السبت، 7 مايو 2011

قالوا له بمطار ألماظة: مصر بنت الجيش يا ريس

بقلم: محيي الدين إبراهيم
صور جمال مبارك وحملته الشعبية للترشح الرئاسي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها خديعة مبارك الضوء الأخضر للانقلاب العسكري الداخلي المحدود، ويجب ان يكون الانقلاب شعبيا حتى لا ينقسم الشارع المصري على نفسه، لقد انتهت رئاسة مبارك لمصر بالفعل بعد خطاب ديسمبر بالحزب الوطني 2010، وجمال مبارك لن يكون رئيسا ، كانت الساعة زيرو للتغيير هي الأزمة الحقيقية، متى تكون ساعة الصفر؟
"الوطن ابن الجيش" شعار مقدس في كل دول العالم شئنا هذا ( نحن الشعوب المحكومين ) أم أبينا، حتى أكبر الديموقراطيات في هذا العالم يحكمها هذا الشعار، فالظاهر فيها يبدو ديموقراطيا ( متفق عليه ) للتمكن من قيادة جموع الرعاع أما الباطن فدائماً ما يكون حكماً عسكرياً للنخاع، من أمام الستار أو من ورائه سيان، ولا فرق في ذلك بين أمريكا وفرنسا مثلاً وبين دولة في قاع العالم الثالث المتخلف، فالجميع تحكمهم البندقية، الجميع تحت سيطرة الجيش، الكل تحت سيطرة المدفع والدبابة، وحيث لاوجود لشعب في العالم كله يستمع إليه حكامه أو ينصاع وراء ارادته سلطان إلا برغبة الحاكم صاحب البدلة الصفراء وارادته كسلطان عسكري.
منذ ثلاثة قرون والمنطقة العربية تتغير ( كل قرن ) وبشكل حتمي تغيراً جذريا عنيفاً وتتغير معه خارطة التاريخ والجغرافيا في العالم كله، والمدهش الذي يدعو للعجب هو تواريخ حدوث هذا التغير الثوري، بل وتكرار نفس السيناريو في تسلسل مذهل وكأنه تكرار ممل للأحداث بنفس تسلسلها مع تغير بسيط جداً في السيناريو يكمن في اختلاف الوجوه!، اختلاف الممثلين والكومبارس عن الذين سبقوهم ويقومون بنفس الدور كل مائة عام.
في عام 1811 كان العالم يمر بنفس السيناريو الذي نمر به اليوم .. قوات تحالف غربية، ارهاب، صراع بين قوى عظمي وصغرى، احتلال الأمم للأمم، فوضى عارمة في وطننا العربي، تمزق داخلي، طائفي، عنصري، ظلمة حالكة حتى قامت مذابح محمد علي بداية من عام 1811 م ضد كل الأنظمة السابقة سواء كانت سياسية ( مذبحة القلعة ) أو دينية ( مذبحة السلفيين في الجزيرة العربية والقضاء على زعيم المذهب آنذاك الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، تخلص محمد علي حينها من الكل نهائياً وفرض المد الثوري على كل بلاد الشام والعراق وحتى منابع النيل في السودان واثيوبيا جنوبا وكانت 1811 هي بداية الحتمية القدرية، بداية التغيير الثوري في عالمنا العربي وفي غضون عشر سنوات فقط كانت مصر دولة عظمى وتغيرت خارطة المنطقة كلها وتحولت بفعل أقرب لفعل كن فيكون من النقيض للنقيض، من صفر إلى واحد.
بعد مائة عام كاملة أخرى وفي عام 1911 كان العالم يمر من جديد بنفس الفوضى، حروب اقليمية، نزاعات طائفية في اوروبا واسيا وشمال أفريقيا، العالم كله على سطح صفيح ساخن إلى حد الانصهار، والوطن العربي يعاني كبوة شديدة يريد القيام منها لتثور مرة أخرى المنطقة العربية في 1911 وتقوم الثورة العربية الأولى ضد حكم العثمانيين ويتم تدمير خطوط السكة الحديد العثمانية وتنتفض الجموع، ويثأر المسحوقين من طغاتهم، وتتغير معالم المنطقة ويدخل العالم بعد ذلك حربه العالمية الأولى وتبدأ بواكير النهضة في ثورة 1919 وقيام أعظم دستور مدني في العالم ( دستور 1923 ) في مصر ثم خروج الاحتلال بعد فوضى الحرب العالمية الثانية وقيادة المنطقة العربية وعلى رأسها مصر ( جمال عبد الناصر ) لكل ثورات التحرر في العالم لتتحرر أفريقيا كلها ودول جنوب شرق اسيا من نير الاستعمار للأبد وتتغير خارطة العالم من جديد.
وتمر مائة عام أخرى وفي عام 2011 م نرى العالم في نفس سيناريو الفوضى الذي يمر به كل قرن، احتلال امم لأمم، ارهاب، فتن طائفية، فساد، بيع أوطان، هيمنة شركات عابرة قارات زيادة أعداد المسحوقين تحت فساد طغاة الحكم فيهم داخل العالم الثالث وخاصة في المنطقة العربية حيث تفشت النزاعات الايدولوجية والأثنية والعنصرية بشكل كارثي أقرب إلى المأساة، ويشعل ( بو عزيزي ) في تونس شعلة الحتمية القدرية للتغيير والثورة في تونس وتلتقطها مصر ليبدأ المد الثوري دورته البيولوجية في التكوين والتي تحدث كل مائة عام بصورة عبقرية وتتسع معه دائرة نقطة نور التغيير من جديد وتعم الثورات كما نرى اليوم جميع بلدان المنطقة بما فيها البلدان الافريقية والاسيوية الغير عربية في انتظار تغير خارطة العالم لتدوين التاريخ الانساني مرة أخرى.
مصر بنت الجيش يا ريس، قالها قادة الجيش بلهجة آمرة حاسمة عام 2009 لحسني مبارك في مطار ألماظة بعدما استدعوه على وجه السرعة لرفضهم مسألة التوريث التي يطبخها البعض ويطبل ويزمر لها البعض من شماشرجية السيدة الأولى سوزان مبارك، حيث كان مبارك في سنين حكمه الأخيرة أشبه بالبارفان الذي تقف من ورائه سيده القصر، التي فاقت في جبروتها السيدة الأرمنية شجر الدر التي حكمت مصر من وراء بارفان الملك الصالح نجم الدين أيوب وضاع بسبب حكمها شرف زوجها العسكري وتاريخه بل وضاعت معه ومعها أركان الدولة بكل رموزها وكانت هي آخر من قتلها الشعب بالقباقيب، بإيعاز من القادة العسكريين وقتذاك، فالعسكر لا يقبلون المساومة، العسكر في مصر لا يقبلون الحكم أبداً انطلاقاً من أحضان النساء.
يعلم حسني مبارك أنه واحد من الجيش، الجيش في أي بلد في العالم مدرسة واحدة لا يقبل المراوغة أو التلاعب، خطأ صغير يعني الهزيمة، التردد في التنفيذ يعني الخيانة العظمى، الجيش من أهم مناهجه، الأمر والطاعة ولا تعنيه التضحيات، فالزي العسكري ما دمت قد ارتديته فهذا يعني أنك قبلت فكرة الموت قبل فكرة الانتصار، التضحية والموت في قاموس الجيش والعسكرتاريا لا يعني سوى الشرف العسكري، وأومأ حسني مبارك بأنه يعي ذلك تماما وأن التوريث مسألة ليست محل نقاش أو مسألة قابلة للتداول في المستقبل لكونها مستحيلة، وخرج حسني مبارك من الاجتماع في مطار ألماظة عام 2009 وهو يردد: مصر بنت الجيش، أخذ يرددها لعلمه أن اعتلاء ابنه جمال مبارك كرسي الرئاسة في مصر يعني انقلابا داخليا على حكمه وسيكون آخر الاختيارات على الطاولة للمؤسسة العسكرية وهو الاختيار الذي دائما ما يكون على مضض تحت دعوى "مكره أخاك لا بطل"، لكون المؤسسة العسكرية تدين دوما بالولاء لبعضها البعض من اكبر قائد فيها وحتى أصغر جندي، فالشرف العسكري قدس الأقداس، لذا فالانقلاب الداخلي دائما ما يكون مبرره الخديعة، والخديعة هي رأس حربة الاستفزاز حيث يفقد من وخزتها العسكريين حلمهم وينقلبوا على من خدعهم غاضبين، سيفقد مبارك شرفه وتاريخه العسكري للأبد إن لجأ للخديعة، مرة أخرى ظل يردد: مصر بنت الجيش .. مصر بنت الجيش يا حسني.
بعد أقل من خمسة شهور وقبل شهر رمضان أواخر يوليو 2010 امتلأت شوارع القاهرة بملصقات وصور جمال مبارك رئيسا لمصر، لقد خدع حسني مبارك القادة العسكريين إذن، انصاع لأوامر السيدة الأولى ظنا منه أن هناك شخوصاً كالعادلي مثلاً يمكنه أن يحميه بمليون ونصف مليون جندي امن مركزي من قصاص المؤسسة العسكرية التي لا تملك سوى 800 ألف جندي، وربما هذا ما دفعه لأن يلقي خطابه في احتفالات اكتوبر 2010 بعيدا عن رفقاء السلاح وخوفاً من أن يتكرر سيناريو مقتل السادات، واكتفى بكلمة متلفزة من مقر اقامته محاطاً فقط بعدسات التليفزيون عكس مؤتمر الحزب الوطني ديسمبر 2010 الذي ألقى فيه خطابه تحت حماية العادلي أمام ثلاثة ملايين من اتباعه اعضاء الحزب الوطني على الهواء مباشرة، مسألة أقرب إلى غباء النهاية حينما يقترب الناس من حتمية القدر حينما يعلن القدر قرار النهاية فيختلط في عقول المحكوم عليهم بالإعدام من هو العدو من الصديق.
صور جمال مبارك وحملته الشعبية للترشح الرئاسي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إنها خديعة مبارك الضوء الأخضر للانقلاب العسكري الداخلي المحدود، ويجب ان يكون الانقلاب شعبيا حتى لا ينقسم الشارع المصري على نفسه فتحدث كارثة الانشقاق الوطني، لقد انتهت رئاسة حسني مبارك لمصر بالفعل بعد خطاب ديسمبر الحزب الوطني 2010، وجمال مبارك لن يكون رئيسا لمصر، كانت الساعة زيرو للتغيير هي الأزمة الحقيقية، متى تكون ساعة الصفر؟
ساعة الصفر ان كانت في اغتيال جمال مبارك بعدما يصبح رئيسا لمصر ستجعل الأمر كارثيا ومأساويا خاصة ونحن شعب رومانسي عاطفي نحكم دوماً على الامور بقلوبنا ومشاعرنا ونبكي ولا نفكر بعقولنا إلا في المراحل الأخيرة قبل الهلاك بلحظات ، وعليه فأن الفوضى التي ستخلف ذلك السيناريو ربما يمتد أثرها السلبي سنينا طويلة، مصر في غنى عنها، مصر في غنى دوماً عن سيناريو الاغتيالات، كما أن اقتصاد مصر كله اصبح في يد جمال مبارك ورجاله وهذا يعني أن اغتيال جمال مبارك سيهوي بمصر اقتصاديا للأبد، سيهرب اللصوص بأموال مصر ولا يعودون، لذا – في تقديري – تم استبعاد نظرية الاغتيال، خاصة أن السيناريو الأكثر شعبية يكاد يكون جاهزاً، فالشعب كله يحمل في ضميره غضب لا حدود له ولا يحتاج إلا لمحرك موثوق فيه شعبياً ليستثمر هذا الغضب فتتحرك معه الملايين لتنتهي نظرية التوريث لصالح الجيش – الغاضب ايضاً - ومن ثم لصالح الوطن والتي حتماً سيدعمها الجيش ويقف وراءها وقفة صادقة مخلصة لتتحقق نظرية " الشعب والجيش ايد واحدة" تحت مظلة " مصر بنت الجيش".
تكمن المشكلة في أن الشعب لا يثق في احد بعد استبداد وفساد حكم طيلة ثلاثين عاماً، بل ويظن أن المؤسسة العسكرية متواطئة أيضاً مع مبارك فيما آل إليه حال البلاد والعباد، من إذن سيعيد تلك الثقة بين الشعب والجيش؟ من سيحرك تلك الجموع المليونية من العمال والفلاحين وبائعي الكبدة والبطاطا ومرتادي الموالد الشعبية وعمال المقاهي والباعة الجائلين في حواري وأزقة القاهرة والمحافظات؟، من هؤلاء الذين يملكون تلك القدرة ؟ تنحي مبارك عن السلطة لن يكون مشروعا وملف التوريث لن يغلق للأبد لمجرد خروج بضعة آلاف مخلصة وصادقة من مثقفي الأنترنت! فمن هؤلاء بعدما يتم تحديد ساعة الصفر؟ ومتى ستكون ساعة الصفر الحقيقية؟ سؤالان في غاية الأهمية!.
حينما يقرر الله تغيير أمة فأنه يمنح ساعة الصفر للقائمين على التغيير، وكان " بو عزيزي" في تونس هو الإشارة القدرية التي التقطها المصريون واستثمروها.
كان غالب قادة الجيش خارج مصر فيما يسمى بالزيارات الروتينية التشاورية بين قادة الجيش في العالم وبعضهم البعض، حينما قامت ثورة تونس، كان لابد من عودة القادة الآن إلى مصر، فقد حانت ساعة الصفر القدرية.
لا يمكن انكار دور من قاموا بإشعال الشرارة الثورية الأولى في شوارع القاهرة والمدن الكبرى في مصر، لقد كانوا شباب مصر الرائع، شباب مصر الذي اطلق عليه الناس شباب الفيس بوك، ذلك الشباب الذي كان منه ضحايا الثورة الفعليين ( أكثر من 800 شاب وشابه قتلتهم مدفعية العادلي وزير الداخلية في كل محافظات مصر)، كان هؤلاء الشباب – شباب الفيس بوك - هم أنبياء الثورة الحقيقيين، ولكن الانبياء لا تنجو دعوتهم إلا بالأتباع، ولا تنتشر إلا باعتناق الملايين من هذه الأتباع لذلك المذهب الثوري، ونزل الجيش إلى شوارع مصر، منذ اللحظة الأولى أظهر انضمامه لجموع المسحوقين، كنت ترى وتندهش وانت تقرأ عبارات " يسقط مبارك" التي كتبها الشباب الغاضب على جدار الدبابات دون اي مقاومة من العسكريين وهي مسألة عجيبة أبدى فيها الجيش بما لا يدع مجالا لشك انه مع التغيير وان ساعة الصفر الآن.
أدرك مبارك أن الجيش رفض خدعته، أدرك نبرة حسم المؤسسة العسكرية في رفض ملف التوريث، أدرك في أول خطاب له للناس أن شرفه العسكري قد انتهى وان الحل الوحيد يكمن في رجل سوزان مبارك القوي، يكمن في حبيب العادلى، وان الجيش لن يقبل التورط، وكانت المجزرة التي راح ضحيتها المئات.
كان مبارك يعلم أنه ميت لا محاله، إذن لا سبيل سوى المراوغة ( حلاوة الروح ) والتلاعب مع رفقاء السلاح الذين يعلم أنهم لن يرتكبوا حماقة ويتورطون في ابادة الناس اكثر من ذلك وأنهم سيرضخون في النهاية تحت زيادة عدد الضحايا خاصة بعدما أوحي زكريا عزمي لمبارك بذلك.
ذكرنا سابقا أن الجيش لا ينظر للتضحيات إلا بكونها الشرف الوطني، لذا فقد كان سقوط الضحايا يمثل ثمنا للحرية، يمثل شرفا وطنيا رفيعاً، لكن الجيش لا يقبل المساومة أو المراوغة، ولن تسقط ضحايا أخرى، اللعبة انتهت، انتهى حسني مبارك لا محالة، انتهى حسني مبارك للأبد، وكانت أول طلقة رصاص تلقاها لتعلن بدء كتابة شهادة وفاته، هي انسحاب وزير داخلية السيدة الأولى حبيب العادلي من شوارع القاهرة والمحافظات بأكثر من مليون جندي أمن مركزي وفتح السجون واشاعة الفوضى لإجبار المؤسسة العسكرية على الرضوخ.
وجاء دور محرك الملايين الشعبية ليعلن مع الجيش وبإرادته نهاية السيناريو، خرجت جماعة الأخوان المسلمين، أعلنت عن دورها في اول مليونيه حقيقية يشهدها العالم منذ الثورة الفرنسية، وربما يظن قارئ أني اعطي قدرا للإخوان أو ابرز لهم دورا ولكني اتعامل هنا مع مصريون بغض النظر عن مسماهم، فهم كانوا بالفعل ورقة الجوكر التي في استطاعتها تحريك الملايين من عمال وفلاحين مصر، كانت هي الجماعة الوحيدة - لا شك - التي تستطيع تحريك هذه الملايين في كل عموم مصر، فصلاة جمعة واحدة كانت كفيلة لأن يخرج أكثر من مليوني مصري في ميدان التحرير فقط بخلاف ميادين مصر الأخرى في غالب المحافظات، وظلت الأخوان تعبئ وتخرج الملايين كل جمعة، وتقود ما يسمى بجماعات الدفاع الشعبي عن الممتلكات بالتنسيق مع الجيش بعد اختفاء الشرطة، بل أنها تولت الدفاع عن كنائس الأقباط وقتها وهو الأمر الذي دفع بعشرات الآلاف من الأقباط أن يكسروا حاجز صمتهم منذ أن كان يقودهم سياسيا المجاهد الكبير مكرم باشا عبيد، ويخرجوا ليردوا الجميل بالجميل ويحموا جيرانهم المسلمين من القتل اثناء صلاة الفجر وفي سرعة أقرب للمعجزة تلاحم شعب مصر كله، ولأول مرة منذ ثورة 1919 يخرج المصريين بالملايين مسلمين واقباط ليقيموا في الميادين صلاة وقداس، ولم تنجح ( غزوة الجمل ) أمام هذا التلاحم الغير مسبوق من منع مبارك أن يتنحى في 11 فبراير 2011.
ان الجماعات التي تظن اليوم أنها تستطيع أن تفوز بمصر وتلوي ذراع الجيش هي جماعات واهمة، وأقول أن من أهم استراتيجيات الجيش في اي بلد في العالم هي استراتيجية الارض المحروقة، وعليه فمن يحاول القول أو الايمان باستراتيجية " امتلاك الأرض" خارج المؤسسة العسكرية فهو كمن قرر الانتحار الذاتي بإطلاق الرصاص على نفسه قبل أن تحرق جثته، وعليه فإن ما تفعله بعض الجموع الدينية سواء اسلامية أو مسيحية، من مظاهرات وفوضى وضغط، هو بمثابة اعلان عن رؤوس فساد المستقبل، أنهم يطلقون الرصاص على أنفسهم، فكل ما يحدث اليوم، محسوبا عليهم غداً، ومن يتصور أنه سيعتلي كرسي رئاسة مصر رغماً عن الجيش فهو كمدخن المخدرات يحلم بواقع غير قابل للتحقق، ويهذي بكلمات غير مفهومة أهمها ( انا جدع ) قبل أن يسقط مغشياً عليه.
لن يحكم السلفيين مصر، ولن يحكم الأقباط مصر، ولن يحكم الليبراليين مصر، سيحكم مصر الجيش، وربما اشفق على شخص مثل حمدين صباحي وشخص مثل البرادعي، فهما لا يحملان عصا ( موسى ) التي ستطلق لمصر ( العنان ) في المستقبل القريب، الجيش يحكم بالفعل الآن، اتخذ قرارات مستقبلية بالفعل في قضايا كثيرة، المصالحة الفلسطينية، ملف المياه مع دول حوض النيل، احترامه لمعاهدة السلام وكل المعاهدات المصرية، علاقة الشراكة الاقتصادية المستقبلية مع الصين، فتح باب التعاون مع السودان الجنوبي والشمالي وفتح فرع لجامعة الاسكندرية في جوبا عاصمة السودان الجنوبي، ومسائل كثيرة، تدفعنا للإيمان أن الجيش يحكم بالفعل ولا ينتظر القادم، القادم يدرك من الآن أن " مصر بنت الجيش".

الأربعاء، 4 مايو 2011

الولايات المتحدة الأمريكية: أنا ربكم الأعلى !!

بقلم: محيي الدين إبراهيم
يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء المؤمنين صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

رب الأسرة يفقد هيبته حينما يفقد منهج الربوبية الذي من ادق تفاصيله الصدق وتحقيق العدل، ومن ثم يفقد الحكمة لينقلب ايمان رعاياه إلى كفر، وإذا كفر الناس بكبيرهم تفشت بينهم الفوضى، وتحول اطمئنان ضمائرهم إلى خراب، ومن الخراب ينتج الصراع وتتوالد الحروب ويعم الإرهاب والإفلاس.


أنا ربكم الأعلى .. هكذا اطلقها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية على الولايات المتحدة الأمريكية التي أنقذتهم من عار الهزيمة التي كادوا أن يفقدوا من خلالها أوطانهم بالاحتلال الألماني لولا تدخل اميركا – تلك الدولة الحديثة الفتية - بإلقائها القنابل الذرية فوق نجازاكي وهيروشيما وانهت بذلك الحرب لصالح حلفاءها الجدد، وأطلت على العالم بقوتها الجديدة مثل ( فتوات ) قصص نجيب محفوظ امام البسطاء من أهل الحارة الذين لا يملكون أمام ( الفتوات ) سوى الاستسلام.

يشير السياسيون الى ان الولايات المتحدة خاضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد أن صارت ربة هذا العالم ثلاث حروب لم تنتصر في ولا واحدة منهم، اثنتان في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية انتهيتا بهزائم قاسية بينما الثالثة ( الحرب ضد الإرهاب ) يعرف نتائجها اليوم الجنين في رحم أمه، ومدى التورط الذي تلاقيه الولايات المتحدة في افغانستان والعراق وبحثها عن مخرج سريع آمن منهما يحقق لها الحد الأدنى من الكرامة بعدما كادت أن تفلس ولم تحقق من حربها على الإرهاب أي نتائج توحي بالنصر حتى الآن سوى الفوضى الخلاقة.

يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل من الناس هم الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء الذين يؤمنون بذلك صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

ويؤكد ايمانويل وولريستين أن العناصر الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أدت إلى نمو وازدهار السيطرة الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية هي نفس العناصر التي سوف تؤدي إلى عرقلتها كقوة عظمى إذا استمرت في هذه السياسات الرعناء.

لقد شعرت الولايات المتحدة بالدهشة من انهيار الاتحاد السوفيتي المفاجئ والسريع ودون طلقة رصاص واحدة!.
إن انهيار الشيوعية بالفعل يمكن أن يؤدي إلى تسريع انهيار الليبرالية لأنه يزيل من الوجود المبرر الأيديولوجي الوحيد الذي كانت تستخدمه أمريكا لتبرر به سيطرتها على العالم، أي أن أمريكا فقدت شرعية سيطرتها على العالم بعد انهيار امبراطورية الشر، هذا الفقدان للشرعية هو الذي قاد بشكل مباشر إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990 بعد أن أدرك الرئيس العراقي أن معاهدات " يالطا " لم يعد لها وجود، وقد استخدمت أمريكا حرب الخليج الثانية لإخراج العراق من الكويت بهدف تأسيس شرعيتها الجديدة للسيطرة على العالم، ( تأسيس إمبراطورية شر جديدة ومضمونة ).

وجاءت فرصة صناعة امبراطورية الشر الجديدة لتحل محل الاتحاد السوفياتي والامبراطورية الشيوعية، جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وجاء معها رد الفعل العصبي عليها، وهنا اعلن بوش الابن الحرب على الإرهاب ( امبراطورية الشر الجديدة ) وأكد للشعب الأمريكي أن نتائج هذه الحرب مضمونة مائة في المائة، خاصة بعد أن نصحه مستشاريه بأنها الحل الوحيد لاستعادة أميركا لهيبتها وسيطرتها على العالم من جديد، ومن هذا المنطلق أخبر بوش العالم أنه إما أن يكون مع أمريكا أو مع الإرهاب، وأخيرا وجد الصقور الأمريكيون أنفسهم يسيطرون مرة أخرى على السياسة الأمريكية بعد سنوات طويلة من الشعور بالإحباط حتى في ظل أشد الحكومات الأمريكية محافظة مثل حكومة ريجان خلال الثمانينيات.

القوة العسكرية إذن هي أقوى ورقة في يد الولايات المتحدة اليوم، وفي الواقع هي الورقة الوحيدة لديها الآن بعد استنزاف حربها على الارهاب معظم الاقتصاد العالمي الذي بدأ يعاني من أزمات قاسية .. هذا هو كلام ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي» وأقول أن هذا الاقتصاد لن يسترد عافيته باستباحة ثروات الدول الصغيرة، ولكن بفرض منهج العدل لا منهج القوة، واحترام كرامة الشعوب بدلاً من التهديد بغزوها واستباحتها واشاعة الفتن فيها.

لقد نصح الصحفي سيمون تيسدول في جريدة «الجارديان» البريطانية أميركا بالفعل قبل خوضها حرباً ضد العراق حيث قال: بغض النظر عن الرأي العام العالمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية يجب ألا تغزو العراق لكونها ستتعرض لخسائر جسيمة ليس فقط على صعيد المصالح الاقتصادية وإمدادات البترول ولكن على كل المستويات، لأنها إذا قامت بغزو العراق واضطرت إلى الانسحاب منه دون نتائج ملموسة فسوف يبدو الأمر هزيمة كبيرة، وفي هذه الحالة ستكون الخيارات أمام الولايات المتحدة محدودة جدا ومن ثم سوف تواصل انهيارها كقوة عالمية مسيطرة على العالم خلال العقد القادم؛ فليس احتلال الأمم للأمم تحت دعوى الحرب على الإرهاب هو عصا موسى لخلاص العالم واستقرار القوى العظمى فيه.

الولايات المتحدة الأمريكية أمامها فرصة وحيدة فقط لاستعادة هيبتها من جديد أمام العالم، عليها أن تنسحب من دور الفتوة وشرطي العالم، عليها أن تعيد برنامج ربوبيتها للعالم إذا أرادت أن تكون ربة الأسرة العالمية على اسس شعبية، فقانون حماية الأقلية على سبيل المثال الذي استبدعته ( لحماية اسرائيل ) يحمل في مضمونه قانون استفزاز الأغلبية ، وقانون مكافحة الإرهاب أعطى الضوء الأخضر لطغاة العالم أن يسحقوا شعوبهم، العالم يتغير، الشعوب تنهض من كبوتها، الشباب يثور، ينتصر، يتغير العالم بشباب الثورة الآن وبالفعل، ولا تلقى الولايات المتحدة وسط هذا التغيير من هؤلاء الثوريين تعاطفاً معها على الإطلاق ربما لإيمانهم بأنها الوحيدة التي دعمت طغاتهم لأكثر من نصف قرن كما حدث مع مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي.

علي أميركا أن تنظر للقضايا العالمية وللشعوب بعين المساواة لا بعين العقاب، بعين الحكمة لا بعين الاستباحة، ولعل تمثيلية قتل بن لادن تكون هي الخروج الآمن – نأمل ذلك وندعمه - للولايات المتحدة الأمريكية من بلادنا وانقاذ هيبتها وكبريائها مما هي فيه الآن من مأزق نريده أن ينتهي كما تريده هي أيضاً أن ينتهي ليبدأ العالم استقراراً يشتهيه منذ زمن.

سنقبل وسنمثل طواعية دور ( الكومبارس ) الأغبياء في مسرحية قتل بن لادن الأمريكية للمرة الرابعة إن كان ذلك هو الحل الوحيد لبداية عهد عالمي جديد بلا حروب أو استباحة، سيقبل العالم تلك المحاولة الامريكية إن كانت مخلصة بالفعل وفي طياتها وبين سطورها اشارة لإغلاق ملف القوة والإرهاب وان يكون ذلك بداية التغيير في منهج الولايات المتحدة تجاه قضايا عالمية كثيرة أهمها قضية شعبنا في فلسطين ( أم القضايا ) والتحكم قليلاً في شذوذ ابنتها اسرائيل بما يحفظ استقرار العالم وخاصة أفريقيا وملف المياه في حوض النيل في مرحلة من أدق واحرج لحظات العالم الحضارية اليوم، يجب أن تعيد أميركا ثقة الشعوب المكافحة حول العالم فيها من جديد بانحيازها لحرية واستقرار الأغلبية وخاصة في العالم العربي الذي عانى ومازال يعاني من الفتن، العالم العربي الذي تثور الأغلبية فيه اليوم ضد حكامها الطغاة الذين ساندتهم أمريكا طويلاً باختيارها أو دون وعي سيان، نقول: لن يحافظ على الاستقرار العالمي سواء كان فيه صالح أميركا أو غيرها سوى الشعوب والأغلبية المسحوقة من شعوب العالم بعدما تستشعر مباشرة قيمة حريتها دون تدخل في ارادتها واستعادة ميزان العدل فيها واحترام الدول العظمى والكبرى لرغبتها في النهوض والكرامة بعدما استباحهم الطغاة سنوات تزلفا وتقربا لربهم الأعلى تحت مسمى الحرب على الإرهاب. 

أخرجوا من بلادنا كغزاة فبلادنا غير قابلة للاستباحة أو الغزو .. أخرجوا وسنستقبلكم في أوطاننا من جديد أصدقاء تؤمنون معنا بحريتنا وكرامتنا كما تؤمنوا ونؤمن معكم بحريتكم وكرامتكم، هذا هو الحل الوحيد.

الولايات المتحدة الأمريكية: أنا ربكم الأعلى !!

بقلم: محيي الدين إبراهيم
يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء المؤمنين صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

رب الأسرة يفقد هيبته حينما يفقد منهج الربوبية الذي من ادق تفاصيله الصدق وتحقيق العدل، ومن ثم يفقد الحكمة لينقلب ايمان رعاياه إلى كفر، وإذا كفر الناس بكبيرهم تفشت بينهم الفوضى، وتحول اطمئنان ضمائرهم إلى خراب، ومن الخراب ينتج الصراع وتتوالد الحروب ويعم الإرهاب والإفلاس.


أنا ربكم الأعلى .. هكذا اطلقها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية على الولايات المتحدة الأمريكية التي أنقذتهم من عار الهزيمة التي كادوا أن يفقدوا من خلالها أوطانهم بالاحتلال الألماني لولا تدخل اميركا – تلك الدولة الحديثة الفتية - بإلقائها القنابل الذرية فوق نجازاكي وهيروشيما وانهت بذلك الحرب لصالح حلفاءها الجدد، وأطلت على العالم بقوتها الجديدة مثل ( فتوات ) قصص نجيب محفوظ امام البسطاء من أهل الحارة الذين لا يملكون أمام ( الفتوات ) سوى الاستسلام.

يشير السياسيون الى ان الولايات المتحدة خاضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد أن صارت ربة هذا العالم ثلاث حروب لم تنتصر في ولا واحدة منهم، اثنتان في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية انتهيتا بهزائم قاسية بينما الثالثة ( الحرب ضد الإرهاب ) يعرف نتائجها اليوم الجنين في رحم أمه، ومدى التورط الذي تلاقيه الولايات المتحدة في افغانستان والعراق وبحثها عن مخرج سريع آمن منهما يحقق لها الحد الأدنى من الكرامة بعدما كادت أن تفلس ولم تحقق من حربها على الإرهاب أي نتائج توحي بالنصر حتى الآن سوى الفوضى الخلاقة.

يقول ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي»: هل بدأت الولايات المتحدة مسيرة الفوضى؟ عدد قليل من الناس هم الذين يعتقدون ان الولايات المتحدة بدأت تلك المسيرة، من هؤلاء الذين يؤمنون بذلك صقور الإدارة الأمريكية الذين يرددون هذا القول من أجل الدفاع عن سياساتهم كشرطي العالم حتى لو أدت هذه السياسات لأفلاس العالم كله.

ويؤكد ايمانويل وولريستين أن العناصر الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أدت إلى نمو وازدهار السيطرة الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية هي نفس العناصر التي سوف تؤدي إلى عرقلتها كقوة عظمى إذا استمرت في هذه السياسات الرعناء.

لقد شعرت الولايات المتحدة بالدهشة من انهيار الاتحاد السوفيتي المفاجئ والسريع ودون طلقة رصاص واحدة!.
إن انهيار الشيوعية بالفعل يمكن أن يؤدي إلى تسريع انهيار الليبرالية لأنه يزيل من الوجود المبرر الأيديولوجي الوحيد الذي كانت تستخدمه أمريكا لتبرر به سيطرتها على العالم، أي أن أمريكا فقدت شرعية سيطرتها على العالم بعد انهيار امبراطورية الشر، هذا الفقدان للشرعية هو الذي قاد بشكل مباشر إلى الغزو العراقي للكويت عام 1990 بعد أن أدرك الرئيس العراقي أن معاهدات " يالطا " لم يعد لها وجود، وقد استخدمت أمريكا حرب الخليج الثانية لإخراج العراق من الكويت بهدف تأسيس شرعيتها الجديدة للسيطرة على العالم، ( تأسيس إمبراطورية شر جديدة ومضمونة ).

وجاءت فرصة صناعة امبراطورية الشر الجديدة لتحل محل الاتحاد السوفياتي والامبراطورية الشيوعية، جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وجاء معها رد الفعل العصبي عليها، وهنا اعلن بوش الابن الحرب على الإرهاب ( امبراطورية الشر الجديدة ) وأكد للشعب الأمريكي أن نتائج هذه الحرب مضمونة مائة في المائة، خاصة بعد أن نصحه مستشاريه بأنها الحل الوحيد لاستعادة أميركا لهيبتها وسيطرتها على العالم من جديد، ومن هذا المنطلق أخبر بوش العالم أنه إما أن يكون مع أمريكا أو مع الإرهاب، وأخيرا وجد الصقور الأمريكيون أنفسهم يسيطرون مرة أخرى على السياسة الأمريكية بعد سنوات طويلة من الشعور بالإحباط حتى في ظل أشد الحكومات الأمريكية محافظة مثل حكومة ريجان خلال الثمانينيات.

القوة العسكرية إذن هي أقوى ورقة في يد الولايات المتحدة اليوم، وفي الواقع هي الورقة الوحيدة لديها الآن بعد استنزاف حربها على الارهاب معظم الاقتصاد العالمي الذي بدأ يعاني من أزمات قاسية .. هذا هو كلام ايمانويل وولريستين في دورية «فورين بوليسي» وأقول أن هذا الاقتصاد لن يسترد عافيته باستباحة ثروات الدول الصغيرة، ولكن بفرض منهج العدل لا منهج القوة، واحترام كرامة الشعوب بدلاً من التهديد بغزوها واستباحتها واشاعة الفتن فيها.

لقد نصح الصحفي سيمون تيسدول في جريدة «الجارديان» البريطانية أميركا بالفعل قبل خوضها حرباً ضد العراق حيث قال: بغض النظر عن الرأي العام العالمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية يجب ألا تغزو العراق لكونها ستتعرض لخسائر جسيمة ليس فقط على صعيد المصالح الاقتصادية وإمدادات البترول ولكن على كل المستويات، لأنها إذا قامت بغزو العراق واضطرت إلى الانسحاب منه دون نتائج ملموسة فسوف يبدو الأمر هزيمة كبيرة، وفي هذه الحالة ستكون الخيارات أمام الولايات المتحدة محدودة جدا ومن ثم سوف تواصل انهيارها كقوة عالمية مسيطرة على العالم خلال العقد القادم؛ فليس احتلال الأمم للأمم تحت دعوى الحرب على الإرهاب هو عصا موسى لخلاص العالم واستقرار القوى العظمى فيه.

الولايات المتحدة الأمريكية أمامها فرصة وحيدة فقط لاستعادة هيبتها من جديد أمام العالم، عليها أن تنسحب من دور الفتوة وشرطي العالم، عليها أن تعيد برنامج ربوبيتها للعالم إذا أرادت أن تكون ربة الأسرة العالمية على اسس شعبية، فقانون حماية الأقلية على سبيل المثال الذي استبدعته ( لحماية اسرائيل ) يحمل في مضمونه قانون استفزاز الأغلبية ، وقانون مكافحة الإرهاب أعطى الضوء الأخضر لطغاة العالم أن يسحقوا شعوبهم، العالم يتغير، الشعوب تنهض من كبوتها، الشباب يثور، ينتصر، يتغير العالم بشباب الثورة الآن وبالفعل، ولا تلقى الولايات المتحدة وسط هذا التغيير من هؤلاء الثوريين تعاطفاً معها على الإطلاق ربما لإيمانهم بأنها الوحيدة التي دعمت طغاتهم لأكثر من نصف قرن كما حدث مع مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي.

علي أميركا أن تنظر للقضايا العالمية وللشعوب بعين المساواة لا بعين العقاب، بعين الحكمة لا بعين الاستباحة، ولعل تمثيلية قتل بن لادن تكون هي الخروج الآمن – نأمل ذلك وندعمه - للولايات المتحدة الأمريكية من بلادنا وانقاذ هيبتها وكبريائها مما هي فيه الآن من مأزق نريده أن ينتهي كما تريده هي أيضاً أن ينتهي ليبدأ العالم استقراراً يشتهيه منذ زمن.

سنقبل وسنمثل طواعية دور ( الكومبارس ) الأغبياء في مسرحية قتل بن لادن الأمريكية للمرة الرابعة إن كان ذلك هو الحل الوحيد لبداية عهد عالمي جديد بلا حروب أو استباحة، سيقبل العالم تلك المحاولة الامريكية إن كانت مخلصة بالفعل وفي طياتها وبين سطورها اشارة لإغلاق ملف القوة والإرهاب وان يكون ذلك بداية التغيير في منهج الولايات المتحدة تجاه قضايا عالمية كثيرة أهمها قضية شعبنا في فلسطين ( أم القضايا ) والتحكم قليلاً في شذوذ ابنتها اسرائيل بما يحفظ استقرار العالم وخاصة أفريقيا وملف المياه في حوض النيل في مرحلة من أدق واحرج لحظات العالم الحضارية اليوم، يجب أن تعيد أميركا ثقة الشعوب المكافحة حول العالم فيها من جديد بانحيازها لحرية واستقرار الأغلبية وخاصة في العالم العربي الذي عانى ومازال يعاني من الفتن، العالم العربي الذي تثور الأغلبية فيه اليوم ضد حكامها الطغاة الذين ساندتهم أمريكا طويلاً باختيارها أو دون وعي سيان، نقول: لن يحافظ على الاستقرار العالمي سواء كان فيه صالح أميركا أو غيرها سوى الشعوب والأغلبية المسحوقة من شعوب العالم بعدما تستشعر مباشرة قيمة حريتها دون تدخل في ارادتها واستعادة ميزان العدل فيها واحترام الدول العظمى والكبرى لرغبتها في النهوض والكرامة بعدما استباحهم الطغاة سنوات تزلفا وتقربا لربهم الأعلى تحت مسمى الحرب على الإرهاب. 

أخرجوا من بلادنا كغزاة فبلادنا غير قابلة للاستباحة أو الغزو .. أخرجوا وسنستقبلكم في أوطاننا من جديد أصدقاء تؤمنون معنا بحريتنا وكرامتنا كما تؤمنوا ونؤمن معكم بحريتكم وكرامتكم، هذا هو الحل الوحيد.

الاثنين، 2 مايو 2011

أي -بن لادن- اليوم الذي يخدعنا الأمريكان بأنهم قتلوه في 2011 ؟؟



بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
في كانون الأول 2001، أجرت محطة «فوكس نيوز» مقابلة مع مصدر «طالباني» ادعى فيها بما لا يدع مجالاً لشك أنه حضر جنازة بن لادن بمشاركة نحو 30 من معاونيه. وأن سبب الوفاة كان نتيجة لالتهاب رئوي. وهي نفس القصة التي روّجتها «نيويورك تايمز» في 2002 استناداً إلى روايات شهود عيان بأن «بن لادن» مات نتيجة التهاب كلويّ
قتلت الولايات المتحدة الأمريكية اسامة بن لادن اكثر من أربعة مرات حقيقية وأعلنت عن مقتله في كل مرة اعلاميا وعالمياً خلال الإحدى عشرة سنة الماضية!!، وفي كل مرة يقتلوا فيها بن لادن تكون عملية الاغتيال متزامنة تماماً مع انتخابات الرئاسة!!، وفي كل مرة يقتلوه يخرج الأمريكان الى ميدان تايم اسكوير بولاية نيويورك وهو شبيه بميدان التحرير في مصر ويصرخ الشباب فيه هاتفين حتى الساعات الأولى من الصباح : ارفع راسك فوق إنت أميركي، ويصرخون ايضا :أميركا هي أمي، في كل مرة وبنفس الحماس وبنفس الصدق يهتفون ويصرخون، أليس ذلك عجيباً؟ إنها مسألة تدعو فعلاً للعجب من شعب المفروض أنه شعب أعظم دولة في العالم!، مسألة عجيبة ومحرجة في آن واحد، فليس البشر مخلوقين بهذا الحجم من الغباء! لكن يبدو أن اليأس والإفلاس الذي يخيم على الشارع الأمريكي اليوم يدفع أحيانا الأمم - التي كانت عظيمة - إلى أن تصدق أي شيء حتى ولو كان مخالف للمنطق، تماما كمدمني المخدرات الذين يهربون من واقع يعتبرونه قاسيا لغيبوبة يعتقلون أنفسهم فيها ظنا منهم أنهم ناجون.
هذا خبر نقلته مصادر أفغانية وباكستانية في ديسمبر 2001، وتناقله العالم وهاجت الناس خاصة حينما أكد الخبر الرئيس الباكستاني برويز مشرف وهو ان بن لادن توفي يوم 13 ديسمبر 2001، ودفن في نفس اليوم بمنطقة الجبال الواقعة جنوب شرقي افغانستان. ثم شعر العالم بالارتياح حينما أكد النبأ في شهر يوليو 2002 اعضاء تنظيم «القاعدة» أنفسهم ، المعتقلين لدى السلطات الاميركية في جوانتنامو، وحيث تمت حينها مقابلات صحفية وتليفزيونية مع أهالي ضحايا البرجين الذين بكوا أمام الشاشات من فرط سعادتهم بموت بن لادن!، فأي بن لادن اليوم ذلك الذي صرح اوباما بأن أمريكا قتلته عشية عيد العمال 2011، نريد أن نعرف فقط، خاصة ونحن على مشارف انتخابات الرئاسة الأمريكية.
تقول الصحفية " سو ريد " بجريدة ديلي ميل في 11 ايلول 2009 : كتب ضابط المخابرات الامريكية السابق "انجيلو كوديفلا " وهو ايضا استاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن : إن كل الاختراقات التي يقوم بها الغرب للاتصالات التي يقوم بها قائد القاعدة اسامة بن لادن توقفت فجأة في اواخر 2001، ويؤكد كوديفلا "ان افلام الفيديو التي تزعم انها لبن لادن لا يمكن ان تقنع المراقب المحايد. الرجل لا يبدو شبيها بأسامة. بعض الفيديوهات تبينه بأنف مقوس مثل الساميين في حين افلام اخرى تبينه بأنف اقصر وأعرض. اضافة الى ذلك الاختلافات في لون وشكل اللحية، اسامة بن لادن مات .. فلماذا يصرون على اعادته للحياة؟
وفي كتاب بعنوان (اسامة بن لادن : حي أم ميت؟) للفيلسوف والمحلل السياسي بروفيسور ديفد راي غريفن ، الاستاذ السابق في كلية كليرمونت للاهوت في كاليفورنيا يدرج تفاصيل اكثر حول موت بن لادن ويرى الكاتب ان الغرب يغطي على هذه الحقيقة، حيث يقول بروفيسور ديفد راي غريفن ان بن لادن توفي من فشل كلوي او من آثار جانبية متصلة بهذا المرض في 13 كانون الاول 2001 حين كان يعيش في جبال تورا بورا القريبة من الحدود مع وزيرستان وانه دفن بالفعل في خلال 24 ساعة حسب الطقوس الاسلامية في قبر غير معلم حسب المذهب الوهابي وقد أعلن ذلك رئيس الباكستان حينها بيرفيز مشرف في السي ان ان وقال: "أؤمن الان وبصدق انه ميت لأنه مريض بالفشل الكلوي وكان في غاية الضعف"، ويؤكد البروفيسور ديفد راي غريفن ان الكثير من اشرطة بن لادن التي عرضت منذ ذلك التاريخ ملفقة من قبل الغرب من اجل الايحاء بأنه مازال حيا وربما الهدف هو شحذ الدعم الدولي الذي بدأ يتلاشى للحرب على الارهاب في العراق وافغانستان. أما صحيفة الوفد المصرية في 26 كانون الاول 2001 – ويمكن الرجوع إليها – فقد أفادت بأن مسؤولا بارزا في طالبان اعلن ان اسامة بن لادن قد مات بالفعل ودفن حيث يقول الخبر :"كان يعاني من مضاعفات خطيرة ومات ميتة طبيعية هادئة ودفن في تورا بورا وقد حضر جنازته 30 من مقاتلي القاعدة وافراد من عائلته واصدقائه من طالبان. وحسب المذهب الوهابي لا توضع علامات على القبر" وعقبت الجريدة في ذات الخبر بقولها أن المسؤول الطالباني الذي لم يذكر اسمه رأى وجه بن لادن في قبره حيث كان شاحبا ولكنه وجهاً هادئا، ومرتاحا وواثقا"!!.
ربما أيضاً ما يدفعنا للتساؤل: أي بن لادن اليوم ذلك الذي صرح اوباما بأن أمريكا قتلته عشية عيد العمال 2011؟ ما ذكرته «واشنطن بوست» في أن الوحدة التابعة للاستخبارات والمكلّفة بملاحقة بن لادن أُوقفت عن العمل بالملاحقة في أواخر 2005. وفي منتصف آب 2007، قامت قوات مشتركة أميركية وأفغانية باجتياح كهوف تورا بورا، بعد معلومات استخبارية تفيد أن قادة «القاعدة» عقدوا اجتماعاً فيه قبل شهر رمضان وقتلت يومها عشرات المقاتلين من «طالبان»، ثم بعد هذا القتل العنيف بحثوا وأجادوا وأخلصوا في البحث فلم يجدوا لا بن لادن ولا نائبه أيمن الظواهري!!. ووقتها كانت أميركا وكأنها تريد أثبات شيئا مستحيلا وتعلم يقينا أنه مستحيلا بالفعل رغم أنه في كانون الأول 2001، أجرت محطة «فوكس نيوز» مقابلة مع مصدر «طالباني» ادعى فيها بما لا يدع مجالاً لشك أنه حضر جنازة بن لادن بمشاركة نحو 30 من معاونيه. وأن سبب الوفاة كان نتيجة لالتهاب رئوي. وهي نفس القصة التي روّجتها «نيويورك تايمز» في 2002 استناداً إلى روايات شهود عيان بأن «بن لادن» مات نتيجة التهاب كلويّ، وكذلك ما نقلته صحيفة «سيدني مورنينغ هيرالد» الأسترالية في نيسان 2005 عن مدير الدراسات الإرهابية في جامعة أستراليا الوطنية، كليف وليامز، قوله، إن وثائق قدمها إليه زميل هندي تؤكد أن بن لادن توفي إثر فشل كلوي في نيسان 2004. ثم أوردت بعدها صحيفة «لا ريبوبليك» الفرنسية في مفاجأة تنم عن الفوضى أو ربما التواطئ مع سيناريو المعارك الانتخابية الذي يصب في صالح الجمهوريين في أمريكا والاشتراكيين في اوروبا كمحاولة منها في التقارب الفرنسي الامريكي الذي كان يعاني وقتها فتورا قاسياً، أوردت فرنسا تقريراً من الاستخبارات الفرنسية يقول إن «بن لادن مات بالفعل في باكستان في 23 أغسطس 2006، إثر إصابته بحمّى التيفوئيد التي شلّت مفاصله السفلى، وكانت الاستخبارات السعودية أول العالمين بهذا الأمر، وأطلعت حكومتها عليه، وهي بدورها نقلت الخبر إلى الحكومة الفرنسية». وأعربت وزيرة الدفاع الفرنسية آنذاك، ميشيل آليوت ماري، عن أسفها بسبب نشر هذا التقرير، خاصة بعد زلّة اللسان الشهيرة لرئيسة الحكومة الباكستانية الراحلة، بنازير بوتو، خلال مقابلة على شبكة «سي أن أن» مع دايفيد فروست في تشرين الثاني 2007، حيث أكدت أن زعيم «القاعدة» قُتل على يد أحد معاونيه، المدعو عمر الشيخ، وذلك في ردّها على من تتهمهم بمحاولات اغتيالها، حيث قالت حينها إن «عمر الشيخ هو الرجل الذي قتل بن لادن»، زلة لسان حاول البعض التقليل من أهميتها على اعتبار ان بوتو أخطأت في التعبير لكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت الزلة التي أودت بحياتها حيث اغتيلت بعد هذا التصريح بشهور. 
موت "بن لادن" أو حياته لم تعد هي الأهم والأخطر اليوم، ولكن الأهم، هو أن تنظيم القاعدة الذي تحول إلى فكرة وإلهام، جعلت الأجهزة الأمنية العربية على مدار عشرة سنوات كاملة تنسب أي عمل ضد مصالحها أو مصالح اسرائيل أو الغرب في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية تحديداً إلى تنظيم القاعدة حتى وان كانت احتمالات قيام القاعدة به صفرا أو مخالفا للمنطق، لكسب الثقة الأمريكية في دعم تلك الأنظمة الفاسدة، أنظمة ثارت عليها شعوبها اليوم وانتصرت ومازالت تنتصر حتى صارت تلك الأنظمة تتلاشى الآن يوما بعد يوم، بدءا من نظام بن على في تونس ثم مبارك في مصر فعلي عبدالله صالح اليمن فمعمر القذافي في ليبيا وقريبا ستتحرر باقي الشعوب من كل طغاتها وبائعيها وملوك ورؤساء الفساد فيها الذين كانت تربطهم علاقات مشبوهة مع الأنظمة الغربية لصالح اسرائيل وأمن أسرائيل ومصالح الغرب على حساب ابناء الوطن المطحونين وهو ما جعل الغرب ينتبه الآن إلى أنه ربما يفقد كل شيء حتى غلالة البساط الذي يسير فوقه داخل أوطاننا، في ظل تنامي هذا المد الثوري الحقيقي الذي كانت من أهم بشائره التقارب المصري الأفريقي وخاصة اثيوبيا والكونغو وهو ما يؤشر إلى انفراج في ملف المياه ورأب الصدوع المستحدثة ( بسبب تدخل اسرائيل في أفريقيا ) بين بلدان القارة الواحدة والتي تحمل في ضمائرها علاقات أزلية، هذا إلى جانب ملف المصالحة الفلسطيني الذي ظهر فجأة بوساطة مصر ما بعد ثورة 25 يناير حيث كان مبارك يدعم حركات الانشقاق بين الفرقاء الفلسطينيين لصالح اسرائيل وهو ما جعلته ثورة مصر ماضيا عارا لا يمكن الاستمرار فيه لتصبح المصالحة الفلسطينية والاعتراف بالدولة هي الواقع الحتمي الذي يهدد اسرائيل بالفعل اليوم حسب ما تدعيه من خلال وسائل إعلامها.
الأمريكان يريدون الخروج إذن من البلدان التي استباحوها وكادوا أن يفلسوا بسبب غباء استباحتهم لها، اكتشفوا أن الشرق الأوسط قادم على ديموقراطيات من صناعة شعوبه وليس من صناعة لها صلة بأمريكا، ومن ثم فأمريكا مهددة بالخروج من تلك المنطقة بعد استقرارها الثوري كما يقول المثل المصري " من المولد بلا حمص" خاصة أنها دعمت سابقاً وطيلة اكثر من ثلاثة وأربعين عاماً كل الأنظمة القمعية في كل مكان فيه، ولهذا كان عليهم للمرة الألف أن ينهوا "دور" بن لادن، وسريعاً قبل الانتخابات الأمريكية وبعد الثورات العربية حتى وإن بدت عملية انهاء دوره بصورة غير منطقية كما يحدث اليوم، ليتفرغوا في إصلاح ما أفسدته رعونتهم وسياستهم الطفولية مع دول المنطقة العربية طيلة أكثر من عشرة سنوات هي حربهم على الإرهاب والتي افلسوا فيها تماماً وأفلس معهم العالم، إنهم يريدون أن يلملموا اشلائهم ليؤكدوا حرصهم على التعاون وربما دعم شباب التغيير أصحاب الثورات القائمة اليوم في الوطن العربي والتي حتماً ستغير خارطته من النقيض للنقيض، أميركا تريد أن تلملم أشلائها للحفاظ على الثروة العربية قبل أن تتسرب من يدها، وتريد أيضا الحفاظ على أمن اسرائيل الذي أصبح في خطر حقيقي قبل أن يفلت زمام المنطقة الاقتصادي للأبد ويصبح في يد دولة اخرى كالصين مثلاً، إنهم يريدون أن ينقذوا خيط الكرامة الوحيد المتبقي لديهم كدولة عظمى قبل أن ينقطع ويتآكل بفعل حتمية تغير الأمم والتاريخ، فهل سينجحون في ذلك؟ وإن نجحوا فهل نجاحهم هذا سيصب في مصلحة المواطن الأمريكي المطحون حاليا وانهكته حروب العشرة سنوات، أم سيصب في صالح اسرائيل، لأنه لاشك لن يصب في صالح العرب!!.
سؤال أخير برئ نوجهه للإدارة الأمريكية: هل ستكون هذا المرة هي المرة الأخيرة التي تقتلون فيها بن لادن وتغتالوه أم أن لكم تصورات متجددة لاغتياله مرات أخرى في المستقبل؟ مجرد سؤال برئ!!

أي -بن لادن- اليوم الذي يخدعنا الأمريكان بأنهم قتلوه في 2011 ؟؟



بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
في كانون الأول 2001، أجرت محطة «فوكس نيوز» مقابلة مع مصدر «طالباني» ادعى فيها بما لا يدع مجالاً لشك أنه حضر جنازة بن لادن بمشاركة نحو 30 من معاونيه. وأن سبب الوفاة كان نتيجة لالتهاب رئوي. وهي نفس القصة التي روّجتها «نيويورك تايمز» في 2002 استناداً إلى روايات شهود عيان بأن «بن لادن» مات نتيجة التهاب كلويّ
قتلت الولايات المتحدة الأمريكية اسامة بن لادن اكثر من أربعة مرات حقيقية وأعلنت عن مقتله في كل مرة اعلاميا وعالمياً خلال الإحدى عشرة سنة الماضية!!، وفي كل مرة يقتلوا فيها بن لادن تكون عملية الاغتيال متزامنة تماماً مع انتخابات الرئاسة!!، وفي كل مرة يقتلوه يخرج الأمريكان الى ميدان تايم اسكوير بولاية نيويورك وهو شبيه بميدان التحرير في مصر ويصرخ الشباب فيه هاتفين حتى الساعات الأولى من الصباح : ارفع راسك فوق إنت أميركي، ويصرخون ايضا :أميركا هي أمي، في كل مرة وبنفس الحماس وبنفس الصدق يهتفون ويصرخون، أليس ذلك عجيباً؟ إنها مسألة تدعو فعلاً للعجب من شعب المفروض أنه شعب أعظم دولة في العالم!، مسألة عجيبة ومحرجة في آن واحد، فليس البشر مخلوقين بهذا الحجم من الغباء! لكن يبدو أن اليأس والإفلاس الذي يخيم على الشارع الأمريكي اليوم يدفع أحيانا الأمم - التي كانت عظيمة - إلى أن تصدق أي شيء حتى ولو كان مخالف للمنطق، تماما كمدمني المخدرات الذين يهربون من واقع يعتبرونه قاسيا لغيبوبة يعتقلون أنفسهم فيها ظنا منهم أنهم ناجون.
هذا خبر نقلته مصادر أفغانية وباكستانية في ديسمبر 2001، وتناقله العالم وهاجت الناس خاصة حينما أكد الخبر الرئيس الباكستاني برويز مشرف وهو ان بن لادن توفي يوم 13 ديسمبر 2001، ودفن في نفس اليوم بمنطقة الجبال الواقعة جنوب شرقي افغانستان. ثم شعر العالم بالارتياح حينما أكد النبأ في شهر يوليو 2002 اعضاء تنظيم «القاعدة» أنفسهم ، المعتقلين لدى السلطات الاميركية في جوانتنامو، وحيث تمت حينها مقابلات صحفية وتليفزيونية مع أهالي ضحايا البرجين الذين بكوا أمام الشاشات من فرط سعادتهم بموت بن لادن!، فأي بن لادن اليوم ذلك الذي صرح اوباما بأن أمريكا قتلته عشية عيد العمال 2011، نريد أن نعرف فقط، خاصة ونحن على مشارف انتخابات الرئاسة الأمريكية.
تقول الصحفية " سو ريد " بجريدة ديلي ميل في 11 ايلول 2009 : كتب ضابط المخابرات الامريكية السابق "انجيلو كوديفلا " وهو ايضا استاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن : إن كل الاختراقات التي يقوم بها الغرب للاتصالات التي يقوم بها قائد القاعدة اسامة بن لادن توقفت فجأة في اواخر 2001، ويؤكد كوديفلا "ان افلام الفيديو التي تزعم انها لبن لادن لا يمكن ان تقنع المراقب المحايد. الرجل لا يبدو شبيها بأسامة. بعض الفيديوهات تبينه بأنف مقوس مثل الساميين في حين افلام اخرى تبينه بأنف اقصر وأعرض. اضافة الى ذلك الاختلافات في لون وشكل اللحية، اسامة بن لادن مات .. فلماذا يصرون على اعادته للحياة؟
وفي كتاب بعنوان (اسامة بن لادن : حي أم ميت؟) للفيلسوف والمحلل السياسي بروفيسور ديفد راي غريفن ، الاستاذ السابق في كلية كليرمونت للاهوت في كاليفورنيا يدرج تفاصيل اكثر حول موت بن لادن ويرى الكاتب ان الغرب يغطي على هذه الحقيقة، حيث يقول بروفيسور ديفد راي غريفن ان بن لادن توفي من فشل كلوي او من آثار جانبية متصلة بهذا المرض في 13 كانون الاول 2001 حين كان يعيش في جبال تورا بورا القريبة من الحدود مع وزيرستان وانه دفن بالفعل في خلال 24 ساعة حسب الطقوس الاسلامية في قبر غير معلم حسب المذهب الوهابي وقد أعلن ذلك رئيس الباكستان حينها بيرفيز مشرف في السي ان ان وقال: "أؤمن الان وبصدق انه ميت لأنه مريض بالفشل الكلوي وكان في غاية الضعف"، ويؤكد البروفيسور ديفد راي غريفن ان الكثير من اشرطة بن لادن التي عرضت منذ ذلك التاريخ ملفقة من قبل الغرب من اجل الايحاء بأنه مازال حيا وربما الهدف هو شحذ الدعم الدولي الذي بدأ يتلاشى للحرب على الارهاب في العراق وافغانستان. أما صحيفة الوفد المصرية في 26 كانون الاول 2001 – ويمكن الرجوع إليها – فقد أفادت بأن مسؤولا بارزا في طالبان اعلن ان اسامة بن لادن قد مات بالفعل ودفن حيث يقول الخبر :"كان يعاني من مضاعفات خطيرة ومات ميتة طبيعية هادئة ودفن في تورا بورا وقد حضر جنازته 30 من مقاتلي القاعدة وافراد من عائلته واصدقائه من طالبان. وحسب المذهب الوهابي لا توضع علامات على القبر" وعقبت الجريدة في ذات الخبر بقولها أن المسؤول الطالباني الذي لم يذكر اسمه رأى وجه بن لادن في قبره حيث كان شاحبا ولكنه وجهاً هادئا، ومرتاحا وواثقا"!!.
ربما أيضاً ما يدفعنا للتساؤل: أي بن لادن اليوم ذلك الذي صرح اوباما بأن أمريكا قتلته عشية عيد العمال 2011؟ ما ذكرته «واشنطن بوست» في أن الوحدة التابعة للاستخبارات والمكلّفة بملاحقة بن لادن أُوقفت عن العمل بالملاحقة في أواخر 2005. وفي منتصف آب 2007، قامت قوات مشتركة أميركية وأفغانية باجتياح كهوف تورا بورا، بعد معلومات استخبارية تفيد أن قادة «القاعدة» عقدوا اجتماعاً فيه قبل شهر رمضان وقتلت يومها عشرات المقاتلين من «طالبان»، ثم بعد هذا القتل العنيف بحثوا وأجادوا وأخلصوا في البحث فلم يجدوا لا بن لادن ولا نائبه أيمن الظواهري!!. ووقتها كانت أميركا وكأنها تريد أثبات شيئا مستحيلا وتعلم يقينا أنه مستحيلا بالفعل رغم أنه في كانون الأول 2001، أجرت محطة «فوكس نيوز» مقابلة مع مصدر «طالباني» ادعى فيها بما لا يدع مجالاً لشك أنه حضر جنازة بن لادن بمشاركة نحو 30 من معاونيه. وأن سبب الوفاة كان نتيجة لالتهاب رئوي. وهي نفس القصة التي روّجتها «نيويورك تايمز» في 2002 استناداً إلى روايات شهود عيان بأن «بن لادن» مات نتيجة التهاب كلويّ، وكذلك ما نقلته صحيفة «سيدني مورنينغ هيرالد» الأسترالية في نيسان 2005 عن مدير الدراسات الإرهابية في جامعة أستراليا الوطنية، كليف وليامز، قوله، إن وثائق قدمها إليه زميل هندي تؤكد أن بن لادن توفي إثر فشل كلوي في نيسان 2004. ثم أوردت بعدها صحيفة «لا ريبوبليك» الفرنسية في مفاجأة تنم عن الفوضى أو ربما التواطئ مع سيناريو المعارك الانتخابية الذي يصب في صالح الجمهوريين في أمريكا والاشتراكيين في اوروبا كمحاولة منها في التقارب الفرنسي الامريكي الذي كان يعاني وقتها فتورا قاسياً، أوردت فرنسا تقريراً من الاستخبارات الفرنسية يقول إن «بن لادن مات بالفعل في باكستان في 23 أغسطس 2006، إثر إصابته بحمّى التيفوئيد التي شلّت مفاصله السفلى، وكانت الاستخبارات السعودية أول العالمين بهذا الأمر، وأطلعت حكومتها عليه، وهي بدورها نقلت الخبر إلى الحكومة الفرنسية». وأعربت وزيرة الدفاع الفرنسية آنذاك، ميشيل آليوت ماري، عن أسفها بسبب نشر هذا التقرير، خاصة بعد زلّة اللسان الشهيرة لرئيسة الحكومة الباكستانية الراحلة، بنازير بوتو، خلال مقابلة على شبكة «سي أن أن» مع دايفيد فروست في تشرين الثاني 2007، حيث أكدت أن زعيم «القاعدة» قُتل على يد أحد معاونيه، المدعو عمر الشيخ، وذلك في ردّها على من تتهمهم بمحاولات اغتيالها، حيث قالت حينها إن «عمر الشيخ هو الرجل الذي قتل بن لادن»، زلة لسان حاول البعض التقليل من أهميتها على اعتبار ان بوتو أخطأت في التعبير لكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت الزلة التي أودت بحياتها حيث اغتيلت بعد هذا التصريح بشهور. 
موت "بن لادن" أو حياته لم تعد هي الأهم والأخطر اليوم، ولكن الأهم، هو أن تنظيم القاعدة الذي تحول إلى فكرة وإلهام، جعلت الأجهزة الأمنية العربية على مدار عشرة سنوات كاملة تنسب أي عمل ضد مصالحها أو مصالح اسرائيل أو الغرب في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية تحديداً إلى تنظيم القاعدة حتى وان كانت احتمالات قيام القاعدة به صفرا أو مخالفا للمنطق، لكسب الثقة الأمريكية في دعم تلك الأنظمة الفاسدة، أنظمة ثارت عليها شعوبها اليوم وانتصرت ومازالت تنتصر حتى صارت تلك الأنظمة تتلاشى الآن يوما بعد يوم، بدءا من نظام بن على في تونس ثم مبارك في مصر فعلي عبدالله صالح اليمن فمعمر القذافي في ليبيا وقريبا ستتحرر باقي الشعوب من كل طغاتها وبائعيها وملوك ورؤساء الفساد فيها الذين كانت تربطهم علاقات مشبوهة مع الأنظمة الغربية لصالح اسرائيل وأمن أسرائيل ومصالح الغرب على حساب ابناء الوطن المطحونين وهو ما جعل الغرب ينتبه الآن إلى أنه ربما يفقد كل شيء حتى غلالة البساط الذي يسير فوقه داخل أوطاننا، في ظل تنامي هذا المد الثوري الحقيقي الذي كانت من أهم بشائره التقارب المصري الأفريقي وخاصة اثيوبيا والكونغو وهو ما يؤشر إلى انفراج في ملف المياه ورأب الصدوع المستحدثة ( بسبب تدخل اسرائيل في أفريقيا ) بين بلدان القارة الواحدة والتي تحمل في ضمائرها علاقات أزلية، هذا إلى جانب ملف المصالحة الفلسطيني الذي ظهر فجأة بوساطة مصر ما بعد ثورة 25 يناير حيث كان مبارك يدعم حركات الانشقاق بين الفرقاء الفلسطينيين لصالح اسرائيل وهو ما جعلته ثورة مصر ماضيا عارا لا يمكن الاستمرار فيه لتصبح المصالحة الفلسطينية والاعتراف بالدولة هي الواقع الحتمي الذي يهدد اسرائيل بالفعل اليوم حسب ما تدعيه من خلال وسائل إعلامها.
الأمريكان يريدون الخروج إذن من البلدان التي استباحوها وكادوا أن يفلسوا بسبب غباء استباحتهم لها، اكتشفوا أن الشرق الأوسط قادم على ديموقراطيات من صناعة شعوبه وليس من صناعة لها صلة بأمريكا، ومن ثم فأمريكا مهددة بالخروج من تلك المنطقة بعد استقرارها الثوري كما يقول المثل المصري " من المولد بلا حمص" خاصة أنها دعمت سابقاً وطيلة اكثر من ثلاثة وأربعين عاماً كل الأنظمة القمعية في كل مكان فيه، ولهذا كان عليهم للمرة الألف أن ينهوا "دور" بن لادن، وسريعاً قبل الانتخابات الأمريكية وبعد الثورات العربية حتى وإن بدت عملية انهاء دوره بصورة غير منطقية كما يحدث اليوم، ليتفرغوا في إصلاح ما أفسدته رعونتهم وسياستهم الطفولية مع دول المنطقة العربية طيلة أكثر من عشرة سنوات هي حربهم على الإرهاب والتي افلسوا فيها تماماً وأفلس معهم العالم، إنهم يريدون أن يلملموا اشلائهم ليؤكدوا حرصهم على التعاون وربما دعم شباب التغيير أصحاب الثورات القائمة اليوم في الوطن العربي والتي حتماً ستغير خارطته من النقيض للنقيض، أميركا تريد أن تلملم أشلائها للحفاظ على الثروة العربية قبل أن تتسرب من يدها، وتريد أيضا الحفاظ على أمن اسرائيل الذي أصبح في خطر حقيقي قبل أن يفلت زمام المنطقة الاقتصادي للأبد ويصبح في يد دولة اخرى كالصين مثلاً، إنهم يريدون أن ينقذوا خيط الكرامة الوحيد المتبقي لديهم كدولة عظمى قبل أن ينقطع ويتآكل بفعل حتمية تغير الأمم والتاريخ، فهل سينجحون في ذلك؟ وإن نجحوا فهل نجاحهم هذا سيصب في مصلحة المواطن الأمريكي المطحون حاليا وانهكته حروب العشرة سنوات، أم سيصب في صالح اسرائيل، لأنه لاشك لن يصب في صالح العرب!!.
سؤال أخير برئ نوجهه للإدارة الأمريكية: هل ستكون هذا المرة هي المرة الأخيرة التي تقتلون فيها بن لادن وتغتالوه أم أن لكم تصورات متجددة لاغتياله مرات أخرى في المستقبل؟ مجرد سؤال برئ!!

الأربعاء، 27 أبريل 2011

نجيب محفوظ رجل الثورة الصامتة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
كان يستمتع بمشاهدة الأطعمة الشعبية المصرية وباستنشاق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه المقدسة،يذهب عنك الاكتئاب ولا يقفز في عقلك أثناء اندماجك معه إلا نسائم الإبداع من فضاءاتها الفسيحة الرحبة، هكذا الإحساس حين تخترق رائحة تلك الأكلات الشعبية وجدان نجيب محفوظ فتنتعش أصالته، حتى وإن كان ممنوعاً من تناولها بأمر الطبيب.


سيداتي آنساتي سادتي
رغم كل ما يجرى حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتى النهاية. لا أقول مع الفيلسوف "كانت" إن الخير سينتصر في العالم الآخر. فإنه يحرز نصرا كل يوم. بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير. وأمامنا الدليل الذي لا يجحد. فلولا النصر الغالب للخير ما استطاعت شراذم من البشر الهائمة على وجهها عرضة للوحوش والحشرات والكوارث الطبيعية والأوبئة والخوف والأنانية. أقول لولا النصر الغالب للخير ما استطاعت البشرية أن تنمو وتتكاثر وتكون الأمم وتكتشف وتبدع وتخترع وتغزو الفضاء وتعلن حقوق الإنسان: غاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره. وقد صدق شاعرنا أبو العلاء عندما قال :إن حـــزنا ســاعـة المـــوت أضعاف سرور ساعة الميلاد.
نجيب محفوظ ( معي ) وجمال الغيطاني والناقد توفيق حنا في مركب فرح بوت

بهذه الكلمات المعبرة أختتم نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا كلمته على لسان عائشة ابنته لجمهور المحتفلين به من جميع أنحاء العالم ليلة تسلمه جائزة نوبل عام 1988، وحيث كانت هناك مشكلة كبرى في أن كل مهتم بالأدب وقتها من الأجانب والغرب يجهل اسم نجيب محفوظ تماماً ولا يعلمه ولا يعرفه، لقد أضافت عليه تلك الجائزة شعبية عالمية في الخارج، توازي وربما أكثر من شعبيته في الداخل، الآن نجيب محفوظ قامة أدبية عالمية، ورواياته التي كتبها طوال عمره أصبحت تترجم إلى العديد من لغات العالم، ولا يحتاج المترجم الأجنبي أن يقول : الكاتب المصري، فقط يقول : نجيب محفوظ فيرى العالم في اسمه روح مصر. 
يبتسم نجيب محفوظ وهو يقول للمحيطين به في مركب فرح بوت على نيل القاهرة: لو كانت جائزة نوبل في حياة طه حسين ما كنت خرجت من بيتي ولا كنت تسلمتها، ثم يتذكر مداعباً ويقول: حين تقدمت في عام 1930م للدراسة في كلية الآداب، اخترت قسم الفلسفة، وكان في ذلك الحين الدكتور طه حسين هو عميد الكلية، كان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه، ويتحاور معهم ليتأكد من خلال الحوار هل أحسنوا الاختيار بدخولهم الأقسام التي اختاروها في الكلية أم لا؟ وربما كان دافعه أن يوجههم للقسم المناسب إن كان أيا منهم – من وجهة نظر طه حسين طبعاً – لم يوفق في الاختيار الصحيح، وجاء دوري في الحوار وسألني العميد طه حسين عن سبب اختياري لقسم الفلسفة بكلية الآداب دون غيرها، فأخذت أعبر له عن رأيي في أسباب اختياري لقسم الفلسفة وأهميته و.. و.. و.. ، عندئذ قال لي د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك غير مفهوم، ويضحك نجيب محفوظ ضحكة مجلجلة مازلت أتذكر رنين وقعها على أذني حتى اليوم وكأنه بهذه الضحكة التي يتميز بها وصارت داله على شخصه يشير للمحيطين به من بقايا الحرافيش القدامى ببدء المشاغبات، ضحكته المشاغبة الساحرة، كانت إذنا بحالة الشغب المثير والرائع بين كل فطاحل الثقافة والأدب والفن الذين يجلسون من حوله، هذا هو نجيب محفوظ ببساطته ومصريته، نموذج صادق لمعدن الإنسان الفطري في مشاعره الراقي بسمو في وعيه وحكمته وتفكيره.
في مساء (11 ديسمبر 1911م ) كانت زوجة عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا تعاني حالة ولادة متعثرة، ولم تستطع "الداية" فعل شيء إلا الاستنجاد بالزوج، الذي أسرع أحد أصدقائه بإحضار الدكتور "نجيب محفوظ" - الذي أصبح من أشهر أطباء النساء والتوليد في العالم- وأصر الأب على أن يسمي وليده باسم الدكتور القبطي الشهير" نجيب محفوظ".
كان نجيب أصغر الأبناء، لكنه عاش مع أبيه وأمه كأنه طفل وحيد؛ لأن الفارق الزمني بينه وبين أصغر إخوته كان لا يقل عن عشر سنوات، وكانوا كلهم رجالا ونساء قد تزوجوا وغادروا بيت العائلة، إلا أصغرهم الذي التحق بالكلية الحربية، ثم عمل بالسودان بعد تخرجه مباشرة، لذلك كانت علاقته بأمه علاقة وطيدة، وكان تأثيرها فيه عميقا، بعكس والده الذي كان طوال الوقت في عمله خارج البيت، وكان صموتا لا يتحدث كثيرا داخل البيت، ويصف نجيب والدته بأنها: "سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية.. وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار.. والغريب أن والدتي أيضا كانت دائمة التردد على المتحف المصري، وتحب قضاء أغلب 
الوقت في حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير "مار جرجس".. وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين و"مار جرجس" في نفس الوقت تقول "كلهم بركة" وتعتبرهم "سلسلة واحدة".. والحقيقة أنني تأثرت بهذا التسامح الجميل لأن الشعب المصري لم يعرف التعصب، وهذه هي روح الإسلام الحقيقية".
في العشاء الشعبي الذي كانت تقيمه له دوما مركب فرح بوت ولأصدقائه، فول، بصارة، طحينة، زيتون مخلل، عيش، باذنجان مخلل، طعمية، شوربة عدس، وجميع أنواع السلطات إلى جانب الطورشي البلدي، كان يسعد كاتبنا الكبير بالمحيط الشعبي الذي يحيطه، كان لا يأكل بأمر الطبيب، لكنه كان يستمتع بمشاهدة الأطعمة الشعبية المصرية وباستنشاق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه الحكيمة المقدسة،يذهب عنك الاكتئاب ولا يقفز في عقلك أثناء اندماجك معه في بورتريه خاص إلا نسائم الإبداع من فضاءاتها الفسيحة الرحبة، هكذا الإحساس حين تخترق رائحة تلك الأكلات الشعبية وجدان نجيب محفوظ فتنتعش أصالته، حتى وإن كان ممنوعاً من تناولها بأمر الطبيب.
قال له أحدهم وهو يداعبه: إذن فهي الشيخوخة يا نجيب بك، وليست حجة الطبيب.
فرد كاتبنا الكبير: الشيخوخة تنشد السلامة يا صديقي
وهنا دفعتني كلمته تلك إلى جملة قالها في أحدى رواياته والتي كان يرمي فيها إسقاطات سياسية رفيعة المستوى على ما آل عليه حكم البلاد في ذلك الوقت، صحت بفرح وقلت: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة"، في أي رواية كتبت تلك العبارة؟
كنت أعلم أن نجيب محفوظ ثقيل السمع ولكن فوجئ الحاضرون أنه أسبق الناس إلى الإجابة بكلمة واحدة: ميرامار
وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها قبلهم دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، يسمع كاتبنا إذن ما يريد أن يسمعه وتلك بادرة صحية، وهنا أدار كاتبنا وجهه بجديه شديدة إلى جموع الجالسين من حوله بعد أن انتصبوا بظهورهم قليلا بعيدا عن مائدة الطعام في انتباهه لما سيقوله، ووجدناه يقول: "ما جدوى الندم بعد الثمانين.."، وكأنه بهذه الجملة يلخص رواية ميرا مار بأكملها، ويسقط بجملته هذه نوعاً من الثورة ضد الواقع السياسي الذي يحياه الوطن الآن ونحن في معيته.
سألته مشاغباً - كما تعلمت فن المشاغبة الجميل والراقي من فطاحل الثقافة والفن والأدب المحيطين بنا في الجلسة - وقلت: ميرامار التي كان سيعتقلك عبد الناصر بسببها؟
ولكن كاتبنا كانت ملامح وجهه مازالت عابسة متجهمه وكان وكأنه ينظر إلى أعماقه، وكأنه ليس معنا، وهنا ردد عليه الجالس بجواره سؤالي بصوت مرتفع جداً، وهنا ضحك كاتبنا الكبير ضحكته المشاغبة الساحرة فعرفنا أنه عاد ثم قال: ليست ميرامار ولكنها ثرثرة فوق النيل، قرأها المشير عبد الحكيم عامر فقرر إعتقالي، تصور الرواية أنا كاتبها ضد الحكومة والنظام، ولكن الدكتور ثروت عكاشة – ربنا يحميه – جلس مع جمال عبد الناصر ونبهه : الرواية ليست ضد النظام، ولو إعتقلناه ياريس الناس مش هتسكت، ورجعت العربية بالعساكر قبل مايعتقلوني .. ربنا يحميه ثروت.

نجيب محفوظ رجل الثورة الصامتة

بقلم: محيي الدين إبراهيم
كان يستمتع بمشاهدة الأطعمة الشعبية المصرية وباستنشاق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه المقدسة،يذهب عنك الاكتئاب ولا يقفز في عقلك أثناء اندماجك معه إلا نسائم الإبداع من فضاءاتها الفسيحة الرحبة، هكذا الإحساس حين تخترق رائحة تلك الأكلات الشعبية وجدان نجيب محفوظ فتنتعش أصالته، حتى وإن كان ممنوعاً من تناولها بأمر الطبيب.


سيداتي آنساتي سادتي
رغم كل ما يجرى حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتى النهاية. لا أقول مع الفيلسوف "كانت" إن الخير سينتصر في العالم الآخر. فإنه يحرز نصرا كل يوم. بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير. وأمامنا الدليل الذي لا يجحد. فلولا النصر الغالب للخير ما استطاعت شراذم من البشر الهائمة على وجهها عرضة للوحوش والحشرات والكوارث الطبيعية والأوبئة والخوف والأنانية. أقول لولا النصر الغالب للخير ما استطاعت البشرية أن تنمو وتتكاثر وتكون الأمم وتكتشف وتبدع وتخترع وتغزو الفضاء وتعلن حقوق الإنسان: غاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره. وقد صدق شاعرنا أبو العلاء عندما قال :إن حـــزنا ســاعـة المـــوت أضعاف سرور ساعة الميلاد.
نجيب محفوظ ( معي ) وجمال الغيطاني والناقد توفيق حنا في مركب فرح بوت

بهذه الكلمات المعبرة أختتم نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا كلمته على لسان عائشة ابنته لجمهور المحتفلين به من جميع أنحاء العالم ليلة تسلمه جائزة نوبل عام 1988، وحيث كانت هناك مشكلة كبرى في أن كل مهتم بالأدب وقتها من الأجانب والغرب يجهل اسم نجيب محفوظ تماماً ولا يعلمه ولا يعرفه، لقد أضافت عليه تلك الجائزة شعبية عالمية في الخارج، توازي وربما أكثر من شعبيته في الداخل، الآن نجيب محفوظ قامة أدبية عالمية، ورواياته التي كتبها طوال عمره أصبحت تترجم إلى العديد من لغات العالم، ولا يحتاج المترجم الأجنبي أن يقول : الكاتب المصري، فقط يقول : نجيب محفوظ فيرى العالم في اسمه روح مصر. 
يبتسم نجيب محفوظ وهو يقول للمحيطين به في مركب فرح بوت على نيل القاهرة: لو كانت جائزة نوبل في حياة طه حسين ما كنت خرجت من بيتي ولا كنت تسلمتها، ثم يتذكر مداعباً ويقول: حين تقدمت في عام 1930م للدراسة في كلية الآداب، اخترت قسم الفلسفة، وكان في ذلك الحين الدكتور طه حسين هو عميد الكلية، كان يستقبل الطلاب الجدد بنفسه، ويتحاور معهم ليتأكد من خلال الحوار هل أحسنوا الاختيار بدخولهم الأقسام التي اختاروها في الكلية أم لا؟ وربما كان دافعه أن يوجههم للقسم المناسب إن كان أيا منهم – من وجهة نظر طه حسين طبعاً – لم يوفق في الاختيار الصحيح، وجاء دوري في الحوار وسألني العميد طه حسين عن سبب اختياري لقسم الفلسفة بكلية الآداب دون غيرها، فأخذت أعبر له عن رأيي في أسباب اختياري لقسم الفلسفة وأهميته و.. و.. و.. ، عندئذ قال لي د. طه حسين مداعبا، إنك حقا تصلح لدخول قسم الفلسفة، فكلامك غير مفهوم، ويضحك نجيب محفوظ ضحكة مجلجلة مازلت أتذكر رنين وقعها على أذني حتى اليوم وكأنه بهذه الضحكة التي يتميز بها وصارت داله على شخصه يشير للمحيطين به من بقايا الحرافيش القدامى ببدء المشاغبات، ضحكته المشاغبة الساحرة، كانت إذنا بحالة الشغب المثير والرائع بين كل فطاحل الثقافة والأدب والفن الذين يجلسون من حوله، هذا هو نجيب محفوظ ببساطته ومصريته، نموذج صادق لمعدن الإنسان الفطري في مشاعره الراقي بسمو في وعيه وحكمته وتفكيره.
في مساء (11 ديسمبر 1911م ) كانت زوجة عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا تعاني حالة ولادة متعثرة، ولم تستطع "الداية" فعل شيء إلا الاستنجاد بالزوج، الذي أسرع أحد أصدقائه بإحضار الدكتور "نجيب محفوظ" - الذي أصبح من أشهر أطباء النساء والتوليد في العالم- وأصر الأب على أن يسمي وليده باسم الدكتور القبطي الشهير" نجيب محفوظ".
كان نجيب أصغر الأبناء، لكنه عاش مع أبيه وأمه كأنه طفل وحيد؛ لأن الفارق الزمني بينه وبين أصغر إخوته كان لا يقل عن عشر سنوات، وكانوا كلهم رجالا ونساء قد تزوجوا وغادروا بيت العائلة، إلا أصغرهم الذي التحق بالكلية الحربية، ثم عمل بالسودان بعد تخرجه مباشرة، لذلك كانت علاقته بأمه علاقة وطيدة، وكان تأثيرها فيه عميقا، بعكس والده الذي كان طوال الوقت في عمله خارج البيت، وكان صموتا لا يتحدث كثيرا داخل البيت، ويصف نجيب والدته بأنها: "سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية.. وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار.. والغريب أن والدتي أيضا كانت دائمة التردد على المتحف المصري، وتحب قضاء أغلب 
الوقت في حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير "مار جرجس".. وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين و"مار جرجس" في نفس الوقت تقول "كلهم بركة" وتعتبرهم "سلسلة واحدة".. والحقيقة أنني تأثرت بهذا التسامح الجميل لأن الشعب المصري لم يعرف التعصب، وهذه هي روح الإسلام الحقيقية".
في العشاء الشعبي الذي كانت تقيمه له دوما مركب فرح بوت ولأصدقائه، فول، بصارة، طحينة، زيتون مخلل، عيش، باذنجان مخلل، طعمية، شوربة عدس، وجميع أنواع السلطات إلى جانب الطورشي البلدي، كان يسعد كاتبنا الكبير بالمحيط الشعبي الذي يحيطه، كان لا يأكل بأمر الطبيب، لكنه كان يستمتع بمشاهدة الأطعمة الشعبية المصرية وباستنشاق رائحتها التي شبهها يوماً وكأنها النيل حينما تطالعك صفحة مياهه الحكيمة المقدسة،يذهب عنك الاكتئاب ولا يقفز في عقلك أثناء اندماجك معه في بورتريه خاص إلا نسائم الإبداع من فضاءاتها الفسيحة الرحبة، هكذا الإحساس حين تخترق رائحة تلك الأكلات الشعبية وجدان نجيب محفوظ فتنتعش أصالته، حتى وإن كان ممنوعاً من تناولها بأمر الطبيب.
قال له أحدهم وهو يداعبه: إذن فهي الشيخوخة يا نجيب بك، وليست حجة الطبيب.
فرد كاتبنا الكبير: الشيخوخة تنشد السلامة يا صديقي
وهنا دفعتني كلمته تلك إلى جملة قالها في أحدى رواياته والتي كان يرمي فيها إسقاطات سياسية رفيعة المستوى على ما آل عليه حكم البلاد في ذلك الوقت، صحت بفرح وقلت: "الشباب يبحث عن المغامرة والشيخوخة تنشد السلامة"، في أي رواية كتبت تلك العبارة؟
كنت أعلم أن نجيب محفوظ ثقيل السمع ولكن فوجئ الحاضرون أنه أسبق الناس إلى الإجابة بكلمة واحدة: ميرامار
وهنا صفق الجميع إذ أدهشهم أنه سمع الجملة وأجاب عليها قبلهم دون أن ينقلها له أحدهم بصوت مرتفع، يسمع كاتبنا إذن ما يريد أن يسمعه وتلك بادرة صحية، وهنا أدار كاتبنا وجهه بجديه شديدة إلى جموع الجالسين من حوله بعد أن انتصبوا بظهورهم قليلا بعيدا عن مائدة الطعام في انتباهه لما سيقوله، ووجدناه يقول: "ما جدوى الندم بعد الثمانين.."، وكأنه بهذه الجملة يلخص رواية ميرا مار بأكملها، ويسقط بجملته هذه نوعاً من الثورة ضد الواقع السياسي الذي يحياه الوطن الآن ونحن في معيته.
سألته مشاغباً - كما تعلمت فن المشاغبة الجميل والراقي من فطاحل الثقافة والفن والأدب المحيطين بنا في الجلسة - وقلت: ميرامار التي كان سيعتقلك عبد الناصر بسببها؟
ولكن كاتبنا كانت ملامح وجهه مازالت عابسة متجهمه وكان وكأنه ينظر إلى أعماقه، وكأنه ليس معنا، وهنا ردد عليه الجالس بجواره سؤالي بصوت مرتفع جداً، وهنا ضحك كاتبنا الكبير ضحكته المشاغبة الساحرة فعرفنا أنه عاد ثم قال: ليست ميرامار ولكنها ثرثرة فوق النيل، قرأها المشير عبد الحكيم عامر فقرر إعتقالي، تصور الرواية أنا كاتبها ضد الحكومة والنظام، ولكن الدكتور ثروت عكاشة – ربنا يحميه – جلس مع جمال عبد الناصر ونبهه : الرواية ليست ضد النظام، ولو إعتقلناه ياريس الناس مش هتسكت، ورجعت العربية بالعساكر قبل مايعتقلوني .. ربنا يحميه ثروت.

الخميس، 21 أبريل 2011

الثورة المضادة في مصر والمماليك الجدد

بقلم: محيي الدين إبراهيم
على قادة الثورة المضادة الآن في مصر أو المماليك الجدد الذين يظنون أن مصر بثورة 25 يناير 2011 بعد مائتي عام من ذكرى التخلص من المماليك القدامى قد اصبحت دولة ضعيفة وتنتابها الفوضى وأن لهم الحق في إشاعة الفوضى وقطع الطرق ورفع شعارات طائفية انهم سيحققون ما يظنون أنه سهل المنال فهم واهمون، لأن مصر أقوى مما يتوقعوا ومن حلفائهم في الشرق والغرب.
قال اينشتاين: اثنان لا حدود لهما .. الكون الواسع .. والغباء الإنساني.
تمر علينا هذه الأيام الذكري المئتين لمذبحة المماليك الثالثة والأخيرة على يد الضابط محمد علي ( 1مارس – 22 ابريل ) من عام 1811، وأقول ذكرى ولا أقول احتفالا لأن مصر لا تحتفل بها أبدا رغم أنها كانت القنطرة الوحيدة للعبور إلى مصر الحديثة إذ يعتبر التاريخ أن محمد على أبو مصر الحديثة وصاحب شعار ( مصر للمصريين ).
يقول كارل كوستاف يونج، مؤسس علم النفس التحليلي ( 1875 – 1961 ) والذي ساعد مكتب الخدمات الاستراتيجية في تحليل شخصية الزعماء النازيين لصالح الولايات المتحدة ما مفاده أن الأمم العظيمة تستلهم في حاضرها أحداثاً بعينها من تاريخها حتى ليتراءى لنا أن التاريخ يعيد نفسه، فهل تستلهم مصر اليوم تاريخها منذ مائتي عام حينما تخلص محمد علي باشا من المماليك ( الثورة المضادة ) وتتخلص هي ايضا وشباب ثورة 25 يناير ( شباب التغيير ) من الثورة المضادة ( المماليك الجدد ) ودعاة تقسيم مصر وقادة مناهج الفتنة الذين يستقووا بالغرب وبأميركا وبعض دول الجوار ضد مصر وابناء شعبهم الواحد من المصريين حسب زعم " يونج " نقول ربما!
كان محمد علي (4 مارس 1769 - 2 أغسطس 1849) هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية والتي كان قوامها ثلاثمائة جندي، حينما نزل إلي مصر لعقاب الخونة من جواسيس المماليك الذين فتحوا مصر لفرنسا عام 1798 ( كانت الحملة الفرنسية مكونة من 30 الف محارب ) ونجاحهم في ذلك الى حد ما، ولكنهم – أي المماليك – بعد انتصار محمد علي السريع في عدة مواقع، سلموا مصر مرة اخرى لأعدائها ولكن هذه المرة للإنجليز حيث كان أمين بك محافظاً على رشيد وسلمها بالكامل للكولونيل فريزر قائد الأسطول الانجليزي مقابل حماية الإنجليز للمماليك وأن يخلصهم من محمد على لتستمر الحرب بين الإنجليز والمصريين قرابة العامين وتنتهي بانتصار المصريين وحيث يشاهد محمد علي فيها وبأم عينه عظمة المقاتل المصري ضد اعدائه في الداخل والخارج وربما يبوح بذلك عن عمد للشيخ عبد الله الشرقاوي، الذي كان قد ترأس الديوان الاستشاري الذي اسسه نابليون حينما غزا مصر ليستميل أهلها وكان ذلك الديوان مؤلفاً من المشايخ والعلماء المسلمين ومكونا من11عالما.
كان الشيخ عبدالله الشرقاوي يشك قليلا في محمد علي، يخشى أن يضحك عليه كما ضحك نابليون على المصريين، ضحك على المشايخ والأئمة وعلى الشيخ عبدالله الشرقاوي نفسه، وزعم انه الشيخ علي بونابردي باشا الفرنساوي، وكان يتجوّل في شوارع القاهرة وهو يرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب، وكان يتردد إلى المساجد في أيام الجمع ويسهم بالشعائر الدينية التقليدية بالصلاة ويؤم المصلين، ويردد عليهم بعد صلاة العشاء في ليلة الجمعة أن الإسلام كالمسيحية تفسدهما السياسة ويلعب القائمون عليهما بالنار إذا تخطوا حدود أماكن العبادة لأنهم يتركون مملكة الله ويدخلون مملكة الشيطان‏ وكان دائما ما ينهي خطبته للمصلين بهذا الدعاء : ادام الله اجلال السلطان العثماني، ادام الله اجلال العسكر الفرنساوي، لعن الله المماليك، واصلح حال الأمة المصرية" وقد اساء بونابرت التصرف ببشاعة وصلت لحد القتل والاغتيال مع المسيحيين المصريين بعد رفضهم التعاون معه في احتلال مصر مقابل تسليمهم مفاتيح مدينة القدس وكان يبرر اساءته للمسيحين في مصر بقوله حتى تقولوا لأمتكم أيها المسلمون ان الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون وإثبات ذلك ماثل للعيان وانهم قبل ذلك قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، وهو ما كان يدفع المصريين لأن لا يصلوا ورائه ويتركوه مذعورين الى مساجد اخرى وهو ما دفعه – ربما - لتكوين ديوان استشاري ذلك الديوان الذي خدع به الناس وعلى رأسهم الشيخ عبد الله الشرقاوي بعد أن فشلت مساعيه الشخصية وبنفسه في فتنة شعب مصر.
ينظر الشيخ عبد الله الشرقاوي لمحمد علي، يتفحصه، يدرك أن محمد علي مثله الأعلى نابليون بونابرت، يقول له: لقد شنق بونابرت الشيخ محمد كريم أمام أعيننا في ميدان الرميلة بالقاهرة المحروسة، قتل المشايخ والقساوسة بجانب المماليك وانني لم اقبل رئاسة الديوان الذي أنشأه وأنا أعلم نواياه إلا للحفاظ على بقية الأئمة من القتل والاغتيال، ولكن هذا أيضا لم يشفع لي عند كثير من المصريين.
كان محمد علي يؤمن فعلا بنابليون بونابرت، يعشقه الى حد النخاع كرجل وقائد عسكري، ويردد مقولته الشهيرة: من يحكم مصر بإمكانه أن يغير التاريخ‏، وأن يحكم العالم، كان محمد علي لا يريد من الشيخ عبد الله الشرقاوي إلا أن يزكيه عند عمر مكرم كبير القاهرة، أو قل كبير الكبراء في القاهرة المحروسة، إن آمن به عمر بك مكرم فلا جدال أن يصبح محمد علي واليا على مصر لما لهذا الرجل من كلمة نافذة واحترام عند السلطان العثماني.
آمن شباب المصريين من ابناء الفلاحين بمحمد علي، كانوا يصورونه في حكاياتهم الشعبية أمام البيوت في القري كأنه رسول العدل من السماء، انه أرحم على الفلاحين من المماليك، بل وأخذ يضم بعض ابناء الفلاحين للأرناؤوط وعساكر الأرناؤوط الألبان رغم جهلهم بفنون القراءة والكتابة بل وفنون القتال أيضاً لكنهم كانوا مؤمنين بالتغيير ولديهم الروح والطموح والانتماء الذي يمكنهم من تحقيق هذه الغاية، إنها روح المقاتل الشريف، هذا ما آمن به محمد علي في أبناء الفلاحين وكان هذا الإيمان بمثابة كلمة السر التي فتحت له قلب واحترام عمر بك مكرم حتى قبل أن يزكيه الشيخ عبد الله الشرقاوي وليصير محمد علي بالفعل واليا على مصر عام 1805 وسط إجماع شعبي منقطع النظير لأنه اختيار شباب التغيير، اختيار الفلاحين الذين أقاموا أفراح شعبية في القرى والنجوع وشوارع القاهرة المحروسة استمرت أكثر من شهر تقريباً، كان يوزع فيها محمد علي الأطعمة بنفسه أحيانا على أهالي القاهرة، وهو ما أثار غيرة المماليك وحتى زملائه الضباط أيضاً الذين جاءوا معه من ألبانيا، وقامت عدة محاولات باغتياله فشلت جميعها بسبب تصدي المصريين ( أبناء الفلاحين ) لها.
لقد بدأت الثورة المضادة بالفعل، ووصلت بفساد قادتها للحد الذي جعلهم يدعون لتقسيم مصر إلى ولايات وإمارات وأن يستعينوا بالإنجليز على ذلك بل ويسهلوا لهم احتلال مصر ويسلم بالفعل أمين بك محافظ رشيد المدينة بالكامل للكولنيل الإنجليزي "فريزر" مقابل بقاءه واليا على الوجه البحري وكذلك التخلص من محمد علي بك وهو الأمر الذي دعا المصريين لأن يقاتلوا لمدة عامين ضد الإنجليز ومعهم كل قادة الثورة المضادة من المماليك والذين عاونوهم وساعدوهم على غزو الإنجليز لمصر مقابل مصالحهم الشخصية واعتلاء الحكم رغما عن المصريين أنفسهم، وقد قتل في هذه الحرب الى جانب عسكر الإنجليز اكثر من عشرة ألاف مملوك على ما اقترفت ايديهم في حق مصر واستعانتهم واستقوائهم بالأجانب ضد اهل البلد، ولكن هرب أمين بك للصعيد واحتمى برهبان الكنيسة الكاثوليكية التي انشأتها حملة نابليون في اسيوط وكذلك الأخرى الموجودة بجوار مسجد قنصوه الغوري في القاهرة المحروسة والتي كان الغرض من انشائهما القضاء على سلطة الكنيسة القبطية نهائيا.
لابد إذن من القضاء على الثورة المضادة الآن، وكانت مذبحة القلعة في 1 مارس عام 1811 بعد الانتصار على الانجليز ببضعة اشهر ومنذ مائتي عام بالضبط من الآن.
كانت مجزرة رهيبة قتل فيها ألف ومائتين من اعظم قادة المماليك، والمدهش أنه لم ينجو من هذه المذبحة إلا أمين بك الخائن الذي سلم مصر للإنجليز حيث قفز بحصانه من فوق سور القلعة وبدلا من أن يهرب للرهبان الكاثوليك في اسيوط هرب إلى دمشق عاصمة الشام، وظل الأرناؤوط لمدة أيام يجوسون فيها خلال الديار ويقتلوا اي مملوك يجدونه حتى ولو كان عمره عام واحد، وتخلص محمد علي من المماليك للأبد ومن قادة الثورة المضادة نهائياً.
كان أمام الأزهر والكنيسة القبطية ومدارس اليهود بالإسكندرية اختيار واحد من اثنين لا ثالث لهما، إما أن ينفتحوا على العلوم الدنيوية بما يخدم الإمبراطورية المصرية تحت قيادة محمد علي أو أن يشنق قادة هذه المنابر جميعا دون رحمة ويأتي بقوم غيرهم، حيث كانت تلك الأماكن هي حظيرة المثقفين الوحيدة في مصر وكان عدد المتعلمين في مصر لا يتعدى بضعة آلاف أو ربما مئات في الطوائف الثلاث، وكل منهم له لغته التي يقوم بتدريسها ولكل منهم أمته وقومه، فرفع شعار مصر للمصريين، وضم الثلاثة تحت لواء مصر وجعلهم يختاروا النوابغ من ابناء كل طائفة لأرسالهم في بعثات لأوروبا على أن يعودوا لخدمة مصر وتعليم أبناء مصر، فقوة الجيش الذي يحلم أن تتكون به أمبراطوريته لن تكون بجحافل من الجهلاء ( كالأمن المركزي حالياً ) فالجهل عين الهزيمة ورحم الاستعباد والذل، واستجاب قادة الطوائف الثلاث لتحقيق الحلم وفي عام 1815 تقريبا كانت مصر ولأول مرة منذ 500 عام دولة واحدة وأمة واحدة بأقباطها ومسلميها ويهودها، وكان يتعلم أبناء المصريين في أي دار علم شاءوا وتفوقت مدارس الكنيسة القبطية في تدريس مناهج المحاسبة و العقود وكل ما يخص أرشفة وبناء الدولة الحديثة وكانت أحيانا تخرج الكنيسة من مدارسها عددا من طلابها المسلمين يفوق عددهم عدد المسيحيين، وتفوق الأزهر في القانون واللغات وحتى تكون علومه للمصريين عامة كون المدارس المدنية التي كان على رأسها مدرسة الألسن للطهطاوي أحد مبعوثي محمد علي النابهين لفرنسا وكان طلابها من المصريين جميعا مسلمين وأقباط ويهود، عشق المصريون محمد علي إلى حد الثمالة.
انتهت الثورة المضادة إذن باستئصال شأفة قادتها ( بالعنف للأسف فلم يكن يجدي مع هؤلاء الأغبياء سوى العنف)، تم استئصال شأفة دعاة التقسيم، وقادة الفتنة، وكل من جعل ولاءه للمماليك أو للقوى الخارجية واستقوى بالإنجليز أو الفرنساوية على مصر تحت خدعة وكذبة خوفه على مصر، انتهت الثورة المضادة وضاع قادتها للأبد في مزبلة التاريخ، وحتى يضمن محمد علي بقاء أمبراطوريته واتساعها وقوتها كان عليه أن يجهز من شباب التغيير المؤمنين بحتمية التغيير ومن ابناء الفلاحين المتعلمين قاعدة جيشه، وللأسف يذكر مؤرخي ما بعد ثورة 1952 أن محمد علي استعان بالمماليك لتكوين نواة جيشه وهي مسألة عجيبة في تقديري الغرض منها تشويه صورة محمد على مقابل رجال ثورة 52 خاصة بعد التخلص من أخر ملوك اسرته الملك فاروق الأول وحتى لا يجعلوه صاحب جميل كونه أبو مصر الحديثة، إذ كيف تكون كل هذه العداوة بينه وبين المماليك ويكون جيشه من المماليك؟، مسألة عجيبة فعلاً، لقد كانت نواة الجيش الأولى من ابناء الفلاحين المصريين الذين يؤمن بهم محمد علي جداً، ويؤمن أنه بهم وبهم فقط سيحقق مقولة نابليون التي تتردد في آذانه ليل نهار: من يحكم مصر بإمكانه أن يغير التاريخ‏، وأن يحكم العالم، وفي عام 1819 كانت اسوان هي المقر لأول كلية دفاع في تاريخ مصر تحوي 100 جندي مصري من ابناء الفلاحين ويعلمهم فنون الحرب والدعم اللوجيستي علي مدي ثلاث سنوات العقيد سليمان باشا الفرنساوي أو العقيد أوكتاف جوزيف انتلم سف Joseph François Anthelme Sève أحد أهم قادة جيش نابليون بونابرت ضد روسيا، لينتصر شباب التغيير لدرجة أن يضعوا علم مصر فوق منابع النيل بأثيوبيا ويقولون لإمبراطورها في ذلك الوقت هكذا إذن صارت منابع النيل مصرية.
على قادة الثورة المضادة الآن في مصر أو المماليك الجدد الذين يظنون أن مصر بثورة 25 يناير 2011 بعد مائتي عام من ذكرى التخلص من المماليك القدامى قد اصبحت دولة ضعيفة وتنتابها الفوضى وأن لهم الحق في أن يدعوا بغباء انساني تقسيمها إلى ثلاث إمارات اسلامية وقبطية ونوبية، وان يصنعوا ميليشات لإشاعة الفوضى وقطع الطرق السريعة في القاهرة والمحور وسكك حديد قنا مع رفع شعارات طائفية انهم سيحققون ما يظنون أنه سهل المنال فهم واهمون، لأن مصر أقوى مما يتوقعوا أقوى منهم ومن حلفائهم في الشرق والغرب، ومصر تنظر أليهم الآن لتعرفهم واحدا واحداً وتثبت عليهم تهمة التآمر بألسنتهم، زكريا عزمي نفسه لم يدخل السجن ويتم التحقيق معه إلا بعد حوار تلفزيوني له مع أحد البرامج، وكما يقول المثل العربي " جنت على نفسها براقش" وهكذا يجني على أنفسهم بالنباح المماليك الجدد، لقد دعا شباب التغيير كل الذين استبعدوا من مصر خلال العهد السابق الفاسد والغارق في الفساد بكل مماليكه من رئيسهم المخلوع ووريثة وحتى أقل مملوك فيهم، دعا شباب التغيير كل المصريين الغرباء في المهجر القسري إلى أن يعودوا لمصر، فعاد منهم الآلاف بعد غياب دام لأكثر من ثلاثين عاما ولكن بعضهم عاد بالفتنة، عاد متصورا أنه يمكنه أن يعلن نفسه زعيما أو يقتسم غنيمة أو يصنع أتباع، أو يتولى أمارة أو جزء من أرض مصر يحكم فيه حلفائه واتباعه، وغرق هؤلاء التائهون الواهمون في غبائهم الإنساني وعرفتهم مصر بدءا من قادة معركة ( الظرايب ) بالظاء عمدا وليس الزاى من مماليك المهجر الأوروبي والأمريكي ، وانتهاء بمماليك امارة قنا الإسلامية مماليك مهجر افغانستان وشيشنيا، لقد شهدوا على انفسهم، وحين يستقر محمد علي الجديد، وبالمناسبة هو ليس شخص الرئيس القادم ولكن شخص النظام القادم الذي سيحكم من وراء الرئيس القادم ومن وراء برلمانه، حين يستقر هذا المحمد علي باشا الجديد، وتحت شعار مصر ابنة الجيش، الذي راح ضحيته حسني مبارك بسبب وريثه المدني، سيتم التخلص من كل المماليك الجدد، وحلفائهم وأبواق اعلامهم وتلفزيوناتهم حتى تكتظ بهم مزرعة طرة ومن حولها مع قادتهم القابعين فيها الآن على ذمة التحقيق وعلى رأسهم الرئيس المخلوع وحاشية قصره وورثة فساده، مصر قوية بجيشها، مصر قوية بشباب التغيير الذي قدم حياته لبناء مصر الحديثة، مصر لن تتراجع حتى عن عقاب من يحاولوا طمس ملامح نورها الجديد وفجرها الجديد وحريتها الجديدة بعد ثلاثين عاماً من قهر جبابرة العصر الحديث وقائدهم مبارك.
في الذكرى المائتين لمذبحة المماليك القدامى في القلعة عام 1811 في مثل هذا التاريخ ومثل هذا الشهر، نقول للمماليك الجدد قادة الثورة المضادة في مصر اليوم وقادة التقسيم والفتنة كما قال كارل كوستاف يونج، مؤسس علم النفس التحليلي أن مصر ربما تكون الآن في حالة استلهام لأحداث الماضي من تاريخها وربما يعيد التاريخ نفسه فأحذروه واحذروا بطشة المصريين إذا غضبوا. 

الثورة المضادة في مصر والمماليك الجدد

بقلم: محيي الدين إبراهيم
على قادة الثورة المضادة الآن في مصر أو المماليك الجدد الذين يظنون أن مصر بثورة 25 يناير 2011 بعد مائتي عام من ذكرى التخلص من المماليك القدامى قد اصبحت دولة ضعيفة وتنتابها الفوضى وأن لهم الحق في إشاعة الفوضى وقطع الطرق ورفع شعارات طائفية انهم سيحققون ما يظنون أنه سهل المنال فهم واهمون، لأن مصر أقوى مما يتوقعوا ومن حلفائهم في الشرق والغرب.
قال اينشتاين: اثنان لا حدود لهما .. الكون الواسع .. والغباء الإنساني.
تمر علينا هذه الأيام الذكري المئتين لمذبحة المماليك الثالثة والأخيرة على يد الضابط محمد علي ( 1مارس – 22 ابريل ) من عام 1811، وأقول ذكرى ولا أقول احتفالا لأن مصر لا تحتفل بها أبدا رغم أنها كانت القنطرة الوحيدة للعبور إلى مصر الحديثة إذ يعتبر التاريخ أن محمد على أبو مصر الحديثة وصاحب شعار ( مصر للمصريين ).
يقول كارل كوستاف يونج، مؤسس علم النفس التحليلي ( 1875 – 1961 ) والذي ساعد مكتب الخدمات الاستراتيجية في تحليل شخصية الزعماء النازيين لصالح الولايات المتحدة ما مفاده أن الأمم العظيمة تستلهم في حاضرها أحداثاً بعينها من تاريخها حتى ليتراءى لنا أن التاريخ يعيد نفسه، فهل تستلهم مصر اليوم تاريخها منذ مائتي عام حينما تخلص محمد علي باشا من المماليك ( الثورة المضادة ) وتتخلص هي ايضا وشباب ثورة 25 يناير ( شباب التغيير ) من الثورة المضادة ( المماليك الجدد ) ودعاة تقسيم مصر وقادة مناهج الفتنة الذين يستقووا بالغرب وبأميركا وبعض دول الجوار ضد مصر وابناء شعبهم الواحد من المصريين حسب زعم " يونج " نقول ربما!
كان محمد علي (4 مارس 1769 - 2 أغسطس 1849) هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية والتي كان قوامها ثلاثمائة جندي، حينما نزل إلي مصر لعقاب الخونة من جواسيس المماليك الذين فتحوا مصر لفرنسا عام 1798 ( كانت الحملة الفرنسية مكونة من 30 الف محارب ) ونجاحهم في ذلك الى حد ما، ولكنهم – أي المماليك – بعد انتصار محمد علي السريع في عدة مواقع، سلموا مصر مرة اخرى لأعدائها ولكن هذه المرة للإنجليز حيث كان أمين بك محافظاً على رشيد وسلمها بالكامل للكولونيل فريزر قائد الأسطول الانجليزي مقابل حماية الإنجليز للمماليك وأن يخلصهم من محمد على لتستمر الحرب بين الإنجليز والمصريين قرابة العامين وتنتهي بانتصار المصريين وحيث يشاهد محمد علي فيها وبأم عينه عظمة المقاتل المصري ضد اعدائه في الداخل والخارج وربما يبوح بذلك عن عمد للشيخ عبد الله الشرقاوي، الذي كان قد ترأس الديوان الاستشاري الذي اسسه نابليون حينما غزا مصر ليستميل أهلها وكان ذلك الديوان مؤلفاً من المشايخ والعلماء المسلمين ومكونا من11عالما.
كان الشيخ عبدالله الشرقاوي يشك قليلا في محمد علي، يخشى أن يضحك عليه كما ضحك نابليون على المصريين، ضحك على المشايخ والأئمة وعلى الشيخ عبدالله الشرقاوي نفسه، وزعم انه الشيخ علي بونابردي باشا الفرنساوي، وكان يتجوّل في شوارع القاهرة وهو يرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب، وكان يتردد إلى المساجد في أيام الجمع ويسهم بالشعائر الدينية التقليدية بالصلاة ويؤم المصلين، ويردد عليهم بعد صلاة العشاء في ليلة الجمعة أن الإسلام كالمسيحية تفسدهما السياسة ويلعب القائمون عليهما بالنار إذا تخطوا حدود أماكن العبادة لأنهم يتركون مملكة الله ويدخلون مملكة الشيطان‏ وكان دائما ما ينهي خطبته للمصلين بهذا الدعاء : ادام الله اجلال السلطان العثماني، ادام الله اجلال العسكر الفرنساوي، لعن الله المماليك، واصلح حال الأمة المصرية" وقد اساء بونابرت التصرف ببشاعة وصلت لحد القتل والاغتيال مع المسيحيين المصريين بعد رفضهم التعاون معه في احتلال مصر مقابل تسليمهم مفاتيح مدينة القدس وكان يبرر اساءته للمسيحين في مصر بقوله حتى تقولوا لأمتكم أيها المسلمون ان الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون وإثبات ذلك ماثل للعيان وانهم قبل ذلك قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، وهو ما كان يدفع المصريين لأن لا يصلوا ورائه ويتركوه مذعورين الى مساجد اخرى وهو ما دفعه – ربما - لتكوين ديوان استشاري ذلك الديوان الذي خدع به الناس وعلى رأسهم الشيخ عبد الله الشرقاوي بعد أن فشلت مساعيه الشخصية وبنفسه في فتنة شعب مصر.
ينظر الشيخ عبد الله الشرقاوي لمحمد علي، يتفحصه، يدرك أن محمد علي مثله الأعلى نابليون بونابرت، يقول له: لقد شنق بونابرت الشيخ محمد كريم أمام أعيننا في ميدان الرميلة بالقاهرة المحروسة، قتل المشايخ والقساوسة بجانب المماليك وانني لم اقبل رئاسة الديوان الذي أنشأه وأنا أعلم نواياه إلا للحفاظ على بقية الأئمة من القتل والاغتيال، ولكن هذا أيضا لم يشفع لي عند كثير من المصريين.
كان محمد علي يؤمن فعلا بنابليون بونابرت، يعشقه الى حد النخاع كرجل وقائد عسكري، ويردد مقولته الشهيرة: من يحكم مصر بإمكانه أن يغير التاريخ‏، وأن يحكم العالم، كان محمد علي لا يريد من الشيخ عبد الله الشرقاوي إلا أن يزكيه عند عمر مكرم كبير القاهرة، أو قل كبير الكبراء في القاهرة المحروسة، إن آمن به عمر بك مكرم فلا جدال أن يصبح محمد علي واليا على مصر لما لهذا الرجل من كلمة نافذة واحترام عند السلطان العثماني.
آمن شباب المصريين من ابناء الفلاحين بمحمد علي، كانوا يصورونه في حكاياتهم الشعبية أمام البيوت في القري كأنه رسول العدل من السماء، انه أرحم على الفلاحين من المماليك، بل وأخذ يضم بعض ابناء الفلاحين للأرناؤوط وعساكر الأرناؤوط الألبان رغم جهلهم بفنون القراءة والكتابة بل وفنون القتال أيضاً لكنهم كانوا مؤمنين بالتغيير ولديهم الروح والطموح والانتماء الذي يمكنهم من تحقيق هذه الغاية، إنها روح المقاتل الشريف، هذا ما آمن به محمد علي في أبناء الفلاحين وكان هذا الإيمان بمثابة كلمة السر التي فتحت له قلب واحترام عمر بك مكرم حتى قبل أن يزكيه الشيخ عبد الله الشرقاوي وليصير محمد علي بالفعل واليا على مصر عام 1805 وسط إجماع شعبي منقطع النظير لأنه اختيار شباب التغيير، اختيار الفلاحين الذين أقاموا أفراح شعبية في القرى والنجوع وشوارع القاهرة المحروسة استمرت أكثر من شهر تقريباً، كان يوزع فيها محمد علي الأطعمة بنفسه أحيانا على أهالي القاهرة، وهو ما أثار غيرة المماليك وحتى زملائه الضباط أيضاً الذين جاءوا معه من ألبانيا، وقامت عدة محاولات باغتياله فشلت جميعها بسبب تصدي المصريين ( أبناء الفلاحين ) لها.
لقد بدأت الثورة المضادة بالفعل، ووصلت بفساد قادتها للحد الذي جعلهم يدعون لتقسيم مصر إلى ولايات وإمارات وأن يستعينوا بالإنجليز على ذلك بل ويسهلوا لهم احتلال مصر ويسلم بالفعل أمين بك محافظ رشيد المدينة بالكامل للكولنيل الإنجليزي "فريزر" مقابل بقاءه واليا على الوجه البحري وكذلك التخلص من محمد علي بك وهو الأمر الذي دعا المصريين لأن يقاتلوا لمدة عامين ضد الإنجليز ومعهم كل قادة الثورة المضادة من المماليك والذين عاونوهم وساعدوهم على غزو الإنجليز لمصر مقابل مصالحهم الشخصية واعتلاء الحكم رغما عن المصريين أنفسهم، وقد قتل في هذه الحرب الى جانب عسكر الإنجليز اكثر من عشرة ألاف مملوك على ما اقترفت ايديهم في حق مصر واستعانتهم واستقوائهم بالأجانب ضد اهل البلد، ولكن هرب أمين بك للصعيد واحتمى برهبان الكنيسة الكاثوليكية التي انشأتها حملة نابليون في اسيوط وكذلك الأخرى الموجودة بجوار مسجد قنصوه الغوري في القاهرة المحروسة والتي كان الغرض من انشائهما القضاء على سلطة الكنيسة القبطية نهائيا.
لابد إذن من القضاء على الثورة المضادة الآن، وكانت مذبحة القلعة في 1 مارس عام 1811 بعد الانتصار على الانجليز ببضعة اشهر ومنذ مائتي عام بالضبط من الآن.
كانت مجزرة رهيبة قتل فيها ألف ومائتين من اعظم قادة المماليك، والمدهش أنه لم ينجو من هذه المذبحة إلا أمين بك الخائن الذي سلم مصر للإنجليز حيث قفز بحصانه من فوق سور القلعة وبدلا من أن يهرب للرهبان الكاثوليك في اسيوط هرب إلى دمشق عاصمة الشام، وظل الأرناؤوط لمدة أيام يجوسون فيها خلال الديار ويقتلوا اي مملوك يجدونه حتى ولو كان عمره عام واحد، وتخلص محمد علي من المماليك للأبد ومن قادة الثورة المضادة نهائياً.
كان أمام الأزهر والكنيسة القبطية ومدارس اليهود بالإسكندرية اختيار واحد من اثنين لا ثالث لهما، إما أن ينفتحوا على العلوم الدنيوية بما يخدم الإمبراطورية المصرية تحت قيادة محمد علي أو أن يشنق قادة هذه المنابر جميعا دون رحمة ويأتي بقوم غيرهم، حيث كانت تلك الأماكن هي حظيرة المثقفين الوحيدة في مصر وكان عدد المتعلمين في مصر لا يتعدى بضعة آلاف أو ربما مئات في الطوائف الثلاث، وكل منهم له لغته التي يقوم بتدريسها ولكل منهم أمته وقومه، فرفع شعار مصر للمصريين، وضم الثلاثة تحت لواء مصر وجعلهم يختاروا النوابغ من ابناء كل طائفة لأرسالهم في بعثات لأوروبا على أن يعودوا لخدمة مصر وتعليم أبناء مصر، فقوة الجيش الذي يحلم أن تتكون به أمبراطوريته لن تكون بجحافل من الجهلاء ( كالأمن المركزي حالياً ) فالجهل عين الهزيمة ورحم الاستعباد والذل، واستجاب قادة الطوائف الثلاث لتحقيق الحلم وفي عام 1815 تقريبا كانت مصر ولأول مرة منذ 500 عام دولة واحدة وأمة واحدة بأقباطها ومسلميها ويهودها، وكان يتعلم أبناء المصريين في أي دار علم شاءوا وتفوقت مدارس الكنيسة القبطية في تدريس مناهج المحاسبة و العقود وكل ما يخص أرشفة وبناء الدولة الحديثة وكانت أحيانا تخرج الكنيسة من مدارسها عددا من طلابها المسلمين يفوق عددهم عدد المسيحيين، وتفوق الأزهر في القانون واللغات وحتى تكون علومه للمصريين عامة كون المدارس المدنية التي كان على رأسها مدرسة الألسن للطهطاوي أحد مبعوثي محمد علي النابهين لفرنسا وكان طلابها من المصريين جميعا مسلمين وأقباط ويهود، عشق المصريون محمد علي إلى حد الثمالة.
انتهت الثورة المضادة إذن باستئصال شأفة قادتها ( بالعنف للأسف فلم يكن يجدي مع هؤلاء الأغبياء سوى العنف)، تم استئصال شأفة دعاة التقسيم، وقادة الفتنة، وكل من جعل ولاءه للمماليك أو للقوى الخارجية واستقوى بالإنجليز أو الفرنساوية على مصر تحت خدعة وكذبة خوفه على مصر، انتهت الثورة المضادة وضاع قادتها للأبد في مزبلة التاريخ، وحتى يضمن محمد علي بقاء أمبراطوريته واتساعها وقوتها كان عليه أن يجهز من شباب التغيير المؤمنين بحتمية التغيير ومن ابناء الفلاحين المتعلمين قاعدة جيشه، وللأسف يذكر مؤرخي ما بعد ثورة 1952 أن محمد علي استعان بالمماليك لتكوين نواة جيشه وهي مسألة عجيبة في تقديري الغرض منها تشويه صورة محمد على مقابل رجال ثورة 52 خاصة بعد التخلص من أخر ملوك اسرته الملك فاروق الأول وحتى لا يجعلوه صاحب جميل كونه أبو مصر الحديثة، إذ كيف تكون كل هذه العداوة بينه وبين المماليك ويكون جيشه من المماليك؟، مسألة عجيبة فعلاً، لقد كانت نواة الجيش الأولى من ابناء الفلاحين المصريين الذين يؤمن بهم محمد علي جداً، ويؤمن أنه بهم وبهم فقط سيحقق مقولة نابليون التي تتردد في آذانه ليل نهار: من يحكم مصر بإمكانه أن يغير التاريخ‏، وأن يحكم العالم، وفي عام 1819 كانت اسوان هي المقر لأول كلية دفاع في تاريخ مصر تحوي 100 جندي مصري من ابناء الفلاحين ويعلمهم فنون الحرب والدعم اللوجيستي علي مدي ثلاث سنوات العقيد سليمان باشا الفرنساوي أو العقيد أوكتاف جوزيف انتلم سف Joseph François Anthelme Sève أحد أهم قادة جيش نابليون بونابرت ضد روسيا، لينتصر شباب التغيير لدرجة أن يضعوا علم مصر فوق منابع النيل بأثيوبيا ويقولون لإمبراطورها في ذلك الوقت هكذا إذن صارت منابع النيل مصرية.
على قادة الثورة المضادة الآن في مصر أو المماليك الجدد الذين يظنون أن مصر بثورة 25 يناير 2011 بعد مائتي عام من ذكرى التخلص من المماليك القدامى قد اصبحت دولة ضعيفة وتنتابها الفوضى وأن لهم الحق في أن يدعوا بغباء انساني تقسيمها إلى ثلاث إمارات اسلامية وقبطية ونوبية، وان يصنعوا ميليشات لإشاعة الفوضى وقطع الطرق السريعة في القاهرة والمحور وسكك حديد قنا مع رفع شعارات طائفية انهم سيحققون ما يظنون أنه سهل المنال فهم واهمون، لأن مصر أقوى مما يتوقعوا أقوى منهم ومن حلفائهم في الشرق والغرب، ومصر تنظر أليهم الآن لتعرفهم واحدا واحداً وتثبت عليهم تهمة التآمر بألسنتهم، زكريا عزمي نفسه لم يدخل السجن ويتم التحقيق معه إلا بعد حوار تلفزيوني له مع أحد البرامج، وكما يقول المثل العربي " جنت على نفسها براقش" وهكذا يجني على أنفسهم بالنباح المماليك الجدد، لقد دعا شباب التغيير كل الذين استبعدوا من مصر خلال العهد السابق الفاسد والغارق في الفساد بكل مماليكه من رئيسهم المخلوع ووريثة وحتى أقل مملوك فيهم، دعا شباب التغيير كل المصريين الغرباء في المهجر القسري إلى أن يعودوا لمصر، فعاد منهم الآلاف بعد غياب دام لأكثر من ثلاثين عاما ولكن بعضهم عاد بالفتنة، عاد متصورا أنه يمكنه أن يعلن نفسه زعيما أو يقتسم غنيمة أو يصنع أتباع، أو يتولى أمارة أو جزء من أرض مصر يحكم فيه حلفائه واتباعه، وغرق هؤلاء التائهون الواهمون في غبائهم الإنساني وعرفتهم مصر بدءا من قادة معركة ( الظرايب ) بالظاء عمدا وليس الزاى من مماليك المهجر الأوروبي والأمريكي ، وانتهاء بمماليك امارة قنا الإسلامية مماليك مهجر افغانستان وشيشنيا، لقد شهدوا على انفسهم، وحين يستقر محمد علي الجديد، وبالمناسبة هو ليس شخص الرئيس القادم ولكن شخص النظام القادم الذي سيحكم من وراء الرئيس القادم ومن وراء برلمانه، حين يستقر هذا المحمد علي باشا الجديد، وتحت شعار مصر ابنة الجيش، الذي راح ضحيته حسني مبارك بسبب وريثه المدني، سيتم التخلص من كل المماليك الجدد، وحلفائهم وأبواق اعلامهم وتلفزيوناتهم حتى تكتظ بهم مزرعة طرة ومن حولها مع قادتهم القابعين فيها الآن على ذمة التحقيق وعلى رأسهم الرئيس المخلوع وحاشية قصره وورثة فساده، مصر قوية بجيشها، مصر قوية بشباب التغيير الذي قدم حياته لبناء مصر الحديثة، مصر لن تتراجع حتى عن عقاب من يحاولوا طمس ملامح نورها الجديد وفجرها الجديد وحريتها الجديدة بعد ثلاثين عاماً من قهر جبابرة العصر الحديث وقائدهم مبارك.
في الذكرى المائتين لمذبحة المماليك القدامى في القلعة عام 1811 في مثل هذا التاريخ ومثل هذا الشهر، نقول للمماليك الجدد قادة الثورة المضادة في مصر اليوم وقادة التقسيم والفتنة كما قال كارل كوستاف يونج، مؤسس علم النفس التحليلي أن مصر ربما تكون الآن في حالة استلهام لأحداث الماضي من تاريخها وربما يعيد التاريخ نفسه فأحذروه واحذروا بطشة المصريين إذا غضبوا.