الخميس، 13 فبراير 2003

التعلب فات فات وفي ديله تعريفة الجات

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
بينما تفكر الدول النامية فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادي في ظل الاقتصاد العالمي، يكون من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب إلى المكان الذي يحتاج إليه، ويبقى في المكان الذي يحسن معاملته !
لم أجد بديلا من هذا العنوان التهكمي للدلالة على ماوصل الية ابداع رجال الاقتصاد في وطننا العربي كله من غيبوبة استمرت لأكثر من سبعة سنوات لم يقدموا فيها حلا واحدا لمواجهة أو حتى التعامل مع اتفاقية التعريفة الجمركية GENERAL AGREEMENT ON TARIFFS AND TRADE والمعروفة اختصارا باسم (GATT ) او الجات ، وظل هؤلاء الاقتصاديون العرب في كل بلد شبه مغيبون وكلما حاورهم أحد أداروا له ظهورهم حتى تركونا في وسط البحر تتقاذفنا امواج الجهل لا نعلم إن كنا سنغرق أم سيقذفون لنا بأطواق النجاة ولكن لم يكلف أحدا منهم خاطره ولو بعقد مؤتمر هامشي او حتى اجتماع مصغر على مستوي ( بائعي البطاطس ) لذر الرماد في العيون .
انهم لم يقدموا لنا شيئاً على الإطلاق سوى البكاء والنحيب والندب في أن الجات هي صهيونية العالم المتقدم و الإمبريالية الحديثة المتآمرة على خروف الاقتصاد العربي لذبحة وامتصاص دمائه حتى العظم لمصلحة الاستعمار وإسرائيل والصهيونية العالمية .
وهم (واقصد بعض الاقتصاديون العرب ) لا حاجة لهم بوجع الدماغ والبحث عن حلول للغلابة ( طافحي الدم ودافعي الضرائب من المواطنين الحفاة على خارطة الوطن من المحيط للخليج ) ماداموا يقبض الواحد منهم ما لا يقل عن 6 آلاف دولار كل شهر ويعتلى أكثر من عشرين منصبا في وقت واحد اقلها شأنا عضو مجلس إدارة أي شركة من الشركات التي كانت وطنية وخصخصتها قلة وعيهم وغيبوبتهم بل وربما تكالبهم على نسبة الدلالة و( البونص ) و ( الكوميشن ) التي يحصل عليها بعد عقد صفقاته الاسبوعية أي واحد منهم بواسطة تليفونه المحمول الامريكاني وليذهب بسطاء الوطن للجحيم. 
وبرغم حالة الانهزام هذه التي يمر بها وطننا العربي والذي اصبح مشاعا لكل من هب ودب من جيوش اجنبية وتدخلات وامتيازات الى جانب هموم الديون والبطالة وتعويم العملة في كل اصقاعة نجد ان هؤلاء الرجال كلما سألهم مخلصاً سؤالاً عن ماهي احوال الوطن فيما بعد الجات والعولمة يخرجوا علينا ليقسموا لنا ان كل شئ بخير فالوطن بخير ومياهه بخير وسماؤه بخير ورجالة بخير واقتصاده اعظم من اقتصاد امريكا وان البطالة التي يتحدث عنها البعض هي محاولة تآمرية استعمارية لتشويه التقدم الطليعي الثوري للنهوض بالوطن واسترجاع الحقوق السليبة في فلسطين التي اصبح ترديد اسمها الآن هو صك التفاعل الشعبي الذي لاغني عنه في أي نقاش لنيل الشهرة والوطنية وعليه ينتهي المطاف الى مسائل هامشية بعيدة كل البعد عن القضية الرئيسة محور النقاش وتخرج من الحوار بلا شئ الا من خفي حنين وأنت ضيق الصدر مكتئب النفس وربما متهما بالعمالة.
اننا حتى الان لم نجد من أي مسؤول اقتصادي داخل وطننا دلالة عملية واضحة ترسم لنا ملامح الطريق وتلقي لنا ولو ببصيص من النور حينما تعم السنين السوداء على الاقتصاد الوطني في وطننا العربي كلة ( كما تطالعنا الجرائد يوميا )، ولننظر إلى ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مثلا وهي التي تنتج ألان ثلث الإنتاج العالمي في الكون كله ورغم ذلك تعكف منذ عام 1983 في النداء بأنها ( أمة في خطر ) لتستنفر الهمم وتبحث عن حلول لمواجهة أي خطر حتى ولو كان خطرا هامشيا بعكس وطننا العربي الذي اصبح كل شئ فيه بخير ( ولا ندري كيف ) رغم انه يستحوذ على 40% من حجم الديون العالمي!.
يقول جون هاورد وهو مدير السياسة والبرامج الدولية فى غرفة التجارة الأمريكية ومسئول تطوير وتنفيذ البرامج الدولية بالغرفة.بينما تفكر الدول النامية فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادي فى ظل الاقتصاد العالمي، يكون من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب الى المكان الذي يحتاج اليه، ويبقى فى المكان الذي يحسن معاملته ومنذ عدة سنوات قامت غرفة التجارة الأمريكية بوضع مسح حدد ما يطلق عليه "الوصايا الأثنى عشر" أو مبادئ الاستثمار الدولى فهل قمنا نحن أيضا بعمل نصف مسح او ربع مسح ونحن أصحاب البلاد التي سيقام عليها الحد، مطلقا، لم نفعل ولن نفعل وانظروا الى الوصايا التي استبد عتها اكبر دولة في العالم لتحافظ على نفسها ( رغم أننا أحق منها بالإستبداع ):
1. سياسة مستقرة يمكن التنبؤ بها على مستوى الاقتصاد الكلى: يجب أن يكون لدى الشركات الثقة في أن الاقتصاد الذى سيستثمرون فيه أموالهم يتم أدارته بأسلوب كفء غير متذبذب أى ببساطة شديدة يجب أن يقتنع المستثمر بأن قواعد اللعبة لن تتغير فى منتصف السباق. 
2. حكومة فعالة وأمينة: يجب أن يكون المستثمر قادرا على الاعتماد على التزام الحكومة المضيفة بتطبيق القانون والنظام. 
3. سوق كبير قادر على النمو: حجم السوق الداخلى وقدرته على النمو خاصة القوة الشرائية للمستهلكين بهذا السوق. فالشركات لا تريد الاستثمار فى سوق احتمالات الربحية فيه ضعيفة. 
4. حرية النشاط فى السوق: من العوامل الهامة هنا قوة المنافسة الى جانب درجة التدخل الحكومى (سواء كان من حكومة المستثمر أو الحكومة الأخرى) فى حرية الدخول الى سوق دولة ما. فكلما زادت حرية السوق كلما كان أكثر جذبا للمستثمرين الدوليين. 
5. حد أدنى من القواعد الحكومية: يجب أن تبقى تكلفة التدخل الحكومى والقواعد الحكومية فى شئون وربحية القطاع الخاص عند الحد الأدنى. 
6. حقوق وحماية الملكية: يجب حماية الملكية الخاصة ولذلك يجب تفادى احتمالات سرقة ملكية الشركات سواء كان تلك الملكية حقيقية او غير مادية مثل براءات الاختراع او حقوق النشر، الخ..) 
7. بنية أساسية قوية: القدرة على اتمام المعاملات وتوصيل المنتجات والخدمات الى الاسواق. وقد تتمثل تلك البنية القوية فى خدمات النقل أو الكهرباء أو التأمين أو الخدمات المحاسبية أو النظام المالى أو أى من العوامل الأساسية التي لا يمكن للاستثمار أن يحقق عائد مالى بدونها. 
8. توافر عناصر الإنتاج المرتفعة الجودة: فى حين يأتى المستثمر ومعه رأس المال والتكنولوجيا والإدارة، يتوقع أن يضيف اليها من السوق المحلى العمالة الماهرة والمواد الخام وذلك لاكتمال منظومة النجاح. 
9. عملة محلية قوية: يجب أن تحافظ العملة المحلية على قيمتها. فإذا وضعت استثمارا بالدولار ثم تم تخفيض قيمة الأصول المحلية (المقيمة بالعملة المحلية) تكون قد خسرت جزء وفى بعض الاحيان كل استثمارك الاصلى بالدولار.
01. حرية تحويل الارباح والفوائد وايرادات الأسهم: إذا لم تكن للأموال حرية الخروج خارج الدولة فلماذا الاستثمار؟ 
11. بيئة ضريبية مواتية: يجب أن تكون الضرائب مشجعة للتوسع فى الاعمال. وعلى الرغم من أهمية الحوافز الضريبية المقصود بها جذب الاستثمارات الجديدة، إلا أن قرار الشركة بالاستثمار من عدمه يبنى عادة على كيفية تأثير النظام الضريبى على التشغيل العادى بعد إقامة المشروع. 
21. حرية التشغيل بين الأسواق: يجب أن تكون الشركة قادرة على استخدام المنتجات والخدمات التى تنتجها فى أحد الأسواق لخدمة عملياتها الإنتاجية في الأسواق المجاورة من أجل تعظيم كفاءتها الكلية وتحقيق أفضل تشغيل لخطوط انتاجها فى عدة أسواق.
أثنى عشرة وصية استبدعها خبراء الاقتصاد الأمريكيون في الولايات المتحدة الأمريكية خلال اكثر من عشرين عاما لينجو اقتصادهم الأمريكي ( وهو اعظم اقتصاد في العالم ) ولتنجو معه أمريكا أمام تحديات السوق المفتوح واقتصادياته ونحن مازال خبراؤنا الاقتصاديون يرقدون في حالة من الغيبوبة يعتريهم الهذيان بأبعاد المؤامرة فيعترينا بالتبعية الانفعال بصهيونية الخواجة ( تر اللي ) تاجر المانيفاتورة ضد وطننا العربي الامر الذي يدفعنا للمقاطعة العربية ضد صحن كشري ( أم ربيع ) لأستخدمها عدسا يحتوي على ( سوس ) إسرائيلي، انه كما لو كان إحباط موجه عن عمد ضد كل شئ وللأسف لا نجد إجابة عن أي شئ.
ولا جدال انه ومن خلال مطالعتنا للوصايا الاثنى عشرية السابقة لن يكون وطننا العربي مناخا جيدا للاستثمار داخل مناخ ما يسمى بالجات وكذلك لن يكون مناخا جيدا أيضا للاستثمار بدونها لانه وكما يقول المثل العربي ( سبق السيف العزل ) لأن الوطن قد اضطهد نفسه قبل ان يضطهده الآخرون فلا صناعة قوية او ربما ليس هناك الآن صناعة من أساسه وليس هناك قوانين تجارية تحمي المستثمر والمستهلك بل وليس هناك وضع سياسي مستقر يدفع برأس المال ان يلعب لعبته في وطننا وحفظ الله مصر التي ادركت منذ حقبة الستينيات ملامح هذه اللعبة فأوحت برجالها وعقولها ولكل ابناء الوطن بتبني فكرة السوق العربية المشتركة وهيئة التصنيع العربية ووحدة القياسات والموازين العربية بل والجات العربي مقابل فكرة الجات الاستعمارية والتي ولدتها الحرب العالمية الثانية عام 1947ولكن تبخر هذا كله في ظل الصراعات العربية والقبليات العربية والعناد العربي وربما الرفض العربي ايضا لمجرد ان الفكرة مصرية فانهارت السوق العربية المشتركة والجات العربية وكذلك الهيئة العربية للتصنيع بعد ان قدمت هذه الأخيرة وفي اقل من خمس سنوات الطائرة العربية ( آلفا جيت ) والسيارة العربية بل والدبابة العربية أيضا ولكنه العناد ( كبديهية من بديهياتنا نحن العرب ) والذي دفع المغالين والمتعصبين بسحب أموالهم العربية من مصر إمعانا في الضغط عليها بعد معاهدة السلام ليضيع كل شئ ولتصبح دولة مثل كوريا أو الهند أو باكستان وهي دول كانت تقطن ضفاف الأنهار لحظة ما كنا نمتلك تقنية الماء الثقيل بمفاعل الضبعة اكثر منا تقنية الان بل واكثر علما وقوة الامر الذي جعل العالم كله يحسب لهم الآن ألف حساب وقد كانوا يوما ما من تلامذتنا!.
أن مصيبة الجات والتي ستحل بمجتمعنا العربي كله شئنا هذا ام ابينا هي مصيبة من صنعنا نحن لا من صنع الغرب وعليه لايجب ان نبكي على اللبن المسكوب ولكن علينا ادراك ان الجات قد صارت الآن واقعا حيا ملموساً نعيشة وانه من السذاجة ان نشحذ الهمم للهجوم عليها واتهامها بخراب احلامنا الوطنية وننسى القضية الاساسية والهامة في كيفية التعامل معها والنظر الى أي جانب مشرق فيها يكون من شأنه النهوض ولو بقطاع واحد من قطاعات الوطن الذي ربما يكون ( النواة التي تسند الزير ) كما يقول المثل المصري وليعلم الجميع انه قد آن الأوان ليستغل كل ذي وطن معطيات وطنه حيث لا قيمة لصناعة كومبيوتر وطنية بألف دولار امام أخر مستورد وبنفس الجودة بسعر 300 دولار أو سيارة وطنية بمعطيات متواضعة امام مثيلتها في السعر ولها امكانات مذهلة مثلا، علينا ان نتجه الى ما كنا عليه والى ما كنا من خلاله أسيادا بين أسياد العالم، وان كانت مصر في فترة من الفترات قد داينت بريطانيا العظمي بأربعة مليارات من الجنيهات الإسترلينية بسبب تفوقها الزراعي وتقنيتها الزراعية وخبرتها الزراعية الضاربة في عمق التاريخ فعلينا الآن أن نوجه تفوقنا هذا وخبرتنا هذه للتعامل مع اتفاقية الجات ( كسيد وليس ضحية ) وننعش مجتمعنا المصري من جديد بكل ما هو ذا فكر مصري للنخاع وذا معطيات مصرية وأدوات مصرية من داخل المناخ المصري ليأتينا المستثمر راضيا أو صاغرا لأيمانه بتخصص مصر وتفوق مصر في منحى ظلت متفوقة فيه لأكثر من عشرة آلاف عام، إن مصر لن تقوى على منافسة الشركات الصناعية الكبرى والتي تنفق على أبحاثها فقط ما يساوي الدخل القومي لمصر في عام ولكنها ستتفوق على نفسها والعالم إذا نظرت بعيون مصرية الى واقعها وخبرتها ومستقبلها من خلال أبناء الوطن وليس من خلال بوابة صندوق النقد الدولي.
ان مصر بلد زراعي من الطراز الاول ولن تنجو من انياب السوق المفتوح الا بعودتها للزراعة مرة اخرى، لنزرع القطن من جديد ولنزرع الذرة والقمح لنزرع الارز كما كنا ونعود كما كان يعرفنا العالم وحتى وقت قريب بأسياد القطن والقمح، لنحول قرانا ونجوعنا مرة اخري الى البيئة الزراعية بعد ان تحولت بقدرة قادر الى مراكز وبنادر اقرب الى المناطق العشوائية بالقاهرة 
لنستثمر الجات في استيراد التقنية الزراعية الحديثة والتي ستصبح ( لإلغاء التعريفة الجمركية ) في متناول شرفاء كثيرين لنتحول الى سابق عهدنا من اعظم الدول الزراعية في العالم وهو شرف لنا لازمنا إلى وقت قريب وليس عيبا نفر منه فرار المؤمن من الجذام.
وأخيراً تحضرني مقولة السيد مايك مور مدير عام منظمة التجارة العالمية ( جات ):
أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الجات ومنظمة التجارة العالمية هي انه لا يجوز إجبار أية دولة عضو على قبول استيراد اي سلعة او القيام بأي عمل إذا كان ذلك ينطوي على مخالفة النظام العام والآداب العامة للدولة صاحبة الشأن. وهذا المبدأ منصوص عليه صراحة في المادة (20) من اتفاقية الجات.
وهنا يعقب طلال بن عبد العزيز على هذا الكلام بقوله:
وعليه فنحن أمة يجب أن نزن الأمور بميزان الحق والمصلحة في آن واحد. وليس من مصلحتنا ان نهول او نهون بغير حق على نحو يعرض مصالح الشعوب للخطر في عالم يزداد تشابكاً بحيث يخسر كل شئ كل من ينعزل عنه.

التعلب فات فات وفي ديله تعريفة الجات

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
بينما تفكر الدول النامية فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادي في ظل الاقتصاد العالمي، يكون من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب إلى المكان الذي يحتاج إليه، ويبقى في المكان الذي يحسن معاملته !
لم أجد بديلا من هذا العنوان التهكمي للدلالة على ماوصل الية ابداع رجال الاقتصاد في وطننا العربي كله من غيبوبة استمرت لأكثر من سبعة سنوات لم يقدموا فيها حلا واحدا لمواجهة أو حتى التعامل مع اتفاقية التعريفة الجمركية GENERAL AGREEMENT ON TARIFFS AND TRADE والمعروفة اختصارا باسم (GATT ) او الجات ، وظل هؤلاء الاقتصاديون العرب في كل بلد شبه مغيبون وكلما حاورهم أحد أداروا له ظهورهم حتى تركونا في وسط البحر تتقاذفنا امواج الجهل لا نعلم إن كنا سنغرق أم سيقذفون لنا بأطواق النجاة ولكن لم يكلف أحدا منهم خاطره ولو بعقد مؤتمر هامشي او حتى اجتماع مصغر على مستوي ( بائعي البطاطس ) لذر الرماد في العيون .
انهم لم يقدموا لنا شيئاً على الإطلاق سوى البكاء والنحيب والندب في أن الجات هي صهيونية العالم المتقدم و الإمبريالية الحديثة المتآمرة على خروف الاقتصاد العربي لذبحة وامتصاص دمائه حتى العظم لمصلحة الاستعمار وإسرائيل والصهيونية العالمية .
وهم (واقصد بعض الاقتصاديون العرب ) لا حاجة لهم بوجع الدماغ والبحث عن حلول للغلابة ( طافحي الدم ودافعي الضرائب من المواطنين الحفاة على خارطة الوطن من المحيط للخليج ) ماداموا يقبض الواحد منهم ما لا يقل عن 6 آلاف دولار كل شهر ويعتلى أكثر من عشرين منصبا في وقت واحد اقلها شأنا عضو مجلس إدارة أي شركة من الشركات التي كانت وطنية وخصخصتها قلة وعيهم وغيبوبتهم بل وربما تكالبهم على نسبة الدلالة و( البونص ) و ( الكوميشن ) التي يحصل عليها بعد عقد صفقاته الاسبوعية أي واحد منهم بواسطة تليفونه المحمول الامريكاني وليذهب بسطاء الوطن للجحيم. 
وبرغم حالة الانهزام هذه التي يمر بها وطننا العربي والذي اصبح مشاعا لكل من هب ودب من جيوش اجنبية وتدخلات وامتيازات الى جانب هموم الديون والبطالة وتعويم العملة في كل اصقاعة نجد ان هؤلاء الرجال كلما سألهم مخلصاً سؤالاً عن ماهي احوال الوطن فيما بعد الجات والعولمة يخرجوا علينا ليقسموا لنا ان كل شئ بخير فالوطن بخير ومياهه بخير وسماؤه بخير ورجالة بخير واقتصاده اعظم من اقتصاد امريكا وان البطالة التي يتحدث عنها البعض هي محاولة تآمرية استعمارية لتشويه التقدم الطليعي الثوري للنهوض بالوطن واسترجاع الحقوق السليبة في فلسطين التي اصبح ترديد اسمها الآن هو صك التفاعل الشعبي الذي لاغني عنه في أي نقاش لنيل الشهرة والوطنية وعليه ينتهي المطاف الى مسائل هامشية بعيدة كل البعد عن القضية الرئيسة محور النقاش وتخرج من الحوار بلا شئ الا من خفي حنين وأنت ضيق الصدر مكتئب النفس وربما متهما بالعمالة.
اننا حتى الان لم نجد من أي مسؤول اقتصادي داخل وطننا دلالة عملية واضحة ترسم لنا ملامح الطريق وتلقي لنا ولو ببصيص من النور حينما تعم السنين السوداء على الاقتصاد الوطني في وطننا العربي كلة ( كما تطالعنا الجرائد يوميا )، ولننظر إلى ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مثلا وهي التي تنتج ألان ثلث الإنتاج العالمي في الكون كله ورغم ذلك تعكف منذ عام 1983 في النداء بأنها ( أمة في خطر ) لتستنفر الهمم وتبحث عن حلول لمواجهة أي خطر حتى ولو كان خطرا هامشيا بعكس وطننا العربي الذي اصبح كل شئ فيه بخير ( ولا ندري كيف ) رغم انه يستحوذ على 40% من حجم الديون العالمي!.
يقول جون هاورد وهو مدير السياسة والبرامج الدولية فى غرفة التجارة الأمريكية ومسئول تطوير وتنفيذ البرامج الدولية بالغرفة.بينما تفكر الدول النامية فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادي فى ظل الاقتصاد العالمي، يكون من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب الى المكان الذي يحتاج اليه، ويبقى فى المكان الذي يحسن معاملته ومنذ عدة سنوات قامت غرفة التجارة الأمريكية بوضع مسح حدد ما يطلق عليه "الوصايا الأثنى عشر" أو مبادئ الاستثمار الدولى فهل قمنا نحن أيضا بعمل نصف مسح او ربع مسح ونحن أصحاب البلاد التي سيقام عليها الحد، مطلقا، لم نفعل ولن نفعل وانظروا الى الوصايا التي استبد عتها اكبر دولة في العالم لتحافظ على نفسها ( رغم أننا أحق منها بالإستبداع ):
1. سياسة مستقرة يمكن التنبؤ بها على مستوى الاقتصاد الكلى: يجب أن يكون لدى الشركات الثقة في أن الاقتصاد الذى سيستثمرون فيه أموالهم يتم أدارته بأسلوب كفء غير متذبذب أى ببساطة شديدة يجب أن يقتنع المستثمر بأن قواعد اللعبة لن تتغير فى منتصف السباق. 
2. حكومة فعالة وأمينة: يجب أن يكون المستثمر قادرا على الاعتماد على التزام الحكومة المضيفة بتطبيق القانون والنظام. 
3. سوق كبير قادر على النمو: حجم السوق الداخلى وقدرته على النمو خاصة القوة الشرائية للمستهلكين بهذا السوق. فالشركات لا تريد الاستثمار فى سوق احتمالات الربحية فيه ضعيفة. 
4. حرية النشاط فى السوق: من العوامل الهامة هنا قوة المنافسة الى جانب درجة التدخل الحكومى (سواء كان من حكومة المستثمر أو الحكومة الأخرى) فى حرية الدخول الى سوق دولة ما. فكلما زادت حرية السوق كلما كان أكثر جذبا للمستثمرين الدوليين. 
5. حد أدنى من القواعد الحكومية: يجب أن تبقى تكلفة التدخل الحكومى والقواعد الحكومية فى شئون وربحية القطاع الخاص عند الحد الأدنى. 
6. حقوق وحماية الملكية: يجب حماية الملكية الخاصة ولذلك يجب تفادى احتمالات سرقة ملكية الشركات سواء كان تلك الملكية حقيقية او غير مادية مثل براءات الاختراع او حقوق النشر، الخ..) 
7. بنية أساسية قوية: القدرة على اتمام المعاملات وتوصيل المنتجات والخدمات الى الاسواق. وقد تتمثل تلك البنية القوية فى خدمات النقل أو الكهرباء أو التأمين أو الخدمات المحاسبية أو النظام المالى أو أى من العوامل الأساسية التي لا يمكن للاستثمار أن يحقق عائد مالى بدونها. 
8. توافر عناصر الإنتاج المرتفعة الجودة: فى حين يأتى المستثمر ومعه رأس المال والتكنولوجيا والإدارة، يتوقع أن يضيف اليها من السوق المحلى العمالة الماهرة والمواد الخام وذلك لاكتمال منظومة النجاح. 
9. عملة محلية قوية: يجب أن تحافظ العملة المحلية على قيمتها. فإذا وضعت استثمارا بالدولار ثم تم تخفيض قيمة الأصول المحلية (المقيمة بالعملة المحلية) تكون قد خسرت جزء وفى بعض الاحيان كل استثمارك الاصلى بالدولار.
01. حرية تحويل الارباح والفوائد وايرادات الأسهم: إذا لم تكن للأموال حرية الخروج خارج الدولة فلماذا الاستثمار؟ 
11. بيئة ضريبية مواتية: يجب أن تكون الضرائب مشجعة للتوسع فى الاعمال. وعلى الرغم من أهمية الحوافز الضريبية المقصود بها جذب الاستثمارات الجديدة، إلا أن قرار الشركة بالاستثمار من عدمه يبنى عادة على كيفية تأثير النظام الضريبى على التشغيل العادى بعد إقامة المشروع. 
21. حرية التشغيل بين الأسواق: يجب أن تكون الشركة قادرة على استخدام المنتجات والخدمات التى تنتجها فى أحد الأسواق لخدمة عملياتها الإنتاجية في الأسواق المجاورة من أجل تعظيم كفاءتها الكلية وتحقيق أفضل تشغيل لخطوط انتاجها فى عدة أسواق.
أثنى عشرة وصية استبدعها خبراء الاقتصاد الأمريكيون في الولايات المتحدة الأمريكية خلال اكثر من عشرين عاما لينجو اقتصادهم الأمريكي ( وهو اعظم اقتصاد في العالم ) ولتنجو معه أمريكا أمام تحديات السوق المفتوح واقتصادياته ونحن مازال خبراؤنا الاقتصاديون يرقدون في حالة من الغيبوبة يعتريهم الهذيان بأبعاد المؤامرة فيعترينا بالتبعية الانفعال بصهيونية الخواجة ( تر اللي ) تاجر المانيفاتورة ضد وطننا العربي الامر الذي يدفعنا للمقاطعة العربية ضد صحن كشري ( أم ربيع ) لأستخدمها عدسا يحتوي على ( سوس ) إسرائيلي، انه كما لو كان إحباط موجه عن عمد ضد كل شئ وللأسف لا نجد إجابة عن أي شئ.
ولا جدال انه ومن خلال مطالعتنا للوصايا الاثنى عشرية السابقة لن يكون وطننا العربي مناخا جيدا للاستثمار داخل مناخ ما يسمى بالجات وكذلك لن يكون مناخا جيدا أيضا للاستثمار بدونها لانه وكما يقول المثل العربي ( سبق السيف العزل ) لأن الوطن قد اضطهد نفسه قبل ان يضطهده الآخرون فلا صناعة قوية او ربما ليس هناك الآن صناعة من أساسه وليس هناك قوانين تجارية تحمي المستثمر والمستهلك بل وليس هناك وضع سياسي مستقر يدفع برأس المال ان يلعب لعبته في وطننا وحفظ الله مصر التي ادركت منذ حقبة الستينيات ملامح هذه اللعبة فأوحت برجالها وعقولها ولكل ابناء الوطن بتبني فكرة السوق العربية المشتركة وهيئة التصنيع العربية ووحدة القياسات والموازين العربية بل والجات العربي مقابل فكرة الجات الاستعمارية والتي ولدتها الحرب العالمية الثانية عام 1947ولكن تبخر هذا كله في ظل الصراعات العربية والقبليات العربية والعناد العربي وربما الرفض العربي ايضا لمجرد ان الفكرة مصرية فانهارت السوق العربية المشتركة والجات العربية وكذلك الهيئة العربية للتصنيع بعد ان قدمت هذه الأخيرة وفي اقل من خمس سنوات الطائرة العربية ( آلفا جيت ) والسيارة العربية بل والدبابة العربية أيضا ولكنه العناد ( كبديهية من بديهياتنا نحن العرب ) والذي دفع المغالين والمتعصبين بسحب أموالهم العربية من مصر إمعانا في الضغط عليها بعد معاهدة السلام ليضيع كل شئ ولتصبح دولة مثل كوريا أو الهند أو باكستان وهي دول كانت تقطن ضفاف الأنهار لحظة ما كنا نمتلك تقنية الماء الثقيل بمفاعل الضبعة اكثر منا تقنية الان بل واكثر علما وقوة الامر الذي جعل العالم كله يحسب لهم الآن ألف حساب وقد كانوا يوما ما من تلامذتنا!.
أن مصيبة الجات والتي ستحل بمجتمعنا العربي كله شئنا هذا ام ابينا هي مصيبة من صنعنا نحن لا من صنع الغرب وعليه لايجب ان نبكي على اللبن المسكوب ولكن علينا ادراك ان الجات قد صارت الآن واقعا حيا ملموساً نعيشة وانه من السذاجة ان نشحذ الهمم للهجوم عليها واتهامها بخراب احلامنا الوطنية وننسى القضية الاساسية والهامة في كيفية التعامل معها والنظر الى أي جانب مشرق فيها يكون من شأنه النهوض ولو بقطاع واحد من قطاعات الوطن الذي ربما يكون ( النواة التي تسند الزير ) كما يقول المثل المصري وليعلم الجميع انه قد آن الأوان ليستغل كل ذي وطن معطيات وطنه حيث لا قيمة لصناعة كومبيوتر وطنية بألف دولار امام أخر مستورد وبنفس الجودة بسعر 300 دولار أو سيارة وطنية بمعطيات متواضعة امام مثيلتها في السعر ولها امكانات مذهلة مثلا، علينا ان نتجه الى ما كنا عليه والى ما كنا من خلاله أسيادا بين أسياد العالم، وان كانت مصر في فترة من الفترات قد داينت بريطانيا العظمي بأربعة مليارات من الجنيهات الإسترلينية بسبب تفوقها الزراعي وتقنيتها الزراعية وخبرتها الزراعية الضاربة في عمق التاريخ فعلينا الآن أن نوجه تفوقنا هذا وخبرتنا هذه للتعامل مع اتفاقية الجات ( كسيد وليس ضحية ) وننعش مجتمعنا المصري من جديد بكل ما هو ذا فكر مصري للنخاع وذا معطيات مصرية وأدوات مصرية من داخل المناخ المصري ليأتينا المستثمر راضيا أو صاغرا لأيمانه بتخصص مصر وتفوق مصر في منحى ظلت متفوقة فيه لأكثر من عشرة آلاف عام، إن مصر لن تقوى على منافسة الشركات الصناعية الكبرى والتي تنفق على أبحاثها فقط ما يساوي الدخل القومي لمصر في عام ولكنها ستتفوق على نفسها والعالم إذا نظرت بعيون مصرية الى واقعها وخبرتها ومستقبلها من خلال أبناء الوطن وليس من خلال بوابة صندوق النقد الدولي.
ان مصر بلد زراعي من الطراز الاول ولن تنجو من انياب السوق المفتوح الا بعودتها للزراعة مرة اخرى، لنزرع القطن من جديد ولنزرع الذرة والقمح لنزرع الارز كما كنا ونعود كما كان يعرفنا العالم وحتى وقت قريب بأسياد القطن والقمح، لنحول قرانا ونجوعنا مرة اخري الى البيئة الزراعية بعد ان تحولت بقدرة قادر الى مراكز وبنادر اقرب الى المناطق العشوائية بالقاهرة 
لنستثمر الجات في استيراد التقنية الزراعية الحديثة والتي ستصبح ( لإلغاء التعريفة الجمركية ) في متناول شرفاء كثيرين لنتحول الى سابق عهدنا من اعظم الدول الزراعية في العالم وهو شرف لنا لازمنا إلى وقت قريب وليس عيبا نفر منه فرار المؤمن من الجذام.
وأخيراً تحضرني مقولة السيد مايك مور مدير عام منظمة التجارة العالمية ( جات ):
أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الجات ومنظمة التجارة العالمية هي انه لا يجوز إجبار أية دولة عضو على قبول استيراد اي سلعة او القيام بأي عمل إذا كان ذلك ينطوي على مخالفة النظام العام والآداب العامة للدولة صاحبة الشأن. وهذا المبدأ منصوص عليه صراحة في المادة (20) من اتفاقية الجات.
وهنا يعقب طلال بن عبد العزيز على هذا الكلام بقوله:
وعليه فنحن أمة يجب أن نزن الأمور بميزان الحق والمصلحة في آن واحد. وليس من مصلحتنا ان نهول او نهون بغير حق على نحو يعرض مصالح الشعوب للخطر في عالم يزداد تشابكاً بحيث يخسر كل شئ كل من ينعزل عنه.

الاثنين، 10 فبراير 2003

مدى ملاءمة منطقة التجارة الحرة ( الجات ) لظروف الدول العربية

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
السؤال الذي يطرح نفسه بعد أخذ الدول العربية بنموذج منطقة التجارة الحرة هو: إلى أي مدى يعتبر نموذج منطقة التجارة الحرة ملائمًا للدول العربية؟ والإجابة عن هذا السؤال تعكسها الآراء المؤيدة لمنطقة التجارة الحرة العربية.
  الدول العربية يجب أن يكون لها تكتُّل اقتصادي يجمعها، خاصة في ظل انتشار التكتلات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، وكذلك في ظل الفرصة التي منحتها منظمة التجارة العالمية لقيام التكتلات الإقليمية، وهي بحد أقصى 10 سنوات من بداية انطلاق منظمة التجارة العالمية في عام 1994، وقد يأخذ التكتل الاقتصادي العربي شكل اتحاد جمركي أو سوق مشتركة أو منطقة تجارة حرة، ومن الممكن أن يصل إلى مرحلة الوحدة الاقتصادية، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه بعد أخذ الدول العربية بنموذج منطقة التجارة الحرة هو: إلى أي مدى يعتبر نموذج منطقة التجارة الحرة ملائمًا للدول العربية؟ والإجابة عن هذا السؤال تعكسها الآراء المؤيدة لمنطقة التجارة الحرة العربية. 
مقومات نجاح منطقة التجارة الحرة يرى المؤيدون لفكرة إقامة منطقة التجارة العربية الحرة وجود العديد من المقومات على الساحة العربية تؤيِّد نجاح الفكرة، وتتمثل هذه المقومات في: أ - الشروط الأساسية: 
- توفر الإرادة السياسية: حيث إن عملية التكامل الاقتصادي عملية سياسية واقتصادية في آن واحد، ووجود القرار السياسي شرط ضروري لقيام منطقة التجارة الحرة، وفي حالة منطقة التجارة الحرة العربية يلاحظ أن قرار إنشائها قد صدر على مستوى ملوك ورؤساء الدول العربية، وعلى مستوى وزراء الخارجية ووزراء المال والاقتصاد في الدول العربية، وهو ما يعني أن الإرادة السياسية متوفرة لإقامة هذه المنطقة بين الدول العربية. 
- السند القانوني لمنطقة التجارة الحرة: وهو عنصر متوفِّر في منطقة التجارة الحرة العربية، حيث إنها تستند إلى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الموقعة في إطار جامعة الدول العربية عام 1981، وهذه الاتفاقية تعتبر الإطار القانوني لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهذا الإطار القانوني يعتبر ملزمًا للدول العربية الأعضاء في منطقة التجارة الحرة، وذلك بعد إقراره من المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة، ومن الناحية القانونية تلتزم الدول العربية التي تريد الانضمام إلى البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة بالتوقيع أولاً على اتفاقية تيسير وتنمية التجارة العربية، كي تصبح طرفًا فيها، وتلتزم بتطبيق البرنامج. 
- البرنامج الزمني لإقامة منطقة التجارة الحرة: يعتبر وجود برنامج زمني لأي منطقة تجارة حرة أمرًا ضروريًا للاعتراف الدولي بها، وخاصة من قبل منظمة التجارة العالمية، وبالنسبة لمنطقة التجارة الحرة العربية.. وقد ضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية البرنامج التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة كمنهج لإقامة هذه المنطقة خلال برنامج زمني مدته عشر سنوات، وذلك بتخفيض الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم ذات الأثر المماثل بنسبة 10% سنويًا لمدة عشر سنوات تبدأ من يناير 1998 وتنتهي في عام 2007. 
- الإطار المؤسسي الفاعل: لا بد من وجود إطار مؤسسي للإشراف على تنفيذ التزامات الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة، وفض المنازعات التي تنشأ في هذا المجال، ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي جهة الإشراف الرئيسية على تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ويساعده في ذلك عدد من الأجهزة واللجان المتخصصة. 
ب - الشروط الموضوعية: 
- وجود نظم اقتصادية تقوم على الحرية الاقتصادية وإعمال آليات السوق: حيث يمكن لآليات السوق أن تعمل على تحقيق التخصُّص الإنتاجي، وتقسيم العمل بين الدول العربية على أساس ما تتمتَّع به كل دولة من مزايا نسبية وتنافسية. وهو ما بدأت معظم الدول العربية تنفيذه بالفعل مما يدعم إمكانية قيام مثل هذه المنطقة. 
- توفر إنتاج سلعي قابل للتداول: ويعني ذلك أن الدول العربية التي تمتلك قواعد إنتاجية متنوعة زراعية وصناعية تنتج كميات كبيرة من السلع تفوق حاجات الطلب المحلي لكل دولة الأمر الذي يجعل تنفيذ برنامج منطقة التجارة الحرة أكثر سهولة من الماضي. 
- تقارب مستويات التطور الاقتصادي: وذلك لأن الدول التي تتقارب فيها مستويات التطور الاقتصادي تتوزَّع مكاسب التكامل فيما بينها بشكل متقارب وأكثر عدالة، وتعتبر الدول العربية متقاربة فيما بينها من حيث التطور الاقتصادي بسبب التقارب في مستويات البحث العلمي والتكنولوجي، ومستويات تراكم رأس المال، وهو ما يسهِّل عملية التخصص الإنتاجي، وإعادة توزيع الموارد بين الدول العربية داخل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عند قيامها. 
معوقات منطقة التجارة الحرة 
على الرغم من الظروف والمقوِّمات التي تزيد من فرص نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.. إلا هناك العديد من المشاكل التي تواجه التطبيق الفعلي للبرنامج التنفيذي لهذه المنطقة العربية للتجارة الحرة، وأهم هذه المعوقات: 
- إصرار العديد من الدول العربية على فرض قيود غير جمركية على الكثير من السلع، بالرغم من النص الصريح الموجود في البرنامج بحظر وضع هذه القيود أمام السلع العربية.
- المبالغة من جانب معظم الدول العربية في حماية القطاع الزراعي، ولجوء بعض الدول العربية إلى فرض الحظر على استيراد بعض المنتجات الزراعية من الدول العربية الأعضاء. - ضعف المقومات المشجعة على التكتل الإقليمي بين الدول العربية، مثل وسائل النقل والاتصالات وضمان الاستثمارات. 
- الواقع الراهن للتجارة العربية البينية وضآلة حجمها، واستمرار بقاء الدول العربية على هامش النظام التجاري الدولي بنسبة متواضعة جدًا من حجم التجارة العالمية السلعية، وتركُّز صادراتها في النفط ومشتقاته، وبالتالي.. فلا توجد عناصر حاسمة يمكن التعويل عليها بقدرة المنطقة الحرة على زيادة حجم التجارة العربية البينية، ولا توجد مؤشرات على المستوى القومي تدعم نجاح هذه المنطقة بسبب ضعف المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الدول الأعضاء. 
- التدخل الحكومي في إدارة اقتصاديات الدول العربية، وفي عمل السوق بشكل زائد إلى جانب تناقص معدلات النمو الاقتصادي، والاعتماد على استيراد الغذاء من الخارج، وعدم وجود قاعدة صناعية، والاعتماد على التجارة مع الدول المتقدمة بشكل أساسي أيضًا.. كلها عناصر تقلِّل من نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. 
ورغم وجود هذه المعوِّقات في طريق منطقة التجارة الحرة العربية.. إلا أنه من المؤكد أن كثيرًا من عوامل التشكيك في النجاح قد زالت في السنوات الأخيرة، كما أن هناك العديد من الإجراءات التي تتخذها الدول العربية لإزالة باقي هذه المعوقات، بما يعني أنها في طريقها إلى الزوال، وهذا الاعتقاد يستند إلى العوامل التالية: 
- أخذ معظم الدول العربية ببرامج للإصلاح الاقتصادي إلى جانب الالتزام بمبادئ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعني القضاء على السياسات الحمائية التي كانت تطبق في معظم الدول العربية. 
- النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها في مجال تنويع اقتصادات دول الخليج العربي وبقية الدول العربية، وتراجع أهمية النفط والسلع الزراعية الرئيسية في الصادرات العربية لصالح المنتجات الصناعية. 
- ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي للدول العربية من الغذاء، وإن كان ما يزال هناك فجوة غذائية عربية، إلا أن الاعتماد على العالم الخارجي في استيراد الغذاء بدأ في الانخفاض. 
- الاهتمام الكبير من متخذي القرار في الدول العربية بضرورة نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهو ما يعني وجود قوة دفع سياسية قوية في التجربة العربية هذه المرة. 
- الحتمية التي تفرضها الظروف الدولية على الدول العربية، بأن يكون لها تجمّع اقتصادي لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية في عصر لا يمكن فيه لأي دولة أن تعيش بمعزل عن هذه التكتلات

مدى ملاءمة منطقة التجارة الحرة ( الجات ) لظروف الدول العربية

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
السؤال الذي يطرح نفسه بعد أخذ الدول العربية بنموذج منطقة التجارة الحرة هو: إلى أي مدى يعتبر نموذج منطقة التجارة الحرة ملائمًا للدول العربية؟ والإجابة عن هذا السؤال تعكسها الآراء المؤيدة لمنطقة التجارة الحرة العربية.
  الدول العربية يجب أن يكون لها تكتُّل اقتصادي يجمعها، خاصة في ظل انتشار التكتلات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، وكذلك في ظل الفرصة التي منحتها منظمة التجارة العالمية لقيام التكتلات الإقليمية، وهي بحد أقصى 10 سنوات من بداية انطلاق منظمة التجارة العالمية في عام 1994، وقد يأخذ التكتل الاقتصادي العربي شكل اتحاد جمركي أو سوق مشتركة أو منطقة تجارة حرة، ومن الممكن أن يصل إلى مرحلة الوحدة الاقتصادية، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه بعد أخذ الدول العربية بنموذج منطقة التجارة الحرة هو: إلى أي مدى يعتبر نموذج منطقة التجارة الحرة ملائمًا للدول العربية؟ والإجابة عن هذا السؤال تعكسها الآراء المؤيدة لمنطقة التجارة الحرة العربية. 
مقومات نجاح منطقة التجارة الحرة يرى المؤيدون لفكرة إقامة منطقة التجارة العربية الحرة وجود العديد من المقومات على الساحة العربية تؤيِّد نجاح الفكرة، وتتمثل هذه المقومات في: أ - الشروط الأساسية: 
- توفر الإرادة السياسية: حيث إن عملية التكامل الاقتصادي عملية سياسية واقتصادية في آن واحد، ووجود القرار السياسي شرط ضروري لقيام منطقة التجارة الحرة، وفي حالة منطقة التجارة الحرة العربية يلاحظ أن قرار إنشائها قد صدر على مستوى ملوك ورؤساء الدول العربية، وعلى مستوى وزراء الخارجية ووزراء المال والاقتصاد في الدول العربية، وهو ما يعني أن الإرادة السياسية متوفرة لإقامة هذه المنطقة بين الدول العربية. 
- السند القانوني لمنطقة التجارة الحرة: وهو عنصر متوفِّر في منطقة التجارة الحرة العربية، حيث إنها تستند إلى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الموقعة في إطار جامعة الدول العربية عام 1981، وهذه الاتفاقية تعتبر الإطار القانوني لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهذا الإطار القانوني يعتبر ملزمًا للدول العربية الأعضاء في منطقة التجارة الحرة، وذلك بعد إقراره من المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة، ومن الناحية القانونية تلتزم الدول العربية التي تريد الانضمام إلى البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة بالتوقيع أولاً على اتفاقية تيسير وتنمية التجارة العربية، كي تصبح طرفًا فيها، وتلتزم بتطبيق البرنامج. 
- البرنامج الزمني لإقامة منطقة التجارة الحرة: يعتبر وجود برنامج زمني لأي منطقة تجارة حرة أمرًا ضروريًا للاعتراف الدولي بها، وخاصة من قبل منظمة التجارة العالمية، وبالنسبة لمنطقة التجارة الحرة العربية.. وقد ضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية البرنامج التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة كمنهج لإقامة هذه المنطقة خلال برنامج زمني مدته عشر سنوات، وذلك بتخفيض الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم ذات الأثر المماثل بنسبة 10% سنويًا لمدة عشر سنوات تبدأ من يناير 1998 وتنتهي في عام 2007. 
- الإطار المؤسسي الفاعل: لا بد من وجود إطار مؤسسي للإشراف على تنفيذ التزامات الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة، وفض المنازعات التي تنشأ في هذا المجال، ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي جهة الإشراف الرئيسية على تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ويساعده في ذلك عدد من الأجهزة واللجان المتخصصة. 
ب - الشروط الموضوعية: 
- وجود نظم اقتصادية تقوم على الحرية الاقتصادية وإعمال آليات السوق: حيث يمكن لآليات السوق أن تعمل على تحقيق التخصُّص الإنتاجي، وتقسيم العمل بين الدول العربية على أساس ما تتمتَّع به كل دولة من مزايا نسبية وتنافسية. وهو ما بدأت معظم الدول العربية تنفيذه بالفعل مما يدعم إمكانية قيام مثل هذه المنطقة. 
- توفر إنتاج سلعي قابل للتداول: ويعني ذلك أن الدول العربية التي تمتلك قواعد إنتاجية متنوعة زراعية وصناعية تنتج كميات كبيرة من السلع تفوق حاجات الطلب المحلي لكل دولة الأمر الذي يجعل تنفيذ برنامج منطقة التجارة الحرة أكثر سهولة من الماضي. 
- تقارب مستويات التطور الاقتصادي: وذلك لأن الدول التي تتقارب فيها مستويات التطور الاقتصادي تتوزَّع مكاسب التكامل فيما بينها بشكل متقارب وأكثر عدالة، وتعتبر الدول العربية متقاربة فيما بينها من حيث التطور الاقتصادي بسبب التقارب في مستويات البحث العلمي والتكنولوجي، ومستويات تراكم رأس المال، وهو ما يسهِّل عملية التخصص الإنتاجي، وإعادة توزيع الموارد بين الدول العربية داخل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عند قيامها. 
معوقات منطقة التجارة الحرة 
على الرغم من الظروف والمقوِّمات التي تزيد من فرص نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.. إلا هناك العديد من المشاكل التي تواجه التطبيق الفعلي للبرنامج التنفيذي لهذه المنطقة العربية للتجارة الحرة، وأهم هذه المعوقات: 
- إصرار العديد من الدول العربية على فرض قيود غير جمركية على الكثير من السلع، بالرغم من النص الصريح الموجود في البرنامج بحظر وضع هذه القيود أمام السلع العربية.
- المبالغة من جانب معظم الدول العربية في حماية القطاع الزراعي، ولجوء بعض الدول العربية إلى فرض الحظر على استيراد بعض المنتجات الزراعية من الدول العربية الأعضاء. - ضعف المقومات المشجعة على التكتل الإقليمي بين الدول العربية، مثل وسائل النقل والاتصالات وضمان الاستثمارات. 
- الواقع الراهن للتجارة العربية البينية وضآلة حجمها، واستمرار بقاء الدول العربية على هامش النظام التجاري الدولي بنسبة متواضعة جدًا من حجم التجارة العالمية السلعية، وتركُّز صادراتها في النفط ومشتقاته، وبالتالي.. فلا توجد عناصر حاسمة يمكن التعويل عليها بقدرة المنطقة الحرة على زيادة حجم التجارة العربية البينية، ولا توجد مؤشرات على المستوى القومي تدعم نجاح هذه المنطقة بسبب ضعف المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الدول الأعضاء. 
- التدخل الحكومي في إدارة اقتصاديات الدول العربية، وفي عمل السوق بشكل زائد إلى جانب تناقص معدلات النمو الاقتصادي، والاعتماد على استيراد الغذاء من الخارج، وعدم وجود قاعدة صناعية، والاعتماد على التجارة مع الدول المتقدمة بشكل أساسي أيضًا.. كلها عناصر تقلِّل من نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. 
ورغم وجود هذه المعوِّقات في طريق منطقة التجارة الحرة العربية.. إلا أنه من المؤكد أن كثيرًا من عوامل التشكيك في النجاح قد زالت في السنوات الأخيرة، كما أن هناك العديد من الإجراءات التي تتخذها الدول العربية لإزالة باقي هذه المعوقات، بما يعني أنها في طريقها إلى الزوال، وهذا الاعتقاد يستند إلى العوامل التالية: 
- أخذ معظم الدول العربية ببرامج للإصلاح الاقتصادي إلى جانب الالتزام بمبادئ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعني القضاء على السياسات الحمائية التي كانت تطبق في معظم الدول العربية. 
- النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها في مجال تنويع اقتصادات دول الخليج العربي وبقية الدول العربية، وتراجع أهمية النفط والسلع الزراعية الرئيسية في الصادرات العربية لصالح المنتجات الصناعية. 
- ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي للدول العربية من الغذاء، وإن كان ما يزال هناك فجوة غذائية عربية، إلا أن الاعتماد على العالم الخارجي في استيراد الغذاء بدأ في الانخفاض. 
- الاهتمام الكبير من متخذي القرار في الدول العربية بضرورة نجاح منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهو ما يعني وجود قوة دفع سياسية قوية في التجربة العربية هذه المرة. 
- الحتمية التي تفرضها الظروف الدولية على الدول العربية، بأن يكون لها تجمّع اقتصادي لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية في عصر لا يمكن فيه لأي دولة أن تعيش بمعزل عن هذه التكتلات

الاثنين، 3 فبراير 2003

أنا الضايع ( وإبن الكلب ) والغلطان



mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
ف وسط البحر ودوني لحد الخوف وقالوا أحلم
ف وسط البحر متكتف وأنا مخطوف وقالوا أحلم
فقلت أحلم .. 
قعدت أحلم وأنا بغرق بأني أفهم
قعدت أبكي .. 
بدون ماأحكي ولا أشكي يجوز أفهم
لكني لسة مافهمتش .. 
لحد اللحظة ماعرفتش .. 
غير إني بقيت 
أنا الضايع ( وإبن الكلب ) والغلطان
وإن محبتي ليكي أساس الأزمة والفلتان
قالولي تهمتك حلمك تكون فارس .. 
تكون عاشق .. 
تكون حارس
قالولي تهمتك إنك ..
حلمت ف يوم تكون .. إنسان !!
كلام للحق ماقدرتش أكون فارس .. 
ولا قدرتش أكون حارس 
ولا عرفتش أكون عاشق ولا إنسان
لأن عصابة ( الغميضة ) حاوطوني على غفله
ووسط البحر ودوني لحد الخوف وقالوا أحلم
وماحلمتش .. ومافهمتش .. وماعرفتش
غير إني بقيت ..
وبإرادتي ..
أنا الضايع ( وإبن الكلب ) والغلطان

أنا الضايع ( وإبن الكلب ) والغلطان



mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
ف وسط البحر ودوني لحد الخوف وقالوا أحلم
ف وسط البحر متكتف وأنا مخطوف وقالوا أحلم
فقلت أحلم .. 
قعدت أحلم وأنا بغرق بأني أفهم
قعدت أبكي .. 
بدون ماأحكي ولا أشكي يجوز أفهم
لكني لسة مافهمتش .. 
لحد اللحظة ماعرفتش .. 
غير إني بقيت 
أنا الضايع ( وإبن الكلب ) والغلطان
وإن محبتي ليكي أساس الأزمة والفلتان
قالولي تهمتك حلمك تكون فارس .. 
تكون عاشق .. 
تكون حارس
قالولي تهمتك إنك ..
حلمت ف يوم تكون .. إنسان !!
كلام للحق ماقدرتش أكون فارس .. 
ولا قدرتش أكون حارس 
ولا عرفتش أكون عاشق ولا إنسان
لأن عصابة ( الغميضة ) حاوطوني على غفله
ووسط البحر ودوني لحد الخوف وقالوا أحلم
وماحلمتش .. ومافهمتش .. وماعرفتش
غير إني بقيت ..
وبإرادتي ..
أنا الضايع ( وإبن الكلب ) والغلطان

الخميس، 14 نوفمبر 2002

كتاب بوش يخوض الحرب - تأليف: بوب وودوارد، عرض ومناقشة: محمد الخولي

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
في الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في أدائه ما يبعث على الاطمئنان، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه !
هذا الكتاب.. صدر منذ أسابيع وما زال يحدث ضجة في أوساط السياسة ودوائر الاعلام في أميركا، وقد راجع بوب وودوارد محاضر ومذكرات أكثر من 50 اجتماعا لمجلس الأمن القومي، ويعد مؤلف الكتاب بوب وودوارد في طليعة الكتاب، المحققين ، الباحثين في الصحافة الأميركية، يرتبط اسمه بعدد من أهم الكتب السياسية التي قام بتأليفها أو شارك في اعدادها ابتداء من كتاب «كل رجال الرئيس» حول فضيحة ووترجيت (1974) الى كتاب «الحجاب» حول نشاط المخابرات المركزية الأميركية (1987) الى كتاب «القادة» (1991) حول ملابسات حرب الخليج الثانية. 
صباح الثلاثاء، الحادي عشر من سبتمبر، تناول السيناتور السابق رشفة من فنجان الشاي وسأل صديقه مدير المخابرات المركزية: ـ ترى ماذا يشغلك هذه الأيام؟ أجاب تينيت في كلمة واحدة: ـ ابن لادن. 
كان تينيت مشغولا بصاحب هذا الاسم على مدى العامين اللذين مضيا، ولدرجة أن تصور المحيطون به أن ابن لادن أصبح هاجسا كأنه وسواس تقمص عقل وفكر مدير المخابرات في واشنطن، وكان المدير يتوقع هجوما ارهابيا في كل لحظة يدبره ابن لادن، وقد خلص من واقع تجسسه على اتصالات دارت في صيف عام 2001 ـ وكان عدد الاتصالات بالتحديد هو 34 مخابرة ـ الى أن شيئا خطيرا في طريقه الى الحدوث، وكان المتوقع أن يحدث يوم 4 يوليو 2001 ـ يوم احتفالات أميركا السنوية بعيد استقلالها، لكن انقضت الاحتفالات وتوالت الأيام ولم يحدث شيء ولا بدت أخطار تلوح في الأفق ولا استطاعت دوائر الاستخبارات أن تحدد ماهية الخطر المتوقع ولا ظروف وقوعه لا من حيث المكان ولا من حيث الزمان. 
فجأة، شق عدد من حراس تينيت ـ بشكل غير مألوف ـ طريقهم الى مائدة مدير المخابرات المركزية ثم وقف أحدهم جامدا كتمثال ليقول: ـ سيادة المدير، ثمة مشكلة خطيرة. 
ـ تكلم. 
ـ مركز التجارة العالمي تعرض للهجوم. 
فيما طار تينيت بسيارته الى مقر وكالة المخابرات المركزية في ضاحية لانغلي قرب واشنطن، كان طبيعيا أن تستعرض ذاكرته شريط السنوات الخمس السابقة التي انشغلت فيها دوائر الاستخبارات والمباحث الأميركية بحكاية «أسامة بن لادن» وتنظيم «القاعدة»، ارتفعت حرارة هذا الانشغال بالذات في عام 1998 الذي شهد حادثة تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا، في ذلك الوقت أمر الرئيس كلينتون باطلاق 66 صاروخا لقصف معسكرات التدريب في أفغانستان حيث كان المعتقد أن ابن لادن يعقد اجتماعا فائق الأهمية، وجاء القصف بغير جدوى. 
وفي عام 1999 بدأت المخابرات الأميركية عملية سرية شملت تدريب 60 من أفراد الكوماندوز الذين اختيروا من المخابرات الباكستانية لتكليفهم بدخول أفغانستان والقبض على ابن لادن أسيرا، وطرحت عملية أخرى تهدف الى توقيفه على يد قوة أميركية خاصة محمولة على متن طائرات هليكوبتر قوامها 40 رجلا. 
اقترحوا أيضا عمليات أخرى ولكنها لم تصل الى نهايتها بسبب محاذير شتى من الفشل ومن الانكشاف وخاصة اذا ما وقعت خسائر بشرية في صفوف الأميركيين. 
ومن الأسرار التي ظلت حبيسة الصدور والملفات ذلك السر المتعلق بتجنيد 40 عميلا أفغانيا يشكلون مجموعة عمل تحمل اسم «سنيور» ويتكلفون عشرة آلاف دولار شهريا ويكلفون بتقصي آثار ابن لادن في أراضي أفغانستان وهم مزودون بما يلزم من سيارات ودراجات بخارية ـ والمدهش أن المجموعة المذكورة كانت تنجح في تحديد موقع وجود «المذكور» ولكنها لم تكن تنجح في تقديم معلومات حول فترة هذا الوجود بحيث يتم على أساسها التخطيط للقصف أو الهجوم. 
مع هذا كله فقد فشلت الاستخبارات المركزية في تجنيد عنصر بشري ـ جاسوس موثوق ضمن الدائرة المحيطة بابن لادن يمكن من خلاله التزويد بالمعلومات المطلوبة لمثل هذا القصف أو المداهمة أو الهجوم. 
لورا وتوكواز وتوينكل كان الرئيس بوش جالسا يقرأ سطورا من كتاب على مسامع أطفال في الصف الثاني بمدرسة ساروسوتا الابتدائية في فلوريدا حين أبلغه مستشاره كارل روف باصطدام طائرة مدنية بالمركز التجاري، ظن الرئيس أنها غلطة طيار، لكن ها هو رئيس ديوان البيت الأبيض أندرو كارد يقاطع رئيس الدولة ويهمس في أذنه قائلا: ـ طائرة ثانية صدمت البرج الثاني، أميركا تتعرض للهجوم. 
لقطة الكاميرا التي سجلت هذه اللحظة صورت رئيس أكبر دولة في العالم، شبك يديه في حجره، اكتسى وجهه بسحابة قاتمة كادت ملامحه تتجمد، وتشي بقدر ملحوظ من الارتباك وفي هذا يقول بوش (في تصريح سجله مؤلف الكتاب): ـ كان تفكيري هو: أنهم أعلنوا الحرب علينا وكان عزمي في تلك اللحظة أننا سوف نخوض غمار الحرب. 
في عصبية ظاهرة حرص رجال أمن البيت الأبيض على أن يتخذ الرئيس مكانه بأسرع ما يمكن على متن طائرة السلاح الجوي رقم واحد، وكان أول أوامره هو تأمين زوجته وابنتيه وبعد أن تحفظوا على لورا بوش في مكان أمين كانت مشكلتهم تتمثل في توكواز وتوينكل ـ وهما الاسمان الوهميان ـ الرمزيان لابنتي الرئيس بوش التوأم وحين حددوا مكان كل منهما وضعوا الأولى بربارا في مكتب المخابرات في نيوهافن شمالي ولاية نيويورك وتحفظوا على شقيقتها جينا في فندق ديرسكيل في أوستن ـ تكساس، وهي الولاية الأساسية لعائلة بوش بأكملها. 
تعكس وثائق تلك الساعات العصيبة ـ وبعضها تم اعلانه وبعضها مازال قيد السرية ـ قدرا واضحا من الفوضى والخلط والارتباك، كانت قد انقضت ثلاث ساعات ويزيد دون أن يسمع الناس خطابا أو تصريحا من الرئيس أو من أي مسئول كبير في الادارة بواشنطن. 
وفي الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في ادائه ما يبعث على الاطمئنان (كانت طائرة ثالثة قد ضربت مباني وزارة الدفاع ـ البنتاغون)، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه ختام البيان المؤلف من 219 كلمة من البيان الذي كان يلقيه على مسامع الأمة والعالم وكان الختام بعبارة قال فيها: ـ سيرى العالم أننا سوف نجتاز الامتحان. 

في الثالثة والنصف عصرا انعقد أول اجتماع لمجلس الأمن القومي لبحث الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة، لم يعقد الاجتماع كما هي العادة في قاعة البيت الأبيض، بل عقد في قاعدة جوية نائية بولاية نبراسكا، من جانبه أكد مدير المخابرات المركزية أنه يعتقد ـ بما يشبه اليقين ـ أن ابن لادن وراء الهجوم وأضاف أن راصدي الاتصالات بين أركان «القاعدة» أفادوا بأن عددا منهم، من المعروفين لدى دوائر الاستخبارات، تبادلوا التهاني بعد الهجوم، مع ذلك فقد ساد الاجتماع شعور بأن لا المخابرات المركزية ولا مكتب المباحث الفيدرالية كانا على مستوى الموقف، لا من حيث التوقعات ولا التحذيرات ولا موثوقية المعلومات، وربما لهذا السبب فقد بدأت المخابرات المركزية تموج بنشاط محموم وخاصة في مكتب مكافحة الارهاب ويتولى رئاسته جيمس بافيت الذي بعث الى مرؤوسيه المنتشرين في مكاتب الوكالة في أنحاء شتى من خريطة العالم برسالة سرية تحثهم على «مضاعفة جهودهم في جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه المأساة»، واختتم رسالته بدعوة ضباط مخابراته الى أن يشاركوه في «صلاة صامتة من أجل الآلاف الذين لقوا حتفهم اليوم ومن أجل أحبائهم الذين باتوا وحيدين من بعدهم» (يلاحظ تكرار لجوء المسئولين الأميركيين الذين يعرض لهم هذا الكتاب الى الصلوات والأدعية في مناسبات متعددة وخاصة في مستهل ما يعقدونه من لقاءات واجتماعات). 
ميلاد مبدأ بوش في المساء قرر الرئيس بوش أن يلقي بياناً على الأمة، جاءه كبير كاتبي خُطبه، مايكل كارسون بمسودة البيان وكانت تحوي عبارات تقول: ـ «ليس هذا عملا من أعمال الارهاب بل عمل من أعمال الحرب». 
وكانت العبارات ـ كما توخى كاتبها المحترف ـ تعكس المزاج النفسي للرئيس بوش على نحو ما شهدته ساعات النهار ـ لكنه استدعى مستشارته الأقدم كارين هيوز قائلا: ـ احذفوا هذه العبارات من البيان. 
لماذا؟ لأنه يريد ألا يزيد الناس غمّا بل يود أن يبعث في أفئدتهم بشعور من الطمأنينة ثم كان هناك تغيير آخر، وكان تغييرا جذريا وخطيرا أيضا، مشروع البيان كان يحوي عبارات تقول: ـ إن الولايات المتحدة لن تميز بين الذين خططوا لتلك الأعمال (الارهابية) وبين الذين تسامحوا مع الارهابيين أو شجعوهم. 
كان جورج دبليو بوش قد استقر أخيرا في مكتب الرئاسة البيضاوي وحين راجع مشروع البيان، علق على هذه العبارات قائلا: ـ إنها شديدة الغموض. 
ثم اقترح استخدام تعبير «يؤوي» وهكذا أصبحت سطور البيان الرسمي الذي سمعه العالم تفيد بأن أميركا لن تفّرق بين الذين خططوا وبين الذين يؤوون الارهابيين. 
وجاءت تلك العبارة لتجسد ما أصبح يعرف بعد ذلك باسم «مبدأ بوش» وجاءت أيضا ـ في رأي مؤلف الكتاب ـ لتشكل «إلتزاما عميقا بشكل لا يصدق بملاحقة الارهابيين ومن يحتضنونهم ومن يحمونهم، وقد تم اتخاذ هذا القرار دون مشاورة تشيني نائب الرئيس ولا باول وزير الخارجية ولا رامسفيلد وزير الدفاع». 
المسئول الوحيد الذي تمت مراجعته كانت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي وهي ـ كما يصفها المؤلف ـ تتبع أسلوب عدم الزام نفسها بشئ إلا إذا تعرضت لضغط من جانب الرئيس، وقد بدأت بأن قالت له: ـ تستطيع أن تقول ذلك الآن، ولكن أمامك فرص أخرى لكي تقوله. 
لكنها عادت لتحّبذ اعلان «المبدأ» في المساء ذاته على أساس أن أول ما يقال هو الأنجع والأهم من حيث الفعالية وعمق التأثير. 
في أول اجتماع لكبار الوزراء بعد أحداث سبتمبر ثارت تساؤلات عديدة، وكان أغلبها من جانب وزير الدفاع رامسفيلد الذي جاء الى البيت الأبيض وفي جيبه قائمة من ورقة واحدة تحوي أسئلة محورية تطلب اجابات شافية من قبيل: من نستهدف؟، كم من القرائن نمتلك لكي نخوض حربا ضد «القاعدة»؟ ضمن أي فترة زمنية؟ هل سيشارك في ذلك حلفاء أميركا؟، الخ. 
قال مدير المخابرات: أن طالبان والقاعدة هما شيء واحد. 
قال وزير الحربية: علينا ألا نقتصر على استخدام أدوات الحرب بل نستخدم كل قدراتنا القومية القانونية والمالية والدبلوماسية والمخابراتية. 
عاد مدير المخابرات المركزية يقول: ـ على الرغم من أن تنظيم القاعدة يتخذ مقره في أفغانستان إلا أنه يعمل على مستوى العالم كله، وفي جميع القارات ومن ثم فأمامنا مشكلة 60 بلدا. 
قال الرئيس بوش: فلنلتقط كل بلد منها مرة على حدة. 
قال وزير الحربية إن المشكلة ليست ابن لادن أو القاعدة وحسب بل هي أيضا في الأقطار التي دعمت الارهاب. 
قال الرئيس: علينا أن نجبر الأقطار على الاختيار. 
وحين انفض الاجتماع، كان الرئيس الذي لم يجرب ولا تدرب في مضمار الأمن القومي على وشك أن يبدأ السير على طريق الحرب المعقد الطويل من دون أن يمتلك خريطة يعتد بها توضح معالم هذا الطريق. 
خطط أوسع نطاقاً في الحادية عشرة وثماني دقائق بالضبط من الليلة نفسها، اقتحم رجال الأمن مخدع الرئيس بوش في البيت الأبيض، أيقظوه مع قرينته وهرعوا لاصطحابهما الى الملجأ الآمن في المقر الرئاسي، السبب هو ان طائرة مجهولة بدت في تلك اللحظات المشحونة بالتوتر وكأنها تقصد تحديدا البيت الأبيض، كان الرئيس يرتدي شورت الركض وعليه قميص بسيط، وكانت السيدة بوش ترتدي الروب المنزلي وتتحرك بغير عدساتها اللاصقة وقد هرع في أثرهما كلباهما سبوت وبارني، وفي الممر الطويل المفضي الى الملجأ، التقيا بالمستشارة رايس وعدد من كبار موظفي الرئاسة، كان الجميع في سباق الى حيث مخبأ الأمان، ورغم أن الطائرة أمكن تحديد شخصيتها بعد أن أخطأ قائدها بغير قصد مساره الجوي، فقد أراد رجال الخدمة السرية أن يقضي الرئيس ليلته في الملجأ، ألقى الرئيس نظرة على السرير الصغير البسيط ثم أعلن أنه عائد الى السكن الرئاسي، وما أن بلغ جناحه حتى آثر أن يملي عبارات من مذكراته التي يحرص على تسجيلها أسوة بوالده الرئيس الأسبق، يومها أملى جورج دبليو بوش العبارة التالية على جهاز التسجيل: ـ اليوم، وقعت «بيرل هاربور» القرن الحادي والعشرين. 
الثامنة تماما من صباح اليوم التالي، 12 سبتمبر وصل جورج تينيت كعادته الى المكتب البيضاوي لتقديم موجز الاستخبارات اليومي الى الرئيس، كان الموجز يحوي استعراضا للمعلومات السرية المتاحة بشأن متابعة ابن لادن وكبار معاونيه، من هذه المعلومات تقرير من قندهار أوضح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت محصلة تخطيط دام عامين ومن هذه التقارير أيضا ما أفاد بأن أركان القاعدة قدموا شكرهم على الانفجار الذي أصاب مبنى الكونغرس، ولم يكن هذا صحيحا بطبيعة الحال. كان الرئيس بوش ينفذ تدريجيا داخل زوايا الصورة، كانت ادارة كلينتون السابقة قد بدأت عمليات سرية داخل أفغانستان وقدمت عدة ملايين من الدولارات لقوات التحالف الشمالي المعارض ـ وقتها ـ لنظام طالبان في العاصمة كابل، وكانت المخابرات المركزية تحتفظ بصلات أيضا مع زعماء القبائل في جنوبي أفغانستان وكان لها كذلك عدة فرق شبه عسكرية تدخل أفغانستان وتخرج منها لادارة هذا النوع من الاتصالات. 
لكن بعد الأحداث الجديدة، ها هو مدير المخابرات المركزية يطلب الى رئيسه أن يوافق على خطط أوسع نطاقا وأبعد مدى وأفدح من حيث التكاليف وها هو مؤلف الكتاب يختتم الفصل الثالث بعبارات تقول: من ناحية هذه التكاليف الباهظة فإن مدير المخابرات المركزية الأميركية لم يحدد رقما بعينه، فالعملية تكاد تصل من حيث الكلفة الى نحو مليار دولار. 
وهنا قال الرئيس بوش: لا عليك، نفّذ مهما كانت التكاليف!

كتاب بوش يخوض الحرب - تأليف: بوب وودوارد، عرض ومناقشة: محمد الخولي

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
في الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في أدائه ما يبعث على الاطمئنان، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه !
هذا الكتاب.. صدر منذ أسابيع وما زال يحدث ضجة في أوساط السياسة ودوائر الاعلام في أميركا، وقد راجع بوب وودوارد محاضر ومذكرات أكثر من 50 اجتماعا لمجلس الأمن القومي، ويعد مؤلف الكتاب بوب وودوارد في طليعة الكتاب، المحققين ، الباحثين في الصحافة الأميركية، يرتبط اسمه بعدد من أهم الكتب السياسية التي قام بتأليفها أو شارك في اعدادها ابتداء من كتاب «كل رجال الرئيس» حول فضيحة ووترجيت (1974) الى كتاب «الحجاب» حول نشاط المخابرات المركزية الأميركية (1987) الى كتاب «القادة» (1991) حول ملابسات حرب الخليج الثانية. 
صباح الثلاثاء، الحادي عشر من سبتمبر، تناول السيناتور السابق رشفة من فنجان الشاي وسأل صديقه مدير المخابرات المركزية: ـ ترى ماذا يشغلك هذه الأيام؟ أجاب تينيت في كلمة واحدة: ـ ابن لادن. 
كان تينيت مشغولا بصاحب هذا الاسم على مدى العامين اللذين مضيا، ولدرجة أن تصور المحيطون به أن ابن لادن أصبح هاجسا كأنه وسواس تقمص عقل وفكر مدير المخابرات في واشنطن، وكان المدير يتوقع هجوما ارهابيا في كل لحظة يدبره ابن لادن، وقد خلص من واقع تجسسه على اتصالات دارت في صيف عام 2001 ـ وكان عدد الاتصالات بالتحديد هو 34 مخابرة ـ الى أن شيئا خطيرا في طريقه الى الحدوث، وكان المتوقع أن يحدث يوم 4 يوليو 2001 ـ يوم احتفالات أميركا السنوية بعيد استقلالها، لكن انقضت الاحتفالات وتوالت الأيام ولم يحدث شيء ولا بدت أخطار تلوح في الأفق ولا استطاعت دوائر الاستخبارات أن تحدد ماهية الخطر المتوقع ولا ظروف وقوعه لا من حيث المكان ولا من حيث الزمان. 
فجأة، شق عدد من حراس تينيت ـ بشكل غير مألوف ـ طريقهم الى مائدة مدير المخابرات المركزية ثم وقف أحدهم جامدا كتمثال ليقول: ـ سيادة المدير، ثمة مشكلة خطيرة. 
ـ تكلم. 
ـ مركز التجارة العالمي تعرض للهجوم. 
فيما طار تينيت بسيارته الى مقر وكالة المخابرات المركزية في ضاحية لانغلي قرب واشنطن، كان طبيعيا أن تستعرض ذاكرته شريط السنوات الخمس السابقة التي انشغلت فيها دوائر الاستخبارات والمباحث الأميركية بحكاية «أسامة بن لادن» وتنظيم «القاعدة»، ارتفعت حرارة هذا الانشغال بالذات في عام 1998 الذي شهد حادثة تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا، في ذلك الوقت أمر الرئيس كلينتون باطلاق 66 صاروخا لقصف معسكرات التدريب في أفغانستان حيث كان المعتقد أن ابن لادن يعقد اجتماعا فائق الأهمية، وجاء القصف بغير جدوى. 
وفي عام 1999 بدأت المخابرات الأميركية عملية سرية شملت تدريب 60 من أفراد الكوماندوز الذين اختيروا من المخابرات الباكستانية لتكليفهم بدخول أفغانستان والقبض على ابن لادن أسيرا، وطرحت عملية أخرى تهدف الى توقيفه على يد قوة أميركية خاصة محمولة على متن طائرات هليكوبتر قوامها 40 رجلا. 
اقترحوا أيضا عمليات أخرى ولكنها لم تصل الى نهايتها بسبب محاذير شتى من الفشل ومن الانكشاف وخاصة اذا ما وقعت خسائر بشرية في صفوف الأميركيين. 
ومن الأسرار التي ظلت حبيسة الصدور والملفات ذلك السر المتعلق بتجنيد 40 عميلا أفغانيا يشكلون مجموعة عمل تحمل اسم «سنيور» ويتكلفون عشرة آلاف دولار شهريا ويكلفون بتقصي آثار ابن لادن في أراضي أفغانستان وهم مزودون بما يلزم من سيارات ودراجات بخارية ـ والمدهش أن المجموعة المذكورة كانت تنجح في تحديد موقع وجود «المذكور» ولكنها لم تكن تنجح في تقديم معلومات حول فترة هذا الوجود بحيث يتم على أساسها التخطيط للقصف أو الهجوم. 
مع هذا كله فقد فشلت الاستخبارات المركزية في تجنيد عنصر بشري ـ جاسوس موثوق ضمن الدائرة المحيطة بابن لادن يمكن من خلاله التزويد بالمعلومات المطلوبة لمثل هذا القصف أو المداهمة أو الهجوم. 
لورا وتوكواز وتوينكل كان الرئيس بوش جالسا يقرأ سطورا من كتاب على مسامع أطفال في الصف الثاني بمدرسة ساروسوتا الابتدائية في فلوريدا حين أبلغه مستشاره كارل روف باصطدام طائرة مدنية بالمركز التجاري، ظن الرئيس أنها غلطة طيار، لكن ها هو رئيس ديوان البيت الأبيض أندرو كارد يقاطع رئيس الدولة ويهمس في أذنه قائلا: ـ طائرة ثانية صدمت البرج الثاني، أميركا تتعرض للهجوم. 
لقطة الكاميرا التي سجلت هذه اللحظة صورت رئيس أكبر دولة في العالم، شبك يديه في حجره، اكتسى وجهه بسحابة قاتمة كادت ملامحه تتجمد، وتشي بقدر ملحوظ من الارتباك وفي هذا يقول بوش (في تصريح سجله مؤلف الكتاب): ـ كان تفكيري هو: أنهم أعلنوا الحرب علينا وكان عزمي في تلك اللحظة أننا سوف نخوض غمار الحرب. 
في عصبية ظاهرة حرص رجال أمن البيت الأبيض على أن يتخذ الرئيس مكانه بأسرع ما يمكن على متن طائرة السلاح الجوي رقم واحد، وكان أول أوامره هو تأمين زوجته وابنتيه وبعد أن تحفظوا على لورا بوش في مكان أمين كانت مشكلتهم تتمثل في توكواز وتوينكل ـ وهما الاسمان الوهميان ـ الرمزيان لابنتي الرئيس بوش التوأم وحين حددوا مكان كل منهما وضعوا الأولى بربارا في مكتب المخابرات في نيوهافن شمالي ولاية نيويورك وتحفظوا على شقيقتها جينا في فندق ديرسكيل في أوستن ـ تكساس، وهي الولاية الأساسية لعائلة بوش بأكملها. 
تعكس وثائق تلك الساعات العصيبة ـ وبعضها تم اعلانه وبعضها مازال قيد السرية ـ قدرا واضحا من الفوضى والخلط والارتباك، كانت قد انقضت ثلاث ساعات ويزيد دون أن يسمع الناس خطابا أو تصريحا من الرئيس أو من أي مسئول كبير في الادارة بواشنطن. 
وفي الساعة الثانية عشرة وست وثلاثين دقيقة، تكلم الرئيس بوش: اكتست عيناه هالات من الاحمرار ولم يكن في ادائه ما يبعث على الاطمئنان (كانت طائرة ثالثة قد ضربت مباني وزارة الدفاع ـ البنتاغون)، وحين تكلم الرئيس كان مضطربا وكان يخطئ في تهجئة ونطق الكلمات، لكنه بدا كمن يستجمع رباطة جأشه ختام البيان المؤلف من 219 كلمة من البيان الذي كان يلقيه على مسامع الأمة والعالم وكان الختام بعبارة قال فيها: ـ سيرى العالم أننا سوف نجتاز الامتحان. 

في الثالثة والنصف عصرا انعقد أول اجتماع لمجلس الأمن القومي لبحث الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة، لم يعقد الاجتماع كما هي العادة في قاعة البيت الأبيض، بل عقد في قاعدة جوية نائية بولاية نبراسكا، من جانبه أكد مدير المخابرات المركزية أنه يعتقد ـ بما يشبه اليقين ـ أن ابن لادن وراء الهجوم وأضاف أن راصدي الاتصالات بين أركان «القاعدة» أفادوا بأن عددا منهم، من المعروفين لدى دوائر الاستخبارات، تبادلوا التهاني بعد الهجوم، مع ذلك فقد ساد الاجتماع شعور بأن لا المخابرات المركزية ولا مكتب المباحث الفيدرالية كانا على مستوى الموقف، لا من حيث التوقعات ولا التحذيرات ولا موثوقية المعلومات، وربما لهذا السبب فقد بدأت المخابرات المركزية تموج بنشاط محموم وخاصة في مكتب مكافحة الارهاب ويتولى رئاسته جيمس بافيت الذي بعث الى مرؤوسيه المنتشرين في مكاتب الوكالة في أنحاء شتى من خريطة العالم برسالة سرية تحثهم على «مضاعفة جهودهم في جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه المأساة»، واختتم رسالته بدعوة ضباط مخابراته الى أن يشاركوه في «صلاة صامتة من أجل الآلاف الذين لقوا حتفهم اليوم ومن أجل أحبائهم الذين باتوا وحيدين من بعدهم» (يلاحظ تكرار لجوء المسئولين الأميركيين الذين يعرض لهم هذا الكتاب الى الصلوات والأدعية في مناسبات متعددة وخاصة في مستهل ما يعقدونه من لقاءات واجتماعات). 
ميلاد مبدأ بوش في المساء قرر الرئيس بوش أن يلقي بياناً على الأمة، جاءه كبير كاتبي خُطبه، مايكل كارسون بمسودة البيان وكانت تحوي عبارات تقول: ـ «ليس هذا عملا من أعمال الارهاب بل عمل من أعمال الحرب». 
وكانت العبارات ـ كما توخى كاتبها المحترف ـ تعكس المزاج النفسي للرئيس بوش على نحو ما شهدته ساعات النهار ـ لكنه استدعى مستشارته الأقدم كارين هيوز قائلا: ـ احذفوا هذه العبارات من البيان. 
لماذا؟ لأنه يريد ألا يزيد الناس غمّا بل يود أن يبعث في أفئدتهم بشعور من الطمأنينة ثم كان هناك تغيير آخر، وكان تغييرا جذريا وخطيرا أيضا، مشروع البيان كان يحوي عبارات تقول: ـ إن الولايات المتحدة لن تميز بين الذين خططوا لتلك الأعمال (الارهابية) وبين الذين تسامحوا مع الارهابيين أو شجعوهم. 
كان جورج دبليو بوش قد استقر أخيرا في مكتب الرئاسة البيضاوي وحين راجع مشروع البيان، علق على هذه العبارات قائلا: ـ إنها شديدة الغموض. 
ثم اقترح استخدام تعبير «يؤوي» وهكذا أصبحت سطور البيان الرسمي الذي سمعه العالم تفيد بأن أميركا لن تفّرق بين الذين خططوا وبين الذين يؤوون الارهابيين. 
وجاءت تلك العبارة لتجسد ما أصبح يعرف بعد ذلك باسم «مبدأ بوش» وجاءت أيضا ـ في رأي مؤلف الكتاب ـ لتشكل «إلتزاما عميقا بشكل لا يصدق بملاحقة الارهابيين ومن يحتضنونهم ومن يحمونهم، وقد تم اتخاذ هذا القرار دون مشاورة تشيني نائب الرئيس ولا باول وزير الخارجية ولا رامسفيلد وزير الدفاع». 
المسئول الوحيد الذي تمت مراجعته كانت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي وهي ـ كما يصفها المؤلف ـ تتبع أسلوب عدم الزام نفسها بشئ إلا إذا تعرضت لضغط من جانب الرئيس، وقد بدأت بأن قالت له: ـ تستطيع أن تقول ذلك الآن، ولكن أمامك فرص أخرى لكي تقوله. 
لكنها عادت لتحّبذ اعلان «المبدأ» في المساء ذاته على أساس أن أول ما يقال هو الأنجع والأهم من حيث الفعالية وعمق التأثير. 
في أول اجتماع لكبار الوزراء بعد أحداث سبتمبر ثارت تساؤلات عديدة، وكان أغلبها من جانب وزير الدفاع رامسفيلد الذي جاء الى البيت الأبيض وفي جيبه قائمة من ورقة واحدة تحوي أسئلة محورية تطلب اجابات شافية من قبيل: من نستهدف؟، كم من القرائن نمتلك لكي نخوض حربا ضد «القاعدة»؟ ضمن أي فترة زمنية؟ هل سيشارك في ذلك حلفاء أميركا؟، الخ. 
قال مدير المخابرات: أن طالبان والقاعدة هما شيء واحد. 
قال وزير الحربية: علينا ألا نقتصر على استخدام أدوات الحرب بل نستخدم كل قدراتنا القومية القانونية والمالية والدبلوماسية والمخابراتية. 
عاد مدير المخابرات المركزية يقول: ـ على الرغم من أن تنظيم القاعدة يتخذ مقره في أفغانستان إلا أنه يعمل على مستوى العالم كله، وفي جميع القارات ومن ثم فأمامنا مشكلة 60 بلدا. 
قال الرئيس بوش: فلنلتقط كل بلد منها مرة على حدة. 
قال وزير الحربية إن المشكلة ليست ابن لادن أو القاعدة وحسب بل هي أيضا في الأقطار التي دعمت الارهاب. 
قال الرئيس: علينا أن نجبر الأقطار على الاختيار. 
وحين انفض الاجتماع، كان الرئيس الذي لم يجرب ولا تدرب في مضمار الأمن القومي على وشك أن يبدأ السير على طريق الحرب المعقد الطويل من دون أن يمتلك خريطة يعتد بها توضح معالم هذا الطريق. 
خطط أوسع نطاقاً في الحادية عشرة وثماني دقائق بالضبط من الليلة نفسها، اقتحم رجال الأمن مخدع الرئيس بوش في البيت الأبيض، أيقظوه مع قرينته وهرعوا لاصطحابهما الى الملجأ الآمن في المقر الرئاسي، السبب هو ان طائرة مجهولة بدت في تلك اللحظات المشحونة بالتوتر وكأنها تقصد تحديدا البيت الأبيض، كان الرئيس يرتدي شورت الركض وعليه قميص بسيط، وكانت السيدة بوش ترتدي الروب المنزلي وتتحرك بغير عدساتها اللاصقة وقد هرع في أثرهما كلباهما سبوت وبارني، وفي الممر الطويل المفضي الى الملجأ، التقيا بالمستشارة رايس وعدد من كبار موظفي الرئاسة، كان الجميع في سباق الى حيث مخبأ الأمان، ورغم أن الطائرة أمكن تحديد شخصيتها بعد أن أخطأ قائدها بغير قصد مساره الجوي، فقد أراد رجال الخدمة السرية أن يقضي الرئيس ليلته في الملجأ، ألقى الرئيس نظرة على السرير الصغير البسيط ثم أعلن أنه عائد الى السكن الرئاسي، وما أن بلغ جناحه حتى آثر أن يملي عبارات من مذكراته التي يحرص على تسجيلها أسوة بوالده الرئيس الأسبق، يومها أملى جورج دبليو بوش العبارة التالية على جهاز التسجيل: ـ اليوم، وقعت «بيرل هاربور» القرن الحادي والعشرين. 
الثامنة تماما من صباح اليوم التالي، 12 سبتمبر وصل جورج تينيت كعادته الى المكتب البيضاوي لتقديم موجز الاستخبارات اليومي الى الرئيس، كان الموجز يحوي استعراضا للمعلومات السرية المتاحة بشأن متابعة ابن لادن وكبار معاونيه، من هذه المعلومات تقرير من قندهار أوضح أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت محصلة تخطيط دام عامين ومن هذه التقارير أيضا ما أفاد بأن أركان القاعدة قدموا شكرهم على الانفجار الذي أصاب مبنى الكونغرس، ولم يكن هذا صحيحا بطبيعة الحال. كان الرئيس بوش ينفذ تدريجيا داخل زوايا الصورة، كانت ادارة كلينتون السابقة قد بدأت عمليات سرية داخل أفغانستان وقدمت عدة ملايين من الدولارات لقوات التحالف الشمالي المعارض ـ وقتها ـ لنظام طالبان في العاصمة كابل، وكانت المخابرات المركزية تحتفظ بصلات أيضا مع زعماء القبائل في جنوبي أفغانستان وكان لها كذلك عدة فرق شبه عسكرية تدخل أفغانستان وتخرج منها لادارة هذا النوع من الاتصالات. 
لكن بعد الأحداث الجديدة، ها هو مدير المخابرات المركزية يطلب الى رئيسه أن يوافق على خطط أوسع نطاقا وأبعد مدى وأفدح من حيث التكاليف وها هو مؤلف الكتاب يختتم الفصل الثالث بعبارات تقول: من ناحية هذه التكاليف الباهظة فإن مدير المخابرات المركزية الأميركية لم يحدد رقما بعينه، فالعملية تكاد تصل من حيث الكلفة الى نحو مليار دولار. 
وهنا قال الرئيس بوش: لا عليك، نفّذ مهما كانت التكاليف!

السبت، 9 نوفمبر 2002

فارس الأحلام .... والكرش

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم

كلما كان الرجل صاحب كرش ممتلئ وزوائد لحمية منتشرة في سائر الجسد هنا وهناك كلما كان هذا الرجل غنياً مترفاً شبعاً، وهو بهذا الكرش وهذا الشبع يضع قانوناً جديداً لفارس الأحلام الذي لن يقوى بالطبع على اختطاف حبيبته على حمار او ربما كلب ولكن سيحتويها كالجردل للخيشة. 
قديما قالوا أن الأنسان يستحيل عليه أن يحلم بماليس موجوداً، بمعني ان الانسان عندما حلم ان يطير كان هناك العصفور ولما اراد ان يغوص في اعماق البحار كانت هناك السمكة، وهذا يدل على ان الحلم اي حلم لابد له من دافع موجود او معطى يدخل في تكوين الحلم فاما ان يصبح واقع محسن اويفقد الحالم به حياته ورحمة الله على عباس بن فرناس ضحية حلم الطيران في الاندلس. 
ومن هذا التمهيد القصير نستطيع ببساطة ان نترحم ( الف رحمة ونور ) على احلام بنات الشرق في فارس الأحلام الذي صار له كرشاً ذا جاة ولغداً ( مدلدلاً ) ذو سطوة يمتد من خلف الاذن وحتى اخمص الرقبة وجسماً مكعبراً روتينياً لاتكاد تعثر فيه على ذراع حتى تكتشف انه ليس ذراعاً ولكنه زائدة لحمية من زوائد الجسم المترهل والذي فقد رياضته منذ ان تكوم في روتينيات العمل والحياة. 
والرجل الشرفي بطبعة واضع قوانين، هذه هي طبيعته، وان لم يجد من يطبق عليه هذه القوانين تزوج امراة ليطبق عليها هذه القوانين ثم اجبرها جبر السيد للعبد على الخلفة ليجند لهذه القوانين من ابناءه اتباع ومريدين وخلصاء ( واللي مش عاجبه ياخد بالجزمة تحت دعوى ولادي وانا حر فيهم ). 
والكرش الشرقي تحديداً هو كرش يدل دلالة قطعية على بحبوحة العيش ورغد الحال فكلما كان الرجل صاحب كرش ممتلئ وزوائد لحمية منتشرة في سائر الجسد هنا وهناك انتشاراً عشوائياً لاتدري لها بداية من نهاية كلما كان هذا الرجل غنياً مترفاً شبعاً، وهو بهذا الكرش وهذا الشبع يضع قانوناً جديداً لفارس الاحلام الذي لن يقوى بالطبع على اختطاف حبيبته على حمار او ربما كلب ولكن سيحتويها كالجردل للخيشة. 
اما اللغد فحدث ولا حرج، يذكرني فيه بعض الرجال ( اصدقائي ) بترهلات الجاموس الوحشي حينما يهرول قطيعة مخافة ذئب فيترجرج اللغد يمنة ويسرة باتجاة الاذنين في حرية كاملة وعنف فطري مما يؤثر على طبيعة صيوان الاذن الخارجي فيتفلطح كورقة شجرة الخروع المشهورة التي تذكرك بالام المعدة وجرايانها. 
والفتاه في مجتمعنا الشرقي اصبحت لاتتوقع فارساً للأحلام على النمط الغربي اطلاقاً واعني بالنمط الغربي ان يكون رياضياً طويلاً تتناسب رأسه الدقيق مع نحالة جسمة وليست كالكرة التي يتراقص حولها لاعبي السلة تختفي في كثافة لحمها الذقن والانف وربما العين ايضاً فيبدو الفارس المتكور صاحب الزوائد وكأن راسه كبيضة الديناصور وقد علقت فوقها بعض اشياء من قش ( يسمى شعر ). 
ان الرجل الشرقي بعد ان يدخل في روتينيات الحياة يسارع في اهمال نفسه حتى انك تندهش من اتفاق غالبية الرجال على اختيار نمط شجرة الجميز كنمط مثالي يتم الاقتداء به والتلذذ بمحاكاته. 
ومن هذا المنطلق اصبح كل شئ مختلف الطبيعة في عالمنا الشرقي فالكرش ترف واللغد بحبوحة وكذلك الأجرام دلالة على حرية الرأي عند الرجل وربما عناده ايضاً. 
واختلاف المفاهيم والمعطيات العامة الى هذه المرحلة المؤلمة أدت بطبيعة الحال لفقد بعض المعاني الجميلة لدى المرأة الشرقية في نظرتها نحو الرجل ( فارس الاحلام ) فهي ترى أن الرجل قليل الادب ابو كرش ولغد صاحب السلطة والقهر والتسيد داخل المنزل هو رجل بمعنى الكلمة، وربما تجد امرأة في غاية الجمال والرقة ثم فجأة تتحول وكأن على رأسها الطير تفقد اتزانها وتهذي بكلمات غير مفهومة وربما تعتريها حركات مجنونة ايضاً وتجدها مهرولة غائبة عن الوعي تغادر محل عملها فورا لان عظيم اشاوس العرب والروم ( جوزها ) حلف عليها يمين طلاق لو اتأخرت خمس دقايق ماهي شايفة منه خير ولانها ان لم تمشي على العجين ماتلخبطوش كما اوحي لها هذا العنتر بن شداد فهي ستصير من وجهه نظره العنترية ام كرش امرأة ناشذ تستحق الصلب على احد اعمدة النور في ميدان سيدي عبد الواحد الدمهوجي بنجع سيدي جلال. 
ورجال الثورة في وطننا قديماً لم يكن الواحد فيهم مجرماً ابداً بل كنت تراة وكانه عصفور دقيق يقبع بين خلصاءة من رجال يعرفون بسيماهم، ولاتتوقع ان يكون هذا الدمث الخلق ثورياً اطلاقاً الا بعد ان تسمع عن افعاله وغزواته كعز الدين القسام ومصطفى كامل والشيخ عمر المختار بل اني اتذكر ان القادة المسلمين كانوا يعجبون من هدوء صلاح الدين ورقة افعاله حتى ان احد قادة الصليبين ويدعى ( أرمان ) قال له لاأصدق ان ماسمعته من حكايات تنطبق على واحد مثلك ثم قال واللهي لو لم يعرفك رجالي حق المعرفة لشككت ان تكون انت صلاح الدين. 
والناس تظن ان الثوري لابد أن يكون مجرماً أو رجل عصابات محترف ولن يكون الرجل رجلاً حتى يربي لغداً وكرشاً وكلما كثرت زوائدة اللحمية كلما كان ذلك أدعى لأحترامه كرجل في بلادنا واحترام مايحويه جيبه من مال، بل وربما ايضاً اذا اطل الرجل الشرقي علينا يوماً بشعر كثيف يغطي بدنه ورائحة كرائحة الدببة كان ذلك أدعى لأحترامة كرجل ستتمنى المرأة أي امرأة ان تكون احدى محظياته التى تقوم بتفليته.