الأحد، 29 فبراير 2004

ياأمة " البطيــخ "

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

إن المسؤولية الإنسانية والدينية والوطنية تجاه غزو الأمة الإسلامية واحتلالها الآن بل وتغيير مناهجها وتحريف عقيدتها وانشقاق طوائف مواطنيها على أنفسهم ليتصارعوا صراع الطوائف إنما تقع جميعها أمام الله فوق كاهل فقهاءنا المسلمين المعاصرين اليوم!
حينما دخل عمر بن الخطاب القدس لأول مرة دخلها حاكما اذ اصبحت ضمن امصار المسلمين وتحت ولايتهم بعد ان انتهى فيها حكم الرومان.
كان يدرك عمر بن الخطاب ان هذه الأصقاع لايوجد بها مواطن مسلم واحد حيث أن كل سكانها من النصارى واليهود فماذا فعل وهو يتلقى اول امتحان حقيقي في كيفية بناء الدولة العصرية التي يجب ان تقود العالم حسب ما يؤمن وبعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام بأقل من اربعة سنوات؟
ان اقرار الجزية يكاد يكون امراً مستحيلاً بل وغير منطقياً وظالماً في آن واحد بسبب مايعيشه نصارى القدس والشام عرباً وعجماً من فقر مدقع احاط بهم من كل حدب بعدما أذلهم الرومان وامتصوهم، وعليه بنى عمر بن الخطاب دوافعه في رفض الجزية تماماً أوفرضها كقانون على الدولة التي تم احتلالها ودخولها في حظيرة المسلمين، بل أنه قد خرج ايضاً بسابقة كان من الممكن ان تؤلب عليه اعوانه ورجاله لولا يقينهم بمدى ورع وايمان عمر وهي ان قرر فتح بيت مال المسلمين عن آخره لمنح المال والكساء والغذاء لفقراء القدس والشام ليقينة ان هؤلاء هم رعيته في المقام الأول وفي كنف دولته وان ابقائهم على فقرهم وامتصاصهم كما فعل الروم لأعظم الدوافع للثورة على الدولة لتكون النتيجة خراب الدين وانتهاء امر الدولة قبل ان تبدأ.
لقد كان منهج عمر قائماً على ان الدولة مادامت تحكم بالشرع الاسلامي فإن اول قوانين هذا الحكم هي " لكم دينكم ولي ديني " لتعم سماحة الدين وعدالته رؤوس الكل فلايشهد فيها احد الا بنزاهة دستورها ومنهجها حتى ولو كان على غير ملة الأسلام ولعل تطبيقة حد الجلد على اقرب الناس اليه حينما علم بواقعة الزنا في قبطية لأعظم الأمثلة على عدالة دولة عمر وسواسية الحقوق والواجبات لكل افرادها حتى ولو كانوا من غير المسلمين، ومن هذا الفكر المسلم الواعي الفقيه بأمور دينه ودنياه لم يرفض عمر مطلب النصارى بطرد اليهود من مدينة القدس " اورشليم " حيث كانوا يد الروم الطولى في تعذيب واذلال النصارى واصدر فرمانا بأن يدع المسلمين امر النصارى وقضاء النصارى للنصارى وأن لا يحرقوا مزارع خنازيرهم ولايمنعوا عنهم نبيذهم ولايجبرونهم على اعتناق الاسلام كرها ولا يقطعوا بينهم وبين صلواتهم في معابدهم فهم احرار ماداموا يحترموا حقوقهم كمواطنين شرفاء لهم كافة حقوق المواطنة التي كفلها الدستور الاسلامي السمح داخل الوطن الذي يحكم به.
لم يمر اكثر من عشرة اعوام على دخول عمر القدس ويؤسس منهج الدولة التى اصبح رعاياها من ملل مختلفة واديان مختلفة بل وألسنة مختلفة حتى جاء معاوية بن ابي سفيان ليؤسس دولته الاموية ويقوم بفتوحاته السياسية شرقاً وغرباً بجيش كان غالب الجنود فيه من مواطني الشام اي من نصارى الشام فيبلوا بلاءً حسنا لنصرة دولتهم ايمانا منهم بها رغم ان سلاطين دولتهم على غير ذات الدين ومن امة المسلمين لكنهم شعروا تحت رايتهم بأنهم اكثر حرية في ممارسة شعائرهم الدينية ومزاولة حق المواطنة دون خوف او ارهاب وهو الامر الذي دفع الدولة الاسلامية بفضل هذه السماحة والعدالة الاجتماعية ان تمتلك ناصية العالم في اقل من خمسة وعشرين عاماً وهو زمن اقل ما يوصف به انه معجزة حقيقية كان مسببها الرئيس تلاشي فقه التطرف وفقه قانون الطوارئ الذي نحياه الان والذي ادى بنا وبمجتمعاتنا الى فتن طائفية وفقر وبطالة بل وتشوية لمعالم الدين وسماحته وهو الدين الذي رفع عن البشر برغم اختلافاتهم الدينية والعرقية الظلم والقهر والنزاعات الطائفية تحت مظلة الوطن الواحد .
هذه هي دولة المسلمين كما أقرها وحدد مبادئها القران ومارسها الرسول فصارت سنة وحاكاه فيها اصحابه فملكوا الدنيا واقاموا العدل فيها.
اما الآن فلا سبيل لنا امام فقهاء هذا العصر الذين انقسموا على انفسهم ودفعوا أمتنا لأن يكون لكل ارضِ فيها فقيه يأتمر بسلطانها واميرها كما لو كانوا انداداً لله في الأرض الا ان نسمع من مثقفي الأمة نداءات العلمانية وحظر الدين في سجاجيد الصلاة والمساجد لعجزه – من وجهة نظرهم - عن تقديم الحلول التي تتوائم ولغة العصر ولم يهتم احدهم بدولة الدستور الأسلامي التي استقت منه كل دساتير الدنيا مناهجها، ونسوا ان سبب انهيار مبادئ الدين ومنهجه وقانونه في قلوب العباد انما نابع من اكذوبة ان في عالمنا الحاضر فقهاء ألهتنا " غيبوبتهم " عن ادراك انهم اصل ضياع الدين والدنيا معاً لما تبنوا الفقه الشاذ فقط وليد لحظات استنهاض الأمة عبر صراعها التاريخي وألقوا وراء ظهورهم دفع الأمة للتراص والتوحد والإعتصام بعدما اصبحوا فقهاء الدرهم والدينار لايبدعون الا في فقه النساء وحف الشارب حتى انطبق عليهم قول المتنبي: أغاية الدين ان تحفوا شواربكم .... ياأمة قد ضحكت من جهلها الأمم.
ان المسؤلية الانسانية والدينية والوطنية تجاه غزو الامة الإسلامية واحتلالها الآن بل وتغيير مناهجها وتحريف عقيدتها وانشقاق طوائف مواطنيها على انفسهم ليتصارعوا صراع الطوائف انما تقع جميعها امام الله فوق كاهل فقهاءنا المسلمين الذين دفعوا بنا وبوطننا لأن يكون مجهول الداخل والخارج لاتعلم ان كان قلبه طيباً ام خبيثاً ونهباً لدعاة العلمانية والإلحاد بأسم التطور وكأننا امة خلق الله عقول ابنائها من البطيخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق