الأحد، 17 يونيو 2018

إسلام عمر بن الخطاب ووثنية مصر

( مشهد سينمائي قصير ) إسلام عمر بن الخطاب ووثنية مصر .. تلاقي أم تعارض !! هذا المشهد لم يتوقف عنده أحد من الرواة إلا من زاوية وحيدة ربما لا تعبر عن معناه الكامل الدال .. لم يتوقف الرواة إلا عند نصف الحقيقة .. نحن نقدم هذا المشهد من منظور مختلف .. رؤية مختلفة .. من نفس مصادر الرواة وأقوالهم .. ولا ندعي من خلال ذلك المشهد وتلك الرؤية العثور على الحقيقة الكاملة .. وإنما هي محاولة لفهم بعض ما غاب عنا !! ( لوحة "1" ) ( 20 - 29 ) يونيو سنة 643 م – ( 12 – 21 ) بؤونة قبطي المكان: مصر – شاطئ نهر النيل أمام حصن بابليون .. نهار خارجي جمهور عريض من المصريين يقف على ضفتي النهر لمشاهدة الاحتفال بعيد وفاء النيل وهم يغنون: «أيها الفيضان المبارك، أقيمت لك الأعياد، وقدمت لك القرابين، فتقبل منا الشكر والاعتراف بفضلك» يتجمهر وسط الجمع المصري أمام النيل عمرو بن العاص وأبنائه وجمع من قادته وقادة جيشه مع مجموعة كبيرة من الوافدين الجدد معه من العرب من عدَّة قبائل عربيَّة مثل: ( أسلم، وبلي، ومعاذ، وليث، وعنزة، وهذيل، وعدوان ) الذين تمكنوا من فتح مصر مع عمرو بن العاص .. إنهم يشاهدون الآن ما يتصورون أنه مشهد يجمع بين الإثارة والتشويق والعبث لم يرونه من قبل أبداً .. المصريون يحتفلون بإغراق أجمل فتاه في مصر في النيل ليبتلعها النيل في القاع وفاءً منهم للنيل أن فاض على المصريين بالسعادة والماء .. يرى العرب الفتاة المصرية ( الوثنية ) الجميلة } مريم - مري يم - عروسة النيل { يحملها مجموعة من الرجال على كرسي ملكي وسط كهنة أمون رافعين شعار آمون وتمثاله في مقدمة مركب ملكي وسط النيل .. وبين الموسيقى والأناشيد يقوموا بإلقاء الفتاة الجميلة الصامتة الراضية بابتسامة مؤمنة على تقديم روحها لمعبودها المقدس آمون .. لتغيب عن أنظار الكل في قاع النيل للأبد. شكل هذا المشهد صدمة كبيرة للعرب المسلمين تذكروا به مشهد ( وأد الإناث ) في زمن الجاهلية .. وتوقف عمرو بن العاص أمام هذا المشهد القاسي كثيراً لدرجة أنه عقد مجلساً مصغراً مع قادة جيشه ليبحثوا تلك المسألة .. لكنه ومن معه لم يتوصلوا لحل فاصل .. إذ خشي الجميع ( وهم حديثي عهد بمصر ) إن اتخذوا أي إجراء ضد هذه المسألة أن يعتبرها المصريون الوثنيون ( وقد كانوا يشكلون نسبة كبيرة من عدد سكان مصر آنذاك ) سخرية القادم الجديد العربي ضد معتقداتهم المصرية القديمة فيثوروا على العرب وهو ما كان لا يرضاه عمرو بن العاص .. خاصة بعدما لاقى ترحيباً عظيماً من أهل مصر يخشى أن ينقلب ضده .. فقرر المجتمعون في فسطاط عمرو بن العاص خارج اسوار حصن بابليون إرسال ( مكتوباً خطياً ) لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم يحكون له فيه تفاصيل ما شاهدوه ويطلبوا منه النصيحة. ( لوحة "2" ) الزمان: 24 أكتوبر سنة 643م – نهار داخلي المكان: الجزيرة العربية – المدينة المنورة – مسجد الرسول مجموعة كبيرة من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وكثير ممن تم استدعائهم من الولاة المحيطة أمصارهم بالمدينة المنورة .. يجلس عمر بن الخطاب بعد صلاة العصر ومعه علي بن أبي طالب .. عثمان بن عفان .. بعض من أبناء أخوال النبي صلي الله عليه وسلم : عبد يغوث بن وهب، وخالتاه فاختة بنت عمرو الزهريّة، والفريعة بنت وهب الزهريّة .. وكذلك من بعض أعمامه وأبناء عمومته .. وكان من بين الجلوس حول عمر بن الخطاب الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة رضي الله عنه. قرأ عمر بن الخطاب رسالة عمرو بن العاص على جمع الحضور وطلب الرأي والمشورة .. وأستمر الحوار حتى صلاة المغرب .. وأنتهي عمر لقرار مدهش لا يأتي إلا من الفاروق عمر .. حيث كان يرى أن الله استخلف الإنسان لعمارة الأرض لا السعي في خرابها .. وحتى لو كانت النفس التي يتم التضحية بها بطقوس وثنية في مصر هي نفس وثنية غير مسلمة فلا يجب علينا كمسلمين أن نوافق على قتل هذه النفس التي ربما يهديها الله لمعرفته .. ثم قرأ : مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً .. صدق الله العظيم .. فقد كانت طقوس المصريين في وفاء النيل من وجهة نظر عمر هي فساد في الأرض .. وقتل نفس حتى ولو كانت وثنية بدون ذنب وهو أمير المؤمنين إنما كما يقول القرأن كأنما قتل عمر الناس جميعاً .. وبإنقاذها ربما يأتي يوم ويهدها الله لسبيله .. أنكر عمر بن الخطاب بورعه وايمانه وانسانيته قتل نفس بشرية لم تعتدي ولم تفسد رغم كونها وثنية .. أما نهر النيل الذي لا يفيض فإنما يقول الله سبحانه: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) .. ثم أمر علي بن أبي طالب بكتابة رسالة إلى عمرو بن العاص وأن يتم إرسالها له على الفور. ( لوحة "3" ) الزمان: 10 أغسطس سنة 644 م – 3 مسرى قبطي المكان: مصر – شاطئ نهر النيل أمام حصن بابليون – فسطاط عمرو بن العاص – ( نهار خارجي ) يتجمهر المصريون الغاضبون أمام فسطاط عمرو بن العاص .. مضى ما يقرب من شهرين وعمرو بن العاص يرفض ممارسة المصريين في الاحتفال بالنيل ليفيض عليهم .. وهاهو النيل لا يفيض .. كاد أن يجف .. مصريون كثيرون هجروا مزارعهم .. إنهم يلتمسون من عمرو بن العاص أن يسمح لهم بممارسة طقوسهم فالنيل غاضب .. والعروس تم اختيارها .. وكهنة آمون يوحون للبسطاء أن النيل قد أنزل بهم سخطه ولن يفيض وربما لن يعود !! يخرج عمرو بن العاص لملاقاة المصريين .. ينظر إليهم نظرة المشفق على ما يؤمنون به .. يفتح رسالة عمر بن الخطاب ويدفع بها لأحد المترجمين ممن يجيد لغة المصريين فيقرأ بصوت جهور على كل المتجمهرين: ‏"‏ إنك قد أصبت يا عمرو لأن الإسلام يهدم ما كان قبله ‏"‏ وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو‏:‏ ‏"‏ إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي فألقها في النيل .. ثم قرأ المترجم الرسالة على المصريين‏:‏ ‏"‏ من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد‏:‏ فإن كنت تجري من قِبَلك فلا تجر وإن كان اللّه الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل اللّه الواحد القهار أن يجريك ‏". وجم المصريون المتجمهرون .. بينما عمرو بن العاص يسترد رسالة عمر بن الخطاب من المترجم .. ثم يمتطي جواده بين قادته ويسير نحو النيل .. لم يكن أمام المصريين سوى أن يسيروا خلفه .. وقف عمرو بن العاص أمام النيل .. فتح الرسالة وقرأها بصوت جهور على النيل كأنه حديث رجل لرجل وقال: أيها النهر .. ‏"‏ من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد‏:‏ فإن كنت تجري من قِبَلك فلا تجر وإن كان اللّه الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل اللّه الواحد القهار أن يجريك ‏" .. ثم ألقى الرسالة في النيل. ( راوي من خلف شاشة المشهد ): بعد هذه الحادثة ترقب المصريون حال النيل .. ليسوا وحدهم .. بل وترقب معهم عمرو بن العاص أمر النيل .. مر أسبوعان ( ربما أكثر أو أقل ) كأنها الفتنة والصراع النفسي والأيديولوجي بين الشرك والإيمان .. كان المصريون .. يحضرون منذ شروق الشمس ليتفقدوا الحال بينما النهر لا يفيض .. وقبل أن ييأس الناس .. فاض النهر كما لم يفض بخيره هذا من قبل .. وكانت لهذه الحادثة أبلغ الأثر في ضياع هيبة من تبقى من كهنة آمون ودخول معظم المصريين في دين الإسلام .. لقد كان إنقاذ عمر بن الخطاب نفس بشرية ( وثنية ) واحدة من الموت بل وإنقاذ أنفس كثيرة كل عام من بعدها .. سبباً من أسباب كثيرة في دخول المصريين إلى دين الله أفواجا .. لم يكن عمر بن الخطاب عنصرياً ولا قاتلاً ولا متهاوناً ولو كان كذلك ما انفتحت في عهده بلدان العالم على الإسلام .. إنقاذ نفس ( وثنية ) واحدة .. فتح نافذة الرؤية ونافذة البصيرة في قلوب الناس على قيمة الإسلام .. ما أروع هذا الرجل الورع .. رحم الله عمر بن الخطاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق