الاثنين، 29 أكتوبر 2012

سعد زغلول في ذكراه ( 23 اغسطس 1927 ) وضياع ثورة 25 يناير

mohi_ibraheem

 بقلم: محيي الدين إبراهيم

noonptm@gmail.com
في 9 مارس 1919 صبيحة اعتقال سعد زغلول وأعضاء الوفد، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات. وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر. وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن مصر مثلما حدث تماما في ثورة 25 يناير.
ثورة بلا زعيم هي ثورة رعاع وثورة جياع ما تلبث ان تستولي عليها وعلى الوطن عصابات متناحرة متنافرة يحاول كل منها ان يقتص من الآخر على حساب الشعب لتتحول الأمة بعد الثورة الى أمة من المقهورين يسلبها كبريائها علي بابا والأربعين حرامي.

لقد اندلعت ثورة 1919 في ظل موجة من الحركات الوطنية شملت الهند والصين وأيرلندا وبعض مناطق أمريكا اللاتينية تماما مثل ( هوجة الربيع العربي ) التي شملت اليمن وتونس وليبيا ومصر وسوريا والبحرين وغيرهم ولا نعرف من الذي يقف ورائها لتحدث هكذا فجأة دون رأس أو زعامة ولا ندري حتى يومنا هذا لصالح من تلك الثورات؟ وحتماً ليست في صالح الشعوب الثائرة!.

أما ثورة 1919 فقد كان رأسها سعد زغلول رأس القيمة في ثورات القرن العشرين والزعيم الوحيد الذي اقيمت له جنازتين عسكريتين شعبيتين عظيمتين واحده في عام 1927 يوم وفاته والثانية في عام 1936 حينما تم نقل رفاته من مقابر الامام الشافعي للضريح المعروف بأسمة بشارع الفلكي! حيث تشكلت في المرة الثانية في عام 1936 حكومة الوفد برئاسة مصطفى باشا النحاس وطلبت أم المصريين لنقل جثمان سعد باشا الى ضريحه بشارع الفلكي والذي يطل عليه بيت الأمة وحدد النحاس باشا يوم 19 يونيو عام 1936 للاحتفال بنقل رفات زعيم الأمة بعد أن ظل في مقبرة الامام الشافعي تسعة أعوام تقريبا وفي اليوم السابق للاحتفال ذهب النحاس باشا مع بعض رفاق سعد زغلول الى المقبرة سرا للاطمئنان على رفاته قبل نقلها ظناً منهما أنه لبما حدث أو يحدث شيئاً لرفاة زعيم الأمة ، وكان معهما محمود فهمي النقراشي باشا ومحمد حنفي الطرزي باشا والمسئول عن مدافن الامام الشافعي ولفوا جسد الزعيم الراحل في أقمشة حريرية ووضعوه في نعش جديد ووضعوا حراسة على المكان حتى حضر كل من أحمد باشا ماهر رئيس مجلس النواب ومحمود بك بسيوني رئيس مجلس الشيوخ في السادسة من صباح اليوم التالي ثم توالى الحاضرين إلى المقبرة من الوزراء والنواب والشيوخ وحمل النعش على عربة عسكرية تجرها 8 خيول واخترق موكب الجنازة للمرة الثانية القاهرة من الامام الشافعي حتى وصل الى موقع الضريح بشارع الفلكي وكان قد أقيم بجواره سرادق ضخم لاستقبال كبار رجال الدولة والمشيعين من أنصار سعد وألقى النحاس باشا كلمة مختارة في حب زعيم الأمة جددت أحزان الحاضرين ودمعت عيناه وبكت أم المصريين بكاء شديداً ونقلت صحافة مصر تفاصيل نقل الجثمان إلى الضريح وكتبت مجلة «المصور» تفاصيل نقل الجثمان تحت عنوان «سعد يعود الى ضريحه منتصرا» حقاً لقد كان زعيم أمة.

دوافع ثورة 25 يناير هي نفسها دوافع ثورة 1919 ولكن ....
تماماً كما فعل نظام المخلوع حسني مبارك حيث عانى المصريون من سوء الأحوال المعيشية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وأعلن الإنجليز الأحكام العرفية على مصر. ومصادرة ممتلكات الناس والفلاحين من ماشية ومحصول لصالح رجال القصر ولأجل المساهمة في تكاليف الحرب، الأمر الذي كان من توابعه أن نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت مدينتي القاهرة والأسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والسلب والتخريب. ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من حدة الأزمة، كذلك تعرضت جميع النقابات وخاصة العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب.

في الوقت نفسه شهدت هذه الفترة ارتفاعا للأسعار بشكل ملحوظ، بما فيها أسعار السلع الأساسية. حيث سجلت الأرقام القياسية للأسعار ارتفاعا بلغ 216 عام 1918 مقارنة بسنة 1914. وارتفع سعر القمح بمعدل 131% والسكر 149% والفول 114% والبترول 103% كما بلغ سعر الفحم في نهاية الحرب تسعة أمثال ما كان عليه قبل اندلاعها. وارتبط ذلك أيضا بنقص حاد في السلع الاساسية. وكان لهذه الأوضاع أن أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن. حيث شهدت مدينتي القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب. ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من حدة الأزمة ومن ثم خاض عمال الصناعة والنقل عددا من الإضرابات للمطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل، كما تشّكل عدد من النقابات للدفاع عن حقوق العمال مثل الرابطة الدولية لعمال السجائر والورق في القاهرة، ونقابة عمال الصناعة اليدوية. ولكن مع نشوب الحرب تم إجهاض النشاط النقابي وأصبح العمال عاجزين عن الدفاع عن حقوقهم.

ومثلما فعل البرادعي ومن معه امام الطاغية حسني مبارك قام ثلاثة من أعضاء الجمعية التشريعية، هم سعد زغلول وعلي شعراوي وعبد العزيز فهمي، بمقابلة المندوب السامي البريطاني مطالبين بالاستقلال. ولكن إزاء تعاطف قطاعات شعبية واسعة مع هذا التحرك، قامت السلطات البريطانية بالقبض على سعد زعلول وثلاثة من أعضاء الوفد هم محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي، ورحّلتهم إلى مالطة في الثامن من مارس عام 1919. تماما مثلما اعتقل نظام الطاغية حسني مبارك مع محمد البرادعي واعتقاله في منزله ليكون ذلك إيذانا بقيام الثورة التي اجتاحت جميع انحاء البلاد، وتصدت لها القوات البريطانية وقوات الأمن المصرية بأقصى درجات العنف.

وفي 9 مارس 1919 صبيحة اعتقال سعد زغلول وأعضاء الوفد، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات. وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر. وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن مصر مثلما حدث تماما في ثورة 25 يناير.

ففي القاهرة قام عمال الترام بإضراب بدء يوم 11 مارس مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها، وتم شل حركة الترام شللا كاملا، تلا ذلك إضراب عمال عنابر السكك الحديدية يوم 15 مارس، والذي جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر في بولاق للحلول محل العمال المصريين في حالة إضرابهم، مما عجّل بقرار العمال بالمشاركة في الأحداث.

ولم يكتف هؤلاء بإعلان الإضراب، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديدية – التي أخذها عنهم الفلاحون وأصبحت أهم أسلحة الثورة واستمر إضراب عمال العنابر حتى أواخر إبريل. وأضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك ، تلا ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية ومصلحة الجمارك بالإسكندرية. كما اضرب المحامون في 2 إبريل وانضم موظفي الحكومة للإضراب في نفس اليوم 2 ابريل.

ولم تتوقف احتجاجات المدن على التظاهرات وإضرابات العمال، بل قام السكان في الأحياء الفقيرة بحفر الخنادق لمواجهة القوات البريطانية وقوات الشرطة، وقامت الجماهير بالاعتداء على بعض المحلات التجارية وممتلكات الأجانب وتدمير مركبات الترام. شارك النساء بفاعلية في الثورة وقاموا بمظاهرات كبري منها واحدة يوم 16 مارس واخري يوم 20 مارس.

في حين قامت جماعات الفلاحين بقطع خطوط السكك الحديدية في قرى ومدن الوجهين القبلي والبحري، ومهاجمة أقسام البوليس في المدن. ففي منيا القمح أغار الفلاحون من القرى المجاورة على مركز الشرطة وأطلقوا سراح المعتقلين، وفي دمنهور قام الأهالي بالتظاهر وضرب رئيس المدينة بالأحذية وكادوا يقتلونه عندما وجه لهم الإهانات.

وفي الفيوم هاجم البدو القوات البريطانية وقوات الشرطة عندما اعتدت هذه القوات على المتظاهرين. وفي أسيوط قام الأهالي بالهجوم على قسم البوليس والاستيلاء على السلاح، ولم يفلح قصف المدينة بطائرتين في إجبارهم على التراجع، أما في دير مواس بالقرب من أسيوط، هاجم الفلاحون قطارا للجنود الإنجليز ودارت معارك طاحنة بين الجانبين.

وعندما أرسل الإنجليز سفينة مسلحة إلى أسيوط، هبط مئات الفلاحين إلى النيل مسلحين بالبنادق القديمة للاستيلاء على السفينة. وعلي الجانب الأخر كان رد فعل القوات البريطانية من أفظع أعمال العنف الذي لاقاه المصريون في التاريخ الحديث، فمنذ الأيام الأولى كانت القوات البريطانية هي أول من أوقع الشهداء بين صفوف الطلبة أثناء المظاهرات السلمية في بداية الثورة.

وعقب انتشار قطع خطوط السكك الحديد، أصدرت السلطات بيانات تهدد بإعدام كل من يساهم في ذلك، وبحرق القرى المجاورة للخطوط التي يتم قطعها. وتم تشكيل العديد من المحاكم العسكرية لمحاكمة المشاركين في الثورة. ولم تتردد قوات الأمن في حصد الأرواح بشكل لم يختلف أحيانا عن المذابح، كما حدث في الفيوم عندما تم قتل أربعمائة من البدو في يوم واحد على أيدي القوات البريطانية وقوات الشرطة المصرية. ولم تتردد القوات البريطانية في تنفيذ تهديداتها ضد القرى، كما حدث في قرى العزيزية والبدرشين والشوبك وغيرها، حيث أُحرقت هذه القرى ونُهبت ممتلكات الفلاحين، وتم قتل وجلد الفلاحين واغتصاب عدد من النساء.

هكذا كان الإضراب العام في عام 1919 والذي شل الحياة وحركة النقل بين المدن وكذلك داخل المدن من خلال إضراب (عمال عنابر السكك الحديدية وعمال الترام وسائقي التاكسيات) واستمرارهم في الإضراب وكذلك الموظفين والطلبة. وانضمام الفلاحين للثورة وقطع خطوط السكك الحديدية.

وإذا تطرقنا إلى نتائج ثورة 1919، فيمكن القول أنها وإن لم تؤد إلى تحقيق الاستقلال فأنها قد كانت لها آثارا مهمة على تطور الحركة الديمقراطية والنقابية. فقد أسفرت عن نشأة أحزاب ليبرالية وطنية تجمع تحت مظلتها جميع الطوائف المصرية على اختلاف مذاهبهم الدينية والعرقية مثل حزب الوفد وأحزاب الأقليات ووضع أول دستور ليبرالي وطني لمصر في عام 1923 وقيام أول حكومة ليبرالية منتخبة هي حكومة الوفد. هذا إلى جانب بعث الحركة النقابية التي كانت قد أصيبت بموات خلال فترة ما قبل الثورة حيث تشكلت العديد من النقابات، وانبثقت حركة إضرابات قوية في الأعوام التالية. وفي الوقت نفسه، فقد نبهت الثورة الطبقات العليا من البرجوازية وكبار الملاك إلى خطورة التحرك الجماهيري، أما ثورة 25 يناير فلم يخرج لنا من رحمها إلا أحزاب دينية متناحرة وفوضى عارمة في الشارع المصري ربما تمتد لعشرين عاما قادمة لا يعلم إلا الله دموية صراع العصابات فيها التي استولت من خلالها على الوطن.

الجمعة، 27 يوليو 2012

حوار مع اللواء بدر حميد

أجرت الحوار: نهى حسين
بدر حميد: صلاح المناوى صاحب الضربة الجوية وليس مبارك

اللواء بدر حميد
فيما أكد لنا محمد فائق أن ثورة يناير أكملت ثورة يوليو يحمل لنا اللواء بدر حميد مفاجأة من عيار ثقيل حيث يؤكد أن صلاح المناوى هو صاحب الضربة الجوية وليس حسنى مبارك.فى هذا العدد. نكمل ما بدأناه الأسبوع الماضى. حيث حاورنا شخصيتين كانت لهما علاقة مباشرة بثورة يوليو. وفيما يؤكد محمد فائق أن ثورة يناير أكملت ثورة يوليو يحمل لنا اللواء بدر حميد مفاجأة من عيار ثقيل حيث يؤكد أن صلاح المناوى هو صاحب الضربة الجوية وليس حسنى مبارك.

اللواء بدر حميد أحد الضباط الأحرار، وثعلب المخابرات المصرية، والذى قضى فيها 25 عاما فى رحلة طويلة لخدمة الوطن، نستكمل معه الحديث حول ثورة يوليو ورأيه فى الثورتين القديمة والحديثة

- استمعنا لقصتك مع العشر ساعات الأولى فى ثورة 23 يوليو سنة 1952، فما هو رأيك فى الثورة بعد مرور 60 عاما عليها؟
أنا غير راض عما حققته ثورة 23 يوليو، لأنها لم تحقق كل الأهداف المرجوة منها، طردنا الانجليز والملك، وأقمنا القناة وبنينا السد العالي، وأسهل ما حققته القضاء على الإقطاع لأنه لم يتكلف سوى قرار، وفى رأيى لم ينصفوا الفلاحين لأنه كان هناك وساطة فى توزيع الأرض من يأخذ خمسة أفدنة ومن يحصل على عشرة أو أكثر، وأنا شخصيا اول المتضررين.

- وما هو الضرر الذى وقع عليك؟
والدى حميد بدر من كبار عائلات قرية "ونينه" مركز سوهاج وتعود اصولنا الى الهوارة فى قنا، كان يمتلك عشرين فدانا وليس إقطاعيا وورثت عنه 8 أفدنة كانت مؤجرة لأنى ضابط بالجيش ولست متفرغا لزراعتها، وعندما احتجت المال لإتمام زواج بناتى اضطررت لبيع أرضى فبعت الفدان بـ8 آلاف جنيه أخذ المستأجر نصفهم طبقا للقانون فهل هذا هو إنصاف الثورة لي! وحتى خدمتى فى الجيش لم تؤهلنى ماديا لتزويج بناتي، رغم أنه كان من الممكن أن أمد يدى للحرام وقتها، ولكنى لم أنشأ على قبول الحرام أو الإهانة وهذا ما اقعدنى بالمنزل ولم أتول منصب وزير? أو محافظ لأن لسانى طويل وأناقش قادتى ولا أقبل بالخنوع، حتى الشقة التى أعيش فيها الآن هى التى اخذتها بالإيجار منذ عام 1962 وأنا برتبة رائد، وتوفيت أم العيال " منذ 14 عاما" فتزوج ابنى الوحيد وعاش معى فى نفس الشقة هو وأسرته.

- اذن ماذا كنت تتمنى أن تحققه ثورة يوليو؟
كنت أتمنى أن تحقق سنة 1952 انتخابات تأتى لنا برئيس مدنى مثلما حدث الآن.

- رغم أن من قام بها عسكريون؟
نعم ولِمَ لا؟، فثورة 25 يناير لم تنجح فى الوصول للانتخابات النزيهة وخروج رئيس مدنى إلا برعاية العسكريين برعاية رجال الجيش المصرى الذى يستنكر البعض الآن وجودهم على الساحة ويطالبونهم بالعودة لثكناتهم.

- نعود لما بعد ثورة يوليو إلى أين أخذك دورك القيادى فى الجيش المصرى؟
إلى الاشتراك فى حرب 1956 فكنت قائد بطارية مدفعية مضادة للدبابات فى العيش، بعدما سافرت الى تشيكوسلوفاكيا لشراء صواريخ أرض أرض والتدريب عليها، وهى التى اشتركت بها فى سيناء، ثم انسحبت منها إلى الاسماعيلية ثم بورسعيد واشتبكت فى مطار الجميل هناك، فضربنا العدوان الثلاثى ودمروا لنا كل المدافع ووقعت فى الاسر الذى استمر ثلاثة أشهر فى إحدى فيلات بورسعيد التى احتلها العدو وحاصرها بجنوده حتى تمت مفاوضات بين قواتنا وقوات العدو وتدخلت الأمم المتحدة وأخذوا أسماءنا ثم تم إطلاق سراحنا وعدنا إلى القاهرة بالقطار وهم عادوا بمراكبهم.

- هل عدت حاقدا على رؤسائك من تلك الهزيمة؟
عدنا جميعا تعتصرنا الحسرة على البلد لأن قواتنا لم تكن كافية لدخول هذه الحرب، ولولا اتفاق أمريكا والاتحاد السوفيتى على إيقاف الحرب لدخل العدوان الثلاثى إلى القاهرة.

- إذا كنت معتصرا حسرة بهزيمة 1956 فماذا فعلت بك هزيمة 1967؟
كنت أشد ألما رغم وجودى فى اليمن فى ذلك الوقت وعلمت من خلال الصحف والإذاعات الأجنبية قبل علم المصريين فى مصر.

- هل سفرك إلى اليمن تقدير لشخصك بعد اشتراكك فى ثورة 23 يوليو أم استبعاد؟
الاثنان، فكنت أرغب فى السفر لأن راتبى وأنا رائد فى المخابرات العامة آنذاك 65 جنيها وبسفرى سوف يزيد ليصبح 130 جنيها، وكنت فى حاجة لهم لأنى كان عندى ست بنات والسابع كان فى الطريق، علاوة على رغبة قادتى فى التخلص منى لتوفير مراقبتي، فذهبت إلى اليمن وعملت فى إدارة المخابرات أو الأمن العام.

- هل كنت ترى ان قرار مشاركة الجيش المصرى فى اليمن قرار صائب؟ 
أعترض على عدد الجنود والضباط المشاركين فى تلك الحرب فلماذا نرسل 60 ألف جندى مصرى يحاربون فى اليمن وجنودهم فى منازلهم، بل الأمر أن رواتبنا كانت مصر هى التى تدفعها لنا ونحن هناك وليس اليمن، فى الوقت الذى كانت فيه مصر تحتاج لأبنائها فى حرب 1967، وكان من الممكن ان تكون المشاركة بالتدريب والتعليم فقط.

- وماذا فعلت بعد هزيمة 1967؟
عدت إلى مصر وكتبت قصائد شعر عمرها 45 عاما أتذكرها وأنفعل بها حتى يومنا هذا اقول فيها: 
يعود إليك شبل يئن من الزمان
ويزدريه ولا يخشى الردى يوم الدراب 
يئن من الفضيحة يوم قامت
كلاب الغرب تنهشنا بناب 
وكان الدرس أن قد فشلنا
وفشينا الرذيلة فى العتاب 
وأقصينا العتاة المخلصين
وسلمنا القيادة للكلاب

- هل تركوك بعد نشر هذه القصيدة؟
نعم ولم يسجنى عبدالناصر لأنه رأيى وهذا ما يحدث الآن، فثورتنا سُرقت مثل ثورة 25 يناير تماما.

- من هم سارقو ثورة 23 يوليو؟
ضباط زملاؤنا لم يشاركوا فيها لا من قريب ولا من بعيد وإنما هم قادرون على تقديم التنازلات ومسح الجوخ والأحذية فاقتربوا من أعضاء مجلس قيادة الثورة وأخذوا ما ليس من حقهم، فى الوقت الذى توارى فيه بل اختفى وسجن العديد من الضباط الأحرار، لأن الرئيس جمال عبدالناصر لم يكن يحب من يناقشه، فصوته من عقله ويستبعد من يحاول مناقشته أو مراجعته، حتى السادات نصبه نائبا عنه لأن السادات نجح فى إقناعه أنه شخصية ضعيفة ولا يجادله، حتى أظهر فيما بعد دهاءه، وبشكل عام استمر الاستبداد فى الحكم حتى عهد مبارك، فلو كان هناك حوار لما قامت الثورات، فلو حاور مبارك شباب ثورة 25 يناير لما قامت، وأنا أول من دمره الاستبداد تحت مسمى الديمقراطية، فأين كانت تلك الديمقراطية بعدما عرضت نفسى للموت ليلة ثورة 23 يوليو؟

- إذا كان هناك استبداد كما تقول فكيف تفسر عشق الشعوب العربية وليس الشعب المصرى فقط لشخص جمال عبدالناصر؟
هذا الحب يعود لذكائه فى الخطاب السياسي، فقد كان يتحدث للفقراء والجهلاء بنفس الخطاب الحالى فينحاز إليه البسطاء وهم القاعدة العريضة من الشعب، أما الشعوب العربية ونزعات القومية العربية فهى أكذوبة وانشريها على مسئوليتي، فلا يوجد زعيم يؤمن بالقومية العربية ما لم يجلس على كرسيها.

- إذا كان الأمر كذلك فكيف تفسر نجاح هذه الثورات؟
باشتراك يد أجنبية فى دعم هذه الثورات، حتى ثورة 23 يوليو 1952 لأنه ليس من مصلحة أمريكا آنذاك استيلاء الشيوعيين على حكم مصر، بل الأفضل العسكريون لسهولة التعامل معهم بشكل أفضل، أما الآن فهم يفضلون التيار الإسلامى لأن العسكريين لن يرضخوا لسيطرة أمريكا، فهى تسعى لتحطيم سلسلة ظهر مصر وهى قواتها المسلحة والداخلية والقضاء، لإنهاء الدولة وإعادة صياغتها بشكل آخر وتقسيمها لتصبح إسرائيل مندوب أمريكا حاكم المنطقة المقسمة وهذا رأيي.

- هل شعرت بالتكريم لأدوارك البطولية بعد حرب 1973؟
فى عام 1972 أى بعد عشرين عاما من الثورة امر الرئيس السادات بصرف معاش وزير للضباط الأحرار ومجموعهم 99 ضابطا هم الصف الثانى بعد أعضاء مجلس قيادة الثورة وأنا منهم، كما أمر بصرف معاش نائب وزير لعدد 300 ضابط هم الصف الثالث للضباط الأحرار، وكان هذا تقديرا كبيرا لم أحصل عليه فى عهد الثورة نفسه، وبالمناسبة أتذكر الملازم المسيحى الوحيد فى تنظيم الضباط الاحرار الـ300 الذى حصل على معاش نائب وزير، وكان من أشجع الضباط رغم صغر سنه ورتبته، حيث اشترك معنا فى نفس ليلة الثورة وخرج معنا دون تردد من اجل الحفاظ على مصر وهو لطفى حنين.

- ما أكثر فترات عملك بالجيش المطبوعة فى ذاكرتك حتى الآن؟
كل فترات خدمتى بالجيش أتذكرها جيدا ولكن لدى فترات صعبة ومؤلمة وفترات أخرى صعبة ولكننا حققنا فيها انتصارا مثل فترة حرب الاستنزاف، فقد كنت فيها أعمل فى المخابرات الحربية والتى قضيت 25 عاما بينها وبين المخابرات العامة، فتوليت قائد مكتب مخابرات السويس والعريش والزقازيق وأسيوط وأسوان ورئيس الخدمة السرية ورئيس المجموعة 26 حتى أنهيت خدمتى وأنا فى منصب مساعد مدير إدارة المخابرات الحربية، وكانت أسعد لحظاتى فى نجاح العمليات الفدائية التى قمت بتخطيطها وتنفيذها مع أهل سيناء فى حرب الاستنزاف، وصناعة جاسوس مصرى يخترق العدو ويمدنا بالمعلومات ليست بالأمر السهل.

- قلت إن الرئيس السابق حسنى مبارك تخرج قبلك بدفعة فماذا تعرف عنه وانتم زملاء بالكلية الحربية؟ 
مبارك كان شخصا عاديا وليس نجما، بل إن شخصيته كانت ضعيفة وليس له أصدقاء، وحتى رئيس أركانه اللواء صلاح المناوى واضع خطة الهجوم فى حرب أكتوبر 1973، لم يذكره إطلاقا، ولدى سر أرويه للمرة الأولى بعدما أخذت عهدا مع صديقى اللواء حسن حسين عبدالغنى رحمه الله بعدم إفشائه وأقسمت له يمين طلاق، ولكن الآن زوجتى توفيت وهو توفي، فأنا فى حل من هذا الوعد، فقد جاءنى يوما اللواء حسين عبدالغنى وكان دفعة مبارك وضابطا كبيرا بالمخابرات الحربية ومبارك فى الكلية الجوية وروى لى أن مبارك وهو اعتادا قضاء يوم الخميس معا يتناولون العشا? سويا ويقضيان بعض الوقت معا، وفى يوم ما اتصل به مبارك وقال له إن السادات طلب مقابلته ولا يعرف لماذا وخمن وقتها إما أنه سيخرج بالمعاش أو سيُعينه محافظا، ووعده مبارك إذا تم تعيينه محافظا سوف تكون سهرتهما القادمة على حسابه، ولكن السادات عينه نائبا له والمسئول عن القوات المسلحة، فأول ما قام به مبارك هو إحالة صديقه اللواء حسين عبدالغنى إلى المعاش وحتى توفاه الله لم يقابل مبارك مرة واحد. 

- ومـاذا تقـول بعد هذه الرحلة الطويلة؟
تعبت كتير، وتعرضت للموت أكثر، وكل مرة يخرجنى الله أقوى مما كنت، وفى النهاية أقول علمت وياليتنى ما علمت فشر الحياة لمن قد علم.
أتمنى كل الخير لهذا البلد ولأبنائنا لأنهم مستقبل مصر المهم الفهم والحوار بين الأجيال لنصل لبر الأمان.
بهذه الامنيات نكون قد أنهينا حوارنا مع أحد أسود ثورة يوليو وحرب أكتوبر والشاهد على الهزيمة والنصر.

المصدر | مجلة نصف الدنيا

حوار مع اللواء بدر حميد

أجرت الحوار: نهى حسين
بدر حميد: صلاح المناوى صاحب الضربة الجوية وليس مبارك

اللواء بدر حميد
فيما أكد لنا محمد فائق أن ثورة يناير أكملت ثورة يوليو يحمل لنا اللواء بدر حميد مفاجأة من عيار ثقيل حيث يؤكد أن صلاح المناوى هو صاحب الضربة الجوية وليس حسنى مبارك.فى هذا العدد. نكمل ما بدأناه الأسبوع الماضى. حيث حاورنا شخصيتين كانت لهما علاقة مباشرة بثورة يوليو. وفيما يؤكد محمد فائق أن ثورة يناير أكملت ثورة يوليو يحمل لنا اللواء بدر حميد مفاجأة من عيار ثقيل حيث يؤكد أن صلاح المناوى هو صاحب الضربة الجوية وليس حسنى مبارك.

اللواء بدر حميد أحد الضباط الأحرار، وثعلب المخابرات المصرية، والذى قضى فيها 25 عاما فى رحلة طويلة لخدمة الوطن، نستكمل معه الحديث حول ثورة يوليو ورأيه فى الثورتين القديمة والحديثة

- استمعنا لقصتك مع العشر ساعات الأولى فى ثورة 23 يوليو سنة 1952، فما هو رأيك فى الثورة بعد مرور 60 عاما عليها؟
أنا غير راض عما حققته ثورة 23 يوليو، لأنها لم تحقق كل الأهداف المرجوة منها، طردنا الانجليز والملك، وأقمنا القناة وبنينا السد العالي، وأسهل ما حققته القضاء على الإقطاع لأنه لم يتكلف سوى قرار، وفى رأيى لم ينصفوا الفلاحين لأنه كان هناك وساطة فى توزيع الأرض من يأخذ خمسة أفدنة ومن يحصل على عشرة أو أكثر، وأنا شخصيا اول المتضررين.

- وما هو الضرر الذى وقع عليك؟
والدى حميد بدر من كبار عائلات قرية "ونينه" مركز سوهاج وتعود اصولنا الى الهوارة فى قنا، كان يمتلك عشرين فدانا وليس إقطاعيا وورثت عنه 8 أفدنة كانت مؤجرة لأنى ضابط بالجيش ولست متفرغا لزراعتها، وعندما احتجت المال لإتمام زواج بناتى اضطررت لبيع أرضى فبعت الفدان بـ8 آلاف جنيه أخذ المستأجر نصفهم طبقا للقانون فهل هذا هو إنصاف الثورة لي! وحتى خدمتى فى الجيش لم تؤهلنى ماديا لتزويج بناتي، رغم أنه كان من الممكن أن أمد يدى للحرام وقتها، ولكنى لم أنشأ على قبول الحرام أو الإهانة وهذا ما اقعدنى بالمنزل ولم أتول منصب وزير? أو محافظ لأن لسانى طويل وأناقش قادتى ولا أقبل بالخنوع، حتى الشقة التى أعيش فيها الآن هى التى اخذتها بالإيجار منذ عام 1962 وأنا برتبة رائد، وتوفيت أم العيال " منذ 14 عاما" فتزوج ابنى الوحيد وعاش معى فى نفس الشقة هو وأسرته.

- اذن ماذا كنت تتمنى أن تحققه ثورة يوليو؟
كنت أتمنى أن تحقق سنة 1952 انتخابات تأتى لنا برئيس مدنى مثلما حدث الآن.

- رغم أن من قام بها عسكريون؟
نعم ولِمَ لا؟، فثورة 25 يناير لم تنجح فى الوصول للانتخابات النزيهة وخروج رئيس مدنى إلا برعاية العسكريين برعاية رجال الجيش المصرى الذى يستنكر البعض الآن وجودهم على الساحة ويطالبونهم بالعودة لثكناتهم.

- نعود لما بعد ثورة يوليو إلى أين أخذك دورك القيادى فى الجيش المصرى؟
إلى الاشتراك فى حرب 1956 فكنت قائد بطارية مدفعية مضادة للدبابات فى العيش، بعدما سافرت الى تشيكوسلوفاكيا لشراء صواريخ أرض أرض والتدريب عليها، وهى التى اشتركت بها فى سيناء، ثم انسحبت منها إلى الاسماعيلية ثم بورسعيد واشتبكت فى مطار الجميل هناك، فضربنا العدوان الثلاثى ودمروا لنا كل المدافع ووقعت فى الاسر الذى استمر ثلاثة أشهر فى إحدى فيلات بورسعيد التى احتلها العدو وحاصرها بجنوده حتى تمت مفاوضات بين قواتنا وقوات العدو وتدخلت الأمم المتحدة وأخذوا أسماءنا ثم تم إطلاق سراحنا وعدنا إلى القاهرة بالقطار وهم عادوا بمراكبهم.

- هل عدت حاقدا على رؤسائك من تلك الهزيمة؟
عدنا جميعا تعتصرنا الحسرة على البلد لأن قواتنا لم تكن كافية لدخول هذه الحرب، ولولا اتفاق أمريكا والاتحاد السوفيتى على إيقاف الحرب لدخل العدوان الثلاثى إلى القاهرة.

- إذا كنت معتصرا حسرة بهزيمة 1956 فماذا فعلت بك هزيمة 1967؟
كنت أشد ألما رغم وجودى فى اليمن فى ذلك الوقت وعلمت من خلال الصحف والإذاعات الأجنبية قبل علم المصريين فى مصر.

- هل سفرك إلى اليمن تقدير لشخصك بعد اشتراكك فى ثورة 23 يوليو أم استبعاد؟
الاثنان، فكنت أرغب فى السفر لأن راتبى وأنا رائد فى المخابرات العامة آنذاك 65 جنيها وبسفرى سوف يزيد ليصبح 130 جنيها، وكنت فى حاجة لهم لأنى كان عندى ست بنات والسابع كان فى الطريق، علاوة على رغبة قادتى فى التخلص منى لتوفير مراقبتي، فذهبت إلى اليمن وعملت فى إدارة المخابرات أو الأمن العام.

- هل كنت ترى ان قرار مشاركة الجيش المصرى فى اليمن قرار صائب؟ 
أعترض على عدد الجنود والضباط المشاركين فى تلك الحرب فلماذا نرسل 60 ألف جندى مصرى يحاربون فى اليمن وجنودهم فى منازلهم، بل الأمر أن رواتبنا كانت مصر هى التى تدفعها لنا ونحن هناك وليس اليمن، فى الوقت الذى كانت فيه مصر تحتاج لأبنائها فى حرب 1967، وكان من الممكن ان تكون المشاركة بالتدريب والتعليم فقط.

- وماذا فعلت بعد هزيمة 1967؟
عدت إلى مصر وكتبت قصائد شعر عمرها 45 عاما أتذكرها وأنفعل بها حتى يومنا هذا اقول فيها: 
يعود إليك شبل يئن من الزمان
ويزدريه ولا يخشى الردى يوم الدراب 
يئن من الفضيحة يوم قامت
كلاب الغرب تنهشنا بناب 
وكان الدرس أن قد فشلنا
وفشينا الرذيلة فى العتاب 
وأقصينا العتاة المخلصين
وسلمنا القيادة للكلاب

- هل تركوك بعد نشر هذه القصيدة؟
نعم ولم يسجنى عبدالناصر لأنه رأيى وهذا ما يحدث الآن، فثورتنا سُرقت مثل ثورة 25 يناير تماما.

- من هم سارقو ثورة 23 يوليو؟
ضباط زملاؤنا لم يشاركوا فيها لا من قريب ولا من بعيد وإنما هم قادرون على تقديم التنازلات ومسح الجوخ والأحذية فاقتربوا من أعضاء مجلس قيادة الثورة وأخذوا ما ليس من حقهم، فى الوقت الذى توارى فيه بل اختفى وسجن العديد من الضباط الأحرار، لأن الرئيس جمال عبدالناصر لم يكن يحب من يناقشه، فصوته من عقله ويستبعد من يحاول مناقشته أو مراجعته، حتى السادات نصبه نائبا عنه لأن السادات نجح فى إقناعه أنه شخصية ضعيفة ولا يجادله، حتى أظهر فيما بعد دهاءه، وبشكل عام استمر الاستبداد فى الحكم حتى عهد مبارك، فلو كان هناك حوار لما قامت الثورات، فلو حاور مبارك شباب ثورة 25 يناير لما قامت، وأنا أول من دمره الاستبداد تحت مسمى الديمقراطية، فأين كانت تلك الديمقراطية بعدما عرضت نفسى للموت ليلة ثورة 23 يوليو؟

- إذا كان هناك استبداد كما تقول فكيف تفسر عشق الشعوب العربية وليس الشعب المصرى فقط لشخص جمال عبدالناصر؟
هذا الحب يعود لذكائه فى الخطاب السياسي، فقد كان يتحدث للفقراء والجهلاء بنفس الخطاب الحالى فينحاز إليه البسطاء وهم القاعدة العريضة من الشعب، أما الشعوب العربية ونزعات القومية العربية فهى أكذوبة وانشريها على مسئوليتي، فلا يوجد زعيم يؤمن بالقومية العربية ما لم يجلس على كرسيها.

- إذا كان الأمر كذلك فكيف تفسر نجاح هذه الثورات؟
باشتراك يد أجنبية فى دعم هذه الثورات، حتى ثورة 23 يوليو 1952 لأنه ليس من مصلحة أمريكا آنذاك استيلاء الشيوعيين على حكم مصر، بل الأفضل العسكريون لسهولة التعامل معهم بشكل أفضل، أما الآن فهم يفضلون التيار الإسلامى لأن العسكريين لن يرضخوا لسيطرة أمريكا، فهى تسعى لتحطيم سلسلة ظهر مصر وهى قواتها المسلحة والداخلية والقضاء، لإنهاء الدولة وإعادة صياغتها بشكل آخر وتقسيمها لتصبح إسرائيل مندوب أمريكا حاكم المنطقة المقسمة وهذا رأيي.

- هل شعرت بالتكريم لأدوارك البطولية بعد حرب 1973؟
فى عام 1972 أى بعد عشرين عاما من الثورة امر الرئيس السادات بصرف معاش وزير للضباط الأحرار ومجموعهم 99 ضابطا هم الصف الثانى بعد أعضاء مجلس قيادة الثورة وأنا منهم، كما أمر بصرف معاش نائب وزير لعدد 300 ضابط هم الصف الثالث للضباط الأحرار، وكان هذا تقديرا كبيرا لم أحصل عليه فى عهد الثورة نفسه، وبالمناسبة أتذكر الملازم المسيحى الوحيد فى تنظيم الضباط الاحرار الـ300 الذى حصل على معاش نائب وزير، وكان من أشجع الضباط رغم صغر سنه ورتبته، حيث اشترك معنا فى نفس ليلة الثورة وخرج معنا دون تردد من اجل الحفاظ على مصر وهو لطفى حنين.

- ما أكثر فترات عملك بالجيش المطبوعة فى ذاكرتك حتى الآن؟
كل فترات خدمتى بالجيش أتذكرها جيدا ولكن لدى فترات صعبة ومؤلمة وفترات أخرى صعبة ولكننا حققنا فيها انتصارا مثل فترة حرب الاستنزاف، فقد كنت فيها أعمل فى المخابرات الحربية والتى قضيت 25 عاما بينها وبين المخابرات العامة، فتوليت قائد مكتب مخابرات السويس والعريش والزقازيق وأسيوط وأسوان ورئيس الخدمة السرية ورئيس المجموعة 26 حتى أنهيت خدمتى وأنا فى منصب مساعد مدير إدارة المخابرات الحربية، وكانت أسعد لحظاتى فى نجاح العمليات الفدائية التى قمت بتخطيطها وتنفيذها مع أهل سيناء فى حرب الاستنزاف، وصناعة جاسوس مصرى يخترق العدو ويمدنا بالمعلومات ليست بالأمر السهل.

- قلت إن الرئيس السابق حسنى مبارك تخرج قبلك بدفعة فماذا تعرف عنه وانتم زملاء بالكلية الحربية؟ 
مبارك كان شخصا عاديا وليس نجما، بل إن شخصيته كانت ضعيفة وليس له أصدقاء، وحتى رئيس أركانه اللواء صلاح المناوى واضع خطة الهجوم فى حرب أكتوبر 1973، لم يذكره إطلاقا، ولدى سر أرويه للمرة الأولى بعدما أخذت عهدا مع صديقى اللواء حسن حسين عبدالغنى رحمه الله بعدم إفشائه وأقسمت له يمين طلاق، ولكن الآن زوجتى توفيت وهو توفي، فأنا فى حل من هذا الوعد، فقد جاءنى يوما اللواء حسين عبدالغنى وكان دفعة مبارك وضابطا كبيرا بالمخابرات الحربية ومبارك فى الكلية الجوية وروى لى أن مبارك وهو اعتادا قضاء يوم الخميس معا يتناولون العشا? سويا ويقضيان بعض الوقت معا، وفى يوم ما اتصل به مبارك وقال له إن السادات طلب مقابلته ولا يعرف لماذا وخمن وقتها إما أنه سيخرج بالمعاش أو سيُعينه محافظا، ووعده مبارك إذا تم تعيينه محافظا سوف تكون سهرتهما القادمة على حسابه، ولكن السادات عينه نائبا له والمسئول عن القوات المسلحة، فأول ما قام به مبارك هو إحالة صديقه اللواء حسين عبدالغنى إلى المعاش وحتى توفاه الله لم يقابل مبارك مرة واحد. 

- ومـاذا تقـول بعد هذه الرحلة الطويلة؟
تعبت كتير، وتعرضت للموت أكثر، وكل مرة يخرجنى الله أقوى مما كنت، وفى النهاية أقول علمت وياليتنى ما علمت فشر الحياة لمن قد علم.
أتمنى كل الخير لهذا البلد ولأبنائنا لأنهم مستقبل مصر المهم الفهم والحوار بين الأجيال لنصل لبر الأمان.
بهذه الامنيات نكون قد أنهينا حوارنا مع أحد أسود ثورة يوليو وحرب أكتوبر والشاهد على الهزيمة والنصر.

المصدر | مجلة نصف الدنيا

الأحد، 15 يوليو 2012

غناوي من وحي الرباعيات

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

لو دارت الأيام واتشقلبت فوق راس .. وجودك
وكل من هب ودب سب ولعن سنسفيل .. جدودك
لابد تعرف أن خوفك أزمتك .. من لازمتك
وإن إنت من غير الكرامة .. فرطت ياحلو في .. حدودك
قالوا الوجع ف الجوع قلت الوجع ف القلب
ياقلبي يا موجوع ماعدتشي فاضل حب
حطوا الألم وسطنا .. لما بقى مننا 
وأحلامنا من صلبنا صلبوها بعد السلب .. آه من ولاد الـ ....


الشر مابيفرقش والفقر مابيقلقش
لو كان ف قلبك وجع
قالوا عليك مش جدع
ف بلادنا يامسكين كل البدع والغش


لو دارت الأيام واتشقلبت فوق راس .. وجودك
وكل من هب ودب سب ولعن سنسفيل .. جدودك
لابد تعرف أن خوفك أزمتك .. من لازمتك
وإن إنت من غير الكرامة .. فرطت ياحلو في .. حدودك


لو منحوك الدهب غار الدهب .. بالملوك 
يا وطننا فيك العجب مملوك ورا .. مملوك
وإن خيروه الظلم .. ييجي ويتحكم
هيقول ياأهل الوطن دنا وسطكم .. صعلوك


رحت لديوان المظالم يمكن ألاقي .. مغيث
تاري الديوان مملكة سلطانها مين ؟ .. إبليس
قعدت فوق الرصيف .. أحلم بنص رغيف
سرقوا الرغيف م الحلم ورموني للكوابيس


أنا قلبي لو مش جدع كان اتمزع م .. الخوف
بيشوف تمللي الحقايق وياريته ما .. بيشوف
نصحته يوم يتغاضى .. بعض التغاضي عبادة
قال وازاي أسيب البلادة تلعب على .. المكشوف


خَدني وقال هسجنك لازم مادمت .. حمار
ده حتى البهايم بقت من طايفة .. الشُطار
حتى القرود ع الحبل .. والنطاطين والهُبل
أنا قلت سجن وعقل ولا يوم يصيبني .. العار


على كل لون اترسم وشك يابو .. وشين
فين طب لون الكرامة تتلونه .. ياحزين
قاللي الزمن ده كده .. معدتش فيه الرضا
ومنين نجيب الهدى في عالم الـ .. مجانين


قالوا الحنش ف الجُحر خليك هنا .. تحاشاه
وإن كنت فاكره يصاحبك يبقى انت عقلك .. تاه 
قام قال دنا مربيه .. ومعلمه وقاريه
ولما راح يخاويه أكله الحنش .. ف عشاه


قالوا إن عشقت اعشق قمر فضحكت .. خخ
قالوا أن سرقت أسرق جمل أنا قلت .. أخ
اشجاب لجاب العشق لسريقة الجمل .. قال محتمل 
إيه العمل مادمنا ياصاحبي فوطن عايش في .. فخ


لو بس يوم ينزوي مولانا ف قيامة
هنلاقي جرعة دوا تشفي علل ياما
فرسان ورا فرسان وطبول وهتيفة
لا بيتنصف انسان ولا هدمته نضيفة
لكن مسير النور تنشق له غمامة .. لو بس يوم ينزوي مولانا ف قيامة

غناوي من وحي الرباعيات

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

لو دارت الأيام واتشقلبت فوق راس .. وجودك
وكل من هب ودب سب ولعن سنسفيل .. جدودك
لابد تعرف أن خوفك أزمتك .. من لازمتك
وإن إنت من غير الكرامة .. فرطت ياحلو في .. حدودك
قالوا الوجع ف الجوع قلت الوجع ف القلب
ياقلبي يا موجوع ماعدتشي فاضل حب
حطوا الألم وسطنا .. لما بقى مننا 
وأحلامنا من صلبنا صلبوها بعد السلب .. آه من ولاد الـ ....


الشر مابيفرقش والفقر مابيقلقش
لو كان ف قلبك وجع
قالوا عليك مش جدع
ف بلادنا يامسكين كل البدع والغش


لو دارت الأيام واتشقلبت فوق راس .. وجودك
وكل من هب ودب سب ولعن سنسفيل .. جدودك
لابد تعرف أن خوفك أزمتك .. من لازمتك
وإن إنت من غير الكرامة .. فرطت ياحلو في .. حدودك


لو منحوك الدهب غار الدهب .. بالملوك 
يا وطننا فيك العجب مملوك ورا .. مملوك
وإن خيروه الظلم .. ييجي ويتحكم
هيقول ياأهل الوطن دنا وسطكم .. صعلوك


رحت لديوان المظالم يمكن ألاقي .. مغيث
تاري الديوان مملكة سلطانها مين ؟ .. إبليس
قعدت فوق الرصيف .. أحلم بنص رغيف
سرقوا الرغيف م الحلم ورموني للكوابيس


أنا قلبي لو مش جدع كان اتمزع م .. الخوف
بيشوف تمللي الحقايق وياريته ما .. بيشوف
نصحته يوم يتغاضى .. بعض التغاضي عبادة
قال وازاي أسيب البلادة تلعب على .. المكشوف


خَدني وقال هسجنك لازم مادمت .. حمار
ده حتى البهايم بقت من طايفة .. الشُطار
حتى القرود ع الحبل .. والنطاطين والهُبل
أنا قلت سجن وعقل ولا يوم يصيبني .. العار


على كل لون اترسم وشك يابو .. وشين
فين طب لون الكرامة تتلونه .. ياحزين
قاللي الزمن ده كده .. معدتش فيه الرضا
ومنين نجيب الهدى في عالم الـ .. مجانين


قالوا الحنش ف الجُحر خليك هنا .. تحاشاه
وإن كنت فاكره يصاحبك يبقى انت عقلك .. تاه 
قام قال دنا مربيه .. ومعلمه وقاريه
ولما راح يخاويه أكله الحنش .. ف عشاه


قالوا إن عشقت اعشق قمر فضحكت .. خخ
قالوا أن سرقت أسرق جمل أنا قلت .. أخ
اشجاب لجاب العشق لسريقة الجمل .. قال محتمل 
إيه العمل مادمنا ياصاحبي فوطن عايش في .. فخ


لو بس يوم ينزوي مولانا ف قيامة
هنلاقي جرعة دوا تشفي علل ياما
فرسان ورا فرسان وطبول وهتيفة
لا بيتنصف انسان ولا هدمته نضيفة
لكن مسير النور تنشق له غمامة .. لو بس يوم ينزوي مولانا ف قيامة

الأحد، 24 يونيو 2012

مصر على حافة الصراع الحتمي


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
لا ندري مالذي حدث في النصف ساعة ما بين الاتفاق على اعلان فوز مرسي وتهنئة شفيق له وبين تراجع شفيق عن التهنئة واعلان الصراع، من وراء هذا الصراع؟ من وراء انقسام الشارع المصري الحاد؟ ملايين في مدينة نصر وملايين في ميدان التحرير ومصر قاب قوسين أو أدني من حرب الشوارع وحرب العصابات.
لا حرية مع الجهل ولا قيم مع الجوع.
العبث السياسي هو السيناريو الوحيد الذي تعيشه مصر الآن، فبعد أن حددت كتلة تصويتية غير مثقّفة الإخوان والفلول والعسكر كوريث شرعي للثورة بعد اقصاء كل الثوريين عن المشاركة ولو بالنذر اليسير من كعكة الحكم الذين هم أولى به فإن الصراع والعنف سيكونان الملمحان الرئيسيان في المرحلة القادمة لاشك في ذلك، واتباع الفريقين ( الإخوان والعسكر ) سيحولون مصر إلى جزائر تسعينيات القرن الماضي حينما انتقل الصراع فيها بين الاسلاميين والجيش الى الشارع وراح ضحاياه عشرات الآلاف من الأبرياء وكادت أن تضيع فيه الجزائر ايضاً.
انني أنحاز انحيازا كاملا للجيش المصري، وأؤمن أنه الدرع الواقي لمصر من ان تتحول إلى دولة طائفية وانه الضامن لمدنية الدولة ولكني لست متفائلا بالطبع، فالقادة العسكريين في مصر مازالوا لا يستطيعون ( هضم ) مسألة ان يكون رئيس مصر مدني، وتقول كواليس الشارع السياسي في مصر ان الذي يتزعم هذا التيار الرافض هم جهاز المخابرات العسكرية، وأنهم اصحاب كل الخطط في عرقلة نقل السلطة حتى الآن.
لقد قام القادة العسكريين بتحضير ( العفريت ) اثناء الثورة بتحالفهم مع تيار الاسلام السياسي لتأمين الحشد الشعبي ضد وراثة جمال مبارك لعرش مصر، وزيادة تكثيف الضغط الشعبي لإنجاح الثورة، وليس ذلك وحسب بل والوقوف ضد الدستور بالسماح لهم بتكوين احزاب ذات مرجعية دينية حتى أن أول حزب سياسي خرج للنور بموافقة ومباركة المجلس العسكري وقبل مرور ثلاثة اشهر على الثورة كان حزب الوسط لأبو العلا ماضي صاحب الميول الإخوانية والمرجعية الدينية، قاموا بتحضير ( العفريت ) وعجزوا عن صرفه.
تقول كواليس الشارع السياسي أن محمد مرسي نجح بفارق تسعمائة ألف صوت وكسور عن منافسه الفريق شفيق، وكان الاتفاق أن يخرج محمد مرسي ليعلن فوزه أمام الناس ثم يخرج أحمد سرحان، المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق أحمد شفيق، بعد إعلان الفوز ليهنئ محمد مرسي، ولكن الذي حدث أن أحمد سرحان، المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق أحمد شفيق طلب مهلة يستشير فيها الفريق احمد شفيق ثم خرج بعد دقائق ليعلن أن الفريق شفيق يرفض تهنئة محمد مرسي بحجة أن شفيق فائز بنفس نسبة فوز مرسي وهي 52%!!.
لا ندري مالذي حدث في النصف ساعة ما بين الاتفاق على اعلان فوز مرسي وتهنئة شفيق له وبين تراجع شفيق عن التهنئة واعلان الصراع، من وراء هذا الصراع؟ من وراء انقسام الشارع المصري الحاد؟ ملايين في مدينة نصر وملايين في ميدان التحرير ومصر قاب قوسين أو أدني من حرب الشوارع وحرب العصابات.
لا شك أن الحكم في مصر استبدادي ولكنه بعد الثورة من دون مستبد، والانتخابات الرئاسية يبدو أنها تهدد بكارثة على مصر، لقد أصبحت مصر جسد برأسين، رأس ترتدي كاب ورأس ترتدي عمامة، وكلا الرأسين تتناطحان من فوق كتف واحد، كتف الوطن الذي كادت أن تتمزق عروقه من شدة نطح الرأسين المتنازعين.
بإقرار الإعلان الدستوري المكمل يكون الانقلاب العسكري الناعم قد حدث بالفعل رغم الممارسات الديموقراطية الهزيلة والمنقوصة التي تجري في الشارع المصري، ومن ثم فالغموض يحيط بمستقبل مصر والثورة المصرية بعد نحو16 شهرا من اندلاعها, فالعسكريون بعد60 عاما من الحكم العسكري لا يمكنهم تخيل هدم أسس النظام القديم الذي يطلق عليه الدولة العميقة ورغم أن المؤشرات توضح إحكام قبضة المجلس العسكري علي السلطة قرب موعد تسليمها, إلا أن هذه القبضة وفي ظل تنامي رفض القوي الثورية والإسلامية لحكم العسكر تنذر باحتمال اندلاع مواجهة سياسية وربما مواجهة مسلحة في المستقبل القريب.
لقد أخطأ المجلس العسكري بتعطيل عمل مجلس الشعب في هذا الوقت بالذات وقبل انتخابات الرئاسة؟, ولست أدري كيف يكون المجلس العسكري له اليد العليا في كل شئ ويتخوف من صعود تيار بعينه لا يملك أي صلاحيات إلا تلك التي يسمح بها العسكريين أنفسهم؟ لقد أدت الممارسات السياسية الأخيرة بين كل النخب السياسية في مصر إلى الإيحاء بأننا نحيا عملا دراميا هزليا وفاشلا لا يحمل في شكله النهائي سوى جملة من الأخطاء والمشاهد الهابطة: علي المجلس العسكري أن يتخلى عن السلطة، ويجلسوا على طاولة المفاوضات مع القوى المدنية دون تغليب قوة على قوة مع كامل الاحترام وادراك خصوصية المؤسسة العسكرية وكذلك مع عدم تقويضها للحكم المدني عمدا.
لاشك أن قوة الجيش أكبر من المطالبين بالتغيير والمعارضين له، والكرة الآن في ملعب العسكريين وليست في ملعب الإخوان المسلمين، فالجيش يملك القوة والعتاد والقدرة والهيمنة حتى ولو كان خارج الحكم وخارج السلطة، أما القوى المدنية فلا تملك سوى أداة الديموقراطية، لذا فلتكمل المؤسسة العسكرية جميلها تجاه مصر والثورة وتعطي الفرصة للقوى المدنية التي اختارها الشعب في البرلمان والرئاسة لنختبرهم السنوات الأربع القادمة، فإن أصابوا فقد أصابت معهم المؤسسة العسكرية، وإن أساءوا فلن يضر المؤسسة العسكرية أن تنقلب عليهم لصالح مصر في ساعة زمن واحدة.
مصر لن تتحمل صراع أبناءها، ولا نتمنى أن يأتي اليوم الذي يأكل فيه المصريون بعضهم بعضاً، عاشت مصر شامخة قادرة سالمة من كل سوء ومحفوظة من كل شر.

 


مصر على حافة الصراع الحتمي


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
لا ندري مالذي حدث في النصف ساعة ما بين الاتفاق على اعلان فوز مرسي وتهنئة شفيق له وبين تراجع شفيق عن التهنئة واعلان الصراع، من وراء هذا الصراع؟ من وراء انقسام الشارع المصري الحاد؟ ملايين في مدينة نصر وملايين في ميدان التحرير ومصر قاب قوسين أو أدني من حرب الشوارع وحرب العصابات.
لا حرية مع الجهل ولا قيم مع الجوع.
العبث السياسي هو السيناريو الوحيد الذي تعيشه مصر الآن، فبعد أن حددت كتلة تصويتية غير مثقّفة الإخوان والفلول والعسكر كوريث شرعي للثورة بعد اقصاء كل الثوريين عن المشاركة ولو بالنذر اليسير من كعكة الحكم الذين هم أولى به فإن الصراع والعنف سيكونان الملمحان الرئيسيان في المرحلة القادمة لاشك في ذلك، واتباع الفريقين ( الإخوان والعسكر ) سيحولون مصر إلى جزائر تسعينيات القرن الماضي حينما انتقل الصراع فيها بين الاسلاميين والجيش الى الشارع وراح ضحاياه عشرات الآلاف من الأبرياء وكادت أن تضيع فيه الجزائر ايضاً.
انني أنحاز انحيازا كاملا للجيش المصري، وأؤمن أنه الدرع الواقي لمصر من ان تتحول إلى دولة طائفية وانه الضامن لمدنية الدولة ولكني لست متفائلا بالطبع، فالقادة العسكريين في مصر مازالوا لا يستطيعون ( هضم ) مسألة ان يكون رئيس مصر مدني، وتقول كواليس الشارع السياسي في مصر ان الذي يتزعم هذا التيار الرافض هم جهاز المخابرات العسكرية، وأنهم اصحاب كل الخطط في عرقلة نقل السلطة حتى الآن.
لقد قام القادة العسكريين بتحضير ( العفريت ) اثناء الثورة بتحالفهم مع تيار الاسلام السياسي لتأمين الحشد الشعبي ضد وراثة جمال مبارك لعرش مصر، وزيادة تكثيف الضغط الشعبي لإنجاح الثورة، وليس ذلك وحسب بل والوقوف ضد الدستور بالسماح لهم بتكوين احزاب ذات مرجعية دينية حتى أن أول حزب سياسي خرج للنور بموافقة ومباركة المجلس العسكري وقبل مرور ثلاثة اشهر على الثورة كان حزب الوسط لأبو العلا ماضي صاحب الميول الإخوانية والمرجعية الدينية، قاموا بتحضير ( العفريت ) وعجزوا عن صرفه.
تقول كواليس الشارع السياسي أن محمد مرسي نجح بفارق تسعمائة ألف صوت وكسور عن منافسه الفريق شفيق، وكان الاتفاق أن يخرج محمد مرسي ليعلن فوزه أمام الناس ثم يخرج أحمد سرحان، المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق أحمد شفيق، بعد إعلان الفوز ليهنئ محمد مرسي، ولكن الذي حدث أن أحمد سرحان، المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق أحمد شفيق طلب مهلة يستشير فيها الفريق احمد شفيق ثم خرج بعد دقائق ليعلن أن الفريق شفيق يرفض تهنئة محمد مرسي بحجة أن شفيق فائز بنفس نسبة فوز مرسي وهي 52%!!.
لا ندري مالذي حدث في النصف ساعة ما بين الاتفاق على اعلان فوز مرسي وتهنئة شفيق له وبين تراجع شفيق عن التهنئة واعلان الصراع، من وراء هذا الصراع؟ من وراء انقسام الشارع المصري الحاد؟ ملايين في مدينة نصر وملايين في ميدان التحرير ومصر قاب قوسين أو أدني من حرب الشوارع وحرب العصابات.
لا شك أن الحكم في مصر استبدادي ولكنه بعد الثورة من دون مستبد، والانتخابات الرئاسية يبدو أنها تهدد بكارثة على مصر، لقد أصبحت مصر جسد برأسين، رأس ترتدي كاب ورأس ترتدي عمامة، وكلا الرأسين تتناطحان من فوق كتف واحد، كتف الوطن الذي كادت أن تتمزق عروقه من شدة نطح الرأسين المتنازعين.
بإقرار الإعلان الدستوري المكمل يكون الانقلاب العسكري الناعم قد حدث بالفعل رغم الممارسات الديموقراطية الهزيلة والمنقوصة التي تجري في الشارع المصري، ومن ثم فالغموض يحيط بمستقبل مصر والثورة المصرية بعد نحو16 شهرا من اندلاعها, فالعسكريون بعد60 عاما من الحكم العسكري لا يمكنهم تخيل هدم أسس النظام القديم الذي يطلق عليه الدولة العميقة ورغم أن المؤشرات توضح إحكام قبضة المجلس العسكري علي السلطة قرب موعد تسليمها, إلا أن هذه القبضة وفي ظل تنامي رفض القوي الثورية والإسلامية لحكم العسكر تنذر باحتمال اندلاع مواجهة سياسية وربما مواجهة مسلحة في المستقبل القريب.
لقد أخطأ المجلس العسكري بتعطيل عمل مجلس الشعب في هذا الوقت بالذات وقبل انتخابات الرئاسة؟, ولست أدري كيف يكون المجلس العسكري له اليد العليا في كل شئ ويتخوف من صعود تيار بعينه لا يملك أي صلاحيات إلا تلك التي يسمح بها العسكريين أنفسهم؟ لقد أدت الممارسات السياسية الأخيرة بين كل النخب السياسية في مصر إلى الإيحاء بأننا نحيا عملا دراميا هزليا وفاشلا لا يحمل في شكله النهائي سوى جملة من الأخطاء والمشاهد الهابطة: علي المجلس العسكري أن يتخلى عن السلطة، ويجلسوا على طاولة المفاوضات مع القوى المدنية دون تغليب قوة على قوة مع كامل الاحترام وادراك خصوصية المؤسسة العسكرية وكذلك مع عدم تقويضها للحكم المدني عمدا.
لاشك أن قوة الجيش أكبر من المطالبين بالتغيير والمعارضين له، والكرة الآن في ملعب العسكريين وليست في ملعب الإخوان المسلمين، فالجيش يملك القوة والعتاد والقدرة والهيمنة حتى ولو كان خارج الحكم وخارج السلطة، أما القوى المدنية فلا تملك سوى أداة الديموقراطية، لذا فلتكمل المؤسسة العسكرية جميلها تجاه مصر والثورة وتعطي الفرصة للقوى المدنية التي اختارها الشعب في البرلمان والرئاسة لنختبرهم السنوات الأربع القادمة، فإن أصابوا فقد أصابت معهم المؤسسة العسكرية، وإن أساءوا فلن يضر المؤسسة العسكرية أن تنقلب عليهم لصالح مصر في ساعة زمن واحدة.
مصر لن تتحمل صراع أبناءها، ولا نتمنى أن يأتي اليوم الذي يأكل فيه المصريون بعضهم بعضاً، عاشت مصر شامخة قادرة سالمة من كل سوء ومحفوظة من كل شر.

 


الجمعة، 25 مايو 2012

الإخوان المسلمون .. لن تنسى لكم مصر هذه الفعلة النكراء


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
الشعب المصري يدرك أن الجيش هو الضامن الوحيد لمدنية الدولة وهو الضامن الوحيد لحقوق طوائف الشعب المختلفة مهما كان حجمها صغيرا أم كبيرا وهو ما لم تنجح في التلويح به جماعات الإسلام السياسي على الإطلاق بصورة واضحة غير ملتوية لتبث بذلك التلويح الطمأنينة للشعب حتى بعد أن اعتلت واحتلت النقابات والبرلمان ومجلس الشورى.

الإخوان المسلمون الذين فازوا بنصف الأصوات في الانتخابات البرلمانية تصدروا نتيجة انتخابات الرئاسة بصعوبة، وهذا لأنهم لم يجدوا حلولا لمشكلات الشعب، تلك التي يعانى منها، كما أنهم أخطأوا عندما اعتقدوا أن «خطابهم الديني» يكفى لوقوف الناس خلفهم كما حدث من قبل، بينما استخدم شفيق رسالة محددة وهى أنه «يملك الخبرة السياسية وسيحقق الأمن والاستقرار للبلاد وسيستخدم الجيش لقمع الفوضى».
الشعب المصري طيلة وجوده الحضاري شعب متدين لكنه لا يقبل أن يحكمه رجل دين، طيلة وجوده الحضاري لا يثق في رجل الدين كحاكم قائد فارس ولكنه يثق فيه كثوري معارض عنيد لا يحق له اعتلاء كرسي الحكم أبداً.
كان حلم المصريين بعد الثورة أن يكون البرلمان هو الكيان المعارض للحكومة وتغلب عليه المرجعية الدينية أما الرئيس فيجب أن تغلب عليه الصفة العسكرية حتى ولو كان لا يفقه شئ في السياسة فمصر ملأي بالمستشارين والخبراء العظام من كل لون وطيف وعلم ليعلموه ويسندوه ويؤازروه، فالرئيس ليس رئيسا بمفرده ولكن بمن حوله، ومن هنا كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد وهي أن الفلاحين والعمال وحتى بدو الصحراء في مصر بنسبة تخطت 25% من حجم الأصوات الانتخابية قاموا بالتصويت للجيش في شخص ( الفريق ) أحمد شفيق بالرغم من كونه عدو الثورة رقم واحد وصديق المخلوع رقم واحد وآخر رئيس وزراء للمخلوع في عمق الأزمة وحتى بعد التنحي ببضعة أيام وصاحب المقولة الشهيرة " سأرسل البونبوني للثوار في ميدان التحرير" حتى أطلق عليه الثوار شفيق بونبوني.
الشعب المصري يدرك أن الجيش هو الضامن الوحيد لمدنية الدولة وهو الضامن الوحيد لحقوق طوائف الشعب المختلفة مهما كان حجمها صغيرا أم كبيرا وهو ما لم تنجح في التلويح به جماعات الإسلام السياسي على الإطلاق بصورة واضحة غير ملتوية لتبث بذلك التلويح الطمأنينة للشعب حتى بعد أن اعتلت واحتلت النقابات والبرلمان ومجلس الشورى.
الشعب المصري مر بمراحل تاريخية حرجة كادت أن تبيده من على خارطة العالم كما أبادت انجلترا والبرتغال واسبانيا ممالك الهنود الحمر في القارة الأمريكية لحساب الجنس الأبيض الأوروبي، وربما من أحرج لحظاته الكثيرة التاريخية لحظتان اذكرهما:
الأولى حينما خرج منتصرا على الفرنساوية في معركة المنصورة ليجد الملكة شجر الدر زوجة الصالح أيوب قد قتلت كل أمراء مصر بمن فيهم توران شاه ولي العهد بعد أبيه وماتت هي أيضا لتصبح مصر بلا قائد أو رئيس أو حاكم وجاء من استغل الفرصة في ضياع مصر وقلة حيلتها وهي واقفة بين أمم العالم بلا رأس، جاءها من يهددها، جاءها رسول المغول يطلب من الشعب تسليم القاهرة وتسليم مصر التي أصبحت بلا ملك ولا رأس يحكمها.
لم يدرك رسول التتار والمغول أن شعب مصر هو الرأس والجسد معا وان حاكم مصر زائل وأن رحم الوطن خصب وولود، وذهب الشعب المصري في هذا الظرف المظلم ليستعين برجال الدين المشهود لهم بالعمل الثوري والكبرياء الوطني لتكون النصيحة في قائد عسكري قوي هو " محمود " وكان ضابطا قويا ذا بأس تربي في الأسواق وسط المصريين وحارب ضد كل غزاة مصر وشارك في بعض أعمال السياسة ووضع شروط الجلاء الفرنسي فعرفه المصريون فارساً قويا في ساحات المعركة وسياسيا محنكا في ساحات الدبلوماسية فاختاروه ليقودهم للنصر على المغول بل ويقود العرب جميعاً في ذلك الوقت ويثبت المصريون في أحرج لحظاتهم التاريخية أنهم حائط صد وجدار ناري يستحيل أن تخترقه أو تعبث بأفكاره وذاكرته وعناده الحضاري.
المدهش أننا لم نجد المصريين في ذلك الظرف الحرج يختاروا شيخ الأزهر مثلاً أو شيخ المسجد الأحمدي وكان له قوة روحية عظيمة وقتذاك وهو الشيخ السيد احمد البدوي الذي كان أسطورة عصره بين الناس ويعيش بين المصريين وقتها، المصريون مزاجهم السياسي شديد التعقيد ولا ينجذب لرئيس أو حاكم رجل دين أو له مرجعية دينية على الإطلاق رغم تدينهم ولكن اكرر مرة أخرى وهو أن مزاجهم الحضاري ( شديد التعقيد ) ينجذب فقط لرجل دين معارض أو له مرجعية دينية كما حدث في اللحظة التاريخية الثانية مع محمد على باشا الذي ألتف حوله المصريون من خلال قادتهم الدينيين الثوريين من مشايخ الأزهر الذين لم يختاروهم لحكم مصر رغم الثقة الكاملة فيهم ولكنهم اختاروا الضابط الفارس القوي الذي يمتلك أدوات النهضة دون تمييز بين مسلم سني أو شيعي أو بهائي في ذلك الوقت أو مسيحي أو يهودي على حساب طائفة بعينها لأنه وكما قلت ذكاء المصريين الحضاري ( شديد التعقيد ) يجعلهم يدركون أن العسكر هم الضامن الوحيد لتوأمة الطوائف المختلفة داخل الوطن الواحد أو ما نطلق علية اليوم مدنية الدولة لذا فقد توسموا في محمد على باشا أن يفعل ذلك وكان وقت أن اختاروه ضابطا صغيراً برتبة ملازم – توسموا فيه القدرة على إنهاض مصر من كبوتها وأن يجمع المصريين في سلة وطنية واحدة وكانوا محقين في ذلك ولم يخذلهم محمد على باشا في ظنهم فأطلق نهضة مصر الكبرى والحديثة التي نعيش على جذورها حتى يومنا هذا وحيث رفع شعار " مصر للمصريين من كل عرق ودين" وقضى على ( الفلول) في 36 ساعة فيما يسمى بمذبحة القلعة الكبرى وتحولت مصر على يده في خمس سنوات لدولة عظمى في جنوب المتوسط.
لا يمكن لأحد التكهن بما سيفعله المصريون غداً، إذا أردت أن تتكهن فعليك فقط الإيمان بأن ما سيفعله المصريون غدا هو فعل ابتكاري لم يسبقهم إليه احد من أي أمه أخرى في التاريخ وربما هذا ما يميز ثورتهم عن أي ثورة شعب آخر من حولهم وتفردها بسيناريوهات لا توجد إلا فيها فقط وليس في أي بلد آخر حولها ومن ضمن تلك السيناريوهات الفريدة من نوعها في المنطقة، سيناريو انتخابات الرئاسة بثلاثة عشرة مرشحاً بدون دستور! ثم خوض هذه الانتخابات بشكل حضاري أذهل الجميع ولكنهم في خضم هذا الذهول وجدوا تفرداً آخر للمصريين لا يمكن أن يحدث أو تجده على الإطلاق إلا في شعب مصر حيث ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه ثورتهم وفي وجه كل داعمي تلك الثورة وفي وجه الثوريين ومليونياتهم التي أوقفت حال الناس وخربت بيوتهم، ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه النشطاء الشباب، ومتظاهرو التحرير الذين لم يفز مرشحوهم المفضلون، سواء كان الليبرالي الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح، أو القومي اليساري حمدين صباحي، ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه كل تيار الإسلام السياسي بكل ألوانه سلفي وجماعة إسلامية ووسط والذي يتزعمه تنظيم الإخوان المسلمين الذي تصدر مرشحه محمد مرسى الانتخابات بصعوبة بالغة جعلت بعض رجال الحزب يصابوا بذبحة صدرية والتفكير في انفصال الحزب عن الجماعة انفصال سياسي كامل.
ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه الجميع وحتى في وجه أنفسهم واختاروا الجيش في شخص ( الفريق ) احمد شفيق ورغم حالة الاكتئاب التي ستنتابني طيلة أربعة سنوات كاملة في حال صار شفيق رئيساً لمصر لكوني سأكون في صف المعارضين له حتى ولو أصاب، لكن ليس لي الآن سوى أن احترم أرادة هذا الشعب العظيم على اختياره لإيماني بأنه من أعظم أمم الأرض وشعب مبتكر حتى في ( أسود ) لحظاته الحضارية، وكلمة أخيرة للإخوان والسلفيين: أداؤكم المخزي والتافه والثأري في البرلمان وفي الشارع المصري وعلى صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون بعد حصولكم على الأغلبية هو ما دفع المصريين في القري والنجوع أن يديروا لكم ظهورهم حتى في قرية محمد مرسي ذاتها التي لم تنتخبه وفاز فيها فقط باثني عشر صوتاً ( 12 صوت ) قيل أنهم أبناء عمومته وقيل أنها عار سياسي سيلاحقه مدى الحياة وحتى بعد أن يدخل القبر، محمد مرسي زعيم الإخوان رفضه أهله وناسه وإخوته من أبناء قريته في الشرقية وأسقطوه سقوطا مريعاً فكيف لنا أن نصوت له نحن لينجح؟!
انتم وليس صندوق الاقتراع من سيأتي بشفيق ولو جاء شفيق وصار رئيسا لمصر لن تنسى لكم مصر هذه الفعلة النكراء ولن ينساها لكم التاريخ.

الإخوان المسلمون .. لن تنسى لكم مصر هذه الفعلة النكراء


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
الشعب المصري يدرك أن الجيش هو الضامن الوحيد لمدنية الدولة وهو الضامن الوحيد لحقوق طوائف الشعب المختلفة مهما كان حجمها صغيرا أم كبيرا وهو ما لم تنجح في التلويح به جماعات الإسلام السياسي على الإطلاق بصورة واضحة غير ملتوية لتبث بذلك التلويح الطمأنينة للشعب حتى بعد أن اعتلت واحتلت النقابات والبرلمان ومجلس الشورى.

الإخوان المسلمون الذين فازوا بنصف الأصوات في الانتخابات البرلمانية تصدروا نتيجة انتخابات الرئاسة بصعوبة، وهذا لأنهم لم يجدوا حلولا لمشكلات الشعب، تلك التي يعانى منها، كما أنهم أخطأوا عندما اعتقدوا أن «خطابهم الديني» يكفى لوقوف الناس خلفهم كما حدث من قبل، بينما استخدم شفيق رسالة محددة وهى أنه «يملك الخبرة السياسية وسيحقق الأمن والاستقرار للبلاد وسيستخدم الجيش لقمع الفوضى».
الشعب المصري طيلة وجوده الحضاري شعب متدين لكنه لا يقبل أن يحكمه رجل دين، طيلة وجوده الحضاري لا يثق في رجل الدين كحاكم قائد فارس ولكنه يثق فيه كثوري معارض عنيد لا يحق له اعتلاء كرسي الحكم أبداً.
كان حلم المصريين بعد الثورة أن يكون البرلمان هو الكيان المعارض للحكومة وتغلب عليه المرجعية الدينية أما الرئيس فيجب أن تغلب عليه الصفة العسكرية حتى ولو كان لا يفقه شئ في السياسة فمصر ملأي بالمستشارين والخبراء العظام من كل لون وطيف وعلم ليعلموه ويسندوه ويؤازروه، فالرئيس ليس رئيسا بمفرده ولكن بمن حوله، ومن هنا كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد وهي أن الفلاحين والعمال وحتى بدو الصحراء في مصر بنسبة تخطت 25% من حجم الأصوات الانتخابية قاموا بالتصويت للجيش في شخص ( الفريق ) أحمد شفيق بالرغم من كونه عدو الثورة رقم واحد وصديق المخلوع رقم واحد وآخر رئيس وزراء للمخلوع في عمق الأزمة وحتى بعد التنحي ببضعة أيام وصاحب المقولة الشهيرة " سأرسل البونبوني للثوار في ميدان التحرير" حتى أطلق عليه الثوار شفيق بونبوني.
الشعب المصري يدرك أن الجيش هو الضامن الوحيد لمدنية الدولة وهو الضامن الوحيد لحقوق طوائف الشعب المختلفة مهما كان حجمها صغيرا أم كبيرا وهو ما لم تنجح في التلويح به جماعات الإسلام السياسي على الإطلاق بصورة واضحة غير ملتوية لتبث بذلك التلويح الطمأنينة للشعب حتى بعد أن اعتلت واحتلت النقابات والبرلمان ومجلس الشورى.
الشعب المصري مر بمراحل تاريخية حرجة كادت أن تبيده من على خارطة العالم كما أبادت انجلترا والبرتغال واسبانيا ممالك الهنود الحمر في القارة الأمريكية لحساب الجنس الأبيض الأوروبي، وربما من أحرج لحظاته الكثيرة التاريخية لحظتان اذكرهما:
الأولى حينما خرج منتصرا على الفرنساوية في معركة المنصورة ليجد الملكة شجر الدر زوجة الصالح أيوب قد قتلت كل أمراء مصر بمن فيهم توران شاه ولي العهد بعد أبيه وماتت هي أيضا لتصبح مصر بلا قائد أو رئيس أو حاكم وجاء من استغل الفرصة في ضياع مصر وقلة حيلتها وهي واقفة بين أمم العالم بلا رأس، جاءها من يهددها، جاءها رسول المغول يطلب من الشعب تسليم القاهرة وتسليم مصر التي أصبحت بلا ملك ولا رأس يحكمها.
لم يدرك رسول التتار والمغول أن شعب مصر هو الرأس والجسد معا وان حاكم مصر زائل وأن رحم الوطن خصب وولود، وذهب الشعب المصري في هذا الظرف المظلم ليستعين برجال الدين المشهود لهم بالعمل الثوري والكبرياء الوطني لتكون النصيحة في قائد عسكري قوي هو " محمود " وكان ضابطا قويا ذا بأس تربي في الأسواق وسط المصريين وحارب ضد كل غزاة مصر وشارك في بعض أعمال السياسة ووضع شروط الجلاء الفرنسي فعرفه المصريون فارساً قويا في ساحات المعركة وسياسيا محنكا في ساحات الدبلوماسية فاختاروه ليقودهم للنصر على المغول بل ويقود العرب جميعاً في ذلك الوقت ويثبت المصريون في أحرج لحظاتهم التاريخية أنهم حائط صد وجدار ناري يستحيل أن تخترقه أو تعبث بأفكاره وذاكرته وعناده الحضاري.
المدهش أننا لم نجد المصريين في ذلك الظرف الحرج يختاروا شيخ الأزهر مثلاً أو شيخ المسجد الأحمدي وكان له قوة روحية عظيمة وقتذاك وهو الشيخ السيد احمد البدوي الذي كان أسطورة عصره بين الناس ويعيش بين المصريين وقتها، المصريون مزاجهم السياسي شديد التعقيد ولا ينجذب لرئيس أو حاكم رجل دين أو له مرجعية دينية على الإطلاق رغم تدينهم ولكن اكرر مرة أخرى وهو أن مزاجهم الحضاري ( شديد التعقيد ) ينجذب فقط لرجل دين معارض أو له مرجعية دينية كما حدث في اللحظة التاريخية الثانية مع محمد على باشا الذي ألتف حوله المصريون من خلال قادتهم الدينيين الثوريين من مشايخ الأزهر الذين لم يختاروهم لحكم مصر رغم الثقة الكاملة فيهم ولكنهم اختاروا الضابط الفارس القوي الذي يمتلك أدوات النهضة دون تمييز بين مسلم سني أو شيعي أو بهائي في ذلك الوقت أو مسيحي أو يهودي على حساب طائفة بعينها لأنه وكما قلت ذكاء المصريين الحضاري ( شديد التعقيد ) يجعلهم يدركون أن العسكر هم الضامن الوحيد لتوأمة الطوائف المختلفة داخل الوطن الواحد أو ما نطلق علية اليوم مدنية الدولة لذا فقد توسموا في محمد على باشا أن يفعل ذلك وكان وقت أن اختاروه ضابطا صغيراً برتبة ملازم – توسموا فيه القدرة على إنهاض مصر من كبوتها وأن يجمع المصريين في سلة وطنية واحدة وكانوا محقين في ذلك ولم يخذلهم محمد على باشا في ظنهم فأطلق نهضة مصر الكبرى والحديثة التي نعيش على جذورها حتى يومنا هذا وحيث رفع شعار " مصر للمصريين من كل عرق ودين" وقضى على ( الفلول) في 36 ساعة فيما يسمى بمذبحة القلعة الكبرى وتحولت مصر على يده في خمس سنوات لدولة عظمى في جنوب المتوسط.
لا يمكن لأحد التكهن بما سيفعله المصريون غداً، إذا أردت أن تتكهن فعليك فقط الإيمان بأن ما سيفعله المصريون غدا هو فعل ابتكاري لم يسبقهم إليه احد من أي أمه أخرى في التاريخ وربما هذا ما يميز ثورتهم عن أي ثورة شعب آخر من حولهم وتفردها بسيناريوهات لا توجد إلا فيها فقط وليس في أي بلد آخر حولها ومن ضمن تلك السيناريوهات الفريدة من نوعها في المنطقة، سيناريو انتخابات الرئاسة بثلاثة عشرة مرشحاً بدون دستور! ثم خوض هذه الانتخابات بشكل حضاري أذهل الجميع ولكنهم في خضم هذا الذهول وجدوا تفرداً آخر للمصريين لا يمكن أن يحدث أو تجده على الإطلاق إلا في شعب مصر حيث ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه ثورتهم وفي وجه كل داعمي تلك الثورة وفي وجه الثوريين ومليونياتهم التي أوقفت حال الناس وخربت بيوتهم، ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه النشطاء الشباب، ومتظاهرو التحرير الذين لم يفز مرشحوهم المفضلون، سواء كان الليبرالي الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح، أو القومي اليساري حمدين صباحي، ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه كل تيار الإسلام السياسي بكل ألوانه سلفي وجماعة إسلامية ووسط والذي يتزعمه تنظيم الإخوان المسلمين الذي تصدر مرشحه محمد مرسى الانتخابات بصعوبة بالغة جعلت بعض رجال الحزب يصابوا بذبحة صدرية والتفكير في انفصال الحزب عن الجماعة انفصال سياسي كامل.
ضرب المصريون في انتخابات الرئاسة كرسي في الكلوب في وجه الجميع وحتى في وجه أنفسهم واختاروا الجيش في شخص ( الفريق ) احمد شفيق ورغم حالة الاكتئاب التي ستنتابني طيلة أربعة سنوات كاملة في حال صار شفيق رئيساً لمصر لكوني سأكون في صف المعارضين له حتى ولو أصاب، لكن ليس لي الآن سوى أن احترم أرادة هذا الشعب العظيم على اختياره لإيماني بأنه من أعظم أمم الأرض وشعب مبتكر حتى في ( أسود ) لحظاته الحضارية، وكلمة أخيرة للإخوان والسلفيين: أداؤكم المخزي والتافه والثأري في البرلمان وفي الشارع المصري وعلى صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون بعد حصولكم على الأغلبية هو ما دفع المصريين في القري والنجوع أن يديروا لكم ظهورهم حتى في قرية محمد مرسي ذاتها التي لم تنتخبه وفاز فيها فقط باثني عشر صوتاً ( 12 صوت ) قيل أنهم أبناء عمومته وقيل أنها عار سياسي سيلاحقه مدى الحياة وحتى بعد أن يدخل القبر، محمد مرسي زعيم الإخوان رفضه أهله وناسه وإخوته من أبناء قريته في الشرقية وأسقطوه سقوطا مريعاً فكيف لنا أن نصوت له نحن لينجح؟!
انتم وليس صندوق الاقتراع من سيأتي بشفيق ولو جاء شفيق وصار رئيسا لمصر لن تنسى لكم مصر هذه الفعلة النكراء ولن ينساها لكم التاريخ.

الجمعة، 23 مارس 2012

الخبل السياسي المعاصر في مصر


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
ثار الشعب المصري في وجه الوصية، وذهبت الملكة نازلي إلى قصر المنيل لتجثو على ركبتيها باكية أمام الأمير محمد على رئيس مجلس العائلة المالكة في أنها لاتريد احمد زيوار باشا وصيا على فاروق.

أمة بلا دستور هي امة بلا عقل، وإذا فقدت الامة عقلها صارت نهبا للفوضى ولن تنجو إلا بعد أن تدفع ثمنا غاليا من كرامتها.
حينما نقرأ في صفحة الحوادث عن شاب اغتصب امه جنسيا وعن شاب اخر اطلق الرصاص على امه فأرداها قتيلة فإننا رغم بشاعة الحادثتين نعتبر أن الذي اغتصب امه أشد اجراما وقبحا من ذلك الذي اطلق علي أمه الرصاص، نحن الآن نغتصب امنا مصر وبعد الاغتصاب نصوب عليها فوهة مدافعنا لنقتلها رغم صدرها الحنون، فهل نحن بعد الثورة لا نستحق مصر التي ثار من اجل نجدتها وحريتها الشباب، هل نحن لا نستحق مصر التي أسأنا إليها ربما أكثر مما أساء لها الفاسدون برعاية آل الفرعون مبارك، فلقد اغتصب خيرها فرعون وملائه أما نحن اليوم بعد الثورة فنحاول اغتصاب شرفها الحضاري قبل أن نطلق عليها الرصاص.
مصر مقبلة على حرب، لاشك أن حرباً شرسة قادمة، عمود دخان سيخرج من باطن النيل ليغطي سماء مصر كلها بالسواد، دوامة شديدة الوطأة ستبتلع ثلاثة اجيال كاملة ولن نستطيع الصمود أمامها كثيرا أو أمام الإعصار، ولن يصد التهامها للأرواح مليونيات كل ميادين التحرير في مصر، فنحن شديدي الإعياء، انهكتنا الاضرابات والغلاء وجهل الساسة وقطع الطريق وسرقة الناس والبنوك في وضح النهار في ظل غياب ابسط قواعد الامن التي يجب ان تتحلى بها اي امة شريفة.
اليأس في قلوب البسطاء بعد الثورة أعظم من قهرهم على يد آل الطاغية مبارك، فمن ازمة انبوبة البوتاجاز الى أزمة لتر البنزين مرورا بأزمة الثقة في الحكام الجدد الذين لا هم لهم سوى حظر الاحتفال بيوم الام ودقيقة الحداد على من ماتوا من رموز الوطن وكأنهم يهربون من عجزهم في إقامة العدل الاجتماعي بعد أن عجزوا عن توحيد صفوفهم وصف الأمة حول مشروع قومي تنموي واحد وكأنهم اعداء مصر وليسوا أبنائها.
لقد منع عمر بن الخطاب تطبيق حد السرقة وقطع يد السارق في عام المجاعة، كان يعلم ان جوع الناس مسئوليته، وارتواء الناس بالعدل مسئولية الحاكم، لقد تحول نصف المجتمع إلى لصوص طعام حتى لا يهلكوا جوعا، وحينما يتحول نصف المجتمع إلى لصوص من شدة الجوع فإن اي حاكم يطبق الأحكام العرفية ويتربص بالرعية في الشوارع ليقبض عليهم ويطبق عليهم اقصى العقوبة ظنا منه أنه يدافع عن هيبة الدولة ناسيا ان تحول المجتمع الى لصوص طعام سببه أنه كحاكم عاجز عن تطبيق العدل الاجتماعي، هيبة الدولة اساسها العدل وان يرضى الناس بما يتقاضونه من راتب يكفى حد الرضا من احتياجاتهم تحت ظل فرض العدل والأمن والمواطنة، ليس العدل باللحية وبانتمائك الديني وانما العدل بالصلاح وانتمائك الوطني.
تتربص اسرائيل وبعض دول الغرب بمصر، حربا وشيكة قادمة، يفرح بعض البسطاء بأن ذلك فرصة عظيمة للشهادة في سبيل الله رغم ان شرع الله في كل الأديان السماوية يحدد ( النصر أو الشهادة ) بمعني أن غطرستك واستعلائك وانعزالك عن العالم وتصورك أن العالم كله ضدك يتربص بك سيدفعك حتما لدخول حرب مع احدى تلك القوى التي تتربص بك بالفعل دون أن تتأهب لها أو تستعد للنصر فيها وكيف تتأهب لها وتستعد للنصر وأنت غارق في فوضى سياسية واجتماعية لم تمر بها مصر منذ عهد المستنصر بالله الفاطمي ومن ثم فحتما سيكون مصيرك القتل وليس الشهادة لأنك ستترك عار الهزيمة لمن سيبقى خلفك على قيد الحياة وشرط الشهادة الإيمان بالنصر قبل دخول الحرب بأدوات القوة وليس بأدوات الحلم الذي يجلب حتماً عار الهزيمة، وحينما سُئل عامة الناس في الهند في أواخر خمسينات القرن الماضي عن رأيهم فيما لو نشبت حربا نووية بين الهند وباكستان كان رأي غالب البسطاء والفقراء الهنود وهم غالبية الشعب وقتذاك بالموافقة على الحرب حتى وان راح ضحيتها الملايين فهم لا يملكون شيئا والحرب والإبادة ستريح الفقراء من جحيم هذه الحياة الملعونة، لقد وصل لسان حال العباد في مصر اليوم إلى مقولة ( انشالله تخرب ) ولو حدثت حرب فلن نبالي بالموت لكوننا أموات بالفعل.
وهذه حكاية تحتوي على حادثة وانتصار وصفحة بيضاء من صفحات شعب مصر كان بطلها حزب الوفد وزعيمة مصطفى النحاس باشا بعد وفاة الملك فؤاد الأول وهي غير مدونة في كتب التاريخ ولكني عثرت عليها مصادفة في مكتبة اللواء سعيد مختار ابن مختار باشا كاتم اسرار الأمير محمد على أثناء حواري معه في صيف عام 2009 مع اطلاعي على بعض الصور حتى ان هذه الحادثة خافية على كل الوفديين المعاصرين حالياً.
لم يلبث الملك أحمد فؤاد كثيراً بعد إقالة وزارة "توفيق نسيم" في 30 يناير من عام 1936 وحيث لم يعين حكومة اخرى بدلا منها لينفرد وحده بحكم مصر حتي تدهورت حالته الصحية ووافته المنية فجأة في 28 أبريل عام 1936م إثر مشادة عنيفة بينه وبين السير "مايلز لامبسون" المندوب السامي البريطاني بسبب أن السير "مايلز لامبسون" أعتبر الملك فؤاد ما عاد صديقا لإنجلترا كما كان وان فؤاد يميل الآن للشعب تحت ضغط حزب الوفد الذي يحاول اكمال بنود معاهدة 1936 التي بموجبها تحصل مصر على استقلالها، مات فؤاد في قصره بينما كان النحاس باشا يوقع بالأحرف الأولى في قصر الزعفران بالعباسية معاهدة 1936، مات فجأة هماً وكمداً وبوفاته الفجائية صارت مصر بين عشية وضحاها مملكة بلا حكومة وبلا برلمان وبلا ملك إذ كان فاروق حينها دون السن القانونية لاعتلاء عرش مصر.
ليس في مصر سوى مجموعة من الهلافيت أتي بهم فؤاد ليديروا شئون البلاد من خلاله ( قائمين بأعمال ) – كما فعل مبارك بمصر - ليتشفى فؤاد من خلالهم في حزب الوفد وفي النحاس باشا زعيم الوفد الذي يصر على طرد الإنجليز من داخل جدران قصر " خوشيار هانم " المسمى بقصر الزعفران ( جامعة عين شمس حالياً ) وحيث مصر كلها كانت في قبضته، مصير شعب مصر والسودان كله في قبضة طاغية، ولكن رغم كآبة المنظر كانت نقطة النور الوحيدة في ذلك المشهد الصعب هو أن مصر تمتلك دستوراً على الرغم من أنه كان دستورا يعظم الملك إذ أن الملك فؤاد بعد أن ناصب حزب الوفد ذا الشعبية العريضة العداء، وأدت مؤامراته لاستقالة وزارات مصطفي النحاس عدة مرات أتي بأكثر الوزارات بطشاً وهي وزارة اسماعيل صدقي باشا ليلغي بها دستور 1923 ويقوم بتفصيل دستور جديد يعظم به سلطاته وسلطات من سيأتي من بعده لذلك كان فؤاد أعظم ديكتاتور مصري شهده القرن العشرين.
في عهد فؤاد كان كل شيء جاهز لاغتصاب مصر مرة أخرى لصالح الإنجليز، لكن وفاته جعلت المصريين يستبشرون خيرا في مستقبلهم، ولكن فؤاد كان جبارا حتى بعد موته، فمستقبل مصر رغم الموت يتوقف على وصيته التي يحدد فيها الوصي على عرش مصر حتى يصل فاروق للسن القانونية التي حددها الدستور.
الكل مطمئن إلى أن الملك الراحل اختار أحد أفراد العائلة للوصاية على العرش، فالمصريون ليس من عاداتهم قبول شخص من خارج العائلة المالكة ليكون وصيا على العرش إذ أن الوصي دائما ما يكون في حكم الوالد ولن يطيق المصريون ان شخصاً غريبا حتى لو كان مصريا يدخل ويخرج على ملكة مصر هكذا بحجة وصايته على فاروق وكأنه زوجها، كان الشعب مطمئن الى أن الوصية لن تخرج عن اطار العائلة ولكن خيب الملك الراحل فؤاد الأول آمال المصريين ولم تكن الوصية كما توقعها الشعب.
كانت الوصية من ثلاث نسخ، نسخة في خزانة القصر ونسخة في خزانة الحكومة المنحلة ونسخة في خزانة البرلمان المنحل، وكان الأمير "محمد على" وهو رئيس مجلس العائلة المالكة آنذاك عليه مسئولية قراءة الوصية في حضور المتبقي من النظام السابق وهي حكومة "توفيق نسيم" التي اقيلت في شهر يناير السابق لوفاة فؤاد وحيث لا وجود للبرلمان.
جاءت وصية الملك فؤاد بتكليف احمد زيوار باشا ليكون وصيا على العرش، كارثة حلت على مصر وعلى نازلي، فأحمد زيوار باشا تربطه بالملك فؤاد ليس اواصر صداقة ولكن أواصر مؤامرة حينما نجح سعد زغلول في عمل دستور 1923 الذي اعطى الاستقلال لمصر واوشك على طرد الانجليز الذين يحتمي بهم الملك فؤاد بل وصار بمقتضاه رئيسا للوزارة في 28 يناير 1924 استشاط فؤاد غيظاً وكاد يموت من شدة القهر وحينها استعان بالمؤامرة مع الانجليز واحمد زيوار باشا في طرد سعد زغلول من الوزارة التي لم تستمر سوى بضعة شهور لتنتهي في 24 نوفمبر من نفس العام 1924 ويتولى احمد زيوار رئاسة الوزارة الجديدة في نفس اليوم ولمدة عامين كاملين وبرعاية بريطانية.
كان فؤاد يعلم أن وصاية احمد زيوار باشا على العرش لن تمكن الوفد صاحب الأغلبية الشعبية من الاستيلاء على الحكومة.
كان ولاء فؤاد للإنجليز عظيما حتى بعد وفاته.
ثار الشعب المصري في وجه الوصية، وذهبت الملكة نازلي إلى قصر المنيل لتجثو على ركبتيها باكية أمام الأمير محمد على رئيس مجلس العائلة المالكة في أنها لاتريد احمد زيوار باشا وصيا على فاروق.
في تلك الآثناء كان مصطفى النحاس باشا مهموما مع نخبة من رجالات مصر في التفاوض بشأن معاهدة 1936 بقصر الزعفران مع الانجليز ووفود عظيمة من سياسي الدول وقناصلها ولم يختلف غضبه عن غضب جموع المصريين.
بموجب الدستور كان أمام مصر كلها عشرة أيام لترفض وصية فؤاد، على أن يكون الرفض بإجماع اعضاء البرلمان واعضاء الحكومة وعمد ومشايخ قرى مصر من اسكندرية وحتى أسوان.
عشرة أيام مدة مستحيلة في ظل عدم وجود أي شكل من اشكال النظام في البلد، فالملك ميت والبرلمان والحكومة لاوجود لهما.
48 ساعة، يومان كاملان لم ينم فيهما الأمير محمد على ومصطفى النحاس يبحثان الخروج من الأزمة.
لابد ان يكون هناك برلمان منتخب في مدة اسبوع على اقصى تقدير وبعدها يتم تكليف الحكومة ثم النظر في وصية فؤاد ورفضها رفضا قاطعا امتثالا لرغبة الشعب المصري الذي يرفض احمد زيوار بسبب موقفة من سعد زغلول ليكون وصيا على العرش.
كانت مهمة مصطفى النحاس شبه مستحيلة ولكنه أكد للأمير محمد على ان مصر قادرة على نصر سياسي جديد ضد الانجليز وسيخوض المصريون الانتخابات في خمسة ايام وليس اسبوع قبل انقضاء المهلة الدستورية لرفض وصية فؤاد.
هكذا اذن كان المصريون يحترمون دستور البلاد حتى ولو كان تفصيلا على طاغية مثل فؤاد الاول.
خرج مصطفى النحاس باشا من قصر الأمير محمد على بن الخديوي توفيق شقيق الملك فؤاد يوم 2مايو 1936 وبرفقته علي ماهر باشا و محمد شريف صبرى باشا ، وعزيز عزت باشا ورؤسهم تكاد تنهار من وطأة الكارثة التي وضعهم فيها فؤاد ووضع فيها مصر أيضا.
علم الثوار في شوارع القاهرة بما دار في قصر المنيل عن طريق خطبة خطبها مصطفى النحاس في الناس بل وألزمهم فيها مسئولية الحفاظ على مااكتسبوه من انتصارات سياسية ضد الانجليز يمكن أن تضيع في لحظة لو لم تتم الانتخابات في خمسة ايام على الأكثر في عموم مصر كلها، ليتم للمصرين عن طريق نواب الشعب والحكومة من رفض وصية فؤاد وقطع باب الرجعة امام الانجليز الذين يحاولون المراوغة في معاهدة الاستقلال التي لم تكتمل بعد، يراوغون في الموافقة خاصة بعدما فقدوا حليفهم القوي الملك فؤاد.
طار الخبر كالنار في الهشيم وقبل فجر 3 مايو 1936 كان المصريون يدركون اهمية المسئولية التي ألقاها عليهم النحاس باشا في الحفاظ على الاستقلال ومحاربة فؤاد حتى بعد موته وانتخاب اعضاء البرلمان.
لم تنم مصر طيلة خمسة ايام كاملة، حتى الأطفال في القرى والنجوع كانت لهم مهمة حمل الفوانيس ولمبات الجاز ليلا ليضيئوا الطرق أمام الناخبين من الفلاحين والبسطاء في اقاصي مصر لينتهوا من انتخاب نواب الشعب.
ملحمة شعبية لم نرها في أي شعب.
شعب آمن بقدرته ووثق في رجالاته فوقف معهم وآزرهم.
وانتهت انتخابات البرلمان الساعة الخامسة يوم 7 مايو 1936 في اربعة ايام فقط وفي يوم 8 مايو تم دعوة النواب الجدد وكل عمد ومشايخ مصر للحضور إلى القاهرة.
باقي يومان وينتصر فؤاد حتى بعد موته على شعب مصر إذا لم يدرك الناس هول المسئولية وقيمة الوقت.
اجتمع النواب الجدد والعمد والمشايخ وجموع بالملايين يوم 9 مايو 1936 أمام بيت سعد زغلول، بيت الأمة، وساروا في مظاهرة وطنية عظيمة حتى وصلوا للبرلمان ولم يعترض طريقهم انجليزي واحد بسبب أن قناصل العالم كله كانوا في هذه الاثناء بمصر للتفاوض بشأن معاهدة الاستقلال واي خطأ ستفعله عسكر الانجليز ضد المتظاهرين السلميين الذين تحملوا مسئولية الحفاظ على الاستقلال حتما ستفضح انجلترا في جميع انحاء العالم.
دخل اعضاء البرلمان الجدد للبرلمان واقيمت السرادقات حول مجلس الأمة حيث جلس العمد والمشايخ واعيان شعب مصر كلهم في انتظار نصر الشعب السياسي الجديد.
باقي من الزمن 18 ساعة فقط وينتصر فؤاد على شعب مصر كله، لذا فالكل وجل صامت مترقب.
وبدأت جلسة البرلمان الجديد والجديدة.
كان لابد ان لا يخل المصريون بأي مادة من مواد الدستور حتى ولو كان الذي وضعة ديكتاتور القرن العشرين الملك فؤاد.
لا يجوز الان رفض وصية فؤاد من خلال نواب البرلمان الجدد والعمد والاعيان فقط بل لابد من رفض اعضاء الحكومة ايضاً لتتم عملية الرفض بشكل دستوري ووطني، ولكن مصر ليس بها حكومة.
بالاتفاق بين الامير محمد علي ومصطفى النحاس وثقة الناس في السياسيين الوطنيين من أمثال مصطفى النحاس قرر المجلس تكليف حكومة انقاذ وطني في الساعة الرابعة عصرا يترأسها علي ماهر باشا وهي اقصر حكومة انقاذ وطني حقيقية في تاريخ البشر لم يذكرها أو يتوقف عندها المؤرخون بشيء من التأمل، لتتم عملية التصويت بهذه الحكومة وبأعضاء البرلمان والعمد والمشايخ والأعيان والاتفاق على رفض وصية فؤاد بشكل دستوري مقدس.
وتم التصويت في الساعة السابعة مساءً على رفض الوصية وانتصر المصريون.
في الساعة التاسعة ثم سحب الثقة من حكومة علي ماهر باشا وتكليف رئيس الأغلبية البرلمانية الجديدة مصطفى النحاس باشا بتشكيل حكومة وطنية.
في الساعة العاشرة مساءً تم تشكيل حكومة الوفد الوطنية برئاسة مصطفى النحاس باشا.
في نفس التوقيت اعلن مصطفى النحاس باشا في خطابه الأول بعمل استفتاء على أن يكون الأمير محمد علي هو الواصي على العرش.
في الحادية عشرة خرجت جموع المصريين تحتفل بالنصر السياسي على فؤاد وعلى الإنجليز ولم تنم في ليلة لم يمر على مصر ليلة نصر مثلها حتى بعد ثورة 1952.
في صباح 10 مايو وفي أقل من اسبوع وقبل انتهاء المدة الدستورية لفرض الوصية على الشعب بثماني ساعات فقط كانت مصر بلداً آخر ديموقراطي له رئيس وحكومة وبرلمان.
هذه هي مصر التي دوما ما كانت تتحرك داخل العقل لتنتصر حينما تعصف بها الأزمات.
اين نحن الآن بعد الثورة؟
إننا نتحرك الآن خارج العقل بعد الثورة، نتحرك داخل منطقة الظل، جئنا بنصف برلمان ليست لدى اعضائه أي خبرة سياسية سوى العبث بمصر وبالدستور وبالناس وكأننا شعبا جديدا علي هذا البلد الطيب نسى كفاحه أو لا يعرف الكفاح الذي بذله في تاريخه أو كأنه لم يكافح طيلة وجوده الحضاري كفاحاً انحنت من قيمته وتضحياته وقدسيته الأمم.
كل ما نحياه اليوم في مصر باطل ما دامت مصر بلا دستور.