الاثنين، 29 نوفمبر 2010

قراءة في القصة الجزائرية المعاصرة .. أحمد ختاوي أنموذجا

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
هنا تكمن قيمة القصص عند ختاوي، فهو لا يدعك – كقارئ – تفلت من يده بل يدفعك في كل صورة من صور إبداعه داخل العمل القصصي إلى أن تتأمل حتى تصل إلى درجة استفزاز الخيال لديك فتثري بخيالك الذي تم استفزازه – ايجابيا – سيناريو القصة لتصبح دون أن تدري مشاركا فيها وجزءا أصيلا منها بعدما أعطاك هو مفاتح الولوج والانغماس.

القصة هي درة تاج الأدب النثري لاشك، أما القصة الجزائرية فهي العلاقة بين الأرض والكبرياء الإنساني، فأنت لا تجد عند القاص الجزائري روح الانهزام، ولا تجد عنده ضميراً مصطنعاً، هكذا قال لي الصديق الروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار حينما شرفني وحاورته عام 2002.
الضمير المصطنع .. هكذا إذن لخص وطار مدى تميز القصة الجزائرية – ربما عن غيرها – بكونها ضد كل ما هو مزيف وأنها تتفاعل مع الواقع في توافق منطقي للبحث دوماً عن مفاتيح ومنطق ثوري للأحداث وهذا – في اعتقادي – ما كلف الشعب الجزائري ما يقرب من مليون ومائة ألف شهيد، ثمناً لاستقلاله وحريته لكونه ببساطة شعب نستطيع وصفه باطمئنان أنه رمز للكبرياء الإنساني الحر بشكل عام ليس في وطننا العربي فقط وإنما على مستوى العالم ككل.
والمبدع الجزائري هو شريحة نقية تدل بجلاء على عنصر شعبه وأمته، وقد حمل هذا المبدع على عاتقه مسئوليات وطنية كبيره منذ كفاحه الأول ضد المحتل وحتى وقتنا الحاضر أهمها الحفاظ على الهوية واللغة والتراث من أن يتآكلوا بفعل الثقافة الغربية ودافع باستماتة – ومازال – في أن تكون الجزائر وطناً وحارساً من حراس اللغة والدين والتاريخ وربما يحضرني في هذا الصدد خلاصة ما قاله الباحث والعلامة الجزائري شريبط أحمد شريبط في مبحث له نادر الإحكام عن القصة الجزائرية والصادر عن اتحاد الكتاب العرب عام 1998 تحت عنوان "تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة 1947 - 1985 ": لقد حفلت القصة الجزائرية منذ عام 1947م بتطور الرؤية الفنية، ويقظة الوعي الثوري، وأن القصة الجزائرية المعاصرة نشأت بالفعل على يد رجال المقاومة أصحاب الإيمان بعروبة الجزائر المدافعين عن الهوية ( التاريخ والتراث ) واللغة والدين كمحمد بن العابد الجلالي، ومحمد سعيد الزهراوي في حوالي عام 1924 ويعتبر شريبط عام 1924 هو عام بدايات القصة الجزائرية المعاصرة بالفعل، وإن كان يرى الطيب ولد ألعروسي مدير مكتبة معهد العالم العربي في باريس أن مع اكتشاف رواية "حكاية العشاق فى الحب والاشتياق" لمؤلفها الجزائري محمد بن إبراهيم ( 1806- 1886 ) والتي كتبها عام 1847، أن قناعات مؤرخي الرواية العربية اهتزت بالفعل؛ ففي حين كان يرى المؤرخون أن تاريخ الرواية العربية يبدأ بصدور رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل عام 1913، يأتي اكتشاف السنة التي صدرت فيها رواية محمد بن إبراهيم “حكاية العشاق” وهي سنة 1847 كي يقلب معطيات نشأة تاريخ الرواية العربية ويغيّر وجه المكتبة العربية باعتبارها الرواية العربية الأولى بدلا من رواية زينب لمحمد حسين هيكل التي صدرت سنة 1914.
ورغم كون القصة العربية عامة والجزائرية خاصة في بداياتها – من وجهة نظري - لا تدنو إلى مستوى تجارب متواضعة وإنما كلاسيكية سردية ووصفية في غالب فصولها إلا إنها في ذات الوقت لا ترقى لمستوى التطور الفني المتعارف عليه تقنياً ونقدياً، ويكفينا – حسباً – أن تكون البدايات جادة وتحمل من الحس الوطني ويقظة الوعي ما يدفعنا للفخر برموزها الأوائل، بل وسيزيدنا فخرا لو صح البحث في مسألة أن محمد بن إبراهيم هو أول من كتب القصة العربية في عام 1847 وسبق محمد حسين هيكل بستة وستين عاماً، إذ ستدفعنا صحة ذلك البحث إلى الإحساس الأعلى بالقيمة لعمق جذور فن القصة العربية المعاصرة الزمني أمام القصص الغربي المعاصر، أما بالنسبة للقصة القصيرة المعاصرة - ولكي تتم الإحاطة - فلابد أن لا نغفل كلمات الدكتور عبد المنعم تليمة (الأستاذ بكلية الآداب – جامعة عين شمس بمصر ) حول تاريخ القصة القصيرة المعاصرة حيث يقول: "وتذهب بعض الآراء إلى أن أول قصة قصيرة عربية بالشكل المتعارف عليه كانت قصة "في القطار" لمحمد تيمور، والتي نشرت في جريدة "السفور" سنة 1917، بينما هناك آراء أخرى تقول بأن أول قصة قصيرة عربية تظهر في العصر الحديث كانت لميخائيل نعيمة، وهي قصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914".
وربما يعتبر الكثيرين – وأنا منهم – أن أول نوفمبر عام 1954 - تاريخ قيام حرب التحرير الوطنية الكبرى - هو التاريخ الحقيقي للقفز فوق البدايات والتطور الفعلي في فن القصص الجزائري المعاصر سواء على صعيد الشكل أو المضمون، حيث عايشت " القصة " وتعايشت مع رجال الثورة وقاومت معهم المحتل بالكلمة والتصوير والتحفيز، وربما من القصاصين الذين تفرغوا للقصص الثوري فاضل المسعودي وعثمان سعدي ومحمد الصالح الصديق وعبد الله ركيبي، أما أبرزهم ممن أعتبرهم الكثير من النقاد والمتابعين لحركة الأدب في الجزائر أنهم كتاب جيل الثورة الفعليين (1954-1962) فكان الطاهر وطار وأبو العيد دودو وعبد الحميد بن هدوقة، واسيني الأعرج، رشيد بوجدرة ، - رغم إيماني من وجود العشرات غيرهم على نفس القامة الفنية لكن لم تكتب لهم الشهرة لأسباب ربما لاعلاقة لها بالأدب وانزووا بقامتهم في زاوية مظلمة من زوايا التاريخ ينتظرون من يفتش عن أعمالهم ويطلق أرواحهم مرة أخرى للنور ويرد لهم جميل كفاحهم الأول بعد انزوائهم في غياهب التهميش - ويمكننا الاطمئنان بعد عدة مباحث وقراءات لليقين بأن أول نص روائي جزائري معاصر مكتوب بالعربية ويحمل كل المواصفات الفنية المتعارف عليها نقديا هو رواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة (1925 - 1996) التي كتب لها الصدور في الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1971.
ونحن في هذا المقال لسنا بصدد الحديث الأكاديمي عن القصة الجزائرية كتاريخ ولكننا بصدد قراءة نقدية أولية لما بعد التاريخ، قراءة نقدية أولية معاصرة للقصة الجزائرية الآن ومبدعيها الحاليين الذين رغم اغتراب المناخ الثقافي العربي إلا أنهم آثروا إلا أن يكتبوا بالعربية لا الفرنسية ويتفاعلوا مع الثقافة الأم دونما اغتراب في كفاح نادر ومحمود ومن هؤلاء كان لابد لنا أن نأخذ أنموذجا فكان الأديب القصصي المعاصر أحمد ختاوي وكان اختيارنا له اختيارا عشوائيا لا يتبعه قصد أو ترصد وحيث سبقتنا إليه أعماله مثلما سبقتنا إلى غيره أعمالا كثيرة في غاية النضج والوعي لكتاب معاصرين أمثال ياسمينة صالح، خليل حشلاف، الـسعـيد مرابــطي، عيسى بن محمود، وغيرهم كثير لا يتسع المقال لذكرهم وإن كانوا بقامتهم وقيمتهم الإبداعية ملئ الوعي والضمير بالفعل.
يقول الدكتور عبد المالك مرتاض أن المضمون الاجتماعي في القصة الجزائرية المعاصرة قد استحوذ على خيال الكثير من كتاب القصة وخاصة محور الفقر ويعتبر مرتاض أن أهم عنصر في القضايا الاجتماعية هو عنصر الأرض والسكن والهجرة من أجل العمل، ثم يعلق " فما هذه المشاكل الاجتماعية إلا ثمرة من ثمرات الفقر الجاثم"، وربما لا أجد – مع الدكتور عبد المالك مرتاض - عيبا في أن يفضح القاص حالة اجتماعية سلبية داخل وطنه بل هي قمة الوعي الإبداعي، لكوننا لم ولن نكون مواطنين أصحاب قداسة في وطن من الملائكة فقط فذلك عين الشذوذ وذروة الخيال المريض إذ أن الوطن كما فيه الورع فيه الفاسد وكما يرفل حراً بأرواح مخلصيه نجده في فوضى أحيانا ممن يحاولوا أن يبيعوه بدراهم قليلة، ونجيب محفوظ على سبيل المثال لم يترك سلبية في وطنه إلا وأقام عليها حجة إبداعه القصصي وهي سبب قيمته كروائي بين أهله، وأتصور أن وطنا بلا فقر هو وطن بلا مبدعين، ووطن بلا غانية يستحيل أن تجد فيه رابعة العدوية.
وهنا تكمن قيمة القصص عند ختاوي، فهو لا يدعك – كقارئ – تفلت من يده بل يدفعك في كل صورة من صور إبداعه داخل العمل القصصي إلى أن تتأمل حتى تصل إلى درجة استفزاز الخيال لديك فتثري بخيالك الذي تم استفزازه – ايجابيا – سيناريو القصة لتصبح دون أن تدري مشاركا فيها وجزءا أصيلا منها بعدما أعطاك هو مفاتح الولوج والانغماس.
والقصص عند ختاوي يظهر لك فيه مدى عشقه واندماجه في محبة بلاده من أعلى نقطة في صحراء وطنه وحتى ظل النقطة عندما يدنو الوطن شمالا من البحر.
وهو يسلط الضوء دوما على القضايا الإنسانية في مجتمعة، مهموم من وعثاء الفقر والتهميش، غارق في الرمز تجاه عروبته التي يعتبرها الشريان الأورطي ووسيلة النجاة الوحيدة لعالمه المليء بالمتناقضات وحيث هذا العالم لا يرى أقرب النقاط إليه كما ينبغي ... لا يرى وطنه كما ينبغي، إنه يجنح دائماً بشفرة خاصة إلى تلك العلاقة الحميمية التي يجب أن تربط الكل بالأرض وربما استلهمني ارتباط ختاوي بالأرض وعشقه لها ولإرثه الحضاري منها إلى ترديد كلمات الشاعر المصري نجيب سرور حين قال:
حاسب على الأرض
حاسب وأنت بتدوسها
لو تنطق الأرض 
كنت توطي وتبوسها
فرغم الفقر وتدني الحالة الاجتماعية عند القاعدة العريضة من أبناء الوطن ورغم الغضب من تعثر الأحلام يدفعنا ختاوي إلى ألتماس الحل في الأرض والوطن وذلك في غالب أعماله التي أذكر منها، "إبط السفينة"، أطياف الرخام"، "بلح الليل"، نهيق المقهى"، أيوب يختلس أوجاعه"، منارة من عبث"، العبور إلى قيظ الهجير"، ونوفيلا " الترعة"، ولعل من أهم رواياته التي أعتبرها – بشكل شخصي - من أهم الروايات العربية في الفترة الأخيرة بل والتشديد على وجوب الاهتمام بها نقداً وتحليلاً ليس جزائريا فحسب بل عربيا أيضا هي رواية " المدينة بدم كذب " التي صدرت مؤخراً عن منشورات ليجوند بالجزائر والتي سأتحدث – حتماً - عن فاصل منها لأهميتها.
والظاهر عند ختاوي في غالب إبداعه أنه لا يقدم حلولا شخصية ذاتية من عنده لإيمانه بأنه مبدعاً ليس عليه أولا إلا تشريح مجتمعه واستبيان مواطن الضعف والقوة فيه ومن هذه النقطة تجده يقدم علامات استفهام في إطار إنساني عميق الدلالة لا يخلو من الرمزية تدفعك لان لا تجد حلا إلا في الأرض والوطن وليس في الاغتراب والهجرة، ختاوي يدفعك للثورة على ذاتك، على بؤسك، على من لعبوا بأقدارك وأحلامك وقادوك إلى حاضر شبه مظلم، يدفعك للثورة قبل الإنعتام التام.
إنه يستصرخ الناس، يستصرخ الكل في العودة للجذور، للبحث عن الذات الأصلية، الوجه الحقيقي للشخصية التي نمتلكها ويعرفها ويألفها فينا الوطن منذ أن صار وطناً، ففي قصة " الدقائق التي لاذت بالفرار" المكتوبة عام 2005، يأخذك ختاوي بسيناريو مكتوب بعناية إلى حالة الفقر التي يعاني منها البسطاء، قاعدة الوطن وحماته الأصليين، فالأم ولدها جائع وثدييها فارغين، والأب تم تسريحه من عمله ويطارده الدائنون، ومن هذه الانطلاقة يحكم ختاوي قبضته على مشاعرك الإنسانية ويبدأ في بناء الرمز الذي يريده للدلالة على خطب أكبر من الظاهر المعلن، فالأم وطن أما الأب فهو الرمز المسئول عن ذلك الوطن ومستقبله ( الطفل )، والكل محاصر حصار الجوع والبطالة رغم فتوة الأب وقدرته على الحماية والعطاء إلا أن الجوع صنع الدائنين الذين أوشكوا على وأد المستقبل وقتله في عبارة مؤثرة على لسان الأم ( الوطن ): طلائع الفجر وتباشير الصباح لاحت .. تحمد الله .. الطفل لم يفق، تقول في حسرة ومرارة وضيق في التنفس، والدائنون لزوجي كثيرون"، فالوطن عند ختاوي ثار على المحتل ولاحت بالثورة طلائع فجر وتباشير صباح لكن رغم ذلك فالمستقبل تائه مغيب نائم لا يفيق وربما هذه الحالة ترضي – قسراً - الأم لعجز الأب الآن عن خلق واقع وحاضر مشرق لكون الحاضر والواقع غارقان في مستنقع الديون، واقع وحاضر لا يكفيان ولا يدفعان لري ظمأ مستقبل يتعطش لكفاح الواقع واستثمار طاقات الحاضر وجهد الكل فيه، يرفع ختاوي صافرة التحذير لنا ويعلقها راية على كل خارطة الوطن وجغرافية المكان، فنحن إن كنا قد أخرجنا المحتل من بلادنا بالفعل إلا أننا تركنا له حق التحكم في أقدارنا ومستقبلنا، حتى أثقلت ديونه كاهل الوطن وكاهل مواطنيه، لم نعد نرى – رغم الاستقلال – مستقبلا يقظاً نستطيع استنهاضه وتحديد ملامحه بل ويتملكنا الخوف من ان نفقده من شدة التبعية بالديون والاغتراب السياسي والاجتماعي بل واغتراب الوعي والعقل في أحايين كثيرة.
وختاوي إلى جانب تحذيره القوي ينتبه دوماً في أن يلقي الخوف جانبا في حماسة ثورية ليدفع الناس إلى الاستفاقة كما في قصة " عناد في منتصف الوجع" التي كتبها عام 2008، في عبارات لا تخلو من الرمزية يوقظ فيها وعي القارئ حيث يقول في عبارة مهمة: 
كم أنا وديع! .. ظللت أرسم لوحاتي في يومياتي بالماء الوردي .. المفعم بالخطايا".
عبارة جاء بها ختاوي من ساحل عبقري للعبارات، فهو يصرخ بها في وجه من تولوا مسئولية الوطن وحكموه سواء منهم من حكم بالثورة وساد أو من ساد بلا ثورة، لقد رسموا مستقبل الناس بالوعود والورود والمكاسب الثورية والتحررية وكأن البلاد بهم ستتحول لبلاد السمن والعسل وحيث لم نر فيه – لحد الآن - سوى البؤس والفقر ومحاولة طمس ملامح الكبرياء فينا حتى تحولت وعودهم إلى أكاذيب وورودهم إلى أشواك وبمرور المد الثوري الذي صنعوه - بعدما أداروا ظهورهم للناس - تناسل الكذب فولد خطايا لا تغتفر ينبهنا لها ختاوي قبل فقدان الهوية وضياع الوطن، ويوجه كلامه من خلالها للطغاة في قول رائع: 
لقد كنت ودودا مع الفوضى، ولكن الآن حان الوقت كي يصمت المحموم بعبق الخطايا والآثام.
ثم يقفز بنا لقول أكثر إثارة وثقة في وجه الكذبة: 
أريد الصفح والعفو عن الفراشة التي تمتص رحيقها .. عن السفح المغموس في وحلك..".
عبارات ثورية واعية تمتلك أدوات إدراك الحال حتى عندما يسقط الطين على وجه ختاوي في نهاية القصة والذي يعتبره الأصل والحب والذي مع سقوطه - هنا - على وجهه وهنا فقط ستخرج الزهرة من لعنتها ليمتصه السفح ( الناس والوطن ) ليظل ويبقى للوطن عناده وكبريائه.
ولو أفردنا للرمز ( الأرض – الوطن ) عند ختاوي عنان التحليل والشرح ما وسعنا مقال وإنما لا يسعه إلا دراسة لأن الرمز عند مجمل أعمال ختاوي هي السبب الرئيس لأهمية أعماله بل وأهمية منهجه في كتابة القصة والرواية والتي يختلف فيهما عن كل من سبقوه ويتفرد من خلالهما بشخصية إبداعية لها وزنها ووجهها وطبيعتها وحيث يصب الكل في عشق الوطن.
وختاوي عندما يظهر لنا عشقه للوطن ورفضه لاغتراب العقل والوعي الوطني، لا يظهر لنا ذلك عن جهل، فهو إلى جانب ثقافته العربية الرفيعة يتمتع بثقافة فرنسية رفيعة المستوى، وهو يعلم بثقافتيه حال الاغتراب وحال الوطنية والانتماء، عن قرب وعن وعي، بل ويطبق ما يؤمن به على نفسه إذ يصر على الكتابة بلغة الوطن الأم رغم علمه ويقينه بما يعترى الوطن اليوم من حالة اغتراب وضعف ثقافي يمثلان منحنى خطر في طريق الثقافة العربية المعاصرة عموماً، وربما يصور ختاوي ذلك في روايته المهمة بل والأهم في الفترة الحالية وهي رواية " المدينة بدم كذب " والتي لابد أن تلقى اهتماما اكبر وبقعة ضوء اشد عليها لما تحويه من إسقاط خالص القيمة فيما يمر به الوطن والوعي والعقل العربي اليوم من فوضى الاغتراب وضعف الانتماء، وحيث الوطن عند ختاوي كما يقول هو في روايته: رحلة من الذات إلى الذات مسافة البرزخ، وحيث يصنع شخصيات روايته بعناية ودقة شديدين، فلكل اسم رمزيته ودلالته وأيدولوجيتة، بل حتى الأمكنة داخل هذه الرواية تتمتع برمزية ودلالات بعضها استمتعنا بفك شفراته والكثير مازلنا نستمتع بمحاولة فك اللثام عنه، فعائشة أصبحت الخادمة عند محمود لتخدم المقامرين في خمارته وحيث تحفظ أغاني سميرة توفيق في الأردن وأغاني الريف المغربي للشيخة الحمداوية وتتغنى بهما وهي تدور حول المقامرين، وأظن انه تصور يوضح إلى أي مدى أصبحنا نقامر بكل شئ في زمن الجوع والفقر، نبيع الدين والتاريخ والتراث لنشتري بهم ثمنا قليلا أو ربما ادني من ذلك منتظرين أن يعطف علينا المقامرين بالشعوب وأقدار الأمم بكلمة استحسان يخرجوها لنا مضطرين تحت وطأة ظرف أو حاجة لهم في نفس يعقوب.
ختاوي في هذه الرواية " المدينة بدم كذب " يقفز فوق السرد وهو يكتب بلغة أقرب إلى لغة السينما فهو غزير المشاهد يهتم بالتفاصيل وله حوارات كثيرة ولكن رغم أن الحوار دائما ما يخفف من كثافة العمل الروائي إلا أن الحوار في هذه الرواية هو من طراز السهل الممتنع فهو ليس بسيطا بجانب أنه يحمل الكثير من الرمزية ولكنه بالرغم من ذلك مفهوما ويدفعك للتركيز فيه بقوة حتى لا تتسرب منه فكرة أو يضيع منه خاطر.
وختاوي يقفز في روايته " المدينة بدم كذب " بين جغرافيا الزمان والمكان، الماضي والحاضر، والجزائر في وجدانه الروائي جزء من محيط عربي واسع يملأه بالهموم، المحيط كله تملأه الهموم، ولا تجد فصلا في هذه الرواية إلا وفيه رمزا لهذا الهم، مثل تلك الفقرة: 
الصيف على الأبواب .. فلسطين في خلدي .. اختاري يا عزيزتي:- البطاطا .. ماء اللحظة – كنفاني – أم شطيرة الخنزير .. أم مدى قادم هذا المساء على طاولة الخمارة؟؟.
إنها فقرة ذكية تحمل قبل أن يدفع فيها القارئ للاختيار الدفع لأن يجس القارئ حسه الوطني والعروبي أولاً، انه اختيار صعب ذلك الذي فرضه ختاوي على القارئ، هل سنختار الوطن أم عبودية الغرب .. ماء اللحظة أم شطيرة الخنزير لنصبح عبيد طاولات قمارهم التي يقامرون فيها بالأوطان وأقدار الناس.
ثم يأتي ختاوي في فقرة مؤثرة تدفع للتأمل الصامت والغاضب والمستفز في آن واحد حين يقرر أن ما يعلق في ذاكرته من القرآن الكريم الآن ( العرف – الأصل – الهوية ) لا يتعدى بضع آيات وهو الذي كان يحفظه كله يوما ما، لقد تلاشت أحزابه كلها من ذاكرته، لم يعد سوى اغتراب الوعي في زمن الخمارة.
أتصور أن رواية " المدينة بدم كذب " تحتاج إلى وقفة نقدية جادة من خلال نقاد أصحاب مسئولية إبداعية عروبية وليس فقط مسئولية إبداعية محلية الصنع لأهمية تلك الرواية وقيمتها بل وكونها من أهم المطبوعات الروائية الصادرة في الفترة الأخيرة وحيث وضعت أيدينا على واحد من أهم كتاب الرواية العربية المعاصرين الذين استثمروا الرمز لصالح قضايا أوسع واشمل من الانكفاء على الذات المحدودة، فهو كمبدع جزائري يعتبر الجزائر نقطة نور ينطلق منها إبداعه ليدلل من خلاله على كل مشاكلنا العربية والإقليمية والسياسية بروح مهذبة رقيقة لا تحمل عنصرية أو أفضلية أو سخرية، إنه يعتبر القاهرة وعمان والقدس والرياض وصنعاء والرباط وكل عواصم العرب هي العاصمة الجزائر، الكل عنده وطنه، لا فرق بين الفلاح الحارث للأرض في قرى " بوسمغون " مدينته الجنوبية في الجزائر مرقد الولي الصالح أحمد التيجاني وبين فلاح قرى مدينة في السودان أو مصر أو العراق أو موريتانيا، بل أنه وبحكم كونه كان أمينا وطنيا باتحاد الكتاب الجزائريين وفي هيئته التنفيذية يرى أن عروبة المبدع هي أصل وطنيته لأن الوطن إذا تعرى من محيطه صار لقيطا، وأهم نقطة عري وأهم سبب لصناعة الوطن اللقيط عند ختاوي هو اغتراب الوعي الوطني العربي وفوضى الأيديولوجيات.
لاشك أن ختاوي يحتاج إلى قراءة أكثر قوة لأعماله وأكثر إحاطة فقد استمتعت بقراءة بعض قصصه أكثر من مرة وربما يحضرني تصوره الأخير في ذات الرواية " المدينة بدم كذب": 
سقوط غرناطة لم يكن سوى سقوط الدمع في المآقي .. لم يكن سوى جحراً تختبئ فيه الفئران.
ثم يقفز قفزة درامية رائعة ومتقنة ليصنع لنا حوارا محترفاً يضغط به على الألم والجرح ليدفعنا بالشعور إلى أن هناك جرحا بالفعل حين يقول على لسان بطل روايته:
-- هل لي أن أكمل وضوئي الذي مازال معلقاً؟
= لا .. أجله إلى موعد آخر
-- غير ممكن
= بل ممكن وأكثر من ممكن
-- لكن من أنت .. لا أراك
= طيف في دمعك
-- وضوئي تأجل مثلما تؤجل الأحاجي
= للوضوء رب يحميه .. لا تقلق
-- صرخة الجرح أفلت كما الشجرة، كما النجم، هوت على رؤوس قطط كانت تتوضأ حسب طريقتها الخاصة، كان 
يكمل وضوءه وسط قطط لفظتها أمواج ( المحيط الأطلسي ) عندما قالت غرناطة: أجل يا ولدي الدمع يجب ما قبله.
ما أروع ذلك الحوار الذي يستدرجنا به ختاوي إلى نهاية عمله بما يحمله من ثورة وعمق وطني له قيمته، وربما أجدني مضطرا أيضا أن استدرج نفسي إلى النهاية وحيث أعمال ختاوي تأخذك إلى ما لانهاية، ولا أجد أروع من عبارة له كتبها في قصة " ويركل شكواه " المنشورة عام 2009 يقول فيها:
الأرض حامل .. لا تتلذذ بمولودها .. تتقيأ الوحل في أشكاله المستعصية .. تتوحم على الموز في عز الخريف وعلى الرمان في عز الصيف هما موجودان بوفرة، والريح حامل أيضاً لكنها عاقر، مثل خاتم الخطوبة والزفاف والطلاق، وخرج من المحكمة يركل شكواه، فيما استدركته المعاني، وهو يرش قصائد سميح القاسم بالتبن وبقايا عصير أيام خلت.
عبارة أقرب للحالة السياسية والاجتماعية والإنسانية في وطننا، ختاوي نفسه أحد أقرب الكتاب العرب لوجداننا السياسي والاجتماعي والإنساني. 
وأخلص في كلمتي إلى بيت من قصيدة " قبلة في جبين الملتقى " للشاعر الجزائري أحمد دوغان: "لا يأمن الوطن الجريح من العدا حتى يصـون تـرابه الشـريان".

الخميس، 25 نوفمبر 2010

قراءة في القصة الفلسطينية المعاصرة .. نازك ضمرة أنموذجاً

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
أدب المأساة – وهذا رأيي الشخصي – دائما ما يكون أول ضحاياه الإرث الإنساني والشعبي للوطن المحتل، وقد اختار " ضمرة " لنفسه تحمل مسئولية إظهار هذا الإرث الإنساني والشعبي حتى لا يتعرض ذلك الإرث للنسيان.


يقول زكي نجيب محمود: إن الأدب مهما تكن الصورة التي جاء عليها من شعر أو قصة أو مسرحية ينبغي أن يعبر عن نفس الأديب أولاً، وينبغي أن تتكامل أجزاؤه في بناء يكون بمثابة الكائن الفرد ثانياً (فلسفة وفن: 366).
نفس الأديب أولاً، تلك هي البداية التي من خلالها نستطيع معرفة إلى أي مدى يسير أدب أمة بعينها ونحو أي هدف.
وأمامنا اليوم نموذج معاصر حي للأدب القصصي الفلسطيني للأديب والروائي نازك ضمرة، الذي أعتبره قاص وروائي فلسطيني معاصر أستطاع أن يسبح ضد التيار ويعلن من جديد - في أعماله - عن الإنسان الفلسطيني البسيط في القرية والديرة التي كدنا أن ننسى انفعالاتها وحيوتها وأصالتها وأهازيجها الشعبية من شدة ضغط المناخ الثوري والمقاوم في أرضنا المحتلة والذي اضطر فيها الأدب الفلسطيني - بغالب فنونه من شعر وقصة ومسرح ورواية – تحت ظروف هذا الاحتلال وهذه المقاومة المشروعة والواجبة والحتمية ضد المحتل أن يسحب غالب الضوء ويسلطه على أدب المقاومة فقط ، مما أثر على رؤية زوايا إنسانية كثيرة موجودة بالفعل لكن ليس لها نصيب من هذا الضوء إلا ما تبقى من هذا الأدب المقاوم والحتمي.
وهنا يظهر أدب نازك ضمرة، ليسطع داخل هذه المساحة الضيقة من الضوء ويطل بنا على الزوايا الإنسانية التي شكلت ومازالت تشكل وجدان الشعب الفلسطيني خاصة والعربي بوجه عام، ضمرة هذا الفلاح الفلسطيني الذي يذكر كل تفاصيل قريته الصغيرة في كل أعماله، تفاصيل الحيطان ورائحة العجين قبل أن تخبزه نساء البيوت، رائحة دخان العشاء وجلوس الناس للسمر بين وقتي صلاة المغرب والعشاء في الساحة القريبة من مسجد القرية المتواضع والبيارة التي تقع خارج القرية والبنات الصغيرات وجرار الماء والبراءة، إنك تلهث معه في رحاب قريته وبساطة الناس وأعرافهم وتقاليدهم لدرجة تستحيل معها الفكاك من قبضته المحكمة السحرية والتي جعلتك وأنت تقرأ أي عمل قصصي من أعماله تتحول – دون أن تدري – لواحدٍ من أبطاله وشخوصه بل وحينما تسترد وعيك لهينة من الزمن تتمنى في تلك الهينة لو كان لك ما لضمرة من خيال وواقع وناس وقرية كالتي تتجول بين شوارعها الآن في قصصه العديدة والتي يعبر فيها بأسلوب ذكي عن مناحي كثيرة من زوايا سيرته الذاتية ولكنها ذات استطاع بخبرته كأديب أن يفتتها على أبطال عدة وشخوص كثيرة فتستنشق وأنت تقرأ رائحة الوطن وكأنه نبض يحتويك فتنتقل بمشاعرك تلقائيا من العدم للوجود ولعل اقرب الأمثلة في رواية غيوم الصادرة له من دار الكرمل في الأردن هي شخصية " مرزوق" بطل الرواية الطفل الذكي الحساس الخجول الامين والذي يترك قريته الى مدينة رام الله لإكمال دراسته ، حيث تتفتح هناك أزاهير فتوته ، في تلك المدينة الحالمة ، مدينة رام الله، ومرزوق هذا هو نازك ضمرة الطفل الذكي الذي قام بإمامة الناس في قريته وهو لم يتعد الخامسة عشرة عاماً ثم رحل عنها ليستكمل دراسته في مدينة اخرى بعيدة، وهو ايضا ذلك الطفل الذي يسجل كل مايدور حوله من افعال واقوال بحس وذكاء بالغين كما في قصة ثريّا السيراوية حيث يدفعك للتأمل معه فيما يراه ويستشعره هو من حوله داخل القرية .. الانسان – الضمير، فيقول في روعة على لسان البطل: " اكل جميع اهل القرية من لحمها الا نحن!، كنا نشرب الحليب منها كل يوم! لا ادري كيف وقعت عن الصخرة العالية؟! كانت بقرتنا قوية جداً وفي مقتبل العمر!؟" .. اشرتُ لها بيدي حتى لا تكمل، احسست بالحزن الشديد يشد كل عصب في وجهي، لم اظهر لها، قلت لها: «امر الله يا ابنتي،المكتوب ما منه مهروب" ثم يفتت ذاته على لسان بطل آخر ليقول أيضاً في نفس الرواية: قال لي خالها:جلست ثريا بجانبي، تحتضن سلة فيها اقراص الزعتر والبيض البلدي والمطبق، كانت تتأمل صعود الركاب، وازدحامهم في الوقوف، بعد ان امتلأت جميع كراسي الباص، كانت ثريا تتأفف عند كل وقفة، يدخل الركاب الجدد، ويضغطون على الواقفين والجالسين لم تشتك من ذلك، كانت تريد الوصول الى شقيقها مازن بسرعة.
لا يمكن هذا الوصف الدقيق في سرد المنمنمات لكل شئ وكأنه يصر على دفعك لان تتذكر كل تفصيلة من تفاصيل القرية الفلسطينية وعاداتها وسلوكياتها فهو يضع البقرة والزعتر والبيض والركاب واالازدحام وألف مسألة ومسألة شعبية وبيئية وبغاية الدقة في ثلاث فقرات سريعة متدفقة تجعلك تلهث وراء الحدث الدرامي حتى لا يسبقك فتفقد جزءاً ولو ضئيلاً من المتعة، في كل قصصه والتي اذكر (لوحة وجدار) عن دار آرام، (شمس في المقهى) بدعم من وزارة الثقافة، وروايته الرائعة (الجـرّة) الصادرة عن دار النسر للنشر وأيضا (بعض الحب) بخلاف ثريا وغيوم وهذا بعض من أعماله التي تأخذك لعالمه ولا تتركك إلا وأنت تحمل شعورا جديدا يقطر إنسانية ودفئاً.
نازك ضمرة بلا أدنى شك مبدع ثائر وثائر قوي ينتهج ما يمكن أن نطلق عليه " الثورة الناعمة " في الكتابة التي تؤمن بأن المقاومة إن كانت لا تستغني عن حمل السلاح فهي أيضا لا يمكن لها أن تستغني عن إرثها الحضاري والشعبي، ولا يجب الخلط هنا بين منهج الثورة الناعمة في الأدب وبين "أدب المأساة" الذي قال عنه الناقد الفلسطيني يوسف اليوسف: "أدب المأساة هو أقرب أصناف الأدب إلى ماهية الكارثة ونكبة 1948التي عطبتنا في الصميم"، إذ أن أدب المأساة – وهذا رأيي الشخصي – دائما ما يكون أول ضحاياه الإرث الإنساني والشعبي للوطن المحتل، وقد اختار " ضمرة " لنفسه تحمل مسئولية إظهار هذا الإرث الإنساني والشعبي حتى لا يتعرض ذلك الإرث للنسيان، ونحن هنا لا نقارنه بآخرين حملوا على عاتقهم تلك المسئولية أيضاً من عمالقة الأدب الفلسطيني كمحمود درويش وإميل حبيبي أو شاعرنا الفلسطيني المعاصر عبد الكريم عبد الرحيم، أو المبدع والشاعر الفلسطيني المعاصر حلمي الريشة وغيرهم، لكون كل منهم له بصمته، ونازك ضمره أيضا له بصمته المختلفة عنهم ولعل ابرز ما يقع فيه الناقد أحيانا أن يقارن أديب بأديب آخر من بني جنسه ووطنه أو يقارن إبداع بإبداع وهو ما أعتبره فخاً نقديا نكافح دائما في تخطيه قدر منحة الاستطاعة ولذلك أقول أن نازك ضمرة هو أديب فلسطيني من هؤلاء الذين لهم رؤية خاصة في الاتجاه الوطني للأدب الفلسطيني المعاصر حيث يمزج بين المشاعر الإنسانية وبين مشاعر الثورة فخرجت لنا أعماله بسيناريو بديع يعبر بإخلاص وموضوعية عن فلسطين .. الإنسان – الأرض – الثورة.

قراءة في القصة الفلسطينية المعاصرة .. نازك ضمرة أنموذجاً

بقلم محيي الدين إبراهيم
aupbcmohi@gmail.com
أدب المأساة – وهذا رأيي الشخصي – دائما ما يكون أول ضحاياه الإرث الإنساني والشعبي للوطن المحتل، وقد اختار " ضمرة " لنفسه تحمل مسئولية إظهار هذا الإرث الإنساني والشعبي حتى لا يتعرض ذلك الإرث للنسيان.


يقول زكي نجيب محمود: إن الأدب مهما تكن الصورة التي جاء عليها من شعر أو قصة أو مسرحية ينبغي أن يعبر عن نفس الأديب أولاً، وينبغي أن تتكامل أجزاؤه في بناء يكون بمثابة الكائن الفرد ثانياً (فلسفة وفن: 366).
نفس الأديب أولاً، تلك هي البداية التي من خلالها نستطيع معرفة إلى أي مدى يسير أدب أمة بعينها ونحو أي هدف.
وأمامنا اليوم نموذج معاصر حي للأدب القصصي الفلسطيني للأديب والروائي نازك ضمرة، الذي أعتبره قاص وروائي فلسطيني معاصر أستطاع أن يسبح ضد التيار ويعلن من جديد - في أعماله - عن الإنسان الفلسطيني البسيط في القرية والديرة التي كدنا أن ننسى انفعالاتها وحيوتها وأصالتها وأهازيجها الشعبية من شدة ضغط المناخ الثوري والمقاوم في أرضنا المحتلة والذي اضطر فيها الأدب الفلسطيني - بغالب فنونه من شعر وقصة ومسرح ورواية – تحت ظروف هذا الاحتلال وهذه المقاومة المشروعة والواجبة والحتمية ضد المحتل أن يسحب غالب الضوء ويسلطه على أدب المقاومة فقط ، مما أثر على رؤية زوايا إنسانية كثيرة موجودة بالفعل لكن ليس لها نصيب من هذا الضوء إلا ما تبقى من هذا الأدب المقاوم والحتمي.
وهنا يظهر أدب نازك ضمرة، ليسطع داخل هذه المساحة الضيقة من الضوء ويطل بنا على الزوايا الإنسانية التي شكلت ومازالت تشكل وجدان الشعب الفلسطيني خاصة والعربي بوجه عام، ضمرة هذا الفلاح الفلسطيني الذي يذكر كل تفاصيل قريته الصغيرة في كل أعماله، تفاصيل الحيطان ورائحة العجين قبل أن تخبزه نساء البيوت، رائحة دخان العشاء وجلوس الناس للسمر بين وقتي صلاة المغرب والعشاء في الساحة القريبة من مسجد القرية المتواضع والبيارة التي تقع خارج القرية والبنات الصغيرات وجرار الماء والبراءة، إنك تلهث معه في رحاب قريته وبساطة الناس وأعرافهم وتقاليدهم لدرجة تستحيل معها الفكاك من قبضته المحكمة السحرية والتي جعلتك وأنت تقرأ أي عمل قصصي من أعماله تتحول – دون أن تدري – لواحدٍ من أبطاله وشخوصه بل وحينما تسترد وعيك لهينة من الزمن تتمنى في تلك الهينة لو كان لك ما لضمرة من خيال وواقع وناس وقرية كالتي تتجول بين شوارعها الآن في قصصه العديدة والتي يعبر فيها بأسلوب ذكي عن مناحي كثيرة من زوايا سيرته الذاتية ولكنها ذات استطاع بخبرته كأديب أن يفتتها على أبطال عدة وشخوص كثيرة فتستنشق وأنت تقرأ رائحة الوطن وكأنه نبض يحتويك فتنتقل بمشاعرك تلقائيا من العدم للوجود ولعل اقرب الأمثلة في رواية غيوم الصادرة له من دار الكرمل في الأردن هي شخصية " مرزوق" بطل الرواية الطفل الذكي الحساس الخجول الامين والذي يترك قريته الى مدينة رام الله لإكمال دراسته ، حيث تتفتح هناك أزاهير فتوته ، في تلك المدينة الحالمة ، مدينة رام الله، ومرزوق هذا هو نازك ضمرة الطفل الذكي الذي قام بإمامة الناس في قريته وهو لم يتعد الخامسة عشرة عاماً ثم رحل عنها ليستكمل دراسته في مدينة اخرى بعيدة، وهو ايضا ذلك الطفل الذي يسجل كل مايدور حوله من افعال واقوال بحس وذكاء بالغين كما في قصة ثريّا السيراوية حيث يدفعك للتأمل معه فيما يراه ويستشعره هو من حوله داخل القرية .. الانسان – الضمير، فيقول في روعة على لسان البطل: " اكل جميع اهل القرية من لحمها الا نحن!، كنا نشرب الحليب منها كل يوم! لا ادري كيف وقعت عن الصخرة العالية؟! كانت بقرتنا قوية جداً وفي مقتبل العمر!؟" .. اشرتُ لها بيدي حتى لا تكمل، احسست بالحزن الشديد يشد كل عصب في وجهي، لم اظهر لها، قلت لها: «امر الله يا ابنتي،المكتوب ما منه مهروب" ثم يفتت ذاته على لسان بطل آخر ليقول أيضاً في نفس الرواية: قال لي خالها:جلست ثريا بجانبي، تحتضن سلة فيها اقراص الزعتر والبيض البلدي والمطبق، كانت تتأمل صعود الركاب، وازدحامهم في الوقوف، بعد ان امتلأت جميع كراسي الباص، كانت ثريا تتأفف عند كل وقفة، يدخل الركاب الجدد، ويضغطون على الواقفين والجالسين لم تشتك من ذلك، كانت تريد الوصول الى شقيقها مازن بسرعة.
لا يمكن هذا الوصف الدقيق في سرد المنمنمات لكل شئ وكأنه يصر على دفعك لان تتذكر كل تفصيلة من تفاصيل القرية الفلسطينية وعاداتها وسلوكياتها فهو يضع البقرة والزعتر والبيض والركاب واالازدحام وألف مسألة ومسألة شعبية وبيئية وبغاية الدقة في ثلاث فقرات سريعة متدفقة تجعلك تلهث وراء الحدث الدرامي حتى لا يسبقك فتفقد جزءاً ولو ضئيلاً من المتعة، في كل قصصه والتي اذكر (لوحة وجدار) عن دار آرام، (شمس في المقهى) بدعم من وزارة الثقافة، وروايته الرائعة (الجـرّة) الصادرة عن دار النسر للنشر وأيضا (بعض الحب) بخلاف ثريا وغيوم وهذا بعض من أعماله التي تأخذك لعالمه ولا تتركك إلا وأنت تحمل شعورا جديدا يقطر إنسانية ودفئاً.
نازك ضمرة بلا أدنى شك مبدع ثائر وثائر قوي ينتهج ما يمكن أن نطلق عليه " الثورة الناعمة " في الكتابة التي تؤمن بأن المقاومة إن كانت لا تستغني عن حمل السلاح فهي أيضا لا يمكن لها أن تستغني عن إرثها الحضاري والشعبي، ولا يجب الخلط هنا بين منهج الثورة الناعمة في الأدب وبين "أدب المأساة" الذي قال عنه الناقد الفلسطيني يوسف اليوسف: "أدب المأساة هو أقرب أصناف الأدب إلى ماهية الكارثة ونكبة 1948التي عطبتنا في الصميم"، إذ أن أدب المأساة – وهذا رأيي الشخصي – دائما ما يكون أول ضحاياه الإرث الإنساني والشعبي للوطن المحتل، وقد اختار " ضمرة " لنفسه تحمل مسئولية إظهار هذا الإرث الإنساني والشعبي حتى لا يتعرض ذلك الإرث للنسيان، ونحن هنا لا نقارنه بآخرين حملوا على عاتقهم تلك المسئولية أيضاً من عمالقة الأدب الفلسطيني كمحمود درويش وإميل حبيبي أو شاعرنا الفلسطيني المعاصر عبد الكريم عبد الرحيم، أو المبدع والشاعر الفلسطيني المعاصر حلمي الريشة وغيرهم، لكون كل منهم له بصمته، ونازك ضمره أيضا له بصمته المختلفة عنهم ولعل ابرز ما يقع فيه الناقد أحيانا أن يقارن أديب بأديب آخر من بني جنسه ووطنه أو يقارن إبداع بإبداع وهو ما أعتبره فخاً نقديا نكافح دائما في تخطيه قدر منحة الاستطاعة ولذلك أقول أن نازك ضمرة هو أديب فلسطيني من هؤلاء الذين لهم رؤية خاصة في الاتجاه الوطني للأدب الفلسطيني المعاصر حيث يمزج بين المشاعر الإنسانية وبين مشاعر الثورة فخرجت لنا أعماله بسيناريو بديع يعبر بإخلاص وموضوعية عن فلسطين .. الإنسان – الأرض – الثورة.

الخميس، 18 نوفمبر 2010

الفساد وسنينه

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
خرج اليزيد بن معاوية ولم يبق على وفاة الرسول الكريم بضع سنين بجيش جرار لمكة والمدينة احتيالاً باسم الدين وحرق الكعبة واغتصب كل نساء المدينة في عام السفاح ليرغم اهلها على بيعة ابيه قصراً هذا بعد ان تم نفي كل صحابة رسول الله الذين عارضوه الى الصحراء!
هكذا يخبرنا التاريخ عن كل الكوارث التي كانت – ومازالت - تحل بوطننا العربي تحديداً وهي كوارث يعلمها الله مسبقاً ويراها ويعلم توابعها ونتائجها وماستسفر عنه الأحداث فيها من موت وخراب ديار، وبالرغم من ذلك تحدث ولانجد منه نصراً واحداً ولا فتحاً مبيناً مما آثار لدى البعض الكثير من الشكوك وعلامات الإستفهام حول وضعنا الحقيقي أمام الله سبحانه وتعالى ولماذا يتركنا هكذا دون معجزات رغم أنه هو وحده القادر على انقاذ آلاف الضحايا الذين يسقطون يومياً من المحيط للخليج بشكل مآساوي ومبالغاً فيه بل وسحق الغزاة بأمر صغير منه وايضاً استبعاد كل حكامنا الذين نعتبرهم مفسدون في الأرض بأن يطلق عليهم ودفعة واحدة مرض الطاعون فيموتوا في جماعة وفي وقت واحد رغم بعد المسافة واختلاف المذاهب السياسية!، فماهو السر في عدم النصر ؟ألسنا اهل الله واحباؤه أم أن المسألة فيها منا تجاهه جل وعلا عمليات نصب واحتيال ؟ اظنني أميل الى أن المسألة تحوي منا كثيرا من النصب والإحتيال على الله لذا فقد تركنا هكذا لمصيرنا لتنطبق علينا وحدنا دون غيرنا نص ايته الكريمة التي تقول " ويبدل قوماً غيركم" لانه – ربما - قد وجب تبديل القوم الذين قالوا ربنا الله ليس لإيمان في قلوبهم ولكن ليشتروا به ثمناً قليلاً. 
لقد خرج اليزيد بن معاوية ولم يبق على وفاة الرسول الكريم بضع سنين بجيش جرار لمكة والمدينة احتيالاً باسم الدين – وقد كان سكيراً - وحرق الكعبة واغتصب كل نساء المدينة في عام صار اسمه في التاريخ عام السفاح ليرغم اهلها على بيعة ابيه قصراً هذا بعد ان تم نفي كل صحابة رسول الله الذين عارضوه الى الصحراء وعلى رأسهم عبدالله بن عمر وابو ذر الغفاري الذين ماتا دون أن يدري عنهما عامة المسلمين شيئاً سوى انهما كانا – من وجهة نظر الحاكم – ارهابيين رغم كونهما – رحمهما الله – من المبشرين بالجنة، الأمر الذي دفع الدولة الإسلامية الوليدة ان تعيش مآساة الفتنة الكبرى ويموت فيها الآلاف ممن كان الإسلام الحقيقي في أمس الحاجة لهم ويموت فيها ايضاً غالبية صحابة رسول الله وعلى رأسهم على بن ابي طالب واهله جميعاً ولتنتهي الدولة الأولى في الإسلام وهي الدولة الأموية نهاية مآساوية دموية لم يشهد التاريخ لها شبيهاً على يد مسلمين آخرين زوروا الإسلام لخدمة نواياهم السياسية بقيادة " ابو العباس السفاح " كما كان يطلق على نفسه حيث لم ينجو طفلاً اموياً رضيعاً ولاإمرأة أموية من قطع رأسها بالسيف ولتقوم فوق هذه الاجساد الدولة العباسية – الإسلامية – وفوق بحر من الدم الإسلامي بعد النصب والإحتيال على الله باسم الدين وهو الأمر الذي لايقبله الله حتى وإن امهله بعضاً من الوقت لتنتهي الدولة العباسية نهاية اسوأ مما انتهت إليه على يديها الدولة الأموية وبيد مجموعة من الرعاع الوثنيين من قبائل منغوليا وتتاريا الصينيتان ليقتل– حسب رواية المؤرخين – مليون مسلم في بغداد وحدها وفي أقل من ثلاثة اشهر ليذق العباسيون بعد حين نفس الكأس الذي أذاقوه قسراً وارهاباً للأمويين ولينتهوا وتنتهي دولتهم. 

الفساد وسنينه

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
خرج اليزيد بن معاوية ولم يبق على وفاة الرسول الكريم بضع سنين بجيش جرار لمكة والمدينة احتيالاً باسم الدين وحرق الكعبة واغتصب كل نساء المدينة في عام السفاح ليرغم اهلها على بيعة ابيه قصراً هذا بعد ان تم نفي كل صحابة رسول الله الذين عارضوه الى الصحراء!
هكذا يخبرنا التاريخ عن كل الكوارث التي كانت – ومازالت - تحل بوطننا العربي تحديداً وهي كوارث يعلمها الله مسبقاً ويراها ويعلم توابعها ونتائجها وماستسفر عنه الأحداث فيها من موت وخراب ديار، وبالرغم من ذلك تحدث ولانجد منه نصراً واحداً ولا فتحاً مبيناً مما آثار لدى البعض الكثير من الشكوك وعلامات الإستفهام حول وضعنا الحقيقي أمام الله سبحانه وتعالى ولماذا يتركنا هكذا دون معجزات رغم أنه هو وحده القادر على انقاذ آلاف الضحايا الذين يسقطون يومياً من المحيط للخليج بشكل مآساوي ومبالغاً فيه بل وسحق الغزاة بأمر صغير منه وايضاً استبعاد كل حكامنا الذين نعتبرهم مفسدون في الأرض بأن يطلق عليهم ودفعة واحدة مرض الطاعون فيموتوا في جماعة وفي وقت واحد رغم بعد المسافة واختلاف المذاهب السياسية!، فماهو السر في عدم النصر ؟ألسنا اهل الله واحباؤه أم أن المسألة فيها منا تجاهه جل وعلا عمليات نصب واحتيال ؟ اظنني أميل الى أن المسألة تحوي منا كثيرا من النصب والإحتيال على الله لذا فقد تركنا هكذا لمصيرنا لتنطبق علينا وحدنا دون غيرنا نص ايته الكريمة التي تقول " ويبدل قوماً غيركم" لانه – ربما - قد وجب تبديل القوم الذين قالوا ربنا الله ليس لإيمان في قلوبهم ولكن ليشتروا به ثمناً قليلاً. 
لقد خرج اليزيد بن معاوية ولم يبق على وفاة الرسول الكريم بضع سنين بجيش جرار لمكة والمدينة احتيالاً باسم الدين – وقد كان سكيراً - وحرق الكعبة واغتصب كل نساء المدينة في عام صار اسمه في التاريخ عام السفاح ليرغم اهلها على بيعة ابيه قصراً هذا بعد ان تم نفي كل صحابة رسول الله الذين عارضوه الى الصحراء وعلى رأسهم عبدالله بن عمر وابو ذر الغفاري الذين ماتا دون أن يدري عنهما عامة المسلمين شيئاً سوى انهما كانا – من وجهة نظر الحاكم – ارهابيين رغم كونهما – رحمهما الله – من المبشرين بالجنة، الأمر الذي دفع الدولة الإسلامية الوليدة ان تعيش مآساة الفتنة الكبرى ويموت فيها الآلاف ممن كان الإسلام الحقيقي في أمس الحاجة لهم ويموت فيها ايضاً غالبية صحابة رسول الله وعلى رأسهم على بن ابي طالب واهله جميعاً ولتنتهي الدولة الأولى في الإسلام وهي الدولة الأموية نهاية مآساوية دموية لم يشهد التاريخ لها شبيهاً على يد مسلمين آخرين زوروا الإسلام لخدمة نواياهم السياسية بقيادة " ابو العباس السفاح " كما كان يطلق على نفسه حيث لم ينجو طفلاً اموياً رضيعاً ولاإمرأة أموية من قطع رأسها بالسيف ولتقوم فوق هذه الاجساد الدولة العباسية – الإسلامية – وفوق بحر من الدم الإسلامي بعد النصب والإحتيال على الله باسم الدين وهو الأمر الذي لايقبله الله حتى وإن امهله بعضاً من الوقت لتنتهي الدولة العباسية نهاية اسوأ مما انتهت إليه على يديها الدولة الأموية وبيد مجموعة من الرعاع الوثنيين من قبائل منغوليا وتتاريا الصينيتان ليقتل– حسب رواية المؤرخين – مليون مسلم في بغداد وحدها وفي أقل من ثلاثة اشهر ليذق العباسيون بعد حين نفس الكأس الذي أذاقوه قسراً وارهاباً للأمويين ولينتهوا وتنتهي دولتهم. 

بوتين يرتدي عباءة ريجان

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
وكما فعل ريجان بشكل هوليودي واستبدع مشروع حرب النجوم الذي كان من اهم نتائجة – ان لم تكن الوحيدة – هو تفكيك الإتحاد السوفييتي وانهياره فإن بوتين ايضا سيصنع فيلماً لنفسه يحمل اسمه لربما تكون نتائجة اقرب لنتيجة فيلم ريجان وتنهار أمريكا

فجأة وجد بوتين نفسه و طوقاً يلتف حول عنق روسيا من جميع الجهات ويحوي قوى في غاية التناقض وان كانت كلها تتفق في امتلاكها للطاقة النووية أو قاب قوسين أو أدنى منها – كإيران - 
وعلى رأس الجميع القوات الأمريكية التي أصر قوادها أن تكون على مرمى حجر من موسكو بعد أن خلا لها وجه العراق وربما – رغم الإستحالة – يخلو لها وجه ايران ايضاً، وعليه كان لابد لبوتين ان يبحث عن مخرج لموقف بلاده الحرج والتهديد الغير معلن الذي ترمي به امريكا وتلوح به لروسيا خاصة بعد أن صارت اميركا – شئتم ام ابيتم - دولة دينية على يد اليمين المحافظ والكل يعلم أن أي حكم أو سلطة دينية في العالم دائماً ما تستهويها انهار الدم وصناعة الحروب وتدمير الأمم باسم الدين حتى قبل تطبيق الدين نفسه لأن الدين بالنسبة للساسة المؤدلجين ماهو إلا " ميكروباص" يصلون به إلى أهدافهم غير عابئين بدهس شعوبهم وضحاياهم من مختلف الشعوب الإخرى، ولما كان المخرج يلزم نوع من الذكاء – الروسي - الذي يجب ان يقتنع بمعطياته جل العالم لم يجد بوتين سوى عباءة ريجان ليتلحف بها، وكما فعل ريجان بشكل هوليودي واستبدع مشروع حرب النجوم الذي كان من اهم نتائجة – ان لم تكن الوحيدة – هو تفكيك الإتحاد السوفييتي وانهياره فإن بوتين ايضا سيصنع فيلماً لنفسه يحمل اسمه لربما تكون نتائجة اقرب لنتيجة فيلم ريجان وتنهار أمريكا خاصة أن الظروف الآن مواتية وتعلم مخابرات العالم الثالث قبل الأول أن الأقتصاد الأمريكي اليوم اصبح شبه عاجز عن تلبية كثير من الإحتياجات فمابال التطوير النووي الذي يحتاج الى جبال من الدولارات بل ان عدد الذين اصبحوا بلامأوى في شوارع امريكا قد فاق عدد امثالهم في الهند – حسب رواية الأمريكان أنفسهم - وان حرب العراق كادت أن تأتي على كل سنت بالخزانة الفيدرالية وأن محاولة استرجاع هذه السنتات من بترول العراق هي اشبه باسترجاع مياه البحر بواسطة ملعقة من الخشب وهنا اعلن بوتين عن امتلاكة أو قرب امتلاكة لسلاح نووي لا ولن تمتلكه أي قوى في العالم حتى ولو كان العالم بعضه لبعض ظهيراً. لم تتحمل اميركا هذه الصفعة التي ربما لو كان " كيري " على رأس البيت الأبيض ما صفعها له بوتين الذي يستشعر قرب الغدر الأميركي به وبشعبه خاصة بعد خروجه من المولد بلا حمص وضاعت منه صفقة البترول الباهظة الثمن التي صفقها مع نظام صدام حسين البعثي السابق، ولما لم تتحمل اميركا هذه الصفعة المباغتة خرج علينا اعلامها والمتحدثين باسم ساستها يتوددون لروسيا بأقوال مفادها أن روسيا هي صديق وحليف وأن الغاية واحدة بينهما في ان الإرهاب هو هدفهما معاً وأن السلاح النوووي الجديد ماهو إلا أداه لمحاربته والكل يعلم أن هذا كله كلام من باب " الضحك على الدقون " لأن امريكا وكل العالم المتحضر يعلم ان السلاح النووي تتم صناعته خصيصاً لقتال عدو يبعد عشرات الآلاف من الأميال كما فعلت اميركا بنجازاكي وهيروشيما ولايعقل أبداً أن تضرب به روسيا المقاومة الشيشانية مثلاً في حرب عصابات كالتي تقوم بها قوات التحالف في الفلوجة وهيت والموصل بالعراق لان ذلك يعني – والشيشان على مرمى البصر من موسكو – ان ينقلب السحر على الساحر ويفتك الغبار الذري بموسكو ومن حولها. 
إن بوتين يحاول التجهيز لهذا السيناريو منذ زمن بعيد بدأ تنفيذه – ربما - باحداث المدرسة الإبتدائية التي راح ضحيتها المئات من الأطفال والعوائل والتي كانت حجر الزاوية الذي بنى عليه بوتين قبة صخرته السياسية للوقوف أمام امريكا كند يستعيد قواه من جديد وهي كارثة ربما تؤكد ايضا تورط الإدارة الروسية في صناعتها وإلصاقها بالمقاومة الشيشانية لتحكم بمبرراتها امام العالم امتلاكها لاسلحة نووية فتاكة خاصة وانها تشبثت برفض اميركا لبروتوكول الحد من الأسلحة النووية فيما طمحت اليه وتعلنه اليوم امام شاشات التليفزيون وهو أمر جعل رد الفعل الأميريكي يعض على انامله من شدة الندم بعد ان ملأه التوجس والقلق في ظل هذه الظروف الصعبة التي تعيشها قوات التحالف مع الفلاحين في " قرى " العراق . 
إن كان فيلما روسياً على غرار مافعله ريجان فعلى أميركا أن تصدقه بكل مافيه وبحذافيره لانه ليس امامها إلا أن تصدقه لان هذا الفيلم قد صنع خصيصاً ليمس الأمن القومي الأميركي وعليه فأمريكا عليها أن تبحث منذ اللحظة عن اطنان من الدولارات تدفع بها الى معامل التطوير النووي لتقف امام روسيا – كما كانت في الماضي – نداً قوياً شرساً ولكن مع استمرار الحرب على العراق وتدفق الأموال التي يتم انفاقها على بسط قواعد الديموقراطية الملفقة ومصاريف الجند والسلاح هل سيمكن لأميركا ان تواجه هذا الفيلم الروسي دون أن تفلس أو يحيق بها ما حاق بالإتحاد السوفييتي من تفكك بعد أن صدق فيلم ريجان وحربه المزعومة من فوق اسطح النجوم، إن هذا مايريده بوتين واقصى طموحه بل وماتريدة فرنسا والمانيا ايضاً بل والمدهش انه وفي أول رد فعل للشارع الأوروبي نجد ان الغالبية منهم قد انتشت لمجرد ان الدب الروسي قد بدأ يستفيق من غيبوبته ويهدد ويتوعد - كما كان أيام زمان - حتى لو كان في هذا التهديد خسارة لأوروبا الموحدة نفسها مادامت الخسارة ستطول اميركا- الهدف الغير معلن لروسيا - ولتعم اللعنة على الجميع بعد أن خسر العالم حريته وراء مزاعم القضاء على الإرهاب والحروب الغير مقدسة

بوتين يرتدي عباءة ريجان

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
وكما فعل ريجان بشكل هوليودي واستبدع مشروع حرب النجوم الذي كان من اهم نتائجة – ان لم تكن الوحيدة – هو تفكيك الإتحاد السوفييتي وانهياره فإن بوتين ايضا سيصنع فيلماً لنفسه يحمل اسمه لربما تكون نتائجة اقرب لنتيجة فيلم ريجان وتنهار أمريكا

فجأة وجد بوتين نفسه و طوقاً يلتف حول عنق روسيا من جميع الجهات ويحوي قوى في غاية التناقض وان كانت كلها تتفق في امتلاكها للطاقة النووية أو قاب قوسين أو أدنى منها – كإيران - 
وعلى رأس الجميع القوات الأمريكية التي أصر قوادها أن تكون على مرمى حجر من موسكو بعد أن خلا لها وجه العراق وربما – رغم الإستحالة – يخلو لها وجه ايران ايضاً، وعليه كان لابد لبوتين ان يبحث عن مخرج لموقف بلاده الحرج والتهديد الغير معلن الذي ترمي به امريكا وتلوح به لروسيا خاصة بعد أن صارت اميركا – شئتم ام ابيتم - دولة دينية على يد اليمين المحافظ والكل يعلم أن أي حكم أو سلطة دينية في العالم دائماً ما تستهويها انهار الدم وصناعة الحروب وتدمير الأمم باسم الدين حتى قبل تطبيق الدين نفسه لأن الدين بالنسبة للساسة المؤدلجين ماهو إلا " ميكروباص" يصلون به إلى أهدافهم غير عابئين بدهس شعوبهم وضحاياهم من مختلف الشعوب الإخرى، ولما كان المخرج يلزم نوع من الذكاء – الروسي - الذي يجب ان يقتنع بمعطياته جل العالم لم يجد بوتين سوى عباءة ريجان ليتلحف بها، وكما فعل ريجان بشكل هوليودي واستبدع مشروع حرب النجوم الذي كان من اهم نتائجة – ان لم تكن الوحيدة – هو تفكيك الإتحاد السوفييتي وانهياره فإن بوتين ايضا سيصنع فيلماً لنفسه يحمل اسمه لربما تكون نتائجة اقرب لنتيجة فيلم ريجان وتنهار أمريكا خاصة أن الظروف الآن مواتية وتعلم مخابرات العالم الثالث قبل الأول أن الأقتصاد الأمريكي اليوم اصبح شبه عاجز عن تلبية كثير من الإحتياجات فمابال التطوير النووي الذي يحتاج الى جبال من الدولارات بل ان عدد الذين اصبحوا بلامأوى في شوارع امريكا قد فاق عدد امثالهم في الهند – حسب رواية الأمريكان أنفسهم - وان حرب العراق كادت أن تأتي على كل سنت بالخزانة الفيدرالية وأن محاولة استرجاع هذه السنتات من بترول العراق هي اشبه باسترجاع مياه البحر بواسطة ملعقة من الخشب وهنا اعلن بوتين عن امتلاكة أو قرب امتلاكة لسلاح نووي لا ولن تمتلكه أي قوى في العالم حتى ولو كان العالم بعضه لبعض ظهيراً. لم تتحمل اميركا هذه الصفعة التي ربما لو كان " كيري " على رأس البيت الأبيض ما صفعها له بوتين الذي يستشعر قرب الغدر الأميركي به وبشعبه خاصة بعد خروجه من المولد بلا حمص وضاعت منه صفقة البترول الباهظة الثمن التي صفقها مع نظام صدام حسين البعثي السابق، ولما لم تتحمل اميركا هذه الصفعة المباغتة خرج علينا اعلامها والمتحدثين باسم ساستها يتوددون لروسيا بأقوال مفادها أن روسيا هي صديق وحليف وأن الغاية واحدة بينهما في ان الإرهاب هو هدفهما معاً وأن السلاح النوووي الجديد ماهو إلا أداه لمحاربته والكل يعلم أن هذا كله كلام من باب " الضحك على الدقون " لأن امريكا وكل العالم المتحضر يعلم ان السلاح النووي تتم صناعته خصيصاً لقتال عدو يبعد عشرات الآلاف من الأميال كما فعلت اميركا بنجازاكي وهيروشيما ولايعقل أبداً أن تضرب به روسيا المقاومة الشيشانية مثلاً في حرب عصابات كالتي تقوم بها قوات التحالف في الفلوجة وهيت والموصل بالعراق لان ذلك يعني – والشيشان على مرمى البصر من موسكو – ان ينقلب السحر على الساحر ويفتك الغبار الذري بموسكو ومن حولها. 
إن بوتين يحاول التجهيز لهذا السيناريو منذ زمن بعيد بدأ تنفيذه – ربما - باحداث المدرسة الإبتدائية التي راح ضحيتها المئات من الأطفال والعوائل والتي كانت حجر الزاوية الذي بنى عليه بوتين قبة صخرته السياسية للوقوف أمام امريكا كند يستعيد قواه من جديد وهي كارثة ربما تؤكد ايضا تورط الإدارة الروسية في صناعتها وإلصاقها بالمقاومة الشيشانية لتحكم بمبرراتها امام العالم امتلاكها لاسلحة نووية فتاكة خاصة وانها تشبثت برفض اميركا لبروتوكول الحد من الأسلحة النووية فيما طمحت اليه وتعلنه اليوم امام شاشات التليفزيون وهو أمر جعل رد الفعل الأميريكي يعض على انامله من شدة الندم بعد ان ملأه التوجس والقلق في ظل هذه الظروف الصعبة التي تعيشها قوات التحالف مع الفلاحين في " قرى " العراق . 
إن كان فيلما روسياً على غرار مافعله ريجان فعلى أميركا أن تصدقه بكل مافيه وبحذافيره لانه ليس امامها إلا أن تصدقه لان هذا الفيلم قد صنع خصيصاً ليمس الأمن القومي الأميركي وعليه فأمريكا عليها أن تبحث منذ اللحظة عن اطنان من الدولارات تدفع بها الى معامل التطوير النووي لتقف امام روسيا – كما كانت في الماضي – نداً قوياً شرساً ولكن مع استمرار الحرب على العراق وتدفق الأموال التي يتم انفاقها على بسط قواعد الديموقراطية الملفقة ومصاريف الجند والسلاح هل سيمكن لأميركا ان تواجه هذا الفيلم الروسي دون أن تفلس أو يحيق بها ما حاق بالإتحاد السوفييتي من تفكك بعد أن صدق فيلم ريجان وحربه المزعومة من فوق اسطح النجوم، إن هذا مايريده بوتين واقصى طموحه بل وماتريدة فرنسا والمانيا ايضاً بل والمدهش انه وفي أول رد فعل للشارع الأوروبي نجد ان الغالبية منهم قد انتشت لمجرد ان الدب الروسي قد بدأ يستفيق من غيبوبته ويهدد ويتوعد - كما كان أيام زمان - حتى لو كان في هذا التهديد خسارة لأوروبا الموحدة نفسها مادامت الخسارة ستطول اميركا- الهدف الغير معلن لروسيا - ولتعم اللعنة على الجميع بعد أن خسر العالم حريته وراء مزاعم القضاء على الإرهاب والحروب الغير مقدسة

الأحد، 24 أكتوبر 2010

قيــــــراط أرض - قصة قصيرة جداً

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
نهره احدهم بقوله : ماتروح تهددة يا أخي وتقوله يالقيراط ياروحك وبكدة تخوفة وتاخد حقك .. حاجة من إتنين .. ياتاخد قيراط الأرض ياتقتله ونخلص منه ومن اجرامه!!!!. 
كان عبد القادر الخولي أحد فلاحين مصر الشرفاء له قيراط أرض زراعي واحد (175 ميتر )، كان شريطاً طويلاً يجاور خمسة فدادين يمتلكهم جاره الذي رأى أنه لاوجود اطلاقاً لهذا القيراط الذى يزعم صاحبة أنه موجود، ولما كان عرض هذا القيراط 15 سنتيميتراً فقط وطوله 1167 ميتراً فقد احتار في العثور عليه جهابذة القياس وفقهاء الحدود لدرجة أنهم آمنوا بأن هذا القيراط هو قيراطاً مزعوماً بالفعل وليس له وجود اطلاقاً وحذره من مغبة الخوض في صراع مع صاحب الخمسة فدادين كل أهل القرية بما فيهم شيخ الجامع وحتى زوجته زبيدة وابناءه الذكورخاصة وأنه ( أي صاحب الخمسة فدادين ) كان عدوانياً وشرانياً، لكن أصر عبدالقادر اصرار المطمئنين لإيمانه بأنه صاحب حق وأن هذا الحق حتى ولو كان تافها فهو يمتلكه ولابد له من وسيلة لأسترداده.
إن قيراط الارض موجود وهو ملكه وسيسترده حتى لو اتهمته كل الدنيا بالجنون، سيقاوم ويحاول وسينتصر ويستردة. 
المدهش أن هذا الرجل رغم بساطته وبساطة فكره ووعيه الفطريين ظل يدرس قدر هذا الفكر وهذا الوعي جغرافية المكان كلة وظل يستشير كل من يثق فيهم من اصحاب العلم الخلصاء الذين لهم دراية بتاريخ الأرض وجغرافيتها وعلاقة بطبيعة المكان وجذوره، ولما نهره احدهم بقوله : ماتروح تهددة يا أخي وتقوله يالقيراط ياروحك وبكدة تخوفة وتاخد حقك .. حاجة من إتنين .. ياتاخد قيراط الأرض ياتقتله ونخلص منه ومن اجرامه!!!!. 
كان دائماً ماينظر لمثل هذه الاقوال نظرة صاحب الحق الذي يرى أن قيمة البني آدم تكمن دائماً في الالتزام بالمشروع وان طال امد الحصول عليه وليس في السلب وان كان سيمكنك من امتلاك العالم كله في لحظة، ولهذا كان دائماً مايردد : لايحق لي أن استرد مافقد مني سلباً وغصباً ألا بالحق والقيمة وانا حقي القيراطوقيمتي في عنادي والا ابقى مااستاهلش. 
يمر عام واحد ( مدة طويلة بالنسبة لفلاح رأس ماله الارض ) ويقسم الشيخ مرتضى في صحن المسجد وبين خطبتي الجمعة أن عبد القادر الخولي كان الصادق الوحيد في البلد دي وكلنا كدبناة، انا بنزل من فوق المنبر أهو.. وبقول لعبد القادر اللي في وسطكم دلوقتي يابشر ( قوم يابو ايهاب ) وبشد على ايدة قدامكم وبحضنه كمان وبقوله يحميك ياعبد القادر .. يحميك وربنا يباركلك في اللى خدته لأنك علمتنا درس جامد قوي .. علمتنا ازاي يكون الواحد مننا يبقى بني آدم وبأخلاقه وبأخلاق البني آدمين ياخد حقة حتى ان طال زمن اخدانه رغم اننا كلنا قولنا عليك مجنون.
يعود الشيخ ليعتلى المنبر مرة ثانية وهو ينظر لأهل قريته نظرة كلها عتاب وغضب ثم يعلق بكلمة واحدة هي كل الخطبة الثانية ويقول: اللي يعرف قيمة نفسه بالحق ويحارب لأخدانه بالحق... حتى إن مات وهو بيحاول ياخده .... الناس كلها هتقعد تترحمعليه ليوم الدين وتترحم على اصراره ورجولته ونزاهة ضميره بعد ماتكون خدت درس كبير فازاي يكون البني آدم...بني آدم، وأقم الصلاة يابلد.

قيــــــراط أرض - قصة قصيرة جداً

mohi_ibraheem

 

بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
نهره احدهم بقوله : ماتروح تهددة يا أخي وتقوله يالقيراط ياروحك وبكدة تخوفة وتاخد حقك .. حاجة من إتنين .. ياتاخد قيراط الأرض ياتقتله ونخلص منه ومن اجرامه!!!!. 
كان عبد القادر الخولي أحد فلاحين مصر الشرفاء له قيراط أرض زراعي واحد (175 ميتر )، كان شريطاً طويلاً يجاور خمسة فدادين يمتلكهم جاره الذي رأى أنه لاوجود اطلاقاً لهذا القيراط الذى يزعم صاحبة أنه موجود، ولما كان عرض هذا القيراط 15 سنتيميتراً فقط وطوله 1167 ميتراً فقد احتار في العثور عليه جهابذة القياس وفقهاء الحدود لدرجة أنهم آمنوا بأن هذا القيراط هو قيراطاً مزعوماً بالفعل وليس له وجود اطلاقاً وحذره من مغبة الخوض في صراع مع صاحب الخمسة فدادين كل أهل القرية بما فيهم شيخ الجامع وحتى زوجته زبيدة وابناءه الذكورخاصة وأنه ( أي صاحب الخمسة فدادين ) كان عدوانياً وشرانياً، لكن أصر عبدالقادر اصرار المطمئنين لإيمانه بأنه صاحب حق وأن هذا الحق حتى ولو كان تافها فهو يمتلكه ولابد له من وسيلة لأسترداده.
إن قيراط الارض موجود وهو ملكه وسيسترده حتى لو اتهمته كل الدنيا بالجنون، سيقاوم ويحاول وسينتصر ويستردة. 
المدهش أن هذا الرجل رغم بساطته وبساطة فكره ووعيه الفطريين ظل يدرس قدر هذا الفكر وهذا الوعي جغرافية المكان كلة وظل يستشير كل من يثق فيهم من اصحاب العلم الخلصاء الذين لهم دراية بتاريخ الأرض وجغرافيتها وعلاقة بطبيعة المكان وجذوره، ولما نهره احدهم بقوله : ماتروح تهددة يا أخي وتقوله يالقيراط ياروحك وبكدة تخوفة وتاخد حقك .. حاجة من إتنين .. ياتاخد قيراط الأرض ياتقتله ونخلص منه ومن اجرامه!!!!. 
كان دائماً ماينظر لمثل هذه الاقوال نظرة صاحب الحق الذي يرى أن قيمة البني آدم تكمن دائماً في الالتزام بالمشروع وان طال امد الحصول عليه وليس في السلب وان كان سيمكنك من امتلاك العالم كله في لحظة، ولهذا كان دائماً مايردد : لايحق لي أن استرد مافقد مني سلباً وغصباً ألا بالحق والقيمة وانا حقي القيراطوقيمتي في عنادي والا ابقى مااستاهلش. 
يمر عام واحد ( مدة طويلة بالنسبة لفلاح رأس ماله الارض ) ويقسم الشيخ مرتضى في صحن المسجد وبين خطبتي الجمعة أن عبد القادر الخولي كان الصادق الوحيد في البلد دي وكلنا كدبناة، انا بنزل من فوق المنبر أهو.. وبقول لعبد القادر اللي في وسطكم دلوقتي يابشر ( قوم يابو ايهاب ) وبشد على ايدة قدامكم وبحضنه كمان وبقوله يحميك ياعبد القادر .. يحميك وربنا يباركلك في اللى خدته لأنك علمتنا درس جامد قوي .. علمتنا ازاي يكون الواحد مننا يبقى بني آدم وبأخلاقه وبأخلاق البني آدمين ياخد حقة حتى ان طال زمن اخدانه رغم اننا كلنا قولنا عليك مجنون.
يعود الشيخ ليعتلى المنبر مرة ثانية وهو ينظر لأهل قريته نظرة كلها عتاب وغضب ثم يعلق بكلمة واحدة هي كل الخطبة الثانية ويقول: اللي يعرف قيمة نفسه بالحق ويحارب لأخدانه بالحق... حتى إن مات وهو بيحاول ياخده .... الناس كلها هتقعد تترحمعليه ليوم الدين وتترحم على اصراره ورجولته ونزاهة ضميره بعد ماتكون خدت درس كبير فازاي يكون البني آدم...بني آدم، وأقم الصلاة يابلد.

الأحد، 10 أكتوبر 2010

أعطيتها تمثالاً من قش

قال لي: 

ليست مجرد إمرأة .. من المؤلم أن تمر بتجربة مع عودة وجه تعرفه .. تحبه .. تحن إلي لحظة كانت لك معه .. بينما يرتدي أسفل وجهه الحقيقي أقنعة .. أوجه مزيفة وأسماء مزيفة وجغرافيا مزيفة .. أمرأة .. لكنها في عذوبة الياسمين .. لا شك أنها تجيد التنكر .. تجيد التشكل .. الإبداع .. أما أنا .. فأجيد الإختباء والتخفي والمراوغة .. وبالرغم من أني لا أعرفني .. هي تعرفني جيداً .. ربما تصورت أن اختبائها وراء قناع لن يجعلني أتعرف عليها .. لكن .. حركة يديها .. أنفاسها .. نبرة صوتها .. أعرفها أنا جيداً .. لكنها مادامت قد تخفت وراء وجه وأسم وجغرافيا مزيفة .. فهي حتماً تدفعني لتأدية دور ( عبيط القرية ) معها .. فمارست معها دور (عبيط القرية ) الذي رسمته هي لي .. كان قبولي لهذا الدور عن قناعة لأسباب أهمها .. ربما عادت لتثأر مني كأمرأة .. أنا بحاجة لأن تثأر مني كأمرأة .. فقررت أن لا أحادثها تليفونياً حتى لا ينكشف أمر ( اللعبة ) من أول مشهد تمثيلي بيننا رسمته هي وبدأته .. أنا لا أحب التمثيل .. فأنا فاشل فيه تماماً .. ولكن .. ( هل مررت بتجربة حب حقيقية ودفعك الخوف أن لا تستمر فيها رغم رغبتك الشديدة في أن تستمر ؟) .. ( هل جربت أن تجد إمرأة كأنها أنت .. تحدثك وكأنك تتحدث مع نفسك ثم .. من شدة التعلق .. تقرر الإنتحار ؟) .. أنا مجنون حتماً .. لكنني لستُ مفعماً بالغرابة ! .. لست أنا الشخص المحافظ .. لست كل هؤلاء الفرسان الذين تحكي عنهم حكايات الجدة .. لست ُ نبياً .. ولا ملكاً .. ولا مليونيراً .. ربما أنا شخص ( غبي ) يخشى السعادة ! .. شخص لا يعرف قيمة أن يكون محاطاً بحب إمرأة ( حقيقية ) .. أو ربما إسعاد إمراة حقيقية .. على شاطئ البحر معها .. في مطعم أختارته هي .. وجدت نفسي الضائعة معها .. عثرت عليها لأول مرة .. ألقت بعملة معدنية في الهواء .. تعويذة حظ لم أفهمها .. ولم تكن عندي رغبة لأن أفهمها .. ملك وأللا كتابة ؟ .. كتابة ! .. فأنا .. لم أحلم أبداً أن أكون ملكاً .. ولا أحب الملوك .. في آخر لقاء لي معها أعطيتها تمثالاً من قش .. قفزت به كطفلة في الهواء كأنه تمثالاً من مرمر .. ثم أدرت ظهري لها ولم أعد .. أدرت ظهري في نفس اللحظة التي أردت أن أعانقها فيها عناقاً محفوفاً بالخلود .. عناقاً يتوقف فيه الزمن ولا يتوقف فيه الحس .. هي أجبرتني بروعتها كأنثى أن .. أدرك مدى عدم استحقاقي لها كرجل .. خشيت أن تضيع مشاعرها الرطبة المليئة بالحياة .. والجمال .. والطفولة .. داخل ( خراب ) يابس ملئ بالجنون .. وبعد زمن .. حين عادت تبحث .. أو ربما تثأر .. من تحت قناع مزيف .. أسم مزيف .. جغرافيا مزيفة .. راودني الحنين لها مرة أخرى .. لكنني .. وجدت نفسي .. أمارس معها من جديد .. دور .. عبيط القرية !!

أعطيتها تمثالاً من قش

قال لي: 

ليست مجرد إمرأة .. من المؤلم أن تمر بتجربة مع عودة وجه تعرفه .. تحبه .. تحن إلي لحظة كانت لك معه .. بينما يرتدي أسفل وجهه الحقيقي أقنعة .. أوجه مزيفة وأسماء مزيفة وجغرافيا مزيفة .. أمرأة .. لكنها في عذوبة الياسمين .. لا شك أنها تجيد التنكر .. تجيد التشكل .. الإبداع .. أما أنا .. فأجيد الإختباء والتخفي والمراوغة .. وبالرغم من أني لا أعرفني .. هي تعرفني جيداً .. ربما تصورت أن اختبائها وراء قناع لن يجعلني أتعرف عليها .. لكن .. حركة يديها .. أنفاسها .. نبرة صوتها .. أعرفها أنا جيداً .. لكنها مادامت قد تخفت وراء وجه وأسم وجغرافيا مزيفة .. فهي حتماً تدفعني لتأدية دور ( عبيط القرية ) معها .. فمارست معها دور (عبيط القرية ) الذي رسمته هي لي .. كان قبولي لهذا الدور عن قناعة لأسباب أهمها .. ربما عادت لتثأر مني كأمرأة .. أنا بحاجة لأن تثأر مني كأمرأة .. فقررت أن لا أحادثها تليفونياً حتى لا ينكشف أمر ( اللعبة ) من أول مشهد تمثيلي بيننا رسمته هي وبدأته .. أنا لا أحب التمثيل .. فأنا فاشل فيه تماماً .. ولكن .. ( هل مررت بتجربة حب حقيقية ودفعك الخوف أن لا تستمر فيها رغم رغبتك الشديدة في أن تستمر ؟) .. ( هل جربت أن تجد إمرأة كأنها أنت .. تحدثك وكأنك تتحدث مع نفسك ثم .. من شدة التعلق .. تقرر الإنتحار ؟) .. أنا مجنون حتماً .. لكنني لستُ مفعماً بالغرابة ! .. لست أنا الشخص المحافظ .. لست كل هؤلاء الفرسان الذين تحكي عنهم حكايات الجدة .. لست ُ نبياً .. ولا ملكاً .. ولا مليونيراً .. ربما أنا شخص ( غبي ) يخشى السعادة ! .. شخص لا يعرف قيمة أن يكون محاطاً بحب إمرأة ( حقيقية ) .. أو ربما إسعاد إمراة حقيقية .. على شاطئ البحر معها .. في مطعم أختارته هي .. وجدت نفسي الضائعة معها .. عثرت عليها لأول مرة .. ألقت بعملة معدنية في الهواء .. تعويذة حظ لم أفهمها .. ولم تكن عندي رغبة لأن أفهمها .. ملك وأللا كتابة ؟ .. كتابة ! .. فأنا .. لم أحلم أبداً أن أكون ملكاً .. ولا أحب الملوك .. في آخر لقاء لي معها أعطيتها تمثالاً من قش .. قفزت به كطفلة في الهواء كأنه تمثالاً من مرمر .. ثم أدرت ظهري لها ولم أعد .. أدرت ظهري في نفس اللحظة التي أردت أن أعانقها فيها عناقاً محفوفاً بالخلود .. عناقاً يتوقف فيه الزمن ولا يتوقف فيه الحس .. هي أجبرتني بروعتها كأنثى أن .. أدرك مدى عدم استحقاقي لها كرجل .. خشيت أن تضيع مشاعرها الرطبة المليئة بالحياة .. والجمال .. والطفولة .. داخل ( خراب ) يابس ملئ بالجنون .. وبعد زمن .. حين عادت تبحث .. أو ربما تثأر .. من تحت قناع مزيف .. أسم مزيف .. جغرافيا مزيفة .. راودني الحنين لها مرة أخرى .. لكنني .. وجدت نفسي .. أمارس معها من جديد .. دور .. عبيط القرية !!

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

الروح والنفس والجسد ( مثلث الذات الكثيفة )

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة!

(( لا تثقب الوعي في عقول الجهلاء ليقتلونك ))
الكثيف والخفيف واللطيف، تلك هي معطيات الذات البشرية المعقدة، معطيات الوجود العرضي المشروط بزمن محدد، ذلك الوجود الذي يبدأ بالنور وينتهي بظل النقطة، وحيث النقطة وصلة منه إليه، وصلة ما قبل الإرادة والخاطر، قبل الزمن والمسافة، الحركة والسكون، حيث لم يكن سوى هو .. هو فقط قبل كن ووعاء يكون.
والعقل علامة تدل على ذاتك، وليس جزءاً منك، ولو كان العقل جزءا منك لكان حجة عليك سواء حمل وعيا أو لم يحو، لذا فليس على المجنون مسئولية وإنما المسئولية تقع على الوعي الدال على الذات في وعاء العقل.
وقبل الحديث عن الذات بأنواعها والحياة والموت والوجود الأبدي المشروط للإنسان وكونه موجوداً لا يزول بزوال موت الجسد ولكنه باق ببقاء النفس أو ربما غير موجود على الإطلاق وأن ما يحدث فينا هو مجرد تداخل لموجات كثيفة اتحدت مع عنصر الأرض الترابي فكونت ما نظنه نحن أنه نحن، بينما نحن هم، أو ربما نحن وهم لسنا إلا مشروع قابل للبث في كلمة من كلمات هو، حيث لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل وإنما الآن، الآن فقط، ذلك الآن الذي تتواجد فيه الموجات الخفيفة متجمعة أو متفرقة في تداخل مذهل وحيوي وحيث هذا التداخل لتلك الموجات وحركتها وانعكاساتها واختراقها وظهورها واختفائها هو ما يمكن أن نطلق عليه حياة، وهل البشر مصنفون؟ بمعنى هل هناك بشر عادية أصحاب موجات أشبه بموجات الراديو الطويلة ذات المدى المحدود وبشر آخرين أصحاب موجات شديدة الإشعاع كموجات المايكروويف يستطيعون خرق حاجز الزمان والمكان لدوائر أخرى ومحيط آخر وعالم آخر في نفس الوقت الذي يكونون فيه معنا؟ هل أنت موجود في أكثر من مكان في ذات الوقت؟ وهل أنت تمثل ذات واحدة أم تمثل مجموعة كبيرة من الذوات كل واحدة منها تعيش في مكان آخر غير الذي تحيا فيه الأخرى؟ وهل مقولة " يخلق من الشبه أربعين" حقيقية ومن ثم فهناك أربعين ذات بأربعين نفس تأخذ ملامح شخص واحد، أم أن هناك شخص واحد يعيش في أربعين رداء في نفس اللحظة وفي أربعين مكان في العالم المحدود وربما العالم اللامحدود " الخارجي " أيضا؟ وهل أنت أنت في حال كونك موزع على أربعين شخص بنفس واحدة أم انك مجرد صورة من تلك الأربعين صورة من الذات الأم التي تحيا بعيدا عنك في مكان آخر؟ وهل بموت وفناء جسد الذات الأم تفنى صور الذوات الفرعية؟ وهل بعد فناء الجسد المادي وبقاء النفس المتوفاة معلقة بين الروح العظيمة وبين عالم الوجود المادي ستظل تبث حيوتها فتراها الأجساد التي لم تفن؟ لماذا نرى أقاربنا الذين رحلوا عنا وإذا ذكرنا هذا اتهمنا البعض بالجنون؟ وهل من سكنت أجسادهم وفنت يعيشون بيننا بالفعل من خلال أنفسهم الباقية والتي لم تفن ويتصلوا بنا بالفعل وكأنهم لم يرحلوا عنا أساسا؟ 
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة وأني أتحدث العربية والأسبانية بطلاقة بل وغضب مني حينما أجبته بالانجليزية أني أول مرة أراه فيها وأن علاقتي باللغة الأسبانية أشبه بزواج الابن من أمه يعني مستحيلة وأني لا أعرف أنطونيو ولا كليوباترا ولا أعرف اسبانيا أصلاً إلا من بعض كتب التاريخ وغزوة طارق ابن زياد وأنها ملتصقة بالمغرب التصاق الرضيع بأمة الشرعية.. وهنا رد بفظاظة وقال لي أني أريد أن أقنعه بأنه مجنون، وأقسم مرة أخرى أنه رآني واكل وشرب معي ولكني أنا المجنون وتركني وذهب وهو في قمة غيظه وحقده.
هذه الحكاية كانت تقريبا في عام 87 وكنت وقتها متخرجا حديثا من كلية الهندسة ابحث عن عمل ومستقبل ونسيت حادثة الرجل الفرنسي تماماً.
في عام 98 كانت المرة الأولى التي أسافر فيها خارج مصر إلى الولايات المتحدة، وفي 5 سبتمبر عام 1999 كنت في مدينة بيتسبيرج وتحديدا في مستشفى الرحمة استخرج شهادة ميلاد لأبني الأصغر.
كان لزاما أن أذهب إلى طبيبة القسم أولا في عنبر الولادة لأعطيها بعض الأوراق ثم تقوم هي بتوجيهي إلى القسم المسئول عن استخراج شهادة الميلاد، وحين دخلت مكتب الطبيبة قامت من كرسيها صارخة وكأنها تعرفني منذ زمن ونطقت باسم عجيب في الغالب ليس انجليزيا وهي تفتح ذراعيها، فنظرت حولي حتى استبين من الذي دخل ورائي وتعرفه هذه المرأة بهذه الدرجة الحميمية التي وصلت للأحضان دون الاهتمام بوجودي من عدمه، ولكني لم أجد سواي في المكتب!.
اندهشت الطبيبة من برودي اللامتناهي، وللحق لم يكن بروداً ولكن دهشة عظيمة توقفت معها كل أدوات التفكير عندي، وسألتني ثلاث مرات ألست أنا فلان، بينما أقسمت لها في الثلاث مرات أنني لست هذا ألفلان، والمدهش الذي تخطى حاجز الدهشة عندي لحاجز الذهول أنها أكدت لي معرفتها بي في فندق بشارع انطونيو بمدريد وهو نفس الشارع الذي ذكره الفرنسي في القاهرة ولكن ليست هذه المرة سائحا ولكني هذه المرة كنت مواطناً أسبانياً شيوعيا يفضل أن يشرب القهوة الصباحية في كافيتيريا هذا الفندق الرخيص يوميا تقريباً وأنها كانت في زيارة سياحية هناك وكانت تقيم في هذا الفندق وتعارفنا في الكافيتريا الخاصة بذلك الفندق الرخيص وأن الذي شدها لي ولحديثي في اسبانيا كوني – على حد قولها – ثوري يساري، بل أنها ظنت في بداية الأمر أني أكذب عليها لأتهرب من شئ ما ، ولم تصدق دعواي في اني لست ذلك الشخص الذي تتحدث عنه إلا بعد أن أخرجت لها بطاقتي الأمريكية وجواز سفري المصري ورغبتي في استخراج شهادة ميلاد لأبني من زوجتي المصرية، وتركتها وهي في دهشة وذهول ربما أعظم من دهشتي وذهولي وغادرت بعدها المستشفى للأبد... إنها مسألة عجيبة فعلاً.
كان ذلك في صيف عام 2004 وقبل سفري إلى مصر بأسابيع عائداً من الولايات المتحدة، وكنت أرغب في شراء بعض الفيتامينات والأدوية التي لا وجود لها في مصر لبعض الأقارب والأصدقاء.
ركنت سيارتي في ساحة صيدلية اسمها "سي في اس" على ناصية شارع اسمه فوربس أفينيو بذات المدينة " بيتسبيرج"، وكنت في طريقي – مترجلاً – لدخول الصيدلية وكان الوقت يقترب من الظلام إلا قليلا وحيث بدأت أعمدة الشارع تضئ الواحدة بعد الأخرى.
حينما وصلت بالقرب من باب الصيدلية المواجه تماما لشارع " فوربس" وجدت امرأة سوداء في الثامنة والعشرين أو ربما الثلاثين من عمرها تقود سيارة وبجوارها امرأة أخرى من نفس عمرها ووجدت المرأة التي تمسك بعجلة القيادة تخرج رأسها كله من النافذة وهي تصيح بأعلى صوتها أسباني قذر .. أسباني قذر، وكثير من الشتائم القبيحة والسافلة هذا إلى جانب إشارات سافلة بأصبع يدها وهي موتورة وحاقدة وغاضبة غضبا يكفي لحرق مدينة بأكملها.
نظرت إليها من باب الفضول وأنا أسير داخلا إلى الصيدلية والعجيب أني لاحظت أنها تنظر لي وكأنني المقصود بكل تلك الشتائم.
على أي حال أنا لا أعرفها والوحيدة السوداء التي كنت اعرفها في حياتي كانت فتاه تدعى زينب ابنة احد الدبلوماسيين بالسفارة السنغالية بالقاهرة أيام أن كنا طلبة في جامعة القاهرة، وغير ذلك لاعلاقة لي ولا أعرف أحدا قط.
ملأني الاطمئنان أنني لست أنا المقصود ودخلت الصيدلية.
أخذت أسير بين الأرفف استطلع أسماء الأدوية والفيتامينات قرابة عشرون دقيقة وقد استقر الأمر بي لشراء بعض اللوازم بالفعل وذهبت لكي ادفع ثمن ما اشتريته.
كان يقف بجوار طابور الدفع رجل شرطة " سمين قليلاً" ويمسك بيده جهازا أشبه باللاسلكي تصدر منه أصواتاً عجيبة، وكانت المرأة السوداء تقف بجوار الباب الداخلي للصيدلية تنظر لرجل الشرطة ومن باب عجب تنظر لي أيضاً وهي في غاية التوتر والغضب.
إنه أمر لا يعنيني على أي حال.
أقترب مني رجل الشرطة بعد إيماءة خفيفة له من المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب، وسألني بأدب جم: هل لي أن أتفحص رخصة قيادتك ياسيدي؟
أجبت: بالطبع، وأحسست أنه عملا روتينيا خاصة فيما يتعلق بالتدقيق الأمني بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وان رجال الشرطة من حقهم أن يستوقفوا من شاءوا في أي وقت شاءوا كنوع من أنواع دواعي الأمن.
نظر الشرطي في رخصة القيادة وسألني بأدب أكثر: أنت اسمك محيي الدين؟ .. من أي بلد أنت؟ 
فقلت له من مصر، فاعتذر عن تصرفه وأعطاني الرخصة وكاد ينصرف ولكني وببرود المواقف الصعبة التي ينتابني دائما حينما تكون هناك أمورا سيئة تدور من حولي سألته: ماذا يحدث؟ فأجابني أن تلك المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب الداخلي للصيدلية تظن أنك فتاها السابق الاسباني وأنك تطاردها لسبب ما، ثم أعقب بقوله .. يمكنك أن تقاضيها إن شئت، فشكرته وأنا اردد: لا ..لا .. لا.
خرجت من الصيدلية وأنا لا أفهم شيئاً، دارت الذاكرة بداخلي للخلف واسترجعت لقاء الرجل الفرنسي بالقاهرة والطبيبة بمستشفى الولادة وهذه السيدة السوداء.
عدت إلى القاهرة في أغسطس من عام 2004 وتغير في القاهرة كل شئ بداخلي، لم أعد أتذكر من رحلة أميركا على مدار سبعة سنوات تقريبا سوى أن احمد ابني الأصغر يحمل الجنسية الأمريكية، وما عدا ذلك لا أتذكره على الإطلاق ربما لأنني ذبت في أحضان محبوبتي الوحيدة في هذا الكون مصر وحيث نسيت في سحر عناقها الدافئ كل بلاد الدنيا التي بلا سحر وإن ظل في خاطري ذلك الذهول الباقي من الحوادث السابقة وذلك السؤال الغامض الذي يحتويني : هل أنا أحيا بالفعل في عدة أمكنة مختلفة في العالم في نفس الوقت؟ أم أنني اسباني حقاً ولا أدري ذلك!.

الروح والنفس والجسد ( مثلث الذات الكثيفة )

mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة!

(( لا تثقب الوعي في عقول الجهلاء ليقتلونك ))
الكثيف والخفيف واللطيف، تلك هي معطيات الذات البشرية المعقدة، معطيات الوجود العرضي المشروط بزمن محدد، ذلك الوجود الذي يبدأ بالنور وينتهي بظل النقطة، وحيث النقطة وصلة منه إليه، وصلة ما قبل الإرادة والخاطر، قبل الزمن والمسافة، الحركة والسكون، حيث لم يكن سوى هو .. هو فقط قبل كن ووعاء يكون.
والعقل علامة تدل على ذاتك، وليس جزءاً منك، ولو كان العقل جزءا منك لكان حجة عليك سواء حمل وعيا أو لم يحو، لذا فليس على المجنون مسئولية وإنما المسئولية تقع على الوعي الدال على الذات في وعاء العقل.
وقبل الحديث عن الذات بأنواعها والحياة والموت والوجود الأبدي المشروط للإنسان وكونه موجوداً لا يزول بزوال موت الجسد ولكنه باق ببقاء النفس أو ربما غير موجود على الإطلاق وأن ما يحدث فينا هو مجرد تداخل لموجات كثيفة اتحدت مع عنصر الأرض الترابي فكونت ما نظنه نحن أنه نحن، بينما نحن هم، أو ربما نحن وهم لسنا إلا مشروع قابل للبث في كلمة من كلمات هو، حيث لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل وإنما الآن، الآن فقط، ذلك الآن الذي تتواجد فيه الموجات الخفيفة متجمعة أو متفرقة في تداخل مذهل وحيوي وحيث هذا التداخل لتلك الموجات وحركتها وانعكاساتها واختراقها وظهورها واختفائها هو ما يمكن أن نطلق عليه حياة، وهل البشر مصنفون؟ بمعنى هل هناك بشر عادية أصحاب موجات أشبه بموجات الراديو الطويلة ذات المدى المحدود وبشر آخرين أصحاب موجات شديدة الإشعاع كموجات المايكروويف يستطيعون خرق حاجز الزمان والمكان لدوائر أخرى ومحيط آخر وعالم آخر في نفس الوقت الذي يكونون فيه معنا؟ هل أنت موجود في أكثر من مكان في ذات الوقت؟ وهل أنت تمثل ذات واحدة أم تمثل مجموعة كبيرة من الذوات كل واحدة منها تعيش في مكان آخر غير الذي تحيا فيه الأخرى؟ وهل مقولة " يخلق من الشبه أربعين" حقيقية ومن ثم فهناك أربعين ذات بأربعين نفس تأخذ ملامح شخص واحد، أم أن هناك شخص واحد يعيش في أربعين رداء في نفس اللحظة وفي أربعين مكان في العالم المحدود وربما العالم اللامحدود " الخارجي " أيضا؟ وهل أنت أنت في حال كونك موزع على أربعين شخص بنفس واحدة أم انك مجرد صورة من تلك الأربعين صورة من الذات الأم التي تحيا بعيدا عنك في مكان آخر؟ وهل بموت وفناء جسد الذات الأم تفنى صور الذوات الفرعية؟ وهل بعد فناء الجسد المادي وبقاء النفس المتوفاة معلقة بين الروح العظيمة وبين عالم الوجود المادي ستظل تبث حيوتها فتراها الأجساد التي لم تفن؟ لماذا نرى أقاربنا الذين رحلوا عنا وإذا ذكرنا هذا اتهمنا البعض بالجنون؟ وهل من سكنت أجسادهم وفنت يعيشون بيننا بالفعل من خلال أنفسهم الباقية والتي لم تفن ويتصلوا بنا بالفعل وكأنهم لم يرحلوا عنا أساسا؟ 
أقسم لي أحدهم وكان سائحا فرنسيا أنه رآني في مدريد عاصمة أسبانيا وجلس معي في فندق بشارع انطونيو بأحد أحياء مدريد وتحدثنا وشربنا وأكلنا لمدة تزيد عن عشرة أيام في هذا الفندق حيث كنت في زيارة وسياحة هناك وأنه لم يكن يدري أني مصري حتى رآني بالصدفة في القاهرة وأني أتحدث العربية والأسبانية بطلاقة بل وغضب مني حينما أجبته بالانجليزية أني أول مرة أراه فيها وأن علاقتي باللغة الأسبانية أشبه بزواج الابن من أمه يعني مستحيلة وأني لا أعرف أنطونيو ولا كليوباترا ولا أعرف اسبانيا أصلاً إلا من بعض كتب التاريخ وغزوة طارق ابن زياد وأنها ملتصقة بالمغرب التصاق الرضيع بأمة الشرعية.. وهنا رد بفظاظة وقال لي أني أريد أن أقنعه بأنه مجنون، وأقسم مرة أخرى أنه رآني واكل وشرب معي ولكني أنا المجنون وتركني وذهب وهو في قمة غيظه وحقده.
هذه الحكاية كانت تقريبا في عام 87 وكنت وقتها متخرجا حديثا من كلية الهندسة ابحث عن عمل ومستقبل ونسيت حادثة الرجل الفرنسي تماماً.
في عام 98 كانت المرة الأولى التي أسافر فيها خارج مصر إلى الولايات المتحدة، وفي 5 سبتمبر عام 1999 كنت في مدينة بيتسبيرج وتحديدا في مستشفى الرحمة استخرج شهادة ميلاد لأبني الأصغر.
كان لزاما أن أذهب إلى طبيبة القسم أولا في عنبر الولادة لأعطيها بعض الأوراق ثم تقوم هي بتوجيهي إلى القسم المسئول عن استخراج شهادة الميلاد، وحين دخلت مكتب الطبيبة قامت من كرسيها صارخة وكأنها تعرفني منذ زمن ونطقت باسم عجيب في الغالب ليس انجليزيا وهي تفتح ذراعيها، فنظرت حولي حتى استبين من الذي دخل ورائي وتعرفه هذه المرأة بهذه الدرجة الحميمية التي وصلت للأحضان دون الاهتمام بوجودي من عدمه، ولكني لم أجد سواي في المكتب!.
اندهشت الطبيبة من برودي اللامتناهي، وللحق لم يكن بروداً ولكن دهشة عظيمة توقفت معها كل أدوات التفكير عندي، وسألتني ثلاث مرات ألست أنا فلان، بينما أقسمت لها في الثلاث مرات أنني لست هذا ألفلان، والمدهش الذي تخطى حاجز الدهشة عندي لحاجز الذهول أنها أكدت لي معرفتها بي في فندق بشارع انطونيو بمدريد وهو نفس الشارع الذي ذكره الفرنسي في القاهرة ولكن ليست هذه المرة سائحا ولكني هذه المرة كنت مواطناً أسبانياً شيوعيا يفضل أن يشرب القهوة الصباحية في كافيتيريا هذا الفندق الرخيص يوميا تقريباً وأنها كانت في زيارة سياحية هناك وكانت تقيم في هذا الفندق وتعارفنا في الكافيتريا الخاصة بذلك الفندق الرخيص وأن الذي شدها لي ولحديثي في اسبانيا كوني – على حد قولها – ثوري يساري، بل أنها ظنت في بداية الأمر أني أكذب عليها لأتهرب من شئ ما ، ولم تصدق دعواي في اني لست ذلك الشخص الذي تتحدث عنه إلا بعد أن أخرجت لها بطاقتي الأمريكية وجواز سفري المصري ورغبتي في استخراج شهادة ميلاد لأبني من زوجتي المصرية، وتركتها وهي في دهشة وذهول ربما أعظم من دهشتي وذهولي وغادرت بعدها المستشفى للأبد... إنها مسألة عجيبة فعلاً.
كان ذلك في صيف عام 2004 وقبل سفري إلى مصر بأسابيع عائداً من الولايات المتحدة، وكنت أرغب في شراء بعض الفيتامينات والأدوية التي لا وجود لها في مصر لبعض الأقارب والأصدقاء.
ركنت سيارتي في ساحة صيدلية اسمها "سي في اس" على ناصية شارع اسمه فوربس أفينيو بذات المدينة " بيتسبيرج"، وكنت في طريقي – مترجلاً – لدخول الصيدلية وكان الوقت يقترب من الظلام إلا قليلا وحيث بدأت أعمدة الشارع تضئ الواحدة بعد الأخرى.
حينما وصلت بالقرب من باب الصيدلية المواجه تماما لشارع " فوربس" وجدت امرأة سوداء في الثامنة والعشرين أو ربما الثلاثين من عمرها تقود سيارة وبجوارها امرأة أخرى من نفس عمرها ووجدت المرأة التي تمسك بعجلة القيادة تخرج رأسها كله من النافذة وهي تصيح بأعلى صوتها أسباني قذر .. أسباني قذر، وكثير من الشتائم القبيحة والسافلة هذا إلى جانب إشارات سافلة بأصبع يدها وهي موتورة وحاقدة وغاضبة غضبا يكفي لحرق مدينة بأكملها.
نظرت إليها من باب الفضول وأنا أسير داخلا إلى الصيدلية والعجيب أني لاحظت أنها تنظر لي وكأنني المقصود بكل تلك الشتائم.
على أي حال أنا لا أعرفها والوحيدة السوداء التي كنت اعرفها في حياتي كانت فتاه تدعى زينب ابنة احد الدبلوماسيين بالسفارة السنغالية بالقاهرة أيام أن كنا طلبة في جامعة القاهرة، وغير ذلك لاعلاقة لي ولا أعرف أحدا قط.
ملأني الاطمئنان أنني لست أنا المقصود ودخلت الصيدلية.
أخذت أسير بين الأرفف استطلع أسماء الأدوية والفيتامينات قرابة عشرون دقيقة وقد استقر الأمر بي لشراء بعض اللوازم بالفعل وذهبت لكي ادفع ثمن ما اشتريته.
كان يقف بجوار طابور الدفع رجل شرطة " سمين قليلاً" ويمسك بيده جهازا أشبه باللاسلكي تصدر منه أصواتاً عجيبة، وكانت المرأة السوداء تقف بجوار الباب الداخلي للصيدلية تنظر لرجل الشرطة ومن باب عجب تنظر لي أيضاً وهي في غاية التوتر والغضب.
إنه أمر لا يعنيني على أي حال.
أقترب مني رجل الشرطة بعد إيماءة خفيفة له من المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب، وسألني بأدب جم: هل لي أن أتفحص رخصة قيادتك ياسيدي؟
أجبت: بالطبع، وأحسست أنه عملا روتينيا خاصة فيما يتعلق بالتدقيق الأمني بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وان رجال الشرطة من حقهم أن يستوقفوا من شاءوا في أي وقت شاءوا كنوع من أنواع دواعي الأمن.
نظر الشرطي في رخصة القيادة وسألني بأدب أكثر: أنت اسمك محيي الدين؟ .. من أي بلد أنت؟ 
فقلت له من مصر، فاعتذر عن تصرفه وأعطاني الرخصة وكاد ينصرف ولكني وببرود المواقف الصعبة التي ينتابني دائما حينما تكون هناك أمورا سيئة تدور من حولي سألته: ماذا يحدث؟ فأجابني أن تلك المرأة السوداء الواقفة بجوار الباب الداخلي للصيدلية تظن أنك فتاها السابق الاسباني وأنك تطاردها لسبب ما، ثم أعقب بقوله .. يمكنك أن تقاضيها إن شئت، فشكرته وأنا اردد: لا ..لا .. لا.
خرجت من الصيدلية وأنا لا أفهم شيئاً، دارت الذاكرة بداخلي للخلف واسترجعت لقاء الرجل الفرنسي بالقاهرة والطبيبة بمستشفى الولادة وهذه السيدة السوداء.
عدت إلى القاهرة في أغسطس من عام 2004 وتغير في القاهرة كل شئ بداخلي، لم أعد أتذكر من رحلة أميركا على مدار سبعة سنوات تقريبا سوى أن احمد ابني الأصغر يحمل الجنسية الأمريكية، وما عدا ذلك لا أتذكره على الإطلاق ربما لأنني ذبت في أحضان محبوبتي الوحيدة في هذا الكون مصر وحيث نسيت في سحر عناقها الدافئ كل بلاد الدنيا التي بلا سحر وإن ظل في خاطري ذلك الذهول الباقي من الحوادث السابقة وذلك السؤال الغامض الذي يحتويني : هل أنا أحيا بالفعل في عدة أمكنة مختلفة في العالم في نفس الوقت؟ أم أنني اسباني حقاً ولا أدري ذلك!.