الخميس، 21 يونيو 2018

بهائم العمدة


( فانتازيا قصيرة جداً مستوحاة من أحداث تاريخية حقيقية ) 
ثارت قريتنا على العمدة ( الطاغية ) .. حررها الثوار بقيادة شيخ البلد من ( عبث ) العمدة عبد الجليل .. قرر الثوار في اجتماعهم الأول مع شيخ البلد .. توزيع اراضي العمدة بالتساوي علينا جميعاً .. لابد أن يأخذ كل منا حقه من العمدة .. لابد أن ينال كل منا ثأره من عبد الجليل .. هلل البؤساء للثوار .. إطمأن الجياع على شبع بطونهم في العهد الجديد .. أقيمت الأفراح والليالي الملاح احتفالاً بيوم النصر .. يوم أن نال كل بيت من بيوت القرية عشرة قراريط .. يوم أن إستولى كل منا على جزء من أراضي الطاغية .. يوم أن أصبح كل فلاح فينا مالكاً وليس أجيراً في أرض العمدة.
في أيام العهد البائد .. كانت قريتنا مشهورة بزراعة القمح وتخزينه وطحنه .. أما اليوم .. فكل صاحب عشرة قراريط .. يقوم بزراعتها ( خيار وبقدونس وطماطم ) أو سيموت من الجوع .. المدهش أن العشرة قراريط لا تدر على صاحبها ماكان يتقاضاه أيام العمدة عبد الجليل من دخل .. فاليوم نقوم بشراء العيش من البندر .. ( فلوسنا كلها رايحة على شراء العيش ) .. حتى ( بهائم ) العمدة .. ذبحناها لنأكل لحومها ونتلذذ بطعام العمدة وشرابه .. كنا قديماً .. ملوك القمح .. كنا نمتلك ( وابور ) طحين .. كانت كل القرى من حولنا تأتينا للتخزين وطحن الدقيق .. اليوم لا يأتي قريتنا ولا يطأها أحد إلا في فرح أو جنازة .. فقد توقف ( وابور ) الطحين عن العمل لإنعدام القمح .. وأصبحت صوامع الغلال لا تحوى إلا الفئران والثعابين.
بعد عام وبضعة أشهر .. أصبح حال الناس في قريتنا أكثر بؤساً من أيام العمدة عبد الجليل .. فزراعة ( الخيار والبقدونس والطماطم ) .. حرقت الأرض وأضعفت المحصول حتى اسودت الدنيا في قلوب الكل .. كان لسان حالهم يقول: ولا يوم من أيامك ياعبد الجليل .. هكذا الناس .. كلما جاعت بطونهم ثاروا .. وكلما ثاروا ندموا .. وكلما ندموا ثاروا من جديد .. حتى تلطخت أرض قريتنا بدماء الغضب .. والشكوى .. والحزن.
كيوم صلاة الاستسقاء .. خرج الفلاحون بنسائهم وأولادهم إلى ساحة القرية التي شهدت أيام ثورتهم الاولى ضد العمدة عبد الجليل .. وحين إكتمل نصابهم .. ذهبت هذه الجموع البشرية الغاضبة في مشهد أقرب لمشهد السعي بين الصفا والمروة في أيام الحج نحو دار شيخ البلد .. إنهم لا يريدون العشرة قراريط .. إنهم لا يريدون ( الخيار والبقدونس والطماطم ) .. أطل شيخ البلد من نافذة الدار فوجد أهل القرية جميعاً وعيونهم مملوءة بالغضب .. كان يجتمع معه في تلك اللحظة كل من شاركه من ثوار التغيير ( الصغار ) .. استشعروا جميعاً الخوف .. صعدوا يسبقهم شيخ البلد لسطح الدار بحثاً عن وسيلة للهروب .. استفز هذا الأمر جموع الغاضبين فلحقوا بهم وانقضوا عليهم .. وكما تفعل الكلاب الجائعة لم يتركوهم إلا جثثاً هامدة منهوشة البطون .. ثم قاموا بإلقائها جميعاً في مجرى ( الترعة ) .. قريتنا الآن بلا عمدة .. ولا شيخ بلد .. ولا ثوار .. أما الفلاحين .. فصار كل منهم يعمل أجيراً مرة أخرى .. ولكن هذه المرة عند عمد القرى المجاورة .. ليستطيع توفير أي دخل يسد به رمق جوع عياله !!
بقلم: محيي الدين إبراهيم
كاتب وإعلامي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق