الاثنين، 27 سبتمبر 2010

الروح والنفس والجسد ( مثلث الذات الكثيفة )

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة!

(( لا تثقب الوعي في عقول الجهلاء ليقتلونك ))
الكثيف والخفيف واللطيف، تلك هي معطيات الذات البشرية المعقدة، معطيات الوجود العرضي المشروط بزمن محدد، ذلك الوجود الذي يبدأ بالنور وينتهي بظل النقطة، وحيث النقطة وصلة منه إليه، وصلة ما قبل الإرادة والخاطر، قبل الزمن والمسافة، الحركة والسكون، حيث لم يكن سوى هو .. هو فقط قبل كن ووعاء يكون.
والعقل علامة تدل على ذاتك، وليس جزءاً منك، ولو كان العقل جزءا منك لكان حجة عليك سواء حمل وعيا أو لم يحو، لذا فليس على المجنون مسئولية وإنما المسئولية تقع على الوعي الدال على الذات في وعاء العقل.
وقبل الحديث عن الذات بأنواعها والحياة والموت والوجود الأبدي المشروط للإنسان وكونه موجوداً لا يزول بزوال موت الجسد ولكنه باق ببقاء النفس أو ربما غير موجود على الإطلاق وأن ما يحدث فينا هو مجرد تداخل لموجات كثيفة اتحدت مع عنصر الأرض الترابي فكونت ما نظنه نحن أنه نحن، بينما نحن هم، أو ربما نحن وهم لسنا إلا مشروع قابل للبث في كلمة من كلمات هو، حيث لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل وإنما الآن، الآن فقط، ذلك الآن الذي تتواجد فيه الموجات الخفيفة متجمعة أو متفرقة في تداخل مذهل وحيوي وحيث هذا التداخل لتلك الموجات وحركتها وانعكاساتها واختراقها وظهورها واختفائها هو ما يمكن أن نطلق عليه حياة، وهل البشر مصنفون؟ بمعنى هل هناك بشر عادية أصحاب موجات أشبه بموجات الراديو الطويلة ذات المدى المحدود وبشر آخرين أصحاب موجات شديدة الإشعاع كموجات المايكروويف يستطيعون خرق حاجز الزمان والمكان لدوائر أخرى ومحيط آخر وعالم آخر في نفس الوقت الذي يكونون فيه معنا؟ هل أنت موجود في أكثر من مكان في ذات الوقت؟ وهل أنت تمثل ذات واحدة أم تمثل مجموعة كبيرة من الذوات كل واحدة منها تعيش في مكان آخر غير الذي تحيا فيه الأخرى؟ وهل مقولة " يخلق من الشبه أربعين" حقيقية ومن ثم فهناك أربعين ذات بأربعين نفس تأخذ ملامح شخص واحد، أم أن هناك شخص واحد يعيش في أربعين رداء في نفس اللحظة وفي أربعين مكان في العالم المحدود وربما العالم اللامحدود " الخارجي " أيضا؟ وهل أنت أنت في حال كونك موزع على أربعين شخص بنفس واحدة أم انك مجرد صورة من تلك الأربعين صورة من الذات الأم التي تحيا بعيدا عنك في مكان آخر؟ وهل بموت وفناء جسد الذات الأم تفنى صور الذوات الفرعية؟ وهل بعد فناء الجسد المادي وبقاء النفس المتوفاة معلقة بين الروح العظيمة وبين عالم الوجود المادي ستظل تبث حيوتها فتراها الأجساد التي لم تفن؟ لماذا نرى أقاربنا الذين رحلوا عنا وإذا ذكرنا هذا اتهمنا البعض بالجنون؟ وهل من سكنت أجسادهم وفنت يعيشون بيننا بالفعل من خلال أنفسهم الباقية والتي لم تفن ويتصلوا بنا بالفعل وكأنهم لم يرحلوا عنا أساسا؟ 
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة وأني أتحدث العربية والأسبانية بطلاقة بل وغضب مني حينما أجبته بالانجليزية أني أول مرة أراه فيها وأن علاقتي باللغة الأسبانية أشبه بزواج الابن من أمه يعني مستحيلة وأني لا أعرف أنطونيو ولا كليوباترا ولا أعرف اسبانيا أصلاً إلا من بعض كتب التاريخ وغزوة طارق ابن زياد وأنها ملتصقة بالمغرب التصاق الرضيع بأمة الشرعية.. وهنا رد بفظاظة وقال لي أني أريد أن أقنعه بأنه مجنون، وأقسم مرة أخرى أنه رآني واكل وشرب معي ولكني أنا المجنون وتركني وذهب وهو في قمة غيظه وحقده.
هذه الحكاية كانت تقريبا في عام 87 وكنت وقتها متخرجا حديثا من كلية الهندسة ابحث عن عمل ومستقبل ونسيت حادثة الرجل الفرنسي تماماً.
في عام 98 كانت المرة الأولى التي أسافر فيها خارج مصر إلى الولايات المتحدة، وفي 5 سبتمبر عام 1999 كنت في مدينة بيتسبيرج وتحديدا في مستشفى الرحمة استخرج شهادة ميلاد لأبني الأصغر.
كان لزاما أن أذهب إلى طبيبة القسم أولا في عنبر الولادة لأعطيها بعض الأوراق ثم تقوم هي بتوجيهي إلى القسم المسئول عن استخراج شهادة الميلاد، وحين دخلت مكتب الطبيبة قامت من كرسيها صارخة وكأنها تعرفني منذ زمن ونطقت باسم عجيب في الغالب ليس انجليزيا وهي تفتح ذراعيها، فنظرت حولي حتى استبين من الذي دخل ورائي وتعرفه هذه المرأة بهذه الدرجة الحميمية التي وصلت للأحضان دون الاهتمام بوجودي من عدمه، ولكني لم أجد سواي في المكتب!.
اندهشت الطبيبة من برودي اللامتناهي، وللحق لم يكن بروداً ولكن دهشة عظيمة توقفت معها كل أدوات التفكير عندي، وسألتني ثلاث مرات ألست أنا فلان، بينما أقسمت لها في الثلاث مرات أنني لست هذا ألفلان، والمدهش الذي تخطى حاجز الدهشة عندي لحاجز الذهول أنها أكدت لي معرفتها بي في فندق بشارع انطونيو بمدريد وهو نفس الشارع الذي ذكره الفرنسي في القاهرة ولكن ليست هذه المرة سائحا ولكني هذه المرة كنت مواطناً أسبانياً شيوعيا يفضل أن يشرب القهوة الصباحية في كافيتيريا هذا الفندق الرخيص يوميا تقريباً وأنها كانت في زيارة سياحية هناك وكانت تقيم في هذا الفندق وتعارفنا في الكافيتريا الخاصة بذلك الفندق الرخيص وأن الذي شدها لي ولحديثي في اسبانيا كوني – على حد قولها – ثوري يساري، بل أنها ظنت في بداية الأمر أني أكذب عليها لأتهرب من شئ ما ، ولم تصدق دعواي في اني لست ذلك الشخص الذي تتحدث عنه إلا بعد أن أخرجت لها بطاقتي الأمريكية وجواز سفري المصري ورغبتي في استخراج شهادة ميلاد لأبني من زوجتي المصرية، وتركتها وهي في دهشة وذهول ربما أعظم من دهشتي وذهولي وغادرت بعدها المستشفى للأبد... إنها مسألة عجيبة فعلاً.
كان ذلك في صيف عام 2004 وقبل سفري إلى مصر بأسابيع عائداً من الولايات المتحدة، وكنت أرغب في شراء بعض الفيتامينات والأدوية التي لا وجود لها في مصر لبعض الأقارب والأصدقاء.
ركنت سيارتي في ساحة صيدلية اسمها "سي في اس" على ناصية شارع اسمه فوربس أفينيو بذات المدينة " بيتسبيرج"، وكنت في طريقي – مترجلاً – لدخول الصيدلية وكان الوقت يقترب من الظلام إلا قليلا وحيث بدأت أعمدة الشارع تضئ الواحدة بعد الأخرى.
حينما وصلت بالقرب من باب الصيدلية المواجه تماما لشارع " فوربس" وجدت امرأة سوداء في الثامنة والعشرين أو ربما الثلاثين من عمرها تقود سيارة وبجوارها امرأة أخرى من نفس عمرها ووجدت المرأة التي تمسك بعجلة القيادة تخرج رأسها كله من النافذة وهي تصيح بأعلى صوتها أسباني قذر .. أسباني قذر، وكثير من الشتائم القبيحة والسافلة هذا إلى جانب إشارات سافلة بأصبع يدها وهي موتورة وحاقدة وغاضبة غضبا يكفي لحرق مدينة بأكملها.
نظرت إليها من باب الفضول وأنا أسير داخلا إلى الصيدلية والعجيب أني لاحظت أنها تنظر لي وكأنني المقصود بكل تلك الشتائم.
على أي حال أنا لا أعرفها والوحيدة السوداء التي كنت اعرفها في حياتي كانت فتاه تدعى زينب ابنة احد الدبلوماسيين بالسفارة السنغالية بالقاهرة أيام أن كنا طلبة في جامعة القاهرة، وغير ذلك لاعلاقة لي ولا أعرف أحدا قط.
ملأني الاطمئنان أنني لست أنا المقصود ودخلت الصيدلية.
أخذت أسير بين الأرفف استطلع أسماء الأدوية والفيتامينات قرابة عشرون دقيقة وقد استقر الأمر بي لشراء بعض اللوازم بالفعل وذهبت لكي ادفع ثمن ما اشتريته.
كان يقف بجوار طابور الدفع رجل شرطة " سمين قليلاً" ويمسك بيده جهازا أشبه باللاسلكي تصدر منه أصواتاً عجيبة، وكانت المرأة السوداء تقف بجوار الباب الداخلي للصيدلية تنظر لرجل الشرطة ومن باب عجب تنظر لي أيضاً وهي في غاية التوتر والغضب.
إنه أمر لا يعنيني على أي حال.
أقترب مني رجل الشرطة بعد إيماءة خفيفة له من المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب، وسألني بأدب جم: هل لي أن أتفحص رخصة قيادتك ياسيدي؟
أجبت: بالطبع، وأحسست أنه عملا روتينيا خاصة فيما يتعلق بالتدقيق الأمني بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وان رجال الشرطة من حقهم أن يستوقفوا من شاءوا في أي وقت شاءوا كنوع من أنواع دواعي الأمن.
نظر الشرطي في رخصة القيادة وسألني بأدب أكثر: أنت اسمك محيي الدين؟ .. من أي بلد أنت؟ 
فقلت له من مصر، فاعتذر عن تصرفه وأعطاني الرخصة وكاد ينصرف ولكني وببرود المواقف الصعبة التي ينتابني دائما حينما تكون هناك أمورا سيئة تدور من حولي سألته: ماذا يحدث؟ فأجابني أن تلك المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب الداخلي للصيدلية تظن أنك فتاها السابق الاسباني وأنك تطاردها لسبب ما، ثم أعقب بقوله .. يمكنك أن تقاضيها إن شئت، فشكرته وأنا اردد: لا ..لا .. لا.
خرجت من الصيدلية وأنا لا أفهم شيئاً، دارت الذاكرة بداخلي للخلف واسترجعت لقاء الرجل الفرنسي بالقاهرة والطبيبة بمستشفى الولادة وهذه السيدة السوداء.
عدت إلى القاهرة في أغسطس من عام 2004 وتغير في القاهرة كل شئ بداخلي، لم أعد أتذكر من رحلة أميركا على مدار سبعة سنوات تقريبا سوى أن احمد ابني الأصغر يحمل الجنسية الأمريكية، وما عدا ذلك لا أتذكره على الإطلاق ربما لأنني ذبت في أحضان محبوبتي الوحيدة في هذا الكون مصر وحيث نسيت في سحر عناقها الدافئ كل بلاد الدنيا التي بلا سحر وإن ظل في خاطري ذلك الذهول الباقي من الحوادث السابقة وذلك السؤال الغامض الذي يحتويني : هل أنا أحيا بالفعل في عدة أمكنة مختلفة في العالم في نفس الوقت؟ أم أنني اسباني حقاً ولا أدري ذلك!.

الروح والنفس والجسد ( مثلث الذات الكثيفة )

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة!

(( لا تثقب الوعي في عقول الجهلاء ليقتلونك ))
الكثيف والخفيف واللطيف، تلك هي معطيات الذات البشرية المعقدة، معطيات الوجود العرضي المشروط بزمن محدد، ذلك الوجود الذي يبدأ بالنور وينتهي بظل النقطة، وحيث النقطة وصلة منه إليه، وصلة ما قبل الإرادة والخاطر، قبل الزمن والمسافة، الحركة والسكون، حيث لم يكن سوى هو .. هو فقط قبل كن ووعاء يكون.
والعقل علامة تدل على ذاتك، وليس جزءاً منك، ولو كان العقل جزءا منك لكان حجة عليك سواء حمل وعيا أو لم يحو، لذا فليس على المجنون مسئولية وإنما المسئولية تقع على الوعي الدال على الذات في وعاء العقل.
وقبل الحديث عن الذات بأنواعها والحياة والموت والوجود الأبدي المشروط للإنسان وكونه موجوداً لا يزول بزوال موت الجسد ولكنه باق ببقاء النفس أو ربما غير موجود على الإطلاق وأن ما يحدث فينا هو مجرد تداخل لموجات كثيفة اتحدت مع عنصر الأرض الترابي فكونت ما نظنه نحن أنه نحن، بينما نحن هم، أو ربما نحن وهم لسنا إلا مشروع قابل للبث في كلمة من كلمات هو، حيث لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل وإنما الآن، الآن فقط، ذلك الآن الذي تتواجد فيه الموجات الخفيفة متجمعة أو متفرقة في تداخل مذهل وحيوي وحيث هذا التداخل لتلك الموجات وحركتها وانعكاساتها واختراقها وظهورها واختفائها هو ما يمكن أن نطلق عليه حياة، وهل البشر مصنفون؟ بمعنى هل هناك بشر عادية أصحاب موجات أشبه بموجات الراديو الطويلة ذات المدى المحدود وبشر آخرين أصحاب موجات شديدة الإشعاع كموجات المايكروويف يستطيعون خرق حاجز الزمان والمكان لدوائر أخرى ومحيط آخر وعالم آخر في نفس الوقت الذي يكونون فيه معنا؟ هل أنت موجود في أكثر من مكان في ذات الوقت؟ وهل أنت تمثل ذات واحدة أم تمثل مجموعة كبيرة من الذوات كل واحدة منها تعيش في مكان آخر غير الذي تحيا فيه الأخرى؟ وهل مقولة " يخلق من الشبه أربعين" حقيقية ومن ثم فهناك أربعين ذات بأربعين نفس تأخذ ملامح شخص واحد، أم أن هناك شخص واحد يعيش في أربعين رداء في نفس اللحظة وفي أربعين مكان في العالم المحدود وربما العالم اللامحدود " الخارجي " أيضا؟ وهل أنت أنت في حال كونك موزع على أربعين شخص بنفس واحدة أم انك مجرد صورة من تلك الأربعين صورة من الذات الأم التي تحيا بعيدا عنك في مكان آخر؟ وهل بموت وفناء جسد الذات الأم تفنى صور الذوات الفرعية؟ وهل بعد فناء الجسد المادي وبقاء النفس المتوفاة معلقة بين الروح العظيمة وبين عالم الوجود المادي ستظل تبث حيوتها فتراها الأجساد التي لم تفن؟ لماذا نرى أقاربنا الذين رحلوا عنا وإذا ذكرنا هذا اتهمنا البعض بالجنون؟ وهل من سكنت أجسادهم وفنت يعيشون بيننا بالفعل من خلال أنفسهم الباقية والتي لم تفن ويتصلوا بنا بالفعل وكأنهم لم يرحلوا عنا أساسا؟ 
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة وأني أتحدث العربية والأسبانية بطلاقة بل وغضب مني حينما أجبته بالانجليزية أني أول مرة أراه فيها وأن علاقتي باللغة الأسبانية أشبه بزواج الابن من أمه يعني مستحيلة وأني لا أعرف أنطونيو ولا كليوباترا ولا أعرف اسبانيا أصلاً إلا من بعض كتب التاريخ وغزوة طارق ابن زياد وأنها ملتصقة بالمغرب التصاق الرضيع بأمة الشرعية.. وهنا رد بفظاظة وقال لي أني أريد أن أقنعه بأنه مجنون، وأقسم مرة أخرى أنه رآني واكل وشرب معي ولكني أنا المجنون وتركني وذهب وهو في قمة غيظه وحقده.
هذه الحكاية كانت تقريبا في عام 87 وكنت وقتها متخرجا حديثا من كلية الهندسة ابحث عن عمل ومستقبل ونسيت حادثة الرجل الفرنسي تماماً.
في عام 98 كانت المرة الأولى التي أسافر فيها خارج مصر إلى الولايات المتحدة، وفي 5 سبتمبر عام 1999 كنت في مدينة بيتسبيرج وتحديدا في مستشفى الرحمة استخرج شهادة ميلاد لأبني الأصغر.
كان لزاما أن أذهب إلى طبيبة القسم أولا في عنبر الولادة لأعطيها بعض الأوراق ثم تقوم هي بتوجيهي إلى القسم المسئول عن استخراج شهادة الميلاد، وحين دخلت مكتب الطبيبة قامت من كرسيها صارخة وكأنها تعرفني منذ زمن ونطقت باسم عجيب في الغالب ليس انجليزيا وهي تفتح ذراعيها، فنظرت حولي حتى استبين من الذي دخل ورائي وتعرفه هذه المرأة بهذه الدرجة الحميمية التي وصلت للأحضان دون الاهتمام بوجودي من عدمه، ولكني لم أجد سواي في المكتب!.
اندهشت الطبيبة من برودي اللامتناهي، وللحق لم يكن بروداً ولكن دهشة عظيمة توقفت معها كل أدوات التفكير عندي، وسألتني ثلاث مرات ألست أنا فلان، بينما أقسمت لها في الثلاث مرات أنني لست هذا ألفلان، والمدهش الذي تخطى حاجز الدهشة عندي لحاجز الذهول أنها أكدت لي معرفتها بي في فندق بشارع انطونيو بمدريد وهو نفس الشارع الذي ذكره الفرنسي في القاهرة ولكن ليست هذه المرة سائحا ولكني هذه المرة كنت مواطناً أسبانياً شيوعيا يفضل أن يشرب القهوة الصباحية في كافيتيريا هذا الفندق الرخيص يوميا تقريباً وأنها كانت في زيارة سياحية هناك وكانت تقيم في هذا الفندق وتعارفنا في الكافيتريا الخاصة بذلك الفندق الرخيص وأن الذي شدها لي ولحديثي في اسبانيا كوني – على حد قولها – ثوري يساري، بل أنها ظنت في بداية الأمر أني أكذب عليها لأتهرب من شئ ما ، ولم تصدق دعواي في اني لست ذلك الشخص الذي تتحدث عنه إلا بعد أن أخرجت لها بطاقتي الأمريكية وجواز سفري المصري ورغبتي في استخراج شهادة ميلاد لأبني من زوجتي المصرية، وتركتها وهي في دهشة وذهول ربما أعظم من دهشتي وذهولي وغادرت بعدها المستشفى للأبد... إنها مسألة عجيبة فعلاً.
كان ذلك في صيف عام 2004 وقبل سفري إلى مصر بأسابيع عائداً من الولايات المتحدة، وكنت أرغب في شراء بعض الفيتامينات والأدوية التي لا وجود لها في مصر لبعض الأقارب والأصدقاء.
ركنت سيارتي في ساحة صيدلية اسمها "سي في اس" على ناصية شارع اسمه فوربس أفينيو بذات المدينة " بيتسبيرج"، وكنت في طريقي – مترجلاً – لدخول الصيدلية وكان الوقت يقترب من الظلام إلا قليلا وحيث بدأت أعمدة الشارع تضئ الواحدة بعد الأخرى.
حينما وصلت بالقرب من باب الصيدلية المواجه تماما لشارع " فوربس" وجدت امرأة سوداء في الثامنة والعشرين أو ربما الثلاثين من عمرها تقود سيارة وبجوارها امرأة أخرى من نفس عمرها ووجدت المرأة التي تمسك بعجلة القيادة تخرج رأسها كله من النافذة وهي تصيح بأعلى صوتها أسباني قذر .. أسباني قذر، وكثير من الشتائم القبيحة والسافلة هذا إلى جانب إشارات سافلة بأصبع يدها وهي موتورة وحاقدة وغاضبة غضبا يكفي لحرق مدينة بأكملها.
نظرت إليها من باب الفضول وأنا أسير داخلا إلى الصيدلية والعجيب أني لاحظت أنها تنظر لي وكأنني المقصود بكل تلك الشتائم.
على أي حال أنا لا أعرفها والوحيدة السوداء التي كنت اعرفها في حياتي كانت فتاه تدعى زينب ابنة احد الدبلوماسيين بالسفارة السنغالية بالقاهرة أيام أن كنا طلبة في جامعة القاهرة، وغير ذلك لاعلاقة لي ولا أعرف أحدا قط.
ملأني الاطمئنان أنني لست أنا المقصود ودخلت الصيدلية.
أخذت أسير بين الأرفف استطلع أسماء الأدوية والفيتامينات قرابة عشرون دقيقة وقد استقر الأمر بي لشراء بعض اللوازم بالفعل وذهبت لكي ادفع ثمن ما اشتريته.
كان يقف بجوار طابور الدفع رجل شرطة " سمين قليلاً" ويمسك بيده جهازا أشبه باللاسلكي تصدر منه أصواتاً عجيبة، وكانت المرأة السوداء تقف بجوار الباب الداخلي للصيدلية تنظر لرجل الشرطة ومن باب عجب تنظر لي أيضاً وهي في غاية التوتر والغضب.
إنه أمر لا يعنيني على أي حال.
أقترب مني رجل الشرطة بعد إيماءة خفيفة له من المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب، وسألني بأدب جم: هل لي أن أتفحص رخصة قيادتك ياسيدي؟
أجبت: بالطبع، وأحسست أنه عملا روتينيا خاصة فيما يتعلق بالتدقيق الأمني بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وان رجال الشرطة من حقهم أن يستوقفوا من شاءوا في أي وقت شاءوا كنوع من أنواع دواعي الأمن.
نظر الشرطي في رخصة القيادة وسألني بأدب أكثر: أنت اسمك محيي الدين؟ .. من أي بلد أنت؟ 
فقلت له من مصر، فاعتذر عن تصرفه وأعطاني الرخصة وكاد ينصرف ولكني وببرود المواقف الصعبة التي ينتابني دائما حينما تكون هناك أمورا سيئة تدور من حولي سألته: ماذا يحدث؟ فأجابني أن تلك المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب الداخلي للصيدلية تظن أنك فتاها السابق الاسباني وأنك تطاردها لسبب ما، ثم أعقب بقوله .. يمكنك أن تقاضيها إن شئت، فشكرته وأنا اردد: لا ..لا .. لا.
خرجت من الصيدلية وأنا لا أفهم شيئاً، دارت الذاكرة بداخلي للخلف واسترجعت لقاء الرجل الفرنسي بالقاهرة والطبيبة بمستشفى الولادة وهذه السيدة السوداء.
عدت إلى القاهرة في أغسطس من عام 2004 وتغير في القاهرة كل شئ بداخلي، لم أعد أتذكر من رحلة أميركا على مدار سبعة سنوات تقريبا سوى أن احمد ابني الأصغر يحمل الجنسية الأمريكية، وما عدا ذلك لا أتذكره على الإطلاق ربما لأنني ذبت في أحضان محبوبتي الوحيدة في هذا الكون مصر وحيث نسيت في سحر عناقها الدافئ كل بلاد الدنيا التي بلا سحر وإن ظل في خاطري ذلك الذهول الباقي من الحوادث السابقة وذلك السؤال الغامض الذي يحتويني : هل أنا أحيا بالفعل في عدة أمكنة مختلفة في العالم في نفس الوقت؟ أم أنني اسباني حقاً ولا أدري ذلك!.

الأربعاء، 7 يوليو 2010

قراءة أولية في حوار شيخ الأزهر

كتب: محيي الدين ابراهيم 
الشيخ الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب من مواليد 6 يناير 1946، وقد تولى مشيخة الجامع الأزهر منذ 19 مارس 2010. كما أنه كان الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ومفتي سابق للديار المصرية. 
والدكتور احمد الطيب هو احد رجالات الأزهر المعتدلين وليس ذلك فحسب بل ومن رجالاته الأقوياء أيضاً الذين يؤمنون ويريدون تطبيق منهج الاعتدال والوسطية بقوة بعدما تفشت في المجتمع – بعد غياب دور الأزهر لفترة – روح التشدد الديني والتي كان من أهم نتائجها السلبية رفض الآخر، ومن ثم ظهور ما يسمى بالفتنة الطائفية، وهو الأمر الذي مرجعه الوحيد غياب دور الفقهاء المعتدلين أبناء الأزهر الشريف، أو سحب البساط من تحت أرجلهم. 
إنني أؤمن أن أي تغيير في أي امة يبدأ أولا من مؤسساتها الدينية، وأن المؤسسة الدينية في مصر تحديداً سواء كانت تلك المؤسسة إسلامية أو مسيحية لابد أن يكون من هو على رأس إدارتها رجل قوي يتمتع بنفوذ قوي عند الخاصة والعامة على السواء، وربما هذا ما نستشعره بتفاؤل في شخصية الدكتور احمد الطيب وتاريخه الذي يشهد له بقوة الشكيمة واصرارة على الحق وإدارة دفة الأمة باعتدال مع من يديرونها بالفعل. 
وربما يأتي تفاؤلنا مع هذا الرجل نابعاً من إدراكه للمسائل التي من شأنها تهييج الأمة وتجنبها بالإصلاح والتصدي بدلا من الصمت والتغاضي وأهمها ملف الفتنة الطائفية وكذلك تطبيع العلاقات بين الأزهر وحاخامات إسرائيل، والملف الأول للأسف تعامل معه الشيخ طنطاوي رحمه الله بالصمت وربما بكثير من الميوعة وهو الأمر الذي هيج مشاعر الكثير من أبناء الأمة ولا أقول المسيحيين فقط ولكن المسيحيين والمسلمين على السواء لخطورة ذلك الملف وضرورة أن كان يجب اتخاذ قرارات أكثر قوة وتفاعلية عن تركها والصمت عنها ومصافحة القساوسة للمشايخ في كل مناسبة وبدون مناسبة الأمر الذي ضاعف من حجمها حتى كدنا مع تفشيها نكاد نؤمن بأنها صارت مستحيلة الحل، ولكن جاءنا الدكتور احمد الطيب ليعلن على الملأ وبقوة لا تحتمل التراجع أثناء حواره الهام مع الأستاذ الصحفي الكبير مكرم محمد احمد في أنه مع بابا الأقباط في أن الإسلام يترك للأقباط تنظيم أحوالهم الشخصية، وهو بهذا التصريح الذي أؤمن انه لم يصدره " للطبطبة" أو لمداعبة مشاعر الأقباط بل للفصل ومراعاة الفصل بين ماهو مدني وماهو ديني حفاظا على روح الأمة والوطن، لأني اعلم من تاريخ هذا الرجل انه شخصية قوية لم تصدر كلمة من فمه إلا وكان يؤمن بما يقوله فيها ويؤمن معها بأن لديه القدرة على تنفيذها وبحسم، كما أنها رسالة في غاية الأهمية قرأنا فيها ما معناه أرفعوا أيديكم عن الأقباط فهم ونحن سدا ولحمة الوطن ان انفلتت منه فسيلة تمزق نسيج الوطن كله. 
الأمر الثاني الذي جاء على لسان الدكتور احمد الطيب هو تصريحه الذي قال فيه بالحرف الواحد: لن أستقبل حاخامات اليهود ولن أصافح بيريز، وهذا التصريح حينما نحلله التحليل الواجب نجد أنه تصريحاً لاعلاقة له باسرائيل ولا برفض أو قبول معاهدة السلام من عدمه، ولكن لهذا الرجل بصيرة ثاقبة ونافذة تجعله يحافظ على مشاعر الناس الغاضبة من تصرفات اسرائيل فلا يصافح من أجلها حاخامات اسرائل او بيريز، خاصة وهو على رأس اعلى مؤسسة دينية اسلامية في العالم ومن ثم فلايجوز أن تصنع تلك المؤسسة الكبرى خصومة بينها وبين رعاياها الذين أن فقدوا الثقة فيها استحالت السيطرة عليهم، وهي مسألة اعتبرها انجازا عظيماً للدكتور احمد إذ اعلن فيه للناس أنه ماجاء إلا لإعادة بناء الثقة بينهم وبين مؤسستهم الدينية من جديد وهو الأمر الذي فشل فيه الشيخ طنطاوي رحمه الله. 
إن مسألة مصافحة حاخامات اسرائيل ورؤساء وزرائها ليست بأمر ذا القيمة بالنسبة لمؤسسة دينية اسلامية يصب دورها فقط في الشأن الديني والنصح السياسي، لذا فإن الدكتور احمد يعلن أن مصافحة اسرائيل أمر معني بالساسة وأنه لن يقبل اقحام مؤسسة الأزهر في تلك المسائل – على الأقل الآن – حفاظاً على مشاعر الملايين خاصة وأن رأس المؤسسة المسيحية في مصر وهو البابا شنودة كان قد أعلن منذ سنوات انه لن يدخل القدس إلا ويده في يد أخيه المسلم. 
إن الحوار الذكي والأكثر من رائع الذي أجراه الأستاذ مكرم محمد احمد مع الدكتور احمد الطيب هو اكبر بقعة ضوء مرت علينا منذ سنوات، لأن ذلك الحوار دل على أن التغيير قادم وبدأ بالفعل بوجه هذا الشيخ الجليل. 
أما المسألة الأخرى التي أعلن عنها الدكتور أحمد ولم يجرؤ أحدا قبله أن يعلنها أو حتى يتطرق لها هي رمزية السيف للإسلام حيث قال: الشيخ‏:‏ ليس صحيحا أن الحضارة الإسلامية فرضت نفسها علي العالم بحد السيف‏,‏ الإسلام انتشر في العالم لأنه دين الفطرة ودين العقل الذي خاطب عقول الناس وقلوبهم‏,‏ وساوي بين البشر ودعا إلي العدل‏,‏ ولا يصلح السيف رمزا للإسلام لأن الإسلام رحمة وعدل‏,‏ والمسلم لا يحمل سيفه عدوانا علي الآخرين‏,‏ وإنما يحمله للدفاع عن الأرض والوطن والعقيدة والإسلام يحض المسلم علي أن يكون قويا قادرا علي الدفاع عن وطنه ودينه ونفسه‏,‏ لكنه لا يحرضه علي العدوان علي الآخرين، إن الدكتور أحمد بهذا الإعلان يوجه لطمة قوية لأصحاب الألوية التي ترسم السيوف وتحض على الكراهية ونبذ الآخر وهي رسالة لاتحتاج إلى شرح أو تضييع الوقت فيمن كان يقصد الدكتور احمد بقدر ماتحتاج منا إلى أن نستشعر الإطمئنان لظهور نجم قوي مضئ في سماء أهم مؤسسة دينية لأهم دولة في الشرق الأوسط وهي مصر. 
أخيراً يحضرني حديث سيدنا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام حيث قال: إذا ضاقت فأستبشر خيراً، والوضع في مصر ضاق حتى إلتحمت فيه صدور الناس بظهورهم من شدة البأس، لكن مايجعلنا نستبشر خيرا في ظل ذلك الضيق وأن الغد المشرق قادم ظهور مثل ذلك الوجه المضئ للشيخ الجليل احمد الطيب أطال الله في عمره وألهمه السداد والقوة في تنفيذ مايراه في صالح الناس لأننا منذ زمن كنا بحاجة لرجل في مثل قوة ذلك الرجل الطيب. 

قراءة أولية في حوار شيخ الأزهر

كتب: محيي الدين ابراهيم 
الشيخ الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب من مواليد 6 يناير 1946، وقد تولى مشيخة الجامع الأزهر منذ 19 مارس 2010. كما أنه كان الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ومفتي سابق للديار المصرية. 
والدكتور احمد الطيب هو احد رجالات الأزهر المعتدلين وليس ذلك فحسب بل ومن رجالاته الأقوياء أيضاً الذين يؤمنون ويريدون تطبيق منهج الاعتدال والوسطية بقوة بعدما تفشت في المجتمع – بعد غياب دور الأزهر لفترة – روح التشدد الديني والتي كان من أهم نتائجها السلبية رفض الآخر، ومن ثم ظهور ما يسمى بالفتنة الطائفية، وهو الأمر الذي مرجعه الوحيد غياب دور الفقهاء المعتدلين أبناء الأزهر الشريف، أو سحب البساط من تحت أرجلهم. 
إنني أؤمن أن أي تغيير في أي امة يبدأ أولا من مؤسساتها الدينية، وأن المؤسسة الدينية في مصر تحديداً سواء كانت تلك المؤسسة إسلامية أو مسيحية لابد أن يكون من هو على رأس إدارتها رجل قوي يتمتع بنفوذ قوي عند الخاصة والعامة على السواء، وربما هذا ما نستشعره بتفاؤل في شخصية الدكتور احمد الطيب وتاريخه الذي يشهد له بقوة الشكيمة واصرارة على الحق وإدارة دفة الأمة باعتدال مع من يديرونها بالفعل. 
وربما يأتي تفاؤلنا مع هذا الرجل نابعاً من إدراكه للمسائل التي من شأنها تهييج الأمة وتجنبها بالإصلاح والتصدي بدلا من الصمت والتغاضي وأهمها ملف الفتنة الطائفية وكذلك تطبيع العلاقات بين الأزهر وحاخامات إسرائيل، والملف الأول للأسف تعامل معه الشيخ طنطاوي رحمه الله بالصمت وربما بكثير من الميوعة وهو الأمر الذي هيج مشاعر الكثير من أبناء الأمة ولا أقول المسيحيين فقط ولكن المسيحيين والمسلمين على السواء لخطورة ذلك الملف وضرورة أن كان يجب اتخاذ قرارات أكثر قوة وتفاعلية عن تركها والصمت عنها ومصافحة القساوسة للمشايخ في كل مناسبة وبدون مناسبة الأمر الذي ضاعف من حجمها حتى كدنا مع تفشيها نكاد نؤمن بأنها صارت مستحيلة الحل، ولكن جاءنا الدكتور احمد الطيب ليعلن على الملأ وبقوة لا تحتمل التراجع أثناء حواره الهام مع الأستاذ الصحفي الكبير مكرم محمد احمد في أنه مع بابا الأقباط في أن الإسلام يترك للأقباط تنظيم أحوالهم الشخصية، وهو بهذا التصريح الذي أؤمن انه لم يصدره " للطبطبة" أو لمداعبة مشاعر الأقباط بل للفصل ومراعاة الفصل بين ماهو مدني وماهو ديني حفاظا على روح الأمة والوطن، لأني اعلم من تاريخ هذا الرجل انه شخصية قوية لم تصدر كلمة من فمه إلا وكان يؤمن بما يقوله فيها ويؤمن معها بأن لديه القدرة على تنفيذها وبحسم، كما أنها رسالة في غاية الأهمية قرأنا فيها ما معناه أرفعوا أيديكم عن الأقباط فهم ونحن سدا ولحمة الوطن ان انفلتت منه فسيلة تمزق نسيج الوطن كله. 
الأمر الثاني الذي جاء على لسان الدكتور احمد الطيب هو تصريحه الذي قال فيه بالحرف الواحد: لن أستقبل حاخامات اليهود ولن أصافح بيريز، وهذا التصريح حينما نحلله التحليل الواجب نجد أنه تصريحاً لاعلاقة له باسرائيل ولا برفض أو قبول معاهدة السلام من عدمه، ولكن لهذا الرجل بصيرة ثاقبة ونافذة تجعله يحافظ على مشاعر الناس الغاضبة من تصرفات اسرائيل فلا يصافح من أجلها حاخامات اسرائل او بيريز، خاصة وهو على رأس اعلى مؤسسة دينية اسلامية في العالم ومن ثم فلايجوز أن تصنع تلك المؤسسة الكبرى خصومة بينها وبين رعاياها الذين أن فقدوا الثقة فيها استحالت السيطرة عليهم، وهي مسألة اعتبرها انجازا عظيماً للدكتور احمد إذ اعلن فيه للناس أنه ماجاء إلا لإعادة بناء الثقة بينهم وبين مؤسستهم الدينية من جديد وهو الأمر الذي فشل فيه الشيخ طنطاوي رحمه الله. 
إن مسألة مصافحة حاخامات اسرائيل ورؤساء وزرائها ليست بأمر ذا القيمة بالنسبة لمؤسسة دينية اسلامية يصب دورها فقط في الشأن الديني والنصح السياسي، لذا فإن الدكتور احمد يعلن أن مصافحة اسرائيل أمر معني بالساسة وأنه لن يقبل اقحام مؤسسة الأزهر في تلك المسائل – على الأقل الآن – حفاظاً على مشاعر الملايين خاصة وأن رأس المؤسسة المسيحية في مصر وهو البابا شنودة كان قد أعلن منذ سنوات انه لن يدخل القدس إلا ويده في يد أخيه المسلم. 
إن الحوار الذكي والأكثر من رائع الذي أجراه الأستاذ مكرم محمد احمد مع الدكتور احمد الطيب هو اكبر بقعة ضوء مرت علينا منذ سنوات، لأن ذلك الحوار دل على أن التغيير قادم وبدأ بالفعل بوجه هذا الشيخ الجليل. 
أما المسألة الأخرى التي أعلن عنها الدكتور أحمد ولم يجرؤ أحدا قبله أن يعلنها أو حتى يتطرق لها هي رمزية السيف للإسلام حيث قال: الشيخ‏:‏ ليس صحيحا أن الحضارة الإسلامية فرضت نفسها علي العالم بحد السيف‏,‏ الإسلام انتشر في العالم لأنه دين الفطرة ودين العقل الذي خاطب عقول الناس وقلوبهم‏,‏ وساوي بين البشر ودعا إلي العدل‏,‏ ولا يصلح السيف رمزا للإسلام لأن الإسلام رحمة وعدل‏,‏ والمسلم لا يحمل سيفه عدوانا علي الآخرين‏,‏ وإنما يحمله للدفاع عن الأرض والوطن والعقيدة والإسلام يحض المسلم علي أن يكون قويا قادرا علي الدفاع عن وطنه ودينه ونفسه‏,‏ لكنه لا يحرضه علي العدوان علي الآخرين، إن الدكتور أحمد بهذا الإعلان يوجه لطمة قوية لأصحاب الألوية التي ترسم السيوف وتحض على الكراهية ونبذ الآخر وهي رسالة لاتحتاج إلى شرح أو تضييع الوقت فيمن كان يقصد الدكتور احمد بقدر ماتحتاج منا إلى أن نستشعر الإطمئنان لظهور نجم قوي مضئ في سماء أهم مؤسسة دينية لأهم دولة في الشرق الأوسط وهي مصر. 
أخيراً يحضرني حديث سيدنا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام حيث قال: إذا ضاقت فأستبشر خيراً، والوضع في مصر ضاق حتى إلتحمت فيه صدور الناس بظهورهم من شدة البأس، لكن مايجعلنا نستبشر خيرا في ظل ذلك الضيق وأن الغد المشرق قادم ظهور مثل ذلك الوجه المضئ للشيخ الجليل احمد الطيب أطال الله في عمره وألهمه السداد والقوة في تنفيذ مايراه في صالح الناس لأننا منذ زمن كنا بحاجة لرجل في مثل قوة ذلك الرجل الطيب. 

الأربعاء، 3 مارس 2010

في حضرة نجيب محفوظ .. فول وطعمية وبصارة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول:

في عام 2005 كنا نحتفل بعيد ميلاد نجيب محفوظ وكنت وقتها من احدث الاعضاء الذين يجلسون في صالونه الذي ربطني به الاستاذ توفيق حنا أحد أهم أصدقاء نجيب محفوظ.
يبتسم نجيب محفوظ وهو يقول: لو كانت جائزة نوبل في حياة طه حسين ما كنت خرجت من بيتي ولا كنت تسلمتها، ثم يتذكر مداعباً: حين تقدمت في عام 1930م للدراسة في كلية الآداب، اخترت قسم الفلسفة، كان الدكتور طه حسين هو عميد الكلية، كان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه، ليتأكد هل أحسنوا الاختيار بدخولهم الأقسام التي اختاروها في الكلية أم لا ؟ وجاء دوري وسألني طه حسين عن سبب اختياري لقسم الفلسفة ، فأخذت أعبر له عن رأيي في أسباب اختياري لقسم الفلسفة وأهميته و.. و.. و.. ، عندئذ قال لي د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك كثير وغير مفهوم، ثم يضحك نجيب وكأنه يشير لشلة الحرافيش التي تحيط به أن يبدؤون بالمشاغبة وبالفعل بدأوا المشاغبة حتى حان وقت العشاء، فول، بصارة، طحينة، زيتون مخلل، عيش، باذنجان مخلل، طعمية، شوربة عدس، هكذا كان يعشق نجيب محفوظ هذا الجو الشعبي ، كان لا يأكل إلا بأمر الطبيب، ومن ثم لم يأكل معنا ولكنه كان يستمتع كثيراً بمشاهدة تلك الأطعمة الشعبية المصرية أمامه وأن يستنشق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه الحكيمة المقدسة، فيذهب عنك الاكتئاب، لم أكن أتخيل أن ينتاب هذا الإحساس الرفيع أي إنسان من رائحة الفول والطعمية والبصارة فما بالي وقد انتابت هذه الأحاسيس نجيب محفوظ !! ، مسألة مدهشة حقاً.
قال له " الغيطاني" وهو يداعبه: إذن فهي الشيخوخة التي تمنعك من الطعام يا أستاذ نجيب، وليست حجة الطبيب، فرد محفوظ : الشيخوخة تنشد السلامة يا "جمال" وهنا دفعتني كلمته إلى جملة قالها في أحدى رواياته فصحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول: "ما جدوى الندم بعد الثمانين.."، وكأنه بهذه الجملة يرثي حاله وربما يلخص رواية ميرامار بأكملها، لحظتها ساورني الفضول مرة أخرى بسؤاله: قرأنا كثيرا أن بسبب رواية ميرامار كان سيعتقلك عبد الناصر فهل هذا صحيح؟ انتابته لحظة تأمل كأنه ينبش في الماضي تلاها بضحكة مشاغبة ثم قال: لم تكن ميرامار ولكنها ثرثرة فوق النيل، قرأها المشير عبد الحكيم عامر فقرر اتخاذ شيء ضدي، لقد تصور انها رواية ضد الحكومة والنظام وعبد الناصر، ولكن الدكتور ثروت عكاشة – ربنا يحميه – جلس مع عبد الناصر ونبهه أننا لو أعتقلنا نجيب فلن تسكت الناس وربما تحدث مصيبة وهنا فوجئ بالسيارة التي جاءت لتعتقلني تعود من حيث أتت، ربنا يحميه ثروت عكاشة.

في حضرة نجيب محفوظ .. فول وطعمية وبصارة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول:

في عام 2005 كنا نحتفل بعيد ميلاد نجيب محفوظ وكنت وقتها من احدث الاعضاء الذين يجلسون في صالونه الذي ربطني به الاستاذ توفيق حنا أحد أهم أصدقاء نجيب محفوظ.
يبتسم نجيب محفوظ وهو يقول: لو كانت جائزة نوبل في حياة طه حسين ما كنت خرجت من بيتي ولا كنت تسلمتها، ثم يتذكر مداعباً: حين تقدمت في عام 1930م للدراسة في كلية الآداب، اخترت قسم الفلسفة، كان الدكتور طه حسين هو عميد الكلية، كان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه، ليتأكد هل أحسنوا الاختيار بدخولهم الأقسام التي اختاروها في الكلية أم لا ؟ وجاء دوري وسألني طه حسين عن سبب اختياري لقسم الفلسفة ، فأخذت أعبر له عن رأيي في أسباب اختياري لقسم الفلسفة وأهميته و.. و.. و.. ، عندئذ قال لي د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك كثير وغير مفهوم، ثم يضحك نجيب وكأنه يشير لشلة الحرافيش التي تحيط به أن يبدؤون بالمشاغبة وبالفعل بدأوا المشاغبة حتى حان وقت العشاء، فول، بصارة، طحينة، زيتون مخلل، عيش، باذنجان مخلل، طعمية، شوربة عدس، هكذا كان يعشق نجيب محفوظ هذا الجو الشعبي ، كان لا يأكل إلا بأمر الطبيب، ومن ثم لم يأكل معنا ولكنه كان يستمتع كثيراً بمشاهدة تلك الأطعمة الشعبية المصرية أمامه وأن يستنشق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه الحكيمة المقدسة، فيذهب عنك الاكتئاب، لم أكن أتخيل أن ينتاب هذا الإحساس الرفيع أي إنسان من رائحة الفول والطعمية والبصارة فما بالي وقد انتابت هذه الأحاسيس نجيب محفوظ !! ، مسألة مدهشة حقاً.
قال له " الغيطاني" وهو يداعبه: إذن فهي الشيخوخة التي تمنعك من الطعام يا أستاذ نجيب، وليست حجة الطبيب، فرد محفوظ : الشيخوخة تنشد السلامة يا "جمال" وهنا دفعتني كلمته إلى جملة قالها في أحدى رواياته فصحت بفرح: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة يا استاذ "نجيب"، كنت أعلم أن "نجيب محفوظ" ثقيل السمع ولكننا فوجئنا به جميعاً يرد بكلمة واحدة: ميرامار وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، ثم أدار لنا وجهه بجديه شديدة ووجدناه يقول: "ما جدوى الندم بعد الثمانين.."، وكأنه بهذه الجملة يرثي حاله وربما يلخص رواية ميرامار بأكملها، لحظتها ساورني الفضول مرة أخرى بسؤاله: قرأنا كثيرا أن بسبب رواية ميرامار كان سيعتقلك عبد الناصر فهل هذا صحيح؟ انتابته لحظة تأمل كأنه ينبش في الماضي تلاها بضحكة مشاغبة ثم قال: لم تكن ميرامار ولكنها ثرثرة فوق النيل، قرأها المشير عبد الحكيم عامر فقرر اتخاذ شيء ضدي، لقد تصور انها رواية ضد الحكومة والنظام وعبد الناصر، ولكن الدكتور ثروت عكاشة – ربنا يحميه – جلس مع عبد الناصر ونبهه أننا لو أعتقلنا نجيب فلن تسكت الناس وربما تحدث مصيبة وهنا فوجئ بالسيارة التي جاءت لتعتقلني تعود من حيث أتت، ربنا يحميه ثروت عكاشة.

الأحد، 10 يناير 2010

منين اجيب ناس لمعنات الكلام يتلوه

في البداية اقدم التعازي لاسر ضحايا مجزرة عيد الميلاد بنجع حمادي، أبانوب كمال. 
ودينا حلمى ورفيق رفعت وأيمن زكريا وبولا عاطف وبيشوي فريد والجندي امن مركزي أيمن هاشم سيد. 
وثانياً اناشد كل ابناء مصر الشرفاء المسلمين قبل المسيحيين ان يرسلوا برقيات عزاء لهؤلاء الثكالى اللواتي فقدن فلذات اكبادهن غدرا ولحظة فرحة العيد على العنوان التلغرافي " كنيسة العذراء- شارع 30 مارس -نجع حمادي- محافظة قنا جمهورية مصر العربية" انه اقل مايمكن ان نقدمه نحن ابناء مصر لأبناء مصر، واني ابرء ذمتى ونفسي واولادي أمام الله من كل فعل غادر كهذا الفعل أو غيره يفعله مجرمون باسم الاسلام ونحن المسلمون واسلامنا منه براء، بل واحمل كل من نادى ببث الكراهية ضد ابناء الوطن مسئولية ما حدث وماقد يحدث مستقبلا – نسأل الله الا يحدث - من شلل الجهلة وضيقي الأفق وخريبي الدين ، الذين لو علموا لأدركوا أن ديننا الإسلامي السمح ليست بينه وبين الديانات الأخرى أي خصومة ولو كانت هناك خصومة مابقى من النصاري واليهود في المنطقة العربية واحدا منهم منذ ألف سنه أو يزيد ولسحقتهم امم كانت اعظم منا وارجل منا واكثر كرامة وكبرياء منا بدءا من الدولة الأموية الأسلامية وحتى محمد على باشا والي مصر ولو هناك خصومة لسحقت هذه الأمم هؤلاء الناس باسم الدين وإبادتهم عن بكرة ابيهم ولم يكن هناك من يسألهم أو يقول لهم لماذا تفعلوا ذلك لأنهم كانوا وقتها أسياد العالم وبالرغم من ذلك لم يفعلوها ورعا وتدينا ومحبة ومخافة من الله سبحانه وتعالى من وقع الظلم والغدر أما نحن ففعلناها طيلة 57 عاماً رغم اننا عبيد الرغيف والحذاء. 
انني لن اخاطب الضمائر الحية اليوم لإيماني انها غير موجودة في زمن الفساد، ولان في زمن الفساد لاتمطر السماء الاناراً ولاتنبت الأرض الا ملحاً، فانني ساخاطب الاجيال القادمة واقول لهم، نعم لكم في التاريخ نقطة عار فقد كنا نضطهد اخواننا في الوطن نضطهد الاقباط والنوبيين والاعراب والبهائيين والبدو، حتى نهر النيل ونظن اننا نحسن الصنع، نضطهد كل شئ حتى اضطهدنا الله واعتزلنا العالم وفقدنا تعاطفه بعد ان فقدنا رحمة الله وصرنا افقر الناس وكنا اغناهم واضعف الناس وكنا اقواهم وأمرض الناس وكنا اصحاءهم وافسد الناس وكنا اتقاهم، ابتلينا بكل الغضب الإلهي وكالسكارى لاندري لماذا اختصنا الله بكل تلك الفتن رغم اننا جنوده؟ 


الى الزعيم عادل امام 

وقفتك الإحتجاجية ضد قتل حماس لجندي مصري هي وقفة وطنية لاشك في ذلك لكن يشوبها بعض البيزنس يازعيم ، فيها رائحة بيزنس ، بمعنى انها ليست خالصة مخلصة لمصر وشعب مصر لانك لو واقفها باخلاص عشان الجندي الغلبان وعشان شعب مصر اللي طافح الدم وانت الذي اصبت بفنك يوما كبد اسرائيل بعم جمعة الشوان كان كل الفنانين وقفوا معاك وحاصروك بتأيدهم لكن لم يحاصرك الا لبلبة ومحمد هنيدي وربما لبوا الدعوة خجلا منك، هل تعلم لماذا انفض الناس من حولك في هذه الوقفة الا طبعاً من وكالة الاعلام الاسرائيلية " بانيت " لانك نسيت ثكالى عيد الميلاد في نجع حمادي وفرقت بين جندي الكنيسة الذي مات وجندى رفح الذي مات انت كان هدفك حماس، مملوء غل من حماس، وهو غل لست مملوءا به قضاء وقدرا ولكن ملئت به مقابل بيزنس – الله اعلم ماهو - بعيد عن الوطنية والناس الغلابة. 
الفنان الزعيم احذر ان تنقلب على نفسك وعلى من احبوك وتذكر اننا الذين زعمناك على الفن وعلى مشاعرنا فلا تتحول الى فرعون، اعد ترتيب اوراقك وحاول ان تقف وقفة لكل هؤلاء العشرات من الضحايا الذين سأذكرك ببعضهم على مدارالعشرين سنة الاخيره فقط وليس الخمسين سنة الاخيرة والا احتجنا لدليل مثل دليل التليفونات ساذكرك لأنك لاتعلمهم لكننا سنتوهم انك تعلمهم لنحافظ على محبتنا لك، سأذكرك باعدادالضحايا من ابناء وطنك مسلمين ومسيحين ان كنت جادا بالفعل في وقفاتك الوطنية وليس قفشاتك الوطنية. في سنة 1992 سقط 18 قتيلا قبطياً في اسيوط. في سنة 1993 سقط 15 قتيلا قبطياً. في سنة 1994 سقط 13 قتيلا قبطياً. في سنة 1996 سقط 10 قتيلا قبطياً في عزبة الأقباط بالبدارى بأسيوط . في سنة 1997 سقط 13 قتيلا قبطياً أمام كنيسة مارجرجس بالفكرية ( ابو قرقاص ) المنيا. وسأقفز بك الى 2010 حيث ان المساحة لاتتسع لتعداد الضحايا والضحايا الغلابة كتير حيث سقط 6 قتلى وعسكرى امن مركزي مسلم ليلة عيد الميلاد بنجع حمادي، اما اسرائيل والتي لم يحضر لك سوى اعلامها فقط لتغطية وقفتك الاحتجاجية ضد حماس فضحاياها من المصريين الغلابة على الحدود المصرية الاسرائيلية والذين كانوا يدفنون في الظلام وكأنهم مجرمون هم: 
الخميس 18 سبتمبر 2004، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة، أصابت منطقة تل السلطان والقتلى هم على صبحى النجار سنة 21 ومحمد عبد الفتاح22 سنة وعامر أبو بكر عامر 22 سنة من جنود الأمن المركزى. نوفمبر2000، أصيب المواطن المصرى سليمان قمبيز وعمته بالرصاص الإسرائيلى، حيث كانا يجمعان محصول الزيتون بالقرب من شارع صلاح الدين. أبريل 2001، أصيبت سيدة مصرية من قبيلة البراهمة بطلق نارى إسرائيلى أثناء وجودها بفناء منزلها القريب من الحدود مع غزة. أبريل 2001، قتل شاب مصرى يدعى ميلاد محمد حميدة، عندما حاول الوصول إلى غزة عبر بوابة صلاح الدين. مايو 2001، أصيب المجند المصرى أحمد عيسى بطلق نارى أثناء وجوده بمنطقة خدمته على الحدود. نهاية مايو 2001، أصيب المواطن المصرى زامل أحمد سليمان (28 عاماً) بطلق نارى فى ركبته أثناء جلوسه بمنزله فى حى الإمام على بمدينة رفح المصرية. يونيه 2001 قتل المجند السيد الغريب محمد أحمد بعدة أعيرة نارية فى المنطقة الفاصلة بين مصر وإسرائيل. سبتمبر 2001، أصيب الضابط المصرى برتبة نقيب عمر طه محمد (28 عاماً) بطلق نارى وعدة شظايا فى الفخذ الأيسر نتيجة تبادل النيران بين القوات الإسرائيلية ومسلحين فلسطينيين قرب الحدود المصرية. نوفمبر 2001، أصيب ضابط شرطة مصرى الرائد محمد أحمد سلامة أثناء دورية له فى منطقة الحدود. ديسمبر 2001، أصيب الشاب المصرى محمد جمعة البراهمة (17 عاماً) فى كتفه بطلق نارى إسرائيلى. فبراير 2002، أصيب الطفل فارس القمبيز (5 سنوات) بشظية فى فخذه أثناء لعبه وحده بفناء منزله. نوفمبر 2004، سقط صاروخ إسرائيلى فى حديقة منزل فى رفح المصرية دون أن يحدث أية إصابات. يناير 2006 قتل المهربون المجند عرفة إبراهيم السيد والسيد السعداوى وأصابوا 10 آخرين وتمكنوا من الهرب وإدخال الأفارقة لإسرائيل. ديسمبر 2007 قتلوا أيضاً المجند محمد عبد المحسن الجنيدى وهربوا ولم تعثر أجهزة الأمن عليهم حتى الآن. يناير 2008 أصيب مجند مصرى على الحدود برصاص مجهول. يناير إسرائيل قتلت المواطن السيناوى المدنى حميدان سليمان سويلم (41 سنة) خلال ذهابه لعمله. فبراير إسرائيل قتلت الطفلة سماح نايف سالم ابنة أخ القتيل السائق أمام منزلها على الحدود قرب معبر كرم سالم. مايو 2008 إسرائيل قتلت المواطن سليمان عايد موسى (32 سنة) بحجة تسلله داخل أراضيها بالقرب من كرم سالم. مايو قتل عايش سليمان موسى (32 عاماً) عند منفذ العوجة برصاص إسرائيلى ومثله 5 آخرون فى عام 2008 وتم تسليم جثامينهم لذويهم بسيناء. يوليو 2008 مقتل محمد القرشى ضابط مصرى برصاص إسرائيلى خلال مطاردة لمهربين على الحدود قتلته إسرائيل بدم بارد وفتحت تحقيقا صوريا فى الحادث لم يسفر عن شىء، وادعت أن الضحية دخل إلى الأراضى الإسرائيلية، وأطلق النار عليه بطريق الخطأ. سبتمبر 2008 أخطرت السلطات الإسرائيلية الجانب المصرى بأن أحد المهربين المصريين قد سبق وحاول التسلل لإسرائيل من الأراضى المصرية، وبعد أن اجتاز الأراضى الإسرائيلية أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص عليه وأردته قتيلا، والقتيل يدعى سليمان سويلم سليمان (26 سنة) من سكان منطقة القسيمة بوسط سيناء، اننا نريدها وقفة زعيم يازعيم، زعامة بجد .. زعامة يامعلم جمعة ياشوان بحق وحقيق. 






منين اجيب ناس لمعنات الكلام يتلوه

في البداية اقدم التعازي لاسر ضحايا مجزرة عيد الميلاد بنجع حمادي، أبانوب كمال. 
ودينا حلمى ورفيق رفعت وأيمن زكريا وبولا عاطف وبيشوي فريد والجندي امن مركزي أيمن هاشم سيد. 
وثانياً اناشد كل ابناء مصر الشرفاء المسلمين قبل المسيحيين ان يرسلوا برقيات عزاء لهؤلاء الثكالى اللواتي فقدن فلذات اكبادهن غدرا ولحظة فرحة العيد على العنوان التلغرافي " كنيسة العذراء- شارع 30 مارس -نجع حمادي- محافظة قنا جمهورية مصر العربية" انه اقل مايمكن ان نقدمه نحن ابناء مصر لأبناء مصر، واني ابرء ذمتى ونفسي واولادي أمام الله من كل فعل غادر كهذا الفعل أو غيره يفعله مجرمون باسم الاسلام ونحن المسلمون واسلامنا منه براء، بل واحمل كل من نادى ببث الكراهية ضد ابناء الوطن مسئولية ما حدث وماقد يحدث مستقبلا – نسأل الله الا يحدث - من شلل الجهلة وضيقي الأفق وخريبي الدين ، الذين لو علموا لأدركوا أن ديننا الإسلامي السمح ليست بينه وبين الديانات الأخرى أي خصومة ولو كانت هناك خصومة مابقى من النصاري واليهود في المنطقة العربية واحدا منهم منذ ألف سنه أو يزيد ولسحقتهم امم كانت اعظم منا وارجل منا واكثر كرامة وكبرياء منا بدءا من الدولة الأموية الأسلامية وحتى محمد على باشا والي مصر ولو هناك خصومة لسحقت هذه الأمم هؤلاء الناس باسم الدين وإبادتهم عن بكرة ابيهم ولم يكن هناك من يسألهم أو يقول لهم لماذا تفعلوا ذلك لأنهم كانوا وقتها أسياد العالم وبالرغم من ذلك لم يفعلوها ورعا وتدينا ومحبة ومخافة من الله سبحانه وتعالى من وقع الظلم والغدر أما نحن ففعلناها طيلة 57 عاماً رغم اننا عبيد الرغيف والحذاء. 
انني لن اخاطب الضمائر الحية اليوم لإيماني انها غير موجودة في زمن الفساد، ولان في زمن الفساد لاتمطر السماء الاناراً ولاتنبت الأرض الا ملحاً، فانني ساخاطب الاجيال القادمة واقول لهم، نعم لكم في التاريخ نقطة عار فقد كنا نضطهد اخواننا في الوطن نضطهد الاقباط والنوبيين والاعراب والبهائيين والبدو، حتى نهر النيل ونظن اننا نحسن الصنع، نضطهد كل شئ حتى اضطهدنا الله واعتزلنا العالم وفقدنا تعاطفه بعد ان فقدنا رحمة الله وصرنا افقر الناس وكنا اغناهم واضعف الناس وكنا اقواهم وأمرض الناس وكنا اصحاءهم وافسد الناس وكنا اتقاهم، ابتلينا بكل الغضب الإلهي وكالسكارى لاندري لماذا اختصنا الله بكل تلك الفتن رغم اننا جنوده؟ 


الى الزعيم عادل امام 

وقفتك الإحتجاجية ضد قتل حماس لجندي مصري هي وقفة وطنية لاشك في ذلك لكن يشوبها بعض البيزنس يازعيم ، فيها رائحة بيزنس ، بمعنى انها ليست خالصة مخلصة لمصر وشعب مصر لانك لو واقفها باخلاص عشان الجندي الغلبان وعشان شعب مصر اللي طافح الدم وانت الذي اصبت بفنك يوما كبد اسرائيل بعم جمعة الشوان كان كل الفنانين وقفوا معاك وحاصروك بتأيدهم لكن لم يحاصرك الا لبلبة ومحمد هنيدي وربما لبوا الدعوة خجلا منك، هل تعلم لماذا انفض الناس من حولك في هذه الوقفة الا طبعاً من وكالة الاعلام الاسرائيلية " بانيت " لانك نسيت ثكالى عيد الميلاد في نجع حمادي وفرقت بين جندي الكنيسة الذي مات وجندى رفح الذي مات انت كان هدفك حماس، مملوء غل من حماس، وهو غل لست مملوءا به قضاء وقدرا ولكن ملئت به مقابل بيزنس – الله اعلم ماهو - بعيد عن الوطنية والناس الغلابة. 
الفنان الزعيم احذر ان تنقلب على نفسك وعلى من احبوك وتذكر اننا الذين زعمناك على الفن وعلى مشاعرنا فلا تتحول الى فرعون، اعد ترتيب اوراقك وحاول ان تقف وقفة لكل هؤلاء العشرات من الضحايا الذين سأذكرك ببعضهم على مدارالعشرين سنة الاخيره فقط وليس الخمسين سنة الاخيرة والا احتجنا لدليل مثل دليل التليفونات ساذكرك لأنك لاتعلمهم لكننا سنتوهم انك تعلمهم لنحافظ على محبتنا لك، سأذكرك باعدادالضحايا من ابناء وطنك مسلمين ومسيحين ان كنت جادا بالفعل في وقفاتك الوطنية وليس قفشاتك الوطنية. في سنة 1992 سقط 18 قتيلا قبطياً في اسيوط. في سنة 1993 سقط 15 قتيلا قبطياً. في سنة 1994 سقط 13 قتيلا قبطياً. في سنة 1996 سقط 10 قتيلا قبطياً في عزبة الأقباط بالبدارى بأسيوط . في سنة 1997 سقط 13 قتيلا قبطياً أمام كنيسة مارجرجس بالفكرية ( ابو قرقاص ) المنيا. وسأقفز بك الى 2010 حيث ان المساحة لاتتسع لتعداد الضحايا والضحايا الغلابة كتير حيث سقط 6 قتلى وعسكرى امن مركزي مسلم ليلة عيد الميلاد بنجع حمادي، اما اسرائيل والتي لم يحضر لك سوى اعلامها فقط لتغطية وقفتك الاحتجاجية ضد حماس فضحاياها من المصريين الغلابة على الحدود المصرية الاسرائيلية والذين كانوا يدفنون في الظلام وكأنهم مجرمون هم: 
الخميس 18 سبتمبر 2004، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة، أصابت منطقة تل السلطان والقتلى هم على صبحى النجار سنة 21 ومحمد عبد الفتاح22 سنة وعامر أبو بكر عامر 22 سنة من جنود الأمن المركزى. نوفمبر2000، أصيب المواطن المصرى سليمان قمبيز وعمته بالرصاص الإسرائيلى، حيث كانا يجمعان محصول الزيتون بالقرب من شارع صلاح الدين. أبريل 2001، أصيبت سيدة مصرية من قبيلة البراهمة بطلق نارى إسرائيلى أثناء وجودها بفناء منزلها القريب من الحدود مع غزة. أبريل 2001، قتل شاب مصرى يدعى ميلاد محمد حميدة، عندما حاول الوصول إلى غزة عبر بوابة صلاح الدين. مايو 2001، أصيب المجند المصرى أحمد عيسى بطلق نارى أثناء وجوده بمنطقة خدمته على الحدود. نهاية مايو 2001، أصيب المواطن المصرى زامل أحمد سليمان (28 عاماً) بطلق نارى فى ركبته أثناء جلوسه بمنزله فى حى الإمام على بمدينة رفح المصرية. يونيه 2001 قتل المجند السيد الغريب محمد أحمد بعدة أعيرة نارية فى المنطقة الفاصلة بين مصر وإسرائيل. سبتمبر 2001، أصيب الضابط المصرى برتبة نقيب عمر طه محمد (28 عاماً) بطلق نارى وعدة شظايا فى الفخذ الأيسر نتيجة تبادل النيران بين القوات الإسرائيلية ومسلحين فلسطينيين قرب الحدود المصرية. نوفمبر 2001، أصيب ضابط شرطة مصرى الرائد محمد أحمد سلامة أثناء دورية له فى منطقة الحدود. ديسمبر 2001، أصيب الشاب المصرى محمد جمعة البراهمة (17 عاماً) فى كتفه بطلق نارى إسرائيلى. فبراير 2002، أصيب الطفل فارس القمبيز (5 سنوات) بشظية فى فخذه أثناء لعبه وحده بفناء منزله. نوفمبر 2004، سقط صاروخ إسرائيلى فى حديقة منزل فى رفح المصرية دون أن يحدث أية إصابات. يناير 2006 قتل المهربون المجند عرفة إبراهيم السيد والسيد السعداوى وأصابوا 10 آخرين وتمكنوا من الهرب وإدخال الأفارقة لإسرائيل. ديسمبر 2007 قتلوا أيضاً المجند محمد عبد المحسن الجنيدى وهربوا ولم تعثر أجهزة الأمن عليهم حتى الآن. يناير 2008 أصيب مجند مصرى على الحدود برصاص مجهول. يناير إسرائيل قتلت المواطن السيناوى المدنى حميدان سليمان سويلم (41 سنة) خلال ذهابه لعمله. فبراير إسرائيل قتلت الطفلة سماح نايف سالم ابنة أخ القتيل السائق أمام منزلها على الحدود قرب معبر كرم سالم. مايو 2008 إسرائيل قتلت المواطن سليمان عايد موسى (32 سنة) بحجة تسلله داخل أراضيها بالقرب من كرم سالم. مايو قتل عايش سليمان موسى (32 عاماً) عند منفذ العوجة برصاص إسرائيلى ومثله 5 آخرون فى عام 2008 وتم تسليم جثامينهم لذويهم بسيناء. يوليو 2008 مقتل محمد القرشى ضابط مصرى برصاص إسرائيلى خلال مطاردة لمهربين على الحدود قتلته إسرائيل بدم بارد وفتحت تحقيقا صوريا فى الحادث لم يسفر عن شىء، وادعت أن الضحية دخل إلى الأراضى الإسرائيلية، وأطلق النار عليه بطريق الخطأ. سبتمبر 2008 أخطرت السلطات الإسرائيلية الجانب المصرى بأن أحد المهربين المصريين قد سبق وحاول التسلل لإسرائيل من الأراضى المصرية، وبعد أن اجتاز الأراضى الإسرائيلية أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص عليه وأردته قتيلا، والقتيل يدعى سليمان سويلم سليمان (26 سنة) من سكان منطقة القسيمة بوسط سيناء، اننا نريدها وقفة زعيم يازعيم، زعامة بجد .. زعامة يامعلم جمعة ياشوان بحق وحقيق. 






الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

هكذا قالت لي حليمة !!

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه،
  
الجيش – في عالمنا الثالث:
هو صاحب المدفع، صاحب الدبابة والطائرة، صاحب النظام، هو مالك الوطن.
هو صاحب التغيير، صاحب الثورة، صاحب السلطة، هو مالك الدستور.
هو من تعارضت معه المصالح كان خائناً ومن تلازمت معه المنافع صار قائداً.

ومن هذا المنظور الذي أصبح يراه كثير من المقهورين برؤى أغلبها غاضب ومشوش ظهرت الميليشيات الشعبية للدفاع عن مصلحة القبيلة أو الجماعة – عرقية كانت أم دينية - والتي يري اصحابها ان الجيش اما منفصل عن تحقيق طموحات الشعب وتطلعات فئاته كبشر من حقهم أن يحصلوا على ابسط حقوق الشعوب المحترمة في العالم، أو أن الجيش والنظام ينكروا وجودهم الوطني ويعتبرونهم أقليات مهمشة أو مواطنين من الدرجة الثالثة، ومن هنا ظهر قرنق وحزب الله وحماس والجنجويد والحوثيين والكثير الكثير من الجماعات الراديكالية بمختلف المسميات والهويات؛ حتى امتلأت بهم شوارع الوطن وحواري الوطن وقراه ومدنه، معارضين للنظم رافضين للجيوش التي أصبحت – من منظور الراديكاليين الفقراء – جيوشا لا تملك القدرة على تحريك الثابت الآسن إلى متحرك متجدد، جيوشا لا تحقق – كما كانت بالأمس - أمل الملايين في الحد الأدنى المتكامن في صدورهم من الحرية الإنسانية وسطوع الهدف والرضا عن النتائج ليستشعر – المواطن - في قرارة نفسه انه مازال موجوداً يأخذ ويعطي ويتفاعل متزامنا مع الشعوب من حوله في جغرافية الكون الذي يحياه وليس كمن يحيا في مجموعة شمسية أخرى بزمن آخر يسير عكس عقارب الساعة؛ تلك المسألة تسببت فيما نحياه اليوم ونطلق عليه " الفلتان الأمنى " داخل المجتمعات العربية، خاصة بعد تعاطف معظم سكان الشارع العربي مع هذه الجماعات، هذا الشارع الذي إن لم يجد تعاطفا بالمد والعون لهم فإنه يستبدع تعاطفا معهم بالصمت وغفران الخطيئة لكون خطيئة المتمرد الغاضب بالسلاح عندهم أعظم وأطهر من حسنات النظام وكل من يعتلي كراسيه، فخطيئة المتمرد من وجهة نظر المقهورين تشفي غليل اليائس المقهور بينما حسنات النظام لا تزيده إلا فقراً يتوسل به فتات القوم في الغرب ويدين لهم مدى الحياة بقوت يومه وأحفاده وربما حتى أجيال زمن ظهور دابة الأرض من بعده.
هذه وجة نظر الناس بالفعل وليست محض سيناريو خيالي أتيته عن علم من عندي، لأن المتأمل المهموم بردود أفعال الناس في الشارع العربي يجد أن الأنظمة في الوقت الذي أدارت فيه ظهورها لشعوبها ولمطالب الجماعات داخلها، وجه المواطن البسيط في الشارع العربي وجهه لتلك الجماعات الثورية بل واعتبر أن رموز هذه الجماعات ما هم إلا قاده مخلصين ومصلحين وزعماء جاءوا ليأخذوا بثأر المستضعفين في الأرض فالتفوا حولهم ودعوا لهم بالنصر وعلقوا صورهم رغم أنف النظم في غرف نومهم استبشاراً بهم وهي مسألة انتبهت لها الأنظمة بالفعل متأخرة لكنها – رغم الإنتباهه - لم تجد أو تقدم ولو حلاً واحداً سريعاً لعلاجها لان غالبية هذه النظم كانت وربما مازالت – تحت وطأة الظرف السياسي الفوضوي والتدخل الأجنبي بالمنطقة - تبحث عن كل وسيلة تحافظ بها على حكم البلاد أو ما ندعوه مجازاً صراع أمراء السلطنة كما كان في عهد حكم المماليك؛ ومن منطلق ديكتاتوري ولكبت مشاعر الناس تجاه هذه الجماعات ظهرت وسائل قمعية تجاه الشعوب رغم أنه كان من الأحرى أن يظهر بصيص من حسن النوايا في تحقيق متدرج لأحلام الناس ليستشعر هؤلاء الناس أنه وطن لا يأكل أبناؤه.
إن جيوش المنطقة في ورطة حقيقية فبعد أن تعافت من كونها في الماضي الضحية الأولى لنتائج الحرب العالمية الثانية وتفككها بعد أن كانت جيشاً واحداً تحت راية تركيا، أصبح لكل بلد جيش يأتمر بأمر المستعمر المحتل؛ ثم تأتي محاولاتها في النهوض من جديد ولملمة أشلاءها بعد الثورات التحررية وأهمها ثورة 1952 في مصر، تلك الثورة التي بدأت في ستينيات القرن الماضي بالانجذاب نحو الاتحاد السوفيتي السابق سياسيا وعسكريا وصناعيا إلى حد لم تمض معه سنوات قليلة إلا وكانت كل قيادات الجيش في الوطن العربي من أقصاه لأقصاه زملاء دراسة في الأكاديميات العسكرية السوفيتية تجمعهم مصالح مشتركة وصداقة مشتركة وصلت بأن أصبح رموز الحكم في الوطن العربي كله، فيما عدا المغرب والسعودية والأردن، خريجي نفس المدرسة تقريباً ويحملون نفس الطموح في الهم والحكم والقيادة؛ حتى ظن الرائي أننا بالفعل في تلك الحقبة جيشا واحدا يملك هم الدفاع المشترك والنظم المشتركة والمصالح المشتركة أو ما أطلق عليه وهما " القومية العربية ".
و جاءت معاهدة السلام التي اختلفت معها كل تلك المصالح والمناهج واختلف عليها الأمراء وقادة الماضي فاعتزلوا مصر وعزلوها وصار لكل أمير – في كل أرجاء الوطن - وجهته التي يستمد منها قوته واستتباب حكمه فظهر بجلاء وجه أميركا ووجه فرنسا وانجلترا وحتى وجه الصين بجانب وجه روسيا الذي بدا شاحباً بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق لتتحدد الأدوار والصفقات في مد الجيوش بالسلاح والعتاد والشراكة في المناورات وإعادة بناء الدولة وهيكلة المنهج وخصخصة الفقراء؛ وانفرط عقد الصداقة والأصدقاء القدامى، وانعزل كل أمير في وطنه بعيدا عن أوطان الآخرين من حوله ولم يدروا قبل الانعزال أنهم صنعوا وجدانا شعوبيا يؤمن قبل العزلة بالوطن الواحد والقومية الواحدة والدفاع المشترك؛ وهنا رفضت الشعوب العزلة وقاومتها ثم حل فيها اليأس الذي دفعها بإحباط إلى أن ترفض كل شئ من حولها حتى نفسها بل والانتقام من ذاتها بمنطق الانتحار الشعوبي الذاتي فصار الفساد عدلا والعدل جريمة واختلاف المذهب أو الدين كفر وكونك لست من ذوي الدماء الزرقاء الملكية فأنت خائن.
ورفضت الشعوب بكل ما تملكه من يأس الاختلاف فيها ولم تجد في لحظة الخلاف قوة ردع من قادتها بل وجدت أنظمة غائبة أو مستفيدة من الشقاق بين أصحاب الوطن الواحد لدرجة وصلت معها حسابات المصلحة والاستفادة لتثبيت كراسي الحكم أن أفرجت عن معارضيها القدامى أعداء الأمس ليكونوا رأس حربة ضد معارضيها الجدد أعداء اليوم، ولتظهر بشائر هذا الشقاق والحسابات وفوضى المصلحة في الضحية الأولى الرئيس المصري محمد أنور السادات واغتياله ونفر كثير من معاونيه.
لقد صار واضحا جليا مدى ما تملكه هذه الجماعات الراديكالية الغاضبة الجديدة من دعم معنوي شعوبي ودعم مادي عسكري تخلل حتى صفوف الجيوش نفسها وأصبح جزءاً من نسيجها يعرفوا بعضهم البعض ولا يعرفهم أحد وهو ما سبب ويسبب – حتى اليوم - كابوساً للأنظمة التي لم يخطر ببالها على الإطلاق ان تستأسد بعض تلك الجماعات ويصبح لها من القوة ما يمكنها من اغتيال رأس النظام!، وهو أمر تباهت به تلك الجماعات واستشعر الناس وسط هذا التباهي بعجز الأنظمة والجيوش في سائر الوطن العربي، خاصة بعد صناعة الأسوار والسياج والبوابات الفولاذية بين الناس وبين الأمن والجيش والداخلية وكلها مسائل تستقر في الوعي الجمعي الخفي لدى الناس ليسوقهم في النهاية إلى الإيمان بضعف النظم التي تحكمهم ومن ثم يبحث هؤلاء عن نظم أخرى بديلة لتحميهم فلا يجدوا بديلاً إلا رموز الجماعات الثورية المنشقة على النظام.
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه، يصارعون بعضهم البعض أحيانا وسط شماتة النظم فيهم ثم لايلبثوا أن يتحدوا ضد النظم فتشمت الشعوب في رؤوس الحكم، شماته تدفع أحيانا بهذه الرؤوس لأن تعقد مع تلك الجماعات صفقة قد تصل إلى الشراكة الرمزية في حكم البلاد اتقاءً لخطرهم الكامن في أعماق من يؤمنوا بهم من الناس كمثال حزب الله ومشاركته في حكم لبنان والإخوان المسلمين ومشاركتهم للبرلمان في مصر. 
والمتأمل للصراع في وطننا اليوم يجد أعظمه نوعين، النوع الأول والأخطر هو الصراع الديني بغية حكم ثيوقراطي أو شبه ثيوقراطي كصراع المسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة والأرذوكس والبروتستانت وهو صراع لا تندمل جراحه بسهوله ويستمر سنيناً طوالاً وضحاياه بالملايين؛ والثاني صراع قبلي عنصري يحاول فيه عنصر ما ان تكون له الغلبة داخل الوطن على عنصر آخر حتى ولو كان من نفس الدين وذات الملة، كل ذلك والجيوش تقف مكتوفة الأيدي لا لشئ سوي كونها عاجزة عن فك شفرة اللغز وهو نصرة من ضد من؟ وتركوا الأمر والشفرة لقادة الأمن الداخلي فتحول الوطن بهم إلى سجن كبير، البقاء فيه للأقوى، حتى صارت غالب الناس تعيش زمن ما يمكن تسميته مجازاً بزمن المفسدة العظمى، فلا قانون ولا عدل ولا رموز وطنية وأصبح الكل أشبه بدوائر صغيرة عنصرية منغلقة على نفسها يضغط بعضها على بعض ويفتت بعضها بعضا في أحلك فترات شعوبنا العربية سواداً وظلمة.
لاحل لكل هذا السواد والهم سوي الجيش، لم يفقد المواطن العربي ثقته الكاملة بعد في الجيش، لان عناصر الجيش من الشعب، كل الجيش من الشعب، ربما يكونون غضبى من الجيش، تتملكهم الفوضى لغيابه لكنهم يعلمون ان الجيوش -بعد تجربة انهيار الجيش العراقي وتشتته - يستعدون بينهم وربما يعدون منهم قيادة جديدة قادرة على الوقوف بحزم أمام طعنات الواقع الراهن، قيادة لها خبرة في عبور الأزمات، قيادة تحمل من الخبرة العسكرية والسياسية مايؤهلها إنقاذ الوطن ليعود له كبريائه القديم.

هكذا قالت لي حليمة !!

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه،
  
الجيش – في عالمنا الثالث:
هو صاحب المدفع، صاحب الدبابة والطائرة، صاحب النظام، هو مالك الوطن.
هو صاحب التغيير، صاحب الثورة، صاحب السلطة، هو مالك الدستور.
هو من تعارضت معه المصالح كان خائناً ومن تلازمت معه المنافع صار قائداً.

ومن هذا المنظور الذي أصبح يراه كثير من المقهورين برؤى أغلبها غاضب ومشوش ظهرت الميليشيات الشعبية للدفاع عن مصلحة القبيلة أو الجماعة – عرقية كانت أم دينية - والتي يري اصحابها ان الجيش اما منفصل عن تحقيق طموحات الشعب وتطلعات فئاته كبشر من حقهم أن يحصلوا على ابسط حقوق الشعوب المحترمة في العالم، أو أن الجيش والنظام ينكروا وجودهم الوطني ويعتبرونهم أقليات مهمشة أو مواطنين من الدرجة الثالثة، ومن هنا ظهر قرنق وحزب الله وحماس والجنجويد والحوثيين والكثير الكثير من الجماعات الراديكالية بمختلف المسميات والهويات؛ حتى امتلأت بهم شوارع الوطن وحواري الوطن وقراه ومدنه، معارضين للنظم رافضين للجيوش التي أصبحت – من منظور الراديكاليين الفقراء – جيوشا لا تملك القدرة على تحريك الثابت الآسن إلى متحرك متجدد، جيوشا لا تحقق – كما كانت بالأمس - أمل الملايين في الحد الأدنى المتكامن في صدورهم من الحرية الإنسانية وسطوع الهدف والرضا عن النتائج ليستشعر – المواطن - في قرارة نفسه انه مازال موجوداً يأخذ ويعطي ويتفاعل متزامنا مع الشعوب من حوله في جغرافية الكون الذي يحياه وليس كمن يحيا في مجموعة شمسية أخرى بزمن آخر يسير عكس عقارب الساعة؛ تلك المسألة تسببت فيما نحياه اليوم ونطلق عليه " الفلتان الأمنى " داخل المجتمعات العربية، خاصة بعد تعاطف معظم سكان الشارع العربي مع هذه الجماعات، هذا الشارع الذي إن لم يجد تعاطفا بالمد والعون لهم فإنه يستبدع تعاطفا معهم بالصمت وغفران الخطيئة لكون خطيئة المتمرد الغاضب بالسلاح عندهم أعظم وأطهر من حسنات النظام وكل من يعتلي كراسيه، فخطيئة المتمرد من وجهة نظر المقهورين تشفي غليل اليائس المقهور بينما حسنات النظام لا تزيده إلا فقراً يتوسل به فتات القوم في الغرب ويدين لهم مدى الحياة بقوت يومه وأحفاده وربما حتى أجيال زمن ظهور دابة الأرض من بعده.
هذه وجة نظر الناس بالفعل وليست محض سيناريو خيالي أتيته عن علم من عندي، لأن المتأمل المهموم بردود أفعال الناس في الشارع العربي يجد أن الأنظمة في الوقت الذي أدارت فيه ظهورها لشعوبها ولمطالب الجماعات داخلها، وجه المواطن البسيط في الشارع العربي وجهه لتلك الجماعات الثورية بل واعتبر أن رموز هذه الجماعات ما هم إلا قاده مخلصين ومصلحين وزعماء جاءوا ليأخذوا بثأر المستضعفين في الأرض فالتفوا حولهم ودعوا لهم بالنصر وعلقوا صورهم رغم أنف النظم في غرف نومهم استبشاراً بهم وهي مسألة انتبهت لها الأنظمة بالفعل متأخرة لكنها – رغم الإنتباهه - لم تجد أو تقدم ولو حلاً واحداً سريعاً لعلاجها لان غالبية هذه النظم كانت وربما مازالت – تحت وطأة الظرف السياسي الفوضوي والتدخل الأجنبي بالمنطقة - تبحث عن كل وسيلة تحافظ بها على حكم البلاد أو ما ندعوه مجازاً صراع أمراء السلطنة كما كان في عهد حكم المماليك؛ ومن منطلق ديكتاتوري ولكبت مشاعر الناس تجاه هذه الجماعات ظهرت وسائل قمعية تجاه الشعوب رغم أنه كان من الأحرى أن يظهر بصيص من حسن النوايا في تحقيق متدرج لأحلام الناس ليستشعر هؤلاء الناس أنه وطن لا يأكل أبناؤه.
إن جيوش المنطقة في ورطة حقيقية فبعد أن تعافت من كونها في الماضي الضحية الأولى لنتائج الحرب العالمية الثانية وتفككها بعد أن كانت جيشاً واحداً تحت راية تركيا، أصبح لكل بلد جيش يأتمر بأمر المستعمر المحتل؛ ثم تأتي محاولاتها في النهوض من جديد ولملمة أشلاءها بعد الثورات التحررية وأهمها ثورة 1952 في مصر، تلك الثورة التي بدأت في ستينيات القرن الماضي بالانجذاب نحو الاتحاد السوفيتي السابق سياسيا وعسكريا وصناعيا إلى حد لم تمض معه سنوات قليلة إلا وكانت كل قيادات الجيش في الوطن العربي من أقصاه لأقصاه زملاء دراسة في الأكاديميات العسكرية السوفيتية تجمعهم مصالح مشتركة وصداقة مشتركة وصلت بأن أصبح رموز الحكم في الوطن العربي كله، فيما عدا المغرب والسعودية والأردن، خريجي نفس المدرسة تقريباً ويحملون نفس الطموح في الهم والحكم والقيادة؛ حتى ظن الرائي أننا بالفعل في تلك الحقبة جيشا واحدا يملك هم الدفاع المشترك والنظم المشتركة والمصالح المشتركة أو ما أطلق عليه وهما " القومية العربية ".
و جاءت معاهدة السلام التي اختلفت معها كل تلك المصالح والمناهج واختلف عليها الأمراء وقادة الماضي فاعتزلوا مصر وعزلوها وصار لكل أمير – في كل أرجاء الوطن - وجهته التي يستمد منها قوته واستتباب حكمه فظهر بجلاء وجه أميركا ووجه فرنسا وانجلترا وحتى وجه الصين بجانب وجه روسيا الذي بدا شاحباً بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق لتتحدد الأدوار والصفقات في مد الجيوش بالسلاح والعتاد والشراكة في المناورات وإعادة بناء الدولة وهيكلة المنهج وخصخصة الفقراء؛ وانفرط عقد الصداقة والأصدقاء القدامى، وانعزل كل أمير في وطنه بعيدا عن أوطان الآخرين من حوله ولم يدروا قبل الانعزال أنهم صنعوا وجدانا شعوبيا يؤمن قبل العزلة بالوطن الواحد والقومية الواحدة والدفاع المشترك؛ وهنا رفضت الشعوب العزلة وقاومتها ثم حل فيها اليأس الذي دفعها بإحباط إلى أن ترفض كل شئ من حولها حتى نفسها بل والانتقام من ذاتها بمنطق الانتحار الشعوبي الذاتي فصار الفساد عدلا والعدل جريمة واختلاف المذهب أو الدين كفر وكونك لست من ذوي الدماء الزرقاء الملكية فأنت خائن.
ورفضت الشعوب بكل ما تملكه من يأس الاختلاف فيها ولم تجد في لحظة الخلاف قوة ردع من قادتها بل وجدت أنظمة غائبة أو مستفيدة من الشقاق بين أصحاب الوطن الواحد لدرجة وصلت معها حسابات المصلحة والاستفادة لتثبيت كراسي الحكم أن أفرجت عن معارضيها القدامى أعداء الأمس ليكونوا رأس حربة ضد معارضيها الجدد أعداء اليوم، ولتظهر بشائر هذا الشقاق والحسابات وفوضى المصلحة في الضحية الأولى الرئيس المصري محمد أنور السادات واغتياله ونفر كثير من معاونيه.
لقد صار واضحا جليا مدى ما تملكه هذه الجماعات الراديكالية الغاضبة الجديدة من دعم معنوي شعوبي ودعم مادي عسكري تخلل حتى صفوف الجيوش نفسها وأصبح جزءاً من نسيجها يعرفوا بعضهم البعض ولا يعرفهم أحد وهو ما سبب ويسبب – حتى اليوم - كابوساً للأنظمة التي لم يخطر ببالها على الإطلاق ان تستأسد بعض تلك الجماعات ويصبح لها من القوة ما يمكنها من اغتيال رأس النظام!، وهو أمر تباهت به تلك الجماعات واستشعر الناس وسط هذا التباهي بعجز الأنظمة والجيوش في سائر الوطن العربي، خاصة بعد صناعة الأسوار والسياج والبوابات الفولاذية بين الناس وبين الأمن والجيش والداخلية وكلها مسائل تستقر في الوعي الجمعي الخفي لدى الناس ليسوقهم في النهاية إلى الإيمان بضعف النظم التي تحكمهم ومن ثم يبحث هؤلاء عن نظم أخرى بديلة لتحميهم فلا يجدوا بديلاً إلا رموز الجماعات الثورية المنشقة على النظام.
الشارع الشعبي داخل الوطن يحكمه بالفعل رموز هذه الجماعات التى تطورت كثيرا في مناهجها وآلياتها بعد حرب الخليج الأولى ووجدناها تنشطر من بعضها كالانشطار الجزيئي إلى جماعات اصغر فأصغر كل منها له عقيدته وعنصره ومناهجه، يصارعون بعضهم البعض أحيانا وسط شماتة النظم فيهم ثم لايلبثوا أن يتحدوا ضد النظم فتشمت الشعوب في رؤوس الحكم، شماته تدفع أحيانا بهذه الرؤوس لأن تعقد مع تلك الجماعات صفقة قد تصل إلى الشراكة الرمزية في حكم البلاد اتقاءً لخطرهم الكامن في أعماق من يؤمنوا بهم من الناس كمثال حزب الله ومشاركته في حكم لبنان والإخوان المسلمين ومشاركتهم للبرلمان في مصر. 
والمتأمل للصراع في وطننا اليوم يجد أعظمه نوعين، النوع الأول والأخطر هو الصراع الديني بغية حكم ثيوقراطي أو شبه ثيوقراطي كصراع المسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة والأرذوكس والبروتستانت وهو صراع لا تندمل جراحه بسهوله ويستمر سنيناً طوالاً وضحاياه بالملايين؛ والثاني صراع قبلي عنصري يحاول فيه عنصر ما ان تكون له الغلبة داخل الوطن على عنصر آخر حتى ولو كان من نفس الدين وذات الملة، كل ذلك والجيوش تقف مكتوفة الأيدي لا لشئ سوي كونها عاجزة عن فك شفرة اللغز وهو نصرة من ضد من؟ وتركوا الأمر والشفرة لقادة الأمن الداخلي فتحول الوطن بهم إلى سجن كبير، البقاء فيه للأقوى، حتى صارت غالب الناس تعيش زمن ما يمكن تسميته مجازاً بزمن المفسدة العظمى، فلا قانون ولا عدل ولا رموز وطنية وأصبح الكل أشبه بدوائر صغيرة عنصرية منغلقة على نفسها يضغط بعضها على بعض ويفتت بعضها بعضا في أحلك فترات شعوبنا العربية سواداً وظلمة.
لاحل لكل هذا السواد والهم سوي الجيش، لم يفقد المواطن العربي ثقته الكاملة بعد في الجيش، لان عناصر الجيش من الشعب، كل الجيش من الشعب، ربما يكونون غضبى من الجيش، تتملكهم الفوضى لغيابه لكنهم يعلمون ان الجيوش -بعد تجربة انهيار الجيش العراقي وتشتته - يستعدون بينهم وربما يعدون منهم قيادة جديدة قادرة على الوقوف بحزم أمام طعنات الواقع الراهن، قيادة لها خبرة في عبور الأزمات، قيادة تحمل من الخبرة العسكرية والسياسية مايؤهلها إنقاذ الوطن ليعود له كبريائه القديم.

الجمعة، 13 نوفمبر 2009

في البدء كانت الثورة

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
إن تحول الصراع من صراع جيوش لصراع شعبي وصراع ميلشيات وحرب عصابات، وصراع أن أكون أو لا أكون، لن تصمد امامة الحوائط ولا الأسوار ولا الأنظمة، 
  

لا تتصوروا أن الشعوب يمكن أن يقمعها نظام مهما كانت قوته أو مهما كان جبروته، فدائما وابدأ ما تنهار الأنظمة أمام انفجار المقهورين مهما طال أمد القهر والقمع والجبروت .. هكذا أنبأنا التاريخ. صاحب الطغيان يمتلك الخوف ومن فرض عليه القهر يمتلك القوة والطاغي يجتهد في صناعة سور بينه وبين الناس أما المقهور فيجتهد ليهدم السور و يصنع الثورة.
ومن هذه الزاوية _ زاوية المقهورين - ننظر الى حكاية أسوار الفصل العنصري التي أصبحت موضة هذه الأيام، فقديما كان الشعب والحاكم والصفوة يتكاتفون لبناء حائط وسور ضخم حول العاصمة لحمايتها من الغزاة، أما اليوم فنجد أن الأسوار اتخذت طابعاً آخر، طابعاً عجيباً، طابعاً مأساوياً لإذلال الشعوب بعد التسلط عليها بأي شكل من أشكال التسلط الديكتاتوري، فنجد إسرائيل تقيم جداراً يكلفها مليارات من اجل أن تحتمي فيه من الشعب الذي تم إذلاله منذ النكبة 48 أو ربما من قبل النكبة وحتى اليوم، مليارات الدولارات يصرفها نظام إسرائيل على ( حيطة) لتحميه رغم كل ما يمتلكه من تكنولوجيا للدفاع والهجوم والقتل والفتك والتدمير في ساعة زمن واحدة!!، مليارات لبناء ( حيطة ) لتحميه ممن ؟ لتحميه من شعب أعزل لا يمتلك اليوم حتى حق الدفاع عن نفسه وبمباركه في عدم الدفاع من العالم كله، العالم كله الخائف من المستقبل، الواعي لدروس التاريخ والمدرك انه سيأتي اليوم الذي حتماً سيثور فيه المقهورين وينتصروا ويتسيدوا، ومن ثم لابد من وجود ( حيطة ) تعطي وقتاً – للطاغي والمحتل والديكتاتور - للهروب وتقليل الخسائر وأن ينجو بحياته أمام جحافل المقهورين الثائرين حتماً في يوم قادم قريب.
انهزمت أمريكا بالفعل – هزيمة منكرة - في حربها على الإرهاب يوم أن قررت بناء سور عازل كلفته ملايين الدولارات لعزل جنودها في محمية خاصة داخل بغداد وأطلقت على هذه المحمية الحزام الأخضر، يومها أدرك العالم الهزيمة وقرر سحب جنوده وتغيرت مع سحب الجنود الحكومات، ووجوه الحكم، والسؤال عازل ممن وأنت المفروض جيش يغزو؟ جيش مكون من آلاف الجنود مهمته التواجد في ارض المعركة التي سافر إليها آلاف الأميال وانفق عليها مليارات الدولارات بحجة أن العراق مركز الإرهاب العالمي ثم يذهب ويبني ( حيطة )؟ مسألة مضحكة أشبه بأفلام الكارتون التي لم يبرع فيها سينمائيا وعالمياً أيضا سوى الأمريكان !!، وخصوصاً تلك العناوين التي كانت تجعلنا من فرط الكآبة نستلقي على ظهورنا من فرط الضحك كالرصاص المسكوب والصدمة والرعب ومطر النار وأسماء كارتونية لم تسفر إلا عن مزيد من الثورة ومزيد من اقتناص الحرية.
لقد كان بناء سور بغداد او الحزام الأخضر نصيحة إسرائيلية لاجدال في ذلك بعد الخسائر التي تكبدتها أمريكا في أرواح جنودها، واعتراف صريح منها بأنها ليست قادرة على الصراع في العراق ضد شعب أصبح كل همه أن يقاوم أمريكا ومن هم مع أمريكا حتى لو كانوا من نفس الدين وذات الملة، وان المقهورين ثائرين حتماً ولن ينفع معهم احتلال أو ضحك على الذقون، وخرج الأمريكان وتركوا ورائهم سورهم العظيم شاهداً على الهزيمة التي مازالت توابعها مستمرة ولن تنتهي تلك الثورة إلا بعد أن ينتقم المقهور انتقاما كلياً من طواغيته أغنياء الحرب.
لا تنتظروا سلاما في العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو لبنان أو مصر أو السودان أو اليمن أو الخليج أو أي بلد في الشرق الأوسط، لقد عاشت إسرائيل بيننا ستون عاما بين كر وفر وحروب نظامية وكانت مستقرة نوعاً ما وآمنة إلى حد ما، أما اليوم وقد تدخلت - فعلاً - أميركا بجيوشها وأنهت مسألة الحروب النظامية وأشعلت فتيل الثورات الشعبية بين الناس في كل أرجاء المنطقة حتى ضد أنظمة المنطقة نفسها فإن إسرائيل اليوم وبهذا التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط تعلم أنه قد ضاع استقرارها وماتت احلام أمنها وتدرك وهي في احضان الجيوش الامريكية بالمنطقة أنها تشهد أسود أيام حياتها ووجودها منذ نشأتها.
إن تحول الصراع من صراع جيوش لصراع شعبي وصراع ميلشيات وحرب عصابات، وصراع أن أكون أو لا أكون، لن تصمد امامة الحوائط ولا الأسوار ولا الأنظمة، صراع جعلته أمريكا - بعد تدخلها بالجيوش والعتاد – مفتاحاً للاستشهاد في سبيل الحرية حتى أصبح معظم شعب المنطقة وغالبهم من الشباب يدرك قيمة الثورة وقيمة الشهادة التي كان لايعلم عنها شئ قبلاً وأدركها الآن، لقد كان تدخل أميركا في العراق وفي مياه الخليج وفي البحار العربية أول مسمار في نعش إسرائيل بالفعل ونعش كل الأنظمة التي تسير تحت عباءة النظم الاستكبارية حتى ولو كانوا من نفس الدين وذات الملة.
بلادنا تحمل لعنة تاريخية على أي جيش أجنبي يتواجد بها، لعنة تصيب الغازي ومواليه من الحكام في المنطقة، لعنة يتحول بها المتكبر الطاغي إلى مستجدي للحياة بعد أن يفلس تماما ولا يجد لنفسه ولا لشعبه ثمن المأوى الذي يؤويه.
لابد أن تنتهي الحرب وان تخرج الجيوش من بلادنا‘ اخرجوا من بلادنا قبل أن ترسم اللعنة الملامح النهائية لوجهها القبيح.

في البدء كانت الثورة

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
إن تحول الصراع من صراع جيوش لصراع شعبي وصراع ميلشيات وحرب عصابات، وصراع أن أكون أو لا أكون، لن تصمد امامة الحوائط ولا الأسوار ولا الأنظمة، 
  

لا تتصوروا أن الشعوب يمكن أن يقمعها نظام مهما كانت قوته أو مهما كان جبروته، فدائما وابدأ ما تنهار الأنظمة أمام انفجار المقهورين مهما طال أمد القهر والقمع والجبروت .. هكذا أنبأنا التاريخ. صاحب الطغيان يمتلك الخوف ومن فرض عليه القهر يمتلك القوة والطاغي يجتهد في صناعة سور بينه وبين الناس أما المقهور فيجتهد ليهدم السور و يصنع الثورة.
ومن هذه الزاوية _ زاوية المقهورين - ننظر الى حكاية أسوار الفصل العنصري التي أصبحت موضة هذه الأيام، فقديما كان الشعب والحاكم والصفوة يتكاتفون لبناء حائط وسور ضخم حول العاصمة لحمايتها من الغزاة، أما اليوم فنجد أن الأسوار اتخذت طابعاً آخر، طابعاً عجيباً، طابعاً مأساوياً لإذلال الشعوب بعد التسلط عليها بأي شكل من أشكال التسلط الديكتاتوري، فنجد إسرائيل تقيم جداراً يكلفها مليارات من اجل أن تحتمي فيه من الشعب الذي تم إذلاله منذ النكبة 48 أو ربما من قبل النكبة وحتى اليوم، مليارات الدولارات يصرفها نظام إسرائيل على ( حيطة) لتحميه رغم كل ما يمتلكه من تكنولوجيا للدفاع والهجوم والقتل والفتك والتدمير في ساعة زمن واحدة!!، مليارات لبناء ( حيطة ) لتحميه ممن ؟ لتحميه من شعب أعزل لا يمتلك اليوم حتى حق الدفاع عن نفسه وبمباركه في عدم الدفاع من العالم كله، العالم كله الخائف من المستقبل، الواعي لدروس التاريخ والمدرك انه سيأتي اليوم الذي حتماً سيثور فيه المقهورين وينتصروا ويتسيدوا، ومن ثم لابد من وجود ( حيطة ) تعطي وقتاً – للطاغي والمحتل والديكتاتور - للهروب وتقليل الخسائر وأن ينجو بحياته أمام جحافل المقهورين الثائرين حتماً في يوم قادم قريب.
انهزمت أمريكا بالفعل – هزيمة منكرة - في حربها على الإرهاب يوم أن قررت بناء سور عازل كلفته ملايين الدولارات لعزل جنودها في محمية خاصة داخل بغداد وأطلقت على هذه المحمية الحزام الأخضر، يومها أدرك العالم الهزيمة وقرر سحب جنوده وتغيرت مع سحب الجنود الحكومات، ووجوه الحكم، والسؤال عازل ممن وأنت المفروض جيش يغزو؟ جيش مكون من آلاف الجنود مهمته التواجد في ارض المعركة التي سافر إليها آلاف الأميال وانفق عليها مليارات الدولارات بحجة أن العراق مركز الإرهاب العالمي ثم يذهب ويبني ( حيطة )؟ مسألة مضحكة أشبه بأفلام الكارتون التي لم يبرع فيها سينمائيا وعالمياً أيضا سوى الأمريكان !!، وخصوصاً تلك العناوين التي كانت تجعلنا من فرط الكآبة نستلقي على ظهورنا من فرط الضحك كالرصاص المسكوب والصدمة والرعب ومطر النار وأسماء كارتونية لم تسفر إلا عن مزيد من الثورة ومزيد من اقتناص الحرية.
لقد كان بناء سور بغداد او الحزام الأخضر نصيحة إسرائيلية لاجدال في ذلك بعد الخسائر التي تكبدتها أمريكا في أرواح جنودها، واعتراف صريح منها بأنها ليست قادرة على الصراع في العراق ضد شعب أصبح كل همه أن يقاوم أمريكا ومن هم مع أمريكا حتى لو كانوا من نفس الدين وذات الملة، وان المقهورين ثائرين حتماً ولن ينفع معهم احتلال أو ضحك على الذقون، وخرج الأمريكان وتركوا ورائهم سورهم العظيم شاهداً على الهزيمة التي مازالت توابعها مستمرة ولن تنتهي تلك الثورة إلا بعد أن ينتقم المقهور انتقاما كلياً من طواغيته أغنياء الحرب.
لا تنتظروا سلاما في العراق أو أفغانستان أو فلسطين أو لبنان أو مصر أو السودان أو اليمن أو الخليج أو أي بلد في الشرق الأوسط، لقد عاشت إسرائيل بيننا ستون عاما بين كر وفر وحروب نظامية وكانت مستقرة نوعاً ما وآمنة إلى حد ما، أما اليوم وقد تدخلت - فعلاً - أميركا بجيوشها وأنهت مسألة الحروب النظامية وأشعلت فتيل الثورات الشعبية بين الناس في كل أرجاء المنطقة حتى ضد أنظمة المنطقة نفسها فإن إسرائيل اليوم وبهذا التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط تعلم أنه قد ضاع استقرارها وماتت احلام أمنها وتدرك وهي في احضان الجيوش الامريكية بالمنطقة أنها تشهد أسود أيام حياتها ووجودها منذ نشأتها.
إن تحول الصراع من صراع جيوش لصراع شعبي وصراع ميلشيات وحرب عصابات، وصراع أن أكون أو لا أكون، لن تصمد امامة الحوائط ولا الأسوار ولا الأنظمة، صراع جعلته أمريكا - بعد تدخلها بالجيوش والعتاد – مفتاحاً للاستشهاد في سبيل الحرية حتى أصبح معظم شعب المنطقة وغالبهم من الشباب يدرك قيمة الثورة وقيمة الشهادة التي كان لايعلم عنها شئ قبلاً وأدركها الآن، لقد كان تدخل أميركا في العراق وفي مياه الخليج وفي البحار العربية أول مسمار في نعش إسرائيل بالفعل ونعش كل الأنظمة التي تسير تحت عباءة النظم الاستكبارية حتى ولو كانوا من نفس الدين وذات الملة.
بلادنا تحمل لعنة تاريخية على أي جيش أجنبي يتواجد بها، لعنة تصيب الغازي ومواليه من الحكام في المنطقة، لعنة يتحول بها المتكبر الطاغي إلى مستجدي للحياة بعد أن يفلس تماما ولا يجد لنفسه ولا لشعبه ثمن المأوى الذي يؤويه.
لابد أن تنتهي الحرب وان تخرج الجيوش من بلادنا‘ اخرجوا من بلادنا قبل أن ترسم اللعنة الملامح النهائية لوجهها القبيح.

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

ذكريات الطفولة وأمي في العيد

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com

وتكمل امي ان جدودها قرروا عمل حرب عصابات ضد سليمان باشا الفرنساوي وضد عسكر البلغار الذين ملأوا جنوب مصر وكنا لاندري وحتى الآن لماذا عسكر البلغار في بلادنا ولماذا لايتزوجون الا من بنات النوبة فقط دون غيرهم.

من مذكرات فلاح على عتبة المحروسة
هذه القصة محض خيال الكاتب وكل شخوصها وهمية وعليه فإن اصابت بعض احداثها او شخوصها واقعاً حياً فهي اصابة محض مصادفة بحتة لاعلاقة للكاتب بها.
كل سنة وإحنا جميعا طيبين وعيد سعيد علينا كلنا وعلى الناس وألإنسانية كلها.
ربما تأتي أيام معينة في السنة وخاصة أيام العيد لتدفعك أن تتذكر ذكريات الطفولة التي ربما تكون بريئة رغم أنها كانت شقية غالبا !!
ما احلي ذكريات الطفولة في العيد وكحك العيد .. خاصة تاريخ كحك العيد في عائلتي من وجهة نظر أمي .. إنه أقرب لحكايات ألف ليلة وليلة .. تاريخ عجيب .. مدهش .. وربما خيالي .. وربما ليس له أصل .. لكنه كالأسطورة التي تؤمن أنها أسطورة وفي ذات الوقت لا تمل من سماعها وتكرارها .. فأمي كانت ابنة عمدة وكان أيضاً عضو برلمان في زمن الملك فاروق .. وعليه فلا احد يجرؤ على مراجعة أمي ( الحازمة ) في حكاياتها وإلا حرمته من نعمة أكل الكحك !
في أزمنة صناعة الكحك في البيوت على أيدي الأمهات وفي احدي مرات عمل الكحك في الأسبوع الأخير من رمضان .. كانت أمي لا تستدعي نساء الجيران وإنما يأتين من تلقاء أنفسهن وكانوا كثيرات وكأن السماء أمطرت نساء " فجأة واحدة"، ليساعدن بعضهن في انتاج الكحك والثرثرة المليئة بفرح قدوم العيد.
والكحك في عائلتنا كان يمر بمرحلتين مهمتين في التاريخ ( حسب رواية أمي لجاراتها من النساء ) .. والمرحلة الأولى تمت في عائلتنا منذ ستة قرون تقريبا .. أي قبل خضوع مصر لسيطرة الأتراك والعثمللي وكانت عائلتنا وقتها جزء كبير من "ولاد السمان" الصعايدة وهؤلاء كانوا بطن من بطون عائلة "عربي" الذين ينحدرون من أبناء "العاص" جاءوا لمصر من الجزيرة العربية في أيام عمرو بن العاص واستقروا في الصعيد وتعلموا وقتها صناعة الكحك من نساء الأقباط. 
كانت أهم أمرأة قبطية تعلمت منها جداتنا الأوائل صناعة الكحك هي الست " ناسيما القبطية " وكانت من سكان الأقصر من ناحية البحر " والبحر بلغة أمي تعني نهر النيل " وكان كحك العيد وقتها بمساحة الرغيف ألفلاحي ويشبه قرص الشمس الكبير ومنقوش عليه أشعة الشمس وتقول أمي: كنا بنكتب في مركز الكحكة بالعربي ثلاث حروف متفرقة اتعلمناهم من الست " ناسيما القبطية " وهي حرف النون وحرف الالف وحرف الراء وربما ليومنا هذا لاتدري امي مامعني هذه الحروف التي كانت تكتبها جداتنا في مركز الكحكة .. وتقول امي ان الكحكة كانت تزن وقتها مابين رطل ونصف أي مايقرب من نصف كيلو وكانت مهارة صناعة الكحكة تكمن في تماسكها وعدم تفتتها رغم نعومتها الشديدة ووزنها الثقيل، وتكمل أمي بينما انا صغير ومنشغل معها ومع ابناء الجيران بصناعة أحصنة من العجين ونقشه بمنقاش الكحك الصفيح تقول في محاولة منها لاضفاء روح الاثارة لقتل الملل مع جاراتها من النساء الذين يساعدنها في صناعة الكحك والبسكويت، أن المرحلة الثانية من مراحل تاريخ صناعة الكحك بعائلتنا جاءت بعد انتقال العائلة في زمن محمد علي باشا من صعيد مصر الى بحري مصر المحروسة في منطقة الجيزة لانه لما جاء محمد على باشا يبني الكلية الحربية مع سليمان باشا الفرنساوي اختاروا ارض كبيرة كانت ملكنا احنا وولاد عرب المطاعنة وهم عائلة اخرى نزحت ايضا من الجزيرة العربية في زمن عمرو بن العاص وسكنوا البر الشرقي من جهة اسوان معنا.
وتكمل امي ان جدودنا قرروا عمل حرب عصابات ضد سليمان باشا الفرنساوي وضد عسكر البلغار الذين ملأوا جنوب مصر وكنا لاندري وحتى الآن لماذا عسكر البلغار في بلادنا ولماذا لايتزوجون الا من بنات النوبة فقط دون غيرهم، حتى جاء يوم واجتمع فيه كبار عائلة عربي والمطعني والسمان سويا بعدما علموا ان ابراهيم باشا ابن زوجة محمد علي باشا جاء بصحبة سليمان باشا الفرنساوي ويريد التفاوض معهم بشأن شراء ارض الكلية الحربية التي يريد انشائها في صعيد مصر مقابل منح العائلات التي ستبيع جزء من أرضها الزراعية جاه ومال وسلطة وأراضي في الجيزة والشرقية، ووافق الجميع وانتقلت الاسرة من الصعيد الى الجيزة والشرقية وبهذا الإنتقال النوعي بدأت مرحلة جديدة من مراحل صناعة الكحك في عائلتنا وتحديدا حينما قرر جدنا محمود باشا حسب الله ان يدعو الخديو توفيق الى قصره الكائن بالسكة الزراعية في بلدنا وكان وقتها الخديوي توفيق قد وصلت له اخبار ان جدنا محمود حسب الله يميل سياسيا الى اهل امه وكانوا من أحواز ايران العرب ويخشى الخديوي توفيق ان يكون جدنا محمود حسب الله بيلعب بذيله لصالح الايرانيين خاصة وان قريتنا قريبة جدا من محافظة البحيرة رغم انها في الجيزة وقريبة جدا من بلد هناك اسمها " محلة فارس" وكان اهلها كلهم نازحين من إيران وبيتكلموا لغة غير مفهومة ولهذا أطلق عليهم الناس أسم "العجم" ومنهم عيلة عجمي وعيلة نخلة لكنهم لم تكن لهم صلة بجدي محمود على الاطلاق، وكانت الناس عارفة انهم هربانيين من ملك جبار في ايران هناك اسمه صفوان، الذي لم يترك طفلاً ولاشيخا ولاامرأة الا وذبحهم جميعاً لكونهم لايريدون ان يدخلوا في مذهبه الديني. ويقولون ان صفوان كان ضد البيت العثمللي ويكره الاتراك وهذا مااثار حفيظة الخديوي توفيق ضد جدي محمود في هل هو يدين بالولاء لأهل جدوده من أمه في فارس وإيران أم انه يدين للسلطان التركي ؟ وطبعا الولاء كان لازم يبقي للسلطان طبعا لأنه سلطان مصر والخروج عليه خيانة والا كان فيها قطع رقاب وأولها رقبة جدي!، وبالفعل قبل الخديوي توفيق الدعوة وجاء قصر جدنا في البلد وكان اول ماتم تقديمه للخديوي توفيق هو كحك ستي " فوز " وهي جدة امي من جهة الاب وصاحبة دماء اصيلة من عائلة عربي والسمان ويقال انها الوحيدة التي كانت تصنع الكحك في عائلتنا كما كانت تصنعة الست " ناسيما القبطية " في زمن جدودنا الأوائل وكانت شهرتها في الناحية والمديرية بسبب مهارتها في صناعة الكحك تفوق شهرة الخديوي نفسة، وقد رأت " ستي فوز" ان تقديم الكحك لجناب الخديو بهذا الحجم والوزن الهائل ربما لايليق بمكانته ثم ربما يظن اننا نقدم له كحك على الطريقة الايراني وهو ماقد يدفعة لقطع رقبة ابن عمها السيد محمود حسب الله، وهنا قررت " ستي فوز" ان تدخل تعديلات جوهرية وان تأخذ تعديلاتها هذه من السيدة الفاضلة " رتيبة كافي شاهين " وهي تركية الاصل وزوجة احد عمد ناحية المنصورية، وبالفعل تقلص حجم ووزن الكحكة حتى صارت اصغر وفي حجم يسمح لاصابع اليد ان تتحكم فيها كما كان ولاول مرة في تاريخ عائلتنا يتم حشو الكحك بالكاش والفستق الأخضر اللذان كان يعشقهم الخديوي وربما كان لكحك "ستي فوز" الدافع القوي وراء ان ينعم الخديوي توفيق على جدي محمود حسب الله بلقب الباشوية، بعد تأكدة من طعم الكحك التركي الجبار الذي قامت بصناعتة ستي فوز وان الاخبار التي وصلته ماهي الا وشايات ودسائس وان محمود باشا حسب الله ماهو الا محب ووفي ومخلص لكل ماهو تركي لدرجة ان طعامة وكحكة داخل بيته يتم على الطريقة التركية ثم اخرجت امي اول صاج من الفرن ثم استدارت لجاراتها اللواتي سارعن باخذ كل واحدة منهن كحكة من الصاج ونظرت لهن نظرة حادة ممتلئة بالثقة بعدما تقمصت دور جدها محمود باشا وقالت لهن بتعالي: على فكرة ياستات .. لازم تعرفوا اني انا .. رفيقة بنت ابراهيم بيه اسماعيل .. احسن واحدة تعمل كحك عيد في مصر.

ملاحظة:
يقولون أن كحك العيد أصله فرعوني و " إيزيس " زوجه " أوزوريس " هي أول واحدة ست صنعت الكحك والغريبة في العالم وهذا ليس كلامي بالطبع ولكنه كلام كثير من البرديات الفرعونية القديمة من عصور ما قبل الأسرات الفرعونية المتوسطة والحديثة وعلى سبيل المثال بردية قيمة وقديمة وجدت في " ميدوم " الأثرية بصحراء مصر تصور ربة القمح " نبت " وقد توجت بتاج من القمح وتمسك بيدها اليسرى رغيفا من الخبز و بيدها اليمنى " كحكه " وأتصور انه بحسبة بسيطة نجد ان المصريين اخترعوا الكحك من قبل طوفان نوح بزمن ربما يرجع هذا الزمن لأول نبي في التاريخ وهو النبي إدريس وزوجته عيسا أو عيشا أو ايسا أو ايزيس كما كان يطلق عليها المصريون قديما وتعني الدائمة الحياة أو الخالدة التي لا تموت حتى وان فني جسدها. هذا بالنسبة لتاريخ الكحك العلمي حسب علمي وحسب ماورد في بعض كتب الباحثين في التاريخ.