الخميس، 26 يونيو 2003

عفواً .. ليس هناك خياراً ثالثاً !

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
في مقابلة أجرتها جريدة "هآرتس" قال "شارون": أنا لن أقدّم أي تنازلات، وفيما يتعلق بمسألة أمن إسرائيل، فقد وضّحت الأمر للرّئيس "بوش" وجعلته واضحا جلياً أمامه وهو أنّ المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقي وأحملها للمستقبل وأحمل معها مصير الشعب اليهودي هي أنه لن يكون هناك تنازلات.. 
اريد ان ابحث فقط مع القارئ الكريم في معرض هذا المقال عن معنى واحد للأحداث التي نمر بها وتمر بنا داخل هذا الزمن الذي نحياه ولانكاد نستشعر فيها بصيصاً واحداً من نور حتى اصبحنا في حالة تخبط كامل من شدة تناقض مانقرأ ونسمع بل و قاب قوسين او ادنى من التشتت، وسأبذل قصارى الجهد في عدم التعليق على المقاطع التي سوف اوردها للقارئ الا في حدود ضيقة جداً اذ ان الامر لايحتاج الى تعليق والي القارئ الكريم الان بصيصاً مما قرأت وطالعت واصابتني فيه الحيرة ومن ثم دفعني لان استشهد بمقولة سعد باشا زغلول الشهيرة قبل وفاته بلحظات( ياجماعة مافيش فايدة ).
ففي مقابلة اجرتها جريدة هآرتس العبرية اليسارية مع اريل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي والذي بثته على موقعها الانجليزي بالانترنت هذا الاسبوع بتاريخ 23 يونيو 2003 قال شارون في معرض حديثة مع الجريدة: أنا لن أقدّم أي تنازلات الآن، بل ولن اقدم اي تنازلات في المستقبل، وفيما يتعلق بمسألة أمن إسرائيل. فقد وضّحت الامر للرّئيس بوش وجعلته واضحا جلياً امامه وهو أنّ المسؤولية التأريخية التي تقع على عاتقي و أحملها للمستقبل واحمل معها مصير الشعب اليهودي كله تجعلك ( اي بوش ) يجب أن تعرف انه لن يكون هناك تنازلات. ونحن الاسرائيليون فقط الذين نعرف ماهو في صالحنا وماهو ضدنا. وعلى الجميع ان يعلم بأن الأمة اليهودية هي امة عظيمة بين الأمم ، بل وربما الأمة الأعظم.اما الاذاعة العبرية فقد بثت الاسبوع الماضي السبت 21 يونيو تعليقاً عجيباً حول زيارة( أفي . ديختر ) السرية للولايات المتحدة مفاده أن رئيس المخابرات السابق ( أفي ديختر ) قد وصل بشكلٍ سري إلى واشنطن لبحث مسألة الاغتيالات بحق قادة حركة المقاومة "حماس" مع الإدارة الأمريكية ، و قالت الاذاعة إنه من المفترض أن يلتقي رئيس الشاباك ( جهاز الامن العام الاسرائيلي ) مع كبار المسؤولين الأمريكان لتنسيق الموقف مع الإدارة الأمريكية حول مسألة الاغتيالات، وعقبت بالقول ان هذه الزيارة تأتي في ظل التصريحات الأمريكية الأخيرة ضد حركة حماس و إعطاء الضوء الأخضر من قبل إدارة بوش بمواصلة الاعتداء و الاغتيال ضد قادة حركة حماس و الجهاد ( ولا نعلم ماهو الهدف وراء بث الاذاعة العبرية لمثل هذه التفاصيل بل واعلانها للعالم كله وللعرب تحديداً رغم ان الزيارة كانت سرية ! بل وماهو الهدف ايضاً من ان يدفع الاعلام الاسرائيلي بأمريكا على انها طرف رئيس في صراع الحرب لا بكونها طرف رئيس لتسوية السلام امام رجل الشارع العربي وكأنه ايحاء منها - لاندري نواياه - بأن كل خيوط اللعبة هي امريكية الصنع كما اشارت صحيفة "هآرتس" وأكدته في مقال للكاتب " عكيفا ألدار" المحلل السياسي بها ليقول في احدى زوايا مقاله " انه في اليوم الأول لمؤتمر "ايباك" الذي عقد الأسبوع الماضي في واشنطن وقف شخص اسمه ( غاري باور ) على المنصة، وقام بتذكير جموع الآلاف من المشاركين في المؤتمر، بأن الله قد منح أرض إسرائيل للشعب اليهودي، ولذلك يحظر علي اسرائيل أن تتنازل عنها لأي شعب آخر. إن ( غاري باور ) ليس عضوا في ( المفدال )، بل ولا في مركز ( الليكود )، وهو ليس ( يهودياً ) من اصله . ولكن ( غاري باور ) من أولئك الذين يعتقدون بأن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وأنهم سيختارون المخلص الصحيح حينما تحين ساعة الآخرة. هؤلاء هم الذين يمثلون الطاقات الروحية الحقيقية ، التي تحث على خوض حرب جورج بوش ضد الإرهاب الدولي. ومن ثم فمع مثل هؤلاء الأصدقاء الامريكان الموجودين بالقرب من أذن بوش، لا تحتاج حكومة اليمين الإسرائيلي للأصدقاء اليهود حتى تصد المبادرات السياسية مثل خارطة الطريق. هذا كلام ( غاري باور ) الذي يناقضه تماماً ومن ناحية اخري كلاما اخر لأسرائيليين آخرين يحاولون به دفع التهمة عنهم - وان لم ينكرها - حيث يقول الصحافي ( بن كاسبيت ) في صحيفة "معاريف "إن المرء يكاد يفقد صوابه من قادة جيشنا الذين يشيدون بعمليات التصفية والاغتيال على اعتبار أنها تحبط العمليات ضد الأهداف الاسرائيلية لكنها بدلا من ذلك تزيد من دافعية الفلسطينيين للرد وبشكل كبير" ،" لقد سئمنا هؤلاء الجنرالات الذين ينسبون إلى كل من ننجح في اغتياله كل العمليات التي حدثت في إسرائيل ، لكن عمليات التصفية لم تضع حدا لهذه العمليات ، فما الفائدة من هذه العمليات في حال لم يزد مستوى إحساس الاسرائيليين بالأمن الشخصي حتى الان ؟!" ، "إن عمليات التصفية أصبحت بالفعل عبئا ثقيلا على إسرائيل ويجب وقفه تماما". وهذا مااكده ايضاً ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي وهو الرائد السابق( بيشاي مونشين ) في محاضرة له حيث قال: إن الهجمات التي تشنها الطائرات الحربية الإسرائيلية على المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة على غرار هجمات الثلاثاء التي تسببت في استشهاد سبعة فلسطينيين تؤكد رغبة إسرائيل في إفشال المساعي الجارية لاستئناف المفاوضات حال نشر «خريطة الطريق»‚ ووصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه «وحشي وغير مشروع ويضر في نهاية الأمر بالمصالح الإسرائيلية»‚‚ وقال انه «بالنسبة للفلسطينيين فإن الاحتلال يوقع القمع والإذلال والفقر أما بالنسبة لإسرائيل فإنه يعني تآكل القيم الاخلاقية وانهيار الاقتصاد والبؤس للمحتاجين»‚ وأضاف «لقد جعلت الحكومة الإسرائيلية الوضع في الأراضي المحتلة غير محتمل بالنسبة للفلسطينيين لدرجة انه سيكون من الصعب على إسرائيل جعله أسوأ من ذلك»‚‚‚ واستطرد قائلا: «عندما يعيش ثلثا السكان في ظل فقر مدقع فإن ذلك يعني ان الإسرائيليين يحاولون حقيقة تدمير الرغبة الفلسطينية للجلوس معنا في مفاوضات سلام بالإضافة إلى تدمير معيشة الفلسطينيين»‚ ووصف( بيشاي مونشين ) رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون بأنه «استاذ في المراوغة.
اما على الجانب الفلسطيني فيقول محمد سعيد احمد إن قرار شارون بإعلان الحرب على حماس هو قرار يتعارض مع شعار بوش بضرورة قيام دولة فلسطينية‏،‏ ويقع على عاتق الإعلام العربي لفت نظر بوش إلى هذه الحقيقة‏..‏ لقد أراد بوش‏،‏ بإقامة الدولة الفلسطينية‏،‏ وإقناع الأمة الإسلامية إنه ليس ضد المسلمين‏،‏ ولا هو ضد العرب‏،‏ بحملته ضد الإرهاب‏..‏ ومؤكد أنه ليس بإمكانه إقناع العرب ولا المسلمين بهذه المقولة وهو يخوض حرباً شعواء ضد فصيل من أهم الفصائل الفلسطينية‏ ( اي منظمة حماس ) التي اشار مؤسسها وزعيمها الروحي احمد ياسين يوم الاثنين الماضي 23 يونيو الى ان الحركة ما زالت تدرس عرضا لوقف اطلاق النار ولكنه اتهم اسرائيل بوضع العراقيل امام الوصول الى قرار مناسب. واضاف في مقابلة لرويترز "حتى هذه اللحظة لم تتم بلورة الامر جيدا لان هناك معوقات في الشارع واعتداءات واقتحامات واغتيالات وبذلك لم نعد قادرين على اتخاذ موقف معين في مثل هذه الظروف." وقال ايضاً ان اغتيال اسرائيل لمسؤول الجناح العسكري لحركة حماس عبد الله القواسمي يوم السبت قد ترك اثرا على النقاشات الداخلية التي تجريها حماس داخل مؤسساتها. واضاف ياسين "لا يمكن ان نعطي جوابا في ظل التهديدات وعدوان اسرائيل. لا يمكن ان نستسلم للعدوان الاسرائيلي وعلى العدو ان يوقف هو عدوانه. نحن من حقنا ان ندافع عن انفسنا. أما عبد العزيز الرنتيسي، وهو قيادي بحركة المقاومة الإسلامية نجا مؤخراً من محاولة إسرائيلية لاغتياله، فقد قال من جهته إن اغتيال القواسمي "لن يمر دون عقاب". وأضاف أن الهجوم أظهر بوضوح أن "إسرائيل ستواصل سفك الدماء الفلسطينية". حيث أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بالقوات التي نفذت العملية، ووصف اغتيال عبد الله القواسمي بأنه "عمل ناجح ومهم للغاية"، وتعهد بشن المزيد من الهجمات المماثلة إذا لم توقف السلطة الوطنية الفلسطينية هجمات الجماعات المسلحة. اما الدراسة التي أجراها برنامج غزة للصحة النفسية، فقد اشارإلى أن غالبية الأطفال الفلسطينيين من الذكور يرون أن حل المشكلة الفلسطينية هو القيام بعمليات استشهادية. وقال الدكتور "سمير قوتة" المختص الإكلينيكي في التعامل مع الأطفال في برنامج غزة للصحة بمؤتمر صحفي الأربعاء 23-4-2003: إن الدراسة أجريت على ألف طفل من خلال بحث تعليقاتهم على صورة عُرضت عليهم لفتاة فلسطينية اسمها فاطمة ترتكز بوجهها على يدها، وعندما سئلوا: بماذا تفكر فاطمة؟ وكيف تستطيع أن تحل مشكلتها ومشكلة مجتمعها؟ كانت الإجابة من الأطفال الذكور هي: العمليات الاستشهادية، وبنسبة 67.8%. وأشار قوتة إلى أن 66% من الأطفال، ذكورا وإناثا معا، رأوا أن تواصل فاطمة الاهتمام بدراستها، فيما اقترح 24.7% بأن تقوم بعملية استشهادية، ورأى 8.7% أن تساعد في العملية السلمية. وكانت نسبة الذكور المؤيدين للعمليات الاستشهادية 67.8%، فيما كانت نسبة الإناث المؤيدات للعمليات الاستشهادية كحل لمشكلة الطفلة فاطمة 32.2%، واختار 8.7% من الإناث تشجيع عملية السلام. وكشف قوتة في الوقت نفسه بدراسة أخرى حول الأوضاع النفسية للأطفال في قطاع غزة عن أن 32.7% من الأطفال في القطاع يعانون من أعراض نفسية حادة بسبب تعرضهم لصدمات حادة تتطلب العلاج. وأوضح أن سكان المخيمات هم الأكثر عرضة للعنف والعدوان الإسرائيلي، حيث كانت نسبة الأطفال الذين تعرضوا لأعراض الصدمة الحادة منهم 84.1%، بينما كانت النسبة فيمن يسكنون المدن 12.9%، فيما وصلت النسبة في الأحياء الجديدة في المدن إلى 2.9%. وأضاف قوتة أن 55.1% من سكان التماس وهي المناطق الواقعة بالقرب من المستوطنات أو على خطوط الهدنة الفاصلة بين قطاع غزة وإسرائيل، يعانون من أعراض صدمة حادة. 
وفي نهاية معرض الحديث السابق اريد ان اوجه سؤالى للقارئ : هل يمكن ان يحلم العرب والاسرائيليون بسلام حقيقي في ظل محاولات مايسمى بخارطة الطريق؟، ان حالة التخبط التي يحياها الكل الان قد جعلت الكثيرين منا لايقوى على التنبؤ باي مستقبل مشرق داخل المنطقة، بل وحتى مجرد التفاؤل بأن امريكا تستطيع فعل أي شئ ايضا لكون هذا الشئ اصبح في ظل هذه الاتهامات المتبادلة وعمليات التصفية الجسدية امراً مشكوكاً فيه خاصة وانها قد اصبحت الان طرف رئيس فيه وموجود بالفعل داخل المنطقة بمحض اختيارها الذي لم يجبرها أحداً عليه و بثقل واضح ممثل في قواتها وجنرالاتها ومعداتها بل وانخرطت من خلاله وبمحض ارادتها ايضاً في مستنقع الصراع العربي الاسرائيلي بعد ان كانت قبل عامين فقط طرفا خارجه وفي حل تماماً من الانزلاق داخله بحكم كونه صراعاً لم تستطع اي قوة في العالم – حتى في ظل وجود الاتحاد السوفياتي المنحل - وعلى مدار خمسين عاما ان تنهيه او تحد من تفاقمه. اننا نري ان هذا المستنقع - الذي لانكاد نتلمس فيه بصيص واحد من نور - ليس له الا احد خيارين لا ثالث لهما وكلا الخيارين مر وهما:
اما الخروج من هذا الصراع بما يحفظ لطرفي النزاع الحدود الدنيا – على الاقل – من التعايش السلمي بضغط اميركي حقيقي ومحايد دون انحياز لطرف على طرف داخل بلدين مستقلين تماماً ولكل منهما حق تقرير مصيره من خلال مؤسساته الوطنية التي يختارها الشعب بإرادته أو على الجميع ان يتقبل الغرق غير مأسوف عليه في مستنقع العار والدم.
محيي الدين ابراهيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق