الجمعة، 4 فبراير 2011

المعارضة لا تصلح لرئاسة مصر ما بعد مبارك


mohi_ibraheem
بقلم: محيي الدين إبراهيم
noonptm@gmail.com
المعارضة المصرية تحمل نفس الأمراض التي كان يحملها النظام السابق، على المعارضة أن تغير من دساتيرها هي أيضا قبل أن تطمح في كرسي رئاسة مصر، وإلا كما ثاروا على النظام ( الفولاذي ) وانتصروا عليه فلا أسهل عليهم أن ينهوا بلا ثورة تلك الرموز المعارضة لكونها لا تحمل أي قوة مؤثرة في الشارع، ولا أي مشروع وطني حقيقي لحد الآن.
نسميها في مصر ( دكاكين ) المعارضة، وكل رئيس حزب معارض في مصر لا يقل ديكتاتورية عن فرانكو، فهو ينشئ الحزب ويترأسه حتى الموت، ثم يورثه لأبنائه من بعده، ربما طمعا في ضمان وصول الدعم الحكومي للحزب في جيوب المقربين فقط من رأس النظام في الحزب وربما أيضاً للحصول على أكبر استفادة من خلال هذا القرب وهي مسألة أصيلة في الثقافة المصرية يسميها الناس في مصر ( العشم ) وهذا العشم ليس له أي قواعد منطقية ولا تحكمه أصول ولا تهمه المصلحة العامة للوطن على الإطلاق وإنما تحكمه الغريزة السلطوية والنفعية الشخصية فقط، والعشم – في تقديري - هو ما حول مصر إلى ماهي عليه الآن على يد جمال مبارك – على سبيل المثال – وأوصلها لأن تكون دولة ( خربانة ) يتحكم فيها اقل من 20 شخص فقط من رجال الأعمال المقربين جدا من جمال مبارك وعلى رأسهم احمد عز عازف الدرامز السابق في أفراح أسرة السيد الرئيس والمقربين منهم فقط وحيث صار وهو غير مؤهل تحت مسمى ( العشم )، أصبح الشخصية رقم واحد في مصر سياسيا واقتصاديا رغم انه لا يحمل أي مؤهلات ترفعه إلى هذه المراكز القيادية الحساسة سوى أنه عازف درامز ماهر ومن المقربين لجمال مبارك، ويمكننا أن نتصور – وقد حدث ذلك وشاهدته بنفسي – أن هناك صحفي مغمور كان يعيش في غرفتين وصالة فوق السطوح ولا يستطيع أحيانا دفع إيجارهم الشهري، ولكنه وبمداهناته وحرق كرامته أو كما غنى سيد درويش ( عشان مانعلا ونعلا ونعلا .. لازم نطاطي نطاطي نطاطي ) استطاع هذا الصحفي من خلال وسطاء في نقابة الصحفيين على صلة قوية ومتينة بأسرة السيد الرئيس أن يتقرب من جمال مبارك وفي اقل من شهور وتحت مسمى ( العشم ) استطاع أن ينشئ حزبا ويترأسه هو وزوجته الحاصلة على شهادة ( دبلوم التجارة ) ويجمعان حولهما مجموعة كبيرة من الطامحين لأي فرصة عمل في ظل البطالة الخانقة ليتم استغلالهم في صناعة بوق إعلامي لجمال مبارك في حملة ترشيحه لحكم مصر بعد أبيه ليتحول هذا الصحفي المتواضع بالعشم من ( مديونير ) إلى مليونير ومن غرفتين وصالة في المساكن الشعبية لفيلا في الزمالك في أقل من 14 شهراً، بل حينما سألت ذات يوم أحد ضباط أمن الدولة عن كيف في ظل تضييق الخناق على إقامة وإنشاء الأحزاب المصرية ووضع شروط مستحيلة لإنشائها يتم القبول وببساطة إنشاء حزب لشخص نكرة كشخص هذا الصحفي الذي لا يعرف المصريون عنه شيئا وليس له أي تاريخ سياسي أو وطني سوى أنه أحد صعاليك نقابة الصحفيين المصرية، فاكتفي الضابط بأن قال لي: إن هذا الصحفي المتواضع الذي لا يعجبك ( ولد وابن أبوه ) ولما سألت عن ماذا يعني بكلمة ( ابن أبوه ) فقال لي: إن دعم حملة جمال مبارك من خلال حزب شرعي مكسب كبير لمسألة التوريث المرفوضة من بعض الأحزاب الأخرى!، ومن هنا كان هذا الصحفي داهية وليس متواضع كما تصفه، فكررت عليه سؤالي بصيغة أخرى: ولكن ماذا عن مصر بهذه الأحزاب الطفيلية، فاكتفي بالقول: كل خير!.
ويجب في ظل تلك الظروف ألا نستثني ( جماعة الإخوان المسلمين ) أيضاً من تلك المعادلة على الإطلاق، فهم لا يقلون ديكتاتورية في الحكم عن أقرانهم من رؤساء أحزاب المعارضة، بل يفوقونهم ديكتاتورية من حيث انتهاج أيديولوجية حكم ( الخليفة والخلافة ) في شرعية إدارة الجماعة لدرجة أن ( الخليفة ) أو المرشد العام يظل يحكم حتى يخرج على أكتاف المشيعين إلى قبره ليحل محله خليفة آخر وهكذا، ولا يسمح الخليفة ( المرشد العام ) بمعارضة أوامره ونواهيه ويؤيده في شرعية ذلك مجلس حكم صارم جدا من ما يسمى مجلس الحكماء داخل الجماعة الذي يضم ناطق سياسي وإعلامي وعسكري ورتب ودرجات كثيرة من أعلى لأسفل في نظام محكم بحيث يتمتع الكل بصلاحيات مطلقة مدى الحياة ولا يسألون عما يفعلوا.
الكل يريد أن يقفز على أكتاف الثورة وشباب الثورة ليقيم دولة جديدة تتبع ( المزاج الشخصي ) والطموحات الشخصية بحسابات غالبها لا يصب في مصلحة الوطن حسب تقديري، فحزب التجمع الاشتراكي صاحب الأصول الشيوعية يريد أن يرى مصر اللينينية الإستالينية تعود كعبة للشيوعيين في العالم العربي كما كانت على الأقل، والحزب الناصري يريد إحياء جمال عبد الناصر من قبره، وحزب الوفد يتخبط، والإخوان المسلمون يريدونها أرض الخلافة امتداداً للدولة العثمانية فتمتلئ البلاد بالمساجد وليس فيها مدرسة ولا مستشفى واحد، أما الأقباط فقد عزلتهم الكنيسة تماماً وليس لهم اليوم أي وجود سياسي حقيقي منظم ولذا لايمكن اعتبارهم – رغم أنهم يمثلوا نسبة كبيرة من شعب مصر – لايمكن اعتبارهم مولاة أو معارضة نظراً لانعزالهم شبه الكامل في الفترة الأخيرة داخل جدران الكنيسة دون زعامة سياسية ظاهرة وحقيقية تليق بتاريخهم الوطني و حجمهم الاجتماعي كما كانوا في عهد الزعيم المصري مكرم عبيد!، الكل إذن يريد أن يقفز على كرسي الرئاسة والكل لا يحمل لمصر إلا غرائزه الشخصية، ومخاوفه الشخصية من الآخر، فوبيا الآخر، ولاشك أن المعارضة المصرية بعد الخامس والعشرين من يناير، بعد ثورة المصريين لإقامة دولة الحرية والعدل والمساواة قد انقسموا على أنفسهم انقساما صريحاً وصار كل منهم يصرخ أمام الآخر بماضيه النضالي وحضوره البطولي، الذي بحثنا عنه في السنوات الأخيرة لعلنا نعثر له على قبس من نور فلم نجد سوى علامة فارقة تتجلى في حريق الوفد ( نعمان – أباظة ) واعتبار يوم حريق الوفد هذا هو يوم ثوره التغيير نحو الديمقراطية في مصر!!!، لم نر لأحزاب المعارضة نضالاً وطنياً ملموساً في السنوات الأخيرة تليق بمستوى الحدث الذي قام به شباب مصر بدونهم تماماً، لم نر إلا بعض من أماني وأحلام لزعماء تلك الأحزاب على صفحات جرائدهم الحزبية فقط، تلك الصحف التي لا يشتريها أحد.
ولا يعني كل ماسبق أن المعارضة المصرية سيئة أو دون مستواها الوطني، فلا ننكر وجودها في بعض دورات مجلس الشعب القليلة التي استطاعت أن تنجح فيها على مدار الثلاثين عاما الماضية ( عهد مبارك فقط ) بمقعد أو مقعدين وكانوا يقومون فيها بإحراج الحكومة كثيرا ويعارضون أداءها باستمرار!!.
المعارضة المصرية تحمل نفس الأمراض التي كان يحملها النظام السابق، تلك الأمراض التي ثار بسببها المصريون على النظام وعلى مبارك؛ على المعارضة أن تغير من دساتيرها هي أيضا أولا قبل أن تطمح في كرسي رئاسة مصر، لكون الطموح في اعتلاء كرسي الرئاسة وهم على هذه الشاكلة من الضعف واللاوجود داخل الشارع المصري هو العار الحقيقي في أبهى صوره، العار الذي لن يرضى عنه المصريون ولن يقبلونه ولن يصدقوه، وكما ثاروا على النظام ( الفولاذي ) وانتصروا عليه فلا أسهل عليهم حينما تستقر الأوضاع أن ينهوا بلا ثورة تلك الرموز النضالية المعارضة لكونها لا تحمل أي قوة مؤثرة في الشارع، ولا أي مشروع وطني حقيقي لحد الآن.
علي المعارضة أن تصلح من عفن الإدارة بداخلها أولاً هذا أن كانت بها إدارة لكون 90% من أحزاب مصر الحالية ليس فيها إلا بضع أفراد قليلين ( الأعضاء المؤسسين ) وغالبهم من أسرة واحدة ( أب وأم وأولاد عم وأولاد خال ) يديرون شئون الحزب كما تدار مسامط الكوارع ومطاعم الأكلات الشعبية في السيدة زينب وسيدنا الحسين.
أما الإخوان المسلمين فعليهم أن يؤمنوا بروح العصر الذي نعيش فيه ومدى التحديات التي تواجهنا كأمة لها الحق أن تعيش حياة حرة كريمة، عليهم أن ينتهوا من تقسيم الأمة لصنفين يريدون بها فتنة الناس، صنفان أحدهما إخوان مسلمون، والآخر أخوان أولاد كلب كفره، حان الوقت لأن نعمل جميعاً اليوم تحت لواء واحد وطني، أن نعمل باسم مصر كما يعمل أبناء الأمم الإخري العظيمة رغم اختلاف الدين والعرق واللون فيها وتحت لواء انتمائهم الواحد لوطنهم الواحد.
أخاطب رجال الجيش، الذين يهيمنون على المرحلة الانتقالية في البلاد في مرحلة ما بعد مبارك، نريد أن تتم الانتخابات بموجب الرقم القومي لا بموجب بطاقات الانتخاب التي استولى عليها مشايخ وعمد القرى والنجوع وصاروا يحققون بها غالبية برلمانية غير مؤهلة حسب مصالحهم الشخصية دون الرجوع لصاحب البطاقة نفسه والذي ربما يكون قد مات من سنين لكن مازال على وفاءه في أداء وممارسة حقه الانتخابي بواسطة بطاقته الانتخابية التي استولى عليها العمد والمشايخ، انتم تحققون يا رجال جيش مصر العظيم، تحققون اليوم وبقوة وبحكمة الحفاظ على استقرار مصر وهذا دوركم الذي لا نشك لحظة في أنكم تقومون به بغاية الشرف لصالح مصر دون انتظار لكلمة تشكر أو مقال يمدح، لا نريد أن يقفز على مجلس الشعب والشورى في ظل انتخابات ديمقراطية قادمة وجوه تغير من وجه مصر الجديد بواسطة العمد والمشايخ لوجه قبيح لا نريده، نريد إلغاء 50% عمال وفلاحين فهي مظهر عنصري لا يليق وقد صارت مصر كلها فئات متعلمة ومؤهلة وذابت فيها اليوم مسألة الفلاح والعامل وأصبح لا وجود لتلك المسائل كما كانت عليه أيام أن قامت ثورة يوليو 1952، نريد إلغاء بطاقة الانتخاب لبطاقة الرقم القومي لتتاح لكل القوى الشبابية التي قامت بالتغيير بالفعل دون تحزب أو مذهبية في الحفاظ ( معكم ) على مكاسب مصر من تلك الثورة وأهمها الحرية والليبرالية لا أن نرى مصر باسم الديمقراطية تتحول إلى وجه راديكالي ديكتاتوري قبيح، يدفعنا لدخول نفق مظلم من الحروب الإقليمية ومزيد من التمزق الداخلي والفتنة الطائفية.
أخيرا، حتى تصحح أحزاب المعارضة أوضاعها الداخلية لتسمو وتليق بنور هذه الثورة المصرية التي راح ضحيتها شباب مصري فقط من خارج تلك الأحزاب، بل وفي ظل غيابها، عليهم أن يكتفوا فقط بمقاعد البرلمان، وان لا يفكروا إطلاقا في رئاسة مصر فهي كبيرة جداً عليهم، عليهم ألا يفكروا حفاظاً على مصر وشعبها، لكون نار العسكر اليوم في رئاسة وقيادة هذه المرحلة الحرجة ولا جنة المعارضة المصرية ( الممزقة ) في رئاسة هذا البلد العظيم.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق