الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

فلاح على عتبة المحروسة ( الحلقة التاسعة )

بقلم: محيي الدين إبراهيم
هذه القصة فانتازيا من محض خيال الكاتب وكل شخوصها وهمية وعليه فإن اصابت بعض احداثها او شخوصها واقعاً حياً فهي اصابة محض مصادفة بحتة لاعلاقة للكاتب بها..



مشهد – 1 –
المكان: أنا
الزمان: وجودي
محطة قطار الصعيد بالجيزة .. مسافرون .. حمالون .. باعة .. شحاذون .. لصوص .. حركة .. صياح .. فوضى .. الكل يعرف وجهته .. يعرف طريقه .. قطاره .. قريته .. بينما أنا .. أجلس على مقعد داخل ( كافيتريا المحطة ) أنظر لفنجان بارد من القهوة في يدي .. شارد الذهن وإن كان شروده نابعاً من البحث عن بقايا مختبئة في أعماقي فقدت وجهها القديم على قارعة الوجود.
مشهد – 2 –
المكان: مازال أنا
الزمان: هي
برودة شديدة تنتاب مزارع القصب .. نحن الآن تائهون تماماً في الأرجاء .. ظلام دامس .. أصوات صادرة من الظلام .. نباح .. عواء .. حفيف .. فحيح .. صفير .. كلها تختفي فجأة ثم تعود فجأة كأنك تشاهد فيلم رعب من الدرجة الثالثة بعدما اصطدم القطار بسيارة لنقل حديد التسليح ومات كل من فيها سحقاً ومعهم سائق القطار نفسه .. هامت الناس على وجوهها .. بعضهم ظل في القطار وسط هلع وصراخ الأطفال وبعض النساء وبعضهم غادرالقطار مثلي .. أما هي فكانت خائفة إلى حد الارتعاش .. قفزت من القطار ورائي .. تبدوعليها المظاهر الأوروبية تحت ضوء النجوم الخافت وإن لم تضح ملامح وجهها في عتمة النور .. برودة الجو وبرودة الاغتراب وضياع اللغة وحادثة دموية كالتي عايشناها الآن كفيلة بسحق الغريب .. كفيلة بأن تدفن كل شجاعته في قبر إغترابه حتى ولو كان مدججاً بالسلاح .. اقتربت مني .. لا أعلم لماذا اختارت أن تسير بقربي؟ .. لم يقترب مني أحد قط وشعر بالإطمئنان .. فأنا .. أنا .. أنا من العبث أن تكون مطمئنة بقربي !! .. ليس لدي خلجة واحده تدفع أي كائن حي لأن يطمع في الشعور بالأمان جواري .. خرجت مني ضحكة خجولة خافته بينما أسير غير عابئ بها ولا بكونها عن يميني تخطو بخطى سريعة أقرب للقفز ( كالعصفور ) لتلاحق خطواتي الواسعة وأنا أسير وسط حقول القصب الأشبه بغابات السافانا الأفريقية .. لتفاجئني ( هي ) وكأنها تخطف ذراعي عنوة وتقبض بآخر ماتبقى لها من قوة على يدي بكلتا يديها المرتعشتين وأنفاسها اللاهثة وكأنها تتوسل الوقوف.
مشهد – 3 – ( فلاش باك )
المكان: هُم
الزمان: هُم
عقيد أمن دولة ( ل . ل ) .. مقدم أمن دولة ( ق . ق ) .. نقيب أمن دولة ( س . س ) .. ( هُم ) على شكل نصف دائرة تحيط بي .. يحدقون في وجهي جميعاً .. يصمتون فجأة .. ثم يقومون بطرح أسئلة متلاحقة .. سريعة .. غير مرتبطة .. بعضها لا ينتظرون فيها الإجابة .. فقط يحللون ردة فعل جسدي ووجهي العفويتين .. ثم يعم الصمت المفاجئ من جديد .. لم تكن هناك أسئلة في السياسة .. لم يكن هناك سؤالاً واحداً في السياسة !! .. فقط أسئلة ودودة في اتجاهات مشتتة .. مدن .. فن .. عشق .. موسيقى .. وكأننا اصدقاء طفولة .. الظاهر أصدقاء طفولة .. أما الباطن .. مجهول !!
لم يكن انتظاري طويلاً قبالة مبنى أمن الدولة ليأتيني ( علاء ) بسيارته الفارهة .. غمز لي بعينيه غمزة ماكرة حين انتهى بنا المطاف عند مركب السرايا .. مطعم السرايا بكورنيش نيل الزمالك قبالة مبني التليفزيون .. احتسى زجاجة خمر كاملة في محاولة لفهم ماجرى بيني وبينهم .. بينما أنا مازلت أحتسي فنجان القهوة العاشر دون الوصول لحل اللغز .. لغز أمن الدولة !! .. ألقى برأسه المتثاقله من أثر الخمر على الطاولة ونام .. بينما ( أنا ) وجهت نظري تجاه النيل في انتظار شروق الشمس لعلها تأتيني بقبس.
مشهد - 4 -
المكان: مازال أنا
الزمان: لا أدري
عبد الواحد .. صاحب غيط القصب الذي توقفنا عنده من شدة التعب .. كان يعلم بحادثة القطار فلم يسألنا عن هويتنا .. ضباط وعساكر المركز جميعهم هناك .. عشرات الأتوبيسات تنقل من بقى في القطار لمحطة ( ملوي ) أما هي فقد كان مغشي عليها من شدة البرد والخوف .. قرر ( عبد الواحد ) أن يحملها على حماره من مزارع القصب ويعود أدراجه حتى داره .. فكرت كثيراً أن أترك ( هؤلاء ) .. أترك الجميع .. أهجر الكل .. أنفض غبار الذين لا أعرفهم وأعود أدراجي للقاهرة .. شعور خفي بالتردد .. ربما بالخوف .. ربما بالنذالة .. شعور خفي جاء على لسان برج الحوت في جريدة أهرام الأمس .. ستعاني من ورطة بسبب إمرأة .. وهاهي الورطة وهاهي المرأة .. توقفت قليلاً ليغيبا عن ناظري فأهرول عائداً حتى فاجئني ( عبد الواحد ) بأن ( المدام ) ستكون بخير .. من أين جاء هذا الرجل بخيال أنها أمرأتي ؟؟ .. يبدو أنه قد ظن وقوفي المفاجئ نوع من الإنهيار العصبي قلقاً علي ( السيدة ) الأوروبية لكونها زوجتي !! .. قال لي العبارة وهو لاينتظر مني الإجابة بل يقتنصها من ردة فعل جسدي ووجهي العفويتين .. كأنني مازلت في مبنى جهاز أمن الدولة لم أبرحه .. كان أي خطأ مني يعني أنني ( عاهر ) .. داعر .. زئر نساء .. زنديق تائه دخل فجأة بسبب حظه العاثر قرية لا يقطنها إلا المؤمنين .. الآن ( أنا ) في حالة استسلام تام .. أسير خلف عبد الواحد وحماره الذي يحمل ( المدام ) المزعومة باتجاه قريته الواقعة تحت سفح الجبل الغربي .. الآن أسير كأنني باتجاه الفوضى !!
بقلم: محيي الدين إبراهيم
للخيال بقية ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق