو في مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن عام على أن يراعى فيها البدء بالمدن الأكثر كثافة والأكثر تضرراً.
إذن لا مفر من أن تبتلع الإخوان الطعم – وكما قلت في مقال سابق: ستبتلعه - أجل ستبتلعه تحت قانون مُكره أخاك لا بطل وستحيي الإخوان ميليشيات الإخوان المسلحة كما فعلتها في الحرب العالمية الثانية ولكن هذه المرة بديلا عن الشرطة تحت مبرر حماية الجبهة الداخلية في ظل انعدام ثقة الشعب في وزارة الداخلية، ستحيي السيناريو القديم سواء في حكومة انتقالية أو حكومة دائمة.
لقد عشنا العنف ابتداءً من 25 يناير وحتى يوم تنحي المخلوع في 11 فبراير، ومنذ 11 فبراير وحتى الآن نعيش الأعنف. لن تهدأ القوى السياسية المختلفة التي تعتلي المشهد السياسي الحالي سواء تحت قبة البرلمان أو في ميادين التحرير المنتشرة بمدن مصر.
لن تنبذ تلك القوى الصدام من اجل القيادة.
لن ترضخ أمام ما يتصورونه من إقصاء.
الأكثر عنفاً لاشك قادم.

الأربعاء، 1 فبراير 2012

كل الطرق في مصر تؤدي إلى انقلاب عسكري

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
سيبلع – لاشك - الإخوان المسلمين "الطعم" وسيحمل فصيل عريض من شبابها السلاح دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم وشرعيتهم الشعبية داخل البرلمان وخارجه بسبب الاستفزاز العنيف – الغير مُبرر - المضاد لهم باستمرار إن آجلاً أم عاجلاً، ومن ثم سيحمل المناوئين لهم السلاح تحت دعوى ( إشمعنى هما إللي يشيلوا سلاح وإحنا لأ!)
أكد المشهد السياسي الأخير في مصر يوم "ثلاثاء الإصرار" الذي توجه فيه ثوار ميدان التحرير إلى مجلس الشعب بلافتات تهتف بسقوط العسكر والإخوان المسلمين ومن ثم الاشتباكات التي حدثت إلى بداية تنامي وظهور ما يسمى بالمليشيات الشعبية ( المتناحرة ) أمام تضاؤل قوة الردع الوطنية من الشرطة بعد تشتتها نفسياً بسبب الرفض الشعبي لها، وميدانياً في ربوع مصر تلهث وراء الملثمين الذين ينهبون البنوك ومكاتب الصرافة.
والميلشيات الشعبية تبدأ دوما بجماعات غاضبة يائسة من وجود حل سياسي يرضيها - حتى ولو كان حلاً مستحيلا من وجهة نظر الواقع - ثم تتدرج إلى العنف في ظل ضعف قوة الردع الوطني الطبيعية، وغالباً ما تبدأ تلك الجماعات عنفها بمرحلته المتواضعة فيحمل بعض أفرادها عصي أو حجارة ثم يتدرج العنف إلى فرض الرأي بالقوة فيحمل بعض أفرادها السلاح البسيط ( سكاكين – خناجر وخلافه ) مع شنق المعارضين لها أو ما يرونه متهماً دون محاكمة في ميدان عام أمام أعين الناس كما حدث يوم الأربعاء 31 يناير – على سبيل المثال – في قرية "هرية رزنة" بمحافظة الشرقية وحيث شنق الشباب هناك شابين آخرين فوق أعمدة الإنارة دون محاكمة على اعتبار أنهما ارهابيين، إلى أن تنتهي تلك الجماعات الغاضبة من سلمية بسيطة إلى ميليشيات قاسية متصارعة يتمتع كل منها بجيش شبه نظامي غير شرعي مدجج بكل وسائل الإرهاب كما حدث في بلدان مجاورة كبيرة أهمها العراق ولبنان، وحيث يمارس كل فريق منهم فرض رأيه السياسي بالقوة أو التصفية الجسدية على الطرف الآخر.
ومن المدهش أن نجد في مصر اليوم أساتذة كباراً معظمهم يسبق اسمه حرف ( دال ) يشعلوا فتيل نمو هذه الظاهرة أمام شاشات التليفزيون حيث يقولون: نحن الآن في مرحلة هامة من مراحل هذا الوطن من يقرر فيها فقط هو "الشارع"!، أي شارع الذي يتحدثون عنه؟، ومن هو رأس الشارع الذي سيتحمل مسئولية الكارثة حين تحدث، إنه العار الذي تتناقله كل برامج ( التوك شو ) وحيث صار الجميع في تلك البرامج كالقطيع الممسوس يرددون كلمات أقل كلمة منها تُسقط وطن بكامله إلى قاع الحضارة والمدنية، ولاشك أن مصر إن كانت تعاني اليوم فإن سرطان معاناتها الأكبر يكمن في إعلامها المرئي والمسموع، فأي وطن هذا الذي يتحدثون بأسمة وأسم شوارعه؟.
لاشك أن هناك قوة مدعومة ( ربما خارجيا وبقوة ) تحاول دفع الإخوان المسلمين ( تحديداً ) عن طريق الهجوم عليها وعلى حزبها في أن تأخذ ( عار ) المبادرة الأولى بتكوين ميليشيا الدفاع عن نفسها حتى ولو كانت هذه الميليشيا في بدايتها لا تحمل سلاحاً كما حدث من شبابها ( المنظم جداً ) في دفاعه – دون سلاح – عن مجلس الشعب ضد من حاولوا اقتحامه على حد تعبيرهم يوم "ثلاثاء الإصرار"، حيث وقف شباب الإخوان في صفوف نظامية ( صف وراء صف وراء صف ) اكثر من ثلاثة عشرة صفاً منتظماً كأنهم بنيان مرصوص، مما دفع الآخرين للثأر من عدم تمكنهم الوصول للمجلس فحدثت مناوشات كادت أن تتسبب في مجزرة.
سيبلع – لاشك - الإخوان المسلمين "الطعم" وسيحمل فصيل عريض من شبابها السلاح دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم وشرعيتهم الشعبية داخل البرلمان وخارجه بسبب الاستفزاز العنيف – الغير مُبرر - المضاد لهم باستمرار إن آجلاً أم عاجلاً، ومن ثم سيحمل المناوئين لهم السلاح تحت دعوى ( إشمعنى هما إللي يشيلوا سلاح وإحنا لأ!) وقد اكدت الظروف أن الإخوان المسلمين أكثر فصائل الشارع السياسي تنظيماً، هذا إذا فرضنا وجود فصيل آخر يوازيهم في القوة التنظيمية أو السياسية داخل حقل السياسة في مصر وهو ما آثار احقاد الكثير من فصائل المعارضة التقليدية، الذين اعتبروهم مغتصبي السُلطة الشرعية للبلاد بغطاء شعبي أعلنت عنه صناديق الانتخاب في كل ربوع مصر، ومن ثم نسأل: متى يصل الاستفزاز مراحله العظمى وتحمل فيه القوى المتضادة السلاح في وجه بعضهم البعض ايذاناً بسقوط الوطن؟ وهل ستسقط مصر؟!. 
حين يحدث ذلك لن يأمن أحد في مصر على ماله أو أهله أو عرضه، وما حدث لشابين من شنق على أعمدة الإنارة بمحافظة الشرقية باعتبارهما ( بلاطجة ) سيحدث للأبرياء أيضاً – في ظل ضعف أمني كارثي - على اعتبار أن هؤلاء الأبرياء من ذوي الأملاك، كما حدث في محافظة قنا بصعيد مصر يوم 27 يناير 2011 وتم اغتيال مصري برئ لا لشئ إلا لكونه رفض دفع ( إتاوة ) مقدارها خمسة ملايين جنية يمتلكها بالفعل ليفدي بها ابنه المختطف!.
قال لي أحد الإعلاميين المنتشرين في ميدان التحرير ممن لا تعرف لهم اسماً أو هوية أن ما نحن فيه سببه المباشر هو ( غباء ) المجلس العسكري!، فنظرت إليه لأتأكد من اتزانه حيث لا يمكن أن تلقي بآرائك هكذا لمن تعرفه ومن لا تعرفه!، وبادرته بقولي: تقصد أن قادة الجيش المصري الذي أذهل العالم بانتصار اكتوبر رغم ضعف الإمكانات وقتها هم أغبياء؟، فقال: هناك فرق بين المجلس العسكري وبين الجيش! فقلت له: لعن الله الإعلام لعنة تحيط به ليوم القيامة فلا يلقى بها وجه الله ابداً!، فغضب مني أشد الغضب وقال لي: تدعو لي باللعنة لمجرد أني أقول لك رأيي؟، فقلت له: بل ادعو على الإعلام باللعنة وحيث هناك فرق يا صديقي بين الإعلام والإعلامي؛ فسكت وهدأ وأدرك الفوضى الموجودة برأسه وهنا بادرته بقولي: قل صبر الجيش ولا تقل غباء قادته، فقال لي وضح مسألتك؟، فقلت: المستقبل سيوضح عنف المسألة، وحينها أصر على طلب رقم تليفوني المحمول لاستضافتي في قناته الفضائية التي لم اهتم بالسؤال عن اسمها واكتفيت له بقولي أني لا أحمل ( تليفون جوال )!.
بلد بحجم مصر وجيش مصر الوحيد الباقي في المنطقة كأكبر قوة ردع عربية بعد تفكك جيش العراق وتحزب جيش سوريا وإنهاك جيش السودان، هو العائق الوحيد القوي المتبقي الآن أمام طموحات اسرائيل في المنطقة، الكل يعلم هذا حتى بعض العرب الذين لا يطيقون لثورة مصر أن تنجح، ومن ثم فالسبيل الوحيد هو كسر هيبة هذا الجيش أمام الشعب، وهذا الوهم لن يتحقق لسببين، أولهما أن جيش مصر هو قطاع طولي من كافة فصائل الشعب فعلى سبيل المثال المشير طنطاوي مصري من جذور نوبية وصاحب اختراع تدمير خط بارليف في حرب اكتوبر 73 اللواء باقي يوسف هو مصري قبطي والفريق سامي عنان من فلاحين مصر، ومن ثم فالجيش المصري لا يستأثر بقيادته فصيل معين من فصائل المجتمع المصري، لذا فهو جيش وطني بكل ما تحمله كلمة وطني من معنى وهذا سيجرنا للسبب الثاني وهو أن الجيش المصري سيقف ورائه كل شعب مصر بنسبة لن تقل عن 65 مليون نسمة من حجم شعب مصر بكافة فصائله وطوائفه معظمهم من الفلاحين والعمال، وسيشكلون درعا بشريا عظيماً وهائلاً لدعم الجيش والحفاظ على هيبته في الداخل والخارج، وهذا السبب الثاني هو ما يشكل عبئاً حضارياً على اسرائيل وحلفائها ويبحثون عن سبيل – أي سبيل - لاختراقه ليسهل عليهم كسر مصر، وإذلال شعبها، ومن ثم إذلال الشعب العربي كله الذي استشعر الهوان بعد ان مزقت اميركا جيش العراق الوطني وقامت بحله.
حين يتأزم الأمر السياسي في مصر – وهو لاشك في أزمة – وحين يتحول الصراع السياسي والأمني إلى فوضى في الشوارع، سيتحرك بعض قادة الجيش ( من جيل الوسط ) لعمل انقلاب عسكري سريع، يتم به الاستيلاء على السلطة، تماماً كما حدث في 1952 مع بعض الفروق البسيطة لضمان صمت الغرب لإنجاح الانقلاب:
1- ضمان عدم الإضرار بمصالح الغرب الموجودة أصلاً في مصر.
2- التفاوض بشأن تعاون (بعد نجاح الانقلاب ) بين مصر والشركات الغربية.
3- التفاوض بشأن النظر في قبول التعاون فيما قد يسمى قوة الردع العالمية المشتركة في جنوب البحر المتوسط وباب المندب وبحر العرب ضد أي أعمال تخريب اقليمية.
4- التفاوض بشأن تسهيل أعمال المناورات الدورية العسكرية ( المشتركة ) بالبحر والجو.
5- التأكيد على احترام معاهدة كامب ديفيد مادامت تحترمها اسرائيل وتحترم كافة بنودها.
6- التفاوض بشأن اقصاء المتشددين من مناصب اتخاذ القرار السياسي في مصر.
7- إلغاء كافة الأحزاب المنشأة قبل انقلاب الجيش لتحقيق مناخ سياسي ثوري جديد، يضمن الاستقرار المستقبلي لمصر والمنطقة.
8- العفو الصحي عن مبارك والحفاظ على تاريخه العسكري.
وربما أذكر هنا - رمزيا - بعض البنود التي اتصورها والتي حتما سيكون غيرها كثير، لكني اذكر هذه البنود وإن تغيرت صيغتها في المستقبل لأسباب اهمها:
1- مقابل عدم الإضرار بمصالح الغرب يجب على الغرب عدم الإضرار بمصالح مصر ( ما بعد الانقلاب ) وأهمها: التخلص من نشطاء المجتمع المدني عن طريق التهجير القسري كما حدث مع غالب الفصائل السياسية بعد ثورة 1952 أو الإقصاء السياسي كما حدث مع اللواء محمد نجيب ولزم فيلا زينب الوكيل بالمرج عشرين عاماً حتى مات، ومن يعاند من هذه الفصائل ولا يقبل بالعهد الجديد فعلى الغرب غض البصر عن الاعتقال السياسي لبعضهم لحماية الأمة ( مقابل ضمان المصالح المشتركة مع مصر ).
2- التفاوض بشأن تعاون حقيقي بين مصر والشركات الغربية العاملة في البلاد، مقابل فتح وظائف عمل جديدة ومجدية أمام الآلاف من شباب الخريجين العاطلين بالقرى والمدن الصغرى لطمأنه أكبر عدد ممكن من المؤيدين وخاصة قطاع الشباب في قرى ونجوع مصر وخاصة المدن الصغيرة، ومن ثم ضمان نجاح ثورة الجيش.
3- التفاوض بشأن التعاون في قوة الردع العالمية بجنوب البحرين المتوسط والأحمر واحترام معاهدة كامب ديفيد مقابل احترام رغبة الجيش المصري في التسلح بأحدث تقنيات الآلة العسكرية العالمية دون حظر او وصاية.
4- التفاوض بشأن اقصاء المتشددين من مناصب اتخاذ القرار وكذا إلغاء الأحزاب وقيام – بعد ذلك - احزاب دستورية بلا مرجعيات ايدولوجية مقابل تدعيم جنرالات الجيش الجدد في بسط سلطانهم السياسي على البلاد دون نقد غربي أو فرض حظر كالذي تم فرضه على ايران وسوريا.
5- العفو الصحي عن مبارك وضمان نزاهة تاريخه العسكري في حال ضمان رجوع نسبة كبيرة من الاموال المهربة بالخارج دون شرط الغرب في محاكمة المتهمين وكذا دعم الاقتصاد المصري وشطب اسم مصر من كشف الدول التي لا تدعم الديموقراطية.
هذه مجرد تصورات قد يعتبرها البعض جنوناً أو يعتبرها الآخر تخاريف كاتب رومانسي، تماماً مثلما حدث معي حين كتبت مقالاً بعنوان " مصر بنت الجيش يا ريس " قبل تنحي مبارك بأسبوع واعتبره الكثير ممن قرأوه سيناريو هابط ثم تراجعوا عن ذلك بعد اشهر حين وضحت الصورة وتكشفت لهم بعض حقائق وردت في هذا المقال.
وأكرر هنا ما سبق أن رددته في مقال سابق قبل ثورة 25 يناير بأشهر وتحديدا ابريل 2010 تحت عنوان "من صاحب الوطن والدستور والثورة؟" في جريدة لبنانية، ربما جريدة " بيروت تايمز" حيث قلت: 
الجيش – في عالمنا الثالث – هو صاحب المدفع، صاحب الدبابة والطائرة، صاحب النظام، هو مالك الوطن.
الجيش – في عالمنا الثالث – هو صاحب التغيير، صاحب الثورة، صاحب السلطة، هو مالك الدستور.
واستطردت في ذات المقال بالقول: إن جيوش المنطقة في ورطة حقيقية، ولن يدخل الجيش المصري هذه الورطة بإرادته أو رغماً عنه وسيكون خيار الموت أكرم وأعظم له ولشعب مصر من العيش في ظل احتلال جديد.
واكرر الآن: لن يقف الجيش المصري مكتوف الأيدي أمام فوضى – أي فوضى – قد تؤدي لسقوط الوطن، لن يفعلها، ربما يصبر ايماناً منه بوجوب انتهاء الفوضى لكنه لن يستسلم في حال استمرت، هذه هي طبيعته، ومن ثم لن يدع مصر هكذا تحيا التشتت الأقرب للتخريب والفساد حتى أصبح الكل فيها أشبه بدوائر صغيرة عنصرية منغلقة على نفسها مضغوطة عصبياً ويضغط بعضها على بعض ويفتت بعضها بعضا في أحلك فترات شعبنا المصري المعاصرة تناحراً.
لم يفقد المواطن ثقته في الجيش كما قد يتراءى للبعض، لم يفقد العمال والفلاحين – أكثر المتضررين من الفوضى – ثقتهم في الجيش، فالجيش من الشعب، كل الجيش من الشعب، ربما نحمل غضباً من الجيش أو مجلسه العسكري لتباطؤه أو ربما صبره، لكن الغضب لا يعني فقدان الثقة بل هو غضب الثقة، لقد دفع الغرب إلى انهيار الجيش العراقي وتشتته ودفع إلى تحزب الجيش السوري وتشتته وانهاك الجيش السوداني كل ذلك لصالح اسرائيل التي يؤمنون بضعفها وضعف ايمانها بالاستمرار أمام جيل شباب العرب الجديد المتحمس والقوي والذي يشكل رأس الحربة في الجيوش العربية المقاتلة، ومن ثم فالمصريون لن يفرطوا في جيش مصر لكونهم رأس حربته، لن يفرطوا في سقف الغرفة الوحيد الباقي ( عربياً ) متماسكاً فوق رؤوسهم - رغم الإعصار - ايماناً منهم في إنقاذ الوطن وانقاذ كرامته وكبريائه وتماسكه، وربما قليل من ضبط النفس للثوار والسياسيين والمجلس العسكري يدفع مصر الآن للاستمرار في تحولها الديموقراطي .. لأنه لا حلول وسط، فقط: ضبط النفس أو الطوفان.

كل الطرق في مصر تؤدي إلى انقلاب عسكري

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
سيبلع – لاشك - الإخوان المسلمين "الطعم" وسيحمل فصيل عريض من شبابها السلاح دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم وشرعيتهم الشعبية داخل البرلمان وخارجه بسبب الاستفزاز العنيف – الغير مُبرر - المضاد لهم باستمرار إن آجلاً أم عاجلاً، ومن ثم سيحمل المناوئين لهم السلاح تحت دعوى ( إشمعنى هما إللي يشيلوا سلاح وإحنا لأ!)
أكد المشهد السياسي الأخير في مصر يوم "ثلاثاء الإصرار" الذي توجه فيه ثوار ميدان التحرير إلى مجلس الشعب بلافتات تهتف بسقوط العسكر والإخوان المسلمين ومن ثم الاشتباكات التي حدثت إلى بداية تنامي وظهور ما يسمى بالمليشيات الشعبية ( المتناحرة ) أمام تضاؤل قوة الردع الوطنية من الشرطة بعد تشتتها نفسياً بسبب الرفض الشعبي لها، وميدانياً في ربوع مصر تلهث وراء الملثمين الذين ينهبون البنوك ومكاتب الصرافة.
والميلشيات الشعبية تبدأ دوما بجماعات غاضبة يائسة من وجود حل سياسي يرضيها - حتى ولو كان حلاً مستحيلا من وجهة نظر الواقع - ثم تتدرج إلى العنف في ظل ضعف قوة الردع الوطني الطبيعية، وغالباً ما تبدأ تلك الجماعات عنفها بمرحلته المتواضعة فيحمل بعض أفرادها عصي أو حجارة ثم يتدرج العنف إلى فرض الرأي بالقوة فيحمل بعض أفرادها السلاح البسيط ( سكاكين – خناجر وخلافه ) مع شنق المعارضين لها أو ما يرونه متهماً دون محاكمة في ميدان عام أمام أعين الناس كما حدث يوم الأربعاء 31 يناير – على سبيل المثال – في قرية "هرية رزنة" بمحافظة الشرقية وحيث شنق الشباب هناك شابين آخرين فوق أعمدة الإنارة دون محاكمة على اعتبار أنهما ارهابيين، إلى أن تنتهي تلك الجماعات الغاضبة من سلمية بسيطة إلى ميليشيات قاسية متصارعة يتمتع كل منها بجيش شبه نظامي غير شرعي مدجج بكل وسائل الإرهاب كما حدث في بلدان مجاورة كبيرة أهمها العراق ولبنان، وحيث يمارس كل فريق منهم فرض رأيه السياسي بالقوة أو التصفية الجسدية على الطرف الآخر.
ومن المدهش أن نجد في مصر اليوم أساتذة كباراً معظمهم يسبق اسمه حرف ( دال ) يشعلوا فتيل نمو هذه الظاهرة أمام شاشات التليفزيون حيث يقولون: نحن الآن في مرحلة هامة من مراحل هذا الوطن من يقرر فيها فقط هو "الشارع"!، أي شارع الذي يتحدثون عنه؟، ومن هو رأس الشارع الذي سيتحمل مسئولية الكارثة حين تحدث، إنه العار الذي تتناقله كل برامج ( التوك شو ) وحيث صار الجميع في تلك البرامج كالقطيع الممسوس يرددون كلمات أقل كلمة منها تُسقط وطن بكامله إلى قاع الحضارة والمدنية، ولاشك أن مصر إن كانت تعاني اليوم فإن سرطان معاناتها الأكبر يكمن في إعلامها المرئي والمسموع، فأي وطن هذا الذي يتحدثون بأسمة وأسم شوارعه؟.
لاشك أن هناك قوة مدعومة ( ربما خارجيا وبقوة ) تحاول دفع الإخوان المسلمين ( تحديداً ) عن طريق الهجوم عليها وعلى حزبها في أن تأخذ ( عار ) المبادرة الأولى بتكوين ميليشيا الدفاع عن نفسها حتى ولو كانت هذه الميليشيا في بدايتها لا تحمل سلاحاً كما حدث من شبابها ( المنظم جداً ) في دفاعه – دون سلاح – عن مجلس الشعب ضد من حاولوا اقتحامه على حد تعبيرهم يوم "ثلاثاء الإصرار"، حيث وقف شباب الإخوان في صفوف نظامية ( صف وراء صف وراء صف ) اكثر من ثلاثة عشرة صفاً منتظماً كأنهم بنيان مرصوص، مما دفع الآخرين للثأر من عدم تمكنهم الوصول للمجلس فحدثت مناوشات كادت أن تتسبب في مجزرة.
سيبلع – لاشك - الإخوان المسلمين "الطعم" وسيحمل فصيل عريض من شبابها السلاح دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم وشرعيتهم الشعبية داخل البرلمان وخارجه بسبب الاستفزاز العنيف – الغير مُبرر - المضاد لهم باستمرار إن آجلاً أم عاجلاً، ومن ثم سيحمل المناوئين لهم السلاح تحت دعوى ( إشمعنى هما إللي يشيلوا سلاح وإحنا لأ!) وقد اكدت الظروف أن الإخوان المسلمين أكثر فصائل الشارع السياسي تنظيماً، هذا إذا فرضنا وجود فصيل آخر يوازيهم في القوة التنظيمية أو السياسية داخل حقل السياسة في مصر وهو ما آثار احقاد الكثير من فصائل المعارضة التقليدية، الذين اعتبروهم مغتصبي السُلطة الشرعية للبلاد بغطاء شعبي أعلنت عنه صناديق الانتخاب في كل ربوع مصر، ومن ثم نسأل: متى يصل الاستفزاز مراحله العظمى وتحمل فيه القوى المتضادة السلاح في وجه بعضهم البعض ايذاناً بسقوط الوطن؟ وهل ستسقط مصر؟!. 
حين يحدث ذلك لن يأمن أحد في مصر على ماله أو أهله أو عرضه، وما حدث لشابين من شنق على أعمدة الإنارة بمحافظة الشرقية باعتبارهما ( بلاطجة ) سيحدث للأبرياء أيضاً – في ظل ضعف أمني كارثي - على اعتبار أن هؤلاء الأبرياء من ذوي الأملاك، كما حدث في محافظة قنا بصعيد مصر يوم 27 يناير 2011 وتم اغتيال مصري برئ لا لشئ إلا لكونه رفض دفع ( إتاوة ) مقدارها خمسة ملايين جنية يمتلكها بالفعل ليفدي بها ابنه المختطف!.
قال لي أحد الإعلاميين المنتشرين في ميدان التحرير ممن لا تعرف لهم اسماً أو هوية أن ما نحن فيه سببه المباشر هو ( غباء ) المجلس العسكري!، فنظرت إليه لأتأكد من اتزانه حيث لا يمكن أن تلقي بآرائك هكذا لمن تعرفه ومن لا تعرفه!، وبادرته بقولي: تقصد أن قادة الجيش المصري الذي أذهل العالم بانتصار اكتوبر رغم ضعف الإمكانات وقتها هم أغبياء؟، فقال: هناك فرق بين المجلس العسكري وبين الجيش! فقلت له: لعن الله الإعلام لعنة تحيط به ليوم القيامة فلا يلقى بها وجه الله ابداً!، فغضب مني أشد الغضب وقال لي: تدعو لي باللعنة لمجرد أني أقول لك رأيي؟، فقلت له: بل ادعو على الإعلام باللعنة وحيث هناك فرق يا صديقي بين الإعلام والإعلامي؛ فسكت وهدأ وأدرك الفوضى الموجودة برأسه وهنا بادرته بقولي: قل صبر الجيش ولا تقل غباء قادته، فقال لي وضح مسألتك؟، فقلت: المستقبل سيوضح عنف المسألة، وحينها أصر على طلب رقم تليفوني المحمول لاستضافتي في قناته الفضائية التي لم اهتم بالسؤال عن اسمها واكتفيت له بقولي أني لا أحمل ( تليفون جوال )!.
بلد بحجم مصر وجيش مصر الوحيد الباقي في المنطقة كأكبر قوة ردع عربية بعد تفكك جيش العراق وتحزب جيش سوريا وإنهاك جيش السودان، هو العائق الوحيد القوي المتبقي الآن أمام طموحات اسرائيل في المنطقة، الكل يعلم هذا حتى بعض العرب الذين لا يطيقون لثورة مصر أن تنجح، ومن ثم فالسبيل الوحيد هو كسر هيبة هذا الجيش أمام الشعب، وهذا الوهم لن يتحقق لسببين، أولهما أن جيش مصر هو قطاع طولي من كافة فصائل الشعب فعلى سبيل المثال المشير طنطاوي مصري من جذور نوبية وصاحب اختراع تدمير خط بارليف في حرب اكتوبر 73 اللواء باقي يوسف هو مصري قبطي والفريق سامي عنان من فلاحين مصر، ومن ثم فالجيش المصري لا يستأثر بقيادته فصيل معين من فصائل المجتمع المصري، لذا فهو جيش وطني بكل ما تحمله كلمة وطني من معنى وهذا سيجرنا للسبب الثاني وهو أن الجيش المصري سيقف ورائه كل شعب مصر بنسبة لن تقل عن 65 مليون نسمة من حجم شعب مصر بكافة فصائله وطوائفه معظمهم من الفلاحين والعمال، وسيشكلون درعا بشريا عظيماً وهائلاً لدعم الجيش والحفاظ على هيبته في الداخل والخارج، وهذا السبب الثاني هو ما يشكل عبئاً حضارياً على اسرائيل وحلفائها ويبحثون عن سبيل – أي سبيل - لاختراقه ليسهل عليهم كسر مصر، وإذلال شعبها، ومن ثم إذلال الشعب العربي كله الذي استشعر الهوان بعد ان مزقت اميركا جيش العراق الوطني وقامت بحله.
حين يتأزم الأمر السياسي في مصر – وهو لاشك في أزمة – وحين يتحول الصراع السياسي والأمني إلى فوضى في الشوارع، سيتحرك بعض قادة الجيش ( من جيل الوسط ) لعمل انقلاب عسكري سريع، يتم به الاستيلاء على السلطة، تماماً كما حدث في 1952 مع بعض الفروق البسيطة لضمان صمت الغرب لإنجاح الانقلاب:
1- ضمان عدم الإضرار بمصالح الغرب الموجودة أصلاً في مصر.
2- التفاوض بشأن تعاون (بعد نجاح الانقلاب ) بين مصر والشركات الغربية.
3- التفاوض بشأن النظر في قبول التعاون فيما قد يسمى قوة الردع العالمية المشتركة في جنوب البحر المتوسط وباب المندب وبحر العرب ضد أي أعمال تخريب اقليمية.
4- التفاوض بشأن تسهيل أعمال المناورات الدورية العسكرية ( المشتركة ) بالبحر والجو.
5- التأكيد على احترام معاهدة كامب ديفيد مادامت تحترمها اسرائيل وتحترم كافة بنودها.
6- التفاوض بشأن اقصاء المتشددين من مناصب اتخاذ القرار السياسي في مصر.
7- إلغاء كافة الأحزاب المنشأة قبل انقلاب الجيش لتحقيق مناخ سياسي ثوري جديد، يضمن الاستقرار المستقبلي لمصر والمنطقة.
8- العفو الصحي عن مبارك والحفاظ على تاريخه العسكري.
وربما أذكر هنا - رمزيا - بعض البنود التي اتصورها والتي حتما سيكون غيرها كثير، لكني اذكر هذه البنود وإن تغيرت صيغتها في المستقبل لأسباب اهمها:
1- مقابل عدم الإضرار بمصالح الغرب يجب على الغرب عدم الإضرار بمصالح مصر ( ما بعد الانقلاب ) وأهمها: التخلص من نشطاء المجتمع المدني عن طريق التهجير القسري كما حدث مع غالب الفصائل السياسية بعد ثورة 1952 أو الإقصاء السياسي كما حدث مع اللواء محمد نجيب ولزم فيلا زينب الوكيل بالمرج عشرين عاماً حتى مات، ومن يعاند من هذه الفصائل ولا يقبل بالعهد الجديد فعلى الغرب غض البصر عن الاعتقال السياسي لبعضهم لحماية الأمة ( مقابل ضمان المصالح المشتركة مع مصر ).
2- التفاوض بشأن تعاون حقيقي بين مصر والشركات الغربية العاملة في البلاد، مقابل فتح وظائف عمل جديدة ومجدية أمام الآلاف من شباب الخريجين العاطلين بالقرى والمدن الصغرى لطمأنه أكبر عدد ممكن من المؤيدين وخاصة قطاع الشباب في قرى ونجوع مصر وخاصة المدن الصغيرة، ومن ثم ضمان نجاح ثورة الجيش.
3- التفاوض بشأن التعاون في قوة الردع العالمية بجنوب البحرين المتوسط والأحمر واحترام معاهدة كامب ديفيد مقابل احترام رغبة الجيش المصري في التسلح بأحدث تقنيات الآلة العسكرية العالمية دون حظر او وصاية.
4- التفاوض بشأن اقصاء المتشددين من مناصب اتخاذ القرار وكذا إلغاء الأحزاب وقيام – بعد ذلك - احزاب دستورية بلا مرجعيات ايدولوجية مقابل تدعيم جنرالات الجيش الجدد في بسط سلطانهم السياسي على البلاد دون نقد غربي أو فرض حظر كالذي تم فرضه على ايران وسوريا.
5- العفو الصحي عن مبارك وضمان نزاهة تاريخه العسكري في حال ضمان رجوع نسبة كبيرة من الاموال المهربة بالخارج دون شرط الغرب في محاكمة المتهمين وكذا دعم الاقتصاد المصري وشطب اسم مصر من كشف الدول التي لا تدعم الديموقراطية.
هذه مجرد تصورات قد يعتبرها البعض جنوناً أو يعتبرها الآخر تخاريف كاتب رومانسي، تماماً مثلما حدث معي حين كتبت مقالاً بعنوان " مصر بنت الجيش يا ريس " قبل تنحي مبارك بأسبوع واعتبره الكثير ممن قرأوه سيناريو هابط ثم تراجعوا عن ذلك بعد اشهر حين وضحت الصورة وتكشفت لهم بعض حقائق وردت في هذا المقال.
وأكرر هنا ما سبق أن رددته في مقال سابق قبل ثورة 25 يناير بأشهر وتحديدا ابريل 2010 تحت عنوان "من صاحب الوطن والدستور والثورة؟" في جريدة لبنانية، ربما جريدة " بيروت تايمز" حيث قلت: 
الجيش – في عالمنا الثالث – هو صاحب المدفع، صاحب الدبابة والطائرة، صاحب النظام، هو مالك الوطن.
الجيش – في عالمنا الثالث – هو صاحب التغيير، صاحب الثورة، صاحب السلطة، هو مالك الدستور.
واستطردت في ذات المقال بالقول: إن جيوش المنطقة في ورطة حقيقية، ولن يدخل الجيش المصري هذه الورطة بإرادته أو رغماً عنه وسيكون خيار الموت أكرم وأعظم له ولشعب مصر من العيش في ظل احتلال جديد.
واكرر الآن: لن يقف الجيش المصري مكتوف الأيدي أمام فوضى – أي فوضى – قد تؤدي لسقوط الوطن، لن يفعلها، ربما يصبر ايماناً منه بوجوب انتهاء الفوضى لكنه لن يستسلم في حال استمرت، هذه هي طبيعته، ومن ثم لن يدع مصر هكذا تحيا التشتت الأقرب للتخريب والفساد حتى أصبح الكل فيها أشبه بدوائر صغيرة عنصرية منغلقة على نفسها مضغوطة عصبياً ويضغط بعضها على بعض ويفتت بعضها بعضا في أحلك فترات شعبنا المصري المعاصرة تناحراً.
لم يفقد المواطن ثقته في الجيش كما قد يتراءى للبعض، لم يفقد العمال والفلاحين – أكثر المتضررين من الفوضى – ثقتهم في الجيش، فالجيش من الشعب، كل الجيش من الشعب، ربما نحمل غضباً من الجيش أو مجلسه العسكري لتباطؤه أو ربما صبره، لكن الغضب لا يعني فقدان الثقة بل هو غضب الثقة، لقد دفع الغرب إلى انهيار الجيش العراقي وتشتته ودفع إلى تحزب الجيش السوري وتشتته وانهاك الجيش السوداني كل ذلك لصالح اسرائيل التي يؤمنون بضعفها وضعف ايمانها بالاستمرار أمام جيل شباب العرب الجديد المتحمس والقوي والذي يشكل رأس الحربة في الجيوش العربية المقاتلة، ومن ثم فالمصريون لن يفرطوا في جيش مصر لكونهم رأس حربته، لن يفرطوا في سقف الغرفة الوحيد الباقي ( عربياً ) متماسكاً فوق رؤوسهم - رغم الإعصار - ايماناً منهم في إنقاذ الوطن وانقاذ كرامته وكبريائه وتماسكه، وربما قليل من ضبط النفس للثوار والسياسيين والمجلس العسكري يدفع مصر الآن للاستمرار في تحولها الديموقراطي .. لأنه لا حلول وسط، فقط: ضبط النفس أو الطوفان.

الاثنين، 30 يناير 2012

صُباع الرئيس ( مرسي ) وأهل قناة السويس البواسل

بقلم محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

في خطابه الأخير مهدداً شعب مصر وجه الرئيس المصري ( صباعه ) اكثر من 70 مرة للناس وكأن شعب مصر تحول أمامه لجماعة من المجرمين والخارجين على القانون ودون وعي سياسي او تاريخي او جغرافي قرر حظر التجوال على مدن القنال كلها وهي مصيبة لم تجرؤ عليها أبداً انجلترا وفرنسا واسرائيل مجتمعة.
لاشك أن حول الرئيس مجموعة من المعاونين إما أنهم هواه يفخخون له ليسقط أو من الحاقدين عليه يفخخون له أيضا ليسقط، وقد عرفت من احد المقربين له أنه شديد العناد وربما هذا هو مفتاح الكارثة فالعنيد هو اسهل النفوس التي يمكن التلاعب بها، فيكفيك أن تستفزه استفزازاً صغيراً حتى يظن أنك تتحداه فيصر على عناده فتغرق السفينة كما يريدها من استفزه وتلاعب به، فينتصر الخصوم ويضيع اصحاب النوايا الحسنة مع من وثقوا بهم وصدقوا فيهم.
يعرف الجميع أن جماعة الإخوان هي جماعة عاشت وسط المجتمع المصري بل وفي قاع المجتمع المصري، ولكنهم يبدو من أفعالهم وكأنهم عاشوا كضيف في فندق لا علاقة لهم بنزلائه إذ أنهم اليوم نراهم وكأن أفعالهم تؤكد أنهم غرباء عن شعب مصر وربما تهديد محافظ كفر الشيخ الإخواني سعد الحسيني ( بصباعه أيضاً ) لشعب كفر الشيخ بأن الجماعة 5 مليون ولن تستطيع مصر مقاومتها أو شعب كفر الشيخ كله من أن يطرده من منصبه هي مسألة مستفزة وحاقدة وصبيانية من مسئول المفروض أن يكون على قدر من الوعي السياسي والشعبي، ومن ثم اعتبر شعب كفر الشيخ استفزاز سعد الحسيني اهانة له ولكبريائه فتجمعوا بالآلاف حول المحافظة وحول محل اقامة المحافظ وحرقوا مدرعة شرطة واقسموا على المحافظ ( الإخواني ) بأن يخرج وأن يستنجد بكتائبه الإخوانية ال5 مليون لكنه اختفى!! خاف المحافظ من غضبة شعب لم يحسب حساب لكلماته معه، هرب المحافظ ولم يظهر حتى كتابة هذا المقال!.
علمني ابي أنني إن رأيت خطأً قام به احد ابنائي فيجب ان لا أفكر في عقاب مباشر عنيف ضده لأنه إن لم ينفذه لن أقتله بالطبع لكونه ابني ( شعبي ) ولكني سأقتل هيبتي أمامه وسأصبح أباً بلا صلاحيات، أب غير محترم أمام ابناءه، والهيبة إن ضاعت لا تعود، حتى وإن انفقت عليها كنوز الدنيا!.
أعلن الرئيس المصري حظر التجوال والطوارئ على شعب القناة كله كعقاب فلم تنفذه الناس بل وإمعانا في السخرية من القرار وممن قرر ومن مجلس الشورى الذي بارك ووافق، فاجأ أهل الاسماعيلية والسويس وبور سعيد شعب مصر والعالم ( خاصة أننا شعب ساخر بطبعه ) استبداع دوري لكرة قدم واطلقوا عليه ( دوري الحظر ) يستمر من الساعة العاشرة مساءً بعد الحظر بساعة ويستمر حتى الساعات الأولى من الصباح مما جعل إعلان حظر التجوال هو إعلان لسقوط هيبة الدولة وهيبة الرئاسة وهيبة النظام كما اسقط هيبة المستعمرين من قبل.
والمدهش أن مصر تحتفل بأيام النصر المشهودة والشاهدة على الزمن، بيومين فقط قدمهما شعب القناة العظيم أولهما عيد النصر الذي أهداه شعب بور سعيد ببسالته وشهدائه للوطن يوم 23 ديسمبر عام 1956 بانتصاره على الفرنساوية والانجليز والصهاينة، والعيد القومي الذي أهداه شعب السويس ببسالته وشهدائه للوطن يوم 24 أكتوبر عام 1973، أي أن مصر وشعب مصر لا يحتفل بكرامته وكبريائه في النصر على أعدائه إلا في يومين اثنين قدمهما شعب القناة بتضحيته وانتمائه وحبه لتراب هذا الوطن، حتى أنني احمل في مكتبتي الخاصة أكثر من 40 ساعة تسجيل مع بعض من عاش من ثوار بورسعيد عام 56 يحكون فيها قصص بطولة تشيب من هولها الولدان، قصص عن بسالة شعب حارب ثلاث قوى غاشمة بأظافره وانتصر.
بورسعيد التي قال عنها ( جيفارا ) حينما زار مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر: بور سعيد هي من حررت شعوب أمريكا اللاتينية.
المدهش أن الرئاسة في أول احتفال شعب مصر بعيد النصر يوم 25 ديسمبر الماضي 2012 بعد اعتلاء الرئيس مرسي تم تجاهله تماماً وهو الأمر الذي لم يجرؤ عليه جمال عبد الناصر أو أنور السادات أو حتى الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك، إذ لم يتوقع البورسعيدية أن تمر ذكرى عيد النصر دون أن تحتفل به الدولة وهي التي كانت المناسبة الأكبر في تاريخ مصر الحديث.
ولعل عدم الاحتفال بالذكرى الـ 56 لانتصار بورسعيد على العدوان الثلاثي كما يقول الاستاذ عبد الرحمن بصلة الصحفي بجريدة الوفد يرجع لرفض البورسعيدية لسياسية الإخوان المسلمين في بورسعيد وتدنى شعبيتهم بصورة ملحوظة.
لكن هل من المنطقي أن رئيس الدولة وهو رئيس منتخب على مستوى مصر كلها وليس مملوكا من مماليك السلجوقيين الذين كانوا يحكمون مصر بعد اغتصابها بتصويب المدافع عليها وعلى القلعة وسوق الجمعة بالإمام الشافعي أن يعاقب والذين معه شعباً بعينه كشعب مدن القناة عقاباً جماعيا وأن يتم فرض حظر التجوال عليه رغم تضحياته بل وكونهم الضحية أيضاً إذ سقط منهم 42 في بورسعيد وحدها و11 في السويس، لاشك أنه أمر لا يضع الرئيس وحده في سلة التاريخ ( السلبية ) ولكن يضع جماعة الاخوان المسلمون كلها رغم تاريخها السياسي المعروف في مكان اسود من كتاب التاريخ ويزيد حتماً من حدة الرفض الشعبي لهم حتى ولو كانوا يمتلكون مفاتح الترف للناس لأن الناس في مصر وكما يقول المثل: ياما دقت على رؤوسهم طبول وماتوا من الجوع في فترات كثيرة من التاريخ في سبيل حريتهم وكرامتهم وكبريائهم الحضاري وهو ما جعلهم يستحقون من الانبياء كل توقير ومن سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم كل ثقة في كونهم خير اجناد الارض بعكس ما يري ( بحسب ما يقع من ممارسات على الأرض ) سيادة الرئيس والذين معه.

أقول للإخوان .. لماذا هذا الاستفزاز وكأنكم غرباء عن شعب مصر؟ .. لماذا كل هذا التنطع والذل في لف العالم للاستجداء ( والشحاته ) باسم شعب مصر؟
وربما حتى أكون منطقيا يجب أن ألمح بأن شعب مصر لا يستطيع أن تحركه جماعة ولا جبهة ولا حزب، بل أن الجماعة والجبهة والحزب تحاول القفز على الشارع وثوار الشارع لتكتسب مكاناً سياسياً، ومن ثم فإن المشهد السياسي والنخبة السياسية في مصر سواء كانوا مولاه أو تيار اسلام سياسي أو جبهة انقاذ ومعارضة ليسوا على مستوى نضج الشارع، بل هم "صبيان الماضي" ولن يحكموا مصر، لأن الصراع في مصر الآن تطور تطوراً نوعياً شديد التعقيد بعيدا عن الأدلجة والدين والسياسة ليصبح صراعاً للأجيال، صراعاً عنيفاً بين الماضي والمستقبل في حكم الحاضر، الماضي المتمثل في ( عواجيز النخبة السياسية "صبيان الماضي" متصدري المشهد السياسي الآن ) وبين المستقبل المتمثل في شباب الثورة الغاضبين في شوارع وميادين مصر، وحتما ومنطقياً لا يحكم الأمم إلا المستقبل الذي يمتلك كل ما فقده الماضي من قدرة وقوة وحلم، وهذه هي الحقيقة القادمة، صدقوا هذا أو لا تصدقوه، اشهر قليلة وسيتغير وجه مصر تماماً، اشهر قليلة وسيحكم الثوار الحقيقيون مصر، فمصر لن تدع "صبيان الماضي" يعبثون بكرامة حاضرها ومستقبلها، حتى ولو قام "صبيان الماضي" بتوجيه ملايين الأصابع لعينها على شاكلة ( صباع الرئيس مرسي!).
 

صُباع الرئيس ( مرسي ) وأهل قناة السويس البواسل

بقلم محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

في خطابه الأخير مهدداً شعب مصر وجه الرئيس المصري ( صباعه ) اكثر من 70 مرة للناس وكأن شعب مصر تحول أمامه لجماعة من المجرمين والخارجين على القانون ودون وعي سياسي او تاريخي او جغرافي قرر حظر التجوال على مدن القنال كلها وهي مصيبة لم تجرؤ عليها أبداً انجلترا وفرنسا واسرائيل مجتمعة.
لاشك أن حول الرئيس مجموعة من المعاونين إما أنهم هواه يفخخون له ليسقط أو من الحاقدين عليه يفخخون له أيضا ليسقط، وقد عرفت من احد المقربين له أنه شديد العناد وربما هذا هو مفتاح الكارثة فالعنيد هو اسهل النفوس التي يمكن التلاعب بها، فيكفيك أن تستفزه استفزازاً صغيراً حتى يظن أنك تتحداه فيصر على عناده فتغرق السفينة كما يريدها من استفزه وتلاعب به، فينتصر الخصوم ويضيع اصحاب النوايا الحسنة مع من وثقوا بهم وصدقوا فيهم.
يعرف الجميع أن جماعة الإخوان هي جماعة عاشت وسط المجتمع المصري بل وفي قاع المجتمع المصري، ولكنهم يبدو من أفعالهم وكأنهم عاشوا كضيف في فندق لا علاقة لهم بنزلائه إذ أنهم اليوم نراهم وكأن أفعالهم تؤكد أنهم غرباء عن شعب مصر وربما تهديد محافظ كفر الشيخ الإخواني سعد الحسيني ( بصباعه أيضاً ) لشعب كفر الشيخ بأن الجماعة 5 مليون ولن تستطيع مصر مقاومتها أو شعب كفر الشيخ كله من أن يطرده من منصبه هي مسألة مستفزة وحاقدة وصبيانية من مسئول المفروض أن يكون على قدر من الوعي السياسي والشعبي، ومن ثم اعتبر شعب كفر الشيخ استفزاز سعد الحسيني اهانة له ولكبريائه فتجمعوا بالآلاف حول المحافظة وحول محل اقامة المحافظ وحرقوا مدرعة شرطة واقسموا على المحافظ ( الإخواني ) بأن يخرج وأن يستنجد بكتائبه الإخوانية ال5 مليون لكنه اختفى!! خاف المحافظ من غضبة شعب لم يحسب حساب لكلماته معه، هرب المحافظ ولم يظهر حتى كتابة هذا المقال!.
علمني ابي أنني إن رأيت خطأً قام به احد ابنائي فيجب ان لا أفكر في عقاب مباشر عنيف ضده لأنه إن لم ينفذه لن أقتله بالطبع لكونه ابني ( شعبي ) ولكني سأقتل هيبتي أمامه وسأصبح أباً بلا صلاحيات، أب غير محترم أمام ابناءه، والهيبة إن ضاعت لا تعود، حتى وإن انفقت عليها كنوز الدنيا!.
أعلن الرئيس المصري حظر التجوال والطوارئ على شعب القناة كله كعقاب فلم تنفذه الناس بل وإمعانا في السخرية من القرار وممن قرر ومن مجلس الشورى الذي بارك ووافق، فاجأ أهل الاسماعيلية والسويس وبور سعيد شعب مصر والعالم ( خاصة أننا شعب ساخر بطبعه ) استبداع دوري لكرة قدم واطلقوا عليه ( دوري الحظر ) يستمر من الساعة العاشرة مساءً بعد الحظر بساعة ويستمر حتى الساعات الأولى من الصباح مما جعل إعلان حظر التجوال هو إعلان لسقوط هيبة الدولة وهيبة الرئاسة وهيبة النظام كما اسقط هيبة المستعمرين من قبل.
والمدهش أن مصر تحتفل بأيام النصر المشهودة والشاهدة على الزمن، بيومين فقط قدمهما شعب القناة العظيم أولهما عيد النصر الذي أهداه شعب بور سعيد ببسالته وشهدائه للوطن يوم 23 ديسمبر عام 1956 بانتصاره على الفرنساوية والانجليز والصهاينة، والعيد القومي الذي أهداه شعب السويس ببسالته وشهدائه للوطن يوم 24 أكتوبر عام 1973، أي أن مصر وشعب مصر لا يحتفل بكرامته وكبريائه في النصر على أعدائه إلا في يومين اثنين قدمهما شعب القناة بتضحيته وانتمائه وحبه لتراب هذا الوطن، حتى أنني احمل في مكتبتي الخاصة أكثر من 40 ساعة تسجيل مع بعض من عاش من ثوار بورسعيد عام 56 يحكون فيها قصص بطولة تشيب من هولها الولدان، قصص عن بسالة شعب حارب ثلاث قوى غاشمة بأظافره وانتصر.
بورسعيد التي قال عنها ( جيفارا ) حينما زار مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر: بور سعيد هي من حررت شعوب أمريكا اللاتينية.
المدهش أن الرئاسة في أول احتفال شعب مصر بعيد النصر يوم 25 ديسمبر الماضي 2012 بعد اعتلاء الرئيس مرسي تم تجاهله تماماً وهو الأمر الذي لم يجرؤ عليه جمال عبد الناصر أو أنور السادات أو حتى الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك، إذ لم يتوقع البورسعيدية أن تمر ذكرى عيد النصر دون أن تحتفل به الدولة وهي التي كانت المناسبة الأكبر في تاريخ مصر الحديث.
ولعل عدم الاحتفال بالذكرى الـ 56 لانتصار بورسعيد على العدوان الثلاثي كما يقول الاستاذ عبد الرحمن بصلة الصحفي بجريدة الوفد يرجع لرفض البورسعيدية لسياسية الإخوان المسلمين في بورسعيد وتدنى شعبيتهم بصورة ملحوظة.
لكن هل من المنطقي أن رئيس الدولة وهو رئيس منتخب على مستوى مصر كلها وليس مملوكا من مماليك السلجوقيين الذين كانوا يحكمون مصر بعد اغتصابها بتصويب المدافع عليها وعلى القلعة وسوق الجمعة بالإمام الشافعي أن يعاقب والذين معه شعباً بعينه كشعب مدن القناة عقاباً جماعيا وأن يتم فرض حظر التجوال عليه رغم تضحياته بل وكونهم الضحية أيضاً إذ سقط منهم 42 في بورسعيد وحدها و11 في السويس، لاشك أنه أمر لا يضع الرئيس وحده في سلة التاريخ ( السلبية ) ولكن يضع جماعة الاخوان المسلمون كلها رغم تاريخها السياسي المعروف في مكان اسود من كتاب التاريخ ويزيد حتماً من حدة الرفض الشعبي لهم حتى ولو كانوا يمتلكون مفاتح الترف للناس لأن الناس في مصر وكما يقول المثل: ياما دقت على رؤوسهم طبول وماتوا من الجوع في فترات كثيرة من التاريخ في سبيل حريتهم وكرامتهم وكبريائهم الحضاري وهو ما جعلهم يستحقون من الانبياء كل توقير ومن سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم كل ثقة في كونهم خير اجناد الارض بعكس ما يري ( بحسب ما يقع من ممارسات على الأرض ) سيادة الرئيس والذين معه.

أقول للإخوان .. لماذا هذا الاستفزاز وكأنكم غرباء عن شعب مصر؟ .. لماذا كل هذا التنطع والذل في لف العالم للاستجداء ( والشحاته ) باسم شعب مصر؟
وربما حتى أكون منطقيا يجب أن ألمح بأن شعب مصر لا يستطيع أن تحركه جماعة ولا جبهة ولا حزب، بل أن الجماعة والجبهة والحزب تحاول القفز على الشارع وثوار الشارع لتكتسب مكاناً سياسياً، ومن ثم فإن المشهد السياسي والنخبة السياسية في مصر سواء كانوا مولاه أو تيار اسلام سياسي أو جبهة انقاذ ومعارضة ليسوا على مستوى نضج الشارع، بل هم "صبيان الماضي" ولن يحكموا مصر، لأن الصراع في مصر الآن تطور تطوراً نوعياً شديد التعقيد بعيدا عن الأدلجة والدين والسياسة ليصبح صراعاً للأجيال، صراعاً عنيفاً بين الماضي والمستقبل في حكم الحاضر، الماضي المتمثل في ( عواجيز النخبة السياسية "صبيان الماضي" متصدري المشهد السياسي الآن ) وبين المستقبل المتمثل في شباب الثورة الغاضبين في شوارع وميادين مصر، وحتما ومنطقياً لا يحكم الأمم إلا المستقبل الذي يمتلك كل ما فقده الماضي من قدرة وقوة وحلم، وهذه هي الحقيقة القادمة، صدقوا هذا أو لا تصدقوه، اشهر قليلة وسيتغير وجه مصر تماماً، اشهر قليلة وسيحكم الثوار الحقيقيون مصر، فمصر لن تدع "صبيان الماضي" يعبثون بكرامة حاضرها ومستقبلها، حتى ولو قام "صبيان الماضي" بتوجيه ملايين الأصابع لعينها على شاكلة ( صباع الرئيس مرسي!).
 

الجمعة، 6 يناير 2012

هل المطالبة بإعدام مبارك تهدئة للشارع قبل 25 يناير؟

بقلم محيي الدين إبراهيم
لماذا فجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام على كل من مبارك والعادلي؟.
لن تشفع لمبارك مساعي زوجته سوزان ثابت في الحصول على عفو صحي من خلال تطبيق القوانين الأوروبية على حالته لأنه مواطن مصري ولا يخضع إلا للقانون المصري مثله مثل كل شعب مصر الذي حكمه طيلة ثلاثين عاماً حتى ولو كان حاصلاً على جنسية زوجته ونجليه الإنجليزية!، ولأن هذه المحاولة كما قال حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، تهدف بها سوزان ثابت الوصول إلى تطبيق نظام معمول به في أوروبا فقط لمن تجاوز عمره 80 عاما، ولديه عديد من الأمراض المزمنة، مشيرا إلى أن المنظمات في هذه الدول تعتبر أن الحبس غير مقبول عند الوصول إلى هذا العمر، وربما تلك الأوهام هي سبب حضوره جلسات المحاكمة على سرير نقال ليثبت للعالم ومنظماته ومن خلال كاميرات التليفزيون أنه صاحب أمراض مزمنة فعلاً تمهيداً للعفو عنه بقوانين انجليزية، رغم أنه كان أكرم له ولتاريخه العسكري ولمصر التي احتضنته رغما عنها رئيساً لثلاثة عقود، كان أكرم له بدلا من الإيمان بوهم هذا العفو الطبي الذي يظنه وزوجته ومنظماته أن يحضر جلسات محاكمته واقفاً على قدميه بكبرياء القادة ويدفع عن نفسه بكل كرامة تلك التهم المنسوبة إليه كجندي مصري شريف مهمته الرئيسة هي مجابهة الموت منذ أول لحظة اختار فيها أن يرتدي الزى العسكري عام 1946.
لن تشفع أيضاً لمبارك المادة 17 من قانون العقوبات التي يظن أنها ( الكوبري ) الذي سيعبره لشاطئ العفو الصحي أو التخفيف عنه في تطبيق عقوبة الإعدام تلك المادة التي يقول نصها: "يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من اجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة من عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة". 
ولكن لن تشفع لمبارك مادة 17. 
لماذا لن تشفع هذه المادة لمبارك وتنقذه أيضاً من حبل المشنقة أو العفو الصحي؟ 
الجواب ببساطة يقع في المادة 77 من نفس قانون العقوبات المصري والتي تنص صراحة: 
" تطبيق عقوبة الإعدام على كل من ارتكب " عمدا " فعلا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو " وحدتها " أو سلامة أراضيها ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة". 
ولاشك أن مبارك والعادلي واحمد عز وجمال مبارك وحسين سالم وأحمد نظيف وبطرس غالي وزير المالية وصفوت الشريف وفتحي سرور وغيرهم وهم بلا شك موظفون عموم ارتكبوا عمداً أفعالاً أدت إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها كما أن نفس هذه المادة 77 ستجر العشرات من الوزراء وموظفي العموم الكبار ورؤساء الشركات العامة بل ورؤساء الجامعات في عهد مبارك ممن ساهموا في إفساد الحياة السياسية والعامة قبل الثورة وكذلك أثناء الثورة في إتلاف وفرم أوراق ومستندات وشرائط مرئية وصوتية ووسائط كمبيوتر هامة وفي غاية الأهمية داخل قصور الرئاسة وخارجها في مجلس الشورى ورئاسة الوزراء ومقرات الحزب الوطني بغرض تضليل العدالة وكشف الفساد إلى السجن لا محالة كما جاء بنص المادة 77 الفقرة (د) بند 2 حيث تقول: "يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة في زمن سلم ، وبالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت في زمن حرب كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى . فإذا وقعت الجريمة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو بقصد الإضرار بمصلحة قومية لها كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة في زمن السلم والأشغال الشاقة المؤبدة في زمن الحرب، ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة".
أما مسألة أن مبارك فوق الثمانين فليس هناك قانون مصري يأمر بالعفو الصحي أو يمنع من تنفيذ حكم الإعدام إلا إذا كان المحكوم عليه يبلغ من العمر أقل من 18 سنة وقت وقوع الجريمة.
والسؤال الملح هنا هو: لماذا إذن وفجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون ووطنيون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام تحديدا على كل من مبارك والعادلي؟.
هل مرافعة النيابة العنيفة اليوم بإعدام مبارك والعادلي هي دفع خفي من قوة عليا ( مجهولة أو معلومة ) لمحاولة تهدئة غضب الشارع أو ربما إزالته قبل الاحتفال بمرور عام كامل على الثورة في 25 يناير القادم وهو عام لم يتم فيه أي انجاز لصالح الشعب وخاصة شباب مصر الذين ثاروا؟
هل مرافعة النيابة مجرد ( اسفنجة ) لامتصاص هذا الغضب الشعبي مخافة أن تثور الناس مرة أخرى بنفس القوة كما ثارت قبل عام؟
لو كان الأمر كذلك فهو مسألة غير محمودة العواقب خاصة في ظل كل هذا الاحتقان الذي تعيشه مصر وكادت أن تتفرق فيه لشيع وطوائف ممزقة ما بين ثوار التحرير وثوار العباسية وثوار مصطفى محمود وكل طائفة تتهم الأخرى وكل شيعة تدافع عن شخص بعينه؟
لو كانت المرافعة كذلك فإنها الخطيئة بعينها، لأنهم إن كانوا قد ترافعوا بكل هذا العنف ضد مبارك على أمل تخفيف الغضب الشعبي وغضب أهالي الشهداء حتى يمر يوم 25 يناير القادم بسلام ثم يحتكموا بعده إلى المادة 17 لتخفيف حكم الإعدام على مبارك بالسجن أو العفو الصحي فأنه سيكون أشبه بأمل المشركين في دخول الجنة بدون حساب، لأن المادة 77 كما ذكرت سابقاً تسحق عفو المادة 17، ومن ثم فقد لمعت ضمائر الناس بمرافعة النيابة ولن تستطيع قوة في الأرض أن تعيد هذه الناس مرة أخرى خطوة واحدة للوراء بعدما ظنوا أن زمن الإنصاف قادم.
أخشى ما أخشاه أن تكون هذه مناورة، والشعب المصري لا يقبل المناورات، ولا تنفع معه مثل هذه السيناريوهات السوداء التي لو كانت في محلها من حيث اللعب بمشاعر الناس وأهالي الشهداء وشباب الثوار فهي الضلال ذاته والكارثة بعينها ولن يستطيع أحد دفع هذا الشر وتوابعه.

هل المطالبة بإعدام مبارك تهدئة للشارع قبل 25 يناير؟

بقلم محيي الدين إبراهيم
لماذا فجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام على كل من مبارك والعادلي؟.
لن تشفع لمبارك مساعي زوجته سوزان ثابت في الحصول على عفو صحي من خلال تطبيق القوانين الأوروبية على حالته لأنه مواطن مصري ولا يخضع إلا للقانون المصري مثله مثل كل شعب مصر الذي حكمه طيلة ثلاثين عاماً حتى ولو كان حاصلاً على جنسية زوجته ونجليه الإنجليزية!، ولأن هذه المحاولة كما قال حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، تهدف بها سوزان ثابت الوصول إلى تطبيق نظام معمول به في أوروبا فقط لمن تجاوز عمره 80 عاما، ولديه عديد من الأمراض المزمنة، مشيرا إلى أن المنظمات في هذه الدول تعتبر أن الحبس غير مقبول عند الوصول إلى هذا العمر، وربما تلك الأوهام هي سبب حضوره جلسات المحاكمة على سرير نقال ليثبت للعالم ومنظماته ومن خلال كاميرات التليفزيون أنه صاحب أمراض مزمنة فعلاً تمهيداً للعفو عنه بقوانين انجليزية، رغم أنه كان أكرم له ولتاريخه العسكري ولمصر التي احتضنته رغما عنها رئيساً لثلاثة عقود، كان أكرم له بدلا من الإيمان بوهم هذا العفو الطبي الذي يظنه وزوجته ومنظماته أن يحضر جلسات محاكمته واقفاً على قدميه بكبرياء القادة ويدفع عن نفسه بكل كرامة تلك التهم المنسوبة إليه كجندي مصري شريف مهمته الرئيسة هي مجابهة الموت منذ أول لحظة اختار فيها أن يرتدي الزى العسكري عام 1946.
لن تشفع أيضاً لمبارك المادة 17 من قانون العقوبات التي يظن أنها ( الكوبري ) الذي سيعبره لشاطئ العفو الصحي أو التخفيف عنه في تطبيق عقوبة الإعدام تلك المادة التي يقول نصها: "يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من اجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة من عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة". 
ولكن لن تشفع لمبارك مادة 17. 
لماذا لن تشفع هذه المادة لمبارك وتنقذه أيضاً من حبل المشنقة أو العفو الصحي؟ 
الجواب ببساطة يقع في المادة 77 من نفس قانون العقوبات المصري والتي تنص صراحة: 
" تطبيق عقوبة الإعدام على كل من ارتكب " عمدا " فعلا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو " وحدتها " أو سلامة أراضيها ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة". 
ولاشك أن مبارك والعادلي واحمد عز وجمال مبارك وحسين سالم وأحمد نظيف وبطرس غالي وزير المالية وصفوت الشريف وفتحي سرور وغيرهم وهم بلا شك موظفون عموم ارتكبوا عمداً أفعالاً أدت إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها كما أن نفس هذه المادة 77 ستجر العشرات من الوزراء وموظفي العموم الكبار ورؤساء الشركات العامة بل ورؤساء الجامعات في عهد مبارك ممن ساهموا في إفساد الحياة السياسية والعامة قبل الثورة وكذلك أثناء الثورة في إتلاف وفرم أوراق ومستندات وشرائط مرئية وصوتية ووسائط كمبيوتر هامة وفي غاية الأهمية داخل قصور الرئاسة وخارجها في مجلس الشورى ورئاسة الوزراء ومقرات الحزب الوطني بغرض تضليل العدالة وكشف الفساد إلى السجن لا محالة كما جاء بنص المادة 77 الفقرة (د) بند 2 حيث تقول: "يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة في زمن سلم ، وبالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت في زمن حرب كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى . فإذا وقعت الجريمة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو بقصد الإضرار بمصلحة قومية لها كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة في زمن السلم والأشغال الشاقة المؤبدة في زمن الحرب، ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة".
أما مسألة أن مبارك فوق الثمانين فليس هناك قانون مصري يأمر بالعفو الصحي أو يمنع من تنفيذ حكم الإعدام إلا إذا كان المحكوم عليه يبلغ من العمر أقل من 18 سنة وقت وقوع الجريمة.
والسؤال الملح هنا هو: لماذا إذن وفجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون ووطنيون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام تحديدا على كل من مبارك والعادلي؟.
هل مرافعة النيابة العنيفة اليوم بإعدام مبارك والعادلي هي دفع خفي من قوة عليا ( مجهولة أو معلومة ) لمحاولة تهدئة غضب الشارع أو ربما إزالته قبل الاحتفال بمرور عام كامل على الثورة في 25 يناير القادم وهو عام لم يتم فيه أي انجاز لصالح الشعب وخاصة شباب مصر الذين ثاروا؟
هل مرافعة النيابة مجرد ( اسفنجة ) لامتصاص هذا الغضب الشعبي مخافة أن تثور الناس مرة أخرى بنفس القوة كما ثارت قبل عام؟
لو كان الأمر كذلك فهو مسألة غير محمودة العواقب خاصة في ظل كل هذا الاحتقان الذي تعيشه مصر وكادت أن تتفرق فيه لشيع وطوائف ممزقة ما بين ثوار التحرير وثوار العباسية وثوار مصطفى محمود وكل طائفة تتهم الأخرى وكل شيعة تدافع عن شخص بعينه؟
لو كانت المرافعة كذلك فإنها الخطيئة بعينها، لأنهم إن كانوا قد ترافعوا بكل هذا العنف ضد مبارك على أمل تخفيف الغضب الشعبي وغضب أهالي الشهداء حتى يمر يوم 25 يناير القادم بسلام ثم يحتكموا بعده إلى المادة 17 لتخفيف حكم الإعدام على مبارك بالسجن أو العفو الصحي فأنه سيكون أشبه بأمل المشركين في دخول الجنة بدون حساب، لأن المادة 77 كما ذكرت سابقاً تسحق عفو المادة 17، ومن ثم فقد لمعت ضمائر الناس بمرافعة النيابة ولن تستطيع قوة في الأرض أن تعيد هذه الناس مرة أخرى خطوة واحدة للوراء بعدما ظنوا أن زمن الإنصاف قادم.
أخشى ما أخشاه أن تكون هذه مناورة، والشعب المصري لا يقبل المناورات، ولا تنفع معه مثل هذه السيناريوهات السوداء التي لو كانت في محلها من حيث اللعب بمشاعر الناس وأهالي الشهداء وشباب الثوار فهي الضلال ذاته والكارثة بعينها ولن يستطيع أحد دفع هذا الشر وتوابعه.

هل المطالبة بإعدام مبارك تهدئة للشارع قبل 25 يناير؟

بقلم محيي الدين إبراهيم
لماذا فجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام على كل من مبارك والعادلي؟.
لن تشفع لمبارك مساعي زوجته سوزان ثابت في الحصول على عفو صحي من خلال تطبيق القوانين الأوروبية على حالته لأنه مواطن مصري ولا يخضع إلا للقانون المصري مثله مثل كل شعب مصر الذي حكمه طيلة ثلاثين عاماً حتى ولو كان حاصلاً على جنسية زوجته ونجليه الإنجليزية!، ولأن هذه المحاولة كما قال حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، تهدف بها سوزان ثابت الوصول إلى تطبيق نظام معمول به في أوروبا فقط لمن تجاوز عمره 80 عاما، ولديه عديد من الأمراض المزمنة، مشيرا إلى أن المنظمات في هذه الدول تعتبر أن الحبس غير مقبول عند الوصول إلى هذا العمر، وربما تلك الأوهام هي سبب حضوره جلسات المحاكمة على سرير نقال ليثبت للعالم ومنظماته ومن خلال كاميرات التليفزيون أنه صاحب أمراض مزمنة فعلاً تمهيداً للعفو عنه بقوانين انجليزية، رغم أنه كان أكرم له ولتاريخه العسكري ولمصر التي احتضنته رغما عنها رئيساً لثلاثة عقود، كان أكرم له بدلا من الإيمان بوهم هذا العفو الطبي الذي يظنه وزوجته ومنظماته أن يحضر جلسات محاكمته واقفاً على قدميه بكبرياء القادة ويدفع عن نفسه بكل كرامة تلك التهم المنسوبة إليه كجندي مصري شريف مهمته الرئيسة هي مجابهة الموت منذ أول لحظة اختار فيها أن يرتدي الزى العسكري عام 1946.
لن تشفع أيضاً لمبارك المادة 17 من قانون العقوبات التي يظن أنها ( الكوبري ) الذي سيعبره لشاطئ العفو الصحي أو التخفيف عنه في تطبيق عقوبة الإعدام تلك المادة التي يقول نصها: "يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من اجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة من عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة". 
ولكن لن تشفع لمبارك مادة 17. 
لماذا لن تشفع هذه المادة لمبارك وتنقذه أيضاً من حبل المشنقة أو العفو الصحي؟ 
الجواب ببساطة يقع في المادة 77 من نفس قانون العقوبات المصري والتي تنص صراحة: 
" تطبيق عقوبة الإعدام على كل من ارتكب " عمدا " فعلا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو " وحدتها " أو سلامة أراضيها ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة". 
ولاشك أن مبارك والعادلي واحمد عز وجمال مبارك وحسين سالم وأحمد نظيف وبطرس غالي وزير المالية وصفوت الشريف وفتحي سرور وغيرهم وهم بلا شك موظفون عموم ارتكبوا عمداً أفعالاً أدت إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها كما أن نفس هذه المادة 77 ستجر العشرات من الوزراء وموظفي العموم الكبار ورؤساء الشركات العامة بل ورؤساء الجامعات في عهد مبارك ممن ساهموا في إفساد الحياة السياسية والعامة قبل الثورة وكذلك أثناء الثورة في إتلاف وفرم أوراق ومستندات وشرائط مرئية وصوتية ووسائط كمبيوتر هامة وفي غاية الأهمية داخل قصور الرئاسة وخارجها في مجلس الشورى ورئاسة الوزراء ومقرات الحزب الوطني بغرض تضليل العدالة وكشف الفساد إلى السجن لا محالة كما جاء بنص المادة 77 الفقرة (د) بند 2 حيث تقول: "يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة في زمن سلم ، وبالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت في زمن حرب كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى . فإذا وقعت الجريمة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو بقصد الإضرار بمصلحة قومية لها كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة في زمن السلم والأشغال الشاقة المؤبدة في زمن الحرب، ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة".
أما مسألة أن مبارك فوق الثمانين فليس هناك قانون مصري يأمر بالعفو الصحي أو يمنع من تنفيذ حكم الإعدام إلا إذا كان المحكوم عليه يبلغ من العمر أقل من 18 سنة وقت وقوع الجريمة.
والسؤال الملح هنا هو: لماذا إذن وفجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون ووطنيون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام تحديدا على كل من مبارك والعادلي؟.
هل مرافعة النيابة العنيفة اليوم بإعدام مبارك والعادلي هي دفع خفي من قوة عليا ( مجهولة أو معلومة ) لمحاولة تهدئة غضب الشارع أو ربما إزالته قبل الاحتفال بمرور عام كامل على الثورة في 25 يناير القادم وهو عام لم يتم فيه أي انجاز لصالح الشعب وخاصة شباب مصر الذين ثاروا؟
هل مرافعة النيابة مجرد ( اسفنجة ) لامتصاص هذا الغضب الشعبي مخافة أن تثور الناس مرة أخرى بنفس القوة كما ثارت قبل عام؟
لو كان الأمر كذلك فهو مسألة غير محمودة العواقب خاصة في ظل كل هذا الاحتقان الذي تعيشه مصر وكادت أن تتفرق فيه لشيع وطوائف ممزقة ما بين ثوار التحرير وثوار العباسية وثوار مصطفى محمود وكل طائفة تتهم الأخرى وكل شيعة تدافع عن شخص بعينه؟
لو كانت المرافعة كذلك فإنها الخطيئة بعينها، لأنهم إن كانوا قد ترافعوا بكل هذا العنف ضد مبارك على أمل تخفيف الغضب الشعبي وغضب أهالي الشهداء حتى يمر يوم 25 يناير القادم بسلام ثم يحتكموا بعده إلى المادة 17 لتخفيف حكم الإعدام على مبارك بالسجن أو العفو الصحي فأنه سيكون أشبه بأمل المشركين في دخول الجنة بدون حساب، لأن المادة 77 كما ذكرت سابقاً تسحق عفو المادة 17، ومن ثم فقد لمعت ضمائر الناس بمرافعة النيابة ولن تستطيع قوة في الأرض أن تعيد هذه الناس مرة أخرى خطوة واحدة للوراء بعدما ظنوا أن زمن الإنصاف قادم.
أخشى ما أخشاه أن تكون هذه مناورة، والشعب المصري لا يقبل المناورات، ولا تنفع معه مثل هذه السيناريوهات السوداء التي لو كانت في محلها من حيث اللعب بمشاعر الناس وأهالي الشهداء وشباب الثوار فهي الضلال ذاته والكارثة بعينها ولن يستطيع أحد دفع هذا الشر وتوابعه.

هل المطالبة بإعدام مبارك تهدئة للشارع قبل 25 يناير؟

بقلم محيي الدين إبراهيم
لماذا فجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام على كل من مبارك والعادلي؟.
لن تشفع لمبارك مساعي زوجته سوزان ثابت في الحصول على عفو صحي من خلال تطبيق القوانين الأوروبية على حالته لأنه مواطن مصري ولا يخضع إلا للقانون المصري مثله مثل كل شعب مصر الذي حكمه طيلة ثلاثين عاماً حتى ولو كان حاصلاً على جنسية زوجته ونجليه الإنجليزية!، ولأن هذه المحاولة كما قال حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، تهدف بها سوزان ثابت الوصول إلى تطبيق نظام معمول به في أوروبا فقط لمن تجاوز عمره 80 عاما، ولديه عديد من الأمراض المزمنة، مشيرا إلى أن المنظمات في هذه الدول تعتبر أن الحبس غير مقبول عند الوصول إلى هذا العمر، وربما تلك الأوهام هي سبب حضوره جلسات المحاكمة على سرير نقال ليثبت للعالم ومنظماته ومن خلال كاميرات التليفزيون أنه صاحب أمراض مزمنة فعلاً تمهيداً للعفو عنه بقوانين انجليزية، رغم أنه كان أكرم له ولتاريخه العسكري ولمصر التي احتضنته رغما عنها رئيساً لثلاثة عقود، كان أكرم له بدلا من الإيمان بوهم هذا العفو الطبي الذي يظنه وزوجته ومنظماته أن يحضر جلسات محاكمته واقفاً على قدميه بكبرياء القادة ويدفع عن نفسه بكل كرامة تلك التهم المنسوبة إليه كجندي مصري شريف مهمته الرئيسة هي مجابهة الموت منذ أول لحظة اختار فيها أن يرتدي الزى العسكري عام 1946.
لن تشفع أيضاً لمبارك المادة 17 من قانون العقوبات التي يظن أنها ( الكوبري ) الذي سيعبره لشاطئ العفو الصحي أو التخفيف عنه في تطبيق عقوبة الإعدام تلك المادة التي يقول نصها: "يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من اجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة من عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة". 
ولكن لن تشفع لمبارك مادة 17. 
لماذا لن تشفع هذه المادة لمبارك وتنقذه أيضاً من حبل المشنقة أو العفو الصحي؟ 
الجواب ببساطة يقع في المادة 77 من نفس قانون العقوبات المصري والتي تنص صراحة: 
" تطبيق عقوبة الإعدام على كل من ارتكب " عمدا " فعلا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو " وحدتها " أو سلامة أراضيها ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة". 
ولاشك أن مبارك والعادلي واحمد عز وجمال مبارك وحسين سالم وأحمد نظيف وبطرس غالي وزير المالية وصفوت الشريف وفتحي سرور وغيرهم وهم بلا شك موظفون عموم ارتكبوا عمداً أفعالاً أدت إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها كما أن نفس هذه المادة 77 ستجر العشرات من الوزراء وموظفي العموم الكبار ورؤساء الشركات العامة بل ورؤساء الجامعات في عهد مبارك ممن ساهموا في إفساد الحياة السياسية والعامة قبل الثورة وكذلك أثناء الثورة في إتلاف وفرم أوراق ومستندات وشرائط مرئية وصوتية ووسائط كمبيوتر هامة وفي غاية الأهمية داخل قصور الرئاسة وخارجها في مجلس الشورى ورئاسة الوزراء ومقرات الحزب الوطني بغرض تضليل العدالة وكشف الفساد إلى السجن لا محالة كما جاء بنص المادة 77 الفقرة (د) بند 2 حيث تقول: "يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة في زمن سلم ، وبالأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت في زمن حرب كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى . فإذا وقعت الجريمة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو بقصد الإضرار بمصلحة قومية لها كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة في زمن السلم والأشغال الشاقة المؤبدة في زمن الحرب، ولا يجوز تطبيق المادة 17 من هذا القانون بأي حال على جريمة من هذه الجرائم إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة".
أما مسألة أن مبارك فوق الثمانين فليس هناك قانون مصري يأمر بالعفو الصحي أو يمنع من تنفيذ حكم الإعدام إلا إذا كان المحكوم عليه يبلغ من العمر أقل من 18 سنة وقت وقوع الجريمة.
والسؤال الملح هنا هو: لماذا إذن وفجأة تأخذ النيابة العامة هذا المنعطف السريع والخطير اليوم بعد مدة ثلاثة أشهر من تأجيل المحاكمة، تلك المدة التي تم فيها ذبح وقتل أكثر من 150 شاباً مصريا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين بعضهم إصابات ميئوس من علاجها، ثم تفاجئنا النيابة – وهم لا شك رجال مخلصون ووطنيون - وتطالب بأقصى العقوبات وعقوبة الإعدام تحديدا على كل من مبارك والعادلي؟.
هل مرافعة النيابة العنيفة اليوم بإعدام مبارك والعادلي هي دفع خفي من قوة عليا ( مجهولة أو معلومة ) لمحاولة تهدئة غضب الشارع أو ربما إزالته قبل الاحتفال بمرور عام كامل على الثورة في 25 يناير القادم وهو عام لم يتم فيه أي انجاز لصالح الشعب وخاصة شباب مصر الذين ثاروا؟
هل مرافعة النيابة مجرد ( اسفنجة ) لامتصاص هذا الغضب الشعبي مخافة أن تثور الناس مرة أخرى بنفس القوة كما ثارت قبل عام؟
لو كان الأمر كذلك فهو مسألة غير محمودة العواقب خاصة في ظل كل هذا الاحتقان الذي تعيشه مصر وكادت أن تتفرق فيه لشيع وطوائف ممزقة ما بين ثوار التحرير وثوار العباسية وثوار مصطفى محمود وكل طائفة تتهم الأخرى وكل شيعة تدافع عن شخص بعينه؟
لو كانت المرافعة كذلك فإنها الخطيئة بعينها، لأنهم إن كانوا قد ترافعوا بكل هذا العنف ضد مبارك على أمل تخفيف الغضب الشعبي وغضب أهالي الشهداء حتى يمر يوم 25 يناير القادم بسلام ثم يحتكموا بعده إلى المادة 17 لتخفيف حكم الإعدام على مبارك بالسجن أو العفو الصحي فأنه سيكون أشبه بأمل المشركين في دخول الجنة بدون حساب، لأن المادة 77 كما ذكرت سابقاً تسحق عفو المادة 17، ومن ثم فقد لمعت ضمائر الناس بمرافعة النيابة ولن تستطيع قوة في الأرض أن تعيد هذه الناس مرة أخرى خطوة واحدة للوراء بعدما ظنوا أن زمن الإنصاف قادم.
أخشى ما أخشاه أن تكون هذه مناورة، والشعب المصري لا يقبل المناورات، ولا تنفع معه مثل هذه السيناريوهات السوداء التي لو كانت في محلها من حيث اللعب بمشاعر الناس وأهالي الشهداء وشباب الثوار فهي الضلال ذاته والكارثة بعينها ولن يستطيع أحد دفع هذا الشر وتوابعه.

الخميس، 5 يناير 2012

مازالوا يسرقون مصر ويدافعون عن الثورة!

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
الشباب المصري في ثورة يناير للأسف لم نعد نراهم الآن ولا نرى شعارهم الطاهر بعدما طفا على سطح الثورة أرباب متفرقون متصارعون كادوا أن يحولوا النور الثوري إلى فوضى، إيماناً منهم أن أرباب متفرقون خير لهم من إله واحد قهار.


الخائن هو من يضلك عن سبيل الوطن بأسم الوطن وهو ألد أعدائه.
هل تعلموا – على سبيل المثال فقط لا الحصر - أن ما يتقاضاه رئيس جامعة القاهرة بصفته المهنية بعد الثورة هو ثماني مائة ألف جنيه ( 800000) شهرياً رغم أن مرتبه الأصلي لا يتعدى ( 12 ألف جنيه!!!!!!) وأن ما يتقاضاه رئيس جامعة عين شمس بعد الثورة هو نصف مليون جنيه شهريا، في حين أن ما يتقاضاه ساركوزي رئيس جمهورية فرنسا واوباما رئيس أميركا لا يتعدى شهريا عشرة آلاف دولار ( ستين ألف جنيه مصري)، فهل يفتح هذا الملف الفاسد رجال الإعلام والسياسة والأحزاب والنقابات والبرلمان ومن يحكم مصر حالياً من الليبراليين والشيوعيين والدينيين والثيوقراطيين والعلمانيين والاشتراكيين أصحاب الحناجر والخناجر والشوارب واللحى وأصحاب الحواجب أيضا ؟، ولماذا لا يفتحونه؟ ربما لأنه سيفتح باب جهنم عليهم الذي سيكشف عار الكل، ويضعهم في زاوية بائعي الثورة ومص دمائها ودماء شبابها، وهو ما لا يريدونه، لا يريدون أن تموت الدجاجة التي تبيض ذهباً.
مازلنا نخجل أو نخاف من فضح الفاسدين الجدد من حولنا الذين يملأون حياتنا الآن ويملأون شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد والمجلات متملقين الثورة من شدة فسادهم، حتى أصبحت شاشات التليفزيون والجرائد والمجلات أشبه بسوق النخاسة الذي تباع فيه الحرية كما تباع الأميرات والمحصنات المأسورات كمحظيات وإماء لممارسة الجنس أمام أعين الشعب والناس وبحكم القانون!، لقد اشترى هؤلاء بأموالهم غالب منافذ الإعلام والصحف ليخرسوا الألسنة الحرة أو لينام أصحاب تلك الألسنة التي تأبى الخرس على رصيف الوطن تستجدي كسرة الخبز الجاف، إن في فضح هؤلاء زوال النعمة وكأن الله اختفى ولم يتبق إلا هؤلاء نعبدهم من دون الله حاشا لله.
عيش حرية عدالة اجتماعية، كان هذا هو شعار أروع ثورة في التاريخ المعاصر، ثورة شباب المصريين، ثلاث كلمات هي في مضمونها الدستور الحقيقي الذي نادى به الشباب المصري في ثورة يناير وضحوا من اجله ولكن للأسف لم نعد نراهم الآن ولا نرى شعارهم الطاهر بعدما طفا على سطح الثورة أرباب متفرقون متصارعون كادوا أن يحولوا النور الثوري إلى فوضى، إيماناً منهم أن أرباب متفرقون هم خير لهم من إله واحد، تحت دعوى فرق تسد، وكلما زادت الأصنام تبعثرت الحكمة، والناس في هذا الوضع أقرب لقطيع " الغنم" المساقة منهم إلى البشر المكرمون بالفضل وبالحرية.
وهنا يكمن سؤال، ما هو الفرق بين الثورة و ( الكسكسى )!، وربما أتصور أن الثورة هي تغيير حتمي وفوري للفساد الذي قامت ضده ومن اجل استئصاله الثورة، تغيير حتمي وفوري لا يحتمل أي محاكمات جنائية لرموز الفساد ولكن يفرض محاكمات سياسية لهم ومصادرة ممتلكاتهم لصالح الشعب بشكل لا يقبل التأجيل كما فعلها شباب الجيش في ثورة 1952، أما "الكسكسى" فهو بقاء الحال كما هو عليه مثلما نحن عليه اليوم في مصر بعد عام كامل على قيام الثورة، في عزاء الميت "كسكسى" وفي زواج ابنته "كسكسى" وكما يقول آبائي الفلاحين: احتفال الموت زى احتفال الحياة ومن أراد تغيير "الكسكسى" فعليه بتحمل النفقات.
لقد تحمل الشباب الكثير من النفقات، من أرواحهم واستشهادهم وإصابتهم، دفعو ثمنا باهظاً لتغيير الفساد إلى عدل، ثمنا باهظا لتوحيد الكلمة وتوحيد الصف، ثم ظهرت أصنام السادة الكبار، سادة الفساد من داخل سجن طره لتوحي إلى كهنتها خارج الأسوار إلى دعوة الناس للشرك، تدعوهم إلى اختزال الوطن في أشخاص السادة القدامى من جديد، تدعوهم إلى الكفر بالوطن والإيمان بأصنام متعددة، وما أكثر ما يحتويه الوطن من كهنة الشيطان الذين كادوا أن يخرجوا شيطانهم من محبسه ليعبده الناس من جديد، كهنة الشيطان الذين يقسموا لك ويشهدوا الله على ما في قلوبهم أنهم ما يفعلون فعلاً إلا لصالح البسطاء وصالح الثورة وهم ألد الخصام.
عزاء الميت "كسكسى" وفي زواج ابنته "كسكسى"، هكذا هم الثوار الجدد الذين طفوا فوق سطح المشهد السياسي المصري على اجساد الشهداء ودماء الثوار الحقيقيين، نفس المليونيرات القديمة الذين قدمهم "الميت" السابق على طاولة الوطن للشعب كي ينهبوه ويمتصوا دماءه وكرامته ولكن مع تغيير الوجوه ووضع بعض الرتوش والماكياج ليكونوا أكثر تخفيا حينما يقدمهم "كهنة" الميت مرة أخرى للشعب على طاولة زواج ابنته، مليونيرات اختلفت مرجعياتهم السياسية والثقافية والدينية ولكن الكفر ملة واحدة، مليونيرات قديمة اعتلوا من جديد كراسي الأحزاب وكراسي الإعلام والجامعة والوزارات والنقابات واعتلوا صهوة جواد الاقتصاد المصري مرة أخرى بل والبرلمان القادم بمجلسيه، ويملأون الآن الدنيا صراخا وضجيجا عن الثورة وشباب الثورة الطاهر البرئ الذي لم يعد له حالياً سوى بضع خيام ممزقة في ميدان التحرير تنتظر الحرق من كهنة مبارك والعادلي الذين سحروا أعين الناس وكادوا أن يدفعوهم بالإيمان أن التحرير لم يعد فيه حاليا سوى بلطجية هذا الوطن الذين سعوا في خرابه!
الديكتاتور قادم لا شك، قادم وسيقلب الصندوق ويفتحه من قاعدتة، فالظلم لا يفرز إلا ديكتاتوراً يأتي ممتطيا جواد السحق، أما العدل فلا يفرز إلا الكرامة، فانتهزوا ركوب قطار الكرامة قبل أن تسحقكم عجلاته، وإلا فأين العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في مصر بعد الثورة يا كهنة الميت ؟.

مازالوا يسرقون مصر ويدافعون عن الثورة!

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
الشباب المصري في ثورة يناير للأسف لم نعد نراهم الآن ولا نرى شعارهم الطاهر بعدما طفا على سطح الثورة أرباب متفرقون متصارعون كادوا أن يحولوا النور الثوري إلى فوضى، إيماناً منهم أن أرباب متفرقون خير لهم من إله واحد قهار.


الخائن هو من يضلك عن سبيل الوطن بأسم الوطن وهو ألد أعدائه.
هل تعلموا – على سبيل المثال فقط لا الحصر - أن ما يتقاضاه رئيس جامعة القاهرة بصفته المهنية بعد الثورة هو ثماني مائة ألف جنيه ( 800000) شهرياً رغم أن مرتبه الأصلي لا يتعدى ( 12 ألف جنيه!!!!!!) وأن ما يتقاضاه رئيس جامعة عين شمس بعد الثورة هو نصف مليون جنيه شهريا، في حين أن ما يتقاضاه ساركوزي رئيس جمهورية فرنسا واوباما رئيس أميركا لا يتعدى شهريا عشرة آلاف دولار ( ستين ألف جنيه مصري)، فهل يفتح هذا الملف الفاسد رجال الإعلام والسياسة والأحزاب والنقابات والبرلمان ومن يحكم مصر حالياً من الليبراليين والشيوعيين والدينيين والثيوقراطيين والعلمانيين والاشتراكيين أصحاب الحناجر والخناجر والشوارب واللحى وأصحاب الحواجب أيضا ؟، ولماذا لا يفتحونه؟ ربما لأنه سيفتح باب جهنم عليهم الذي سيكشف عار الكل، ويضعهم في زاوية بائعي الثورة ومص دمائها ودماء شبابها، وهو ما لا يريدونه، لا يريدون أن تموت الدجاجة التي تبيض ذهباً.
مازلنا نخجل أو نخاف من فضح الفاسدين الجدد من حولنا الذين يملأون حياتنا الآن ويملأون شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد والمجلات متملقين الثورة من شدة فسادهم، حتى أصبحت شاشات التليفزيون والجرائد والمجلات أشبه بسوق النخاسة الذي تباع فيه الحرية كما تباع الأميرات والمحصنات المأسورات كمحظيات وإماء لممارسة الجنس أمام أعين الشعب والناس وبحكم القانون!، لقد اشترى هؤلاء بأموالهم غالب منافذ الإعلام والصحف ليخرسوا الألسنة الحرة أو لينام أصحاب تلك الألسنة التي تأبى الخرس على رصيف الوطن تستجدي كسرة الخبز الجاف، إن في فضح هؤلاء زوال النعمة وكأن الله اختفى ولم يتبق إلا هؤلاء نعبدهم من دون الله حاشا لله.
عيش حرية عدالة اجتماعية، كان هذا هو شعار أروع ثورة في التاريخ المعاصر، ثورة شباب المصريين، ثلاث كلمات هي في مضمونها الدستور الحقيقي الذي نادى به الشباب المصري في ثورة يناير وضحوا من اجله ولكن للأسف لم نعد نراهم الآن ولا نرى شعارهم الطاهر بعدما طفا على سطح الثورة أرباب متفرقون متصارعون كادوا أن يحولوا النور الثوري إلى فوضى، إيماناً منهم أن أرباب متفرقون هم خير لهم من إله واحد، تحت دعوى فرق تسد، وكلما زادت الأصنام تبعثرت الحكمة، والناس في هذا الوضع أقرب لقطيع " الغنم" المساقة منهم إلى البشر المكرمون بالفضل وبالحرية.
وهنا يكمن سؤال، ما هو الفرق بين الثورة و ( الكسكسى )!، وربما أتصور أن الثورة هي تغيير حتمي وفوري للفساد الذي قامت ضده ومن اجل استئصاله الثورة، تغيير حتمي وفوري لا يحتمل أي محاكمات جنائية لرموز الفساد ولكن يفرض محاكمات سياسية لهم ومصادرة ممتلكاتهم لصالح الشعب بشكل لا يقبل التأجيل كما فعلها شباب الجيش في ثورة 1952، أما "الكسكسى" فهو بقاء الحال كما هو عليه مثلما نحن عليه اليوم في مصر بعد عام كامل على قيام الثورة، في عزاء الميت "كسكسى" وفي زواج ابنته "كسكسى" وكما يقول آبائي الفلاحين: احتفال الموت زى احتفال الحياة ومن أراد تغيير "الكسكسى" فعليه بتحمل النفقات.
لقد تحمل الشباب الكثير من النفقات، من أرواحهم واستشهادهم وإصابتهم، دفعو ثمنا باهظاً لتغيير الفساد إلى عدل، ثمنا باهظا لتوحيد الكلمة وتوحيد الصف، ثم ظهرت أصنام السادة الكبار، سادة الفساد من داخل سجن طره لتوحي إلى كهنتها خارج الأسوار إلى دعوة الناس للشرك، تدعوهم إلى اختزال الوطن في أشخاص السادة القدامى من جديد، تدعوهم إلى الكفر بالوطن والإيمان بأصنام متعددة، وما أكثر ما يحتويه الوطن من كهنة الشيطان الذين كادوا أن يخرجوا شيطانهم من محبسه ليعبده الناس من جديد، كهنة الشيطان الذين يقسموا لك ويشهدوا الله على ما في قلوبهم أنهم ما يفعلون فعلاً إلا لصالح البسطاء وصالح الثورة وهم ألد الخصام.
عزاء الميت "كسكسى" وفي زواج ابنته "كسكسى"، هكذا هم الثوار الجدد الذين طفوا فوق سطح المشهد السياسي المصري على اجساد الشهداء ودماء الثوار الحقيقيين، نفس المليونيرات القديمة الذين قدمهم "الميت" السابق على طاولة الوطن للشعب كي ينهبوه ويمتصوا دماءه وكرامته ولكن مع تغيير الوجوه ووضع بعض الرتوش والماكياج ليكونوا أكثر تخفيا حينما يقدمهم "كهنة" الميت مرة أخرى للشعب على طاولة زواج ابنته، مليونيرات اختلفت مرجعياتهم السياسية والثقافية والدينية ولكن الكفر ملة واحدة، مليونيرات قديمة اعتلوا من جديد كراسي الأحزاب وكراسي الإعلام والجامعة والوزارات والنقابات واعتلوا صهوة جواد الاقتصاد المصري مرة أخرى بل والبرلمان القادم بمجلسيه، ويملأون الآن الدنيا صراخا وضجيجا عن الثورة وشباب الثورة الطاهر البرئ الذي لم يعد له حالياً سوى بضع خيام ممزقة في ميدان التحرير تنتظر الحرق من كهنة مبارك والعادلي الذين سحروا أعين الناس وكادوا أن يدفعوهم بالإيمان أن التحرير لم يعد فيه حاليا سوى بلطجية هذا الوطن الذين سعوا في خرابه!
الديكتاتور قادم لا شك، قادم وسيقلب الصندوق ويفتحه من قاعدتة، فالظلم لا يفرز إلا ديكتاتوراً يأتي ممتطيا جواد السحق، أما العدل فلا يفرز إلا الكرامة، فانتهزوا ركوب قطار الكرامة قبل أن تسحقكم عجلاته، وإلا فأين العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في مصر بعد الثورة يا كهنة الميت ؟.