الخميس، 13 فبراير 2003

التعلب فات فات وفي ديله تعريفة الجات

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
بينما تفكر الدول النامية فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادي في ظل الاقتصاد العالمي، يكون من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب إلى المكان الذي يحتاج إليه، ويبقى في المكان الذي يحسن معاملته !
لم أجد بديلا من هذا العنوان التهكمي للدلالة على ماوصل الية ابداع رجال الاقتصاد في وطننا العربي كله من غيبوبة استمرت لأكثر من سبعة سنوات لم يقدموا فيها حلا واحدا لمواجهة أو حتى التعامل مع اتفاقية التعريفة الجمركية GENERAL AGREEMENT ON TARIFFS AND TRADE والمعروفة اختصارا باسم (GATT ) او الجات ، وظل هؤلاء الاقتصاديون العرب في كل بلد شبه مغيبون وكلما حاورهم أحد أداروا له ظهورهم حتى تركونا في وسط البحر تتقاذفنا امواج الجهل لا نعلم إن كنا سنغرق أم سيقذفون لنا بأطواق النجاة ولكن لم يكلف أحدا منهم خاطره ولو بعقد مؤتمر هامشي او حتى اجتماع مصغر على مستوي ( بائعي البطاطس ) لذر الرماد في العيون .
انهم لم يقدموا لنا شيئاً على الإطلاق سوى البكاء والنحيب والندب في أن الجات هي صهيونية العالم المتقدم و الإمبريالية الحديثة المتآمرة على خروف الاقتصاد العربي لذبحة وامتصاص دمائه حتى العظم لمصلحة الاستعمار وإسرائيل والصهيونية العالمية .
وهم (واقصد بعض الاقتصاديون العرب ) لا حاجة لهم بوجع الدماغ والبحث عن حلول للغلابة ( طافحي الدم ودافعي الضرائب من المواطنين الحفاة على خارطة الوطن من المحيط للخليج ) ماداموا يقبض الواحد منهم ما لا يقل عن 6 آلاف دولار كل شهر ويعتلى أكثر من عشرين منصبا في وقت واحد اقلها شأنا عضو مجلس إدارة أي شركة من الشركات التي كانت وطنية وخصخصتها قلة وعيهم وغيبوبتهم بل وربما تكالبهم على نسبة الدلالة و( البونص ) و ( الكوميشن ) التي يحصل عليها بعد عقد صفقاته الاسبوعية أي واحد منهم بواسطة تليفونه المحمول الامريكاني وليذهب بسطاء الوطن للجحيم. 
وبرغم حالة الانهزام هذه التي يمر بها وطننا العربي والذي اصبح مشاعا لكل من هب ودب من جيوش اجنبية وتدخلات وامتيازات الى جانب هموم الديون والبطالة وتعويم العملة في كل اصقاعة نجد ان هؤلاء الرجال كلما سألهم مخلصاً سؤالاً عن ماهي احوال الوطن فيما بعد الجات والعولمة يخرجوا علينا ليقسموا لنا ان كل شئ بخير فالوطن بخير ومياهه بخير وسماؤه بخير ورجالة بخير واقتصاده اعظم من اقتصاد امريكا وان البطالة التي يتحدث عنها البعض هي محاولة تآمرية استعمارية لتشويه التقدم الطليعي الثوري للنهوض بالوطن واسترجاع الحقوق السليبة في فلسطين التي اصبح ترديد اسمها الآن هو صك التفاعل الشعبي الذي لاغني عنه في أي نقاش لنيل الشهرة والوطنية وعليه ينتهي المطاف الى مسائل هامشية بعيدة كل البعد عن القضية الرئيسة محور النقاش وتخرج من الحوار بلا شئ الا من خفي حنين وأنت ضيق الصدر مكتئب النفس وربما متهما بالعمالة.
اننا حتى الان لم نجد من أي مسؤول اقتصادي داخل وطننا دلالة عملية واضحة ترسم لنا ملامح الطريق وتلقي لنا ولو ببصيص من النور حينما تعم السنين السوداء على الاقتصاد الوطني في وطننا العربي كلة ( كما تطالعنا الجرائد يوميا )، ولننظر إلى ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مثلا وهي التي تنتج ألان ثلث الإنتاج العالمي في الكون كله ورغم ذلك تعكف منذ عام 1983 في النداء بأنها ( أمة في خطر ) لتستنفر الهمم وتبحث عن حلول لمواجهة أي خطر حتى ولو كان خطرا هامشيا بعكس وطننا العربي الذي اصبح كل شئ فيه بخير ( ولا ندري كيف ) رغم انه يستحوذ على 40% من حجم الديون العالمي!.
يقول جون هاورد وهو مدير السياسة والبرامج الدولية فى غرفة التجارة الأمريكية ومسئول تطوير وتنفيذ البرامج الدولية بالغرفة.بينما تفكر الدول النامية فى كيفية تأمين مستقبلها الاقتصادي فى ظل الاقتصاد العالمي، يكون من المفيد أن نتذكر مقولة رجل المال المعروف والتر ريستون "رأسمال يذهب الى المكان الذي يحتاج اليه، ويبقى فى المكان الذي يحسن معاملته ومنذ عدة سنوات قامت غرفة التجارة الأمريكية بوضع مسح حدد ما يطلق عليه "الوصايا الأثنى عشر" أو مبادئ الاستثمار الدولى فهل قمنا نحن أيضا بعمل نصف مسح او ربع مسح ونحن أصحاب البلاد التي سيقام عليها الحد، مطلقا، لم نفعل ولن نفعل وانظروا الى الوصايا التي استبد عتها اكبر دولة في العالم لتحافظ على نفسها ( رغم أننا أحق منها بالإستبداع ):
1. سياسة مستقرة يمكن التنبؤ بها على مستوى الاقتصاد الكلى: يجب أن يكون لدى الشركات الثقة في أن الاقتصاد الذى سيستثمرون فيه أموالهم يتم أدارته بأسلوب كفء غير متذبذب أى ببساطة شديدة يجب أن يقتنع المستثمر بأن قواعد اللعبة لن تتغير فى منتصف السباق. 
2. حكومة فعالة وأمينة: يجب أن يكون المستثمر قادرا على الاعتماد على التزام الحكومة المضيفة بتطبيق القانون والنظام. 
3. سوق كبير قادر على النمو: حجم السوق الداخلى وقدرته على النمو خاصة القوة الشرائية للمستهلكين بهذا السوق. فالشركات لا تريد الاستثمار فى سوق احتمالات الربحية فيه ضعيفة. 
4. حرية النشاط فى السوق: من العوامل الهامة هنا قوة المنافسة الى جانب درجة التدخل الحكومى (سواء كان من حكومة المستثمر أو الحكومة الأخرى) فى حرية الدخول الى سوق دولة ما. فكلما زادت حرية السوق كلما كان أكثر جذبا للمستثمرين الدوليين. 
5. حد أدنى من القواعد الحكومية: يجب أن تبقى تكلفة التدخل الحكومى والقواعد الحكومية فى شئون وربحية القطاع الخاص عند الحد الأدنى. 
6. حقوق وحماية الملكية: يجب حماية الملكية الخاصة ولذلك يجب تفادى احتمالات سرقة ملكية الشركات سواء كان تلك الملكية حقيقية او غير مادية مثل براءات الاختراع او حقوق النشر، الخ..) 
7. بنية أساسية قوية: القدرة على اتمام المعاملات وتوصيل المنتجات والخدمات الى الاسواق. وقد تتمثل تلك البنية القوية فى خدمات النقل أو الكهرباء أو التأمين أو الخدمات المحاسبية أو النظام المالى أو أى من العوامل الأساسية التي لا يمكن للاستثمار أن يحقق عائد مالى بدونها. 
8. توافر عناصر الإنتاج المرتفعة الجودة: فى حين يأتى المستثمر ومعه رأس المال والتكنولوجيا والإدارة، يتوقع أن يضيف اليها من السوق المحلى العمالة الماهرة والمواد الخام وذلك لاكتمال منظومة النجاح. 
9. عملة محلية قوية: يجب أن تحافظ العملة المحلية على قيمتها. فإذا وضعت استثمارا بالدولار ثم تم تخفيض قيمة الأصول المحلية (المقيمة بالعملة المحلية) تكون قد خسرت جزء وفى بعض الاحيان كل استثمارك الاصلى بالدولار.
01. حرية تحويل الارباح والفوائد وايرادات الأسهم: إذا لم تكن للأموال حرية الخروج خارج الدولة فلماذا الاستثمار؟ 
11. بيئة ضريبية مواتية: يجب أن تكون الضرائب مشجعة للتوسع فى الاعمال. وعلى الرغم من أهمية الحوافز الضريبية المقصود بها جذب الاستثمارات الجديدة، إلا أن قرار الشركة بالاستثمار من عدمه يبنى عادة على كيفية تأثير النظام الضريبى على التشغيل العادى بعد إقامة المشروع. 
21. حرية التشغيل بين الأسواق: يجب أن تكون الشركة قادرة على استخدام المنتجات والخدمات التى تنتجها فى أحد الأسواق لخدمة عملياتها الإنتاجية في الأسواق المجاورة من أجل تعظيم كفاءتها الكلية وتحقيق أفضل تشغيل لخطوط انتاجها فى عدة أسواق.
أثنى عشرة وصية استبدعها خبراء الاقتصاد الأمريكيون في الولايات المتحدة الأمريكية خلال اكثر من عشرين عاما لينجو اقتصادهم الأمريكي ( وهو اعظم اقتصاد في العالم ) ولتنجو معه أمريكا أمام تحديات السوق المفتوح واقتصادياته ونحن مازال خبراؤنا الاقتصاديون يرقدون في حالة من الغيبوبة يعتريهم الهذيان بأبعاد المؤامرة فيعترينا بالتبعية الانفعال بصهيونية الخواجة ( تر اللي ) تاجر المانيفاتورة ضد وطننا العربي الامر الذي يدفعنا للمقاطعة العربية ضد صحن كشري ( أم ربيع ) لأستخدمها عدسا يحتوي على ( سوس ) إسرائيلي، انه كما لو كان إحباط موجه عن عمد ضد كل شئ وللأسف لا نجد إجابة عن أي شئ.
ولا جدال انه ومن خلال مطالعتنا للوصايا الاثنى عشرية السابقة لن يكون وطننا العربي مناخا جيدا للاستثمار داخل مناخ ما يسمى بالجات وكذلك لن يكون مناخا جيدا أيضا للاستثمار بدونها لانه وكما يقول المثل العربي ( سبق السيف العزل ) لأن الوطن قد اضطهد نفسه قبل ان يضطهده الآخرون فلا صناعة قوية او ربما ليس هناك الآن صناعة من أساسه وليس هناك قوانين تجارية تحمي المستثمر والمستهلك بل وليس هناك وضع سياسي مستقر يدفع برأس المال ان يلعب لعبته في وطننا وحفظ الله مصر التي ادركت منذ حقبة الستينيات ملامح هذه اللعبة فأوحت برجالها وعقولها ولكل ابناء الوطن بتبني فكرة السوق العربية المشتركة وهيئة التصنيع العربية ووحدة القياسات والموازين العربية بل والجات العربي مقابل فكرة الجات الاستعمارية والتي ولدتها الحرب العالمية الثانية عام 1947ولكن تبخر هذا كله في ظل الصراعات العربية والقبليات العربية والعناد العربي وربما الرفض العربي ايضا لمجرد ان الفكرة مصرية فانهارت السوق العربية المشتركة والجات العربية وكذلك الهيئة العربية للتصنيع بعد ان قدمت هذه الأخيرة وفي اقل من خمس سنوات الطائرة العربية ( آلفا جيت ) والسيارة العربية بل والدبابة العربية أيضا ولكنه العناد ( كبديهية من بديهياتنا نحن العرب ) والذي دفع المغالين والمتعصبين بسحب أموالهم العربية من مصر إمعانا في الضغط عليها بعد معاهدة السلام ليضيع كل شئ ولتصبح دولة مثل كوريا أو الهند أو باكستان وهي دول كانت تقطن ضفاف الأنهار لحظة ما كنا نمتلك تقنية الماء الثقيل بمفاعل الضبعة اكثر منا تقنية الان بل واكثر علما وقوة الامر الذي جعل العالم كله يحسب لهم الآن ألف حساب وقد كانوا يوما ما من تلامذتنا!.
أن مصيبة الجات والتي ستحل بمجتمعنا العربي كله شئنا هذا ام ابينا هي مصيبة من صنعنا نحن لا من صنع الغرب وعليه لايجب ان نبكي على اللبن المسكوب ولكن علينا ادراك ان الجات قد صارت الآن واقعا حيا ملموساً نعيشة وانه من السذاجة ان نشحذ الهمم للهجوم عليها واتهامها بخراب احلامنا الوطنية وننسى القضية الاساسية والهامة في كيفية التعامل معها والنظر الى أي جانب مشرق فيها يكون من شأنه النهوض ولو بقطاع واحد من قطاعات الوطن الذي ربما يكون ( النواة التي تسند الزير ) كما يقول المثل المصري وليعلم الجميع انه قد آن الأوان ليستغل كل ذي وطن معطيات وطنه حيث لا قيمة لصناعة كومبيوتر وطنية بألف دولار امام أخر مستورد وبنفس الجودة بسعر 300 دولار أو سيارة وطنية بمعطيات متواضعة امام مثيلتها في السعر ولها امكانات مذهلة مثلا، علينا ان نتجه الى ما كنا عليه والى ما كنا من خلاله أسيادا بين أسياد العالم، وان كانت مصر في فترة من الفترات قد داينت بريطانيا العظمي بأربعة مليارات من الجنيهات الإسترلينية بسبب تفوقها الزراعي وتقنيتها الزراعية وخبرتها الزراعية الضاربة في عمق التاريخ فعلينا الآن أن نوجه تفوقنا هذا وخبرتنا هذه للتعامل مع اتفاقية الجات ( كسيد وليس ضحية ) وننعش مجتمعنا المصري من جديد بكل ما هو ذا فكر مصري للنخاع وذا معطيات مصرية وأدوات مصرية من داخل المناخ المصري ليأتينا المستثمر راضيا أو صاغرا لأيمانه بتخصص مصر وتفوق مصر في منحى ظلت متفوقة فيه لأكثر من عشرة آلاف عام، إن مصر لن تقوى على منافسة الشركات الصناعية الكبرى والتي تنفق على أبحاثها فقط ما يساوي الدخل القومي لمصر في عام ولكنها ستتفوق على نفسها والعالم إذا نظرت بعيون مصرية الى واقعها وخبرتها ومستقبلها من خلال أبناء الوطن وليس من خلال بوابة صندوق النقد الدولي.
ان مصر بلد زراعي من الطراز الاول ولن تنجو من انياب السوق المفتوح الا بعودتها للزراعة مرة اخرى، لنزرع القطن من جديد ولنزرع الذرة والقمح لنزرع الارز كما كنا ونعود كما كان يعرفنا العالم وحتى وقت قريب بأسياد القطن والقمح، لنحول قرانا ونجوعنا مرة اخري الى البيئة الزراعية بعد ان تحولت بقدرة قادر الى مراكز وبنادر اقرب الى المناطق العشوائية بالقاهرة 
لنستثمر الجات في استيراد التقنية الزراعية الحديثة والتي ستصبح ( لإلغاء التعريفة الجمركية ) في متناول شرفاء كثيرين لنتحول الى سابق عهدنا من اعظم الدول الزراعية في العالم وهو شرف لنا لازمنا إلى وقت قريب وليس عيبا نفر منه فرار المؤمن من الجذام.
وأخيراً تحضرني مقولة السيد مايك مور مدير عام منظمة التجارة العالمية ( جات ):
أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الجات ومنظمة التجارة العالمية هي انه لا يجوز إجبار أية دولة عضو على قبول استيراد اي سلعة او القيام بأي عمل إذا كان ذلك ينطوي على مخالفة النظام العام والآداب العامة للدولة صاحبة الشأن. وهذا المبدأ منصوص عليه صراحة في المادة (20) من اتفاقية الجات.
وهنا يعقب طلال بن عبد العزيز على هذا الكلام بقوله:
وعليه فنحن أمة يجب أن نزن الأمور بميزان الحق والمصلحة في آن واحد. وليس من مصلحتنا ان نهول او نهون بغير حق على نحو يعرض مصالح الشعوب للخطر في عالم يزداد تشابكاً بحيث يخسر كل شئ كل من ينعزل عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق