كان شغفه بالحلم أعظم من الطموح إليه .. فالشغف يستعبدك أما الطموح فتستعبده .. أنكر كل من حوله .. لم ير سوى نفسه .. تربعه فوق سحابة حلمة .. متعة عينيه حين ينظر لأسفل قدمه فيرى الناس لا تطاله ايديهم ولا تطاله .. أعينهم .. لقد فر من الكل حتى أهله .. فر من الجميع حتى إنسانيته .. وحين تمكن من عرش شغفه .. كان وحيداً في مملكته .. إذا تحدث إرتد إليه صوته .. إذا نظر تبدد نظره في الفراغ .. وإذا استفز مشاعره .. لا يجد سوى خوفه .. وإن تلمس الأنس .. لا يجد إلا غربة روحه .. لم يروي عطشه سحابة الحلم .. فالسحاب حين يمطر .. يمطر لما هو دونه فترتوي أكباد الناس .. أما من يجلس فوق السحاب فلا ينال سوى لسعة الشمس واختناق الروح .. قرر أن يبيع حلمه مقابل ابتسامة طفل .. أخذ يسير في الأسواق يبحث عن مشتري .. من يشتري حلم مقابل ابتسامة طفل؟ .. لكن لم يحدث .. وجد ( درويشاً ) يجلس عند عتبة ( مقام ) .. استجداه أن يقبل الحلم مقابل كلمة .. فأشار له الدرويش بالرفض وتركه وهو يتمتم : ( إللي يتنازل عن مقام إنسانيته .. يحرم عليه مقام عفوه )! .. أخذ يكررها الدرويش حتى غاب عن الأنظار .. حينها جلس بحلمه مكان الدرويش أمام عتبة المقام وهو ينادي ويكرر في الناس: (من يأخذ حلمي مقابل ابتسامة طفل)؟؟ .. كان من تألموا من برودة مشاعره ومن بخل انسانيته يمرون بجواره .. لكن .. لا يروه .. ولا يسمعونه .. كان يقف أحيانا ليمسك بيد أحدهم فتمر يده من بين أجسادهم .. مائة عام وهو يجلس على عتبة المقام يبيع حلمه الذي تيبس من فرط الوحده مقابل ابتسامة طفل فلا تسمع لمشتري منهم صوتاً .. ولا حياة لمن تنادي .. فقط .. صوت الدرويش من خلف حائط المقام يقرأ: "وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا .. وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا " .. صدق الله العظيم.
فن بطعم الإنسانية
الاثنين، 14 مايو 2018
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
-
مأساة الموت التى تحولت إلى ملهاة بفضل بديع خيرى (صور) | مبتدا : الجو العام كان يملؤه التشاؤم، فالطبيب أخبر "مبدع وعادل"، بأن أباهم...
-
بقلم: محيي الدين إبراهيم noonptm@gmail.com خرج اليزيد بن معاوية ولم يبق على وفاة الرسول الكريم بضع سنين بجيش جرار لمكة والمدينة احتي...
-
هذه بروفة لآخر ماكتبت وقام بتلحينها وغنائها صديقي الدكتور طارق عباس.
-
( مشهد سينما خيالي لا يمت ولا يرمز للواقع بأي صلة وإن مس هامش من واقع فهو محض صدفة لا علاقة للكاتب بها ) انزعج العمدة ( عبد الجليل ) من كتاب...
-
كيف أتصالح مع نفسي ؟ .. سؤال يكاد يكون لسان حال الكثير .. هو يعرف الإجابة .. لكن تربية ( الخوف ) في مجتمعنا الشرقي خاصة تربية المرأة .. تدفع...
-
عقارب الساعة لا تتحرك للخلف .. ولا يمكن تسريعها للأمام .. أنت رهن قوة جبارة تبقيك فوق عقارب الزمن .. كلما حاولت الانفلات غرستك في أعماقها أك...
-
بقلم محيي الدين إبراهيم aupbc@yahoo.com الإنسان ( بطبعه ) يميل للفوضى حتى في وجود الوازع الديني .. فمنذ عملية الاغتيال الأولى في البشرية ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق